"أعدّوا حقائبكم.. القوة الضاربة على الطريق!".. ابتسامة فائق الشيخ في الجحيم الإقليمي 

يحيى عصام

24 نيسان 2025

قبل سنتين وعشرة أشهر، وعد النائب السابق فائق الشيخ علي بمجيء "قوة ضاربة" لإسقاط النظام السياسي في العراق، ووقعت أحداث جعلت وعده قابلاً للتنفيذ.. فماذا حصل قبل "الوعد" وبعده؟

في 27 أيار 2022، نشر فائق الشيخ علي، السياسي العراقي والنائب السابق، تدوينة على موقع إكس (تويتر سابقاً)، قال فيها إن قادة الفصائل المسلحة سيتعرضون لضربات قاضية في سنة 2024. 

لم تكن في المنطقة آنذاك ثمة صراعات حادة يمكن أن تقود إلى توقع هكذا سيناريو، سوى هجمات غير مؤثرة كانت تستهدف المصالح الأمريكية في العراق بواسطة صواريخ وطائرات مسيرة، وكانت قاعدة “عين الأسد” في الأنبار وقاعدة “حرير” في أربيل في مقدمة الأهداف. 

وكانت تتبنى تلك الهجمات جماعات تسمي نفسها بأسماء غير أسماء الفصائل المعروفة، ويُعتقد أنها مؤلفة من مجموعة مسلحين ينتمون للفصائل الشيعية المعروفة والتي لا تريد تبني الهجمات بشكل معلن، فتستخدم تسميات مستعارة لهذا الغرض. 

وشكلت هذه الهجمات امتداداً لهجمات أخرى بدأت ضد الأمريكيين في العراق بعد انسحاب دونالد ترامب الرئيس الأمريكي آنذاك من الاتفاق النووي مع إيران في أيار 2018، وتفاقمت بعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبي مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية، في بغداد في 3 كانون الثاني 2020. 

ووقع هجوم بطائرة مسيرة على قاعدة فيكتوريا التي تضم قوات أمريكية داخل مطار بغداد قبل ثلاثة أيام من نشر الشيخ علي تدوينته. 

في أيام نشر التدوينة وما سبقها ولحقها، كانت إيران تخوض مفاوضات لمحاولة إحياء الاتفاق النووي، وكان العراق بدوره عالقاً في أزمة سياسية حادة أعقبت انتخابات برلمانية أجريت في 10 تشرين الأول 2021. 

وذهبت تحليلات غربية إلى أن إيران تستخدم أذرعها المسلحة في العراق لمهاجمة الولايات المتحدة من أجل الضغط عليها في الملف النووي، وكذلك ملف السلطة في بغداد. 

فقد كان مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، مصراً على تشكيل ما كان يسميها “حكومة أغلبية وطنية” يستبعد منها القوى الشيعية المتحالفة مع إيران أو الموالية لها. 

أحرز الصدر 73 مقعداً برلمانياً في تلك الانتخابات، وقرر التحالف مع “تحالف تقدم” الذي كان يتشاطر زعامته السنيان خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الزعيم الكردي مسعود بارزاني، وعُرف هذا التحالف في حينها بـ”التحالف الثلاثي”. 

في المقابل، تجمعت القوى الشيعية المعروفة بأنها متحالفة مع إيران أو موالية لها تحت تكتل سمي “الإطار التنسيقي”، ودارت معارك سياسية طاحنة بين الإطار التنسيقي والتحالف الثلاثي من أجل تشكيل الحكومة. 

اجتماع للتحالف الثلاثي في بيت مقتدى الصدر. المصدر: إعلام التيار الصدري. 

أخفق التحالف الثلاثي أكثر من مرة في تأمين العدد اللازم من النواب لتحقيق نصاب انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان من أجل انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم المضي في تشكيل الحكومة، إزاء استطاعة الإطار تأمين عدد كاف لكسر النصاب عُرف بـ”الثلث المعطّل”. 

ما أنجز في تلك المدة، هو انتخاب الحلبوسي رئيساً للبرلمان في كانون الثاني 2022، وانتخاب حاكم الزاملي، القيادي البارز في التيار الصدري، لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، وشاخوان عبد الله، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، لمنصب النائب الثاني. 

أحكم الزاملي قبضته على السلطة التشريعية، وبقي الحلبوسي رئيساً صورياً. 

اقرأ أيضاً

لقاء السوداني والشرع… مصافحة تحت ظلال الحسابات الثقيلة 

وفي خضم الخلافات على تشكيل الحكومة، وعندما كان البرلمان تحت سيطرة الصدريين، أُدرجت على جدول أعماله القراءة الأولى لمقترح قانون يحظر التطبيع مع إسرائيل، وكان ذلك في 11 أيار 2022. 

بعد ذلك بأربعة أيام، وتحديداً في 15 أيار 2022، نشر الصدر تدوينة على إكس قرر فيها التخلي عن مساعي تشكيل الحكومة و”التحول إلى المعارضة الوطنية لمدة لا تقل عن 30 يوماً”. 

في 26 أيار 2022، صوت البرلمان على قانون حظر التطبيع مع إسرائيل، وفي 12 حزيران من السنة ذاتها، أي بعد 17 يوماً من تمرير القانون، دعا الصدر نوابه الـ73 إلى تقديم استقالتهم من البرلمان، فقدموها وقبلها الحلبوسي بسرعة. 

ويُلاحظ أن تدوينة الشيخ علي نُشرت بعد يوم واحد من إقرار هذا القانون. 

الموعد الأقصى 

أحجم الشيخ علي عن الخوض في تفاصيل تدوينته، إلى أن ظهر في لقاء متلفز مع الإعلامية سحر عباس، في 5 تموز 2022، قال فيه إن “2024 هو أقصى وأبعد موعد لإسقاط النظام الحالي والقضاء عليه إلى الأبد. وليس مهماً إذا تأخر الموعد أو تقدم شهراً”. 

وأضاف أن إسقاط النظام سيتم بواسطة قوة دولية “هائلة ضاربة قاضية مدمرة عنيفة ليس لها رحمة على الإطلاق”. 

استغرق اللقاء ساعة كاملة أورد فيها الشيخ علي تفاصيل كثيرة تقود كلها إلى أن العراق سيزدهر ويتحول إلى دولة قوية ومحترمة بعد التخلص من رؤوس السلطة القائمة إما بالقتل أو السجن أو الإعدام. 

ولما سُئل عن الصدر، قال إن هناك رأيين بشأنه، إما أن يُعامل مثل البقية، أو تركه يخرج من العراق عند تنفيذ العملية. 

ويقول عامر الفايز، رئيس تحالف تصميم وأحد قادة الإطار التنسيقي، إن الإطار لم يعر اهتماماً لتصريحات الشيخ علي. 

ويضيف لـ”جمّار”، أن “الإطار لا يجتمع لمناقشة تصريحات تُطلق هنا وهناك لغرض إثارة الانتباه، سواء من الشيخ علي أو من غيره”. 

ويشدد على أن أي تغيير في العراق لن يحدث إلا بواسطة الشعب، وعن طريق صناديق الاقتراع حصراً. 

وبعد 25 يوماً من مقابلة الشيخ علي، وتحديداً في 30 تموز 2022، عاد الصدر إلى المشهد وأخرج أتباعه إلى شوارع بغداد ثم توجهوا إلى مقر البرلمان داخل المنطقة الخضراء واقتحموه واعتصموا بداخله. 

عمل الإطار التنسيقي في اليوم ذاته على تحشيد أنصاره في جهة أخرى من المنطقة الخضراء بعيدة عن الجهة التي يتواجد فيها الصدريون، في خطوة نُقل فيها الصراع إلى الشارع. 

في تلك الأيام أصبح البرلمان تحت سيطرة الإطار بعد انسحاب النواب الصدريين منه، وكانت التحضيرات قائمة لانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل الحكومة. 

وساد في ذلك الحين اعتقاد بين المتابعين للشأن السياسي، بأن الصدر إما ندم على تخليه عن الـ73 مقعداً أو تمرد على من أرغمه على ذلك، فقرر العودة بطريقة أخرى. 

انتشرت مئات الصور لأتباع الصدر وهم يتجولون داخل أروقة البرلمان وقاعته، وفي اليوم الرابع من الاعتصام طلب زعيمهم منهم الانتقال إلى محيطه فانتقلوا. 

وفي اليوم الخامس، طالب الصدر بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، مهدداً بعدم إنهاء الاعتصام في محيط البرلمان ما لم يتم ذلك، لكن الإطار رفض الطلب. 

استمرت الأوضاع على ما هي عليه حتى جاء يوم 29 آب 2022. 

أعلن الصدر في هذا اليوم اعتزال العمل السياسي “بشكل نهائي”، فتوجه أتباعه المسلحون فوراً إلى المنطقة الخضراء بأسلحتهم وخاضوا اشتباكات مع طرف غير معروف. 

قيل إن مسلحين إيرانيين تصدوا للصدريين، وقيل عناصر في الفصائل المسلحة، وقيل قوة من القوات المكلفة بحماية المنطقة الخضراء، أو خليط من كل ذلك. 

وقال ضابط في الجيش لـ”جمّار” إن الجيش تلقى أوامر صريحة بعدم التدخل والوقوف على الحياد. 

استمرت الاشتباكات من الإثنين 29 آب حتى ظهر الثلاثاء 30 آب، وأسفرت عن قتلى وجرحى، وفُرض حظر على التجوال في إثرها. 

اعترى كثيراً من العراقيين شعور بأن مهازل العراق بلغت ذروتها، وتمنى كثير منهم أن يحدث حقاً ما تحدث به الشيخ علي. 

ظهر الصدر في كلمة متلفزة ظهيرة الثلاثاء حاول فيها إبداء الغضب ورفع صوته، قائلاً إن “القاتل والمقتول في النار. بئست الثورة هذه”. 

وأراد الصدر في كلمته إقناع الرأي العام بأنه غير راض عن تصرفات أتباعه واستخدامهم السلاح، وأمرهم بالانسحاب في غضون 60 دقيقة وإنهاء الاعتصام حول البرلمان. 

نقلت وسائل إعلام عالمية، ومنها “رويترز”، في تقارير نشرتها لاحقاً، عن مصادر أن الصدر دعا أتباعه إلى الانسحاب السريع بعد تلقيه رسالة شديدة اللهجة من مكتب المرجع الشيعي علي السيستاني في النجف. 

امتثل الصدريون لأوامر زعيمهم، وبدأوا ينسحبون من أمام المنطقة الخضراء حاملين أسلحتهم على مرأى من قوات الجيش والشرطة المنتشرة في الشوارع، في مشاهد نقلتها قنوات تلفزيونية بشكل مباشر. 

رُفع حظر التجوال وعمّ الهدوء بعد ذلك، واختار الصدر الانزواء. 

بداية الزلازل 

انتصر الإطار التنسيقي في هذه المعركة، وفي 13 تشرين الأول 2022 انتخب البرلمان عبد اللطيف جمال رشيد رئيساً للجمهورية، وقبل ذلك بـ15 يوماً جدد النواب الثقة للحلبوسي وأبقوه في منصبه، بينما انتخبوا محسن المندلاوي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان بدلاً من الزاملي، وبقي شاخوان عبد الله في منصبه نائباً ثانياً. 

وبعد أسبوعين من انتخاب رئيس الجمهورية، صوت البرلمان في 27 تشرين الأول 2022 على منح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني مرشح الإطار التنسيقي. 

كان ذلك أبرز ما حدث في العراق في الأشهر القليلة التي سبقت وتلت تصريحات الشيخ علي. 

التزم الصدر العزلة السياسية، ومضت الأمور هادئة في العراق والمنطقة، حتى جاء يوم تزاحمت بعده الأحداث الكبيرة. 

ذلك هو يوم السبت 7 تشرين الأول 2023، أو ما بات يُعرف بـ”7 أكتوبر”. 

في السادسة صباحاً من ذلك اليوم، نفذت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) عملية مفاجئة ضد إسرائيل سمتها “طوفان الأقصى”. 

تضمنت العملية شن هجوم بالصواريخ وتسلل مسلحين من حماس إلى داخل إسرائيل ومهاجمة أهداف عدة، وأسفرت عن مقتل وإصابة مئات من الإسرائيليين بينهم عسكريون وأسر 200-250 شخصاً من داخل إسرائيل ونقلهم إلى غزة واحتجازهم كرهائن. 

أعلنت إسرائيل رسمياً أنها في حالة حرب، وبدأت بشن غارات عنيفة على قطاع غزة الفلسطيني، معقل حماس. 

سارعت الحركات المسلحة الموالية لإيران إلى التدخل في الصراع، فبدأ حزب الله اللبناني في اليوم التالي بإطلاق صواريخ على إسرائيل “انتصاراً لأهل غزة”. 

في 17 تشرين الأول اُدخل العراق على الخط، فقد شنت جماعة تسمي نفسها “المقاومة الإسلامية في العراق” هجوماً بطائرة مسيرة على قاعدة حرير الأمريكية في أربيل، وواظبت منذ ذلك اليوم على استهداف الوجود الأمريكي في العراق بداعي أن واشنطن تقدم دعماً مفتوحاً إلى إسرائيل، ووسعت عملياتها لاحقاً لتصل إلى القواعد الأمريكية في سوريا وبعض الأهداف داخل إسرائيل. ر 

وفي 19 تشرين الأول 2023، اعترضت سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية صواريخ وطائرات من دون طيار أطلقها الحوثيون من اليمن باتجاه إسرائيل، وواصلوا منذ ذلك الحين المشاركة في الصراع. 

هكذا اشتعلت المنطقة، وراحت إسرائيل، مدعومة من أقوى دول العالم، تقاتل على أكثر من جبهة، إضافة إلى هجومها المدمر على غزة. 

ولأنها تعلم أن إيران وراء الهجمات اللبنانية والعراقية واليمنية، أخذت تغتال كبار قادة الحرس الثوري الإيراني المقيمين في سوريا بضربات جوية لم تعلن مسؤوليتها عنها بشكل رسمي. 

في 1 نيسان 2024، قصفت إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت 11 شخصاً كانوا بداخله، بينهم القيادي في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي. 

من 2 كانون الأول 2023 حتى 2 نيسان 2024 فقط، اغتالت إسرائيل 18 عنصراً في الحرس الثوري أثناء وجودهم في سوريا، بينهم قادة. 

ومن أبرز القياديين الإيرانيين الذين اغتيلوا في سوريا محمد رضا زاهدي ورضا موسوي وحجت الله أميدوار وسعيد عليدادي. 

ورداً على الضربات الإسرائيلية ضدها، أطلقت إيران، في 13 نيسان 2024، نحو 350 صاروخ كروز وطائرة مسيرة مفخخة على إسرائيل، في أول هجوم مباشر تشنه طهران ضد تل أبيب، فيما أعلنت إسرائيل التصدي لـ99 بالمئة من الصواريخ والمسيّرات الإيرانية. 

وفي 19 نيسان 2024، أعلنت السلطات الإيرانية وقوع انفجارات “غير مؤثرة” في وسط إيران، غير أنها لم تتهم إسرائيل بالوقوف ورائها، كما أن الأخيرة لم تعلن مسؤوليتها عنها. 

في 19 أيار 2024، سقطت طائرة مروحية كانت تقل إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني السابق وحسين أمير عبد اللهيان وزير خارجية إيران السابق ومالك رحمتي محافظ أذربيجان الشرقية السابق وآية الله آل هاشم إمام جمعة تبريز السابق ومسؤولين آخرين، وقد لقوا حتفهم جميعاً. 

كان رئيسي ومن معه عائدين إلى طهران بعد افتتاح سد “قيز قلعه سي” المشترك بين إيران وأذربيجان على نهر آراس الحدودي بين البلدين، بحضور إلهام علييف الرئيس الأذربيجاني. 

سقطت طائرتهم وتحطمت في منطقة جبلية قرب حدود أذربيجان، وعزت السلطات الإيرانية الحادث إلى سوء الأحوال الجوية. 

الطائرة التي يستقلها الرئيس الإيراني في تنقلاته. المصدر: الصحافة الإيرانية. 
حطام الطائرة بعد سقوطها بمسؤولين إيرانيين بارزين. المصدر: الصحافة الإيرانية. 

وبينما جاءت تصريحات من واشنطن بعدم وجود دور أجنبي وراء الحادث، ذهبت ظنون كثيرة إلى أن ما جرى عملية اغتيال دبرتها إسرائيل. 

ولم تعلق إسرائيل على الموضوع بشكل رسمي، لكن وسائل إعلام عالمية وإسرائيلية نقلت عن “مصادر ومسؤولين إسرائيليين” أن تل أبيب ليست مسؤولة عن الحادث. 

اغتالت إسرائيل أيضاً عدداً من كبار قادة حماس، أو قتلتهم أثناء المعارك. 

في 2 كانون الثاني 2024 اغتيل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس. 

في 13 تموز 2024 اغتيل محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام. 

في 31 تموز 2024، اغتيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، أثناء إقامته في طهران، بعملية معقدة نُشرت روايات عدة بشأن تفاصيلها، ولم تعلن إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عنها حتى 23 كانون الأول 2024. 

في 6 آب 2024، أعلنت حماس اختيار يحيى السنوار، العقل المدبر لـ”طوفان الأقصى”، خلفاً لهنية، فقتل هو الآخر في اشتباك مع قوة إسرائيلية في 16 تشرين الأول 2024. 

قائدا حماس اسماعيل هنية ويحيى السنوار اللذان اغتالتهما إسرائيل خلال عام 2024. المصدر: إعلام حماس 

العراق ليس ببعيد 

في العراق كانت الاغتيالات حاضرة أيضاً، فاغتالت الولايات المتحدة قياديين بارزين في الفصائل المسلحة، منهم مشتاق طالب السعيدي، القيادي البارز في حركة “النجباء” الذي اغتيل بقصف نفذته طائرة مسيرة في بغداد في 4 كانون الثاني 2024، وأبو باقر الساعدي، القيادي الكبير في “كتائب حزب الله” الذي اغتيل في بغداد ومعه القيادي في “الكتائب” أيضاً أركان العلياوي، بضربة جوية أمريكية في 7 شباط 2024، أي بعد شهر وأيام من اغتيال السعيدي. 

كما نفذت أمريكا في ذلك غارات جوية على مواقع للفصائل العراقية داخل العراق وسوريا أسفرت عن قتلى وجرحى. 

وكانت تلك الاغتيالات والغارات رداً على هجمات طالت أماكن وجود الأمريكيين في العراق بشكل متكرر في ذلك الوقت. 

كان الشيخ علي يلمح طيلة هذه المدة وأحداثها، إلى أن ما يجري هو المخطط الذي تحدث عنه، ويجيب كل من يسأله عن القوة التي ستأتي إلى العراق بما مضمونه: ألم تر ما يحدث؟ 

وبدأت القناعة تتصاعد يوماً بعد آخر في العراق، بأن تصريحات الشيخ علي ليست أضغاث أحلام. 

مراسم تشييع أبو باقر الساعدي في بغداد. المصدر: الفرات نيوز 

تواصلت الحرب، واكتسح الجيش الإسرائيلي غزة جواً وبراً، وبدا أن حماس خارت قواها، فالتفتت تل أبيب إلى لبنان، حيث يتمركز حزب الله. 

بدأت إسرائيل حربها على حزب الله بعملية أذهلت العالم، عندما انفجرت أجهزة اتصال لاسلكي من طراز “بيجر” في جيوب آلاف من حامليها من عناصر الحزب يوم 17 أيلول 2024 في وقت واحد. 

وفي اليوم التالي وقعت سلسلة انفجارات أخرى في أجهزة “بيجر” و”ووكي توكي”، وكانت حصيلة التفجيرات 22 قتيلاً على الأقل ونحو ثلاثة آلاف جريح منهم مئات في حالات حرجة. 

ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن العملية في ذلك الحين، لكنها أقرت في 10 تشرين الأول 2024 بأنها نفذتها. 

وفي 23 أيلول 2024، كثفت إسرائيل غاراتها على مواقع الحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية، فيما أعلنت في 30 من الشهر ذاته بدء عمليات برية “محدودة” داخل الأراضي اللبنانية. 

نزح عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى المناطق الآمنة ونحو سوريا، فيما قتل وأصيب آلاف في الغارات والمعارك. 

وأسفرت الغارات على الضاحية عن مقتل قيادات بارزة في حزب الله، وكذلك قيادات إيرانية. 

مساء الجمعة 27 أيلول 2024، وقع انفجار عنيف في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتواترت أنباء بأنه استهدف حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله. 

في بادئ الأمر، نفت مصادر مقربة من إيران وحزب الله استهداف نصر الله، وقالت إنه على قيد الحياة. 

وفي اليوم التالي، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي مقتل نصر الله ومعه علي كركي قائد جبهة الجنوب في حزب الله وقادة آخرون، وأكد الحزب الخبر في اليوم ذاته. 

وقد قتل مع نصر الله وكركي، اللواء عباس نيلفروشان، مسؤول ملف لبنان في الحرس الثوري الإيراني. 

أصاب اغتيال نصر الله -الذي لم يتوقع أحد أن تصل يد إليه- قادة ما يسمى “محور المقاومة” بالهلع، حتى أن علي خامنئي المرشد الأعلى في إيران، انتقل من مقر إقامته في طهران إلى “مكان آمن”. 

مراسم تشييع أبو باقر الساعدي في بغداد. المصدر: وكالة “إيرنا” 

وفي العراق، توارى عن الأنظار قادة الفصائل المسلحة، مثل قيس الخزعلي (زعيم عصائب أهل الحق) وأكرم الكعبي (زعيم حركة النجباء) وأبو آلاء الولائي (زعيم كتائب سيد الشهداء) وأبو فدك المحمداوي (الرجل الثاني في كتائب حزب الله). 

في 1 تشرين الأول 2024، شنت إيران هجوماً ثانياً ضد إسرائيل استخدمت فيه هذه المرة صواريخ باليستية أسرع من الصوت بـ15 مرة، وذلك رداً على اغتيال نصر الله ونيلفروشان، ولم تعلن إسرائيل عن سقوط ضحايا جراء الهجوم، فيما أعلنت هيئة الدفاع المدني الفلسطينية في مدينة أريحا بالضفة الغربية المحتلة أن رجلا توفي إثر سقوط حطام أحد الصواريخ عليه. 

وفي اليوم ذاته (1 تشرين الأول)، بدأ الجيش الإسرائيلي بالتوغل برياً في لبنان، من أجل معالجة أهداف تابعة لحزب الله. 

وازدادت المخاوف من أن إسرائيل تسعى إلى القضاء على كل أعدائها في المنطقة، عندما سارعت إلى اغتيال هاشم صفي الدين فور ترشيحه ليكون خليفة نصر الله. 

واغتيل صفي الدين في 8 تشرين الأول 2024، أي بعد تسعة أيام فقط من اغتيال نصر الله. 

في 26 تشرين الأول 2024، أعلنت إسرائيل تنفيذ هجوم على إيران عبر أكثر من 100 طائرة بينها مقاتلات منها طائرات إف-35، فضلا عن مسيّرات، وقد وصفت طهران الهجوم بـ”المحدود”. 

وطيلة هذه المدة، بدأ مدونون يحظون بمتابعة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر كتابات تتسق مع ما جاء به الشيخ علي، زاعمين أنهم يحصلون على معلوماتهم من مصادر داخل مراكز صنع القرارات الدولية والإقليمية. 

عززت كل هذه الأحداث القناعات بأن تغييراً كبيراً سيطول العراق، بما أنه مشارك في هذا الصراع ولو بشكل غير رسمي، إذ أن الفصائل المسلحة كانت مستمرة طيلة هذه المدة بشن هجمات ضد إسرائيل. 

ولم تأت إسرائيل على ذكر العراق سوى في مناسبات قليلة، ففي 25 أيلول 2024، قال الجيش الإسرائيلي إنه يراقب عن كثب التهديدات القادمة من العراق، متوعداً بـ”فعل ما يلزم”. 

وبعد ذلك بيومين، أي في 27 أيلول، عرض بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، خريطة أمام الأمم المتحدة مكتوب عليها “The Curse”، وترجمتها “اللعنة”. 

وضمت الخريطة مواقع خمس دول ملونة باللون الأسود، وهي العراق وإيران وسوريا ولبنان واليمن. 

وقال نتنياهو يومئذ وهو يحمل الخريطة “لا يوجد مكان في إيران لا تستطيع الذراع الطويلة لإسرائيل الوصول إليه. والأمر ينطبق على الشرق الأوسط بأكمله”. 

وأشارت تقارير عديدة في تلك الأيام، إلى أن الحكومة العراقية طلبت من واشنطن أكثر من مرة الضغط على إسرائيل لكي لا ترد على هجمات الفصائل. 

هدوء وهزة جديدة 

هدأت المنطقة إلى حد كبير بعد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله في لبنان وإسرائيل، والذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024. 

لكنها استفاقت على هزة جديدة عندما أسقطت المعارضة السورية نظام بشار الأسد الحليف لإيران في 8 كانون الأول 2024 بسرعة غير متوقعة. 

وذهبت الظنون مرة أخرى إلى أن العراق سيكون التالي بعد سوريا، ولاسيما بعد أن صرح يسرائيل كاتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، قائلاً “لقد أسقطنا نظام الأسد في سوريا”. 

في 26 كانون الأول 2024، كتب الشيخ علي في منصة X إن “الحروب ليست نزهة. وأكبر الحروب التي قادها أعظم القادة في العالم والتاريخ ورسموا خططها.. لم تسر الخطة بنسبة 100 بالمئة من دون تعديل أو تأجيل (…) ولكن في نهاية المطاف ستنتصر ثورة تشرين”، وذلك بعد أن سألته إحدى المتابعات عن “سبب تغيير الموعد”. 

عاد الهدوء إلى المنطقة بعد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني 2025. 

توقفت الفصائل العراقية عن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، كما أوقف الحوثيون نشاطاتهم ضد إسرائيل وحلفائها. 

وفي إثر هذا الهدوء، تراجعت التوقعات في العراق بأن شيئاً ما سيحدث، فيما تنفس مؤيدو “محور المقاومة” الصعداء، وراحوا يكثرون السخرية من تصريحات الشيخ علي. 

وازدادت سخريتهم منه عندما كتب، في 27 كانون الأول 2025، أنه يعتزم كتابة رسالة قصيرة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعوه فيها إلى “الاستعجال في إطاحة الميليشيات وإخراج إيران من العراق”، سائلاً إن كان سيلقى مساندة عراقية في ذلك، فجاءته آلاف التعليقات المؤيدة. 

وحتى لحظة الانتهاء من كتابة هذه المادة، لم ينشر شيئاً بشأن الرسالة إلى ترامب، لكنه ظهر مصراً في بعض تدويناته التي نشرها مؤخراً، على أن النظام السياسي في العراق سيطاح به. 

ومن تلك التدوينات واحدة نشرها في 20 شباط الماضي قال فيها “ستطاح العمائم والحرس الثوري والميليشيات. سيتم قصفهم من دون أية رحمة أو هوادة. القرار هو: لا تدعوهم يتنفسون”. 

ويأتي إصرار الشيخ علي على تصريحاته، وسط إشارات هنا وهناك تشي بأن النيران لم تُخمد كلياً بعد في المنطقة. 

ففي 21 شباط الماضي، قال نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق ورئيس ائتلاف دولة القانون، في مقابلة تلفزيونية إن إسرائيل تخطط لتفكيك دول عدة في المنطقة هي العراق ومصر ولبنان وسوريا وإيران وتركيا. 

وأبدى المالكي قلقه من استخدام الجماهير ضد الأنظمة التي يراد تغييرها، ومنها النظام العراقي. 

وكذلك يشير الفايز في حديثه لـ”جمّار”، إلى أن هناك “إرادة أمريكية وإسرائيلية لتقسيم دول المنطقة، لكنها مرفوضة”. 

وفي 27 شباط، قال فؤاد حسين وزير الخارجية العراقي إن التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة داخل العراق ما تزال قائمة. 

وفي 5 آذار، صرح نتنياهو بأن الجيش الإسرائيلي مستعد لخوض معارك على جبهات عدة. 

الورطة الحوثية 

في 15 آذار 2025، أعلن ترامب إصدار أوامر إلى الجيش بشن هجوم كبير ضد الحوثيين في اليمن، مهدداً بالقضاء عليهم تماماً، لتشكيلهم تهديداً على حركة السفن التجارية في البحر الأحمر. 

ويسيطر الحوثيون المدعومون من إيران، بشكل كامل على محافظات عدة في اليمن، أبرزها العاصمة صنعاء وذمار والبيضاء وإب وريمة والمحويت وعمران، كما يفرضون سيطرة شبه كاملة على أغلب مساحات بعض المحافظات، منها الحديدة والجوف وحجة وصعدة. 

وتوجد في اليمن حكومة مقرها محافظة عدن، وتسيطر بشكل كامل أيضاً على محافظتي حضرموت والمهرة، فيما تملك سيطرة شبه كاملة على محافظات أخرى مثل مأرب ولحج والضالع وتعز. 

وتحظى هذه الحكومة باعتراف معظم الدول العربية ودول العالم، ومن بينها العراق. 

غير أن العراق مدّ جسوراً للتواصل مع الحوثيين منذ عام 2018 عندما أصبح عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء، وافتتح لهم مقراً رئيسياً في بغداد فضلاً عن مقرات فرعية أخرى، ولكن من دون عقد لقاءات رسمية ومعلنة بين المسؤولين العراقيين وممثلي الحوثيين. 

كان الحوثيون قد بدأوا، منذ 19 تشرين الأول 2023، وفي إطار مساندة غزة، مهاجمة سفن حربية أمريكية وأخرى تجارية يقولون إنها مرتبطة بأمريكا وإسرائيل أو متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. 

وتقول شركة “أمبري” للأمن إن الحوثيين نفذوا أكثر من 300 هجوم على السفن في البحر الأحمر خلال العام الماضي. 

وتشير بيانات البيت الأبيض إلى أنهم هاجموا السفن الحربية الأمريكية 174 مرة، والسفن التجارية 145 مرة، منذ تشرين الأول 2023. 

ولذلك قرر ترامب “القضاء عليهم تماماً” بحسب تعبيره. 

بات العراق في حيرة من أمره إزاء الغارات الأمريكية على الحوثيين، فبعدما استنكر غارات أمريكية بريطانية عليهم في كانون الثاني 2024، وأخرى إسرائيلية في تموز 2024، التزم الصمت هذه المرة، ربما لأن حجم ضغوط واشنطن على بغداد لإبعادها عن “محور المقاومة”، بلغ درجة يتعذر معها حتى إصدار بيان إدانة لقصف اليمن. 

وتتحدث مصادر سياسية عن أن الحكومة العراقية تواجه ضغوطاً دولية هائلة من أجل غلق مقرات الحوثيين وإنهاء وجودهم في العراق، ما دفعها إلى تقييد أنشطتهم. 

لكن الحكومة ليست وحدها صاحبة القرار في العراق، فللفصائل المسلحة رأي تطبقه بمعزل عن جميع السلطات. 

في 20 آذار 2025، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريراً ذكرت فيه أن المسلحين الحوثيين يستخدمون معسكراً للتدريب في مدينة الخالص بمحافظة ديالى العراقية، غير أن خلية الإعلام الأمني في العراق نفت ذلك. 

وفي 22 آذار 2025، ظهر عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، بشكل مفاجئ في صنعاء جالساً مع مجموعة من القيادات الحوثية. 

كان الهدف المعلن لزيارة عبد المهدي إلى صنعاء المشاركة في مؤتمر نظمه الحوثيون تحت عنوان “المؤتمر الدولي الثالث-فلسطين قضية الأمة”، لكن الغاية غير المعلنة لم تُعرف تفاصيلها وتضاربت التنبؤات بشأنها. 

ولم يصدر تعليق عراقي رسمي على ذهاب عبد المهدي إلى صنعاء. 

وفي 27 آذار 2025، صرّح نجيب غلاب، وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بأن الحشد الشعبي العراقي بدأ إرسال مقاتلين إلى اليمن، قائلاً إن “هذه معلومة مؤكدة”. 

هكذا يدخل العراق متورطاً أساسياً في العويصة اليمنية، ويبدو أن حكومته لا تعرف ماذا تفعل لإبقائه بمنأى عن غضب ترامب على الحوثيين ومسانديهم. 

ضحكة بلا سبب 

في خضم القصف الأمريكي العنيف على الحوثيين في اليمن، طلب ترامب من إيران الجلوس إلى طاولة مفاوضات للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، أو تحمل عواقب عسكرية موجعة. 

حاولت إيران إظهار الأنفة برفض التفاوض تحت التهديدات، لكنها في نهاية المطاف ذهبت إلى الحوار، وعُقدت الجولة الأولى في سلطنة عمان في 12 نيسان 2025، ثم حُددت العاصمة الإيطالية روما مكاناً لعقد الجولة الثانية بوساطة عُمانية أيضاً. 

وبالتزامن مع كل هذه التطورات، بقي الشيخ علي يصرّح بأن أمريكا ستنقض على إيران، وأن معلوماته التي نشرها قبل نحو ثلاث سنوات ما زالت صالحة للاستعمال. 

وظهر في لقاء متلفز في 24 آذار 2025 قال فيه إنه تلقى المعلومات من “رئيس أعظم دولة في العالم”، وعندما سألته مقدمة البرنامج عما إذا كان يقصد الولايات المتحدة، أدى حركة غير مفهومة بكفيه، وأطلق ضحكة بلا سبب. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

في 27 أيار 2022، نشر فائق الشيخ علي، السياسي العراقي والنائب السابق، تدوينة على موقع إكس (تويتر سابقاً)، قال فيها إن قادة الفصائل المسلحة سيتعرضون لضربات قاضية في سنة 2024. 

لم تكن في المنطقة آنذاك ثمة صراعات حادة يمكن أن تقود إلى توقع هكذا سيناريو، سوى هجمات غير مؤثرة كانت تستهدف المصالح الأمريكية في العراق بواسطة صواريخ وطائرات مسيرة، وكانت قاعدة “عين الأسد” في الأنبار وقاعدة “حرير” في أربيل في مقدمة الأهداف. 

وكانت تتبنى تلك الهجمات جماعات تسمي نفسها بأسماء غير أسماء الفصائل المعروفة، ويُعتقد أنها مؤلفة من مجموعة مسلحين ينتمون للفصائل الشيعية المعروفة والتي لا تريد تبني الهجمات بشكل معلن، فتستخدم تسميات مستعارة لهذا الغرض. 

وشكلت هذه الهجمات امتداداً لهجمات أخرى بدأت ضد الأمريكيين في العراق بعد انسحاب دونالد ترامب الرئيس الأمريكي آنذاك من الاتفاق النووي مع إيران في أيار 2018، وتفاقمت بعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبي مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية، في بغداد في 3 كانون الثاني 2020. 

ووقع هجوم بطائرة مسيرة على قاعدة فيكتوريا التي تضم قوات أمريكية داخل مطار بغداد قبل ثلاثة أيام من نشر الشيخ علي تدوينته. 

في أيام نشر التدوينة وما سبقها ولحقها، كانت إيران تخوض مفاوضات لمحاولة إحياء الاتفاق النووي، وكان العراق بدوره عالقاً في أزمة سياسية حادة أعقبت انتخابات برلمانية أجريت في 10 تشرين الأول 2021. 

وذهبت تحليلات غربية إلى أن إيران تستخدم أذرعها المسلحة في العراق لمهاجمة الولايات المتحدة من أجل الضغط عليها في الملف النووي، وكذلك ملف السلطة في بغداد. 

فقد كان مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، مصراً على تشكيل ما كان يسميها “حكومة أغلبية وطنية” يستبعد منها القوى الشيعية المتحالفة مع إيران أو الموالية لها. 

أحرز الصدر 73 مقعداً برلمانياً في تلك الانتخابات، وقرر التحالف مع “تحالف تقدم” الذي كان يتشاطر زعامته السنيان خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الزعيم الكردي مسعود بارزاني، وعُرف هذا التحالف في حينها بـ”التحالف الثلاثي”. 

في المقابل، تجمعت القوى الشيعية المعروفة بأنها متحالفة مع إيران أو موالية لها تحت تكتل سمي “الإطار التنسيقي”، ودارت معارك سياسية طاحنة بين الإطار التنسيقي والتحالف الثلاثي من أجل تشكيل الحكومة. 

اجتماع للتحالف الثلاثي في بيت مقتدى الصدر. المصدر: إعلام التيار الصدري. 

أخفق التحالف الثلاثي أكثر من مرة في تأمين العدد اللازم من النواب لتحقيق نصاب انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان من أجل انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم المضي في تشكيل الحكومة، إزاء استطاعة الإطار تأمين عدد كاف لكسر النصاب عُرف بـ”الثلث المعطّل”. 

ما أنجز في تلك المدة، هو انتخاب الحلبوسي رئيساً للبرلمان في كانون الثاني 2022، وانتخاب حاكم الزاملي، القيادي البارز في التيار الصدري، لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، وشاخوان عبد الله، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، لمنصب النائب الثاني. 

أحكم الزاملي قبضته على السلطة التشريعية، وبقي الحلبوسي رئيساً صورياً. 

اقرأ أيضاً

لقاء السوداني والشرع… مصافحة تحت ظلال الحسابات الثقيلة 

وفي خضم الخلافات على تشكيل الحكومة، وعندما كان البرلمان تحت سيطرة الصدريين، أُدرجت على جدول أعماله القراءة الأولى لمقترح قانون يحظر التطبيع مع إسرائيل، وكان ذلك في 11 أيار 2022. 

بعد ذلك بأربعة أيام، وتحديداً في 15 أيار 2022، نشر الصدر تدوينة على إكس قرر فيها التخلي عن مساعي تشكيل الحكومة و”التحول إلى المعارضة الوطنية لمدة لا تقل عن 30 يوماً”. 

في 26 أيار 2022، صوت البرلمان على قانون حظر التطبيع مع إسرائيل، وفي 12 حزيران من السنة ذاتها، أي بعد 17 يوماً من تمرير القانون، دعا الصدر نوابه الـ73 إلى تقديم استقالتهم من البرلمان، فقدموها وقبلها الحلبوسي بسرعة. 

ويُلاحظ أن تدوينة الشيخ علي نُشرت بعد يوم واحد من إقرار هذا القانون. 

الموعد الأقصى 

أحجم الشيخ علي عن الخوض في تفاصيل تدوينته، إلى أن ظهر في لقاء متلفز مع الإعلامية سحر عباس، في 5 تموز 2022، قال فيه إن “2024 هو أقصى وأبعد موعد لإسقاط النظام الحالي والقضاء عليه إلى الأبد. وليس مهماً إذا تأخر الموعد أو تقدم شهراً”. 

وأضاف أن إسقاط النظام سيتم بواسطة قوة دولية “هائلة ضاربة قاضية مدمرة عنيفة ليس لها رحمة على الإطلاق”. 

استغرق اللقاء ساعة كاملة أورد فيها الشيخ علي تفاصيل كثيرة تقود كلها إلى أن العراق سيزدهر ويتحول إلى دولة قوية ومحترمة بعد التخلص من رؤوس السلطة القائمة إما بالقتل أو السجن أو الإعدام. 

ولما سُئل عن الصدر، قال إن هناك رأيين بشأنه، إما أن يُعامل مثل البقية، أو تركه يخرج من العراق عند تنفيذ العملية. 

ويقول عامر الفايز، رئيس تحالف تصميم وأحد قادة الإطار التنسيقي، إن الإطار لم يعر اهتماماً لتصريحات الشيخ علي. 

ويضيف لـ”جمّار”، أن “الإطار لا يجتمع لمناقشة تصريحات تُطلق هنا وهناك لغرض إثارة الانتباه، سواء من الشيخ علي أو من غيره”. 

ويشدد على أن أي تغيير في العراق لن يحدث إلا بواسطة الشعب، وعن طريق صناديق الاقتراع حصراً. 

وبعد 25 يوماً من مقابلة الشيخ علي، وتحديداً في 30 تموز 2022، عاد الصدر إلى المشهد وأخرج أتباعه إلى شوارع بغداد ثم توجهوا إلى مقر البرلمان داخل المنطقة الخضراء واقتحموه واعتصموا بداخله. 

عمل الإطار التنسيقي في اليوم ذاته على تحشيد أنصاره في جهة أخرى من المنطقة الخضراء بعيدة عن الجهة التي يتواجد فيها الصدريون، في خطوة نُقل فيها الصراع إلى الشارع. 

في تلك الأيام أصبح البرلمان تحت سيطرة الإطار بعد انسحاب النواب الصدريين منه، وكانت التحضيرات قائمة لانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل الحكومة. 

وساد في ذلك الحين اعتقاد بين المتابعين للشأن السياسي، بأن الصدر إما ندم على تخليه عن الـ73 مقعداً أو تمرد على من أرغمه على ذلك، فقرر العودة بطريقة أخرى. 

انتشرت مئات الصور لأتباع الصدر وهم يتجولون داخل أروقة البرلمان وقاعته، وفي اليوم الرابع من الاعتصام طلب زعيمهم منهم الانتقال إلى محيطه فانتقلوا. 

وفي اليوم الخامس، طالب الصدر بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، مهدداً بعدم إنهاء الاعتصام في محيط البرلمان ما لم يتم ذلك، لكن الإطار رفض الطلب. 

استمرت الأوضاع على ما هي عليه حتى جاء يوم 29 آب 2022. 

أعلن الصدر في هذا اليوم اعتزال العمل السياسي “بشكل نهائي”، فتوجه أتباعه المسلحون فوراً إلى المنطقة الخضراء بأسلحتهم وخاضوا اشتباكات مع طرف غير معروف. 

قيل إن مسلحين إيرانيين تصدوا للصدريين، وقيل عناصر في الفصائل المسلحة، وقيل قوة من القوات المكلفة بحماية المنطقة الخضراء، أو خليط من كل ذلك. 

وقال ضابط في الجيش لـ”جمّار” إن الجيش تلقى أوامر صريحة بعدم التدخل والوقوف على الحياد. 

استمرت الاشتباكات من الإثنين 29 آب حتى ظهر الثلاثاء 30 آب، وأسفرت عن قتلى وجرحى، وفُرض حظر على التجوال في إثرها. 

اعترى كثيراً من العراقيين شعور بأن مهازل العراق بلغت ذروتها، وتمنى كثير منهم أن يحدث حقاً ما تحدث به الشيخ علي. 

ظهر الصدر في كلمة متلفزة ظهيرة الثلاثاء حاول فيها إبداء الغضب ورفع صوته، قائلاً إن “القاتل والمقتول في النار. بئست الثورة هذه”. 

وأراد الصدر في كلمته إقناع الرأي العام بأنه غير راض عن تصرفات أتباعه واستخدامهم السلاح، وأمرهم بالانسحاب في غضون 60 دقيقة وإنهاء الاعتصام حول البرلمان. 

نقلت وسائل إعلام عالمية، ومنها “رويترز”، في تقارير نشرتها لاحقاً، عن مصادر أن الصدر دعا أتباعه إلى الانسحاب السريع بعد تلقيه رسالة شديدة اللهجة من مكتب المرجع الشيعي علي السيستاني في النجف. 

امتثل الصدريون لأوامر زعيمهم، وبدأوا ينسحبون من أمام المنطقة الخضراء حاملين أسلحتهم على مرأى من قوات الجيش والشرطة المنتشرة في الشوارع، في مشاهد نقلتها قنوات تلفزيونية بشكل مباشر. 

رُفع حظر التجوال وعمّ الهدوء بعد ذلك، واختار الصدر الانزواء. 

بداية الزلازل 

انتصر الإطار التنسيقي في هذه المعركة، وفي 13 تشرين الأول 2022 انتخب البرلمان عبد اللطيف جمال رشيد رئيساً للجمهورية، وقبل ذلك بـ15 يوماً جدد النواب الثقة للحلبوسي وأبقوه في منصبه، بينما انتخبوا محسن المندلاوي لمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان بدلاً من الزاملي، وبقي شاخوان عبد الله في منصبه نائباً ثانياً. 

وبعد أسبوعين من انتخاب رئيس الجمهورية، صوت البرلمان في 27 تشرين الأول 2022 على منح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني مرشح الإطار التنسيقي. 

كان ذلك أبرز ما حدث في العراق في الأشهر القليلة التي سبقت وتلت تصريحات الشيخ علي. 

التزم الصدر العزلة السياسية، ومضت الأمور هادئة في العراق والمنطقة، حتى جاء يوم تزاحمت بعده الأحداث الكبيرة. 

ذلك هو يوم السبت 7 تشرين الأول 2023، أو ما بات يُعرف بـ”7 أكتوبر”. 

في السادسة صباحاً من ذلك اليوم، نفذت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) عملية مفاجئة ضد إسرائيل سمتها “طوفان الأقصى”. 

تضمنت العملية شن هجوم بالصواريخ وتسلل مسلحين من حماس إلى داخل إسرائيل ومهاجمة أهداف عدة، وأسفرت عن مقتل وإصابة مئات من الإسرائيليين بينهم عسكريون وأسر 200-250 شخصاً من داخل إسرائيل ونقلهم إلى غزة واحتجازهم كرهائن. 

أعلنت إسرائيل رسمياً أنها في حالة حرب، وبدأت بشن غارات عنيفة على قطاع غزة الفلسطيني، معقل حماس. 

سارعت الحركات المسلحة الموالية لإيران إلى التدخل في الصراع، فبدأ حزب الله اللبناني في اليوم التالي بإطلاق صواريخ على إسرائيل “انتصاراً لأهل غزة”. 

في 17 تشرين الأول اُدخل العراق على الخط، فقد شنت جماعة تسمي نفسها “المقاومة الإسلامية في العراق” هجوماً بطائرة مسيرة على قاعدة حرير الأمريكية في أربيل، وواظبت منذ ذلك اليوم على استهداف الوجود الأمريكي في العراق بداعي أن واشنطن تقدم دعماً مفتوحاً إلى إسرائيل، ووسعت عملياتها لاحقاً لتصل إلى القواعد الأمريكية في سوريا وبعض الأهداف داخل إسرائيل. ر 

وفي 19 تشرين الأول 2023، اعترضت سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية صواريخ وطائرات من دون طيار أطلقها الحوثيون من اليمن باتجاه إسرائيل، وواصلوا منذ ذلك الحين المشاركة في الصراع. 

هكذا اشتعلت المنطقة، وراحت إسرائيل، مدعومة من أقوى دول العالم، تقاتل على أكثر من جبهة، إضافة إلى هجومها المدمر على غزة. 

ولأنها تعلم أن إيران وراء الهجمات اللبنانية والعراقية واليمنية، أخذت تغتال كبار قادة الحرس الثوري الإيراني المقيمين في سوريا بضربات جوية لم تعلن مسؤوليتها عنها بشكل رسمي. 

في 1 نيسان 2024، قصفت إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت 11 شخصاً كانوا بداخله، بينهم القيادي في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي. 

من 2 كانون الأول 2023 حتى 2 نيسان 2024 فقط، اغتالت إسرائيل 18 عنصراً في الحرس الثوري أثناء وجودهم في سوريا، بينهم قادة. 

ومن أبرز القياديين الإيرانيين الذين اغتيلوا في سوريا محمد رضا زاهدي ورضا موسوي وحجت الله أميدوار وسعيد عليدادي. 

ورداً على الضربات الإسرائيلية ضدها، أطلقت إيران، في 13 نيسان 2024، نحو 350 صاروخ كروز وطائرة مسيرة مفخخة على إسرائيل، في أول هجوم مباشر تشنه طهران ضد تل أبيب، فيما أعلنت إسرائيل التصدي لـ99 بالمئة من الصواريخ والمسيّرات الإيرانية. 

وفي 19 نيسان 2024، أعلنت السلطات الإيرانية وقوع انفجارات “غير مؤثرة” في وسط إيران، غير أنها لم تتهم إسرائيل بالوقوف ورائها، كما أن الأخيرة لم تعلن مسؤوليتها عنها. 

في 19 أيار 2024، سقطت طائرة مروحية كانت تقل إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني السابق وحسين أمير عبد اللهيان وزير خارجية إيران السابق ومالك رحمتي محافظ أذربيجان الشرقية السابق وآية الله آل هاشم إمام جمعة تبريز السابق ومسؤولين آخرين، وقد لقوا حتفهم جميعاً. 

كان رئيسي ومن معه عائدين إلى طهران بعد افتتاح سد “قيز قلعه سي” المشترك بين إيران وأذربيجان على نهر آراس الحدودي بين البلدين، بحضور إلهام علييف الرئيس الأذربيجاني. 

سقطت طائرتهم وتحطمت في منطقة جبلية قرب حدود أذربيجان، وعزت السلطات الإيرانية الحادث إلى سوء الأحوال الجوية. 

الطائرة التي يستقلها الرئيس الإيراني في تنقلاته. المصدر: الصحافة الإيرانية. 
حطام الطائرة بعد سقوطها بمسؤولين إيرانيين بارزين. المصدر: الصحافة الإيرانية. 

وبينما جاءت تصريحات من واشنطن بعدم وجود دور أجنبي وراء الحادث، ذهبت ظنون كثيرة إلى أن ما جرى عملية اغتيال دبرتها إسرائيل. 

ولم تعلق إسرائيل على الموضوع بشكل رسمي، لكن وسائل إعلام عالمية وإسرائيلية نقلت عن “مصادر ومسؤولين إسرائيليين” أن تل أبيب ليست مسؤولة عن الحادث. 

اغتالت إسرائيل أيضاً عدداً من كبار قادة حماس، أو قتلتهم أثناء المعارك. 

في 2 كانون الثاني 2024 اغتيل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس. 

في 13 تموز 2024 اغتيل محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام. 

في 31 تموز 2024، اغتيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، أثناء إقامته في طهران، بعملية معقدة نُشرت روايات عدة بشأن تفاصيلها، ولم تعلن إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عنها حتى 23 كانون الأول 2024. 

في 6 آب 2024، أعلنت حماس اختيار يحيى السنوار، العقل المدبر لـ”طوفان الأقصى”، خلفاً لهنية، فقتل هو الآخر في اشتباك مع قوة إسرائيلية في 16 تشرين الأول 2024. 

قائدا حماس اسماعيل هنية ويحيى السنوار اللذان اغتالتهما إسرائيل خلال عام 2024. المصدر: إعلام حماس 

العراق ليس ببعيد 

في العراق كانت الاغتيالات حاضرة أيضاً، فاغتالت الولايات المتحدة قياديين بارزين في الفصائل المسلحة، منهم مشتاق طالب السعيدي، القيادي البارز في حركة “النجباء” الذي اغتيل بقصف نفذته طائرة مسيرة في بغداد في 4 كانون الثاني 2024، وأبو باقر الساعدي، القيادي الكبير في “كتائب حزب الله” الذي اغتيل في بغداد ومعه القيادي في “الكتائب” أيضاً أركان العلياوي، بضربة جوية أمريكية في 7 شباط 2024، أي بعد شهر وأيام من اغتيال السعيدي. 

كما نفذت أمريكا في ذلك غارات جوية على مواقع للفصائل العراقية داخل العراق وسوريا أسفرت عن قتلى وجرحى. 

وكانت تلك الاغتيالات والغارات رداً على هجمات طالت أماكن وجود الأمريكيين في العراق بشكل متكرر في ذلك الوقت. 

كان الشيخ علي يلمح طيلة هذه المدة وأحداثها، إلى أن ما يجري هو المخطط الذي تحدث عنه، ويجيب كل من يسأله عن القوة التي ستأتي إلى العراق بما مضمونه: ألم تر ما يحدث؟ 

وبدأت القناعة تتصاعد يوماً بعد آخر في العراق، بأن تصريحات الشيخ علي ليست أضغاث أحلام. 

مراسم تشييع أبو باقر الساعدي في بغداد. المصدر: الفرات نيوز 

تواصلت الحرب، واكتسح الجيش الإسرائيلي غزة جواً وبراً، وبدا أن حماس خارت قواها، فالتفتت تل أبيب إلى لبنان، حيث يتمركز حزب الله. 

بدأت إسرائيل حربها على حزب الله بعملية أذهلت العالم، عندما انفجرت أجهزة اتصال لاسلكي من طراز “بيجر” في جيوب آلاف من حامليها من عناصر الحزب يوم 17 أيلول 2024 في وقت واحد. 

وفي اليوم التالي وقعت سلسلة انفجارات أخرى في أجهزة “بيجر” و”ووكي توكي”، وكانت حصيلة التفجيرات 22 قتيلاً على الأقل ونحو ثلاثة آلاف جريح منهم مئات في حالات حرجة. 

ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن العملية في ذلك الحين، لكنها أقرت في 10 تشرين الأول 2024 بأنها نفذتها. 

وفي 23 أيلول 2024، كثفت إسرائيل غاراتها على مواقع الحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية، فيما أعلنت في 30 من الشهر ذاته بدء عمليات برية “محدودة” داخل الأراضي اللبنانية. 

نزح عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى المناطق الآمنة ونحو سوريا، فيما قتل وأصيب آلاف في الغارات والمعارك. 

وأسفرت الغارات على الضاحية عن مقتل قيادات بارزة في حزب الله، وكذلك قيادات إيرانية. 

مساء الجمعة 27 أيلول 2024، وقع انفجار عنيف في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتواترت أنباء بأنه استهدف حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله. 

في بادئ الأمر، نفت مصادر مقربة من إيران وحزب الله استهداف نصر الله، وقالت إنه على قيد الحياة. 

وفي اليوم التالي، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي مقتل نصر الله ومعه علي كركي قائد جبهة الجنوب في حزب الله وقادة آخرون، وأكد الحزب الخبر في اليوم ذاته. 

وقد قتل مع نصر الله وكركي، اللواء عباس نيلفروشان، مسؤول ملف لبنان في الحرس الثوري الإيراني. 

أصاب اغتيال نصر الله -الذي لم يتوقع أحد أن تصل يد إليه- قادة ما يسمى “محور المقاومة” بالهلع، حتى أن علي خامنئي المرشد الأعلى في إيران، انتقل من مقر إقامته في طهران إلى “مكان آمن”. 

مراسم تشييع أبو باقر الساعدي في بغداد. المصدر: وكالة “إيرنا” 

وفي العراق، توارى عن الأنظار قادة الفصائل المسلحة، مثل قيس الخزعلي (زعيم عصائب أهل الحق) وأكرم الكعبي (زعيم حركة النجباء) وأبو آلاء الولائي (زعيم كتائب سيد الشهداء) وأبو فدك المحمداوي (الرجل الثاني في كتائب حزب الله). 

في 1 تشرين الأول 2024، شنت إيران هجوماً ثانياً ضد إسرائيل استخدمت فيه هذه المرة صواريخ باليستية أسرع من الصوت بـ15 مرة، وذلك رداً على اغتيال نصر الله ونيلفروشان، ولم تعلن إسرائيل عن سقوط ضحايا جراء الهجوم، فيما أعلنت هيئة الدفاع المدني الفلسطينية في مدينة أريحا بالضفة الغربية المحتلة أن رجلا توفي إثر سقوط حطام أحد الصواريخ عليه. 

وفي اليوم ذاته (1 تشرين الأول)، بدأ الجيش الإسرائيلي بالتوغل برياً في لبنان، من أجل معالجة أهداف تابعة لحزب الله. 

وازدادت المخاوف من أن إسرائيل تسعى إلى القضاء على كل أعدائها في المنطقة، عندما سارعت إلى اغتيال هاشم صفي الدين فور ترشيحه ليكون خليفة نصر الله. 

واغتيل صفي الدين في 8 تشرين الأول 2024، أي بعد تسعة أيام فقط من اغتيال نصر الله. 

في 26 تشرين الأول 2024، أعلنت إسرائيل تنفيذ هجوم على إيران عبر أكثر من 100 طائرة بينها مقاتلات منها طائرات إف-35، فضلا عن مسيّرات، وقد وصفت طهران الهجوم بـ”المحدود”. 

وطيلة هذه المدة، بدأ مدونون يحظون بمتابعة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر كتابات تتسق مع ما جاء به الشيخ علي، زاعمين أنهم يحصلون على معلوماتهم من مصادر داخل مراكز صنع القرارات الدولية والإقليمية. 

عززت كل هذه الأحداث القناعات بأن تغييراً كبيراً سيطول العراق، بما أنه مشارك في هذا الصراع ولو بشكل غير رسمي، إذ أن الفصائل المسلحة كانت مستمرة طيلة هذه المدة بشن هجمات ضد إسرائيل. 

ولم تأت إسرائيل على ذكر العراق سوى في مناسبات قليلة، ففي 25 أيلول 2024، قال الجيش الإسرائيلي إنه يراقب عن كثب التهديدات القادمة من العراق، متوعداً بـ”فعل ما يلزم”. 

وبعد ذلك بيومين، أي في 27 أيلول، عرض بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، خريطة أمام الأمم المتحدة مكتوب عليها “The Curse”، وترجمتها “اللعنة”. 

وضمت الخريطة مواقع خمس دول ملونة باللون الأسود، وهي العراق وإيران وسوريا ولبنان واليمن. 

وقال نتنياهو يومئذ وهو يحمل الخريطة “لا يوجد مكان في إيران لا تستطيع الذراع الطويلة لإسرائيل الوصول إليه. والأمر ينطبق على الشرق الأوسط بأكمله”. 

وأشارت تقارير عديدة في تلك الأيام، إلى أن الحكومة العراقية طلبت من واشنطن أكثر من مرة الضغط على إسرائيل لكي لا ترد على هجمات الفصائل. 

هدوء وهزة جديدة 

هدأت المنطقة إلى حد كبير بعد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله في لبنان وإسرائيل، والذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024. 

لكنها استفاقت على هزة جديدة عندما أسقطت المعارضة السورية نظام بشار الأسد الحليف لإيران في 8 كانون الأول 2024 بسرعة غير متوقعة. 

وذهبت الظنون مرة أخرى إلى أن العراق سيكون التالي بعد سوريا، ولاسيما بعد أن صرح يسرائيل كاتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، قائلاً “لقد أسقطنا نظام الأسد في سوريا”. 

في 26 كانون الأول 2024، كتب الشيخ علي في منصة X إن “الحروب ليست نزهة. وأكبر الحروب التي قادها أعظم القادة في العالم والتاريخ ورسموا خططها.. لم تسر الخطة بنسبة 100 بالمئة من دون تعديل أو تأجيل (…) ولكن في نهاية المطاف ستنتصر ثورة تشرين”، وذلك بعد أن سألته إحدى المتابعات عن “سبب تغيير الموعد”. 

عاد الهدوء إلى المنطقة بعد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني 2025. 

توقفت الفصائل العراقية عن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، كما أوقف الحوثيون نشاطاتهم ضد إسرائيل وحلفائها. 

وفي إثر هذا الهدوء، تراجعت التوقعات في العراق بأن شيئاً ما سيحدث، فيما تنفس مؤيدو “محور المقاومة” الصعداء، وراحوا يكثرون السخرية من تصريحات الشيخ علي. 

وازدادت سخريتهم منه عندما كتب، في 27 كانون الأول 2025، أنه يعتزم كتابة رسالة قصيرة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعوه فيها إلى “الاستعجال في إطاحة الميليشيات وإخراج إيران من العراق”، سائلاً إن كان سيلقى مساندة عراقية في ذلك، فجاءته آلاف التعليقات المؤيدة. 

وحتى لحظة الانتهاء من كتابة هذه المادة، لم ينشر شيئاً بشأن الرسالة إلى ترامب، لكنه ظهر مصراً في بعض تدويناته التي نشرها مؤخراً، على أن النظام السياسي في العراق سيطاح به. 

ومن تلك التدوينات واحدة نشرها في 20 شباط الماضي قال فيها “ستطاح العمائم والحرس الثوري والميليشيات. سيتم قصفهم من دون أية رحمة أو هوادة. القرار هو: لا تدعوهم يتنفسون”. 

ويأتي إصرار الشيخ علي على تصريحاته، وسط إشارات هنا وهناك تشي بأن النيران لم تُخمد كلياً بعد في المنطقة. 

ففي 21 شباط الماضي، قال نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق ورئيس ائتلاف دولة القانون، في مقابلة تلفزيونية إن إسرائيل تخطط لتفكيك دول عدة في المنطقة هي العراق ومصر ولبنان وسوريا وإيران وتركيا. 

وأبدى المالكي قلقه من استخدام الجماهير ضد الأنظمة التي يراد تغييرها، ومنها النظام العراقي. 

وكذلك يشير الفايز في حديثه لـ”جمّار”، إلى أن هناك “إرادة أمريكية وإسرائيلية لتقسيم دول المنطقة، لكنها مرفوضة”. 

وفي 27 شباط، قال فؤاد حسين وزير الخارجية العراقي إن التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة داخل العراق ما تزال قائمة. 

وفي 5 آذار، صرح نتنياهو بأن الجيش الإسرائيلي مستعد لخوض معارك على جبهات عدة. 

الورطة الحوثية 

في 15 آذار 2025، أعلن ترامب إصدار أوامر إلى الجيش بشن هجوم كبير ضد الحوثيين في اليمن، مهدداً بالقضاء عليهم تماماً، لتشكيلهم تهديداً على حركة السفن التجارية في البحر الأحمر. 

ويسيطر الحوثيون المدعومون من إيران، بشكل كامل على محافظات عدة في اليمن، أبرزها العاصمة صنعاء وذمار والبيضاء وإب وريمة والمحويت وعمران، كما يفرضون سيطرة شبه كاملة على أغلب مساحات بعض المحافظات، منها الحديدة والجوف وحجة وصعدة. 

وتوجد في اليمن حكومة مقرها محافظة عدن، وتسيطر بشكل كامل أيضاً على محافظتي حضرموت والمهرة، فيما تملك سيطرة شبه كاملة على محافظات أخرى مثل مأرب ولحج والضالع وتعز. 

وتحظى هذه الحكومة باعتراف معظم الدول العربية ودول العالم، ومن بينها العراق. 

غير أن العراق مدّ جسوراً للتواصل مع الحوثيين منذ عام 2018 عندما أصبح عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء، وافتتح لهم مقراً رئيسياً في بغداد فضلاً عن مقرات فرعية أخرى، ولكن من دون عقد لقاءات رسمية ومعلنة بين المسؤولين العراقيين وممثلي الحوثيين. 

كان الحوثيون قد بدأوا، منذ 19 تشرين الأول 2023، وفي إطار مساندة غزة، مهاجمة سفن حربية أمريكية وأخرى تجارية يقولون إنها مرتبطة بأمريكا وإسرائيل أو متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. 

وتقول شركة “أمبري” للأمن إن الحوثيين نفذوا أكثر من 300 هجوم على السفن في البحر الأحمر خلال العام الماضي. 

وتشير بيانات البيت الأبيض إلى أنهم هاجموا السفن الحربية الأمريكية 174 مرة، والسفن التجارية 145 مرة، منذ تشرين الأول 2023. 

ولذلك قرر ترامب “القضاء عليهم تماماً” بحسب تعبيره. 

بات العراق في حيرة من أمره إزاء الغارات الأمريكية على الحوثيين، فبعدما استنكر غارات أمريكية بريطانية عليهم في كانون الثاني 2024، وأخرى إسرائيلية في تموز 2024، التزم الصمت هذه المرة، ربما لأن حجم ضغوط واشنطن على بغداد لإبعادها عن “محور المقاومة”، بلغ درجة يتعذر معها حتى إصدار بيان إدانة لقصف اليمن. 

وتتحدث مصادر سياسية عن أن الحكومة العراقية تواجه ضغوطاً دولية هائلة من أجل غلق مقرات الحوثيين وإنهاء وجودهم في العراق، ما دفعها إلى تقييد أنشطتهم. 

لكن الحكومة ليست وحدها صاحبة القرار في العراق، فللفصائل المسلحة رأي تطبقه بمعزل عن جميع السلطات. 

في 20 آذار 2025، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريراً ذكرت فيه أن المسلحين الحوثيين يستخدمون معسكراً للتدريب في مدينة الخالص بمحافظة ديالى العراقية، غير أن خلية الإعلام الأمني في العراق نفت ذلك. 

وفي 22 آذار 2025، ظهر عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، بشكل مفاجئ في صنعاء جالساً مع مجموعة من القيادات الحوثية. 

كان الهدف المعلن لزيارة عبد المهدي إلى صنعاء المشاركة في مؤتمر نظمه الحوثيون تحت عنوان “المؤتمر الدولي الثالث-فلسطين قضية الأمة”، لكن الغاية غير المعلنة لم تُعرف تفاصيلها وتضاربت التنبؤات بشأنها. 

ولم يصدر تعليق عراقي رسمي على ذهاب عبد المهدي إلى صنعاء. 

وفي 27 آذار 2025، صرّح نجيب غلاب، وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بأن الحشد الشعبي العراقي بدأ إرسال مقاتلين إلى اليمن، قائلاً إن “هذه معلومة مؤكدة”. 

هكذا يدخل العراق متورطاً أساسياً في العويصة اليمنية، ويبدو أن حكومته لا تعرف ماذا تفعل لإبقائه بمنأى عن غضب ترامب على الحوثيين ومسانديهم. 

ضحكة بلا سبب 

في خضم القصف الأمريكي العنيف على الحوثيين في اليمن، طلب ترامب من إيران الجلوس إلى طاولة مفاوضات للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، أو تحمل عواقب عسكرية موجعة. 

حاولت إيران إظهار الأنفة برفض التفاوض تحت التهديدات، لكنها في نهاية المطاف ذهبت إلى الحوار، وعُقدت الجولة الأولى في سلطنة عمان في 12 نيسان 2025، ثم حُددت العاصمة الإيطالية روما مكاناً لعقد الجولة الثانية بوساطة عُمانية أيضاً. 

وبالتزامن مع كل هذه التطورات، بقي الشيخ علي يصرّح بأن أمريكا ستنقض على إيران، وأن معلوماته التي نشرها قبل نحو ثلاث سنوات ما زالت صالحة للاستعمال. 

وظهر في لقاء متلفز في 24 آذار 2025 قال فيه إنه تلقى المعلومات من “رئيس أعظم دولة في العالم”، وعندما سألته مقدمة البرنامج عما إذا كان يقصد الولايات المتحدة، أدى حركة غير مفهومة بكفيه، وأطلق ضحكة بلا سبب.