غزلان العراق يهدّدها الجوع: من يُنقذ "الريم" في علي الغربي؟ 

و

02 تشرين الثاني 2024

تُماطل السلطات العراقية في توفير نصف كيلوغرام من الشعير لغزلان الريم في المحميات.. عن المحميات الطبيعية العراقية التي لا ينظمها قانون وتعاني من قلة التخصيصات المالية ونقص العلف لحيواناتها

يملك العراق 3 محميات طبيعية من أصل 82 موقعاً مؤهلاً ليكون مساحات تضم شتّى أنواع الحيوانات والنباتات، حسب برنامج مسح مناطق التنوع البيولوجي. ومن بين المحميات الثلاثة، هناك محمية ساوة ومحمية الريم في ميسان، المعروفتان بمناشداتهما المستمرة لإنقاذ قطعان الغزلان من النفوق.. 

ما مشكلة المحميّات الطبيعية في العراق؟ 

تشغل محمية الريم في قضاء علي الغربي في محافظة ميسان مساحة 500 دونم من الأراضي، وتم افتتاحها عام 2012، وتشغل الغزلان لوحدها مساحة 250 دونماً من الأرض التي لا يغطيها نبات كثير. 

تُعتبر المحمية مشروعاً ناجحاً، حيث واظبت على العناية بالغزلان التي بدأتها بـ 25 غزالاً عند افتتاحها، بينما يبلغ عددها الآن نحو 470، “أكثر من 200 غزال من الذكور”، يقول ماجد جمعة، مدير زراعة ميسان. 

يتكاثر غزال الريم بالولادة. يبدأ موسم تزاوجه في الشتاء ويضع ولاداته في الربيع، نهايات آذار. تستمر مدة الحمل لفترة تتراوح بين 5 إلى 6 أشهر، وفي الغالب تلِد الأنثى توأماً، إلا أنها قد تلِد مولوداً واحداً أحياناً. 

يعتمد المولود الجديد على رضاعة الأم حتى عمر 6 أشهر تقريباً، ومن ثم يُفطم ويصبح معتمداً على مهارته في العيش. تبلغ الغزلان ذكوراً أو إناثاً عند وصولها إلى عمر 18 إلى 24 شهراً.  

صورة لغزلان الريم تركض في المحمية، من “صوت المستقبل (2022)”.

يُعتبر العراق واحداً من أكثر الدول تأثراً بالتغير المناخي، إذ يشهد جفافاً غير مسبوق في السنوات الأخيرة.  

حسب غلام إسحق زي، نائب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، فأن العراق في عام 2021 شهد ثاني أكثر المواسم جفافاً منذ 40 عاماً. شهدت البلاد انخفاضاً مأساوياً في مياه الأمطار أثناء الشتاء، إضافة إلى انخفاض تدفق مياه دجلة والفرات اللذين يوفران 98 بالمئة تقريباً من المياه السطحية في العراق. 

كل هذه العوامل ساهمت في وصول الجفاف وتمكنه من المحميات الطبيعية، منها محمية الريم في قضاء على الغربي في ميسان، التي تعاني من شحة المياه والعلف وارتفاع درجات الحرارة؛ وتُساهم شحة المياه، بالأساس، في منع العشب الطبيعي من النمو، والذي من شأنه أن يكون غذاءً بديلاً للغزلان. 

صلاحيات لا يملكها أحد 

في محمية قضاء علي الغربي تنتشر غزلان الريم في كل مكان، وتُظهرها الصور الجوية وهي تركض برشاقة في اتجاهات مُختلفة داخل حدود المحمية. يتراوح طول الغزال بين 90 إلى 130 سم، أما أوزانها فتختلف حسب الجنس. يتراوح وزن الذكر بين 21 إلى 40 كيلوغراماَ، أما الأنثى ما بين الـ 17 إلى 34 كيلوغراماً، ما يتيح لها الحركة برشاقة وحرية أكثر. 

لا تشتهر محمية الريم بموقعها الجغرافي أو بتكاثر الغزلان داخلها الذي نجحت فيه، بل المناشدات المستمرة لإنقاذ قطعان غزلانها من الهلاك. فقد أطلق مدير زراعة ميسان أكثر من ثلاث مناشدات خلال عام 2024. آخرها يوم 15 آب الماضي، حين ناشد بتوفير العلف للغزلان. 

في حديثه لجمّار، بيّن جمعة، مدير زراعة ميسان، أن المشكلة الأولى التي تواجه المحمية هي قلة العلف مما قد يعرض الغزلان للنفوق جوعاً. أما المشكلة الثانية، وهي أيضاً تؤدي إلى تعطّل وصول العلف، فهي ضياع صلاحيات المحمية. 

“المشكلة بأن قرار نقل الصلاحيات هو بداية العراقيل” يوضح جمعة، إذ أخبرت مديرية الزراعة مسؤولي المحمية أنها لا تملك تخصيصات مالية للمحمية، والمحافظة ما زالت تحاول إيجاد مخرج من المشكلة لأن المحمية ليست مُدرجة ضمن موازنة المحافظة، أما الوزارة فتقول إن صلاحياتهم منقولة. أين صلاحيات المحمية؟ الحكومة لا تدري.  

قبل عشرة أشهر، وبعد مخاطبات عدة من مديرية الزراعة، أوعز وزير الزراعة بتجهيز المحمية بكمية عشرة أطنان من الشعير العلفي. حتى الآن، لم تحصل المحمية على أي شيء، رغم أن المحمية هي مشروع وزاري. 

وسط الحرب: الريم على الجبهة 

مثل البشر، تعرّضت أعداد كبيرة من غزلان الريم التي كانت تنتشر في العراق، إلى الموت والتهجير والهلاك نتيجة الحروب التي شنها أو شنت على البلاد خلال العقود الأربع الأخيرة. 

وفق جبار هادي، رئيس المرشدين الزراعيين في محمية الريم في علي الغربي، فإن الهدف الأساس من إنشاء المحمية هو الحفاظ على التنوع البيئي والبيولوجي والحفاظ على ما تبقى من صنف الريم الذي انقرضت أعداد كبيرة منها. 

تأسست المحمية لمحاربة التصحر في المنطقة، إذ تهدف لإنشاء حزام نباتي يساعد في إيقاف زحف الرمال نحو المناطق الزراعية وإعادة توطين غزلان الريم. 

غزلان الريم تأكل والأشجار تظهر من خلفها، من “صوت المستقبل (2022)”

تظهر المحمية كبقعة خضراء وسط الصحراء الواسعة، نجح المشروع بمساعدة غزلان الريم على التكاثر وزيادة عددها ومساعدتها على التأقلم مع بيئتها الأصلية مرة أخرى. 

رغم ذلك، يواجه المشروع الصعوبة في الاستمرار بسبب الجفاف وقلة التخصيصات الحكومية والالتفات لمناشدات المحمية. 

جهود ذاتية: محاولات أخيرة 

شهد جمعة “أعوام الجفاف” خلال السنوات الأربع الأخيرة، إلا أنه يؤكد أنهم يحاولون التغلب على الظروف الحالية إذ “زرعنا مساحات بحدود 100 دونم بمحصول الشعير العلفي”، مما يساعد على توفير جزء من المحصول، أما ما تبقى من المحصول المطلوب، فأن المزارعين المحليين يتبرعون بالعلف لمساعدة المحمية. 

يضيف جمعة بخصوص التبرعات “بعض الشركات تبرعت إلنا بنبات الرغل، الي يتغذى عليه الغزال. إحدى الشركات المهمة جداً بمحافظة البصرة تبرعت لنا بكمية، لكن موعد زراعته بعده ما جاي، الجو حار جداً وهو تقريباً بشهر 12 ممكن نزرعه، وعدنا اليوم شتلات كثيرة جداً تبرعوا لنا بها، أيضاً هذا يساعد بتغذية الحيوان”. 

تمتد الشحة العلفية لستة أشهر، من الصيف وحتى شهر كانون الثاني أو شباط، وفق ما يشير جمعة، ما يعني أن الشحة تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وشحة المياه، ما يصعب زراعة العلف لمساعدة المحمية. 

تنتج المئة دونم التي تزرعها المحمية نحو 50 طناً من الشعير العلفي، وهي تعين الغزلان على الصمود خلال مرحلة الشحة العلفية، لكنها غير كافية للإطعام، ولذلك يطالب جمعة الوزارة بتوفير حصة ثابتة من الحد الأدنى من استهلاك الغزال الواحد، أي نصف كيلوغرام فقط. 

لا مياه، لا أعلاف  

يعتقد ستار جابر، مسؤول محمية الريم في قضاء علي الغربي، أن منظومة ري من شأنها حل مشكلات الجفاف الذي يواجه المحمية، حيث يمكنها المساعدة على إنشاء رعوية ممتازة للغزلان، مما يعني حل مشكلة الشحة العلفية والتوقف عن الاعتماد على الشعير العلفي.  

يطالب جابر منذ عامين بتخصيص منظومة الري على مسافة 50 دونماً للتغلب على الجفاف والجوع الذي يقول إنه يلاحق الغزلان. 

يملك غزال الريم نظاماً غذائياً رعوياً، وحسب المواسم. إذ يعتمد الغزال على النباتات العشبية التي تنمو بعد هطول الأمطار، وبشكل عام على النباتات الجافة. 

يؤكد ماجد جمعة، أن المياه لا تمثل مشكلة للمحمية، إذ يستخدمون الآبار لتوفير المياه، أما المنظومة التي طالب بها ستار جابر، فهي لغرض الزراعة، إذ من شأنها أن تساعد في زراعة الشعير للتخلص من مشاكل الأعلاف. 

هلاك غزلان ساوة  

المصير الذي يخاف ماجد جمعة أن يأتي لغزلانه، سبق وأن حدث في محمية ساوة في محافظة المثنى جنوب العراق. عام 2022، نفقت عدد من الغزلان في المحمية بسبب الجفاف وقلة التخصيصات المالية التي ساعدت على وصول شبح الموت للمحمية. 

حسب تصريح الطبيب البيطري تركي الجياشي، مدير مشروع محمية ساوة، فأن نصف الغزلان نفقت آنذاك بسبب الجوع، وانخفض عددها من 148 إلى 87 رأساً خلال شهر واحد فقط. وهو مصير يخشى ماجد جمعة من تكراره.  

عدد من الغزلان النافقة في محمية ساوة في محافظة المثنى، (2022).

مقترحات للسلطة 

قدم ماجد جمعة أكثر من اقتراح لحل الأزمة للسلطات، لم يُنفذ أي منها.  

اقترح بيع بعض ذكور الغزلان لارتفاع عددها، مما يمكن أن يوفر الميزانية اللازمة لشراء العلف، كما اقتراح شطر أو مد المحمية. لتكون مُلاصقة للحدود مع إيران.  

في مُقترح مشابه، تحدث جبار هادي عن إمكانية إطلاق غزلان المحمية إلى البرية لغرض حمايتها ونشرها. إلا أن مثل هذا الحل يقف عند توعية الصيادين ومنع الصيد الجائر تماماً لحماية الغزلان من الموت. 

غزلان الريم تتجمع لتناول الطعام، من “صوت المستقبل (2022) ” 

الزراعة: لا نستطيع إطعام غزال الريم 

مقترحات المسؤولين لإنعاش المحمية لا تُقابل بإجابة، أما مطالباتهم بشأن توفير الأعلاف للغزلان تجنباً لمصير نفوقها، فتقابل بالرفض، فوفقاً لوليد محمد رزوقي، مدير عام قسم الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، فأنه لا يمكن تجهيز المحمية بالآلاف من الأعلاف كما تطالب، ولكن من الممكن تجهيزهم بالذرة الصفراء إذا ما قدمت المحمية الطلب. وأشار إلى أن الوزارة لا يمكنها تخصيص الأعلاف للمحمية، لأنها فنياً تابعة لهم، لكن إدارياً تابعة للمحافظة. 

 تعتمد محمية الريم حتى الآن على الجهود الذاتية لسد النقص في حاجة الغزلان للأكل، فضلاً عن تبرعات المزارعين والشركات التي يقول المسؤولون إنها “تعطف” على المحمية.  

يحاول القائمون على المحمية حمايتها من المصير الذي واجهته غزلان محمية ساوة بالزراعة الذاتية والبحث عن التبرعات والمناشدات التي لا تنتهي، إلا أن لا ضمان لاستمرار هذه التبرعات والمحاولات أو قدرتها على إبعاد الغزلان عن شبح الجوع. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

يملك العراق 3 محميات طبيعية من أصل 82 موقعاً مؤهلاً ليكون مساحات تضم شتّى أنواع الحيوانات والنباتات، حسب برنامج مسح مناطق التنوع البيولوجي. ومن بين المحميات الثلاثة، هناك محمية ساوة ومحمية الريم في ميسان، المعروفتان بمناشداتهما المستمرة لإنقاذ قطعان الغزلان من النفوق.. 

ما مشكلة المحميّات الطبيعية في العراق؟ 

تشغل محمية الريم في قضاء علي الغربي في محافظة ميسان مساحة 500 دونم من الأراضي، وتم افتتاحها عام 2012، وتشغل الغزلان لوحدها مساحة 250 دونماً من الأرض التي لا يغطيها نبات كثير. 

تُعتبر المحمية مشروعاً ناجحاً، حيث واظبت على العناية بالغزلان التي بدأتها بـ 25 غزالاً عند افتتاحها، بينما يبلغ عددها الآن نحو 470، “أكثر من 200 غزال من الذكور”، يقول ماجد جمعة، مدير زراعة ميسان. 

يتكاثر غزال الريم بالولادة. يبدأ موسم تزاوجه في الشتاء ويضع ولاداته في الربيع، نهايات آذار. تستمر مدة الحمل لفترة تتراوح بين 5 إلى 6 أشهر، وفي الغالب تلِد الأنثى توأماً، إلا أنها قد تلِد مولوداً واحداً أحياناً. 

يعتمد المولود الجديد على رضاعة الأم حتى عمر 6 أشهر تقريباً، ومن ثم يُفطم ويصبح معتمداً على مهارته في العيش. تبلغ الغزلان ذكوراً أو إناثاً عند وصولها إلى عمر 18 إلى 24 شهراً.  

صورة لغزلان الريم تركض في المحمية، من “صوت المستقبل (2022)”.

يُعتبر العراق واحداً من أكثر الدول تأثراً بالتغير المناخي، إذ يشهد جفافاً غير مسبوق في السنوات الأخيرة.  

حسب غلام إسحق زي، نائب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، فأن العراق في عام 2021 شهد ثاني أكثر المواسم جفافاً منذ 40 عاماً. شهدت البلاد انخفاضاً مأساوياً في مياه الأمطار أثناء الشتاء، إضافة إلى انخفاض تدفق مياه دجلة والفرات اللذين يوفران 98 بالمئة تقريباً من المياه السطحية في العراق. 

كل هذه العوامل ساهمت في وصول الجفاف وتمكنه من المحميات الطبيعية، منها محمية الريم في قضاء على الغربي في ميسان، التي تعاني من شحة المياه والعلف وارتفاع درجات الحرارة؛ وتُساهم شحة المياه، بالأساس، في منع العشب الطبيعي من النمو، والذي من شأنه أن يكون غذاءً بديلاً للغزلان. 

صلاحيات لا يملكها أحد 

في محمية قضاء علي الغربي تنتشر غزلان الريم في كل مكان، وتُظهرها الصور الجوية وهي تركض برشاقة في اتجاهات مُختلفة داخل حدود المحمية. يتراوح طول الغزال بين 90 إلى 130 سم، أما أوزانها فتختلف حسب الجنس. يتراوح وزن الذكر بين 21 إلى 40 كيلوغراماَ، أما الأنثى ما بين الـ 17 إلى 34 كيلوغراماً، ما يتيح لها الحركة برشاقة وحرية أكثر. 

لا تشتهر محمية الريم بموقعها الجغرافي أو بتكاثر الغزلان داخلها الذي نجحت فيه، بل المناشدات المستمرة لإنقاذ قطعان غزلانها من الهلاك. فقد أطلق مدير زراعة ميسان أكثر من ثلاث مناشدات خلال عام 2024. آخرها يوم 15 آب الماضي، حين ناشد بتوفير العلف للغزلان. 

في حديثه لجمّار، بيّن جمعة، مدير زراعة ميسان، أن المشكلة الأولى التي تواجه المحمية هي قلة العلف مما قد يعرض الغزلان للنفوق جوعاً. أما المشكلة الثانية، وهي أيضاً تؤدي إلى تعطّل وصول العلف، فهي ضياع صلاحيات المحمية. 

“المشكلة بأن قرار نقل الصلاحيات هو بداية العراقيل” يوضح جمعة، إذ أخبرت مديرية الزراعة مسؤولي المحمية أنها لا تملك تخصيصات مالية للمحمية، والمحافظة ما زالت تحاول إيجاد مخرج من المشكلة لأن المحمية ليست مُدرجة ضمن موازنة المحافظة، أما الوزارة فتقول إن صلاحياتهم منقولة. أين صلاحيات المحمية؟ الحكومة لا تدري.  

قبل عشرة أشهر، وبعد مخاطبات عدة من مديرية الزراعة، أوعز وزير الزراعة بتجهيز المحمية بكمية عشرة أطنان من الشعير العلفي. حتى الآن، لم تحصل المحمية على أي شيء، رغم أن المحمية هي مشروع وزاري. 

وسط الحرب: الريم على الجبهة 

مثل البشر، تعرّضت أعداد كبيرة من غزلان الريم التي كانت تنتشر في العراق، إلى الموت والتهجير والهلاك نتيجة الحروب التي شنها أو شنت على البلاد خلال العقود الأربع الأخيرة. 

وفق جبار هادي، رئيس المرشدين الزراعيين في محمية الريم في علي الغربي، فإن الهدف الأساس من إنشاء المحمية هو الحفاظ على التنوع البيئي والبيولوجي والحفاظ على ما تبقى من صنف الريم الذي انقرضت أعداد كبيرة منها. 

تأسست المحمية لمحاربة التصحر في المنطقة، إذ تهدف لإنشاء حزام نباتي يساعد في إيقاف زحف الرمال نحو المناطق الزراعية وإعادة توطين غزلان الريم. 

غزلان الريم تأكل والأشجار تظهر من خلفها، من “صوت المستقبل (2022)”

تظهر المحمية كبقعة خضراء وسط الصحراء الواسعة، نجح المشروع بمساعدة غزلان الريم على التكاثر وزيادة عددها ومساعدتها على التأقلم مع بيئتها الأصلية مرة أخرى. 

رغم ذلك، يواجه المشروع الصعوبة في الاستمرار بسبب الجفاف وقلة التخصيصات الحكومية والالتفات لمناشدات المحمية. 

جهود ذاتية: محاولات أخيرة 

شهد جمعة “أعوام الجفاف” خلال السنوات الأربع الأخيرة، إلا أنه يؤكد أنهم يحاولون التغلب على الظروف الحالية إذ “زرعنا مساحات بحدود 100 دونم بمحصول الشعير العلفي”، مما يساعد على توفير جزء من المحصول، أما ما تبقى من المحصول المطلوب، فأن المزارعين المحليين يتبرعون بالعلف لمساعدة المحمية. 

يضيف جمعة بخصوص التبرعات “بعض الشركات تبرعت إلنا بنبات الرغل، الي يتغذى عليه الغزال. إحدى الشركات المهمة جداً بمحافظة البصرة تبرعت لنا بكمية، لكن موعد زراعته بعده ما جاي، الجو حار جداً وهو تقريباً بشهر 12 ممكن نزرعه، وعدنا اليوم شتلات كثيرة جداً تبرعوا لنا بها، أيضاً هذا يساعد بتغذية الحيوان”. 

تمتد الشحة العلفية لستة أشهر، من الصيف وحتى شهر كانون الثاني أو شباط، وفق ما يشير جمعة، ما يعني أن الشحة تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وشحة المياه، ما يصعب زراعة العلف لمساعدة المحمية. 

تنتج المئة دونم التي تزرعها المحمية نحو 50 طناً من الشعير العلفي، وهي تعين الغزلان على الصمود خلال مرحلة الشحة العلفية، لكنها غير كافية للإطعام، ولذلك يطالب جمعة الوزارة بتوفير حصة ثابتة من الحد الأدنى من استهلاك الغزال الواحد، أي نصف كيلوغرام فقط. 

لا مياه، لا أعلاف  

يعتقد ستار جابر، مسؤول محمية الريم في قضاء علي الغربي، أن منظومة ري من شأنها حل مشكلات الجفاف الذي يواجه المحمية، حيث يمكنها المساعدة على إنشاء رعوية ممتازة للغزلان، مما يعني حل مشكلة الشحة العلفية والتوقف عن الاعتماد على الشعير العلفي.  

يطالب جابر منذ عامين بتخصيص منظومة الري على مسافة 50 دونماً للتغلب على الجفاف والجوع الذي يقول إنه يلاحق الغزلان. 

يملك غزال الريم نظاماً غذائياً رعوياً، وحسب المواسم. إذ يعتمد الغزال على النباتات العشبية التي تنمو بعد هطول الأمطار، وبشكل عام على النباتات الجافة. 

يؤكد ماجد جمعة، أن المياه لا تمثل مشكلة للمحمية، إذ يستخدمون الآبار لتوفير المياه، أما المنظومة التي طالب بها ستار جابر، فهي لغرض الزراعة، إذ من شأنها أن تساعد في زراعة الشعير للتخلص من مشاكل الأعلاف. 

هلاك غزلان ساوة  

المصير الذي يخاف ماجد جمعة أن يأتي لغزلانه، سبق وأن حدث في محمية ساوة في محافظة المثنى جنوب العراق. عام 2022، نفقت عدد من الغزلان في المحمية بسبب الجفاف وقلة التخصيصات المالية التي ساعدت على وصول شبح الموت للمحمية. 

حسب تصريح الطبيب البيطري تركي الجياشي، مدير مشروع محمية ساوة، فأن نصف الغزلان نفقت آنذاك بسبب الجوع، وانخفض عددها من 148 إلى 87 رأساً خلال شهر واحد فقط. وهو مصير يخشى ماجد جمعة من تكراره.  

عدد من الغزلان النافقة في محمية ساوة في محافظة المثنى، (2022).

مقترحات للسلطة 

قدم ماجد جمعة أكثر من اقتراح لحل الأزمة للسلطات، لم يُنفذ أي منها.  

اقترح بيع بعض ذكور الغزلان لارتفاع عددها، مما يمكن أن يوفر الميزانية اللازمة لشراء العلف، كما اقتراح شطر أو مد المحمية. لتكون مُلاصقة للحدود مع إيران.  

في مُقترح مشابه، تحدث جبار هادي عن إمكانية إطلاق غزلان المحمية إلى البرية لغرض حمايتها ونشرها. إلا أن مثل هذا الحل يقف عند توعية الصيادين ومنع الصيد الجائر تماماً لحماية الغزلان من الموت. 

غزلان الريم تتجمع لتناول الطعام، من “صوت المستقبل (2022) ” 

الزراعة: لا نستطيع إطعام غزال الريم 

مقترحات المسؤولين لإنعاش المحمية لا تُقابل بإجابة، أما مطالباتهم بشأن توفير الأعلاف للغزلان تجنباً لمصير نفوقها، فتقابل بالرفض، فوفقاً لوليد محمد رزوقي، مدير عام قسم الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، فأنه لا يمكن تجهيز المحمية بالآلاف من الأعلاف كما تطالب، ولكن من الممكن تجهيزهم بالذرة الصفراء إذا ما قدمت المحمية الطلب. وأشار إلى أن الوزارة لا يمكنها تخصيص الأعلاف للمحمية، لأنها فنياً تابعة لهم، لكن إدارياً تابعة للمحافظة. 

 تعتمد محمية الريم حتى الآن على الجهود الذاتية لسد النقص في حاجة الغزلان للأكل، فضلاً عن تبرعات المزارعين والشركات التي يقول المسؤولون إنها “تعطف” على المحمية.  

يحاول القائمون على المحمية حمايتها من المصير الذي واجهته غزلان محمية ساوة بالزراعة الذاتية والبحث عن التبرعات والمناشدات التي لا تنتهي، إلا أن لا ضمان لاستمرار هذه التبرعات والمحاولات أو قدرتها على إبعاد الغزلان عن شبح الجوع.