الحكم من الأعلى إلى الأسفل: كيف نصنع حروباً أهلية في العراق؟ 

عمر الجفّال

13 أيار 2025

الحروب الأهلية لا تندلع نتيجة أزمات طائفية فقط، بل قد تنشأ من شقاق مجتمعي نتيجة نقص الخدمات والمركزية الشديدة والكراهية التي تتجول في الجغرافيا... عن العراق الذي يُدار "من فوق" و"يتفتت" من الأسفل.

لم تعد الخرائط الإدارية للعراق خطوطاً ثابتة ترسمها الحاجة والتنظيم، بل غدت ساحة للصراع بين من يُعدُّ مركزاً للقرار، ومن يُصنَّف طرفاً هامشياً فيه، وقد تتحوّل -الخرائط- إلى مسائل نزاع بين السكان أنفسهم، قبل القوى السياسية والمسؤولين الإداريين.  

وتقدّم البصرة اليوم مثالاً على شكل هذه المعركة المكشوفة، حيث يطالب قضاء الزبير بالتحول إلى محافظة، فيما يرفض أسعد العيداني وحلفاؤه هذا المطلب بحجّة وفرة المشاريع والموازنات التي يحصل عليها القضاء، ولا يتوانى العيداني، المُحافظ، ولا حلفاؤه عن التعالي على سكان الأقضية ولا عن توجيه الاتهامات لهم. 

لكن هذا السجال، الذي يبدو في ظاهره تقنياً، لا يخفي سوى جرح أعمق في النظام السياسي العراقي، المتمثّل بغياب التمثيل الحقيقي للسكان، وانعدام الحكم المحلي وآلياته، وتحوّل الإدارة على صعيد المحافظة، إلى حكم مركزي متعالٍ، يوازي تعاليه سلوك الحكم الاتحادي في بغداد على المحافظات. 

وقضاء الزبير ليس وحده مَن يتم أخذه إلى خرائط النزاع، فالأمر ينطبق أيضاً على جنوب وغرب وشمال البلاد، على شاكلة أقضية أخرى في البصرة مثل قضائي المدينة والفاو، وسوق الشيوخ والشطرة والرفاعي في ذي قار، والفلوجة في الأنبار، وسامراء وطورزخرماتو في صلاح الدين، وتلعفر وسهل نينوى وسنجار في نينوى، والصويرة في واسط، والشامية في الديوانية، وغيرها من أقضية ونواحٍ وقرى أعلنت مطلبها بالتحوّل الإداري أو تتحضّر لذلك. 

ومع كل خطوة نحو مطلب قضاء بالتحول إلى محافظة، تُفتح نافذة لكراهية متبادلة واحتقار مكتوم وتعالٍ طبقي بين السكان المتجاورين في المحافظات ذاتها، وتتشكّل فئات بعضها يعتبر نفسه “وطنياً” يريد الإبقاء على خريطة المحافظة كما اتفق، وفئات أخرى تعتقد أن نجاتها يكمن في الخلاص من المركزية الإدارية، والحصول على شكل جديد يُمكّنها من إدارة شؤونها. 

والحال هذه، لا تنهار الدول دائماً بضربة واحدة من قمتها السياسية والعسكرية فحسب، بل قد يبدأ التآكل من حيث تبدو الأمور “صغيرة” أو “محلية”؛ من شارع غير مُبلّط، أو ناحية لا تصل إليها المياه. كما أن الاقتتالات الأهلية لا تنشأ نتيجة اختلافات مذهبية أو قومية فحسب، بل يمكن لخطوط الجغرافيا وتقاسم الموارد الطبيعية والمياه والأراضي الصالحة للزراعة أن تصبح أدوات نزاع متجدد. 

في جوهرها، هذه الرغبة الاندفاعية بالتحول الإداري -أو “التقسيم” كما يصطلح عليها الساسة والناشطون ذوو المعتقدات المركزية- مكمنها غياب السياقات القانونية والإدارية التي تؤدي إلى بناء مؤسسات تُمثّل السكان، بدلاً من حبسهم في إدارات شديدة المركزية في القرار وفي توزيع الأموال والمشاريع. 

المركزيون واللامركزية 

عند كتابة الدستور العراقي عام 2005، لم يكن الحكم المحلي تفصيلاً بيروقراطياً، بل وُضع كأحد أعمدة النظام السياسي الجديد، بوصفه تعبيراً عن رغبة في توزيع السلطة وترميم علاقة الدولة بمواطنيها. المادة 122 من الدستور نصّت صراحة على أن تُدار المحافظات بأسلوب اللامركزية، وأن تُمنح سلطاتها حق التصرّف الإداري والمالي. بدا الأمر، حينها، تقدماً دستورياً يؤسس لعراق لا تُدار فيه البلاد من الأعلى، بل من القاعدة. 

يتأسس التمثيل المحلي في العراق، وفق الدستور وقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم، على هيكل هرمـي يبدأ بمجلس المحافظة، وهو سلطة تشريعية ورقابية يُنتخب مباشرة من السكان، ويقوم بانتخاب المحافظ ونائبيه الذين يشكلون السلطة التنفيذية. ويمتد هذا الهيكل إلى الأقضية والنواحي عبر مجالس محلية تُنتخب أيضاً مباشرة من السكان، بينما يُنتخب القائمقام ورئيس الناحية من قبل أعضاء المجالس المحلية المُنتخبة. ويؤدي مجلس القضاء دور السلطة التشريعية والرقابية على مستوى القضاء، بينما يقوم القائمقام بدور إداري ورقابي. يتفرع عن كل قضاء عدد من النواحي، لكل منها مجلس محلي مماثل في بنيته واختصاصاته. 

منح الدستور العراقي هذه المؤسسات المحلية صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها، بل أعطى، بموجب المادة 115، الأولوية لقوانين الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم على القوانين الاتحادية، متى ما حصل التعارض. غير أن هذه الصلاحيات بقيت موضع نزاع دائم بين الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية، ما أدى إلى إدخال تعديلات متكررة على قانون المحافظات بين عامي 2010 و2018. في تلك المرحلة، وخاصة في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ساد خطاب سياسي يرى في تقوية الحكومات المحلية مدخلاً لتفكيك البلاد، وشُدد على ضرورة وجود “قوة مركزية” كضمان لوحدة الدولة. 

رغم البنية القانونية المفصّلة، فإن العمل الفعلي للمؤسسات المحلية كان هشاً، خاصة على مستوى الأقضية والنواحي، حيث لم تُجرَ انتخابات محلية مطلقاً، بل جرى تعيين القائمقامين ورؤساء النواحي بشكل مباشر، وبناءً على توازنات سياسية مصلحية، غالباً ما تتحكم فيها الأحزاب النافذة والفصائل المسلحة. أما مجالس المحافظات، فقد أُجريت انتخاباتها بشكل غير منتظم في أربع دورات (2005، 2009، 2013، 2023)، وهيمنت على مجالسها، هي الأخرى، صراعات سياسية لطالما كان تجري في المركز، البرلمان والحكومة الاتحاديين، وتتفاعل في المجالس والحكومات المحلية. 

قوانين الحكم المحلي 

عانت قوانين الحكم المحلي في العراق من قصور وكان يجب تطويرها بالتجربة، لكن النصوص ومؤسساتها لم تصمد طويلاً. فبدلاً من أن تكون اللامركزية مساراً نحو تعميق الشراكة الوطنية، بقيت تقرأ من قبل السلطة الاتحادية كاحتمال للانفصال والتفكك، لا كضمانة للوحدة.  

والهوس بالوحدة الشكلية، بدوره، دفع الحكومات المتعاقبة إلى التحايل على النصوص الدستورية، عبر قوانين ثانوية وتفسيرات سياسية تعيد المركز إلى قلب كل قرار محلي. 

على سبيل المثال، قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم الذي صدر عام 2008 كان يُفترض أن يكون الأداة التشريعية لتفعيل اللامركزية، لكن التعديلات التي طرأت عليه أربع مرّات، بدلاً من أن تزيد من صلاحيات المسؤولين المحليين وتشبكهم أكثر بالسكان، عملت على العكس بتقليص سلطة الأقضية، وخفّضت عدد ممثليها، وألغت مجالس النواحي بالكامل، وشيطنتها حتّى صارت حلقة لا ينظر إليها إلا كزائدة تستهلك المال وتشتت القرار. وبدلاً من أن يُعمّق القانون مفهوم التمثيل المحلي، أعاد إنتاجه بشكل يرسّخ تراتبية السلطة من الأعلى، ويُخضِع كل وحدة إدارية لما فوقها. 

وقد واجهت فكرة تفويض السلطة إلى الأطراف مقاومة سياسية ومؤسسية عميقة؛ فقد رفضت الوزارات نقل صلاحياتها إلى المحافظات، وامتنع البرلمان الاتحادي مراراً عن إقرار الآليات التنفيذية لفرز العلاقة وتوضيحها، وأُضعفت مجالس المحافظات ثم أُلغيت تماماً بعد احتجاجات 2019. لم يكن ذلك نتيجة صدفة أو ضعف فني، بل نتيجة عقل سياسي يرى في الحكم المحلي تهديداً لتركيبة السلطة المركزية. فالصلاحيات الممنوحة للمحليات قُيّدت بما يسمى “الرقابة الإدارية المسبقة”، وتم تفسير بنود الدستور بما يبقي اليد العليا للمركز، خاصة في مجالات الأمن والنفط والمال والخدمات. 

أما صلاحيات مجالس الأقضية، التي منحها القانون بعض المهام – كإعداد الموازنات المحلية، المصادقة على الخطط الأمنية، والتخطيط العمراني – بقيت رهينة موافقة المحافظ ومجلس المحافظة، ما جعلها أقرب إلى لجان استشارية لا هيئات تملك قراراً فعلياً، بل إن المحكمة الاتحادية نفسها، حين رُفعت إليها طعون ضد إلغاء مجالس النواحي عندما تم حلّها وقدمت كقرابين أمام المتظاهرين الغاضبين عام 2018، ردّتها بحجّة أن الدستور أوجب فقط وجود مجالس المحافظات، لا الأقضية، في تأويل خطير لمعنى التمثيل المحلي. 

في التجارب الديمقراطية، تبدأ السياسة من القاعدة عبر الانتخابات البلدية، حيث يختبر المواطن معنى المشاركة ويقيس جودة الحكم من أقرب نقطة إلى حياته اليومية. لكن في العراق، لم تُجرَ انتخابات بلدية في المدن والأقضية والنواحي على مدى أكثر من عقدين. وتعطّلت انتخابات المجالس المحلية بعد دورتين، وفي بعض المحافظات مثل كركوك لم تُجرَ أصلاً لنحو عشرين عاماً، ما أفقد إداراتها أي شرعية شعبية أو مساءلة ديمقراطية. 

المركزية كأداة تفكيك 

منذ تأسيسها الحديث، لم تُمارس الدولة العراقية المركزية كوسيلة لتنظيم الحكم، أو كأداة لبناء هويّة جامعة مفروضة من الأعلى من النخب الحاكمة بعد الخلاص من الاستعمار؛ بل مورست، على الدوام، كأداة لاحتكار القرار، والدولة بطبيعة الحال، بمعيتها.  

وبعد عام 2003، بُرّر استخدام المركزية بهدف الحفاظ على وحدة البلاد، لكنه على أرض الواقع لم يكن إلا إنكاراً متكرراً لحاجات السكان، وحقوقهم في تمثيل وتنظيم أنفسهم داخل هيئات ومؤسسات. 

وبينما انشغلت المراكز -بغداد كحكومة مركزية ومراكز المحافظات كمراكز قرار محلية- بحراسة تخيّلها الخاص عن الوطن والمحافظة، وسيّجت سلطاتها من خطر الهوامش بالقرارات الإدارية اللاغية لها؛ كان ثمن ذلك، بالمقابل، دفع الأقضية والنواحي والقرى إلى الإفقار، وإلى تخوينها وتسفيهها عندما تحتج، أو اتهامها بالانفصالية عندما تقدم مقترحاً أو مطلباً للتحول الإداري من ناحية إلى قضاء، ومن قضاء إلى محافظة.  

وبهذا الشكل من الحكم، تلغى الدولة كإطار عام للمشاركة، وتصبح سلطة عُليا تتطلّب الامتثال، وتُقدّم في المقابل الحدّ الأدنى من الخدمات -إن قُدّم أصلاً- وهو نموذج دولة خائفة، تمارس السلطة كما لو كانت تدير ثكنة، لا مجتمعاً.  

وكلما ضاقت بها دوائر السيطرة، كلما عَمّقت الإقصاء، ووسّعت الشرخ مع الناس، الذين كلما زادت غربتهم عن الدولة، زاد شعورهم بأن لا أحد يمثلهم، ولا أحد يسمعهم، وأن الحل ليس في الاقتراع أو المطالبة، بل في الانفصال الرمزي، أو حتى الواقعي، كما سخر ناشطو السيبة قبل أعوام، وطالبوا بالانفصال والانتقال إدارياً إلى أيٍّ من دول الجوار، فقط ليحصلوا على خدمات ترتبط مباشرة بمعيشهم، وهي أبسط حقوقهم، وأقلّ الدول شأناً قادرة على توفيرها. 

تركيبة الشقاق والكراهية 

لم يعد التصدّع في العراق ناتجاً عن انفصال السلطة عن المجتمع، بل صار يتسرّب إلى قلب المجتمع نفسه. الحكم المركزي، في صيغته الراهنة، لا ينتج إدارة، بل يعيد توزيع الإقصاء داخل المحافظة الواحدة، حتى تغدو العلاقة بين قضاء ومركزه، أو بين ناحية وجوارها، أشبه بعلاقة خصمين يتنازعان شرعية البقاء. 

حين يطالب قضاء بالتحوّل إلى محافظة، لا يتلقّى السكان الخبر المعنى نفسه. فبين من يرى في الخطوة خلاصاً من التهميش، ومن يعتبرها “اقتطاعاً” من جسد المحافظة الأم.  

والحال، تداعيات النزاع الإداري لا تبقى على مستوى المجالس والمحافظين والقوانين، بل تتسرّب إلى تفاصيل الحياة اليومية بين السكان. في كثير من المحافظات، باتت مطالب التحول الإداري تقابل بفتور شعبي، أو بقلق، وأحياناً بعدائية صريحة من سكان المركز تجاه الأقضية، والعكس.  

فالمطلب، الذي يُطرح غالباً باسم تحسين الإدارة أو العدالة في توزيع الموارد، يُفهم من الطرف المقابل كتهديد لوحدة المحافظة، أو كإعلان انفصال اجتماعي. 

تنعكس هذه التوترات في اللغة، وفي المزاج العام، وأحياناً في التفاعل مع الخدمات، وعلى من له الأولوية في تعبيد الطرق؟ من يحصل على حصة مياه أكبر؟ ومن يستحق تأسيس جامعة جديدة؟ 

كل ذلك يعيد تشكيل العلاقة بين السكان لا بوصفهم أبناء محافظة واحدة، بل كمجموعات متجاورة، لكل منها سرديتها عن الظلم والاستحقاق، وبالتالي هي مشروع شقاق دائم. 

ومع غياب الوساطة المؤسسية الفاعلة، مثل المجالس المحلية المنتخبة، تبقى هذه التوترات دون تصريف، وتتحوّل مع الوقت إلى مشاعر اغتراب وكراهية متبادلة، تجعل من الجغرافيا الإدارية مصدراً للتوتر بدلاً من أن تكون وسيلة لتنظيم الحياة العامة. 

لكن الأخطر لم يأتِ بعد. فالدولة العراقية، ومنذ تأسيسها، لم ترسم حدودها الداخلية بين المحافظات، ولا داخل المحافظات نفسها بين الأقضية والنواحي والقرى، هذا الغموض الإداري، الذي يُدار بالتغاضي، يتحول اليوم، وغداً عند القبول بنشوء المحافظات الجديدة، إلى أرض خصبة للتنازع، حيث لم تعد الموارد قضية “دولة مقابل مجتمع”، بل باتت موضوع نزاع مباشر بين سكان المناطق نفسها… 

من يملك الأرض؟ من يحق له ريّ مزروعاته وبساتينه؟ من يطالب بالمواقع الوافرة بالنفط؟ ومن تُنسب له الآبار الجوفية؟ 

في هذا السياق، تصبح التحولات الإدارية نفسها مادة لتفجير العلاقات المحلية، لا لترميمها. فحتى لو تحققت المطالب بالاستقلال الإداري، فإن النتائج لن تكون اتفاقاً على توزيع أكثر عدالة، بل انقساماً بين جيران، شركاء في الذاكرة، وغرباء أمام خريطة الموارد. وفي بلد انفلت فيه السلاح من قبضة الدولة، وصار في متناول الجماعات والفرد على السواء، فإن كل خلاف محلي هو اشتباك مؤجل، وكل جدال إداري مرشّح لأن يتحول إلى دم أو إلى اقتتال أهلي. 

ولهذه الخلافات مستثمرون من القوى سياسية وفصائل مسلحة، ومن عشائر ومن رجال أعمال يديرون في أفلاك هذه السلطات العنيفة، وغير الديمقراطية وغير المؤمنة بالمؤسسات والإدارات؛ ولا يبدو مستغرباً أن يقود نواب من عصائب أهل الحق أو غيرهم مطالب التحوّل الإداري إلى أقضية، وأن تستغل مطالب خدمية 

مشروعة للسكان، لتصبح نزاعاََ سياسياََ على النفوذ، وفرصة للظفر بمزيد من الهيمنة والمال غير المشروع. 

والحال هذه، تكمن خطورة تغييب الحكم المحلي في أن التمثيل الشعبي على هذا المستوى الأساسي قد أُلغي، فحُرم المواطن من انتخاب مجلس في ناحيته أو قضاءه، ومن محاسبة مسؤول بلدي يتخذ قرارات تمس تفاصيل حياته اليومية كالشوارع ومشاريع الماء والكهرباء وصيانة المدارس. 

وأخيراً، الانتخابات على مستوى بلدي ليست مجرد تمثيل رمزي، كما فسرتها القوى السياسية المهيمنة لعقدين، بل مختبر ديمقراطي حقيقي يفرز نخباً محلية قادرة على الإدارة بعيداً عن شبكات الفساد في المستويات العليا. فالعلاقة المباشرة بين الناخب والمنتخب، والمطالب اليومية، تقلل من فاعلية الزبائنية التي تسيطر على الانتخابات البرلمانية. ولهذا، فإن تغييب هذه الانتخابات يُعد تدميراً للمواطنة من جذورها، وليس مجرد تعطيل لآلية انتخابية فرعية. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

لم تعد الخرائط الإدارية للعراق خطوطاً ثابتة ترسمها الحاجة والتنظيم، بل غدت ساحة للصراع بين من يُعدُّ مركزاً للقرار، ومن يُصنَّف طرفاً هامشياً فيه، وقد تتحوّل -الخرائط- إلى مسائل نزاع بين السكان أنفسهم، قبل القوى السياسية والمسؤولين الإداريين.  

وتقدّم البصرة اليوم مثالاً على شكل هذه المعركة المكشوفة، حيث يطالب قضاء الزبير بالتحول إلى محافظة، فيما يرفض أسعد العيداني وحلفاؤه هذا المطلب بحجّة وفرة المشاريع والموازنات التي يحصل عليها القضاء، ولا يتوانى العيداني، المُحافظ، ولا حلفاؤه عن التعالي على سكان الأقضية ولا عن توجيه الاتهامات لهم. 

لكن هذا السجال، الذي يبدو في ظاهره تقنياً، لا يخفي سوى جرح أعمق في النظام السياسي العراقي، المتمثّل بغياب التمثيل الحقيقي للسكان، وانعدام الحكم المحلي وآلياته، وتحوّل الإدارة على صعيد المحافظة، إلى حكم مركزي متعالٍ، يوازي تعاليه سلوك الحكم الاتحادي في بغداد على المحافظات. 

وقضاء الزبير ليس وحده مَن يتم أخذه إلى خرائط النزاع، فالأمر ينطبق أيضاً على جنوب وغرب وشمال البلاد، على شاكلة أقضية أخرى في البصرة مثل قضائي المدينة والفاو، وسوق الشيوخ والشطرة والرفاعي في ذي قار، والفلوجة في الأنبار، وسامراء وطورزخرماتو في صلاح الدين، وتلعفر وسهل نينوى وسنجار في نينوى، والصويرة في واسط، والشامية في الديوانية، وغيرها من أقضية ونواحٍ وقرى أعلنت مطلبها بالتحوّل الإداري أو تتحضّر لذلك. 

ومع كل خطوة نحو مطلب قضاء بالتحول إلى محافظة، تُفتح نافذة لكراهية متبادلة واحتقار مكتوم وتعالٍ طبقي بين السكان المتجاورين في المحافظات ذاتها، وتتشكّل فئات بعضها يعتبر نفسه “وطنياً” يريد الإبقاء على خريطة المحافظة كما اتفق، وفئات أخرى تعتقد أن نجاتها يكمن في الخلاص من المركزية الإدارية، والحصول على شكل جديد يُمكّنها من إدارة شؤونها. 

والحال هذه، لا تنهار الدول دائماً بضربة واحدة من قمتها السياسية والعسكرية فحسب، بل قد يبدأ التآكل من حيث تبدو الأمور “صغيرة” أو “محلية”؛ من شارع غير مُبلّط، أو ناحية لا تصل إليها المياه. كما أن الاقتتالات الأهلية لا تنشأ نتيجة اختلافات مذهبية أو قومية فحسب، بل يمكن لخطوط الجغرافيا وتقاسم الموارد الطبيعية والمياه والأراضي الصالحة للزراعة أن تصبح أدوات نزاع متجدد. 

في جوهرها، هذه الرغبة الاندفاعية بالتحول الإداري -أو “التقسيم” كما يصطلح عليها الساسة والناشطون ذوو المعتقدات المركزية- مكمنها غياب السياقات القانونية والإدارية التي تؤدي إلى بناء مؤسسات تُمثّل السكان، بدلاً من حبسهم في إدارات شديدة المركزية في القرار وفي توزيع الأموال والمشاريع. 

المركزيون واللامركزية 

عند كتابة الدستور العراقي عام 2005، لم يكن الحكم المحلي تفصيلاً بيروقراطياً، بل وُضع كأحد أعمدة النظام السياسي الجديد، بوصفه تعبيراً عن رغبة في توزيع السلطة وترميم علاقة الدولة بمواطنيها. المادة 122 من الدستور نصّت صراحة على أن تُدار المحافظات بأسلوب اللامركزية، وأن تُمنح سلطاتها حق التصرّف الإداري والمالي. بدا الأمر، حينها، تقدماً دستورياً يؤسس لعراق لا تُدار فيه البلاد من الأعلى، بل من القاعدة. 

يتأسس التمثيل المحلي في العراق، وفق الدستور وقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم، على هيكل هرمـي يبدأ بمجلس المحافظة، وهو سلطة تشريعية ورقابية يُنتخب مباشرة من السكان، ويقوم بانتخاب المحافظ ونائبيه الذين يشكلون السلطة التنفيذية. ويمتد هذا الهيكل إلى الأقضية والنواحي عبر مجالس محلية تُنتخب أيضاً مباشرة من السكان، بينما يُنتخب القائمقام ورئيس الناحية من قبل أعضاء المجالس المحلية المُنتخبة. ويؤدي مجلس القضاء دور السلطة التشريعية والرقابية على مستوى القضاء، بينما يقوم القائمقام بدور إداري ورقابي. يتفرع عن كل قضاء عدد من النواحي، لكل منها مجلس محلي مماثل في بنيته واختصاصاته. 

منح الدستور العراقي هذه المؤسسات المحلية صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها، بل أعطى، بموجب المادة 115، الأولوية لقوانين الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم على القوانين الاتحادية، متى ما حصل التعارض. غير أن هذه الصلاحيات بقيت موضع نزاع دائم بين الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية، ما أدى إلى إدخال تعديلات متكررة على قانون المحافظات بين عامي 2010 و2018. في تلك المرحلة، وخاصة في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ساد خطاب سياسي يرى في تقوية الحكومات المحلية مدخلاً لتفكيك البلاد، وشُدد على ضرورة وجود “قوة مركزية” كضمان لوحدة الدولة. 

رغم البنية القانونية المفصّلة، فإن العمل الفعلي للمؤسسات المحلية كان هشاً، خاصة على مستوى الأقضية والنواحي، حيث لم تُجرَ انتخابات محلية مطلقاً، بل جرى تعيين القائمقامين ورؤساء النواحي بشكل مباشر، وبناءً على توازنات سياسية مصلحية، غالباً ما تتحكم فيها الأحزاب النافذة والفصائل المسلحة. أما مجالس المحافظات، فقد أُجريت انتخاباتها بشكل غير منتظم في أربع دورات (2005، 2009، 2013، 2023)، وهيمنت على مجالسها، هي الأخرى، صراعات سياسية لطالما كان تجري في المركز، البرلمان والحكومة الاتحاديين، وتتفاعل في المجالس والحكومات المحلية. 

قوانين الحكم المحلي 

عانت قوانين الحكم المحلي في العراق من قصور وكان يجب تطويرها بالتجربة، لكن النصوص ومؤسساتها لم تصمد طويلاً. فبدلاً من أن تكون اللامركزية مساراً نحو تعميق الشراكة الوطنية، بقيت تقرأ من قبل السلطة الاتحادية كاحتمال للانفصال والتفكك، لا كضمانة للوحدة.  

والهوس بالوحدة الشكلية، بدوره، دفع الحكومات المتعاقبة إلى التحايل على النصوص الدستورية، عبر قوانين ثانوية وتفسيرات سياسية تعيد المركز إلى قلب كل قرار محلي. 

على سبيل المثال، قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم الذي صدر عام 2008 كان يُفترض أن يكون الأداة التشريعية لتفعيل اللامركزية، لكن التعديلات التي طرأت عليه أربع مرّات، بدلاً من أن تزيد من صلاحيات المسؤولين المحليين وتشبكهم أكثر بالسكان، عملت على العكس بتقليص سلطة الأقضية، وخفّضت عدد ممثليها، وألغت مجالس النواحي بالكامل، وشيطنتها حتّى صارت حلقة لا ينظر إليها إلا كزائدة تستهلك المال وتشتت القرار. وبدلاً من أن يُعمّق القانون مفهوم التمثيل المحلي، أعاد إنتاجه بشكل يرسّخ تراتبية السلطة من الأعلى، ويُخضِع كل وحدة إدارية لما فوقها. 

وقد واجهت فكرة تفويض السلطة إلى الأطراف مقاومة سياسية ومؤسسية عميقة؛ فقد رفضت الوزارات نقل صلاحياتها إلى المحافظات، وامتنع البرلمان الاتحادي مراراً عن إقرار الآليات التنفيذية لفرز العلاقة وتوضيحها، وأُضعفت مجالس المحافظات ثم أُلغيت تماماً بعد احتجاجات 2019. لم يكن ذلك نتيجة صدفة أو ضعف فني، بل نتيجة عقل سياسي يرى في الحكم المحلي تهديداً لتركيبة السلطة المركزية. فالصلاحيات الممنوحة للمحليات قُيّدت بما يسمى “الرقابة الإدارية المسبقة”، وتم تفسير بنود الدستور بما يبقي اليد العليا للمركز، خاصة في مجالات الأمن والنفط والمال والخدمات. 

أما صلاحيات مجالس الأقضية، التي منحها القانون بعض المهام – كإعداد الموازنات المحلية، المصادقة على الخطط الأمنية، والتخطيط العمراني – بقيت رهينة موافقة المحافظ ومجلس المحافظة، ما جعلها أقرب إلى لجان استشارية لا هيئات تملك قراراً فعلياً، بل إن المحكمة الاتحادية نفسها، حين رُفعت إليها طعون ضد إلغاء مجالس النواحي عندما تم حلّها وقدمت كقرابين أمام المتظاهرين الغاضبين عام 2018، ردّتها بحجّة أن الدستور أوجب فقط وجود مجالس المحافظات، لا الأقضية، في تأويل خطير لمعنى التمثيل المحلي. 

في التجارب الديمقراطية، تبدأ السياسة من القاعدة عبر الانتخابات البلدية، حيث يختبر المواطن معنى المشاركة ويقيس جودة الحكم من أقرب نقطة إلى حياته اليومية. لكن في العراق، لم تُجرَ انتخابات بلدية في المدن والأقضية والنواحي على مدى أكثر من عقدين. وتعطّلت انتخابات المجالس المحلية بعد دورتين، وفي بعض المحافظات مثل كركوك لم تُجرَ أصلاً لنحو عشرين عاماً، ما أفقد إداراتها أي شرعية شعبية أو مساءلة ديمقراطية. 

المركزية كأداة تفكيك 

منذ تأسيسها الحديث، لم تُمارس الدولة العراقية المركزية كوسيلة لتنظيم الحكم، أو كأداة لبناء هويّة جامعة مفروضة من الأعلى من النخب الحاكمة بعد الخلاص من الاستعمار؛ بل مورست، على الدوام، كأداة لاحتكار القرار، والدولة بطبيعة الحال، بمعيتها.  

وبعد عام 2003، بُرّر استخدام المركزية بهدف الحفاظ على وحدة البلاد، لكنه على أرض الواقع لم يكن إلا إنكاراً متكرراً لحاجات السكان، وحقوقهم في تمثيل وتنظيم أنفسهم داخل هيئات ومؤسسات. 

وبينما انشغلت المراكز -بغداد كحكومة مركزية ومراكز المحافظات كمراكز قرار محلية- بحراسة تخيّلها الخاص عن الوطن والمحافظة، وسيّجت سلطاتها من خطر الهوامش بالقرارات الإدارية اللاغية لها؛ كان ثمن ذلك، بالمقابل، دفع الأقضية والنواحي والقرى إلى الإفقار، وإلى تخوينها وتسفيهها عندما تحتج، أو اتهامها بالانفصالية عندما تقدم مقترحاً أو مطلباً للتحول الإداري من ناحية إلى قضاء، ومن قضاء إلى محافظة.  

وبهذا الشكل من الحكم، تلغى الدولة كإطار عام للمشاركة، وتصبح سلطة عُليا تتطلّب الامتثال، وتُقدّم في المقابل الحدّ الأدنى من الخدمات -إن قُدّم أصلاً- وهو نموذج دولة خائفة، تمارس السلطة كما لو كانت تدير ثكنة، لا مجتمعاً.  

وكلما ضاقت بها دوائر السيطرة، كلما عَمّقت الإقصاء، ووسّعت الشرخ مع الناس، الذين كلما زادت غربتهم عن الدولة، زاد شعورهم بأن لا أحد يمثلهم، ولا أحد يسمعهم، وأن الحل ليس في الاقتراع أو المطالبة، بل في الانفصال الرمزي، أو حتى الواقعي، كما سخر ناشطو السيبة قبل أعوام، وطالبوا بالانفصال والانتقال إدارياً إلى أيٍّ من دول الجوار، فقط ليحصلوا على خدمات ترتبط مباشرة بمعيشهم، وهي أبسط حقوقهم، وأقلّ الدول شأناً قادرة على توفيرها. 

تركيبة الشقاق والكراهية 

لم يعد التصدّع في العراق ناتجاً عن انفصال السلطة عن المجتمع، بل صار يتسرّب إلى قلب المجتمع نفسه. الحكم المركزي، في صيغته الراهنة، لا ينتج إدارة، بل يعيد توزيع الإقصاء داخل المحافظة الواحدة، حتى تغدو العلاقة بين قضاء ومركزه، أو بين ناحية وجوارها، أشبه بعلاقة خصمين يتنازعان شرعية البقاء. 

حين يطالب قضاء بالتحوّل إلى محافظة، لا يتلقّى السكان الخبر المعنى نفسه. فبين من يرى في الخطوة خلاصاً من التهميش، ومن يعتبرها “اقتطاعاً” من جسد المحافظة الأم.  

والحال، تداعيات النزاع الإداري لا تبقى على مستوى المجالس والمحافظين والقوانين، بل تتسرّب إلى تفاصيل الحياة اليومية بين السكان. في كثير من المحافظات، باتت مطالب التحول الإداري تقابل بفتور شعبي، أو بقلق، وأحياناً بعدائية صريحة من سكان المركز تجاه الأقضية، والعكس.  

فالمطلب، الذي يُطرح غالباً باسم تحسين الإدارة أو العدالة في توزيع الموارد، يُفهم من الطرف المقابل كتهديد لوحدة المحافظة، أو كإعلان انفصال اجتماعي. 

تنعكس هذه التوترات في اللغة، وفي المزاج العام، وأحياناً في التفاعل مع الخدمات، وعلى من له الأولوية في تعبيد الطرق؟ من يحصل على حصة مياه أكبر؟ ومن يستحق تأسيس جامعة جديدة؟ 

كل ذلك يعيد تشكيل العلاقة بين السكان لا بوصفهم أبناء محافظة واحدة، بل كمجموعات متجاورة، لكل منها سرديتها عن الظلم والاستحقاق، وبالتالي هي مشروع شقاق دائم. 

ومع غياب الوساطة المؤسسية الفاعلة، مثل المجالس المحلية المنتخبة، تبقى هذه التوترات دون تصريف، وتتحوّل مع الوقت إلى مشاعر اغتراب وكراهية متبادلة، تجعل من الجغرافيا الإدارية مصدراً للتوتر بدلاً من أن تكون وسيلة لتنظيم الحياة العامة. 

لكن الأخطر لم يأتِ بعد. فالدولة العراقية، ومنذ تأسيسها، لم ترسم حدودها الداخلية بين المحافظات، ولا داخل المحافظات نفسها بين الأقضية والنواحي والقرى، هذا الغموض الإداري، الذي يُدار بالتغاضي، يتحول اليوم، وغداً عند القبول بنشوء المحافظات الجديدة، إلى أرض خصبة للتنازع، حيث لم تعد الموارد قضية “دولة مقابل مجتمع”، بل باتت موضوع نزاع مباشر بين سكان المناطق نفسها… 

من يملك الأرض؟ من يحق له ريّ مزروعاته وبساتينه؟ من يطالب بالمواقع الوافرة بالنفط؟ ومن تُنسب له الآبار الجوفية؟ 

في هذا السياق، تصبح التحولات الإدارية نفسها مادة لتفجير العلاقات المحلية، لا لترميمها. فحتى لو تحققت المطالب بالاستقلال الإداري، فإن النتائج لن تكون اتفاقاً على توزيع أكثر عدالة، بل انقساماً بين جيران، شركاء في الذاكرة، وغرباء أمام خريطة الموارد. وفي بلد انفلت فيه السلاح من قبضة الدولة، وصار في متناول الجماعات والفرد على السواء، فإن كل خلاف محلي هو اشتباك مؤجل، وكل جدال إداري مرشّح لأن يتحول إلى دم أو إلى اقتتال أهلي. 

ولهذه الخلافات مستثمرون من القوى سياسية وفصائل مسلحة، ومن عشائر ومن رجال أعمال يديرون في أفلاك هذه السلطات العنيفة، وغير الديمقراطية وغير المؤمنة بالمؤسسات والإدارات؛ ولا يبدو مستغرباً أن يقود نواب من عصائب أهل الحق أو غيرهم مطالب التحوّل الإداري إلى أقضية، وأن تستغل مطالب خدمية 

مشروعة للسكان، لتصبح نزاعاََ سياسياََ على النفوذ، وفرصة للظفر بمزيد من الهيمنة والمال غير المشروع. 

والحال هذه، تكمن خطورة تغييب الحكم المحلي في أن التمثيل الشعبي على هذا المستوى الأساسي قد أُلغي، فحُرم المواطن من انتخاب مجلس في ناحيته أو قضاءه، ومن محاسبة مسؤول بلدي يتخذ قرارات تمس تفاصيل حياته اليومية كالشوارع ومشاريع الماء والكهرباء وصيانة المدارس. 

وأخيراً، الانتخابات على مستوى بلدي ليست مجرد تمثيل رمزي، كما فسرتها القوى السياسية المهيمنة لعقدين، بل مختبر ديمقراطي حقيقي يفرز نخباً محلية قادرة على الإدارة بعيداً عن شبكات الفساد في المستويات العليا. فالعلاقة المباشرة بين الناخب والمنتخب، والمطالب اليومية، تقلل من فاعلية الزبائنية التي تسيطر على الانتخابات البرلمانية. ولهذا، فإن تغييب هذه الانتخابات يُعد تدميراً للمواطنة من جذورها، وليس مجرد تعطيل لآلية انتخابية فرعية.