المستقلون في البرلمان.. تجربة "الاستقلالية" و"التطرّف" و"التخادُم"
24 تشرين الأول 2024
حاز "المستقلون" على 60 مقعداً في البرلمان، ولكن أفعالهم قبل الانتخابات وبعدها رسمت علامات استفهام على صفتهم "المستقلين".. عن مستقلين تبدلوا وآخرين ثابتين على "الاستقلال"
مثّل المرشحون “المستقلون” في انتخابات 2021 العربة التي حملت بها أحزاب السلطة أصوات الناخبين إلى البرلمان، ثم الوزارات والحكومة، فيما بقي “المستقل” يتفرج.
سمح قانون الدوائر المتعددة الذي شرع قبل أربع سنوات، لأول مرة بعد 2003، بصعود “مستقلين” إلى البرلمان.
ولا أحد يعلم يقيناً إن كانت الأحزاب التقليدية قد ورطت نفسها بـ”الدوائر المتعددة” في آخر انتخابات تشريعية أجريت قبل ثلاث سنوات، أو أنها اضطرت إلى القبول بها، لكن ما هو مؤكد أنها استطاعت أن تجد مخرجاً.
ذوّبت تلك الأحزاب “المستقلين” في تحالفات قبل وبعد الانتخابات، سراً وعلانية، حتى بعد شهرين من نهاية انتخابات 2021، ولم يعد هناك سوى نصف “المستقلين” فقط لم ينضموا إلى التحالفات الرئيسية.
واستُخدم “المستقلون” بعد ذلك كوقود لحروب القوى الكبرى مرتين على الأقل بعد 2021؛ مرة أثناء الصراع بين مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري والتكتل الشيعي المسمى الإطار التنسيقي، ومرة ثانية في معركة دك ركائز “القوانين الإسلامية” الجديدة التي يراد تمريرها في البرلمان.
ميلاد “المستقلين“
كان الصدريون بزعامة الصدر، الذي انسحب من الحياة السياسية في صيف 2022، قد جربوا طريقة الدوائر المتعددة بشكل مصغر ثلاث مرات قبل انتخابات 2021.
التيار الصدري (واسمه حالياً التيار الوطني الشيعي) طبق نظام الدوائر في مناطق نفوذه ضمن “انتخابات تمهيدية” داخلية كان يجريها الصدر لاختيار المرشحين الأكثر شعبية للصعود إلى البرلمان، وقياس مدى تفاعل أنصاره مع الانتخابات.
حدث ذلك قبل انتخابات 2014 و2018، وفي 2021 كانت المحاكاة الأخيرة قبل لحظة حصد النتائج.
اتكأ الصدر آنذاك على ارتباك القوى الشيعية، التي واجهت اتهامات بقتل المتظاهرين إبان احتجاجات تشرين، وفقدت للتو عادل عبد المهدي رئيس الحكومة الذي استقال مع حكومته نهاية 2019.
وركب الصدر الموجة، على حد وصف محللين، وتلقف مطالب تشرين بإجراء إصلاحات على منظومة الحكم.
وجد زعيم التيار بعد دعمه مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء خلفاً لعبد المهدي، الفرصة سانحة لإجراء ممارسة عملية واسعة لما كان يفعله في الساحات الداخلية، وفرض مقاساته على الانتخابات المقبلة.
كتبت في خيم الاعتصامات نسخ عدة من قوانين الانتخابات المفترضة، ولا أحد يعلم فيما لو كانت النسخة التي قدمت من الحكومة وفيها بصمات الصدر، قد شارك أنصار تشرين في كتابتها بشكل مباشر.
كان “التشرينيون” ينادون بالإصلاح وتغيير قوانين الانتخابات وفسح المجال أمام المستقلين، ووسط ذلك الضغط استخدم الصدر شعبيته لدى الشارع، وسوطه على القوى الشيعية، لتمرير نسخة من قانون الانتخابات، والتي سمحت لأول مرة بعد 2005 -السنة التي شهدت إجراء أول انتخابات بعد الإطاحة بنظام صدام حسين- باستخدام الدوائر المتعددة، وصعود “المستقلين” إلى السلطة التشريعية.
ارتباك الشيعة
على الأغلب، كانت القوى الشيعية مذهولة مما جرى في الشارع من احتجاجات خرجت عن سيطرة أحزاب السلطة، واستطاعت لأول مرة بعد 2003 أن تسقط حكومة.
حينها بدأ مشروع الصدر المتمثل بوضع نسخة متقدمة عن آلية إجراء الانتخابات، والذي اختبأ فيه وراء أصوات المتظاهرين، وهو مشروع عُدّ في الوقت ذاته طوق نجاة للأحزاب الشيعية التي لم تكن منتبهة تماماً لما يجري، بحسب أوساط تلك الأحزاب.
أظهرت تلك الأوساط، في مرحلة لاحقة، غضباً شديداً بعد تحقيق الصدريين في انتخابات 2021 أرقاماً لم يحققوها سابقاً، واتهمت هادي العامري زعيم منظمة بدر حينها بأنه “وراء تلك الانتكاسة”، باعتباره زعيم أكبر تجمع شيعي (تحالف الفتح)، الذي ضم أغلب قوى اليمين الشيعي.
وتراجع الشيعة في تلك الانتخابات بنحو 50 مقعداً عن نتائجهم التي كانت في انتخابات 2018، فيما يبدو أن العامري كان هو من يقود التفاوض مع الصدر نيابة عن القوى الشيعية، من أجل ترتيب الأوضاع بعد احتجاجات تشرين.
وبعد فوز الصدريين بالانتخابات، بدأت الأوساط الشيعية تتحدث وراء الأبواب المغلقة عن أن “العامري لم يعد مناسباً”، وأن الوقت حان لـ”استبداله بقيس الخزعلي زعيم حركة عصائب أهل الحق”.
والحقيقة أن قانون الانتخابات الذي نص على الدوائر المتعددة مرر في 24 تشرين الأول 2020، بوجود 170 نائباً أغلبهم من الشيعة.
صور المرشحين تتكلم
ظهر الارتياح بين جمهور الصدر لاعتماد صيغة انتخابات تبدو مفصلة على مقاس زعيم التيار، فيما ذهبت القوى الشيعية الأخرى إلى اعتماد خطة بديلة.
قال نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، بعد ذلك بنحو أربع سنوات، في مقابلة مع قناة آفاق التابعة له، إن “الدوائر المتعددة في الانتخابات جرى فيها حيف كونها لم تقم على أسس علمية”.
الخطة الشيعية في خوض الانتخابات ظهرت بعد ذلك في قوائم المرشحين، وقانون الانتخابات الجديد لعام 2021 كان قد سمح لأول مرة بترشيح مستقلين بشكل منفرد.
علقت صور المرشحين في الشوارع خلال الدعاية الانتخابية التي انطلقت قبل ثلاثة أشهر من موعد الاقتراع في 10 تشرين الأول 2021، وظهرت صور حزبيين لكن بثوب “مستقل”.
بلغ عدد المرشحين المنفردين في الانتخابات 789 من أصل 3240 مرشحاً.
وعلى الرغم من أن خارطة الانتخابات كانت صدرية، إلا أن هذا لم يمنع مشاركة نواب التيار بصفة مستقلين، وهم إيناس المكصوصي عن محافظة واسط، ورفاه العارضي عن المثنى، وبرهان المعموري عن ديالى، والأخير هو النائب الوحيد الذي لم يستقل مع نواب التيار في صيف 2022، باستثناء من الصدر نفسه.
وعن منظمة بدر، رشحت النائبات (بشكل مستقل) منى الغرابي في ذي قار، وسناء الموسوي في النجف وليلى فليح عن كربلاء، ولم تحصل أي منهن على مقعد.
أما ائتلاف دولة القانون فرشح عنه بشكل “مستقل” النائب كاظم الصيادي عن واسط، والنائب عبد الهادي السعداوي عن ذي قار، ونهلة الهبابي عن قضاء تلعفر في نينوى، وحيدر المولى عن بغداد، وضحى رضا عن الديوانية، وهم أيضاً لم يحصلوا على مقاعد باستثناء الأخيرة التي حلت بديلة عن نائبة صدرية استقالت.
وعن ائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، قرر حينها النائب يوسف الكلابي خوض الانتخابات منفرداً في واسط وحصل على مقعد.
وكذلك خرج النائب آراس حبيب من ائتلاف العبادي، وانتقل من بغداد ليترشح منفرداً ضمن كوتا الكرد الفيلية في واسط، لكنه لم ينجح في الحصول على مقعد.
وبدت هذه الترشيحات هي الخطة البديلة قبل الانتخابات للالتفاف على القانون، حيث سيحصد “المستقلون” الأصوات ثم يندمجوا مع القوى الأصلية، كما حدث بالفعل بعد ذلك.
وكان أبرز مرشحي الفصائل المسلحة الذي خاض الانتخابات منفرداً، هو علي تركي عن العصائب، ومصطفى سند وفلاح الجزائري المقربون من كتائب حزب الله، وقد نجح تركي وسند في الوصول إلى البرلمان بينما أخفق الجزائري.
كما ضمت “كوتا المكونات” مرشحين منفردين عن الفصائل، أبرزهم وعد قدو، قائد لواء 30 بالحشد الشعبي في سهل نينوى، وحصل على مقعد عن الشبك.
تحالفات الثلث المعطل
حين أعلنت نتائج انتخابات 2021، كانت قد مثلت صدمة للقوى الشيعية بسبب تراجع الأصوات، باستثناء التيار الصدري الذي حصل لأول مرة على 73 مقعداً منذ اقتراع 2005.
لجأت القوى الشيعية، التي ستندمج بعد ذلك تحت اسم “الإطار التنسيقي” إلى الشارع، واحتجت على النتائج لمدة شهرين أمام بوابات المنطقة الخضراء.
وفي نهاية 2021 حسمت المحكمة الاتحادية الخلاف وصادقت على النتائج من دون تغيير.
وقبل ذلك بأيام قليلة، أبلغ الصدر بقية الشيعة بأنه ينوي تشكيل حكومة بمفرده مع مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني الذي كان بقيادة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر.
كبح الشيعة بعد ذلك اندفاع الصدر نحو تسمية ما عرف بـ”حكومة الأغلبية”، بالضغط على حلفائه الجدد ضمن ما سمي بـ”التحالف الثلاثي”.
ثم جاء تفسير المحكمة الاتحادية الشهير، في شباط 2022، حول آلية اختيار رئيس الجمهورية.
تنص الفقرة الأولى من المادة 70 في الدستور على أن “ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد أعضائه”.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 59 في الدستور على أن “يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه”.
والأغلبية المطلقة تعني 50 بالمئة + 1.
وبما أن عدد أعضاء البرلمان في الدورة الحالية 329، يكون العدد اللازم لتحقيق نصاب انعقاد الجلسة البرلمانية 166 نائباً.
ودار جدال حول ما إذا كان النصاب الوارد في المادة 59 من الدستور يشمل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أم لا.
وظنت أطراف التحالف الثلاثي الساعي إلى تشكيل حكومة أغلبية أنها تستطيع تأمين 166 نائباً بسهولة لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والمضي في إجراءات تشكيل الحكومة.
ووفقاً للدستور، لا يمكن تشكيل الحكومة قبل انتخاب رئيس الجمهورية.
ومن أجل حسم الجدل، أرسل برهم صالح رئيس الجمهورية السابق طلباً إلى المحكمة الاتحادية لبيان الأغلبية الواجب توافرها لتحقيق النصاب.
وجاء رد المحكمة بأن “مجلس النواب ينتخب رئيساً للجمهورية من بين المرشحين لرئاسة الجمهورية بأغلبية ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي، ويتحقق النصاب بحضور ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي”.
وبذلك اشترطت المحكمة الاتحادية حضور 220 نائباً على الأقل لاكتمال نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وهو عدد لم يتمكن التحالف الثلاثي من تأمينه.
ظهرت الحاجة مرة ثانية لـ”المستقلين”.
كان النواب “المستقلون” قد حصلوا على 60 مقعداً من بينها “كوتا المكونات”، وكان أكثر من نصفهم من الشيعة.
في ذلك الوقت، كان 16 “مستقلاً” قد ذابوا في داخل القوى السنية والكردية، فيما فضّل أغلب الشيعة “المستقلين” الوقوف على الحياد، لكن لوقت قصير.
دعا الصدر “المستقلين” مرتين إلى إسناده في البرلمان لتشكيل حكومة أغلبية، لكنه فشل في كل مرة.
وعد زعيم التيار، بحسب ما تسرّب آنذاك، “المستقلين” بعدد من الوزارات، وبعضهم من تطرّف وقال “كل الوزارات على أن يحتفظ الصدر برئاسة الحكومة”.
أوساط التيار تحدثت في ذلك الوقت عن “رسائل تهديد” وصلت إلى “المستقلين” لمنعهم من الوقوف إلى جانب مشروع الصدر.
في 19 شباط 2021، قال الصدر في تغريدة “مرة أخرى تتصاعد أصوات الوحوش الكاسرة التي لا تعي غير التهديد.. مرة أخرى يُهدد الحلفاء والشركاء في حكومة الأغلبية الوطنية”.
مال بعض “المستقلين” في عملية توظيف ثالثة لهم إلى القوى المعارضة للصدر، ما أثقل كفة هذا المعسكر، على أمل الحصول على مناصب.
وفي منتصف 2021 استسلم الصدر وانسحب من مشروعه، فيما حصل “المستقلون” على وعد من “الإطار التنسيقي” بالحصول على وزارات، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وزارات بلا “مستقلين”
تقاسم التحالف الشيعي الوزارات عقب اعتزال الصدر في صيف 2022 من دون ذكر لـ”المستقلين”.
يقول بهاء نوري، النائب عن ائتلاف دولة القانون، في حوار تلفزيوني في أيلول 2024، إن “كل الوزراء في الحكومة الحالية تابعون لأحزاب”.
وكانت بعض المعلومات قد أشارت إلى احتمال منح “الإطار التنسيقي” منصب نائب رئيس الوزراء إلى أحد “المستقلين”.
لمّع “المستقلون” بعد ذلك الحكومة، في رابع استخدام لهم منذ الحملة الانتخابية في 2021.
قال سند في تشرين الأول 2022 إن “اختيار محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة هو الأفضل. لديه خبرة ونظيف اليد”.
ثم سيكون سند من أشد خصوم السوداني.
وفي تلك الفترة ذاتها، قال تركي عن السوداني إن “أي شخصية سترشح لرئاسة الوزراء غيره لن تحصل على قبول محلي ودولي”.
تركي سينضم بعد ذلك بوقت قصير إلى عصائب أهل الحق، ويعارض السوداني في قضايا عدة.
في تشرين الثاني 2022، نشر باسم خشان النائب “المستقل” على صفحته في فيسبوك، صورة تجمعه مع السوداني.
وقال في تعليقه على الصورة “دولة الرئيس صادق وجاد في حربه على الفساد، ونحن معه”.
خشان كان قد ساند الإطار التنسيقي أيام الثلث المعطل، وسينتقد الحكومة بعد ذلك ويرفع دعوى ضد مدير مكتب السوداني.
التأرجُح
بعد مرور عاصفة الاشتباكات في المنطقة الخضراء نهاية آب 2022، واستقرار المناصب الشيعية بشكل مؤقت، تمايل المستقلون يميناً ويساراً.
أنشأوا تحالفات داخل البرلمان لم تكن مؤثرة؛ مثل تحالف الشعب وتحالف الوطن، فيما أعلن آخرون الانضمام علانية أو ضمناً إلى الإطار التنسيقي.
ساند خشان، الذي لديه مشكلة قديمة مع التيار الصدري، مواقف الإطار طوال عامين تقريباً.
وكان خشان قد رشح مع الصدريين في انتخابات 2018، وصعدت بدلاً منه إلى البرلمان رفاه العارضي عن التيار، لكنه استطاع بعد ذلك الحصول على قرار قضائي باستبدال المقعد لصالحه.
اشتهر خشان بصورته وهو يبتسم مع السوداني بعد أيام من تكليف الأخير أواخر 2022، وكان النائب قبل ذلك يلوح بـ”المعارضة”.
سكت خشان عن الحكومة أشهراً عدة، وقاد حملة معارضة في أزمة إلغاء عضويته نهاية 2023 ضد الحلبوسي رئيس البرلمان.
وتصنف علاقة السوداني بالحلبوسي على أنها سيئة، وكان الحلبوسي يعرقل بعض خطط السوداني.
خشان كذلك كان لديه ثأر قديم مع الحلبوسي، ففي آب 2019 قررت المحكمة منح الأول مقعداً في البرلمان بدلاً من العارضي، لكنه مُنع من دخول مبنى البرلمان لأداء اليمين الدستورية “بسبب اتفاق بين الحلبوسي والصدر” على حد زعمه.
سُعد خشان وعدد من “المستقلين” بإزاحة الحلبوسي في صور التقطت أمام المحكمة الاتحادية في تشرين الثاني 2023.
كانت وظيفة هذه المجموعة التلميع للحكومة، ومعارضة كل من تعارضه الحكومة، لكن هذا أيضاً لم يدم طويلاً.
مع بداية تسرب معلومات عن نية السوداني الانفراد بتشكيل تحالف انتخابي، وما تبع ذلك من أزمات، انقلبت الأوضاع، وتحول رئيس الحكومة إلى خانة متأرجحة بين “الصديق والعدو”، على حد وصف قيادات في حزب الدعوة.
تحالف السوداني الذي لم يُعلن عنه حتى الآن، وكشف عنه لأول مرة أحمد الأسدي وزير العمل، في آذار 2033، وقال حينها إنه أول المنضمين إليه، كان أول الشرارة للخلاف مع رئيس الحكومة.
تخصص خشان، في ما بدت كأنها وظيفة مقدمة من الإطار، في انتقاد توظيف السوداني للمستشارين، ومهاجمة هيئة النزاهة.
قال خشان في إحدى المرات إن “السوداني عيّن مستشارين يكفون لغزو الصين”.
وهجومه على هيئة النزاهة في قضية سرقة الأمانات الضريبية المعروفة بـ”سرقة القرن”، كان يبدو موجهاً ضد رئيس الحكومة، لأن الأخير هو من كلف حيدر حنون بمنصب رئيس الهيئة وكالة.
وينحدر حنون من مدينة العمارة مسقط رأس السوداني.
أما مصطفى سند، الذي رشح “مستقلاً” عن البصرة، فقد قال في حوار سابق أيّد فيه تكليف السوداني، إن “التصريح يتعلق بهذه الفترة فقط. لا تحاسبونني عليه لاحقاً”.
في أيلول 2024، قال سند في مقابلة تلفزيونية أخرى إن “الإطار خُدع بالسوداني” رداً على سؤال يتعلق بسبب انتقاد التحالف الشيعي للسوداني.
وجلد سند رئيس الحكومة في تلك المقابلة.
هاجم النائب المقرب من كتائب حزب الله، السوداني بشدة على خلفية قضية التنصت المتهم بها موظفون من مكتب رئيس الحكومة.
في تلك المقابلة قال سند إن “وضع السوداني لم يعد صالحاً للترميم”، في إشارة إلى نهاية فرصته بولاية ثانية.
وكذلك فعل زميله تركي، الذي كان رأيه حتى نيسان الماضي، أن حكومة السوداني هي “حكومة مقاومة”.
فاز تركي بصفته “مستقلاً” عن بابل، وفي حزيران 2023 أعلن بشكل مفاجئ انشقاقه عن حركة العصائب التي لم يعلن سابقاً انضمامه إليها، بسبب تصريحات له تتعلق بالمالكي أحرجت الحركة.
وبعد أشهر عاد ليتحدث بوصفه نائباً عن العصائب.
وفي مقابلة تلفزيونية بثت في أيلول 2024، قال تركي إن “شبكة التجسس في مكتب السوداني تتنصّت على المرجعية”.
الاصطفاف
وقع هجوم “المستقلين” على الحكومة بـ”التزامن” أو “بشكل متعمد” كما يقول نواب، مع مناقشة تعديلات قانون الأحوال الشخصية.
يقول النائب المعارض سجاد سالم إن “الإطار التنسيقي استغل الفوضى في تمرير بعض القوانين وغلفها بغلاف مذهبي”.
هاجم تركي الحكومة والشيعة المعارضين لتعديل قانون الأحوال الشخصية في آن واحد، ووصفهم بأنهم “مدفوعو الثمن”.
ونصح تركي في لقاء تلفزيوني الناشطات المعترضات على “قانون البغاء” والمدافعين عن المثلية بـ”الذهاب إلى أربيل” إن تضرروا من تلك القوانين.
تدريجياً، بدأت أصوات “المستقلين” تنتظم في الوظيفة الجديدة التي قدمها التحالف الشيعي دفاعاً عن تعديل قانون الأحوال الشخصية.
على سبيل المثال، يقول علاء الحيدري النائب “المستقل” عن النجف، في مقابلة تلفزيونية في أيلول الماضي إن البرلمان سيدرس التعديلات المقترحة على القانون والمدونات المرسلة من الجهات الشرعية.
ولكن حين سئل عما إذا كان هو شخصياً يمكن أن يجري تعديلات على مقترحات المراجع الدينية أجاب “أبداً، سأسمع ما يقوله المرجع وألتزم به، ليس فقط في قانون الأحوال الشخصية وإنما في كل الأمور الشرعية”.
ويقول المعترضون على التعديلات المقترحة على القانون إنها ستزيد الانقسام المجتمعي على أساس طائفي وتهدد حقوق النساء والفتيات والأطفال.
وتحذر الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية من أن تمرير التعديلات قد يسمح بتزويج القاصرات ويحرم النساء حقوقاً كثيرة.
وعلى الرغم من كل الاعتراضات والتحذيرات المحلية والدولية، انخرط أغلب النواب “المستقلين” الشيعة في وظيفة الدفاع عن التعديلات، ومنهم أمير المعموري وباسم الغريباوي وحسين السعبري وهادي السلامي.
وكذلك ياسر الحسيني الذي اشتهر بمقطع فيديو داخل البرلمان في آب 2024 وهو يهدد بعدم تمرير تعديل قانون العفو العام على خلفية حذف قراءة تعديل قانون الأحوال في الجلسة.
عرّاب التطرف
يمكن وصف رائد المالكي، النائب المستقل، بانه “عراب قوانين التطرّف” في البرلمان، وهو الحاصل على شهادة الدكتوراه بالقانون من جامعة بغداد عام 2017.
المالكي كان مرشحاً خاسراً بانتخابات 2021، حتى استقال الصدريون صيف 2022 ليحل محل أحمد الدراجي عن محافظة ميسان.
قبل فوز المالكي بالانتخابات، بث فيديو على “فيسبوك” تعهد فيه أمام الجمهور بعدة قضايا من بينها عدم ارتباطه المباشر أو غير المباشر بأي حزب، كما أعلن التزامه بعدم الانضمام لأي كتلة أو حزب حال فوزه بالانتخابات. وتعهد كذلك بعدم استغلال سلطته كنائب لـ”مصالح خاصة لي أو لعشيرتي”.
لكن المالكي طلب سيارة خاصة من البرلمان، ليسجّل اسمه في واحدة من فضائح البرلمان الشهيرة، كما تماهى مع قوى الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة في مواقف عديدة، وزاود أحياناً في تطرفه عليها.
فالمالكي، كان قد قاد حملة لتعديل قانون البغاء الذي أُقر عام 1988، ونجح في النهاية من تمريره، محققاً عقوبات مشددة على مجتمع الميم عين، كما على حريّات أخرى قد يكون الحد منها نتيجة للصياغات الفضاضة في التشريعات.
وفي تموز الماضي، فجّر المالكي قضية تعديل قانون “الأحوال الشخصية”، هو من قدم المقترح للبرلمان، وكانت النسخة من المشروع التي اظهرها للإعلام وللنواب، تحمل على الهامش “توصية باللون الأحمر” قيل حينها بأنها بـ”خط المرجعية”.
وبعد جدالات طويلة حول التعديل في الإعلام وداخل البرلمان، تبّين أن التوصية كانت بخط النائب الشيعي السابق عبد الهادي الحكيم، والذي قدم في 2015 حين كان نائباً قانوناً لحجب المواقع الإباحية.
استمر النائب المالكي بالدفاع عن تعديلات القانون، وزعم أن المشروع بـ”دفع وبتأثير من المرجعيات”، ورفض في مقابلة تلفزيونية في تموز، اعتبار العراق “دولة مدنية”. وقال إن العراق “مزيج بين الإسلامية والديمقراطية”.
سخر النائب في البرنامج من مفهوم “المدنية” بالعراق. وقال إن “كل عراقي يفسرها بشكل معين”.
“العراقي يستخدم المدنية حين يريد أن يقوم ببعض الممارسات، لكن حين يرى أخته مع رجل يقوم بقتلها بالبندقية.. أي مدنية هذه؟!”، قال المالكي حانقاً.
في هجومه على قانون الأحوال الشخصية الحالي، قال النائب المالكي في آب 2024، إن القانون النافذ “يبيح الزنا”. واستخدم هذا التعبير لاحقاً رجال دين، ونواب شيعة، على خطى المالكي.
اتهم النائب “المستقل” بعد ذلك، سفارات ألمانيا والاتحاد الأوربي والسفيرة الأمريكية في بغداد، بالضغط على البرلمان لمنع تمرير الأحوال الشخصية.
جيوش التلميع
يملك بعض “المستقلين” ما تسمى “الجيوش الإلكترونية” التي تعمل على تلميع صورهم، وفي المقابل تنكل بأي شخصية معارضة.
ويتضح ذلك من حجم التعليقات على أي نشاط يقوم به النائب “المستقل” حتى لو كان بسيطاً، والهجوم على المعارضين.
وتذهب أغلب التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي إلى نشاطات النواب المدافعين عما يعد “قوانين مذهبية”، باستخدام مديح ذي طابع ديني أو وطني.
وتؤثر هذه الصفحات، وفق مراقبين، في الرأي العام، وهو ربما ما دفع أحزاب السلطة إلى الاستعانة بـ”المستقلين” في الحروب الداخلية.
حاز المرشحون الفرديون (مستقلون أو وكلاء لأحزاب في الظل) على أكثر من نصف أصوات القوى الشيعية مجتمعة في انتخابات 2021، والتي صارت تسمى بعد ذلك بـ”الإطار التنسيقي”، وأكثر من أصوات التيار الصدري.
وبلغ مجموع الأصوات للمرشحين الفرديين نسبة 15 بالمئة من مجموع المصوتين الفعليين.
وسيطر “المستقلون” على 12 بالمئة من مقاعد البرلمان.
وتربعت بغداد على قمة أعلى المحافظات التي فاز عنها مرشحون فرديون، بنسبة بلغت نحو تسعة بالمئة من مجموع الفائزين الكلي في العاصمة.
وجاءت بعدها بابل والأنبار والنجف، فيما لم تسجل أربيل وكربلاء أي فوز للمرشحين الفرديين.
وحصل الفرديون في 14 محافظة على 60 مقعداً، أي ما يعادل 18 بالمئة من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329.
وهذا العدد من المقاعد جعل “المستقلين” في المرتبة الثانية في ترتيب الفائزين في الانتخابات الأخيرة، بعد التيار الصدري الذي حصل على 73 مقعداً.
وبلغت الأصوات الممنوحة للفرديين أكثر من 520 ألف صوت، فيما قدر وجود هدر في الأصوات وصل إلى أكثر من ضعفي ذلك العدد حصل عليه مرشحون فرديون لكن لم يحصلوا على مقاعد.
وبلغ مجموع أصوات كل المرشحين الفائزين والخاسرين من الفرديين، نحو مليون و800 ألف صوت.
ويعني ذلك أن “المستقلين” أو الفرديين حصلوا على أكثر من نصف ما حققته القوى الشيعية التي جمعت مليونين و500 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، وأكثر من التيار الصدري الذي جمع نحو 800 ألف صوت.
لكن على الرغم من ذلك، هناك استياء ممّا يصفه البعض “تطرف” بعض “المستقلين” بسبب قضايا تتعلق بقوانين ذات صبغة مذهبية، مثل عطلة يوم الغدير وتعديل قانون الأحوال الشخصية.
كما أن هناك حالة عدم رضا من بعض الجمهور، بسبب اصطفاف “مستقلين” سراً أو علانية إلى جانب الأحزاب التقليدية، التي رفض الناخب التصويت لها.
ويعلّل سجاد سالم، النائب المستقل عن واسط، بان “المستقلين ليسوا طيفاً واحداً”.
يُعرف سالم بمواقفه المعارضة للأحزاب المهيمنة على السلطة، ويدافع عن فكرة الاستقلال ووظيفة النائب المستقل، ويشير إلى أنه كان قد رفض بعد الانتخابات البرلمانية عام 2021 تشكيل “كتلة للمستقلين”، مضيفاً “هذا تنظيم يخالف فكرة المستقل”.
ويشرح محمد عنوز، وهو نائب مستقل عن النجف، أن الاصطفافات ظهرت من بداية جلسات البرلمان، وقال إن “بعض المستقلين متحزبون”.
عنوز الذي عُرف أيضاً بمواقف معارضة من قوى السلطة، يقول إن مهمة النائب المستقل “رفض النهج السابق، نهج المحاصصة، ورفض المصالح الشخصية، والغنائم”.
ويؤكد سالم أن “بعض المستقلين حافظوا على استقلالهم ولم ينخرطوا ضمن القوى الأيديولوجية وحافظوا على مسار خاص بهم”.
في كل الأحوال، فإن سيناريو انتخابات 2021 قد لا يتكرر مرة أخرى، على الأقل في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في 2025، حيث تبدو القوى السياسية متمسكة بقانون “سانت ليغو” الذي أجريت على أساسه انتخابات مجالس المحافظات سنة 2023، والذي يمنح الهيمنة من جديد للأحزاب والتحالفات السياسية.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مثّل المرشحون “المستقلون” في انتخابات 2021 العربة التي حملت بها أحزاب السلطة أصوات الناخبين إلى البرلمان، ثم الوزارات والحكومة، فيما بقي “المستقل” يتفرج.
سمح قانون الدوائر المتعددة الذي شرع قبل أربع سنوات، لأول مرة بعد 2003، بصعود “مستقلين” إلى البرلمان.
ولا أحد يعلم يقيناً إن كانت الأحزاب التقليدية قد ورطت نفسها بـ”الدوائر المتعددة” في آخر انتخابات تشريعية أجريت قبل ثلاث سنوات، أو أنها اضطرت إلى القبول بها، لكن ما هو مؤكد أنها استطاعت أن تجد مخرجاً.
ذوّبت تلك الأحزاب “المستقلين” في تحالفات قبل وبعد الانتخابات، سراً وعلانية، حتى بعد شهرين من نهاية انتخابات 2021، ولم يعد هناك سوى نصف “المستقلين” فقط لم ينضموا إلى التحالفات الرئيسية.
واستُخدم “المستقلون” بعد ذلك كوقود لحروب القوى الكبرى مرتين على الأقل بعد 2021؛ مرة أثناء الصراع بين مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري والتكتل الشيعي المسمى الإطار التنسيقي، ومرة ثانية في معركة دك ركائز “القوانين الإسلامية” الجديدة التي يراد تمريرها في البرلمان.
ميلاد “المستقلين“
كان الصدريون بزعامة الصدر، الذي انسحب من الحياة السياسية في صيف 2022، قد جربوا طريقة الدوائر المتعددة بشكل مصغر ثلاث مرات قبل انتخابات 2021.
التيار الصدري (واسمه حالياً التيار الوطني الشيعي) طبق نظام الدوائر في مناطق نفوذه ضمن “انتخابات تمهيدية” داخلية كان يجريها الصدر لاختيار المرشحين الأكثر شعبية للصعود إلى البرلمان، وقياس مدى تفاعل أنصاره مع الانتخابات.
حدث ذلك قبل انتخابات 2014 و2018، وفي 2021 كانت المحاكاة الأخيرة قبل لحظة حصد النتائج.
اتكأ الصدر آنذاك على ارتباك القوى الشيعية، التي واجهت اتهامات بقتل المتظاهرين إبان احتجاجات تشرين، وفقدت للتو عادل عبد المهدي رئيس الحكومة الذي استقال مع حكومته نهاية 2019.
وركب الصدر الموجة، على حد وصف محللين، وتلقف مطالب تشرين بإجراء إصلاحات على منظومة الحكم.
وجد زعيم التيار بعد دعمه مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء خلفاً لعبد المهدي، الفرصة سانحة لإجراء ممارسة عملية واسعة لما كان يفعله في الساحات الداخلية، وفرض مقاساته على الانتخابات المقبلة.
كتبت في خيم الاعتصامات نسخ عدة من قوانين الانتخابات المفترضة، ولا أحد يعلم فيما لو كانت النسخة التي قدمت من الحكومة وفيها بصمات الصدر، قد شارك أنصار تشرين في كتابتها بشكل مباشر.
كان “التشرينيون” ينادون بالإصلاح وتغيير قوانين الانتخابات وفسح المجال أمام المستقلين، ووسط ذلك الضغط استخدم الصدر شعبيته لدى الشارع، وسوطه على القوى الشيعية، لتمرير نسخة من قانون الانتخابات، والتي سمحت لأول مرة بعد 2005 -السنة التي شهدت إجراء أول انتخابات بعد الإطاحة بنظام صدام حسين- باستخدام الدوائر المتعددة، وصعود “المستقلين” إلى السلطة التشريعية.
ارتباك الشيعة
على الأغلب، كانت القوى الشيعية مذهولة مما جرى في الشارع من احتجاجات خرجت عن سيطرة أحزاب السلطة، واستطاعت لأول مرة بعد 2003 أن تسقط حكومة.
حينها بدأ مشروع الصدر المتمثل بوضع نسخة متقدمة عن آلية إجراء الانتخابات، والذي اختبأ فيه وراء أصوات المتظاهرين، وهو مشروع عُدّ في الوقت ذاته طوق نجاة للأحزاب الشيعية التي لم تكن منتبهة تماماً لما يجري، بحسب أوساط تلك الأحزاب.
أظهرت تلك الأوساط، في مرحلة لاحقة، غضباً شديداً بعد تحقيق الصدريين في انتخابات 2021 أرقاماً لم يحققوها سابقاً، واتهمت هادي العامري زعيم منظمة بدر حينها بأنه “وراء تلك الانتكاسة”، باعتباره زعيم أكبر تجمع شيعي (تحالف الفتح)، الذي ضم أغلب قوى اليمين الشيعي.
وتراجع الشيعة في تلك الانتخابات بنحو 50 مقعداً عن نتائجهم التي كانت في انتخابات 2018، فيما يبدو أن العامري كان هو من يقود التفاوض مع الصدر نيابة عن القوى الشيعية، من أجل ترتيب الأوضاع بعد احتجاجات تشرين.
وبعد فوز الصدريين بالانتخابات، بدأت الأوساط الشيعية تتحدث وراء الأبواب المغلقة عن أن “العامري لم يعد مناسباً”، وأن الوقت حان لـ”استبداله بقيس الخزعلي زعيم حركة عصائب أهل الحق”.
والحقيقة أن قانون الانتخابات الذي نص على الدوائر المتعددة مرر في 24 تشرين الأول 2020، بوجود 170 نائباً أغلبهم من الشيعة.
صور المرشحين تتكلم
ظهر الارتياح بين جمهور الصدر لاعتماد صيغة انتخابات تبدو مفصلة على مقاس زعيم التيار، فيما ذهبت القوى الشيعية الأخرى إلى اعتماد خطة بديلة.
قال نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، بعد ذلك بنحو أربع سنوات، في مقابلة مع قناة آفاق التابعة له، إن “الدوائر المتعددة في الانتخابات جرى فيها حيف كونها لم تقم على أسس علمية”.
الخطة الشيعية في خوض الانتخابات ظهرت بعد ذلك في قوائم المرشحين، وقانون الانتخابات الجديد لعام 2021 كان قد سمح لأول مرة بترشيح مستقلين بشكل منفرد.
علقت صور المرشحين في الشوارع خلال الدعاية الانتخابية التي انطلقت قبل ثلاثة أشهر من موعد الاقتراع في 10 تشرين الأول 2021، وظهرت صور حزبيين لكن بثوب “مستقل”.
بلغ عدد المرشحين المنفردين في الانتخابات 789 من أصل 3240 مرشحاً.
وعلى الرغم من أن خارطة الانتخابات كانت صدرية، إلا أن هذا لم يمنع مشاركة نواب التيار بصفة مستقلين، وهم إيناس المكصوصي عن محافظة واسط، ورفاه العارضي عن المثنى، وبرهان المعموري عن ديالى، والأخير هو النائب الوحيد الذي لم يستقل مع نواب التيار في صيف 2022، باستثناء من الصدر نفسه.
وعن منظمة بدر، رشحت النائبات (بشكل مستقل) منى الغرابي في ذي قار، وسناء الموسوي في النجف وليلى فليح عن كربلاء، ولم تحصل أي منهن على مقعد.
أما ائتلاف دولة القانون فرشح عنه بشكل “مستقل” النائب كاظم الصيادي عن واسط، والنائب عبد الهادي السعداوي عن ذي قار، ونهلة الهبابي عن قضاء تلعفر في نينوى، وحيدر المولى عن بغداد، وضحى رضا عن الديوانية، وهم أيضاً لم يحصلوا على مقاعد باستثناء الأخيرة التي حلت بديلة عن نائبة صدرية استقالت.
وعن ائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، قرر حينها النائب يوسف الكلابي خوض الانتخابات منفرداً في واسط وحصل على مقعد.
وكذلك خرج النائب آراس حبيب من ائتلاف العبادي، وانتقل من بغداد ليترشح منفرداً ضمن كوتا الكرد الفيلية في واسط، لكنه لم ينجح في الحصول على مقعد.
وبدت هذه الترشيحات هي الخطة البديلة قبل الانتخابات للالتفاف على القانون، حيث سيحصد “المستقلون” الأصوات ثم يندمجوا مع القوى الأصلية، كما حدث بالفعل بعد ذلك.
وكان أبرز مرشحي الفصائل المسلحة الذي خاض الانتخابات منفرداً، هو علي تركي عن العصائب، ومصطفى سند وفلاح الجزائري المقربون من كتائب حزب الله، وقد نجح تركي وسند في الوصول إلى البرلمان بينما أخفق الجزائري.
كما ضمت “كوتا المكونات” مرشحين منفردين عن الفصائل، أبرزهم وعد قدو، قائد لواء 30 بالحشد الشعبي في سهل نينوى، وحصل على مقعد عن الشبك.
تحالفات الثلث المعطل
حين أعلنت نتائج انتخابات 2021، كانت قد مثلت صدمة للقوى الشيعية بسبب تراجع الأصوات، باستثناء التيار الصدري الذي حصل لأول مرة على 73 مقعداً منذ اقتراع 2005.
لجأت القوى الشيعية، التي ستندمج بعد ذلك تحت اسم “الإطار التنسيقي” إلى الشارع، واحتجت على النتائج لمدة شهرين أمام بوابات المنطقة الخضراء.
وفي نهاية 2021 حسمت المحكمة الاتحادية الخلاف وصادقت على النتائج من دون تغيير.
وقبل ذلك بأيام قليلة، أبلغ الصدر بقية الشيعة بأنه ينوي تشكيل حكومة بمفرده مع مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني الذي كان بقيادة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر.
كبح الشيعة بعد ذلك اندفاع الصدر نحو تسمية ما عرف بـ”حكومة الأغلبية”، بالضغط على حلفائه الجدد ضمن ما سمي بـ”التحالف الثلاثي”.
ثم جاء تفسير المحكمة الاتحادية الشهير، في شباط 2022، حول آلية اختيار رئيس الجمهورية.
تنص الفقرة الأولى من المادة 70 في الدستور على أن “ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد أعضائه”.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 59 في الدستور على أن “يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه”.
والأغلبية المطلقة تعني 50 بالمئة + 1.
وبما أن عدد أعضاء البرلمان في الدورة الحالية 329، يكون العدد اللازم لتحقيق نصاب انعقاد الجلسة البرلمانية 166 نائباً.
ودار جدال حول ما إذا كان النصاب الوارد في المادة 59 من الدستور يشمل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أم لا.
وظنت أطراف التحالف الثلاثي الساعي إلى تشكيل حكومة أغلبية أنها تستطيع تأمين 166 نائباً بسهولة لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والمضي في إجراءات تشكيل الحكومة.
ووفقاً للدستور، لا يمكن تشكيل الحكومة قبل انتخاب رئيس الجمهورية.
ومن أجل حسم الجدل، أرسل برهم صالح رئيس الجمهورية السابق طلباً إلى المحكمة الاتحادية لبيان الأغلبية الواجب توافرها لتحقيق النصاب.
وجاء رد المحكمة بأن “مجلس النواب ينتخب رئيساً للجمهورية من بين المرشحين لرئاسة الجمهورية بأغلبية ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي، ويتحقق النصاب بحضور ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي”.
وبذلك اشترطت المحكمة الاتحادية حضور 220 نائباً على الأقل لاكتمال نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وهو عدد لم يتمكن التحالف الثلاثي من تأمينه.
ظهرت الحاجة مرة ثانية لـ”المستقلين”.
كان النواب “المستقلون” قد حصلوا على 60 مقعداً من بينها “كوتا المكونات”، وكان أكثر من نصفهم من الشيعة.
في ذلك الوقت، كان 16 “مستقلاً” قد ذابوا في داخل القوى السنية والكردية، فيما فضّل أغلب الشيعة “المستقلين” الوقوف على الحياد، لكن لوقت قصير.
دعا الصدر “المستقلين” مرتين إلى إسناده في البرلمان لتشكيل حكومة أغلبية، لكنه فشل في كل مرة.
وعد زعيم التيار، بحسب ما تسرّب آنذاك، “المستقلين” بعدد من الوزارات، وبعضهم من تطرّف وقال “كل الوزارات على أن يحتفظ الصدر برئاسة الحكومة”.
أوساط التيار تحدثت في ذلك الوقت عن “رسائل تهديد” وصلت إلى “المستقلين” لمنعهم من الوقوف إلى جانب مشروع الصدر.
في 19 شباط 2021، قال الصدر في تغريدة “مرة أخرى تتصاعد أصوات الوحوش الكاسرة التي لا تعي غير التهديد.. مرة أخرى يُهدد الحلفاء والشركاء في حكومة الأغلبية الوطنية”.
مال بعض “المستقلين” في عملية توظيف ثالثة لهم إلى القوى المعارضة للصدر، ما أثقل كفة هذا المعسكر، على أمل الحصول على مناصب.
وفي منتصف 2021 استسلم الصدر وانسحب من مشروعه، فيما حصل “المستقلون” على وعد من “الإطار التنسيقي” بالحصول على وزارات، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وزارات بلا “مستقلين”
تقاسم التحالف الشيعي الوزارات عقب اعتزال الصدر في صيف 2022 من دون ذكر لـ”المستقلين”.
يقول بهاء نوري، النائب عن ائتلاف دولة القانون، في حوار تلفزيوني في أيلول 2024، إن “كل الوزراء في الحكومة الحالية تابعون لأحزاب”.
وكانت بعض المعلومات قد أشارت إلى احتمال منح “الإطار التنسيقي” منصب نائب رئيس الوزراء إلى أحد “المستقلين”.
لمّع “المستقلون” بعد ذلك الحكومة، في رابع استخدام لهم منذ الحملة الانتخابية في 2021.
قال سند في تشرين الأول 2022 إن “اختيار محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة هو الأفضل. لديه خبرة ونظيف اليد”.
ثم سيكون سند من أشد خصوم السوداني.
وفي تلك الفترة ذاتها، قال تركي عن السوداني إن “أي شخصية سترشح لرئاسة الوزراء غيره لن تحصل على قبول محلي ودولي”.
تركي سينضم بعد ذلك بوقت قصير إلى عصائب أهل الحق، ويعارض السوداني في قضايا عدة.
في تشرين الثاني 2022، نشر باسم خشان النائب “المستقل” على صفحته في فيسبوك، صورة تجمعه مع السوداني.
وقال في تعليقه على الصورة “دولة الرئيس صادق وجاد في حربه على الفساد، ونحن معه”.
خشان كان قد ساند الإطار التنسيقي أيام الثلث المعطل، وسينتقد الحكومة بعد ذلك ويرفع دعوى ضد مدير مكتب السوداني.
التأرجُح
بعد مرور عاصفة الاشتباكات في المنطقة الخضراء نهاية آب 2022، واستقرار المناصب الشيعية بشكل مؤقت، تمايل المستقلون يميناً ويساراً.
أنشأوا تحالفات داخل البرلمان لم تكن مؤثرة؛ مثل تحالف الشعب وتحالف الوطن، فيما أعلن آخرون الانضمام علانية أو ضمناً إلى الإطار التنسيقي.
ساند خشان، الذي لديه مشكلة قديمة مع التيار الصدري، مواقف الإطار طوال عامين تقريباً.
وكان خشان قد رشح مع الصدريين في انتخابات 2018، وصعدت بدلاً منه إلى البرلمان رفاه العارضي عن التيار، لكنه استطاع بعد ذلك الحصول على قرار قضائي باستبدال المقعد لصالحه.
اشتهر خشان بصورته وهو يبتسم مع السوداني بعد أيام من تكليف الأخير أواخر 2022، وكان النائب قبل ذلك يلوح بـ”المعارضة”.
سكت خشان عن الحكومة أشهراً عدة، وقاد حملة معارضة في أزمة إلغاء عضويته نهاية 2023 ضد الحلبوسي رئيس البرلمان.
وتصنف علاقة السوداني بالحلبوسي على أنها سيئة، وكان الحلبوسي يعرقل بعض خطط السوداني.
خشان كذلك كان لديه ثأر قديم مع الحلبوسي، ففي آب 2019 قررت المحكمة منح الأول مقعداً في البرلمان بدلاً من العارضي، لكنه مُنع من دخول مبنى البرلمان لأداء اليمين الدستورية “بسبب اتفاق بين الحلبوسي والصدر” على حد زعمه.
سُعد خشان وعدد من “المستقلين” بإزاحة الحلبوسي في صور التقطت أمام المحكمة الاتحادية في تشرين الثاني 2023.
كانت وظيفة هذه المجموعة التلميع للحكومة، ومعارضة كل من تعارضه الحكومة، لكن هذا أيضاً لم يدم طويلاً.
مع بداية تسرب معلومات عن نية السوداني الانفراد بتشكيل تحالف انتخابي، وما تبع ذلك من أزمات، انقلبت الأوضاع، وتحول رئيس الحكومة إلى خانة متأرجحة بين “الصديق والعدو”، على حد وصف قيادات في حزب الدعوة.
تحالف السوداني الذي لم يُعلن عنه حتى الآن، وكشف عنه لأول مرة أحمد الأسدي وزير العمل، في آذار 2033، وقال حينها إنه أول المنضمين إليه، كان أول الشرارة للخلاف مع رئيس الحكومة.
تخصص خشان، في ما بدت كأنها وظيفة مقدمة من الإطار، في انتقاد توظيف السوداني للمستشارين، ومهاجمة هيئة النزاهة.
قال خشان في إحدى المرات إن “السوداني عيّن مستشارين يكفون لغزو الصين”.
وهجومه على هيئة النزاهة في قضية سرقة الأمانات الضريبية المعروفة بـ”سرقة القرن”، كان يبدو موجهاً ضد رئيس الحكومة، لأن الأخير هو من كلف حيدر حنون بمنصب رئيس الهيئة وكالة.
وينحدر حنون من مدينة العمارة مسقط رأس السوداني.
أما مصطفى سند، الذي رشح “مستقلاً” عن البصرة، فقد قال في حوار سابق أيّد فيه تكليف السوداني، إن “التصريح يتعلق بهذه الفترة فقط. لا تحاسبونني عليه لاحقاً”.
في أيلول 2024، قال سند في مقابلة تلفزيونية أخرى إن “الإطار خُدع بالسوداني” رداً على سؤال يتعلق بسبب انتقاد التحالف الشيعي للسوداني.
وجلد سند رئيس الحكومة في تلك المقابلة.
هاجم النائب المقرب من كتائب حزب الله، السوداني بشدة على خلفية قضية التنصت المتهم بها موظفون من مكتب رئيس الحكومة.
في تلك المقابلة قال سند إن “وضع السوداني لم يعد صالحاً للترميم”، في إشارة إلى نهاية فرصته بولاية ثانية.
وكذلك فعل زميله تركي، الذي كان رأيه حتى نيسان الماضي، أن حكومة السوداني هي “حكومة مقاومة”.
فاز تركي بصفته “مستقلاً” عن بابل، وفي حزيران 2023 أعلن بشكل مفاجئ انشقاقه عن حركة العصائب التي لم يعلن سابقاً انضمامه إليها، بسبب تصريحات له تتعلق بالمالكي أحرجت الحركة.
وبعد أشهر عاد ليتحدث بوصفه نائباً عن العصائب.
وفي مقابلة تلفزيونية بثت في أيلول 2024، قال تركي إن “شبكة التجسس في مكتب السوداني تتنصّت على المرجعية”.
الاصطفاف
وقع هجوم “المستقلين” على الحكومة بـ”التزامن” أو “بشكل متعمد” كما يقول نواب، مع مناقشة تعديلات قانون الأحوال الشخصية.
يقول النائب المعارض سجاد سالم إن “الإطار التنسيقي استغل الفوضى في تمرير بعض القوانين وغلفها بغلاف مذهبي”.
هاجم تركي الحكومة والشيعة المعارضين لتعديل قانون الأحوال الشخصية في آن واحد، ووصفهم بأنهم “مدفوعو الثمن”.
ونصح تركي في لقاء تلفزيوني الناشطات المعترضات على “قانون البغاء” والمدافعين عن المثلية بـ”الذهاب إلى أربيل” إن تضرروا من تلك القوانين.
تدريجياً، بدأت أصوات “المستقلين” تنتظم في الوظيفة الجديدة التي قدمها التحالف الشيعي دفاعاً عن تعديل قانون الأحوال الشخصية.
على سبيل المثال، يقول علاء الحيدري النائب “المستقل” عن النجف، في مقابلة تلفزيونية في أيلول الماضي إن البرلمان سيدرس التعديلات المقترحة على القانون والمدونات المرسلة من الجهات الشرعية.
ولكن حين سئل عما إذا كان هو شخصياً يمكن أن يجري تعديلات على مقترحات المراجع الدينية أجاب “أبداً، سأسمع ما يقوله المرجع وألتزم به، ليس فقط في قانون الأحوال الشخصية وإنما في كل الأمور الشرعية”.
ويقول المعترضون على التعديلات المقترحة على القانون إنها ستزيد الانقسام المجتمعي على أساس طائفي وتهدد حقوق النساء والفتيات والأطفال.
وتحذر الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية من أن تمرير التعديلات قد يسمح بتزويج القاصرات ويحرم النساء حقوقاً كثيرة.
وعلى الرغم من كل الاعتراضات والتحذيرات المحلية والدولية، انخرط أغلب النواب “المستقلين” الشيعة في وظيفة الدفاع عن التعديلات، ومنهم أمير المعموري وباسم الغريباوي وحسين السعبري وهادي السلامي.
وكذلك ياسر الحسيني الذي اشتهر بمقطع فيديو داخل البرلمان في آب 2024 وهو يهدد بعدم تمرير تعديل قانون العفو العام على خلفية حذف قراءة تعديل قانون الأحوال في الجلسة.
عرّاب التطرف
يمكن وصف رائد المالكي، النائب المستقل، بانه “عراب قوانين التطرّف” في البرلمان، وهو الحاصل على شهادة الدكتوراه بالقانون من جامعة بغداد عام 2017.
المالكي كان مرشحاً خاسراً بانتخابات 2021، حتى استقال الصدريون صيف 2022 ليحل محل أحمد الدراجي عن محافظة ميسان.
قبل فوز المالكي بالانتخابات، بث فيديو على “فيسبوك” تعهد فيه أمام الجمهور بعدة قضايا من بينها عدم ارتباطه المباشر أو غير المباشر بأي حزب، كما أعلن التزامه بعدم الانضمام لأي كتلة أو حزب حال فوزه بالانتخابات. وتعهد كذلك بعدم استغلال سلطته كنائب لـ”مصالح خاصة لي أو لعشيرتي”.
لكن المالكي طلب سيارة خاصة من البرلمان، ليسجّل اسمه في واحدة من فضائح البرلمان الشهيرة، كما تماهى مع قوى الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة في مواقف عديدة، وزاود أحياناً في تطرفه عليها.
فالمالكي، كان قد قاد حملة لتعديل قانون البغاء الذي أُقر عام 1988، ونجح في النهاية من تمريره، محققاً عقوبات مشددة على مجتمع الميم عين، كما على حريّات أخرى قد يكون الحد منها نتيجة للصياغات الفضاضة في التشريعات.
وفي تموز الماضي، فجّر المالكي قضية تعديل قانون “الأحوال الشخصية”، هو من قدم المقترح للبرلمان، وكانت النسخة من المشروع التي اظهرها للإعلام وللنواب، تحمل على الهامش “توصية باللون الأحمر” قيل حينها بأنها بـ”خط المرجعية”.
وبعد جدالات طويلة حول التعديل في الإعلام وداخل البرلمان، تبّين أن التوصية كانت بخط النائب الشيعي السابق عبد الهادي الحكيم، والذي قدم في 2015 حين كان نائباً قانوناً لحجب المواقع الإباحية.
استمر النائب المالكي بالدفاع عن تعديلات القانون، وزعم أن المشروع بـ”دفع وبتأثير من المرجعيات”، ورفض في مقابلة تلفزيونية في تموز، اعتبار العراق “دولة مدنية”. وقال إن العراق “مزيج بين الإسلامية والديمقراطية”.
سخر النائب في البرنامج من مفهوم “المدنية” بالعراق. وقال إن “كل عراقي يفسرها بشكل معين”.
“العراقي يستخدم المدنية حين يريد أن يقوم ببعض الممارسات، لكن حين يرى أخته مع رجل يقوم بقتلها بالبندقية.. أي مدنية هذه؟!”، قال المالكي حانقاً.
في هجومه على قانون الأحوال الشخصية الحالي، قال النائب المالكي في آب 2024، إن القانون النافذ “يبيح الزنا”. واستخدم هذا التعبير لاحقاً رجال دين، ونواب شيعة، على خطى المالكي.
اتهم النائب “المستقل” بعد ذلك، سفارات ألمانيا والاتحاد الأوربي والسفيرة الأمريكية في بغداد، بالضغط على البرلمان لمنع تمرير الأحوال الشخصية.
جيوش التلميع
يملك بعض “المستقلين” ما تسمى “الجيوش الإلكترونية” التي تعمل على تلميع صورهم، وفي المقابل تنكل بأي شخصية معارضة.
ويتضح ذلك من حجم التعليقات على أي نشاط يقوم به النائب “المستقل” حتى لو كان بسيطاً، والهجوم على المعارضين.
وتذهب أغلب التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي إلى نشاطات النواب المدافعين عما يعد “قوانين مذهبية”، باستخدام مديح ذي طابع ديني أو وطني.
وتؤثر هذه الصفحات، وفق مراقبين، في الرأي العام، وهو ربما ما دفع أحزاب السلطة إلى الاستعانة بـ”المستقلين” في الحروب الداخلية.
حاز المرشحون الفرديون (مستقلون أو وكلاء لأحزاب في الظل) على أكثر من نصف أصوات القوى الشيعية مجتمعة في انتخابات 2021، والتي صارت تسمى بعد ذلك بـ”الإطار التنسيقي”، وأكثر من أصوات التيار الصدري.
وبلغ مجموع الأصوات للمرشحين الفرديين نسبة 15 بالمئة من مجموع المصوتين الفعليين.
وسيطر “المستقلون” على 12 بالمئة من مقاعد البرلمان.
وتربعت بغداد على قمة أعلى المحافظات التي فاز عنها مرشحون فرديون، بنسبة بلغت نحو تسعة بالمئة من مجموع الفائزين الكلي في العاصمة.
وجاءت بعدها بابل والأنبار والنجف، فيما لم تسجل أربيل وكربلاء أي فوز للمرشحين الفرديين.
وحصل الفرديون في 14 محافظة على 60 مقعداً، أي ما يعادل 18 بالمئة من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329.
وهذا العدد من المقاعد جعل “المستقلين” في المرتبة الثانية في ترتيب الفائزين في الانتخابات الأخيرة، بعد التيار الصدري الذي حصل على 73 مقعداً.
وبلغت الأصوات الممنوحة للفرديين أكثر من 520 ألف صوت، فيما قدر وجود هدر في الأصوات وصل إلى أكثر من ضعفي ذلك العدد حصل عليه مرشحون فرديون لكن لم يحصلوا على مقاعد.
وبلغ مجموع أصوات كل المرشحين الفائزين والخاسرين من الفرديين، نحو مليون و800 ألف صوت.
ويعني ذلك أن “المستقلين” أو الفرديين حصلوا على أكثر من نصف ما حققته القوى الشيعية التي جمعت مليونين و500 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، وأكثر من التيار الصدري الذي جمع نحو 800 ألف صوت.
لكن على الرغم من ذلك، هناك استياء ممّا يصفه البعض “تطرف” بعض “المستقلين” بسبب قضايا تتعلق بقوانين ذات صبغة مذهبية، مثل عطلة يوم الغدير وتعديل قانون الأحوال الشخصية.
كما أن هناك حالة عدم رضا من بعض الجمهور، بسبب اصطفاف “مستقلين” سراً أو علانية إلى جانب الأحزاب التقليدية، التي رفض الناخب التصويت لها.
ويعلّل سجاد سالم، النائب المستقل عن واسط، بان “المستقلين ليسوا طيفاً واحداً”.
يُعرف سالم بمواقفه المعارضة للأحزاب المهيمنة على السلطة، ويدافع عن فكرة الاستقلال ووظيفة النائب المستقل، ويشير إلى أنه كان قد رفض بعد الانتخابات البرلمانية عام 2021 تشكيل “كتلة للمستقلين”، مضيفاً “هذا تنظيم يخالف فكرة المستقل”.
ويشرح محمد عنوز، وهو نائب مستقل عن النجف، أن الاصطفافات ظهرت من بداية جلسات البرلمان، وقال إن “بعض المستقلين متحزبون”.
عنوز الذي عُرف أيضاً بمواقف معارضة من قوى السلطة، يقول إن مهمة النائب المستقل “رفض النهج السابق، نهج المحاصصة، ورفض المصالح الشخصية، والغنائم”.
ويؤكد سالم أن “بعض المستقلين حافظوا على استقلالهم ولم ينخرطوا ضمن القوى الأيديولوجية وحافظوا على مسار خاص بهم”.
في كل الأحوال، فإن سيناريو انتخابات 2021 قد لا يتكرر مرة أخرى، على الأقل في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في 2025، حيث تبدو القوى السياسية متمسكة بقانون “سانت ليغو” الذي أجريت على أساسه انتخابات مجالس المحافظات سنة 2023، والذي يمنح الهيمنة من جديد للأحزاب والتحالفات السياسية.