قضية استيلاء "شركة المهندس" على القرية العصرية في المثنى
15 أيار 2025
أنشئت "قرية عصرية" في بادية المثنى عام 2015، واستأجر أراضيها خريجون من كليات الزراعة والطب البيطري لاستثمارها، ولكنهم أخرجوا منها عنوة بعد تسع سنوات من أجل منح القرية لشركة تابعة للحشد الشعبي..
عام 2015، حصل العشرات من خريجي كليات الزراعة والبيطرة على عقود لغرض زراعة “القرية العصرية” في بادية المثنى والتربح منها، وقد فرحوا بهذا المشروع وشيدوا أحلاماً، لكن فرحتهم وئدت بعد تسع سنوات.
حصل ذلك ضمن مبادرة “القرى العصرية” التي أطلقتها الحكومة قبل أكثر من عشر سنوات، وشُرّع من أجلها قانون اسمه قانون القرى العصرية الزراعية رقم 59 لسنة 2012.
تقوم الفكرة على تمكين خريجي كليات الزراعة والطب البيطري من إنشاء مشاريع زراعية ربحية في أراضٍ تابعة للدولة، والحصول على قروض من المصرف الزراعي لتمويل مشاريعهم، مقابل التخلي عن مطالباتهم بالتعيين في مؤسسات الدولة، وبذلك يحصل الواقع الزراعي المتردّي في العراق على دفعة، وتتوافر فرص عمل من جانب آخر.
وسعى العشرات في المثنى إلى الاستفادة من هذا القانون، وأنشئت قرية عصرية في بادية السماوة عام 2015 على أرض تعود ملكيتها لوزارة الزراعة.
اقترض المستفيدون أموالاً وسكنوا بيوتاً مبنية داخل القرية، واشتروا أسمدة ومعدات ومرشات للري، وبدأوا يزرعون.
وفي الشهر الأول من عام 2024، فوجئوا بمجيء قوة من الحشد الشعبي لتبلغهم بأن عليهم مغادرة القرية وترك كل شيء في مدة لا تتجاوز 24 ساعة.
بدأها رئيس الوزراء
بدأت القصة عندما أرسل مكتب رئيس الوزراء كتاباً رسمياً إلى وزارة الزراعة، في 10 تشرين الأول 2023، يوجهها فيه بنقل ملكية مشروع القرية العصرية -بما فيها الدور والأراضي الزراعية التابعة لها- إلى شركتي الفردوس والصلصال “بسبب عدم استثمارها من قبل المتفرغين الزراعيين لقساوة الظروف البيئية في تلك المنطقة”.
وشركتا الفردوس والصلصال تابعتان لشركة المهندس القابضة، وهي شركة مملوكة لهيئة الحشد الشعبي، وافقت حكومة محمد شياع السوداني على إنشائها في 28 تشرين الثاني 2022، أي بعد شهر فقط من حصول الحكومة على ثقة البرلمان، وسُجلت رسمياً في وزارة التجارة بتاريخ 26 شباط 2023 برأس مال يبلغ مئة مليار دينار، وسميت بهذا الاسم تيمناً بأبي مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السابق الذي اغتالته الولايات المتحدة داخل مطار بغداد في 3 كانون الثاني 2020.

استناداً إلى 23 وثيقة حصل عليها جُمّار تتضمن كتباً رسمية ومخاطبات ومطالعات وطلبات، اقتحمت قوة من الحشد الشعبي، في 13 كانون الثاني 2024، القرية العصرية وأبلغت حراسها بأن عليهم مغادرة مواقعهم خلال 48 ساعة، فيما أبلغت المستفيدين بأن عليهم المغادرة خلال 24 ساعة.
“قالوا لنا حتى الزرع لا تقتربوا منه. لدينا كتاب من رئيس الوزراء، ورفضوا أي نقاش” يقول أحد المستفيدين لجُمّار.
وفي 16 كانون الثاني 2024، أرسلت وزارة الزراعة كتاباً عاجلاً إلى مكتب رئيس الوزراء تبلغه فيه بما حصل.
ذكرت الوزارة أن القوة مؤلفة من عجلتين عسكريتين وأبلغت الحراس بأنها ستنتظر وصول “الفوج” للسيطرة على الموقع.
وفي اليوم التالي، جاءت قوة أخرى من خمس عجلات، مزودة بأسلحة خفيفة وانضمت إلى القوة الأولى، وكسرت الباب الخلفي للقرية، ودخلت.
وفي 22 كانون الثاني 2024، أرسلت الوزارة كتاباً آخر إلى مكتب رئيس الوزراء ترد فيه على كتاب الأخير بشأن نقل ملكية القرية إلى شركتي الفردوس والصلصال.
ولا يُعرف على وجه التحديد سبب تأخّر الوزارة في الإجابة على كتاب مكتب رئيس الوزراء إلى ما بعد اقتحام القرية بالقوة، على الرغم من أنها تسلّمته قبل أكثر من ثلاثة أشهر على وقوع الأحداث.
قالت الوزارة في كتاب الإجابة إنها: أبرمت 72 عقداً مع مستفيدين من القرية العصرية في المثنى وفق قانون القرى العصرية رقم 59 لسنة 2012، وهو ما يرتّب حقوقاً والتزامات على طرفي التعاقد، مشيرة إلى تسلم مولدات كهرباء من دوائر محافظة المثنى لتشغيلها وتقديم الخدمات الأساسية للساكنين في القرية.
وفي خاتمة الكتاب، وردت جملة “راجين التفضل بالاطلاع بشأن رأينا المتضمن عدم إمكانية نقل ملكية القرية العصرية إلى شركة المهندس لكونها من مشاريع الوزارة”.
ولم يتسنّ لجُمّارالوصول إلى وثيقة تبين كيفية تعامل مكتب رئيس الوزراء مع إجابة وزارة الزراعة، كما أن المكتب لم يُجب على اتصالات الاستيضاح.
قرار قضائي مهمل
خرج المستفيدون مرغمين من القرية، تاركين كل شيء وراءهم، ومن ثم طرقوا جميع الأبواب بحثاً عمّن يساعدهم في حل قضيتهم.
ذهبوا إلى مديرية زراعة المثنى، والحكومة المحلية في المحافظة، وبعض أعضاء مجلس النواب، وكانت النتيجة إرسال مخاطبات إلى مكتب رئيس الوزراء لم تفض إلى شيء.
“إذا كان المسؤولون خائفين فماذا نفعل نحن؟” يقول مستفيد لجُمّار.
وفي أثناء سعيهم إلى استعادة حقوقهم، تلقوا نصيحة بالترافع أمام محكمة القضاء الإداري في بغداد بواسطة محامٍ.
وبالفعل، قصدوا القضاء، ووقعت المرافعة، حيث سُجّلت دعوى ضد رئيس الوزراء باعتباره هو من أوعز إلى وزارة الزراعة بنقل الملكية إلى شركتي الفردوس والصلصال، ما منح الحشد الشعبي ذريعة لاقتحام القرية والهيمنة عليها.
اطلعت المحكمة على الأوليات كلها، وقررت في 13 تشرين الأول 2024 إلغاء فقرة نقل الملكية الواردة في كتاب مكتب رئيس الوزراء.
كسب المستفيدون القضية، ولكن على الورق فقط، فالحكم لم يرَ طريقاً نحو التطبيق.
ويفيد أحد المستفيدين بأن قرار المحكمة لم يُنفذ من قبل المحافظة أو الدوائر المرتبطة بها على اعتبار أنها الجهة التنفيذية، مشيراً إلى أن المحافظة أبلغتهم بوجود تمييز يخص القرار.
“ما زال الحشد مستولياً على القرية حتى اليوم وبعد صدور قرار المحكمة” يقول مستفيد آخر لجُمّار.
وكان المستفيدون قد تسلموا قروضاً من المصرف الزراعي عليهم سداد أقساطها وفوائدها، واستثمروا في مرشّات ومكنات وساحبات ومنظومات للطاقة الشمسية، وقد ذهب كل ذلك هباء ولحقت بهم خسائر فادحة.
“أنا وحدي خسرت 150 مليون دينار” يقول أحد المتضررين.
آخر الحلول
يشيد مدير زراعة المثنى، رائد رحيم عيسى، بتجربة شركة المهندس. وهو في الوقت ذاته طرف رئيسي في قضية القرية العصرية، لأنه يمثل ذراع وزارة الزراعة في المحافظة.
يقول عيسى لجمّار: إن شركة المهندس “حققت خلال الموسم الزراعي الماضي إنجازاً لافتاً بزراعة نحو 30 ألف دونم من محصول الحنطة، لترتفع المساحة المزروعة في الموسم الحالي إلى 50 ألف دونم تدار بأنظمة ري حديثة”.
ويضيف أن “شركة المهندس تعدّ من أبرز الجهات الزراعية في المحافظة، وتشرف على أحد أكبر مشاريع زراعة النخيل النسيجي في الشرق الأوسط، يستهدف غرس مليون نخلة، زُرع منها حتى الآن نحو 300 ألف”.
وبحسب عيسى، تعود بداية الشركة إلى موافقة مجلس الوزراء العراقي، في 28 تشرين الثاني 2022، على تأسيس شركة زراعية تتبع هيئة الحشد الشعبي وتحمل اسم أبي مهدي المهندس، وقد منحتها الحكومة رأس مال ابتدائي بقيمة 10 مليارات دينار عراقي، تتوزع بين 90 بالمئة أصول حكومية و10 بالمئة نقداً، وخُصصت لها أراض واسعة في المثنى، وتم الإعلان عن أول مشاريعها رسمياً في 21 آذار 2023، بهدف زراعة مليون شجرة.
وبالنسبة لقضية القرية العصرية، يوضح عيسى أن “شركة المهندس كانت قد تواصلت مع وزارة الزراعة بهدف استغلال القرية، مستندة في ذلك إلى تقرير غير دقيق ورد من بعض أقسام الوزارة من دون الرجوع إلى الجهة المشرفة على المشروع وهي مديرية الزراعة”.
ويشير إلى أن التقرير “زعم أن القرية غير مستغلة من قبل المهندسين، وهو ما يتنافى مع الواقع”.
وعن آخر الحلول لهذه المسألة، يقول عيسى: إن وزارة الزراعة قررت تشكيل لجنة تضم ممثلين عن شركة المهندس ودائرة الاستثمارات ورئاسة الوزراء، وذلك بعد انتهاء الموسم الزراعي الحالي، للنظر في سبل تنفيذ القرار القضائي وإيجاد حل يرضي جميع الأطراف”.
“حتى الآن، ما يزال تشكيل اللجنة قيد المتابعة” يضيف.
وبينما يؤكد مستفيدون أنهم ممنوعون حتى الآن من دخول القرية، يقول عيسى إن الحشد الشعبي “سمح لهم بمواصلة العمل في أراضيهم الزراعية بعدما عرف بتعرضهم لخسائر، لكن موضوع البيوت ما يزال عالقاً ولم يُنفذ من قبل دائرة التنفيذ”.
وبشأن ما إذا كانت هناك تعويضات للمستفيدين، يبين عيسى أنه “في حال كانوا مسجلين ضمن الخطة الزراعية وتعرضوا لعوائق منعتهم من الزراعة، فإن التعويضات ستشملهم”.
أما الحكومة المحلية في المثنى، فإنها تبرئ نفسها من التسويف في تنفيذ قرار محكمة القضاء الإداري.
يقول يوسف سوادي، معاون محافظ المثنى لشؤون الزراعة والموارد المائية، إن “المحافظة تؤدي دورها الكامل في هذا الملف، وتسير وفق خطوات إدارية منظمة تهدف إلى إعادة الموقع للمهندسين الزراعيين المتفرّغين، بعد أن استحوذت عليه جهة غير مخوّلة”.
وأرسلت الحكومة المحلية في المثنى كتاباً رسمياً إلى هيئة الحشد الشعبي لإخلاء الموقع بناءً على قرار المحكمة، بحسب سوادي، الذي يبدي في الوقت ذاته عدم رضاه عن المشروع من الأساس.
“يقع المشروع على مسافة 120 كم عن مركز المدينة، وضمن مسارات الكثبان الرملية، ما أدى إلى امتلاء البيوت بالرمال بشكل متكرر، وتسبب في هجرة المستفيدين من المشروع وعدم تحقيق أهدافه كما نص عليها القانون” يقول سوادي لجُمّار.
ويضيف “لا أريد توجيه اتهام مباشر، لكن يبدو أن من اختار هذا الموقع لم يكن هدفه إنجاح المشروع”.
ووسط ذلك كله، ما يزال المستفيدون يشكون تضررهم مما حدث، وقدموا طلبات إلى أكثر من جهة لتأجيل سداد ما ترتّب عليهم من أقساط تخص القروض والآلات والمعدات.
وهم ينتظرون حالياً تنفيذ قرار المحكمة وإعادة القرية إليهم.
ويقول أحدهم “إذا لم يُنفذ القرار، لن يكون أمامنا خيار سوى اللجوء إلى عشائرنا لاستعادة ما فقدناه، وذلك آخر الحلول”.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
عام 2015، حصل العشرات من خريجي كليات الزراعة والبيطرة على عقود لغرض زراعة “القرية العصرية” في بادية المثنى والتربح منها، وقد فرحوا بهذا المشروع وشيدوا أحلاماً، لكن فرحتهم وئدت بعد تسع سنوات.
حصل ذلك ضمن مبادرة “القرى العصرية” التي أطلقتها الحكومة قبل أكثر من عشر سنوات، وشُرّع من أجلها قانون اسمه قانون القرى العصرية الزراعية رقم 59 لسنة 2012.
تقوم الفكرة على تمكين خريجي كليات الزراعة والطب البيطري من إنشاء مشاريع زراعية ربحية في أراضٍ تابعة للدولة، والحصول على قروض من المصرف الزراعي لتمويل مشاريعهم، مقابل التخلي عن مطالباتهم بالتعيين في مؤسسات الدولة، وبذلك يحصل الواقع الزراعي المتردّي في العراق على دفعة، وتتوافر فرص عمل من جانب آخر.
وسعى العشرات في المثنى إلى الاستفادة من هذا القانون، وأنشئت قرية عصرية في بادية السماوة عام 2015 على أرض تعود ملكيتها لوزارة الزراعة.
اقترض المستفيدون أموالاً وسكنوا بيوتاً مبنية داخل القرية، واشتروا أسمدة ومعدات ومرشات للري، وبدأوا يزرعون.
وفي الشهر الأول من عام 2024، فوجئوا بمجيء قوة من الحشد الشعبي لتبلغهم بأن عليهم مغادرة القرية وترك كل شيء في مدة لا تتجاوز 24 ساعة.
بدأها رئيس الوزراء
بدأت القصة عندما أرسل مكتب رئيس الوزراء كتاباً رسمياً إلى وزارة الزراعة، في 10 تشرين الأول 2023، يوجهها فيه بنقل ملكية مشروع القرية العصرية -بما فيها الدور والأراضي الزراعية التابعة لها- إلى شركتي الفردوس والصلصال “بسبب عدم استثمارها من قبل المتفرغين الزراعيين لقساوة الظروف البيئية في تلك المنطقة”.
وشركتا الفردوس والصلصال تابعتان لشركة المهندس القابضة، وهي شركة مملوكة لهيئة الحشد الشعبي، وافقت حكومة محمد شياع السوداني على إنشائها في 28 تشرين الثاني 2022، أي بعد شهر فقط من حصول الحكومة على ثقة البرلمان، وسُجلت رسمياً في وزارة التجارة بتاريخ 26 شباط 2023 برأس مال يبلغ مئة مليار دينار، وسميت بهذا الاسم تيمناً بأبي مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السابق الذي اغتالته الولايات المتحدة داخل مطار بغداد في 3 كانون الثاني 2020.

استناداً إلى 23 وثيقة حصل عليها جُمّار تتضمن كتباً رسمية ومخاطبات ومطالعات وطلبات، اقتحمت قوة من الحشد الشعبي، في 13 كانون الثاني 2024، القرية العصرية وأبلغت حراسها بأن عليهم مغادرة مواقعهم خلال 48 ساعة، فيما أبلغت المستفيدين بأن عليهم المغادرة خلال 24 ساعة.
“قالوا لنا حتى الزرع لا تقتربوا منه. لدينا كتاب من رئيس الوزراء، ورفضوا أي نقاش” يقول أحد المستفيدين لجُمّار.
وفي 16 كانون الثاني 2024، أرسلت وزارة الزراعة كتاباً عاجلاً إلى مكتب رئيس الوزراء تبلغه فيه بما حصل.
ذكرت الوزارة أن القوة مؤلفة من عجلتين عسكريتين وأبلغت الحراس بأنها ستنتظر وصول “الفوج” للسيطرة على الموقع.
وفي اليوم التالي، جاءت قوة أخرى من خمس عجلات، مزودة بأسلحة خفيفة وانضمت إلى القوة الأولى، وكسرت الباب الخلفي للقرية، ودخلت.
وفي 22 كانون الثاني 2024، أرسلت الوزارة كتاباً آخر إلى مكتب رئيس الوزراء ترد فيه على كتاب الأخير بشأن نقل ملكية القرية إلى شركتي الفردوس والصلصال.
ولا يُعرف على وجه التحديد سبب تأخّر الوزارة في الإجابة على كتاب مكتب رئيس الوزراء إلى ما بعد اقتحام القرية بالقوة، على الرغم من أنها تسلّمته قبل أكثر من ثلاثة أشهر على وقوع الأحداث.
قالت الوزارة في كتاب الإجابة إنها: أبرمت 72 عقداً مع مستفيدين من القرية العصرية في المثنى وفق قانون القرى العصرية رقم 59 لسنة 2012، وهو ما يرتّب حقوقاً والتزامات على طرفي التعاقد، مشيرة إلى تسلم مولدات كهرباء من دوائر محافظة المثنى لتشغيلها وتقديم الخدمات الأساسية للساكنين في القرية.
وفي خاتمة الكتاب، وردت جملة “راجين التفضل بالاطلاع بشأن رأينا المتضمن عدم إمكانية نقل ملكية القرية العصرية إلى شركة المهندس لكونها من مشاريع الوزارة”.
ولم يتسنّ لجُمّارالوصول إلى وثيقة تبين كيفية تعامل مكتب رئيس الوزراء مع إجابة وزارة الزراعة، كما أن المكتب لم يُجب على اتصالات الاستيضاح.
قرار قضائي مهمل
خرج المستفيدون مرغمين من القرية، تاركين كل شيء وراءهم، ومن ثم طرقوا جميع الأبواب بحثاً عمّن يساعدهم في حل قضيتهم.
ذهبوا إلى مديرية زراعة المثنى، والحكومة المحلية في المحافظة، وبعض أعضاء مجلس النواب، وكانت النتيجة إرسال مخاطبات إلى مكتب رئيس الوزراء لم تفض إلى شيء.
“إذا كان المسؤولون خائفين فماذا نفعل نحن؟” يقول مستفيد لجُمّار.
وفي أثناء سعيهم إلى استعادة حقوقهم، تلقوا نصيحة بالترافع أمام محكمة القضاء الإداري في بغداد بواسطة محامٍ.
وبالفعل، قصدوا القضاء، ووقعت المرافعة، حيث سُجّلت دعوى ضد رئيس الوزراء باعتباره هو من أوعز إلى وزارة الزراعة بنقل الملكية إلى شركتي الفردوس والصلصال، ما منح الحشد الشعبي ذريعة لاقتحام القرية والهيمنة عليها.
اطلعت المحكمة على الأوليات كلها، وقررت في 13 تشرين الأول 2024 إلغاء فقرة نقل الملكية الواردة في كتاب مكتب رئيس الوزراء.
كسب المستفيدون القضية، ولكن على الورق فقط، فالحكم لم يرَ طريقاً نحو التطبيق.
ويفيد أحد المستفيدين بأن قرار المحكمة لم يُنفذ من قبل المحافظة أو الدوائر المرتبطة بها على اعتبار أنها الجهة التنفيذية، مشيراً إلى أن المحافظة أبلغتهم بوجود تمييز يخص القرار.
“ما زال الحشد مستولياً على القرية حتى اليوم وبعد صدور قرار المحكمة” يقول مستفيد آخر لجُمّار.
وكان المستفيدون قد تسلموا قروضاً من المصرف الزراعي عليهم سداد أقساطها وفوائدها، واستثمروا في مرشّات ومكنات وساحبات ومنظومات للطاقة الشمسية، وقد ذهب كل ذلك هباء ولحقت بهم خسائر فادحة.
“أنا وحدي خسرت 150 مليون دينار” يقول أحد المتضررين.
آخر الحلول
يشيد مدير زراعة المثنى، رائد رحيم عيسى، بتجربة شركة المهندس. وهو في الوقت ذاته طرف رئيسي في قضية القرية العصرية، لأنه يمثل ذراع وزارة الزراعة في المحافظة.
يقول عيسى لجمّار: إن شركة المهندس “حققت خلال الموسم الزراعي الماضي إنجازاً لافتاً بزراعة نحو 30 ألف دونم من محصول الحنطة، لترتفع المساحة المزروعة في الموسم الحالي إلى 50 ألف دونم تدار بأنظمة ري حديثة”.
ويضيف أن “شركة المهندس تعدّ من أبرز الجهات الزراعية في المحافظة، وتشرف على أحد أكبر مشاريع زراعة النخيل النسيجي في الشرق الأوسط، يستهدف غرس مليون نخلة، زُرع منها حتى الآن نحو 300 ألف”.
وبحسب عيسى، تعود بداية الشركة إلى موافقة مجلس الوزراء العراقي، في 28 تشرين الثاني 2022، على تأسيس شركة زراعية تتبع هيئة الحشد الشعبي وتحمل اسم أبي مهدي المهندس، وقد منحتها الحكومة رأس مال ابتدائي بقيمة 10 مليارات دينار عراقي، تتوزع بين 90 بالمئة أصول حكومية و10 بالمئة نقداً، وخُصصت لها أراض واسعة في المثنى، وتم الإعلان عن أول مشاريعها رسمياً في 21 آذار 2023، بهدف زراعة مليون شجرة.
وبالنسبة لقضية القرية العصرية، يوضح عيسى أن “شركة المهندس كانت قد تواصلت مع وزارة الزراعة بهدف استغلال القرية، مستندة في ذلك إلى تقرير غير دقيق ورد من بعض أقسام الوزارة من دون الرجوع إلى الجهة المشرفة على المشروع وهي مديرية الزراعة”.
ويشير إلى أن التقرير “زعم أن القرية غير مستغلة من قبل المهندسين، وهو ما يتنافى مع الواقع”.
وعن آخر الحلول لهذه المسألة، يقول عيسى: إن وزارة الزراعة قررت تشكيل لجنة تضم ممثلين عن شركة المهندس ودائرة الاستثمارات ورئاسة الوزراء، وذلك بعد انتهاء الموسم الزراعي الحالي، للنظر في سبل تنفيذ القرار القضائي وإيجاد حل يرضي جميع الأطراف”.
“حتى الآن، ما يزال تشكيل اللجنة قيد المتابعة” يضيف.
وبينما يؤكد مستفيدون أنهم ممنوعون حتى الآن من دخول القرية، يقول عيسى إن الحشد الشعبي “سمح لهم بمواصلة العمل في أراضيهم الزراعية بعدما عرف بتعرضهم لخسائر، لكن موضوع البيوت ما يزال عالقاً ولم يُنفذ من قبل دائرة التنفيذ”.
وبشأن ما إذا كانت هناك تعويضات للمستفيدين، يبين عيسى أنه “في حال كانوا مسجلين ضمن الخطة الزراعية وتعرضوا لعوائق منعتهم من الزراعة، فإن التعويضات ستشملهم”.
أما الحكومة المحلية في المثنى، فإنها تبرئ نفسها من التسويف في تنفيذ قرار محكمة القضاء الإداري.
يقول يوسف سوادي، معاون محافظ المثنى لشؤون الزراعة والموارد المائية، إن “المحافظة تؤدي دورها الكامل في هذا الملف، وتسير وفق خطوات إدارية منظمة تهدف إلى إعادة الموقع للمهندسين الزراعيين المتفرّغين، بعد أن استحوذت عليه جهة غير مخوّلة”.
وأرسلت الحكومة المحلية في المثنى كتاباً رسمياً إلى هيئة الحشد الشعبي لإخلاء الموقع بناءً على قرار المحكمة، بحسب سوادي، الذي يبدي في الوقت ذاته عدم رضاه عن المشروع من الأساس.
“يقع المشروع على مسافة 120 كم عن مركز المدينة، وضمن مسارات الكثبان الرملية، ما أدى إلى امتلاء البيوت بالرمال بشكل متكرر، وتسبب في هجرة المستفيدين من المشروع وعدم تحقيق أهدافه كما نص عليها القانون” يقول سوادي لجُمّار.
ويضيف “لا أريد توجيه اتهام مباشر، لكن يبدو أن من اختار هذا الموقع لم يكن هدفه إنجاح المشروع”.
ووسط ذلك كله، ما يزال المستفيدون يشكون تضررهم مما حدث، وقدموا طلبات إلى أكثر من جهة لتأجيل سداد ما ترتّب عليهم من أقساط تخص القروض والآلات والمعدات.
وهم ينتظرون حالياً تنفيذ قرار المحكمة وإعادة القرية إليهم.
ويقول أحدهم “إذا لم يُنفذ القرار، لن يكون أمامنا خيار سوى اللجوء إلى عشائرنا لاستعادة ما فقدناه، وذلك آخر الحلول”.