غابات البلوط في كردستان: حتى "شجرة الملا" احترقت 

رشيد صوفي

09 تشرين الثاني 2024

ماذا تبقى من أشجار البلوط التي تقتلها الجيوش والأفراد على جبال كردستان؟.. هنا رحلة طويلة في تاريخ وحاضر شجر السنديان.. عن شجرة الملا وهكار الذي يزرع البذور عسى أن يرى ثمار الأشجار..

يسند هكار اسماعيل البالغ من العمر 40 عاماً المعول على كتفه، وعلى ظهره حقيبة مليئة ببذور البلوط لغرسها في الأراضي والتلال المحيطة بقريته كورين كافانا الواقعة شمالي مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق 

تحت سماء زرقاء تتوزع فيها كُتل الغيوم البيضاء يدندن هكار أغنيته الجبلية الكردية المتناغمة مع صوته، ويحفر بعد أن وجد لبذور البلوط مكاناً صالحاً لزراعتها، فتمتزج ضربات المجرفة في الأرض مع ما يدندنه من أغانٍ. 

قبل أربع سنوات قرر هكار زراعة أشجار السنديان وهي نوع من البلوط، في الأراضي والتلال المحيطة بقريته شمالي مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق، بمساعدة زوجته وأطفاله الاربعة. 

أطلق مبادرة الزراعة هذه بعد انتشار فيروس “كورونا”، إذ أصبح عاطلاً عن العمل، وصار من الصعب عليه مغادرة قريته نتيجة للحجر الصحي. 

في شتاء 2020، وتحديداً في منتصف تشرين الثاني وحتى بداية شباط 2023، استمر هكار بتوزيع بذور البلوط في الأراضي المحيطة بقريته والتلال القريبة منها، بعد أن أدرك المخاطر التي تواجه الغابات الطبيعية في إقليم كردستان، بسبب الحرائق، وعمليات القطع الجائر، والهجمات التركية على المناطق الحدودية التي تسببت بتدمير مساحات واسعة من تلك الغابات. 

هكار يزرع بذور البلوط بالقرب من قرية كورين كافانا – تصوير الكاتب. 

منذ بدء مبادرته وحتى اليوم نجح هكار في زراعة أكثر من ثلاثين ألف بذرة شجرة بلوط، موسعاً نشاطه ليشمل شبكة من أصدقائه قاموا هم أيضاً بالمشاركة بهذه الحملة، ويقول لجمار، إن “أفضل موسمٍ للبدء بزراعة هذه الأشجار هي منتصف تشرين الثاني، وحتى بداية شباط، من كل عام”. 

يُزرع ويقطف في أشهر متشابهات 

تقطف ثمار البلوط في أشهر زراعته نفسها، لكن بعد مرور عام تقريباً، إذ تبدأ زراعة بذور البلوط بداية فصل الخريف وحتى نهاية الشتاء تقريباً، حيث تكون التربة رطبة جداً في المنطقة. 

يقول هكار “بذور البلوط تعتمد في سقيها أيضاً على مياه الأمطار لهذا يفضل زراعتها في الشتاء حيث تكون الأجواء مناسبة لها”. 

وتعتمد عملية زراعة البلوط على حفر الأرض بعمق يتراوح بين (30 – 40) سنتمتر تحت الأرض، وتوضع داخل الحفرة 1 – 3 بذور وتسقى البذور لمرة واحدة فقط، إذ تعتمد في حصولها على الماء من باطن الأرض. 

وتعد جبال إقليم كردستان منطقة ملائمة لزراعة شجرة البلوط، كما تتواجد هذه الأشجار بشكل طبيعي في المنطقة؛ لأنها مقاومة للأجواء الباردة، وللظروف المناخية المختلفة. 

اصدقاء هكار الذين تطوعوا لزراعة البلوط بالقرب من قرية كورين كافانا – تصوير الكاتب. 

ويقول حسين حمه كريم مدير عام دائرة الغابات في وزارة الزراعة في إقليم كردستان إن “الجبال والتلال مناطق معتدلة في الصيف وباردة جداً في الشتاء تتساقط فيها الثلوج، لذلك تعد الأماكن الأفضل لزراعة أشجار البلوط منذ آلاف السنين”.  

يزهر البلوط في نيسان، ومن ثم تتحوّل الشجرة وألوانها مع تحوّل الطقس، حتّى يحل الشتاء نهاية تشرين الأول، حيث يتجه سكان القرى جماعات إلى الغابات ليقطفوا ثمار البلوط. 

يقول هكار “نجمع كميات كبيرة من ثمار البلوط، بعضها نختارها لنأخذ منها البذور ونعيد زراعتها، والبقية نأكلها ونقدمها للأصدقاء والأقارب”. 

الأغنام تقتل براعم البلوط 

البذور التي زرعها هكار ويتجاوز عددها أكثر من 30 ألف بذرة في قريته، والمناطق القريبة منها، لم ينجح سوى 10 بالمئة منها، يقول هكار إن الأغنام تأكل البراعم التي تنبت بالأرض، والرعاة لا يمنعون مواشيهم عن أكل البراعم، “همهم الوحيد رعي أغنامهم”. 

لم تقتل الأغنام وحدها براعم البلوط، الناس في الإقليم يقطعون أشجاره مستخدمين جذوعها وأغصانها لتدفئتهم في فصل الشتاء، كبديل للنفط الأبيض بسبب قلّته وغلاء أسعاره. 

وقد شهدت الغابات تراجعاً بنسبة 50 بالمئة في أعداد اشجار البلوط بحسب حسين حمه كريم. 

بين عامي 2014 و2015 أجرت وزارة الزراعة في إقليم كردستان مسحاً بالأقمار الصناعية لمساحة الغابات الخضراء، وقد ظهر أن عددها آنذاك قد بلغ مليونين و507 آلاف دونم، وتشكل نسبة أشجار البلوط ما بين 80 إلى 85 بالمئة من عموم المساحة الخضراء. 

ويوجد نحو 450 نوعاً من أشجار البلوط في العالم، يتراوح عمر الشجرة ما بين 700 ــ2400 عام، أما في اقليم كردستان فتتراوح أعمارها ما بين 500 ــ900 عام. 

وتنبت شجرة البلوط بكثافة في المناطق التي ترتفع ما بين 600 ــ1700 متر عن مستوى سطح البحر، وتوجد هذه الشجرة في معظم مناطق إقليم كردستان، وأكثر الأنواع التي يمكن مشاهدتها هي (اجیلوبس، فیكتوریا، لیبانی، ماكرانفیرا، روبرا) إضافة الى نوع يسمى بـ”البلوط القوقازي”. 

 “نعمل حالياً لإنقاذ البلوط القوقازي من الاندثار، والحفاظ عليه كونه صنفاً نادراً ويوجد في منطقة سوران شمالي أربيل فقط”، يقول سامان محمود أحمد رئيس مؤسسة نبات كردستان. 

وحذرت منظمات بيئية في إقليم كردستان من المخاطر التي تتسبب في انحسار الغابات الطبيعية بسبب الحروب والجفاف وقطع الأشجار والزراعة المتسعة والبناء غير المخطط، وتعتبر أشجار البلوط هي النوع الرئيسي للنباتات الغابية، الذي يوفر خدمات النظام البيئي الرئيسية للمنطقة. 

يُحرّم قطعها 

كان احترام الغابات والأشجار واجباً في الكثير من قرى كردستان، خاصة في قرية هرور الواقعة على الحدود العراقية التركية، والمليئة بأشجار البلوط الكثيفة، هناك حيث تمنع الأعراف أهالي القرى من قطع الأشجار، “وإذا ما اضطر أحدٌ من سكان القرية لقطع الأشجار، يقتصر هذا على قطع الأغصان لتلبية الحاجة اليومية للسكان، من دون قطع جذوعها وأطرافها حتى يُسمح للأشجار باستمرار نموّها”، يقول ريفنك هروري (62 عاماً)، أحد وجهاء القرية، والذي كان رئيساً مؤقتاً لبرلمان إقليم كردستان عام 2018. 

“هناك أماكن يحرّم فيها قطع أشجار البلوط بشكل نهائي مثل المقابر والمزارات الدينية التي كانت دائما كثيفة بهذه الأشجار”. 

وتمنع الشرطة المحلية قطع الأشجار في غابات الإقليم عموماً، إذ اعتقل أكثر من 100 شخص خلال عام 2023، وفقاً لقانون البیئة الصادر عام  2008 من برلمان إقليم كردستان الذي يعاقب المخالف أو المتجاوز على البيئة بالحبس لمدة شهر أو بغرامة لا تقل عن 100 ألف دينار، ولا تزيد عن 10 مليون دينار. 

ويتحدث هروري عن علاقة أهالي قريته بأشجار البلوط والغابات الطبيعية، إذ يستأنس سكان القرى بأكل ثمار البلوط في فصل الشتاء القارس، ويضعون حبات الثمار على جمر الحطب ليعطي مذاقاً مميزاً للطعام الذي يتم شواؤه. 

أما في أوقات الأزمات وشحة القوت، يلجأ القرويون لاستخراج الدقيق من حبات البلوط بواسطة الطواحين اليدوية التقليدية، ويحولونها خبزاً أنقذ العديد من العوائل أيام القحط الصعبة. 

البلوط يدخل جميع الصناعات 

ارتبط الكرد وحياتهم بشجرة البلوط، يقول الباحث الاجتماعي بيار بيافي “دخل البلوط في مجالات مهمة في العديد من المهن والأعمال المتعلقة بالحياة اليومية للكرد، أبرزها الصناعات الخشبية، كالأبواب والشبابيك وتغطية سقوف المنازل، فضلا عن الأدوات المنزلية وأدوات المطبخ والزراعة”. 

شجرة البلوط على جبال إقليم كردستان – تصوير الكاتب. 

وعدت غابات البلوط بالنسبة للسكان مكاناً مريحاً وممتعاً للنزهات والاحتفالات العائلية والشعبية، خصوصا في فصلي الربيع والصيف، كما أنها كانت مصدراً لرزق العديد من العوائل حيث يقومون بقطف ثمارها وبيعها في الأسواق، إضافة إلى استخداماتها في تغذية المواشي، وتحرق أغصانها في الشتاء القارس لأغراض التدفئة. 

ويوجد في إقليم كردستان أكثر من 32 مشتلاً حكومياً في الوقت الحالي؛ لإنتاج أنواع من الأشجار الغابية والفاكهة بما فيها البلوط، وبحسب بيان لوزارة زراعة الإقليم أنها بدأت بالتنسيق مع منظمات دولية بتنفيذ خطة لزيادة المناطق الخضراء والغابات تتضمن 114 مشروعاً على مساحة أكثر من 35 ألف دونم. وأعلنت وزارة بلديات الإقليم العام الماضي عن خطتها لزراعة نحو 100 مليون شجرة بلوط في محافظة أربيل حتى عام 2030 بالتنسيق مع بعض المنظمات البيئية. 

ويقول حسين حمة كريم، مدير دائرة الغابات السابق، إن “لشجر البلوط فوائد اقتصادية كبيرة كونها شجرة قوية ومقاومة ويعتبر خشب البلوط من الأخشاب الفاخرة، لهذا يستخدم في صناعة الأثاث”. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

يسند هكار اسماعيل البالغ من العمر 40 عاماً المعول على كتفه، وعلى ظهره حقيبة مليئة ببذور البلوط لغرسها في الأراضي والتلال المحيطة بقريته كورين كافانا الواقعة شمالي مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق 

تحت سماء زرقاء تتوزع فيها كُتل الغيوم البيضاء يدندن هكار أغنيته الجبلية الكردية المتناغمة مع صوته، ويحفر بعد أن وجد لبذور البلوط مكاناً صالحاً لزراعتها، فتمتزج ضربات المجرفة في الأرض مع ما يدندنه من أغانٍ. 

قبل أربع سنوات قرر هكار زراعة أشجار السنديان وهي نوع من البلوط، في الأراضي والتلال المحيطة بقريته شمالي مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق، بمساعدة زوجته وأطفاله الاربعة. 

أطلق مبادرة الزراعة هذه بعد انتشار فيروس “كورونا”، إذ أصبح عاطلاً عن العمل، وصار من الصعب عليه مغادرة قريته نتيجة للحجر الصحي. 

في شتاء 2020، وتحديداً في منتصف تشرين الثاني وحتى بداية شباط 2023، استمر هكار بتوزيع بذور البلوط في الأراضي المحيطة بقريته والتلال القريبة منها، بعد أن أدرك المخاطر التي تواجه الغابات الطبيعية في إقليم كردستان، بسبب الحرائق، وعمليات القطع الجائر، والهجمات التركية على المناطق الحدودية التي تسببت بتدمير مساحات واسعة من تلك الغابات. 

هكار يزرع بذور البلوط بالقرب من قرية كورين كافانا – تصوير الكاتب. 

منذ بدء مبادرته وحتى اليوم نجح هكار في زراعة أكثر من ثلاثين ألف بذرة شجرة بلوط، موسعاً نشاطه ليشمل شبكة من أصدقائه قاموا هم أيضاً بالمشاركة بهذه الحملة، ويقول لجمار، إن “أفضل موسمٍ للبدء بزراعة هذه الأشجار هي منتصف تشرين الثاني، وحتى بداية شباط، من كل عام”. 

يُزرع ويقطف في أشهر متشابهات 

تقطف ثمار البلوط في أشهر زراعته نفسها، لكن بعد مرور عام تقريباً، إذ تبدأ زراعة بذور البلوط بداية فصل الخريف وحتى نهاية الشتاء تقريباً، حيث تكون التربة رطبة جداً في المنطقة. 

يقول هكار “بذور البلوط تعتمد في سقيها أيضاً على مياه الأمطار لهذا يفضل زراعتها في الشتاء حيث تكون الأجواء مناسبة لها”. 

وتعتمد عملية زراعة البلوط على حفر الأرض بعمق يتراوح بين (30 – 40) سنتمتر تحت الأرض، وتوضع داخل الحفرة 1 – 3 بذور وتسقى البذور لمرة واحدة فقط، إذ تعتمد في حصولها على الماء من باطن الأرض. 

وتعد جبال إقليم كردستان منطقة ملائمة لزراعة شجرة البلوط، كما تتواجد هذه الأشجار بشكل طبيعي في المنطقة؛ لأنها مقاومة للأجواء الباردة، وللظروف المناخية المختلفة. 

اصدقاء هكار الذين تطوعوا لزراعة البلوط بالقرب من قرية كورين كافانا – تصوير الكاتب. 

ويقول حسين حمه كريم مدير عام دائرة الغابات في وزارة الزراعة في إقليم كردستان إن “الجبال والتلال مناطق معتدلة في الصيف وباردة جداً في الشتاء تتساقط فيها الثلوج، لذلك تعد الأماكن الأفضل لزراعة أشجار البلوط منذ آلاف السنين”.  

يزهر البلوط في نيسان، ومن ثم تتحوّل الشجرة وألوانها مع تحوّل الطقس، حتّى يحل الشتاء نهاية تشرين الأول، حيث يتجه سكان القرى جماعات إلى الغابات ليقطفوا ثمار البلوط. 

يقول هكار “نجمع كميات كبيرة من ثمار البلوط، بعضها نختارها لنأخذ منها البذور ونعيد زراعتها، والبقية نأكلها ونقدمها للأصدقاء والأقارب”. 

الأغنام تقتل براعم البلوط 

البذور التي زرعها هكار ويتجاوز عددها أكثر من 30 ألف بذرة في قريته، والمناطق القريبة منها، لم ينجح سوى 10 بالمئة منها، يقول هكار إن الأغنام تأكل البراعم التي تنبت بالأرض، والرعاة لا يمنعون مواشيهم عن أكل البراعم، “همهم الوحيد رعي أغنامهم”. 

لم تقتل الأغنام وحدها براعم البلوط، الناس في الإقليم يقطعون أشجاره مستخدمين جذوعها وأغصانها لتدفئتهم في فصل الشتاء، كبديل للنفط الأبيض بسبب قلّته وغلاء أسعاره. 

وقد شهدت الغابات تراجعاً بنسبة 50 بالمئة في أعداد اشجار البلوط بحسب حسين حمه كريم. 

بين عامي 2014 و2015 أجرت وزارة الزراعة في إقليم كردستان مسحاً بالأقمار الصناعية لمساحة الغابات الخضراء، وقد ظهر أن عددها آنذاك قد بلغ مليونين و507 آلاف دونم، وتشكل نسبة أشجار البلوط ما بين 80 إلى 85 بالمئة من عموم المساحة الخضراء. 

ويوجد نحو 450 نوعاً من أشجار البلوط في العالم، يتراوح عمر الشجرة ما بين 700 ــ2400 عام، أما في اقليم كردستان فتتراوح أعمارها ما بين 500 ــ900 عام. 

وتنبت شجرة البلوط بكثافة في المناطق التي ترتفع ما بين 600 ــ1700 متر عن مستوى سطح البحر، وتوجد هذه الشجرة في معظم مناطق إقليم كردستان، وأكثر الأنواع التي يمكن مشاهدتها هي (اجیلوبس، فیكتوریا، لیبانی، ماكرانفیرا، روبرا) إضافة الى نوع يسمى بـ”البلوط القوقازي”. 

 “نعمل حالياً لإنقاذ البلوط القوقازي من الاندثار، والحفاظ عليه كونه صنفاً نادراً ويوجد في منطقة سوران شمالي أربيل فقط”، يقول سامان محمود أحمد رئيس مؤسسة نبات كردستان. 

وحذرت منظمات بيئية في إقليم كردستان من المخاطر التي تتسبب في انحسار الغابات الطبيعية بسبب الحروب والجفاف وقطع الأشجار والزراعة المتسعة والبناء غير المخطط، وتعتبر أشجار البلوط هي النوع الرئيسي للنباتات الغابية، الذي يوفر خدمات النظام البيئي الرئيسية للمنطقة. 

يُحرّم قطعها 

كان احترام الغابات والأشجار واجباً في الكثير من قرى كردستان، خاصة في قرية هرور الواقعة على الحدود العراقية التركية، والمليئة بأشجار البلوط الكثيفة، هناك حيث تمنع الأعراف أهالي القرى من قطع الأشجار، “وإذا ما اضطر أحدٌ من سكان القرية لقطع الأشجار، يقتصر هذا على قطع الأغصان لتلبية الحاجة اليومية للسكان، من دون قطع جذوعها وأطرافها حتى يُسمح للأشجار باستمرار نموّها”، يقول ريفنك هروري (62 عاماً)، أحد وجهاء القرية، والذي كان رئيساً مؤقتاً لبرلمان إقليم كردستان عام 2018. 

“هناك أماكن يحرّم فيها قطع أشجار البلوط بشكل نهائي مثل المقابر والمزارات الدينية التي كانت دائما كثيفة بهذه الأشجار”. 

وتمنع الشرطة المحلية قطع الأشجار في غابات الإقليم عموماً، إذ اعتقل أكثر من 100 شخص خلال عام 2023، وفقاً لقانون البیئة الصادر عام  2008 من برلمان إقليم كردستان الذي يعاقب المخالف أو المتجاوز على البيئة بالحبس لمدة شهر أو بغرامة لا تقل عن 100 ألف دينار، ولا تزيد عن 10 مليون دينار. 

ويتحدث هروري عن علاقة أهالي قريته بأشجار البلوط والغابات الطبيعية، إذ يستأنس سكان القرى بأكل ثمار البلوط في فصل الشتاء القارس، ويضعون حبات الثمار على جمر الحطب ليعطي مذاقاً مميزاً للطعام الذي يتم شواؤه. 

أما في أوقات الأزمات وشحة القوت، يلجأ القرويون لاستخراج الدقيق من حبات البلوط بواسطة الطواحين اليدوية التقليدية، ويحولونها خبزاً أنقذ العديد من العوائل أيام القحط الصعبة. 

البلوط يدخل جميع الصناعات 

ارتبط الكرد وحياتهم بشجرة البلوط، يقول الباحث الاجتماعي بيار بيافي “دخل البلوط في مجالات مهمة في العديد من المهن والأعمال المتعلقة بالحياة اليومية للكرد، أبرزها الصناعات الخشبية، كالأبواب والشبابيك وتغطية سقوف المنازل، فضلا عن الأدوات المنزلية وأدوات المطبخ والزراعة”. 

شجرة البلوط على جبال إقليم كردستان – تصوير الكاتب. 

وعدت غابات البلوط بالنسبة للسكان مكاناً مريحاً وممتعاً للنزهات والاحتفالات العائلية والشعبية، خصوصا في فصلي الربيع والصيف، كما أنها كانت مصدراً لرزق العديد من العوائل حيث يقومون بقطف ثمارها وبيعها في الأسواق، إضافة إلى استخداماتها في تغذية المواشي، وتحرق أغصانها في الشتاء القارس لأغراض التدفئة. 

ويوجد في إقليم كردستان أكثر من 32 مشتلاً حكومياً في الوقت الحالي؛ لإنتاج أنواع من الأشجار الغابية والفاكهة بما فيها البلوط، وبحسب بيان لوزارة زراعة الإقليم أنها بدأت بالتنسيق مع منظمات دولية بتنفيذ خطة لزيادة المناطق الخضراء والغابات تتضمن 114 مشروعاً على مساحة أكثر من 35 ألف دونم. وأعلنت وزارة بلديات الإقليم العام الماضي عن خطتها لزراعة نحو 100 مليون شجرة بلوط في محافظة أربيل حتى عام 2030 بالتنسيق مع بعض المنظمات البيئية. 

ويقول حسين حمة كريم، مدير دائرة الغابات السابق، إن “لشجر البلوط فوائد اقتصادية كبيرة كونها شجرة قوية ومقاومة ويعتبر خشب البلوط من الأخشاب الفاخرة، لهذا يستخدم في صناعة الأثاث”.