من عاطل عن العمل إلى "صانع ملوك".. ياسر صخيل وإمبراطورية البشائر 

آدم حسين

23 شباط 2025

الرجل الذي كان عاطلاً عن العمل قبل وصول عمّه إلى السلطة، يُزاحم اليوم نوري المالكي على الزعامة والقرار.. عن ياسر صخيل مؤسس إمبراطورية البشائر و"صانع ملوك"

يحاول ياسر صخيل، صهر نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، تدشين “عهد التوريث” في الدولة العراقية الجديدة، ويبدو أنّه يسير بخطوات طويلة نحو خط “الوراثة”، لكن هناك قراءات تقول إنّ هذا الأمر إن كان سيحدث، فإنّه لن يحدث بطريقة “سلسة”. 

يتمسك المالكي حتى الرمق الأخير، بحسب مقرّبين منه، بحلم رئاسة الوزراء للمرة الثالثة، ولا يبدو مقتنعاً بفكرة “الإزاحة الجيلية”، وهو مصطلح مخفف لـ “تنحية شيوخ” الأحزاب عن الحكم. 

أمّا صخيل، فقد قفز إلى المشهد السياسي من القاع؛ تدرّج سريعاً من عاطل عن العمل، قبل عهد عمّه نوري، إلى رئيس كتلة، ثم “صانع ملوك”. 

بدايات صخيل، ليست فريدة من نوعها، فهناك مئات الشواهد البارزة في الطبقة السياسية بعد عام 2003 عن شخصيات أجادت القفز العالي ووصلت إلى قمة السلطات التنفيذية. وهذا ما فعله المالكي نفسه، الذي تحول من سياسي في الخطوط الخلفية، إلى “زعيم” خلال سنوات قليلة. 

المتتبّع لحركة صخيل، يجد أنه يسير على خطى زعيم ائتلاف دولة القانون، فكما أزاح المالكي إبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء الأسبق (2004-2005)، من طريقه ليصبح رئيس الحكومة، ويبتلع حزب الدعوة بعدها، يبدو أن صهره يستنسخ هذه التجربة مرة أخرى. 

انتزاع الاعتراف 

يضع “الدُعاة” -وهي تسمية قديمة لأعضاء حزب الدعوة الإسلامية لم تعد تُستخدم بعد تفرّد المالكي بالحزب خلال السنوات الـ18 الأخيرة- أمام رئيس الحزب خيارين: العودة إلى الرئاسة، أو الجلوس على كرسي هناك في الظل. 

المالكي مؤخراً، بدأت تظهر عليه أعراض “طول الانتظار”- منذ ولاية حيدر العبادي (2014- 2018)، ثمّ عادل عبد المهدي (2018- 2019) ومصطفى الكاظمي (2020- 2022)- لإقناع البيت الشيعي بعد اعتزال مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري صيف 2022، بأنه “المختار” للمرحلة المقبلة، وهو في ولايته الثانية، كان يلقبه أتباعه بـ “مختار العصر”.  

لكن محمد شياع السوداني، الذي وصل إلى رئاسة الحكومة بدعم من قيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق أفسد خطّة المالكي، وجعله يؤجل إرهاصات “العودة” سنة أخرى. 

كان من المفترض أن تُجرى انتخابات مبكرة بعد عام من تسلّم السوداني المنصب -بحسب ورقة الاتفاق السياسي- لكنّها أُجِّلت عامين، مع بقاء أشهر معدودة على نهاية ولاية رئيس الوزراء. 

بحسب معلومات من أطراف سياسية شيعية متعددة، فإن صخيل يبدو غير مقتنع بعودة المالكي إلى المشهد. يرى أن الرجل صار مثقلاً بـ”الفضائح”، بدءاً من انهيار المنظومة العسكرية عام 2014 ودخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وصولاً إلى التسريبات الصوتية في عام 2022، التي كشفت عن “إساءات ضد الحشد”، وضد زعامات شيعية بارزة مثل الصدر. 

اقرأ أيضاً

نوري المالكي.. الحكم والإخفاقات والدولة العميقة 

ومع ذلك، فإن الفريق الذي يحيط بالمالكي، مثل عقيل الفتلاوي، النائب والمتحدث باسم كتلة دولة القانون، يصرّ على أن زعيم الكتلة ما يزال يمتلك فرصة نيل منصب رئاسة الحكومة لأنه “محبوب”، و”لديه شعبية”. 

يزيد هذا الحديث من ثقة المالكي بنفسه، ويدفعه نحو إعادة طرح الفكرة المؤجلة لتسلّم الحكومة مرة ثالثة، لكن يبدو أن لصهره وجهة نظر أخرى. 

انقلاب ناعم 

يوصف صخيل بأنه “بطل سن التقاعد”، وهي البوابة التي حاول من خلالها صهر المالكي الانقلاب على “عمّه”، في حال استمر الأخير متمسكاً بفكرة الانتقال من “دكة الشيوخ” إلى رئاسة الوزراء. 

في أيار 2024، ترددت أنباء عن تحرك صخيل سراً مع مجموعة من رفاقه في كتلة “البشائر”، المنضوية ضمن ائتلاف إدارة الدولة، للإطاحة بمحافظ بغداد عبد المطلب العلوي، وذلك بعد شهرين فقط من انتخابه. 

العلوي، أحد شيوخ حزب الدعوة، هو من ضمن ثلاثة أشخاص يختارون أسماء المرشحين عن ائتلاف دولة القانون لخوض سباق الانتخابات. 

تمكن صخيل، بحسب معلومات حصل عليها جمّار، من جمع المقاعد اللازمة لتنحية العلوي من المنصب، بعد أن تحالف بشكل غير معلن مع فريق سنّي في مجلس محافظة بغداد. وكانت الذريعة المعلنة لإبعاد العلوي هي “تجاوزه سن التقاعد”. 

وقّع 15 عضواً في مجلس محافظة بغداد على طلب الإقالة، فيما تفيد المعلومات بأن صخيل كان يريد أن يضع المالكي أمام الأمر الواقع. 

في تلك الأثناء، تسرّب تسجيل صوتي -لم تعلق عليه الكتلة أو جهة أخرى حتى الآن- منسوب للمالكي، وهو ما أدى إلى إفشال الانقلاب. 

المالكي، الذي عانى قبل سنتين من سلسلة تسريبات صوتية أضرّت به، تعمّد هذه المرة تمرير هذا التسجيل، بحسب بعض المصادر. 

في التسريب، خاطب المالكي أعضاء ائتلاف دولة القانون في مجلس بغداد بالقول “بلغني أنكم تشتركون مع الإخوة الآخرين في اجتماع تتداولون فيه قضية تغيير محافظ بغداد. هذا ليس قرارنا، ولم يصدر التوجيه منا، ولا هو قرار الإطار (…) أرجوكم غادروا الاجتماع”. 

ويوم الأحد في الثاني من شباط عام 2025، أعيدت الكرّة على العلوي، فأصدر مجلس محافظة بغداد أمراً إدارياً أحاله بموجبه إلى التقاعد. 

لكن هذا الأمر الإداري لم يصمد أكثر من يومين، إذ قررت محكمة القضاء الإداري، في الرابع من شباط، أمراً ولائياً بإيقاف قرار إحالة العلوي إلى التقاعد، قائلة إنها وجدت “شروط إصدار الأمر الولائي متوافرة، ولعدم إمكانية تدارك الأضرار الناجمة عن الأمر المطلوب إيقاف تنفيذه”. 

وصدر الأمر الولائي بطلب من العلوي نفسه. وعزز قرار المحكمة الإدارية الظنون بأن نوري المالكي يمتلك نفوذاً واسعاً داخل المؤسسات القضائية، وقد استخدمه لإبقاء صاحبه العلوي في منصبه.  

بعد أيام قليلة جاء الرد على محاولة إخراج محافظ بغداد من منصبه؛ ففي السادس من شباط صوّت مجلس محافظة بغداد على إقالة رئيسه عمار القيسي، المنتمي لتحالف العزم برئاسة مثنى السامرائي، الذي تحالف مؤخراً مع خميس الخنجر رئيس حزب السيادة. 

أزمات مركّبة 

كانت إثارة قضية العلوي في أيار 2024 مرتبطة على ما يبدو بأزمة أخرى تتعلق برئيس البرلمان، قبل اختيار محمود المشهداني نهاية أيلول 2024، حيث فرض تحالف صخيل انقلابات ثانية. 

في آب 2024 -حين مضى نحو عشرة أشهر على أزمة اختيار رئيس البرلمان- انقلب حلفاء المالكي السنّة بشكل مفاجئ على اتفاق سابق مع زعيم دولة القانون بشأن اختيار رئيس البرلمان. 

قال المالكي في لقاء تلفزيوني بعد ذلك بأيام قليلة (12 آب 2024)، متحدثاً عن “الحلفاء” السُنّة، “إنهم لم يحضروا الاجتماع الثاني لإتمام الاتفاق، ولا نعلم السبب إلى الآن”. 

في ذلك الوقت، أصدرت مجموعة من الأحزاب السُنّية المعارضة لرئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، بياناً رفضت فيه ما ألمح إليه المالكي من اقتراب الاتفاق لإيجاد حل لأزمة رئيس البرلمان. 

لاحقاً، تبيّن أن السبب الذي حيّر المالكي كان رفض “حلفاء الأمس” السُنّة عقد صفقة مع زعيم دولة القانون، واحتمال تورط صخيل في ذلك، وفق ما أفادت به مصادر داخل الإطار التنسيقي. 

وفي آب 2024 أيضاً، تمكن صخيل أخيراً من تمرير مرشحه في ديالى لمنصب المحافظ، بعد صراع دام نحو تسعة أشهر مع هادي العامري، زعيم منظمة بدر، لحسم المنصب. 

اشترك صخيل وحلفاء عمّه القدامى في صفقة حكومة ديالى، وحصل الأول على منصب المحافظ، وكان أول “محافظ” من نوعه يكون تابع لحركة “البشائر”، التي يتزعمها صخيل. 

ومع ذلك، لم يكن المالكي راضياً تماماً، إذ كان قد اقترح أسماءً من جناح “الشيوخ”، لكن الصهر أحبط جميع محاولات “العم”، وفقاً لمصادر سياسية في ديالى تحدثت لجمّار. 

من أين يحصل على الدعم؟ 

يقول سكان محليون في طويريج، جنوبي كربلاء، مسقط رأس صخيل، إن صهر المالكي كان عاطلاً عن العمل قبل أن يتولى “عمه” الحكم. 

وبقفزات سريعة وخلال وقت قصير، تحول صخيل إلى الصهر المدلل للمالكي، وأصبح الرجل الثاني بعد زعيم حزب الدعوة. 

استطاع صخيل، منذ الولاية الثانية للمالكي (2010-2014)، توسيع ما يطلق عليه السكان في كربلاء “إمبراطورية البشائر”، التي تضم عدداً من المؤسسات المتنوعة، وفّر من خلالها فرص عمل للشباب. 

لا يعرف السكان بالتحديد مصدر الأموال التي يمتلكها الشاب الذي كان عاطلاً عن العمل قبل سنوات قليلة، لكن صخيل “يدفع رواتب لعدد من الشباب”، وفق أحد سكان طويريج. 

في عام 2019، نشرت وسائل إعلام محلية وثائق تُظهر أن “ثروة صخيل” بلغت “أكثر من أربعة مليار دينار”، إضافة إلى عقارات في بغداد وكربلاء. 

وفي العام ذاته، كشفت صحيفة “ديلي بيست” الأمريكية عن احتمال تورط المالكي وصهره في عمليات فساد متعلقة بصفقات عسكرية. 

رفض مكتب المالكي تلك الاتهامات حينها، كما نفى صخيل لاحقاً ما أثير ضده في قضية حجز أمواله من قبل البنك المركزي عام 2020. 

وبرر صخيل القرار بأنه “إشكال إداري بين البنك المركزي والبرلمان”، وفق بيان صدر عنه. 

استمرت الفضائح بملاحقة صخيل، ففي  عام 2021 انتشرت وثائق تفيد بأنه لا يمتلك شهادة جامعية ولا حتى إعدادية، فيما لا توجد أي معلومات أو سيرة ذاتية عنه على موقع البرلمان. 

في عام 2022، كشف علي فاضل، المعروف بنشر فضائح التسريبات الصوتية للمالكي وسياسيين آخرين، عن شراء صخيل “قصر في دبي” بنحو 16 مليون دولار. 

نفى صهر المالكي صحة الخبر عبر بيان صادر عن حركة البشائر، واعتبر ذلك جزءاً من حملات “تجهيل وتضليل”. 

مفتاح الشعبية 

يقول أحد سكان طويريج لجُمّار إن “صخيل عمل على تعيين عدد من الشبان في سلك الشرطة”. 

مفتاح شعبية صخيل هي التعيينات، سواء في الحكومة أو في المؤسسات التابعة له، والتي تحمل اسم حركته “البشائر”. 

كذلك، يتحدث الأهالي عن نشاط فريق صخيل في تسهيل معاملات السكان مع الوزارات في بغداد، وأيضاً في “استخراج بطاقات الرعاية الاجتماعية”. 

ولدى صهر المالكي قاعدة شعبية ثابتة في طويريج، حيث يعيد السكان التصويت له في كل انتخابات، ما يجعله موجوداً كأحد أفراد فريق “البشائر” في معادلة السلطة. 

وكان صخيل قد صعد إلى مقدمة ائتلاف دولة القانون في وقت كان فيه حزب الدعوة -الركن الأساسي في الائتلاف- يعاني من حالة تصدّع. 

انقسم الحزب، الذي أسس أواخر خمسينيات القرن الماضي، إلى مسميات عدة مثل “تنظيم الداخل”، و”حركة الدعوة الإسلامية”، وائتلاف النصر، بزعامة حيدر العبادي. 

خلال العامين الأخيرين، غادر نواب بارزون مثل محمد الصيهود، وعالية نصيف، مركب المالكي. 

في المقابل، فصل الحزب في عام 2020 مهند الساعدي، الذي يعدّ منظّر الحزب، بسبب “مهاجمته المالكي وصهره صخيل”، وفق ما نشرت وسائل إعلام عراقية. 

حصل صخيل على امتيازات كبيرة داخل “دولة القانون”، وتشير تقارير إلى أنه رفض أكثر من مرشح للمالكي لتولي حقيبة النفط خلال فترة تشكيل حكومة السوداني. 

رفض صخيل ترشيح فياض حسن نعمة للوزارة بسبب “كبر سنه”، كما رفض ترشيح النائب السابق علي معارج للحقيبة ذاتها لأسباب غير معروفة. 

التحول الكبير 

وفق سكان من طويريج، كان صخيل عاطلاً عن العمل حتى عيّنه المالكي في 2004 بصفة شرطي. 

عام 2006 كان عام النقلة النوعية في حياته عندما تزوج حوراء، الابنة الصغرى لرئيس الوزراء آنذاك (المالكي). 

تحول صخيل إلى مرافق للمالكي، وبدأ يتحكم بالمناصب الأمنية، وفق مقربين من الحكومة حينها. 

وفي 2014، ذكرت وسائل إعلام محلية أن صخيل أسس أكثر من 16 مكتباً ومؤسسة في كربلاء، تحت مسميات خيرية وثقافية وإعلامية. 

من بين هذه المؤسسات: “منظمة هنا الشباب”، و”ملتقى البشائر”، و”تيار شباب العراق”، و”مركز الشهيد محمد باقر الصدر الثقافي”، و”إذاعة البشائر”، و”صحيفة كربلاء المستقبل”، إضافة إلى عشرة مكاتب في مناطق مختلفة، جميعها تحمل اسم “مكتب الأستاذ ياسر المالكي”. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

يحاول ياسر صخيل، صهر نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، تدشين “عهد التوريث” في الدولة العراقية الجديدة، ويبدو أنّه يسير بخطوات طويلة نحو خط “الوراثة”، لكن هناك قراءات تقول إنّ هذا الأمر إن كان سيحدث، فإنّه لن يحدث بطريقة “سلسة”. 

يتمسك المالكي حتى الرمق الأخير، بحسب مقرّبين منه، بحلم رئاسة الوزراء للمرة الثالثة، ولا يبدو مقتنعاً بفكرة “الإزاحة الجيلية”، وهو مصطلح مخفف لـ “تنحية شيوخ” الأحزاب عن الحكم. 

أمّا صخيل، فقد قفز إلى المشهد السياسي من القاع؛ تدرّج سريعاً من عاطل عن العمل، قبل عهد عمّه نوري، إلى رئيس كتلة، ثم “صانع ملوك”. 

بدايات صخيل، ليست فريدة من نوعها، فهناك مئات الشواهد البارزة في الطبقة السياسية بعد عام 2003 عن شخصيات أجادت القفز العالي ووصلت إلى قمة السلطات التنفيذية. وهذا ما فعله المالكي نفسه، الذي تحول من سياسي في الخطوط الخلفية، إلى “زعيم” خلال سنوات قليلة. 

المتتبّع لحركة صخيل، يجد أنه يسير على خطى زعيم ائتلاف دولة القانون، فكما أزاح المالكي إبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء الأسبق (2004-2005)، من طريقه ليصبح رئيس الحكومة، ويبتلع حزب الدعوة بعدها، يبدو أن صهره يستنسخ هذه التجربة مرة أخرى. 

انتزاع الاعتراف 

يضع “الدُعاة” -وهي تسمية قديمة لأعضاء حزب الدعوة الإسلامية لم تعد تُستخدم بعد تفرّد المالكي بالحزب خلال السنوات الـ18 الأخيرة- أمام رئيس الحزب خيارين: العودة إلى الرئاسة، أو الجلوس على كرسي هناك في الظل. 

المالكي مؤخراً، بدأت تظهر عليه أعراض “طول الانتظار”- منذ ولاية حيدر العبادي (2014- 2018)، ثمّ عادل عبد المهدي (2018- 2019) ومصطفى الكاظمي (2020- 2022)- لإقناع البيت الشيعي بعد اعتزال مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري صيف 2022، بأنه “المختار” للمرحلة المقبلة، وهو في ولايته الثانية، كان يلقبه أتباعه بـ “مختار العصر”.  

لكن محمد شياع السوداني، الذي وصل إلى رئاسة الحكومة بدعم من قيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق أفسد خطّة المالكي، وجعله يؤجل إرهاصات “العودة” سنة أخرى. 

كان من المفترض أن تُجرى انتخابات مبكرة بعد عام من تسلّم السوداني المنصب -بحسب ورقة الاتفاق السياسي- لكنّها أُجِّلت عامين، مع بقاء أشهر معدودة على نهاية ولاية رئيس الوزراء. 

بحسب معلومات من أطراف سياسية شيعية متعددة، فإن صخيل يبدو غير مقتنع بعودة المالكي إلى المشهد. يرى أن الرجل صار مثقلاً بـ”الفضائح”، بدءاً من انهيار المنظومة العسكرية عام 2014 ودخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وصولاً إلى التسريبات الصوتية في عام 2022، التي كشفت عن “إساءات ضد الحشد”، وضد زعامات شيعية بارزة مثل الصدر. 

اقرأ أيضاً

نوري المالكي.. الحكم والإخفاقات والدولة العميقة 

ومع ذلك، فإن الفريق الذي يحيط بالمالكي، مثل عقيل الفتلاوي، النائب والمتحدث باسم كتلة دولة القانون، يصرّ على أن زعيم الكتلة ما يزال يمتلك فرصة نيل منصب رئاسة الحكومة لأنه “محبوب”، و”لديه شعبية”. 

يزيد هذا الحديث من ثقة المالكي بنفسه، ويدفعه نحو إعادة طرح الفكرة المؤجلة لتسلّم الحكومة مرة ثالثة، لكن يبدو أن لصهره وجهة نظر أخرى. 

انقلاب ناعم 

يوصف صخيل بأنه “بطل سن التقاعد”، وهي البوابة التي حاول من خلالها صهر المالكي الانقلاب على “عمّه”، في حال استمر الأخير متمسكاً بفكرة الانتقال من “دكة الشيوخ” إلى رئاسة الوزراء. 

في أيار 2024، ترددت أنباء عن تحرك صخيل سراً مع مجموعة من رفاقه في كتلة “البشائر”، المنضوية ضمن ائتلاف إدارة الدولة، للإطاحة بمحافظ بغداد عبد المطلب العلوي، وذلك بعد شهرين فقط من انتخابه. 

العلوي، أحد شيوخ حزب الدعوة، هو من ضمن ثلاثة أشخاص يختارون أسماء المرشحين عن ائتلاف دولة القانون لخوض سباق الانتخابات. 

تمكن صخيل، بحسب معلومات حصل عليها جمّار، من جمع المقاعد اللازمة لتنحية العلوي من المنصب، بعد أن تحالف بشكل غير معلن مع فريق سنّي في مجلس محافظة بغداد. وكانت الذريعة المعلنة لإبعاد العلوي هي “تجاوزه سن التقاعد”. 

وقّع 15 عضواً في مجلس محافظة بغداد على طلب الإقالة، فيما تفيد المعلومات بأن صخيل كان يريد أن يضع المالكي أمام الأمر الواقع. 

في تلك الأثناء، تسرّب تسجيل صوتي -لم تعلق عليه الكتلة أو جهة أخرى حتى الآن- منسوب للمالكي، وهو ما أدى إلى إفشال الانقلاب. 

المالكي، الذي عانى قبل سنتين من سلسلة تسريبات صوتية أضرّت به، تعمّد هذه المرة تمرير هذا التسجيل، بحسب بعض المصادر. 

في التسريب، خاطب المالكي أعضاء ائتلاف دولة القانون في مجلس بغداد بالقول “بلغني أنكم تشتركون مع الإخوة الآخرين في اجتماع تتداولون فيه قضية تغيير محافظ بغداد. هذا ليس قرارنا، ولم يصدر التوجيه منا، ولا هو قرار الإطار (…) أرجوكم غادروا الاجتماع”. 

ويوم الأحد في الثاني من شباط عام 2025، أعيدت الكرّة على العلوي، فأصدر مجلس محافظة بغداد أمراً إدارياً أحاله بموجبه إلى التقاعد. 

لكن هذا الأمر الإداري لم يصمد أكثر من يومين، إذ قررت محكمة القضاء الإداري، في الرابع من شباط، أمراً ولائياً بإيقاف قرار إحالة العلوي إلى التقاعد، قائلة إنها وجدت “شروط إصدار الأمر الولائي متوافرة، ولعدم إمكانية تدارك الأضرار الناجمة عن الأمر المطلوب إيقاف تنفيذه”. 

وصدر الأمر الولائي بطلب من العلوي نفسه. وعزز قرار المحكمة الإدارية الظنون بأن نوري المالكي يمتلك نفوذاً واسعاً داخل المؤسسات القضائية، وقد استخدمه لإبقاء صاحبه العلوي في منصبه.  

بعد أيام قليلة جاء الرد على محاولة إخراج محافظ بغداد من منصبه؛ ففي السادس من شباط صوّت مجلس محافظة بغداد على إقالة رئيسه عمار القيسي، المنتمي لتحالف العزم برئاسة مثنى السامرائي، الذي تحالف مؤخراً مع خميس الخنجر رئيس حزب السيادة. 

أزمات مركّبة 

كانت إثارة قضية العلوي في أيار 2024 مرتبطة على ما يبدو بأزمة أخرى تتعلق برئيس البرلمان، قبل اختيار محمود المشهداني نهاية أيلول 2024، حيث فرض تحالف صخيل انقلابات ثانية. 

في آب 2024 -حين مضى نحو عشرة أشهر على أزمة اختيار رئيس البرلمان- انقلب حلفاء المالكي السنّة بشكل مفاجئ على اتفاق سابق مع زعيم دولة القانون بشأن اختيار رئيس البرلمان. 

قال المالكي في لقاء تلفزيوني بعد ذلك بأيام قليلة (12 آب 2024)، متحدثاً عن “الحلفاء” السُنّة، “إنهم لم يحضروا الاجتماع الثاني لإتمام الاتفاق، ولا نعلم السبب إلى الآن”. 

في ذلك الوقت، أصدرت مجموعة من الأحزاب السُنّية المعارضة لرئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، بياناً رفضت فيه ما ألمح إليه المالكي من اقتراب الاتفاق لإيجاد حل لأزمة رئيس البرلمان. 

لاحقاً، تبيّن أن السبب الذي حيّر المالكي كان رفض “حلفاء الأمس” السُنّة عقد صفقة مع زعيم دولة القانون، واحتمال تورط صخيل في ذلك، وفق ما أفادت به مصادر داخل الإطار التنسيقي. 

وفي آب 2024 أيضاً، تمكن صخيل أخيراً من تمرير مرشحه في ديالى لمنصب المحافظ، بعد صراع دام نحو تسعة أشهر مع هادي العامري، زعيم منظمة بدر، لحسم المنصب. 

اشترك صخيل وحلفاء عمّه القدامى في صفقة حكومة ديالى، وحصل الأول على منصب المحافظ، وكان أول “محافظ” من نوعه يكون تابع لحركة “البشائر”، التي يتزعمها صخيل. 

ومع ذلك، لم يكن المالكي راضياً تماماً، إذ كان قد اقترح أسماءً من جناح “الشيوخ”، لكن الصهر أحبط جميع محاولات “العم”، وفقاً لمصادر سياسية في ديالى تحدثت لجمّار. 

من أين يحصل على الدعم؟ 

يقول سكان محليون في طويريج، جنوبي كربلاء، مسقط رأس صخيل، إن صهر المالكي كان عاطلاً عن العمل قبل أن يتولى “عمه” الحكم. 

وبقفزات سريعة وخلال وقت قصير، تحول صخيل إلى الصهر المدلل للمالكي، وأصبح الرجل الثاني بعد زعيم حزب الدعوة. 

استطاع صخيل، منذ الولاية الثانية للمالكي (2010-2014)، توسيع ما يطلق عليه السكان في كربلاء “إمبراطورية البشائر”، التي تضم عدداً من المؤسسات المتنوعة، وفّر من خلالها فرص عمل للشباب. 

لا يعرف السكان بالتحديد مصدر الأموال التي يمتلكها الشاب الذي كان عاطلاً عن العمل قبل سنوات قليلة، لكن صخيل “يدفع رواتب لعدد من الشباب”، وفق أحد سكان طويريج. 

في عام 2019، نشرت وسائل إعلام محلية وثائق تُظهر أن “ثروة صخيل” بلغت “أكثر من أربعة مليار دينار”، إضافة إلى عقارات في بغداد وكربلاء. 

وفي العام ذاته، كشفت صحيفة “ديلي بيست” الأمريكية عن احتمال تورط المالكي وصهره في عمليات فساد متعلقة بصفقات عسكرية. 

رفض مكتب المالكي تلك الاتهامات حينها، كما نفى صخيل لاحقاً ما أثير ضده في قضية حجز أمواله من قبل البنك المركزي عام 2020. 

وبرر صخيل القرار بأنه “إشكال إداري بين البنك المركزي والبرلمان”، وفق بيان صدر عنه. 

استمرت الفضائح بملاحقة صخيل، ففي  عام 2021 انتشرت وثائق تفيد بأنه لا يمتلك شهادة جامعية ولا حتى إعدادية، فيما لا توجد أي معلومات أو سيرة ذاتية عنه على موقع البرلمان. 

في عام 2022، كشف علي فاضل، المعروف بنشر فضائح التسريبات الصوتية للمالكي وسياسيين آخرين، عن شراء صخيل “قصر في دبي” بنحو 16 مليون دولار. 

نفى صهر المالكي صحة الخبر عبر بيان صادر عن حركة البشائر، واعتبر ذلك جزءاً من حملات “تجهيل وتضليل”. 

مفتاح الشعبية 

يقول أحد سكان طويريج لجُمّار إن “صخيل عمل على تعيين عدد من الشبان في سلك الشرطة”. 

مفتاح شعبية صخيل هي التعيينات، سواء في الحكومة أو في المؤسسات التابعة له، والتي تحمل اسم حركته “البشائر”. 

كذلك، يتحدث الأهالي عن نشاط فريق صخيل في تسهيل معاملات السكان مع الوزارات في بغداد، وأيضاً في “استخراج بطاقات الرعاية الاجتماعية”. 

ولدى صهر المالكي قاعدة شعبية ثابتة في طويريج، حيث يعيد السكان التصويت له في كل انتخابات، ما يجعله موجوداً كأحد أفراد فريق “البشائر” في معادلة السلطة. 

وكان صخيل قد صعد إلى مقدمة ائتلاف دولة القانون في وقت كان فيه حزب الدعوة -الركن الأساسي في الائتلاف- يعاني من حالة تصدّع. 

انقسم الحزب، الذي أسس أواخر خمسينيات القرن الماضي، إلى مسميات عدة مثل “تنظيم الداخل”، و”حركة الدعوة الإسلامية”، وائتلاف النصر، بزعامة حيدر العبادي. 

خلال العامين الأخيرين، غادر نواب بارزون مثل محمد الصيهود، وعالية نصيف، مركب المالكي. 

في المقابل، فصل الحزب في عام 2020 مهند الساعدي، الذي يعدّ منظّر الحزب، بسبب “مهاجمته المالكي وصهره صخيل”، وفق ما نشرت وسائل إعلام عراقية. 

حصل صخيل على امتيازات كبيرة داخل “دولة القانون”، وتشير تقارير إلى أنه رفض أكثر من مرشح للمالكي لتولي حقيبة النفط خلال فترة تشكيل حكومة السوداني. 

رفض صخيل ترشيح فياض حسن نعمة للوزارة بسبب “كبر سنه”، كما رفض ترشيح النائب السابق علي معارج للحقيبة ذاتها لأسباب غير معروفة. 

التحول الكبير 

وفق سكان من طويريج، كان صخيل عاطلاً عن العمل حتى عيّنه المالكي في 2004 بصفة شرطي. 

عام 2006 كان عام النقلة النوعية في حياته عندما تزوج حوراء، الابنة الصغرى لرئيس الوزراء آنذاك (المالكي). 

تحول صخيل إلى مرافق للمالكي، وبدأ يتحكم بالمناصب الأمنية، وفق مقربين من الحكومة حينها. 

وفي 2014، ذكرت وسائل إعلام محلية أن صخيل أسس أكثر من 16 مكتباً ومؤسسة في كربلاء، تحت مسميات خيرية وثقافية وإعلامية. 

من بين هذه المؤسسات: “منظمة هنا الشباب”، و”ملتقى البشائر”، و”تيار شباب العراق”، و”مركز الشهيد محمد باقر الصدر الثقافي”، و”إذاعة البشائر”، و”صحيفة كربلاء المستقبل”، إضافة إلى عشرة مكاتب في مناطق مختلفة، جميعها تحمل اسم “مكتب الأستاذ ياسر المالكي”.