الصيادون يبيعون "الآرو".. الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار
28 تشرين الثاني 2024
الفرات لم يعد يلتقي بدجلة في جنوب العراق، والصيادون تركوا بيوتهم وزوارقهم في الأهوار ليعملوا في بيع مياه الآرو، وصانعو الزوارق لا أحد يشتري مشاحيفهم.. عن الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار في ذي قار.
ترجّل ناجي ارحيّم، الصيّاد، عن زورقه بعد أكثر من 25 عاماً، تاركاً مهنة صيد السمك التي ورثها عن أسلافه منذ القدم، بعد أن واجه ظروفاً صعبة نتيجة التغير المناخي، الذي دفعه إلى البحث عن مصدر رزق آخر أكثر استقراراً.
ناجي يحمل على كتفيه عبء 65 عاماً من الحياة، حكايته تبدأ مثل حكايا الصيادين في جنوب العراق، لكنها تنتهي إلى هجرة قسرية، من هور الحمّار، إلى قضاء كرمة بني سعيد في ذي قار.
ثلاث سنواتٍ مضتْ، لم تكنْ كافيةً لِتُلَمّ شتاتَ ناجي، فما زالَ يصارعُ ذكرياتِ هور الحمّار، حيثُ كانَ منزلهُ بمساحةِ 300 مترٍ مربعٍ، يتّسعُ لعائلةٍ مُحِبّةٍ وتواصل مع الجيرانِ والأصدقاءِ، وحياة يجدها جميلة رغم بساطتها.
أمّا الآن يعيشُ ناجي مع عائلتهِ المكوّنةِ من 10 أفرادٍ في دارٍ للإيجارٍ لا تزيدُ مساحتها على 125 متراً مربعاً، بجدران خرسانية ضيّقة، تحاصر أحلامهم، وتُقَيّدُ حركتَهم وتُطفئُ دفءَ التواصل، وبأجر شهري يبلغ 250 ألف دينار، وهذا عبءٌ آخر، يزيد من تعب الهجرة القسرية وصعوبتها.
تغيّرتْ حياته جذرياً، فلم يعدْ ذلكَ الرجل النشيط، الذي يمتهنُ الصيدَ منذُ بزوغ الشمس، فحياة الأهوار كانت تغدق عليه بالخيرات، فلم يتجاوز مصروفه الشهري 300 ألف دينارٍ؛ أمّا الآن فهذا المبلغ غير كاف. لم يعد قادراً على تلبية احتياجاتِ عائلتهِ التي تضاعفتْ لتصلَ إلى مليون دينارٍ شهرياً.
يُكابدُ ناجي قسوةَ الحياةِ في المدينةِ، يفتقدُ هواءَ الهورِ الطلق وأصواتَ الطيورِ ورائحةَ الماءِ العذبِ فهو يصف مهنته الجديدة بأنها “ليست هوايته وعمله الذي عشقه لسنين”، إلا أنّه من الضروري البحث عن “توفير لقمة العيش لعائلته”.
حياته الأهوارية، لم تكن خاصة به، بل كان يرافقه بعض من أولاده للصيد والبعض الآخر يذهب لصيد الطيور البريّة، إنّهم مجتمع يعيش على الصيد، وتشكّل منذ مئات السنين بتناغم مع البيئة والنظام الطبيعي الذي قامت عليه حضارات عريقة من قبل، لكنّه اليوم يُحتَضَر.
ناجي ارحيم يعمل حالياً على إدارة علوة بيع السمك بالجملة، في قضاء كرمة بني سعيد، ورغم عمله هذا لكنه يتابع شؤون صيادي الأسماك، فهو رئيس جمعية الصيادين في الأهوار، يتواصل معهم بشكل مستمر لمعرفة ما ترك الجفاف من الآثار المدمرة عليهم.
وناجي ليس الوحيد الذي واجه هذه الظروف، فالكثير من زملائه الصيادين اضطروا إلى ترك مهنتهم والبحث عن فرص عمل أخرى.
انتقل أبناء ناجي إلى مهن مختلفة مثل بيع الخضار، وبيع مياه RO المعقمة، وأعمال حرة أخرى توفر لهم دخلاً يومياً يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف دينار تقريباً أو أكثر بقليل.
“وحنينه دوماً لأول منزلِ“
في قضاء كرمة بني سعيد يحيا أبو طالب، صياد سمك طاعن في السن، يحمل في ذاكرته حكايات أربعة وسبعين عاماً، نسجتها خيوط الزمن على وقع مجداف خشبي يرقص على سطح الماء.
غادر أبو طالب معقله “الجبايش”، قبل أربع سنوات، تاركاً وراءه أهواراً كانت مصدر رزقه وحياته، باحثاً عن ملاذ جديد في كرمة بني سعيد، لم يكن الرحيل سهلاً، فقد ترك خلفه ذكريات لا تُنسى، وصيداً وفيراً، وطبيعة ساحرة، كانت تُغذي روحه وجسده خلال حقبة ذهبية قبل أن يلتهمها الجفاف.
مع شروق كل فجر، يستيقظ على وقع ذكريات الماضي، يتذكر تلك الأيام الجميلة في الأهوار، حين كان يجدف بقوّة في مشحوفه الأهواري، لا يأبه لبرودة الشتاء أو حر الصيف فجسده القوي كان درعاً له بعد أن كان يغذيه من صيد السمك الطازج، والطيور المائية والنباتات الطبيعية. تلك الحياة البسيطة، غيّرتها الظروف، وأصبحت ذكريات يتناقلها أبو طالب مع أفراد عائلته، حكايات عن صبر وعزيمة فهو غير راض عن حياته الحالية، ولكن اضطرته الظروف لترك موطنه.
اعتمد أبو طالب بظروفه الحالية على راتبه التقاعدي البسيط، 800 ألف دينار عراقي فقط، يعيل بها عائلته المكونة من خمسة أبناء يسكنون داراً مستأجرة تصل مساحتها إلى 150 متراً مربعاً، يدفعون ثمنها 300 ألف دينار شهرياً، أصغر من منزله في الجبايش بمرتين، الحياة تصبح أضيق عندما يهاجرون مجبرين عن الأهوار.
يذكر أبو طالب لجمار أنّهم كانوا في الأهوار يعتمدون على أساليب عدة في البيع وكسب الرزق مع أترابهم من سكنة المسطحات المائية، يقايضون الصيد بالتمر والطيور أو حليب الجاموس، وهذه المعاملات الاقتصادية هي الطريقة التي كانت شائعة أيضاً أيام السومريين.
تُظهر قصة ناجي وأبو طالب وغيرهما من الصيادين التأثير الكبير للجفاف على حياة الناس في الأهوار العراقية، حيث أجبرهم على ترك مهنتهم وبيوتهم والبحث عن فرص عمل جديدة في أماكن أخرى.
يُعد هذا الوضع مصدر قلق كبير للمجتمعات المحلية في الأهوار، حيث يُهدد بتفككها وفقدان هويتها الثقافية.
هاشم محيبس، مدير الموارد المائية في ذي قار، تحدّث لجمّار عن المناسيب المائية في السنوات الماضية التي أسهمت في غمر مساحات من الأهوار تجاوزت 5 آلاف كيلو متر مربع، وهذه المساحة تّمثّل 25 بالمئة فقط من مساحة الأهوار، التي خسرت ثلاثة أرباع مياهها في العقد الأخير.
الأهوار على وجه الخصوص، تعتمد على نهر الفرات، فيما يسهم نهر دجلة بجزء ليس قليلاً من خلال منفذ السدة المائية الواقعة بيّن قضاء الجبايش وقضاء المدينة شمال البصرة، من هناك تُصرّف مياه دجلة إلى الأهوار.
لن يلتقيا مجدداً
السدة المائية بحسب مدير الموارد المائية بُنيت عام 2011، طولها 850 متراً، وارتفاعها 4 أمتار، وكانت في البداية سدة ترابية، تتضمن ما يسمى مهرباً مائياً يسمح للمياه بالتحرك في حال الموجات الفيضانية، يمكن للمياه الخروج من دجلة إلى الفرات، وفي حال زادت المناسيب في الفرات يمكن تصريفه إلى دجلة، ولكن نتيجة الزيادة المستمرة في نهر دجلة تم تطوير السدة بإنشاء نواظم أنبوبية بعدد 14 ناظماً، يبلغ تصريفها المائي جميعا 50 متراً مكعباً بالثانية.
نهر الفرات يمر بمحافظة ذي قار من مدينة السماوة باتجاه الجبايش، ليلتقي بنهر دجلة عند قضاء المدينة شمال البصرة، ولكن انخفاض منسوبه سرّع ببناء السدة المائية، كي يتم تغذية الأهوار فقط، ومنذ إنشاء السدة، انقطعت صلة الفرات بنهر دجلة، بعد أن كانا يلتقيان معاً في البصرة ويكونان شط العرب، فكمياته لا تسمح له أن يكمل مسيره إلى البصرة.
حسين الزيادي، أستاذ الجغرافيا في جامعة ذي قار، يبيّن أن أعلى مستوى إغمار للأهوار بلغ ذروته في عام 2019، عندما تجاوز 4478 كيلومتراً مربعاً، كان في حينها موسماً مطرياً غزيراً، ولكن سرعان ما انخفضت المساحات المائية نتيجة قلة الاطلاقات في عام 2021، حتى بلغت المساحات المغمورة 1490 كيلومتراً مربعاً، وزاد الجفاف في عام 2022، أما عام 2023، فيعتبر من أكثر السنوات التي زادت فيها مراحل الجفاف، “من أكثر مراحل الجفاف في تاريخ العراق الهيدرولوجي حيث استنفد الخزين المائي بشكل كبير، وبالحقيقة وصلت مساحتها إلى أقل من 600 كيلومتر مربع”.
توسّع الجفاف زاد من النزوح البيئي، وظهور ما يسمى “ترييف المدن”، نتيجة الانتقال من بيئة مجتمعية ريفية لها تقاليد وعادات إلى بيئة حضرية مختلفة جذرياً، وجميعها كانت نتيجة التغيرات المناخية.
سجلت محافظة ذي قار بحسب آخر تحديث لبيانات دائرة الهجرة والمهجرين، نزوح 7 آلاف عائلة، بسبب التغيرات المناخية، منذ عام 2019 وحتى عام 2023، وهذا الرقم المذكور هو الذي تم تدقيقه بشكل نهائي، وهناك 2000 ملف لعائلة نازحة أخرى في طور التدقيق لمعرفة هل ما زالوا نازحين أم عادوا إلى مناطقهم، “وهذا يعني احتمالية وصول عدد العوائل إلى 9 آلاف واردة جداً”. هذه العوائل يتراوح متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة فيها بين 5 إلى 6 أفراد.
حيدر سعدي، رئيس لجنة التغيرات المناخية الحكومية في ذي قار أكد لجمار أنّ النزوح أثّر بشكل كبير على المهن الأساسية في المناطق الأهوارية، والريفية، ومنها صيد الأسماك وتربية المواشي، وخطورة الهجرة تكمن في عملية تغيير المهن، أي أنّ هناك شريحة كبيرة بعد أن كانوا منتجين تحولوا إلى مستهلكين، فضلاً عن المخاطر الأمنية التي تسببها الهجرة، ومستوى الضغط الذي يتشكل على مراكز المدن.
النزوح القسري
أشار سعدي إلى وجود نحو 300 صائد سمك، ومربياً للجاموس، مسجلين لدى وزارة الزراعة، تركوا مهنتهم ونزحوا إلى مراكز المدن، و168 نزحوا إلى محافظات أخرى، والذين قاموا بتغيير مهنهم لم يبلغوا بمهنتهم الحالية، والأمر لم ينته عند المهن، بل مستوى تسرب الأطفال من المدارس ارتفع، واستقرار البعض من النازحين في مناطق غير مخدومة، وبالتالي يتطلب توفير ميزانية مالية إضافية للعمل والعيش.
ناجي ارحيم رئيس جمعية صيادي الأسماك في المحافظة، يتحدث لجمار عن معاناةٍ عميقةٍ يعيشها الصيادون، فمن أصل 3 آلاف صياد مسجّلين في جمعيته، ترك قرابة الألف مهنتهم، إما نازحين إلى مدن الفرات الأوسط بحثاً عن فرصٍ جديدة في الصيد، أو تركوها نهائياً بسبب قسوة الظروف.
يُضيف ناجي، “غالبية الصيادين المسجّلين هم غير مسجّلين لدى قسم تنمية الثروة السمكية في دائرة الزراعة، لعدم وجود دعم كاف لتطوير مهنتهم أو مساعدتهم، لذا لم يرغبوا بالتسجيل لدى الدائرة الحكومية”.
المنظمة الدولية للهجرة IOM اعلنت في تقرير لها حول النزوح أن التدهور البيئي ألقى بظلاله بشكل كبير على الحياة في العراق، وتسببت أزمة المياه والجفاف بالنزوح في 12 محافظة عراقية، التقرير أشار إلى الفترة المنحصرة من حزيران 2018 ولغاية أيلول 2023، حيث نزحت نحو 22 ألف عائلة، وكانت ذي قار هي الأعلى بواقع 7890 عائلة، أي بمعدل 4 عوائل يومياً، تلتها ميسان بواقع 4420 عائلة، والنجف بواقع 3234 عائلة.
الجهاز المركزي للإحصاء، التابع لوزارة التخطيط، أعلن أن كمية الأسماك النهرية المنتجة لعام 2021 بلغت نحو 123 ألف طناً، إلا أن هذه النسبة انخفضت بمقدار 58 بالمئة في عام 2022.
حاتم الجبوري، معاون مدير عام الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، أوضح لجمّار أنّ الوزارة تعمل على إدخال أنظمةٍ حديثةٍ للحفاظ على المياه داخل الأهوار والمسطحات المائية.
وتعتمد هذه على استخدام نظام مائي مغلق أو قنوات ري محددة، وهذه الأنظمة ستُسهم في توطين السكان المحليين من صيادي الأسماك والمربين، وأنّ وزارتي الزراعة والموارد المائية قد اتفقتا على مهلةٍ زمنيةٍ مدتها خمس سنوات لتطبيق هذه الأنظمة.
ولفت الجبوري إلى أنّ الثروة السمكية تُشكل أحد العناصر المهمة في الاقتصاد العراقي وخلال الموسم الحالي لعام 2024 تم إطلاق 240 مليون سابحة سمكية، و8 ملايين إصبعية، وبيع 300 ألف إصبعية للمربين، “هذه الكميات تساهم في زيادة الإنتاج السمكيّ في البلاد، أمّا الإنتاج السمكيّ لعام 2023 فقد بلغ 39 ألف طن، وأن عدد الإجازات الممنوحة لصيادي الأسماك بلغ 12284 إجازة، وأنّ خطط وزارة الزراعة لتعزيز الثروة السمكية تُبشّر بمستقبلٍ واعدٍ لهذا القطاع الحيويّ في العراق”.
صلاح الموسوي، مدير مركز الجنوب للدراسات، يجد أن الأرقام المتضاربة بين المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية في أعداد النازحين نتيجة التغيرات المناخية تشير إلى عدم وجود إحصاء دقيق حول الموضوع حتى الآن.
الأمن والغذاء
منار ماجد، التدريسية في جامعة ذي قار والمختصة في الجغرافية البيئية، ترى أن واحدة من مشاكل المناخ هو تأثيراته على الأمن المجتمعي، إذ يجبر الشخص على ترك عمله ومهنته التي اعتاد عليها وتعلمها منذ سنين، والبحث عن عمل آخر ليس من صنفه وتخصصه، كما هو الحال مع صائدي الأسماك، ومربي الجاموس، خصوصاً وأن أغلب السكان المحليين للأهوار والقرى والأرياف لا يمتلكون رواتب شبكة الرعاية الاجتماعية، أو رواتب تقاعدية، مما يدفعهم للبحث عن سبل وطرق للعيش قد تكون غير مسموح بها أو غير قانونية، فالعاطلون عن العمل يعملون للبحث والهرب من الواقع الذي هم فيه.
وتكمل ماجد، أن هذا النزوح يدفع نحو نقصان بالمقدرات الغذائية للإنسان من خلال حدوث فجوات غذائية، وهذا ناجم عن عدم استصلاح الأراضي الزراعية، بسبب انخفاض مناسيب المياه، وبالتالي ارتفاع نسب ملوحة التربة، مما أسهم في انخفاض الانتاجية.
ذي قار فقدت أهم مورد مائي ونظام طبيعي مميز للثروة الاقتصادية في مجال صيد الأسماك، كان قضاء الجبايش لوحده يصدر ما بين 90 إلى 100 طن يومياً من الأسماك، في الفترة التي كانت تمتلك وفرة مائية، أما في الوقت الحالي فقد وصلت إلى الصفر، فضلاً عن ذلك؛ المساحات الزراعية في عموم محافظة ذي قار التي كان المسموح بزراعتها تقارب 500 ألف دونم، أمّا الآن فلا تتجاوز 200 ألف دونم، والمحافظة تحتاج إلى 122 متراً مكعباً/الثانية من مياه دجلة، لتؤمن الزراعة والإسالة وتحقق اكتفاءً ذاتياً من الحنطة، لإنتاج الطحين، وما يصل هو أقل بكثير عن الكمية المقررة.
وفق إحصائية غير منشورة قامت بها منار ماجد، التدريسية في جامعة ذي قار، فأن قضاء النصر شمال الناصرية بلغ عدد النازحين منه 2915 شخصاً، ثمّ قضاء البطحاء غرب الناصرية، بلغ عدد النازحين نتيجة التصحر 1531 عائلة، تليها الجبايش بواقع 1442 عائلة، ومن ثم بقية الأقضية والنواحي.
في ظل الواقع المؤلم الذي يعيشه السكان المحليون في أهوار ذي قار، يقف سلام كنطار (39 عاماً) صانع الزوارق، حاملاً همًاً ثقيلاً على كتفيه، فهو الآخر يواجه مصيراً مشتركاً مع صائدي الأسماك، ولكنه ما يزال يقاوم، بعد أن كان يصنع ما معدله 5 زوارق شهرياً، يمخر بها أهالي الجبايش عباب الأهوار.
لكنّ الأيام تغيّرت، وانحسرت مياه الأهوار، فقلّ الطلب على زوارقه، ولم يعد الأهالي بحاجةٍ إلى شراء زوارق جديدة، كما في الأعوام السابقة، بدأت معدلات بيعه بالانخفاض، فهو يُصارع الآن شبحَ الفقرِ، لا يكادُ يبيع زورقين أو ثلاثةً في الشهر، ولا يملكُ مهنةً أخرى، ولا يستطيعُ مغادرةَ قضاءِ الجبايش بحثاً عن فرصٍ جديدة، خوفاً من المجهول.
- هذه المادة من ضمن ملف أعدّه جمار عن الأسماك في العراق
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
ترجّل ناجي ارحيّم، الصيّاد، عن زورقه بعد أكثر من 25 عاماً، تاركاً مهنة صيد السمك التي ورثها عن أسلافه منذ القدم، بعد أن واجه ظروفاً صعبة نتيجة التغير المناخي، الذي دفعه إلى البحث عن مصدر رزق آخر أكثر استقراراً.
ناجي يحمل على كتفيه عبء 65 عاماً من الحياة، حكايته تبدأ مثل حكايا الصيادين في جنوب العراق، لكنها تنتهي إلى هجرة قسرية، من هور الحمّار، إلى قضاء كرمة بني سعيد في ذي قار.
ثلاث سنواتٍ مضتْ، لم تكنْ كافيةً لِتُلَمّ شتاتَ ناجي، فما زالَ يصارعُ ذكرياتِ هور الحمّار، حيثُ كانَ منزلهُ بمساحةِ 300 مترٍ مربعٍ، يتّسعُ لعائلةٍ مُحِبّةٍ وتواصل مع الجيرانِ والأصدقاءِ، وحياة يجدها جميلة رغم بساطتها.
أمّا الآن يعيشُ ناجي مع عائلتهِ المكوّنةِ من 10 أفرادٍ في دارٍ للإيجارٍ لا تزيدُ مساحتها على 125 متراً مربعاً، بجدران خرسانية ضيّقة، تحاصر أحلامهم، وتُقَيّدُ حركتَهم وتُطفئُ دفءَ التواصل، وبأجر شهري يبلغ 250 ألف دينار، وهذا عبءٌ آخر، يزيد من تعب الهجرة القسرية وصعوبتها.
تغيّرتْ حياته جذرياً، فلم يعدْ ذلكَ الرجل النشيط، الذي يمتهنُ الصيدَ منذُ بزوغ الشمس، فحياة الأهوار كانت تغدق عليه بالخيرات، فلم يتجاوز مصروفه الشهري 300 ألف دينارٍ؛ أمّا الآن فهذا المبلغ غير كاف. لم يعد قادراً على تلبية احتياجاتِ عائلتهِ التي تضاعفتْ لتصلَ إلى مليون دينارٍ شهرياً.
يُكابدُ ناجي قسوةَ الحياةِ في المدينةِ، يفتقدُ هواءَ الهورِ الطلق وأصواتَ الطيورِ ورائحةَ الماءِ العذبِ فهو يصف مهنته الجديدة بأنها “ليست هوايته وعمله الذي عشقه لسنين”، إلا أنّه من الضروري البحث عن “توفير لقمة العيش لعائلته”.
حياته الأهوارية، لم تكن خاصة به، بل كان يرافقه بعض من أولاده للصيد والبعض الآخر يذهب لصيد الطيور البريّة، إنّهم مجتمع يعيش على الصيد، وتشكّل منذ مئات السنين بتناغم مع البيئة والنظام الطبيعي الذي قامت عليه حضارات عريقة من قبل، لكنّه اليوم يُحتَضَر.
ناجي ارحيم يعمل حالياً على إدارة علوة بيع السمك بالجملة، في قضاء كرمة بني سعيد، ورغم عمله هذا لكنه يتابع شؤون صيادي الأسماك، فهو رئيس جمعية الصيادين في الأهوار، يتواصل معهم بشكل مستمر لمعرفة ما ترك الجفاف من الآثار المدمرة عليهم.
وناجي ليس الوحيد الذي واجه هذه الظروف، فالكثير من زملائه الصيادين اضطروا إلى ترك مهنتهم والبحث عن فرص عمل أخرى.
انتقل أبناء ناجي إلى مهن مختلفة مثل بيع الخضار، وبيع مياه RO المعقمة، وأعمال حرة أخرى توفر لهم دخلاً يومياً يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف دينار تقريباً أو أكثر بقليل.
“وحنينه دوماً لأول منزلِ“
في قضاء كرمة بني سعيد يحيا أبو طالب، صياد سمك طاعن في السن، يحمل في ذاكرته حكايات أربعة وسبعين عاماً، نسجتها خيوط الزمن على وقع مجداف خشبي يرقص على سطح الماء.
غادر أبو طالب معقله “الجبايش”، قبل أربع سنوات، تاركاً وراءه أهواراً كانت مصدر رزقه وحياته، باحثاً عن ملاذ جديد في كرمة بني سعيد، لم يكن الرحيل سهلاً، فقد ترك خلفه ذكريات لا تُنسى، وصيداً وفيراً، وطبيعة ساحرة، كانت تُغذي روحه وجسده خلال حقبة ذهبية قبل أن يلتهمها الجفاف.
مع شروق كل فجر، يستيقظ على وقع ذكريات الماضي، يتذكر تلك الأيام الجميلة في الأهوار، حين كان يجدف بقوّة في مشحوفه الأهواري، لا يأبه لبرودة الشتاء أو حر الصيف فجسده القوي كان درعاً له بعد أن كان يغذيه من صيد السمك الطازج، والطيور المائية والنباتات الطبيعية. تلك الحياة البسيطة، غيّرتها الظروف، وأصبحت ذكريات يتناقلها أبو طالب مع أفراد عائلته، حكايات عن صبر وعزيمة فهو غير راض عن حياته الحالية، ولكن اضطرته الظروف لترك موطنه.
اعتمد أبو طالب بظروفه الحالية على راتبه التقاعدي البسيط، 800 ألف دينار عراقي فقط، يعيل بها عائلته المكونة من خمسة أبناء يسكنون داراً مستأجرة تصل مساحتها إلى 150 متراً مربعاً، يدفعون ثمنها 300 ألف دينار شهرياً، أصغر من منزله في الجبايش بمرتين، الحياة تصبح أضيق عندما يهاجرون مجبرين عن الأهوار.
يذكر أبو طالب لجمار أنّهم كانوا في الأهوار يعتمدون على أساليب عدة في البيع وكسب الرزق مع أترابهم من سكنة المسطحات المائية، يقايضون الصيد بالتمر والطيور أو حليب الجاموس، وهذه المعاملات الاقتصادية هي الطريقة التي كانت شائعة أيضاً أيام السومريين.
تُظهر قصة ناجي وأبو طالب وغيرهما من الصيادين التأثير الكبير للجفاف على حياة الناس في الأهوار العراقية، حيث أجبرهم على ترك مهنتهم وبيوتهم والبحث عن فرص عمل جديدة في أماكن أخرى.
يُعد هذا الوضع مصدر قلق كبير للمجتمعات المحلية في الأهوار، حيث يُهدد بتفككها وفقدان هويتها الثقافية.
هاشم محيبس، مدير الموارد المائية في ذي قار، تحدّث لجمّار عن المناسيب المائية في السنوات الماضية التي أسهمت في غمر مساحات من الأهوار تجاوزت 5 آلاف كيلو متر مربع، وهذه المساحة تّمثّل 25 بالمئة فقط من مساحة الأهوار، التي خسرت ثلاثة أرباع مياهها في العقد الأخير.
الأهوار على وجه الخصوص، تعتمد على نهر الفرات، فيما يسهم نهر دجلة بجزء ليس قليلاً من خلال منفذ السدة المائية الواقعة بيّن قضاء الجبايش وقضاء المدينة شمال البصرة، من هناك تُصرّف مياه دجلة إلى الأهوار.
لن يلتقيا مجدداً
السدة المائية بحسب مدير الموارد المائية بُنيت عام 2011، طولها 850 متراً، وارتفاعها 4 أمتار، وكانت في البداية سدة ترابية، تتضمن ما يسمى مهرباً مائياً يسمح للمياه بالتحرك في حال الموجات الفيضانية، يمكن للمياه الخروج من دجلة إلى الفرات، وفي حال زادت المناسيب في الفرات يمكن تصريفه إلى دجلة، ولكن نتيجة الزيادة المستمرة في نهر دجلة تم تطوير السدة بإنشاء نواظم أنبوبية بعدد 14 ناظماً، يبلغ تصريفها المائي جميعا 50 متراً مكعباً بالثانية.
نهر الفرات يمر بمحافظة ذي قار من مدينة السماوة باتجاه الجبايش، ليلتقي بنهر دجلة عند قضاء المدينة شمال البصرة، ولكن انخفاض منسوبه سرّع ببناء السدة المائية، كي يتم تغذية الأهوار فقط، ومنذ إنشاء السدة، انقطعت صلة الفرات بنهر دجلة، بعد أن كانا يلتقيان معاً في البصرة ويكونان شط العرب، فكمياته لا تسمح له أن يكمل مسيره إلى البصرة.
حسين الزيادي، أستاذ الجغرافيا في جامعة ذي قار، يبيّن أن أعلى مستوى إغمار للأهوار بلغ ذروته في عام 2019، عندما تجاوز 4478 كيلومتراً مربعاً، كان في حينها موسماً مطرياً غزيراً، ولكن سرعان ما انخفضت المساحات المائية نتيجة قلة الاطلاقات في عام 2021، حتى بلغت المساحات المغمورة 1490 كيلومتراً مربعاً، وزاد الجفاف في عام 2022، أما عام 2023، فيعتبر من أكثر السنوات التي زادت فيها مراحل الجفاف، “من أكثر مراحل الجفاف في تاريخ العراق الهيدرولوجي حيث استنفد الخزين المائي بشكل كبير، وبالحقيقة وصلت مساحتها إلى أقل من 600 كيلومتر مربع”.
توسّع الجفاف زاد من النزوح البيئي، وظهور ما يسمى “ترييف المدن”، نتيجة الانتقال من بيئة مجتمعية ريفية لها تقاليد وعادات إلى بيئة حضرية مختلفة جذرياً، وجميعها كانت نتيجة التغيرات المناخية.
سجلت محافظة ذي قار بحسب آخر تحديث لبيانات دائرة الهجرة والمهجرين، نزوح 7 آلاف عائلة، بسبب التغيرات المناخية، منذ عام 2019 وحتى عام 2023، وهذا الرقم المذكور هو الذي تم تدقيقه بشكل نهائي، وهناك 2000 ملف لعائلة نازحة أخرى في طور التدقيق لمعرفة هل ما زالوا نازحين أم عادوا إلى مناطقهم، “وهذا يعني احتمالية وصول عدد العوائل إلى 9 آلاف واردة جداً”. هذه العوائل يتراوح متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة فيها بين 5 إلى 6 أفراد.
حيدر سعدي، رئيس لجنة التغيرات المناخية الحكومية في ذي قار أكد لجمار أنّ النزوح أثّر بشكل كبير على المهن الأساسية في المناطق الأهوارية، والريفية، ومنها صيد الأسماك وتربية المواشي، وخطورة الهجرة تكمن في عملية تغيير المهن، أي أنّ هناك شريحة كبيرة بعد أن كانوا منتجين تحولوا إلى مستهلكين، فضلاً عن المخاطر الأمنية التي تسببها الهجرة، ومستوى الضغط الذي يتشكل على مراكز المدن.
النزوح القسري
أشار سعدي إلى وجود نحو 300 صائد سمك، ومربياً للجاموس، مسجلين لدى وزارة الزراعة، تركوا مهنتهم ونزحوا إلى مراكز المدن، و168 نزحوا إلى محافظات أخرى، والذين قاموا بتغيير مهنهم لم يبلغوا بمهنتهم الحالية، والأمر لم ينته عند المهن، بل مستوى تسرب الأطفال من المدارس ارتفع، واستقرار البعض من النازحين في مناطق غير مخدومة، وبالتالي يتطلب توفير ميزانية مالية إضافية للعمل والعيش.
ناجي ارحيم رئيس جمعية صيادي الأسماك في المحافظة، يتحدث لجمار عن معاناةٍ عميقةٍ يعيشها الصيادون، فمن أصل 3 آلاف صياد مسجّلين في جمعيته، ترك قرابة الألف مهنتهم، إما نازحين إلى مدن الفرات الأوسط بحثاً عن فرصٍ جديدة في الصيد، أو تركوها نهائياً بسبب قسوة الظروف.
يُضيف ناجي، “غالبية الصيادين المسجّلين هم غير مسجّلين لدى قسم تنمية الثروة السمكية في دائرة الزراعة، لعدم وجود دعم كاف لتطوير مهنتهم أو مساعدتهم، لذا لم يرغبوا بالتسجيل لدى الدائرة الحكومية”.
المنظمة الدولية للهجرة IOM اعلنت في تقرير لها حول النزوح أن التدهور البيئي ألقى بظلاله بشكل كبير على الحياة في العراق، وتسببت أزمة المياه والجفاف بالنزوح في 12 محافظة عراقية، التقرير أشار إلى الفترة المنحصرة من حزيران 2018 ولغاية أيلول 2023، حيث نزحت نحو 22 ألف عائلة، وكانت ذي قار هي الأعلى بواقع 7890 عائلة، أي بمعدل 4 عوائل يومياً، تلتها ميسان بواقع 4420 عائلة، والنجف بواقع 3234 عائلة.
الجهاز المركزي للإحصاء، التابع لوزارة التخطيط، أعلن أن كمية الأسماك النهرية المنتجة لعام 2021 بلغت نحو 123 ألف طناً، إلا أن هذه النسبة انخفضت بمقدار 58 بالمئة في عام 2022.
حاتم الجبوري، معاون مدير عام الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، أوضح لجمّار أنّ الوزارة تعمل على إدخال أنظمةٍ حديثةٍ للحفاظ على المياه داخل الأهوار والمسطحات المائية.
وتعتمد هذه على استخدام نظام مائي مغلق أو قنوات ري محددة، وهذه الأنظمة ستُسهم في توطين السكان المحليين من صيادي الأسماك والمربين، وأنّ وزارتي الزراعة والموارد المائية قد اتفقتا على مهلةٍ زمنيةٍ مدتها خمس سنوات لتطبيق هذه الأنظمة.
ولفت الجبوري إلى أنّ الثروة السمكية تُشكل أحد العناصر المهمة في الاقتصاد العراقي وخلال الموسم الحالي لعام 2024 تم إطلاق 240 مليون سابحة سمكية، و8 ملايين إصبعية، وبيع 300 ألف إصبعية للمربين، “هذه الكميات تساهم في زيادة الإنتاج السمكيّ في البلاد، أمّا الإنتاج السمكيّ لعام 2023 فقد بلغ 39 ألف طن، وأن عدد الإجازات الممنوحة لصيادي الأسماك بلغ 12284 إجازة، وأنّ خطط وزارة الزراعة لتعزيز الثروة السمكية تُبشّر بمستقبلٍ واعدٍ لهذا القطاع الحيويّ في العراق”.
صلاح الموسوي، مدير مركز الجنوب للدراسات، يجد أن الأرقام المتضاربة بين المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية في أعداد النازحين نتيجة التغيرات المناخية تشير إلى عدم وجود إحصاء دقيق حول الموضوع حتى الآن.
الأمن والغذاء
منار ماجد، التدريسية في جامعة ذي قار والمختصة في الجغرافية البيئية، ترى أن واحدة من مشاكل المناخ هو تأثيراته على الأمن المجتمعي، إذ يجبر الشخص على ترك عمله ومهنته التي اعتاد عليها وتعلمها منذ سنين، والبحث عن عمل آخر ليس من صنفه وتخصصه، كما هو الحال مع صائدي الأسماك، ومربي الجاموس، خصوصاً وأن أغلب السكان المحليين للأهوار والقرى والأرياف لا يمتلكون رواتب شبكة الرعاية الاجتماعية، أو رواتب تقاعدية، مما يدفعهم للبحث عن سبل وطرق للعيش قد تكون غير مسموح بها أو غير قانونية، فالعاطلون عن العمل يعملون للبحث والهرب من الواقع الذي هم فيه.
وتكمل ماجد، أن هذا النزوح يدفع نحو نقصان بالمقدرات الغذائية للإنسان من خلال حدوث فجوات غذائية، وهذا ناجم عن عدم استصلاح الأراضي الزراعية، بسبب انخفاض مناسيب المياه، وبالتالي ارتفاع نسب ملوحة التربة، مما أسهم في انخفاض الانتاجية.
ذي قار فقدت أهم مورد مائي ونظام طبيعي مميز للثروة الاقتصادية في مجال صيد الأسماك، كان قضاء الجبايش لوحده يصدر ما بين 90 إلى 100 طن يومياً من الأسماك، في الفترة التي كانت تمتلك وفرة مائية، أما في الوقت الحالي فقد وصلت إلى الصفر، فضلاً عن ذلك؛ المساحات الزراعية في عموم محافظة ذي قار التي كان المسموح بزراعتها تقارب 500 ألف دونم، أمّا الآن فلا تتجاوز 200 ألف دونم، والمحافظة تحتاج إلى 122 متراً مكعباً/الثانية من مياه دجلة، لتؤمن الزراعة والإسالة وتحقق اكتفاءً ذاتياً من الحنطة، لإنتاج الطحين، وما يصل هو أقل بكثير عن الكمية المقررة.
وفق إحصائية غير منشورة قامت بها منار ماجد، التدريسية في جامعة ذي قار، فأن قضاء النصر شمال الناصرية بلغ عدد النازحين منه 2915 شخصاً، ثمّ قضاء البطحاء غرب الناصرية، بلغ عدد النازحين نتيجة التصحر 1531 عائلة، تليها الجبايش بواقع 1442 عائلة، ومن ثم بقية الأقضية والنواحي.
في ظل الواقع المؤلم الذي يعيشه السكان المحليون في أهوار ذي قار، يقف سلام كنطار (39 عاماً) صانع الزوارق، حاملاً همًاً ثقيلاً على كتفيه، فهو الآخر يواجه مصيراً مشتركاً مع صائدي الأسماك، ولكنه ما يزال يقاوم، بعد أن كان يصنع ما معدله 5 زوارق شهرياً، يمخر بها أهالي الجبايش عباب الأهوار.
لكنّ الأيام تغيّرت، وانحسرت مياه الأهوار، فقلّ الطلب على زوارقه، ولم يعد الأهالي بحاجةٍ إلى شراء زوارق جديدة، كما في الأعوام السابقة، بدأت معدلات بيعه بالانخفاض، فهو يُصارع الآن شبحَ الفقرِ، لا يكادُ يبيع زورقين أو ثلاثةً في الشهر، ولا يملكُ مهنةً أخرى، ولا يستطيعُ مغادرةَ قضاءِ الجبايش بحثاً عن فرصٍ جديدة، خوفاً من المجهول.
- هذه المادة من ضمن ملف أعدّه جمار عن الأسماك في العراق