كواليس المخاوف السياسية: ما الذي سيفعله ترامب بالعراق؟
17 كانون الأول 2024
ما هي المخاوف في العراق من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟ وماذا يدور في الكواليس السياسية العراقية من نقاشات ومحاذير بشأنها؟ هل يدخل "ضرب" الاقتصاد والأمن العراقيين في أجندة الرئيس الأمريكي القادم؟
بينما تتصاعد أعمدة دخان من مناطق ريفية شمال بغداد منذ شهرين، في مشهد يوحي بتحرّكات عسكرية تهدف إلى تضليل الطائرات المسيرة المحتمل أن تقصف مخازن سلاح ومقرّات للفصائل المسلحة العراقية وبنى تحتية، احتدم النقاش في الأروقة السياسية العراقية حول ما تعنيه عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
فالفوز الثاني لترامب بالرئاسة الأمريكية لم يكن خبراً مرحّباً به في كواليس “الإطار التنسيقي”، التحالف السياسي الشيعي الحاكم في العراق، رغم الترحيب الرسمي من الحكومة العراقية.
توجُّس شيعي
بحسب مصدر سياسي مقرّب من “الإطار التنسيقي”، فإن “فوز ترامب أثار قلقاً واسعاً في أوساط القوى الشيعية التي كانت تأمل بفوز مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس”. إلا أن التوجه الغالب داخل الإطار، وخصوصاً من جناح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وبعض الحلفاء المقربين مثل عمار الحكيم وحيدر العبادي، هو التعامل البراغماتي مع ترامب.
ورغم الاتصال السريع للسوداني بترامب لتهنئته بالفوز، فإن هذه الخطوة أثارت استياء “فصائل المقاومة”، التي رأت في الاتصال إشارة إلى استعداد الحكومة للتنازل أمام الضغوط المتوقعة للإدارة الأمريكية الجديدة.
وقال مصدر سياسي مقرب من الحكومة لجمار، إن “السوداني يحاول بناء علاقة عملية مع ترامب، لكنه يدرك أن ذلك قد يجلب له انتقادات من الفصائل الشيعية، التي ترى في عودة ترامب تهديداً مباشراً لمصالحها”.
ولاية ترامب الأولى والخوف من الثانية
للتذكير، السنوات الأربع التي قضاها ترامب في ولايته الأولى بين 20 كانون الثاني 2017 إلى 20 كانون الثاني 2021 لم تكن عادية بالنسبة للعراق.
منذ البداية، بدت العلاقة بين واشنطن وبغداد متوترة، خاصة مع زيارة ترامب المفاجئة إلى قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار في كانون الأول عام 2018، والتي جاءت دون تنسيق مسبق مع المسؤولين العراقيين. أثار هذا التصرّف موجة من الانتقادات في العراق واعتُبر تقليلاً من شأن سيادة البلاد.
وبعد عام من تلك الأزمة، استهدفت الولايات المتحدة في غارة بمنطقة القائم على الحدود السورية، الفصائل العراقية وأسقطت نحو 25 بين قتيل وجريح.
وتصاعد غضب الفصائل لينتهي بمشهد دخول أنصار الجماعات المسلحة السفارة الأمريكية في بغداد، في آخر يوم من عام 2019.
وتعتبر عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في كانون الثاني 2020 إحدى أكثر اللحظات حساسية في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة.
هذا الهجوم، دفع البرلمان العراقي إلى التصويت على قرار يطالب بخروج القوات الأمريكية من البلاد، وفتح فصل “المسّيرات” وصواريخ الـ”الكاتيوشا” التي طالت أهدافاً لا حصر لها، حتى منزل مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق، في سابقة جرت لأول مرّة في البلاد بعد 2003.
وختم مجلس القضاء الأعلى علاقة العراق مع ترامب بإصداره مذكرة قبض بحقه، وفق قانون العقوبات العراقي، وأعلن فائق زيدان، رئيس المجلس، أن “القضاء لن يتردّد باتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يثبت عليه دليل اشتراكه في جريمة اغتيال قادة النصر”، في إشارة إلى المهندس وسليماني.
وبالإضافة إلى الضغوط الأمنية والسياسية، كان العراق يعاني من أزمات خانقة نتيجة انخفاض أسعار النفط، وهو ما زاد سوءاً بسبب سياسات ترامب التي شجعت إنتاج النفط الأمريكي، مما تسبب في تراجع الأسعار عالمياً.
“المقاومة” والمواجهة
منذ إعلان فوز ترامب، بدأت الفصائل المسلحة العراقية، التي تندرج ضمن هيئة الحشد الشعبي، بإعادة تنظيم صفوفها.
أبلغ مجموعة صحفيين كانوا في طريق عودتهم من كردستان إلى بغداد في تشرين الثاني الماضي، بأنهم شاهدوا تلالاً من “إطارات السيارات” و”الحرائق” قرب منطقة العظيم في ديالى.
وحين سألوا أقرب سيطرة تبعد نحو كيلومتر عن سبب الحرائق، حصلوا على إجابة: “معليكم”!
ويقول مقاتل يقع واجبه بالقرب من العظيم، بانه “يسمع عن وجود أوامر إحراق الإطارات بين حين وآخر، حسب اتجاه الرياح”.
ويضيف، “في الغالب إذا كانت الرياح جنوبية تشتعل النيران”، ويستدرك “لا أعرف لماذا لكن ربما للتغطية على انسحاب قطاعات عسكرية أو خوفاً من طائرات مسّيرة”.
وتحدّث مقاتل آخر في خانقين بمحافظة ديالى، عن صدور تعليمات صارمة بحظر استخدام الهواتف الذكية خوفاً من “اختراق مشابه لهجمات البيجرز في لبنان”، والتي أدت إلى مقتل قيادات وأفراد من عناصر حزب الله اللبناني.
وتتزايد المؤشرات على انسحابات تكتيكية من بعض المقرات العسكرية، وإخلاء بعض مخازن السلاح، واتخاذ بعض القيادات من إيران مقر إقامة لها، وذلك يترافق مع تصاعد المخاوف من استهداف أمريكي-إسرائيلي لنحو 30 موقعاً في العراق.
واتهم جدعون ساعر؛ وزير الخارجية الإسرائيلي، عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، وقوات بدر، وحركة النجباء، وأنصار الله الأوفياء، وكتائب سيد الشهداء، بمهاجمة إسرائيل، وفق رسالة وجهها إلى مجلس الأمن.
وقال ساعر إن هذه الفصائل تابعة لـ”الحشد الشعبي”، متهماً الهيئة العسكرية العراقية بتلقي الرعاية من الحكومة العراقية والتوجيهات من إيران.
ويعتقد محمد نعناع، وهو معلّق سياسي واجه السجن نتيجة انتقاده حكومة السوداني، أن “وصول ترامب يعني أن السياسة الأمريكية ستكون أكثر عدوانية تجاه إيران وباقي الفصائل”.
تصاعد التهديدات، دفع علي السيستاني، المرجع الأعلى للشيعة والمقيم في زقاق قديم في محافظة النجف، إلى دعوة لحصر السلاح بيد الدولة ومنع التدخلات، وذلك في تعليق نادر منه على الأوضاع المتفجرة في المنطقة.
وأكد نعناع ان “الفصائل تريد أن تتراجع أمام الموجة القادمة، ووجدت في خطاب السيستاني الأخير فرصة”.
دعم غير محدود لإسرائيل
عودة ترامب تعني تعزيز الدعم الأمريكي لإسرائيل، التي تتهم الفصائل العراقية بشن هجمات صاروخية متكررة. وقد يفتح ذلك الباب أمام استهداف أوسع للبنية التحتية للحشد الشعبي، مثل مخازن الأسلحة ومراكز القيادة.
أحمد الياسري، الباحث العراقي المقيم في أستراليا، يرى أن “سياسة ترامب تعتمد على الصفقات، لكنه أكثر قرباً من إسرائيل مقارنة بأي رئيس جمهوري آخر”.
بالمقابل، يدعو أبو ميثاق المساري المحلل السياسي القريب من “الإطار التنسيقي” إلى “الانحناء أمام العواصف الشديدة”، في إشارة إلى ضرورة التهدئة السياسية وتجنب التصعيد مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وقال مصدر سياسي في الإطار التنسيقي، “قد تحصل تضحية بالحشد الشعبي”، مشيراً إلى أن إدارة ترامب أرادت في السابق دمج هذه الهيئة العسكرية المتشكلة من الفصائل المسلحة بالوزارات الأمنية، وعلى وجه التحديد وزارتي الدفاع والداخلية.
عقوبات اقتصادية
ترامب يميل إلى سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي الأمريكي، وخاصة في قطاع النفط. وإذا عادت إدارته لتطبيق هذه السياسات بقوة، فقد يؤدي ذلك إلى خفض أسعار النفط العالمية، مما يضع الاقتصاد العراقي، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط، في موقف صعب. بالإضافة إلى ذلك، قد تعيد واشنطن فرض قيود على التحويلات المالية العراقية إلى إيران، مما يعمّق أزمة الاقتصاد والكهرباء التي يعاني منها العراق بالفعل.
“سياسة ترامب الصارمة تجاه الدولار ستشدد الرقابة على المصارف العراقية، ما قد يؤدي إلى شلل اقتصادي”، يقول نبيل المرسومي، أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة.
وأشار المرسومي إلى أن التجارة مع إيران، التي تقدر بـ12 مليار دولار، والإنفاق السياحي العراقي في إيران الذي يبلغ 3 مليارات دولار، سيشكلان نقاط ضغط تستخدمها إدارة ترامب لتحقيق أهدافها السياسية.
كما أن اعتماد العراق على إيرادات النفط بنسبة 97 بالمئة، يجعل البلاد عرضة لتقلبات السوق.
ومع سياسة ترامب الداعمة للتوسع في إنتاج النفط الأمريكي، قد تتراجع أسعار النفط، ما سيؤثر سلباً على الموازنة العراقية التي تعاني أصلاً من عجز متفاقم.
في قلب العاصفة
عودة ترامب إلى الرئاسة تضع العراق أمام اختبار صعب. البلد الذي لا يزال يعاني من تبعات الغزو الأمريكي عام 2003 والصراعات اللاحقة، يجد نفسه مرة أخرى في قلب عاصفة جيوسياسية قد تعيد تشكيل ملامح المنطقة بأكملها.
الحال هذه، عودة ترامب ليست مجرد تغيير في قيادة البيت الأبيض، بل هي اختبار جديد للعراق الذي يقف على مفترق طرق، حيث التحديات الداخلية تتشابك مع الضغوط الخارجية.
فالحكومة العراقية والقوى المشكلة لها، ستحتاج إلى إدارة دقيقة وحذرة للعلاقة مع ترامب وفريقه المتشدد بسياساته، لا سيما وأن حدود التأثير السلبي لإدارة البيت الأبيض الجديدة لا تتردد بضرب السيادات والاقتصادات.
ويعتقد عبد الجبار أحمد، أستاذ العلوم السياسية، أن السنوات الأربع المقبلة من حكم ترامب قد تشهد تصعيداً ضد إيران وحلفائها في المنطقة، بما في ذلك الفصائل العراقية.
لكن أحمد، الذي ينخرط في النقاش السياسي على الشاشات الفضائية، يرى أن ترامب قد يكون “أكثر عقلانية” في ولايته الثانية.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مقابر "المخطئات" بذريعة الشرف: إفلات الجناة من العقاب بسطوة العشيرة والتقاليد في العراق
23 يناير 2025
زيارة السوداني إلى إيران: الحقائب تخلو من "الأهم"!
21 يناير 2025
"قبرها مفتوح أربعين يوماً": تجارب نساء بـ"النفاس" بين الطب والخرافة
19 يناير 2025
العراق وإيران.. دروب العلاقة القديمة والجديدة بين البلدين
16 يناير 2025
بينما تتصاعد أعمدة دخان من مناطق ريفية شمال بغداد منذ شهرين، في مشهد يوحي بتحرّكات عسكرية تهدف إلى تضليل الطائرات المسيرة المحتمل أن تقصف مخازن سلاح ومقرّات للفصائل المسلحة العراقية وبنى تحتية، احتدم النقاش في الأروقة السياسية العراقية حول ما تعنيه عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
فالفوز الثاني لترامب بالرئاسة الأمريكية لم يكن خبراً مرحّباً به في كواليس “الإطار التنسيقي”، التحالف السياسي الشيعي الحاكم في العراق، رغم الترحيب الرسمي من الحكومة العراقية.
توجُّس شيعي
بحسب مصدر سياسي مقرّب من “الإطار التنسيقي”، فإن “فوز ترامب أثار قلقاً واسعاً في أوساط القوى الشيعية التي كانت تأمل بفوز مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس”. إلا أن التوجه الغالب داخل الإطار، وخصوصاً من جناح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وبعض الحلفاء المقربين مثل عمار الحكيم وحيدر العبادي، هو التعامل البراغماتي مع ترامب.
ورغم الاتصال السريع للسوداني بترامب لتهنئته بالفوز، فإن هذه الخطوة أثارت استياء “فصائل المقاومة”، التي رأت في الاتصال إشارة إلى استعداد الحكومة للتنازل أمام الضغوط المتوقعة للإدارة الأمريكية الجديدة.
وقال مصدر سياسي مقرب من الحكومة لجمار، إن “السوداني يحاول بناء علاقة عملية مع ترامب، لكنه يدرك أن ذلك قد يجلب له انتقادات من الفصائل الشيعية، التي ترى في عودة ترامب تهديداً مباشراً لمصالحها”.
ولاية ترامب الأولى والخوف من الثانية
للتذكير، السنوات الأربع التي قضاها ترامب في ولايته الأولى بين 20 كانون الثاني 2017 إلى 20 كانون الثاني 2021 لم تكن عادية بالنسبة للعراق.
منذ البداية، بدت العلاقة بين واشنطن وبغداد متوترة، خاصة مع زيارة ترامب المفاجئة إلى قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار في كانون الأول عام 2018، والتي جاءت دون تنسيق مسبق مع المسؤولين العراقيين. أثار هذا التصرّف موجة من الانتقادات في العراق واعتُبر تقليلاً من شأن سيادة البلاد.
وبعد عام من تلك الأزمة، استهدفت الولايات المتحدة في غارة بمنطقة القائم على الحدود السورية، الفصائل العراقية وأسقطت نحو 25 بين قتيل وجريح.
وتصاعد غضب الفصائل لينتهي بمشهد دخول أنصار الجماعات المسلحة السفارة الأمريكية في بغداد، في آخر يوم من عام 2019.
وتعتبر عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في كانون الثاني 2020 إحدى أكثر اللحظات حساسية في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة.
هذا الهجوم، دفع البرلمان العراقي إلى التصويت على قرار يطالب بخروج القوات الأمريكية من البلاد، وفتح فصل “المسّيرات” وصواريخ الـ”الكاتيوشا” التي طالت أهدافاً لا حصر لها، حتى منزل مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق، في سابقة جرت لأول مرّة في البلاد بعد 2003.
وختم مجلس القضاء الأعلى علاقة العراق مع ترامب بإصداره مذكرة قبض بحقه، وفق قانون العقوبات العراقي، وأعلن فائق زيدان، رئيس المجلس، أن “القضاء لن يتردّد باتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يثبت عليه دليل اشتراكه في جريمة اغتيال قادة النصر”، في إشارة إلى المهندس وسليماني.
وبالإضافة إلى الضغوط الأمنية والسياسية، كان العراق يعاني من أزمات خانقة نتيجة انخفاض أسعار النفط، وهو ما زاد سوءاً بسبب سياسات ترامب التي شجعت إنتاج النفط الأمريكي، مما تسبب في تراجع الأسعار عالمياً.
“المقاومة” والمواجهة
منذ إعلان فوز ترامب، بدأت الفصائل المسلحة العراقية، التي تندرج ضمن هيئة الحشد الشعبي، بإعادة تنظيم صفوفها.
أبلغ مجموعة صحفيين كانوا في طريق عودتهم من كردستان إلى بغداد في تشرين الثاني الماضي، بأنهم شاهدوا تلالاً من “إطارات السيارات” و”الحرائق” قرب منطقة العظيم في ديالى.
وحين سألوا أقرب سيطرة تبعد نحو كيلومتر عن سبب الحرائق، حصلوا على إجابة: “معليكم”!
ويقول مقاتل يقع واجبه بالقرب من العظيم، بانه “يسمع عن وجود أوامر إحراق الإطارات بين حين وآخر، حسب اتجاه الرياح”.
ويضيف، “في الغالب إذا كانت الرياح جنوبية تشتعل النيران”، ويستدرك “لا أعرف لماذا لكن ربما للتغطية على انسحاب قطاعات عسكرية أو خوفاً من طائرات مسّيرة”.
وتحدّث مقاتل آخر في خانقين بمحافظة ديالى، عن صدور تعليمات صارمة بحظر استخدام الهواتف الذكية خوفاً من “اختراق مشابه لهجمات البيجرز في لبنان”، والتي أدت إلى مقتل قيادات وأفراد من عناصر حزب الله اللبناني.
وتتزايد المؤشرات على انسحابات تكتيكية من بعض المقرات العسكرية، وإخلاء بعض مخازن السلاح، واتخاذ بعض القيادات من إيران مقر إقامة لها، وذلك يترافق مع تصاعد المخاوف من استهداف أمريكي-إسرائيلي لنحو 30 موقعاً في العراق.
واتهم جدعون ساعر؛ وزير الخارجية الإسرائيلي، عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، وقوات بدر، وحركة النجباء، وأنصار الله الأوفياء، وكتائب سيد الشهداء، بمهاجمة إسرائيل، وفق رسالة وجهها إلى مجلس الأمن.
وقال ساعر إن هذه الفصائل تابعة لـ”الحشد الشعبي”، متهماً الهيئة العسكرية العراقية بتلقي الرعاية من الحكومة العراقية والتوجيهات من إيران.
ويعتقد محمد نعناع، وهو معلّق سياسي واجه السجن نتيجة انتقاده حكومة السوداني، أن “وصول ترامب يعني أن السياسة الأمريكية ستكون أكثر عدوانية تجاه إيران وباقي الفصائل”.
تصاعد التهديدات، دفع علي السيستاني، المرجع الأعلى للشيعة والمقيم في زقاق قديم في محافظة النجف، إلى دعوة لحصر السلاح بيد الدولة ومنع التدخلات، وذلك في تعليق نادر منه على الأوضاع المتفجرة في المنطقة.
وأكد نعناع ان “الفصائل تريد أن تتراجع أمام الموجة القادمة، ووجدت في خطاب السيستاني الأخير فرصة”.
دعم غير محدود لإسرائيل
عودة ترامب تعني تعزيز الدعم الأمريكي لإسرائيل، التي تتهم الفصائل العراقية بشن هجمات صاروخية متكررة. وقد يفتح ذلك الباب أمام استهداف أوسع للبنية التحتية للحشد الشعبي، مثل مخازن الأسلحة ومراكز القيادة.
أحمد الياسري، الباحث العراقي المقيم في أستراليا، يرى أن “سياسة ترامب تعتمد على الصفقات، لكنه أكثر قرباً من إسرائيل مقارنة بأي رئيس جمهوري آخر”.
بالمقابل، يدعو أبو ميثاق المساري المحلل السياسي القريب من “الإطار التنسيقي” إلى “الانحناء أمام العواصف الشديدة”، في إشارة إلى ضرورة التهدئة السياسية وتجنب التصعيد مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وقال مصدر سياسي في الإطار التنسيقي، “قد تحصل تضحية بالحشد الشعبي”، مشيراً إلى أن إدارة ترامب أرادت في السابق دمج هذه الهيئة العسكرية المتشكلة من الفصائل المسلحة بالوزارات الأمنية، وعلى وجه التحديد وزارتي الدفاع والداخلية.
عقوبات اقتصادية
ترامب يميل إلى سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي الأمريكي، وخاصة في قطاع النفط. وإذا عادت إدارته لتطبيق هذه السياسات بقوة، فقد يؤدي ذلك إلى خفض أسعار النفط العالمية، مما يضع الاقتصاد العراقي، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط، في موقف صعب. بالإضافة إلى ذلك، قد تعيد واشنطن فرض قيود على التحويلات المالية العراقية إلى إيران، مما يعمّق أزمة الاقتصاد والكهرباء التي يعاني منها العراق بالفعل.
“سياسة ترامب الصارمة تجاه الدولار ستشدد الرقابة على المصارف العراقية، ما قد يؤدي إلى شلل اقتصادي”، يقول نبيل المرسومي، أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة.
وأشار المرسومي إلى أن التجارة مع إيران، التي تقدر بـ12 مليار دولار، والإنفاق السياحي العراقي في إيران الذي يبلغ 3 مليارات دولار، سيشكلان نقاط ضغط تستخدمها إدارة ترامب لتحقيق أهدافها السياسية.
كما أن اعتماد العراق على إيرادات النفط بنسبة 97 بالمئة، يجعل البلاد عرضة لتقلبات السوق.
ومع سياسة ترامب الداعمة للتوسع في إنتاج النفط الأمريكي، قد تتراجع أسعار النفط، ما سيؤثر سلباً على الموازنة العراقية التي تعاني أصلاً من عجز متفاقم.
في قلب العاصفة
عودة ترامب إلى الرئاسة تضع العراق أمام اختبار صعب. البلد الذي لا يزال يعاني من تبعات الغزو الأمريكي عام 2003 والصراعات اللاحقة، يجد نفسه مرة أخرى في قلب عاصفة جيوسياسية قد تعيد تشكيل ملامح المنطقة بأكملها.
الحال هذه، عودة ترامب ليست مجرد تغيير في قيادة البيت الأبيض، بل هي اختبار جديد للعراق الذي يقف على مفترق طرق، حيث التحديات الداخلية تتشابك مع الضغوط الخارجية.
فالحكومة العراقية والقوى المشكلة لها، ستحتاج إلى إدارة دقيقة وحذرة للعلاقة مع ترامب وفريقه المتشدد بسياساته، لا سيما وأن حدود التأثير السلبي لإدارة البيت الأبيض الجديدة لا تتردد بضرب السيادات والاقتصادات.
ويعتقد عبد الجبار أحمد، أستاذ العلوم السياسية، أن السنوات الأربع المقبلة من حكم ترامب قد تشهد تصعيداً ضد إيران وحلفائها في المنطقة، بما في ذلك الفصائل العراقية.
لكن أحمد، الذي ينخرط في النقاش السياسي على الشاشات الفضائية، يرى أن ترامب قد يكون “أكثر عقلانية” في ولايته الثانية.