"أكلوا حصتي".. كيف يُبتلع "إرث" النساء بالقانون والشرع والأعراف؟ 

نشوى نعيم

07 تشرين الثاني 2024

تنازلت ماجدة عن ميراثها من دون علمها، وتمّ اتهام أُمنية بالزواج سراً للاستيلاء على حصتها، وهُددت إخلاص بالبقاء وحيدة ما لم تتنازل عن الإرث.. عن نساء وارثات بالقانون والشرع ومحرومات بالأعراف..

 لا تعلم ماجدة حتى الآن كيف تمكن شقيقاها من بيع الأرض الزراعية من دون موافقتها هي وشقيقاتها الثلاث، على الرغم من أن لهن حصة وإرثاً في هذه الأرض التي كانت مملوكة لوالدهم المتوفى. لكنها باتت تعلم منذ تلك الواقعة أن حقوق النساء في العراق مهددة دائماً. 

تسكن ماجدة (54 عاماً) في مدينة السماوة مركز محافظة المثنى، وعندما توفي والدها ترك لأسرته منزلاً كبيراً في حي المعلمين، وهو واحد من الأحياء الراقية في المدينة. 

ضغط شقيقاها على والدتها من أجل إقناعها ببيع المنزل، وكانت ماجدة وشقيقاتها رافضات بشدة، إلا أن الأم لم تصمد أمام إلحاح الشقيقين، فوافقت في النهاية على البيع. 

ومن أجل إرضاء الأم والشقيقات، اشترى الشقيقان منزلاً صغيراً لهن في منطقة أخرى، وتم تسجيله باسم الأم. 

شعرت الأم بأن بناتها الأربع تعرضن للغبن، فسجلت المنزل بأسمائهن. 

تزوجت ماجدة بعد ذلك وأنجبت وعاشت في منزل آخر مع زوجها وأطفالها. 

وعندما توفيت الأم، قرر الشقيقان بيع أرض زراعية كانت مؤجرة في السابق لفلاح يزرعها، فرفضت الشقيقات مرة أخرى بيع حصصهن لأن المبلغ المعروض كان زهيداً جداً مقارنة بمساحة الأرض البالغة نحو خمسة دوانم وفي موقع جيد. 

لم يكترث الشقيقان برفض الشقيقات التنازل عن حصصهن، وأكملا إجراءات البيع. 

جاء المشتري إلى منزل ماجدة حاملاً ورقة تنازل، وخيّرها بين توقيعها وتسلم مبلغ 500 ألف دينار (الدولار حالياً يساوي 1495 ديناراً) أو خسارتها الأرض من دون الحصول حتى على هذا المبلغ البسيط. 

قررت ماجدة تجاهل تهديده ومواصلة السعي للحصول على حقها وحق أخواتها، فقامت بتوكيل محام لرفع دعوى قضائية، وبمجرد أن تسلم المشتري الاستدعاء للحضور إلى المحكمة حدث ما لم يكن متوقعاً. 

استفاقت ماجدة في صباح اليوم التالي على مشهد أرعبها حين رأت أمام بيتها رجالاً ملثمين كتبوا على الجدران باللون الأحمر عبارة “مطلوب عشائرياً”. 

في إثر ذلك، منعت أطفالها من مغادرة المنزل للعب خوفاً عليهم، ثم تنازلت عن الدعوى القانونية بسبب الضغوط العائلية والعشائرية، وبسبب خشيتها من أن المشتري قد يكون مدعوماً من جهات معينة ويستطيع تنفيذ تهديده من دون التعرض لمساءلة. 

ضرب وإهانة 

ورثت أمنية، وهي عزباء عمرها 36 عاماً تسكن مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، منزلاً ومحلاً تجارياً كبيراً عن أبيها بعد وفاته. 

وتشاركها في التركة شقيقة عمرها 40 عاماً عزباء أيضاً تسكن معها في المنزل ذاته، وشقيقة متزوجة وشقيقان. 

وكان من المفترض توزيع الحصص بينهم من إيجار المحل، لكن أمنية لم تكن تتسلم شيئاً هي وشقيقتها، أو في أفضل الأحوال يصل إليهما المبلغ ناقصاً بذرائع تسديد فواتير الماء والكهرباء أو القيام بإصلاحات في المحل وما إلى ذلك. 

في المقابل يتسلم شقيقاهما حصتيهما من دون نقص، ما جعلهما تشعران بالتعرض للظلم. 

وبعد مدة قرر الشقيق الأصغر بيع حصته من المحل، وقام بذلك فعلاً، ما شجعها على اتخاذ قرار ببيع حصتها وحصة شقيقتها أيضاً. 

كانت تأمل أن تستخدم المال الذي ستحصل عليه في إنشاء مشروع بسيط بدلاً من الاعتماد على حصتها من الإيجار التي لا تحصل عليها أو تصلها ناقصة. 

اقترح المستأجر شراء حصة أمنية وشقيقتها بمبلغ جيد. 

“حين علم شقيقي الأكبر بنيتنا بيع حصتينا غضب وتهجم علينا بالضرب والإهانة والتهديد بالقتل” تقول أمنية لجمّار.

وفي إثر ذلك، أبلغت المشتري بالتراجع عن الصفقة، فانسحب منها فوراً لتجنب إقحام نفسه في المشاكل. 

وتشكو أمنية من أن العائلة بأكملها وقفت ضدها وضد شقيقتها في هذا القرار. 

وبعد أيام حالكة امتلأت بالشد والجذب، اقترح الأخ الأصغر شراء حصص شقيقتيه للتخلص من المشاكل. 

عرض عليهما نصف المبلغ المعروض سابقاً، واضطرتا للموافقة على هذا الخيار لعدم وجود غيره. 

رافقتا شقيقهما إلى مكتب عقارات ووقعتا على تنازل قبل أن تتسلما أي مبلغ، ولم تقبضا ديناراً منذ ذلك الحين. 

وكلما تسألان شقيقهما عن الأموال يطلب منهما الانتظار ريثما تتوافر لديه. 

والآن باتتا على يقين بأن الأخ لن يمنحهما أي أموال، لكنهما لم تسجلا شكوى ضده تجنباً لاتساع الخلافات ووصولها إلى مرحلة غير محمودة العواقب. 

وشعرت أمنية بأن الحفاظ على حياتها أهم من أي شيء آخر، وذلك بعد أن قال لها أخوها “بما أنكِ مستعدة للتعامل التجاري مع الرجال من دون علمنا، فمن غير المستبعد أن تكوني متزوجة سراً ونحن لا ندري”. 

العم يضغط 

بينما كانت إخلاص (40 عاماً) تتابع حالة أمها في المستشفى بعد تعرضها لأزمة قلبية حادة استدعت إجراء عملية قسطرة لها، كان شقيقها يتحرك للاستفادة من منزل الأم في السماوة الذي لم يتحول بعد إلى تركة. 

قام أخوها بتوكيل محام لرفع دعوى ميراث، مبرراً تصرفه بخوفه من أن تموت الأم وتتحول حصة إخلاص وشقيقتيها إلى حصتين. 

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل طلب من شقيقاته الثلاث التنازل عن حقوقهن في الميراث مقابل مبالغ زهيدة. 

وعلى الرغم من أنها متزوجة وتسكن مع زوجها وأطفالها في النجف، رفضت إخلاص التنازل. 

“كنت مرتبطة ببيت أهلي في السماوة ارتباطاً عاطفياً قوياً. كنت أريد أن يبقى هذا البيت يجمعنا في الأوقات الصعبة، كما لم أتقبل ضياع حقي في الميراث”، تقول لجمّار. 

إلا أن الأخ استعان بعمه للضغط عليها، وهدداها بالبراءة منها ومنعها من زيارة والدتها المريضة أو التواصل مع أي فرد من العائلة إذا لم تتنازل. 

وطال الضغط على شقيقتيها اللتين طلبتا منها مرافقتهما من أجل توقيع التنازل لكي يبقى التواصل معهما قائماً. 

كما أن شقيقها وعمها أبلغاها بأنهما سيخبران زوجها بطردها من العشيرة، ما أثار مخاوفها من الظهور بصورة الوحيدة الضعيفة أمام الزوج وعائلته. 

بعد كل تلك الضغوط، وبعدما خشيت من أن تودي المشاكل بحياة أمها ذات الوضع الصحي الحرج، وافقت على التنازل. 

تم اصطحاب الشقيقات إلى المحكمة لتوقيع التنازل، ووقّعت الأم وهي في السيارة لعدم قدرتها على السير والدخول إلى المحكمة. 

كانت أمها في حالة صدمة هي الأخرى، لكنها لم تجادل بسبب وضعها الحرج، حيث كانت ترغب في أن يبقى البيت لبناتها وابنها ولا يباع. 

وعندما حدث كل ذلك عام 2011، كانت إخلاص أصغر سناً بكثير من الآن.  

“لو كنت بوعيي الحالي لما تنازلت، فقد أدركت أن السند الحقيقي للإنسان هو ما يملك” تضيف لنا. 

تبلغ مساحة البيت 250 متراً مربعاً، وتم بيعه في ذلك الحين بـ100 مليون دينار، غير أن الشقيقات لم يحصلن سوى على سبعة ملايين لكل واحدة منهن، وحتى هذا المبلغ تسلمنه على دفعات بواقع مليونين كل سنتين. 

تعويض زهيد 

تضغط العائلة على المرأة من أجل التنازل عن ميراثها، ويسمى تنازلها “هبة” في القانون، فالأجهزة القضائية لا تستطيع منع المرأة من التنازل، والمرأة تخشى إبلاغ السلطات بتعرضها لضغوط خوفاً من الانتقام العائلي. 

وتقول الحقوقية علياء الحسني إن العرف العشائري واحد من الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى حرمان النساء من الميراث، وهذا الأمر يزداد شيوعاً في المناطق الريفية. 

وفي بعض الأحيان تجبر العوائل بناتها على عدم الزواج أو الزواج بأحد أبناء الأعمام، لكي لا يصبح جزء من الممتلكات من نصيب نسيب من خارج العائلة أو العشيرة. 

وعندما يحل وقت توزيع التركة، تعطى البنت مبلغاً مالياً زهيداً جداً لا يقارن بحصتها القانونية على الإطلاق، مقابل التنازل. 

ويعمد عدد من العوائل إلى تقسيم التركة بين الأبناء الذكور فقط قبل وفاة الأب والأم، لضمان حرمان البنت من نصيبها. 

وغالباً ما يتم تخيير البنت بين أشقائها والمال، فإذا اختارت المال سيقطع الأشقاء علاقتهم بها وتصبح وحيدة منبوذة، وهو ما تتحاشاه معظم الفتيات والنساء. 

“بحسب القانون، يعد تنازل المرأة عن حصتها في العقار لأشقائها هبة، وهي عملية تنازل غير مشروط يتم فيها نقل الحصة كاملة للأقارب من الدرجة الأولى من دون أي مقابل” تضيف الحسني. 

اقرأ أيضاً

كيف “لا تنجو” النساء في العراق؟!

وتشير الحسني إلى شيوع حالات تزوير القسام الشرعي، وهو وثيقة تضم أسماء الورثة وحصصهم وفقاً للقانون، إذ تشهد المحاكم عديداً من دعاوى الطعن في القسام تقيمها زوجات الأبناء أو أبناء الزوجة الثانية. 

كما تنتشر شكاوى متعلقة بمعاملات الشهداء، حيث تُحرم زوجة الشهيد من الميراث بدعوى أنها قد تتزوج بعد وفاة زوجها، أو أن هناك حالات لم يُسجل فيها الزواج في المحاكم، فيتعذر إدراج زوجة الشهيد وأطفاله في القسام إلا بعد رفع دعوى لتسجيل الزواج وإثبات نسب الأطفال. 

وهناك مفهوم قانوني يتم بموجبه حذف أسماء من القسام الشرعي، يعرف بالتخارج من القسام. 

ولا يتم التخارج إلا برغبة صاحب الشأن وتوقيعه. 

“لكن مع ذلك هناك طرق كثيرة للتلاعب” تقول الحسني لجمّار.

واحدة من طرق التلاعب أن الرجال لا يعترفون بالقسام عند إصداره ويجرون التقسيم وفقاً لمذهبهم. 

والطريقة الأخرى رشوة الموظف في دائرة الأحوال المدنية، ففي السابق كانت المحكمة ترسل كتاباً إلى الدائرة لتزويدها بأسماء أفراد عائلة الورثة مكتوبة بالحبر، وهنا يأتي دور الموظف حيث يرسل قائمة منقوصة إلى المحكمة مقابل رشوة. 

ولأن معظم النساء غير مطلعات على هكذا تفاصيل، تسير الأمور من دون إجراء تحقيق لكشف التلاعب الحاصل في القائمة، إذ لا ترد شكوى من أي طرف. 

لكن اعتماد البطاقة الوطنية حدّ من التلاعب، فالصورة الإلكترونية للقيد الآن تحتوي على المعلومات من السيرفر الرئيسي، ما يجعل التلاعب من قبل الموظف أمراً صعباً. 

ولكل هذه الأسباب، تنصح الحسني النساء باستشارة محام وتعزيز ثقافتهن القانونية وعدم منح وكالة لأحد إلا إذا كان موضع ثقة، وعدم التوقيع على أي مستندات تتعلق بتسوية أو تنازل. 

كما تنصحهن باللجوء إلى دوائر العنف الأسري ورفع دعاوى قانونية لحماية أنفسهن إذا تعرضن لعنف أو تهديد. 

القانون صريح 

دعاوى إبطال القسام الشرعي موجودة في المحاكم لكنها قليلة، إذ أن القسام حين يصدر يكون مستنداً إلى أدلة قطعية ويقينية تثبت وفاة صاحب الأملاك، إضافة إلى أن المحكمة تقرر أن يجلب طالب القسام صورة قيد من مديرية الأحوال المدنية للمتوفى وصورة قيد وفاة. 

كما تطلب المحكمة تثبيت الوفاة في مديرية الأحوال المدنية، إضافة إلى ختم المختار والمجلس المحلي أو القائمقامية وشهود. 

“كل هذه الإجراءات تمنع وقوع التزوير في القسام” يقول المحامي علي العليوي لجمّار.

ولكن بسبب حالات استثنائية مثل إصدار قسام شرعي لشخص ما ومن ثم يتضح أن هناك من أصدر له قساما آخر، أو إصدار قسام لشخص يتضح أنه حي، أو إصدار قسام بناءً على مستندات مزورة، تقام دعاوى لإبطاله. 

أما الدعوى الأكثر شيوعاً فهي دعوى تصحيح القسام الشرعي إذا احتوى على خطأ من شأنه أن يكون مؤثراً في توزيع التركة. 

وإذا لم تخرج المرأة من القسام بمحض إرادتها، فإن لها حصة في الميراث وفقاً لقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ. 

وتنص النقطة الأولى من المادة 89 في القانون على أن الفئة الأولى من الورثة هم “الأبوان والأولاد وإن نزلوا، وللذكر مثل حظ الأنثيين”. 

ويعد العليوي هذه النقطة صريحة بشأن شمول الإناث بالميراث، على أن يساوي مقدار حصصهن نصف مقدار حصص الذكور عملاً بالنص الإسلامي في هذا الخصوص. 

ويرى أن حصص النساء من الميراث وفقاً للشريعة الإسلامية كانت قد احتسبت في زمن مختلف كلياً عن الزمن الحالي، مشيراً إلى أن القانون النافذ يستند للشريعة في هذا الجانب، والرجال لا يريدون تغييره، أما النساء فما زلن غير جادات بالتصدي لهكذا قوانين. 

ويشدد العليوي على ضرورة تطوير القوانين مع تطور المجتمعات، ومنها قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية والقوانين المصرية والفرنسية، لتلائم متطلبات العصر وتساوي بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات. 

جهل أو خوف 

لا يحتوي قانون الأحوال الشخصية على فصل مخصص لميراث النساء، فهو عالج مسألة الميراث بشكل عام استناداً إلى نصوص الفقهين السني والشيعي. 

هكذا تقول المحامية إسراء سلمان. 

لكن واضعي هذا القانون حاولوا اجتزاء ما هو أفضل للمرأة من النصوص الفقهية، فاعتمدوا مثلاً في الفقرة الثانية من المادة 91 على الفقه الجعفري الذي خصص التركة كاملة للبنت أو البنات إذا كان الموروث أو الموروثة لم ينجبا ذكوراً، أي إذا توفي رجل وله بنت واحدة أو مجموعة بنات تكون تركته لهن فقط ولا يشاركهن فيها الأقارب من الأعمام والأخوال، بينما يمنح الفقه الحنفي حصصاً للأقارب في هذه الحالات. 

ومن ناحية أخرى، منح القانون الحق للزوجة في الحصول على حصة من العقار الموروث، استناداً إلى الفقه السني، بينما لا يجوز لها، وفقاً للمذهب الجعفري، أن ترث شيئاً من المنزل أو الأرض أو أي عقار آخر يملكه زوجها المتوفى. 

“والتعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية يتضمن حرمان الزوجة من العقار الموروث عملاً بالفقه الجعفري” تقول سلمان لجمّار. 

ومع ذلك، لم يستطع القانون تجاوز المبدأ القرآني القائل “للذكر مثل حظ الأنثيين” نظراً إلى أن المجتمع العراقي ذو أغلبية مسلمة. 

وفي ما يتعلق بشيوع حرمان النساء من الميراث وعدم استفادتهن من قانون الأحوال الشخصية النافذ، تشير سلمان إلى أن نساء كثيرات يظنّن عندما يقال لهن “سيد فلان يقول كذا والمرجع الفلاني يفيد بكذا” أن هذا هو القانون، فيتنازلن عن حصصهن في الميراث. 

أما من يدركن أن كلام رجال الدين أو ما يُنقل عنهم ليس هو القانون، فإنهن يتنازلن عن ميراثهن تجنباً للمشاكل واحتمالية التعرض للتعنيف. 

وتلفت سلمان إلى أن النساء في بعض المناطق لا يملكن حتى مستمسكاتهن الرسمية التي غالباً ما تكون بحوزة رب الأسرة، وفي هكذا ظروف يستحيل على المرأة الذهاب إلى المحكمة وانتداب محام للمطالبة بحقوقها. 

“القانون الحالي جيد ومستوف، لكن الخلل في التوعية وعدم قدرة الدولة على تقنين دور العشيرة وقوتها مقابل ضعف القانون” تضيف. 

وتشدد المحامية على ضرورة التزام الحكومة العراقية بتعهداتها أمام المجتمع الدولي في تعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين، استناداً إلى المادة 14 من الدستور التي تنص على أن “العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي”. 

الزوجة فقط 

لا يحرم الفقه الجعفري البنت من العقار الموروث وإنما يحرم الزوجة فقط، فإذا توفي رجل وله بنت أو أكثر فإنهن يرثن من عقاراته، أما زوجته فلا. 

ويستند الفقهاء الجعفريون في ذلك إلى رواية منقولة عن إمامهم جعفر الصادق وردت في كتاب “الكافي” تفيد بأن “المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوم الطوب والجذوع والخشب”، أي أنها لا ترث أرضاً وإنما قيمة ما بني فوقها. 

“لكن العرف العشائري يقيّد حقوق النساء في الأرض سواء كن زوجات أو بنات” تقول بتول فاروق، الحاصلة على دكتوراه في الفقه الإسلامي من جامعة الكوفة. 

بحسب فاروق، تمثل الأرض رمزاً للهيبة في المجتمعات العشائرية، حيث يعد امتلاك العائلة أراضي واسعة دليلاً على قوتها وحسن سمعتها، ولهذا تُحجب حصة الإناث عند توزيع الأراضي الموروثة لكي تبقى محصورة داخل العائلة أو العشيرة ولا يذهب جزء منها إلى أزواج البنات عن طريقهن، ولاسيما إذا كانوا ينتسبون لعشائر أو عوائل أخرى. 

وفي أفضل الأحوال، تُمنح المرأة مبلغاً ضئيلاً للتنازل عن حصتها من الأرض يتم غالباً تسديده على شكل أقساط. 

تقول فاروق لجمّار إن عرف العشائر مخالف كما هو واضح للتعاليم الفقهية، فالفقه الجعفري حرم الزوجة فقط من الأرض الموروثة غير المبنية، بينما تحرم المجتمعات العشائرية حتى بنات المتوفى منها. 

وتبدي استغرابها من عدم تحدث رجال الدين على المنابر عن حصة المرأة الصحيحة من الميراث وحرمة حرمانها منها، مقابل التركيز على قضايا أخرى مثل الحجاب والعفة والتبرج. 

وترجح أن السبب في ذلك هو أن معظم رجال الدين ينحدرون من بيئات عشائرية ولا يريدون التصادم معها. 

وتحث على تكوين قوة نسوية ضاغطة تواجه العشائر وتجبر الفقهاء والسياسيين على التطرق إلى حقوق المرأة في الميراث ومنع محاولات حرمانها منه. 

كما تشدد على ضرورة تنظيم حملات توعية من خلال العمل الميداني في الأرياف، وأيضاً العمل داخل الأوساط الدينية والعشائرية، على اعتبار أن التغيير من داخلها قد يكون أكثر قبولاً. 

وتشير فاروق إلى أن على الحكومة تفعيل جهاز القضاء وتعزيز دوره، فضلاً عن أخذ المؤسسات الإعلامية دورها في التوعية المستمرة بهذا الخصوص. 

وتبدي في الوقت ذاته مخاوف إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية وتأثيرها على ميراث النساء، لأن حرمان الزوجة من الأرض الموروثة سيفتح الباب أمام حرمان البنت أيضاً. 

“سيقال للبنت إن أمكِ لم تحصل على حصة وفقاً للشرع والقانون فلماذا تريدين أنتِ حصة؟” تقول فاروق. 

مكانة العشيرة 

التعميم غير صحيح برأي غصّاب نوري عزارة، شيخ إحدى عشائر الجنوب، فبعض العشائر تمنح النساء حقوقهن من الميراث كاملة، وبعضها الآخر يمنحهن جزءاً منه، بينما هناك عشائر تحرمهن كلياً من التركة. 

أما في ما يخص الأراضي الموروثة، فجميع العشائر تقريباً تتعامل معها على أنها من نصيب الذكور فقط، خشية أن يمتلك جزءاً منها النسباء المنتمون لعشائر أخرى. 

“ملكية الأرض قد تنتقل من المرأة إلى زوجها المنتمي لعشيرة أخرى، وهذا من شأنه أن يضعف المكانة الاجتماعية والجغرافية لعشيرة الزوجة، لذا تمتنع العشائر عادة عن توريث الأراضي لنسائها” يقول عزارة لجمّار. 

ويعمد البعض إلى تعويض النساء المحرومات من الأراضي الموروثة بمبالغ مالية بسيطة في محاولة لـ”تبرئة الذمة”. 

وبحسب عزارة، تلجأ النساء اللواتي يشعرن بالظلم عادة إلى شيخ العشيرة أو الجيران أو كبير العائلة بدلاً من المحاكم، لأنهن ينظرن إلى النزاع القضائي مع الأب أو الشقيق أمر معيب. 

ويشير إلى “فتاوى دخيلة” انتشرت مؤخراً بين الناس تحرم النساء من الميراث، وقد أثرّت في أبناء العشائر تأثيراً يفوق تأثير شيخ العشيرة والقانون المدني. 

وبدلاً من اللجوء إلى المحاكم للحصول على القسمة الشرعية، صار الناس يلجؤون إلى رجال الدين لتقسيم الميراث، أو يتفقون على قسمة بالتراضي، حيث تتنازل المرأة مقابل تعويض مالي معين. 

“شخصياً أؤمن بأن للبنت حقاً طبيعياً في الميراث، والأحفاد من البنت كالأحفاد من الولد ينبغي معاملتهم بعدالة” يختتم عزارة حديثه. 

نهايات خاسرة 

لا تعرف ماجدة حتى الآن كيف تم تسجيل الأرض باسم المشتري على الرغم من عدم تنازل الشقيقات عن حصصهن. 

وعززت هذه الحادثة القناعة لديها بأن النساء مستضعفات بشكل عام وفي المجتمعات العشائرية على وجه الخصوص، لذا تكون حصصهن من الميراث لقمة سائغة للرجال الانتهازيين. 

أما أمنية، فقد فسرّت كلام أخيها بأنه تهديد مبطن، وخشيت أن تُقتل بذريعة “غسل العار” من أجل الاستحواذ على حصتها من الميراث، كما خشيت على حياة شقيقتها، فسكتت على سلب حقهما، كما أن حصتهما من المنزل لا يحق لهما التصرف بها بقرار من الشقيقين. 

واكتشفت إخلاص لاحقاً أن موقف عمها بالضد منها ومن شقيقتيها كان بثمن، إذ وعده الشقيق بالتنازل عن قطعة الأرض الزراعية التي كانت تعود لوالده. 

ولم تكن إخلاص وشقيقتاها يعرفن شيئاً عن تلك الأرض، فقد كان يقال لهن منذ طفولتهن إن لا حصة للنساء فيها. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

 لا تعلم ماجدة حتى الآن كيف تمكن شقيقاها من بيع الأرض الزراعية من دون موافقتها هي وشقيقاتها الثلاث، على الرغم من أن لهن حصة وإرثاً في هذه الأرض التي كانت مملوكة لوالدهم المتوفى. لكنها باتت تعلم منذ تلك الواقعة أن حقوق النساء في العراق مهددة دائماً. 

تسكن ماجدة (54 عاماً) في مدينة السماوة مركز محافظة المثنى، وعندما توفي والدها ترك لأسرته منزلاً كبيراً في حي المعلمين، وهو واحد من الأحياء الراقية في المدينة. 

ضغط شقيقاها على والدتها من أجل إقناعها ببيع المنزل، وكانت ماجدة وشقيقاتها رافضات بشدة، إلا أن الأم لم تصمد أمام إلحاح الشقيقين، فوافقت في النهاية على البيع. 

ومن أجل إرضاء الأم والشقيقات، اشترى الشقيقان منزلاً صغيراً لهن في منطقة أخرى، وتم تسجيله باسم الأم. 

شعرت الأم بأن بناتها الأربع تعرضن للغبن، فسجلت المنزل بأسمائهن. 

تزوجت ماجدة بعد ذلك وأنجبت وعاشت في منزل آخر مع زوجها وأطفالها. 

وعندما توفيت الأم، قرر الشقيقان بيع أرض زراعية كانت مؤجرة في السابق لفلاح يزرعها، فرفضت الشقيقات مرة أخرى بيع حصصهن لأن المبلغ المعروض كان زهيداً جداً مقارنة بمساحة الأرض البالغة نحو خمسة دوانم وفي موقع جيد. 

لم يكترث الشقيقان برفض الشقيقات التنازل عن حصصهن، وأكملا إجراءات البيع. 

جاء المشتري إلى منزل ماجدة حاملاً ورقة تنازل، وخيّرها بين توقيعها وتسلم مبلغ 500 ألف دينار (الدولار حالياً يساوي 1495 ديناراً) أو خسارتها الأرض من دون الحصول حتى على هذا المبلغ البسيط. 

قررت ماجدة تجاهل تهديده ومواصلة السعي للحصول على حقها وحق أخواتها، فقامت بتوكيل محام لرفع دعوى قضائية، وبمجرد أن تسلم المشتري الاستدعاء للحضور إلى المحكمة حدث ما لم يكن متوقعاً. 

استفاقت ماجدة في صباح اليوم التالي على مشهد أرعبها حين رأت أمام بيتها رجالاً ملثمين كتبوا على الجدران باللون الأحمر عبارة “مطلوب عشائرياً”. 

في إثر ذلك، منعت أطفالها من مغادرة المنزل للعب خوفاً عليهم، ثم تنازلت عن الدعوى القانونية بسبب الضغوط العائلية والعشائرية، وبسبب خشيتها من أن المشتري قد يكون مدعوماً من جهات معينة ويستطيع تنفيذ تهديده من دون التعرض لمساءلة. 

ضرب وإهانة 

ورثت أمنية، وهي عزباء عمرها 36 عاماً تسكن مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، منزلاً ومحلاً تجارياً كبيراً عن أبيها بعد وفاته. 

وتشاركها في التركة شقيقة عمرها 40 عاماً عزباء أيضاً تسكن معها في المنزل ذاته، وشقيقة متزوجة وشقيقان. 

وكان من المفترض توزيع الحصص بينهم من إيجار المحل، لكن أمنية لم تكن تتسلم شيئاً هي وشقيقتها، أو في أفضل الأحوال يصل إليهما المبلغ ناقصاً بذرائع تسديد فواتير الماء والكهرباء أو القيام بإصلاحات في المحل وما إلى ذلك. 

في المقابل يتسلم شقيقاهما حصتيهما من دون نقص، ما جعلهما تشعران بالتعرض للظلم. 

وبعد مدة قرر الشقيق الأصغر بيع حصته من المحل، وقام بذلك فعلاً، ما شجعها على اتخاذ قرار ببيع حصتها وحصة شقيقتها أيضاً. 

كانت تأمل أن تستخدم المال الذي ستحصل عليه في إنشاء مشروع بسيط بدلاً من الاعتماد على حصتها من الإيجار التي لا تحصل عليها أو تصلها ناقصة. 

اقترح المستأجر شراء حصة أمنية وشقيقتها بمبلغ جيد. 

“حين علم شقيقي الأكبر بنيتنا بيع حصتينا غضب وتهجم علينا بالضرب والإهانة والتهديد بالقتل” تقول أمنية لجمّار.

وفي إثر ذلك، أبلغت المشتري بالتراجع عن الصفقة، فانسحب منها فوراً لتجنب إقحام نفسه في المشاكل. 

وتشكو أمنية من أن العائلة بأكملها وقفت ضدها وضد شقيقتها في هذا القرار. 

وبعد أيام حالكة امتلأت بالشد والجذب، اقترح الأخ الأصغر شراء حصص شقيقتيه للتخلص من المشاكل. 

عرض عليهما نصف المبلغ المعروض سابقاً، واضطرتا للموافقة على هذا الخيار لعدم وجود غيره. 

رافقتا شقيقهما إلى مكتب عقارات ووقعتا على تنازل قبل أن تتسلما أي مبلغ، ولم تقبضا ديناراً منذ ذلك الحين. 

وكلما تسألان شقيقهما عن الأموال يطلب منهما الانتظار ريثما تتوافر لديه. 

والآن باتتا على يقين بأن الأخ لن يمنحهما أي أموال، لكنهما لم تسجلا شكوى ضده تجنباً لاتساع الخلافات ووصولها إلى مرحلة غير محمودة العواقب. 

وشعرت أمنية بأن الحفاظ على حياتها أهم من أي شيء آخر، وذلك بعد أن قال لها أخوها “بما أنكِ مستعدة للتعامل التجاري مع الرجال من دون علمنا، فمن غير المستبعد أن تكوني متزوجة سراً ونحن لا ندري”. 

العم يضغط 

بينما كانت إخلاص (40 عاماً) تتابع حالة أمها في المستشفى بعد تعرضها لأزمة قلبية حادة استدعت إجراء عملية قسطرة لها، كان شقيقها يتحرك للاستفادة من منزل الأم في السماوة الذي لم يتحول بعد إلى تركة. 

قام أخوها بتوكيل محام لرفع دعوى ميراث، مبرراً تصرفه بخوفه من أن تموت الأم وتتحول حصة إخلاص وشقيقتيها إلى حصتين. 

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل طلب من شقيقاته الثلاث التنازل عن حقوقهن في الميراث مقابل مبالغ زهيدة. 

وعلى الرغم من أنها متزوجة وتسكن مع زوجها وأطفالها في النجف، رفضت إخلاص التنازل. 

“كنت مرتبطة ببيت أهلي في السماوة ارتباطاً عاطفياً قوياً. كنت أريد أن يبقى هذا البيت يجمعنا في الأوقات الصعبة، كما لم أتقبل ضياع حقي في الميراث”، تقول لجمّار. 

إلا أن الأخ استعان بعمه للضغط عليها، وهدداها بالبراءة منها ومنعها من زيارة والدتها المريضة أو التواصل مع أي فرد من العائلة إذا لم تتنازل. 

وطال الضغط على شقيقتيها اللتين طلبتا منها مرافقتهما من أجل توقيع التنازل لكي يبقى التواصل معهما قائماً. 

كما أن شقيقها وعمها أبلغاها بأنهما سيخبران زوجها بطردها من العشيرة، ما أثار مخاوفها من الظهور بصورة الوحيدة الضعيفة أمام الزوج وعائلته. 

بعد كل تلك الضغوط، وبعدما خشيت من أن تودي المشاكل بحياة أمها ذات الوضع الصحي الحرج، وافقت على التنازل. 

تم اصطحاب الشقيقات إلى المحكمة لتوقيع التنازل، ووقّعت الأم وهي في السيارة لعدم قدرتها على السير والدخول إلى المحكمة. 

كانت أمها في حالة صدمة هي الأخرى، لكنها لم تجادل بسبب وضعها الحرج، حيث كانت ترغب في أن يبقى البيت لبناتها وابنها ولا يباع. 

وعندما حدث كل ذلك عام 2011، كانت إخلاص أصغر سناً بكثير من الآن.  

“لو كنت بوعيي الحالي لما تنازلت، فقد أدركت أن السند الحقيقي للإنسان هو ما يملك” تضيف لنا. 

تبلغ مساحة البيت 250 متراً مربعاً، وتم بيعه في ذلك الحين بـ100 مليون دينار، غير أن الشقيقات لم يحصلن سوى على سبعة ملايين لكل واحدة منهن، وحتى هذا المبلغ تسلمنه على دفعات بواقع مليونين كل سنتين. 

تعويض زهيد 

تضغط العائلة على المرأة من أجل التنازل عن ميراثها، ويسمى تنازلها “هبة” في القانون، فالأجهزة القضائية لا تستطيع منع المرأة من التنازل، والمرأة تخشى إبلاغ السلطات بتعرضها لضغوط خوفاً من الانتقام العائلي. 

وتقول الحقوقية علياء الحسني إن العرف العشائري واحد من الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى حرمان النساء من الميراث، وهذا الأمر يزداد شيوعاً في المناطق الريفية. 

وفي بعض الأحيان تجبر العوائل بناتها على عدم الزواج أو الزواج بأحد أبناء الأعمام، لكي لا يصبح جزء من الممتلكات من نصيب نسيب من خارج العائلة أو العشيرة. 

وعندما يحل وقت توزيع التركة، تعطى البنت مبلغاً مالياً زهيداً جداً لا يقارن بحصتها القانونية على الإطلاق، مقابل التنازل. 

ويعمد عدد من العوائل إلى تقسيم التركة بين الأبناء الذكور فقط قبل وفاة الأب والأم، لضمان حرمان البنت من نصيبها. 

وغالباً ما يتم تخيير البنت بين أشقائها والمال، فإذا اختارت المال سيقطع الأشقاء علاقتهم بها وتصبح وحيدة منبوذة، وهو ما تتحاشاه معظم الفتيات والنساء. 

“بحسب القانون، يعد تنازل المرأة عن حصتها في العقار لأشقائها هبة، وهي عملية تنازل غير مشروط يتم فيها نقل الحصة كاملة للأقارب من الدرجة الأولى من دون أي مقابل” تضيف الحسني. 

اقرأ أيضاً

كيف “لا تنجو” النساء في العراق؟!

وتشير الحسني إلى شيوع حالات تزوير القسام الشرعي، وهو وثيقة تضم أسماء الورثة وحصصهم وفقاً للقانون، إذ تشهد المحاكم عديداً من دعاوى الطعن في القسام تقيمها زوجات الأبناء أو أبناء الزوجة الثانية. 

كما تنتشر شكاوى متعلقة بمعاملات الشهداء، حيث تُحرم زوجة الشهيد من الميراث بدعوى أنها قد تتزوج بعد وفاة زوجها، أو أن هناك حالات لم يُسجل فيها الزواج في المحاكم، فيتعذر إدراج زوجة الشهيد وأطفاله في القسام إلا بعد رفع دعوى لتسجيل الزواج وإثبات نسب الأطفال. 

وهناك مفهوم قانوني يتم بموجبه حذف أسماء من القسام الشرعي، يعرف بالتخارج من القسام. 

ولا يتم التخارج إلا برغبة صاحب الشأن وتوقيعه. 

“لكن مع ذلك هناك طرق كثيرة للتلاعب” تقول الحسني لجمّار.

واحدة من طرق التلاعب أن الرجال لا يعترفون بالقسام عند إصداره ويجرون التقسيم وفقاً لمذهبهم. 

والطريقة الأخرى رشوة الموظف في دائرة الأحوال المدنية، ففي السابق كانت المحكمة ترسل كتاباً إلى الدائرة لتزويدها بأسماء أفراد عائلة الورثة مكتوبة بالحبر، وهنا يأتي دور الموظف حيث يرسل قائمة منقوصة إلى المحكمة مقابل رشوة. 

ولأن معظم النساء غير مطلعات على هكذا تفاصيل، تسير الأمور من دون إجراء تحقيق لكشف التلاعب الحاصل في القائمة، إذ لا ترد شكوى من أي طرف. 

لكن اعتماد البطاقة الوطنية حدّ من التلاعب، فالصورة الإلكترونية للقيد الآن تحتوي على المعلومات من السيرفر الرئيسي، ما يجعل التلاعب من قبل الموظف أمراً صعباً. 

ولكل هذه الأسباب، تنصح الحسني النساء باستشارة محام وتعزيز ثقافتهن القانونية وعدم منح وكالة لأحد إلا إذا كان موضع ثقة، وعدم التوقيع على أي مستندات تتعلق بتسوية أو تنازل. 

كما تنصحهن باللجوء إلى دوائر العنف الأسري ورفع دعاوى قانونية لحماية أنفسهن إذا تعرضن لعنف أو تهديد. 

القانون صريح 

دعاوى إبطال القسام الشرعي موجودة في المحاكم لكنها قليلة، إذ أن القسام حين يصدر يكون مستنداً إلى أدلة قطعية ويقينية تثبت وفاة صاحب الأملاك، إضافة إلى أن المحكمة تقرر أن يجلب طالب القسام صورة قيد من مديرية الأحوال المدنية للمتوفى وصورة قيد وفاة. 

كما تطلب المحكمة تثبيت الوفاة في مديرية الأحوال المدنية، إضافة إلى ختم المختار والمجلس المحلي أو القائمقامية وشهود. 

“كل هذه الإجراءات تمنع وقوع التزوير في القسام” يقول المحامي علي العليوي لجمّار.

ولكن بسبب حالات استثنائية مثل إصدار قسام شرعي لشخص ما ومن ثم يتضح أن هناك من أصدر له قساما آخر، أو إصدار قسام لشخص يتضح أنه حي، أو إصدار قسام بناءً على مستندات مزورة، تقام دعاوى لإبطاله. 

أما الدعوى الأكثر شيوعاً فهي دعوى تصحيح القسام الشرعي إذا احتوى على خطأ من شأنه أن يكون مؤثراً في توزيع التركة. 

وإذا لم تخرج المرأة من القسام بمحض إرادتها، فإن لها حصة في الميراث وفقاً لقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ. 

وتنص النقطة الأولى من المادة 89 في القانون على أن الفئة الأولى من الورثة هم “الأبوان والأولاد وإن نزلوا، وللذكر مثل حظ الأنثيين”. 

ويعد العليوي هذه النقطة صريحة بشأن شمول الإناث بالميراث، على أن يساوي مقدار حصصهن نصف مقدار حصص الذكور عملاً بالنص الإسلامي في هذا الخصوص. 

ويرى أن حصص النساء من الميراث وفقاً للشريعة الإسلامية كانت قد احتسبت في زمن مختلف كلياً عن الزمن الحالي، مشيراً إلى أن القانون النافذ يستند للشريعة في هذا الجانب، والرجال لا يريدون تغييره، أما النساء فما زلن غير جادات بالتصدي لهكذا قوانين. 

ويشدد العليوي على ضرورة تطوير القوانين مع تطور المجتمعات، ومنها قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية والقوانين المصرية والفرنسية، لتلائم متطلبات العصر وتساوي بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات. 

جهل أو خوف 

لا يحتوي قانون الأحوال الشخصية على فصل مخصص لميراث النساء، فهو عالج مسألة الميراث بشكل عام استناداً إلى نصوص الفقهين السني والشيعي. 

هكذا تقول المحامية إسراء سلمان. 

لكن واضعي هذا القانون حاولوا اجتزاء ما هو أفضل للمرأة من النصوص الفقهية، فاعتمدوا مثلاً في الفقرة الثانية من المادة 91 على الفقه الجعفري الذي خصص التركة كاملة للبنت أو البنات إذا كان الموروث أو الموروثة لم ينجبا ذكوراً، أي إذا توفي رجل وله بنت واحدة أو مجموعة بنات تكون تركته لهن فقط ولا يشاركهن فيها الأقارب من الأعمام والأخوال، بينما يمنح الفقه الحنفي حصصاً للأقارب في هذه الحالات. 

ومن ناحية أخرى، منح القانون الحق للزوجة في الحصول على حصة من العقار الموروث، استناداً إلى الفقه السني، بينما لا يجوز لها، وفقاً للمذهب الجعفري، أن ترث شيئاً من المنزل أو الأرض أو أي عقار آخر يملكه زوجها المتوفى. 

“والتعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية يتضمن حرمان الزوجة من العقار الموروث عملاً بالفقه الجعفري” تقول سلمان لجمّار. 

ومع ذلك، لم يستطع القانون تجاوز المبدأ القرآني القائل “للذكر مثل حظ الأنثيين” نظراً إلى أن المجتمع العراقي ذو أغلبية مسلمة. 

وفي ما يتعلق بشيوع حرمان النساء من الميراث وعدم استفادتهن من قانون الأحوال الشخصية النافذ، تشير سلمان إلى أن نساء كثيرات يظنّن عندما يقال لهن “سيد فلان يقول كذا والمرجع الفلاني يفيد بكذا” أن هذا هو القانون، فيتنازلن عن حصصهن في الميراث. 

أما من يدركن أن كلام رجال الدين أو ما يُنقل عنهم ليس هو القانون، فإنهن يتنازلن عن ميراثهن تجنباً للمشاكل واحتمالية التعرض للتعنيف. 

وتلفت سلمان إلى أن النساء في بعض المناطق لا يملكن حتى مستمسكاتهن الرسمية التي غالباً ما تكون بحوزة رب الأسرة، وفي هكذا ظروف يستحيل على المرأة الذهاب إلى المحكمة وانتداب محام للمطالبة بحقوقها. 

“القانون الحالي جيد ومستوف، لكن الخلل في التوعية وعدم قدرة الدولة على تقنين دور العشيرة وقوتها مقابل ضعف القانون” تضيف. 

وتشدد المحامية على ضرورة التزام الحكومة العراقية بتعهداتها أمام المجتمع الدولي في تعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين، استناداً إلى المادة 14 من الدستور التي تنص على أن “العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي”. 

الزوجة فقط 

لا يحرم الفقه الجعفري البنت من العقار الموروث وإنما يحرم الزوجة فقط، فإذا توفي رجل وله بنت أو أكثر فإنهن يرثن من عقاراته، أما زوجته فلا. 

ويستند الفقهاء الجعفريون في ذلك إلى رواية منقولة عن إمامهم جعفر الصادق وردت في كتاب “الكافي” تفيد بأن “المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوم الطوب والجذوع والخشب”، أي أنها لا ترث أرضاً وإنما قيمة ما بني فوقها. 

“لكن العرف العشائري يقيّد حقوق النساء في الأرض سواء كن زوجات أو بنات” تقول بتول فاروق، الحاصلة على دكتوراه في الفقه الإسلامي من جامعة الكوفة. 

بحسب فاروق، تمثل الأرض رمزاً للهيبة في المجتمعات العشائرية، حيث يعد امتلاك العائلة أراضي واسعة دليلاً على قوتها وحسن سمعتها، ولهذا تُحجب حصة الإناث عند توزيع الأراضي الموروثة لكي تبقى محصورة داخل العائلة أو العشيرة ولا يذهب جزء منها إلى أزواج البنات عن طريقهن، ولاسيما إذا كانوا ينتسبون لعشائر أو عوائل أخرى. 

وفي أفضل الأحوال، تُمنح المرأة مبلغاً ضئيلاً للتنازل عن حصتها من الأرض يتم غالباً تسديده على شكل أقساط. 

تقول فاروق لجمّار إن عرف العشائر مخالف كما هو واضح للتعاليم الفقهية، فالفقه الجعفري حرم الزوجة فقط من الأرض الموروثة غير المبنية، بينما تحرم المجتمعات العشائرية حتى بنات المتوفى منها. 

وتبدي استغرابها من عدم تحدث رجال الدين على المنابر عن حصة المرأة الصحيحة من الميراث وحرمة حرمانها منها، مقابل التركيز على قضايا أخرى مثل الحجاب والعفة والتبرج. 

وترجح أن السبب في ذلك هو أن معظم رجال الدين ينحدرون من بيئات عشائرية ولا يريدون التصادم معها. 

وتحث على تكوين قوة نسوية ضاغطة تواجه العشائر وتجبر الفقهاء والسياسيين على التطرق إلى حقوق المرأة في الميراث ومنع محاولات حرمانها منه. 

كما تشدد على ضرورة تنظيم حملات توعية من خلال العمل الميداني في الأرياف، وأيضاً العمل داخل الأوساط الدينية والعشائرية، على اعتبار أن التغيير من داخلها قد يكون أكثر قبولاً. 

وتشير فاروق إلى أن على الحكومة تفعيل جهاز القضاء وتعزيز دوره، فضلاً عن أخذ المؤسسات الإعلامية دورها في التوعية المستمرة بهذا الخصوص. 

وتبدي في الوقت ذاته مخاوف إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية وتأثيرها على ميراث النساء، لأن حرمان الزوجة من الأرض الموروثة سيفتح الباب أمام حرمان البنت أيضاً. 

“سيقال للبنت إن أمكِ لم تحصل على حصة وفقاً للشرع والقانون فلماذا تريدين أنتِ حصة؟” تقول فاروق. 

مكانة العشيرة 

التعميم غير صحيح برأي غصّاب نوري عزارة، شيخ إحدى عشائر الجنوب، فبعض العشائر تمنح النساء حقوقهن من الميراث كاملة، وبعضها الآخر يمنحهن جزءاً منه، بينما هناك عشائر تحرمهن كلياً من التركة. 

أما في ما يخص الأراضي الموروثة، فجميع العشائر تقريباً تتعامل معها على أنها من نصيب الذكور فقط، خشية أن يمتلك جزءاً منها النسباء المنتمون لعشائر أخرى. 

“ملكية الأرض قد تنتقل من المرأة إلى زوجها المنتمي لعشيرة أخرى، وهذا من شأنه أن يضعف المكانة الاجتماعية والجغرافية لعشيرة الزوجة، لذا تمتنع العشائر عادة عن توريث الأراضي لنسائها” يقول عزارة لجمّار. 

ويعمد البعض إلى تعويض النساء المحرومات من الأراضي الموروثة بمبالغ مالية بسيطة في محاولة لـ”تبرئة الذمة”. 

وبحسب عزارة، تلجأ النساء اللواتي يشعرن بالظلم عادة إلى شيخ العشيرة أو الجيران أو كبير العائلة بدلاً من المحاكم، لأنهن ينظرن إلى النزاع القضائي مع الأب أو الشقيق أمر معيب. 

ويشير إلى “فتاوى دخيلة” انتشرت مؤخراً بين الناس تحرم النساء من الميراث، وقد أثرّت في أبناء العشائر تأثيراً يفوق تأثير شيخ العشيرة والقانون المدني. 

وبدلاً من اللجوء إلى المحاكم للحصول على القسمة الشرعية، صار الناس يلجؤون إلى رجال الدين لتقسيم الميراث، أو يتفقون على قسمة بالتراضي، حيث تتنازل المرأة مقابل تعويض مالي معين. 

“شخصياً أؤمن بأن للبنت حقاً طبيعياً في الميراث، والأحفاد من البنت كالأحفاد من الولد ينبغي معاملتهم بعدالة” يختتم عزارة حديثه. 

نهايات خاسرة 

لا تعرف ماجدة حتى الآن كيف تم تسجيل الأرض باسم المشتري على الرغم من عدم تنازل الشقيقات عن حصصهن. 

وعززت هذه الحادثة القناعة لديها بأن النساء مستضعفات بشكل عام وفي المجتمعات العشائرية على وجه الخصوص، لذا تكون حصصهن من الميراث لقمة سائغة للرجال الانتهازيين. 

أما أمنية، فقد فسرّت كلام أخيها بأنه تهديد مبطن، وخشيت أن تُقتل بذريعة “غسل العار” من أجل الاستحواذ على حصتها من الميراث، كما خشيت على حياة شقيقتها، فسكتت على سلب حقهما، كما أن حصتهما من المنزل لا يحق لهما التصرف بها بقرار من الشقيقين. 

واكتشفت إخلاص لاحقاً أن موقف عمها بالضد منها ومن شقيقتيها كان بثمن، إذ وعده الشقيق بالتنازل عن قطعة الأرض الزراعية التي كانت تعود لوالده. 

ولم تكن إخلاص وشقيقتاها يعرفن شيئاً عن تلك الأرض، فقد كان يقال لهن منذ طفولتهن إن لا حصة للنساء فيها.