"من أعطاكم الحق بطردنا من المجتمع؟!".. مثالية المجتمع العراقي تُقصي أفراده
22 تموز 2024
"جمال الحياة أنك أسمر، والآخر أبيض، والآخر بشرته داكنة"، لكن ماذا عن بقيّة الأشكال؟ وكيف يتم إقصاء فئات واسعة على أساس أحكام جاهزة؟ عن مثالية المجتمع العراقي التي تُقصي أفراده..
ليس من قبيل الصدفة أن يفاضل المدير بين الشابتين المتقدمتين للوظيفة على أساس الشكل، هذا المعمول به في بعض الأحيان. وليس ما يدعو للدهشة في مفاضلة امرأة بين رجلين على الأساس نفسه، ولا أن الشكل يتربع على رأس هرم تفضيل غالبية الرجال في الحب والزواج.
ما فتئ التفضيل على أساس المظهر الخارجي يسري في المجتمع، فتعاني فئة من الناس من التهميش والتنمر وسوء المعاملة لأنهم لا يملكون أجساداً “مثالية” وفق معايير اجتماعية سائدة عن الجمال والمقبولية، فيطلق المجتمع ألقاباً تستخدم بشكل سلبي في تجاهل تام لأي ميزات ومهارات قد يملكها الشخص، مما يؤثر بطريقة مباشرة على فرص العمل والارتباط والمكانة الاجتماعية.
يومياً وفي كل مكان، واقعيّ أم افتراضي، ثمة من يضحك على من لا يملك جسداً أو شكلاً “مناسباً” أو من ولد مع “عيوب” خلقية، تجعله محط سخرية وإدانة اجتماعية. يعاني كثر في العمل والسوق والشارع والمنزل من التمييز والتنمر الذي يبدأ من الجسد وينتهي إليه، حيث يعيشون معاناة تتراوح بين بسيطة وغاية في التعقيد، فيبيت الشخص في حالة يصبح فيها العيش شبه مستحيل أحياناً، وقد تدفعه لأخذ قرارات ضد صحته الجسدية أو الذهنية، قد تكون لها آثار مميتة أحياناً، مثل قص المعدة وغيرها.
سخرية بدل التعددية
الصديقان فراس ومهند كانا معاً طوال الوقت عندما كانا في المرحلة المتوسطة في منطقة حي أور ببغداد. لكن سخرية الطلاب من قامة مهند (31 عاماً) القصيرة، فرقت ما بينهما.
“رقم عشرة”، كان الطلاب يقولون عنهما، وأكثر من مرة سمعا كلاماً حول صداقتهم. “شعاجبك بهذا القزم؟”، عايروا فراس بصداقته لمهند ما دفعه لـ “اتخاذ قرار بالابتعاد عني تدريجياً.. على رغم أنه شخص متعاون.. وكان يساعدني بالدراسة وينصحني بالابتعاد عن المشكلات”.
يسمع مهند يومياً ألفاظ وعبارات إساءة وسخرية، تصل حتى مكان عمله حيث يلاقي صعوبات كثيرة بسبب ذلك، حتى أنه يقول “يجبرك الناس على كره نفسك.. بعض الأحيان أفكر بما الذي ستضيفه 5 سم لطولي.. لماذا يجب أن أعاني من شيء لا دخل لي فيه، أنا قصير وهذا ليس خطئي”.
تتعدد ملامح وهامات وأشكال البشر وبدل أن ينظر إلى هذه التنوعات كتعددية، يُنظر إليها كاختلافات لاستثناء البعض، حتى هؤلاء المعروفون اجتماعياً، ولو بأشكال مختلفة.
“أبو عليو” (35 عاماً) الممثل العراقي المعروف بكونه أحد نجوم البرنامج العراقي الشهير “ولاية بطيخ”، وعلى الرغم من شهادته أن “ثمة فرق.. فأنا قبل أن اعرف كممثل وأخرج للشاشة، كنت دائماً ما أتعرض للتمييز والعنصرية (بسبب لون بشرته)، لكن بعد أن خرجت بأعمال تلفزيونية تلاشى تقريباً هذا التمييز”، مع ذلك فقد أثر لون بشرته على فرصه في التمثيل والأدوار التي يمكن أن يؤديها في الدراما. “أكثر المخرجين يعتقدون أن لون بشرتي مناسب لدور الحرامي أو العازف أو خلفة بناء.. لم آخذ يوماً ما دور دكتور أو ضابط.. فرصي قليلة أو معدومة بهذه الأدوار”، كما أنه من الصعب أن يخرج بدور ابن العائلة لأنه يتطلب أن يكون الأب أو الأم من ذوي البشرة السمراء.
وعلى الرغم من أنه فنان وينشط في الوسط الفني والثقافي، إلا أنه واجه جملة من المواقف السلبية بسبب لون بشرته، “وآخرها مع فنان معروف، أساء لي بسبب لون بشرتي بطريقة غير حضارية وغير لائقة، بالتالي هو جزء من مجتمع يميز على أساس الشكل واللون والعرق، والجميع يتعرض للتمييز”، يقول.
حسين (37 عاماً) من سكنة المناطق الشعبية في بغداد، لقبه الجوزي بسبب لون بشرته. منذ طفولته يشعر بالتمييز ويرى أن ما تعرض له في الحياة بسبب لونه يستحق الاهتمام، فقد يجد في نفسه القوة لمواجهة التنمر والسخرية لكنه يفكر بالذين لا قوة لديهم لمواجهة المجتمع، “أفكر في غيري، هل يمكننا إحصاء عدد الناس الذين عزلهم المجتمع بسبب ما يراه عيباً، يمكن أن تنتهي حياة فرد ما بسبب وحمة، أو حادث في وجهه، هل نحن قساة لهذا الحد؟”، يقول.
يرى حسين أن لون البشرة ليس سبباً للسخرية، وهو يحب نفسه بهذا الشكل، وحتى لقب الجوزي يتعامل معه بأريحية. يقول: “جمال الحياة أنك أسمر، والآخر أبيض، والآخر بشرته داكنة، يقاوم بعض الناس صورتهم، لا أفهم لماذا، أنا أسمر. ربما هذه ميزة يمكن استغلالها”.
السمنة كإدانة
كثيراً ما شعرت زينب (35 عاماً) أن “المشكلة” تكمن في شكلها الخارجي، حيث تعتبر أن الرجال يعجبون بالنساء الرشيقات. دفعها هذا التفكير لاتخاذ إجراءات قاسية لم ترغب بها، فاتبعت حمية “دايت” أكثر من مرة وفشلت. بعدها تخلت زينب عن هذا التفكير وعملت على أن تغيّر تفكيرها بحيث أن من يريد أن يحبها يجب أن يرى ما هو أبعد من الجسد، حيث ترى أن الصحة النفسية هي عامل أساس في الصحة ولو تلقت الدعم المطلوب ستكون حياتها أفضل. رغم ذلك تؤكد “لا أريد أن أشجع على السمنة، لكن قبول الناس لك كما كنت صفة أساسية يجب أن تتوفر بالشخص الذي نراه مناسباً”.
في المقابل يرى سجاد (27 عاماً) أن حياته صعبة بسبب جسده الضخم والبدين أكثر من اللازم، وفقاً للمتعارف عليه، علاوة على شعوره بأنه غير مرغوب به في الأعمال التي تتطلب مظهراً لائقاً.
“تقدمت مرة لوظيفة، وكان شكلي غير مناسب للوظيفة، لأنها تتطلب تعاملا مع النساء، واعتقد من قابلني أنني لا أصلح لتلك المهمة، موظف مبيعات لا أُقبل بسبب جسدي!، على الرغم من الخبرة التي لدي والتدريبات التي تلقيتها بهذا الخصوص”.
كما أن ثمة صوراً نمطية مضللة خلقها المجتمع عن البدانة بحيث ربطها مع القدرات الذهنية للفرد، فيقول سجّاد “البدين غبي بالضرورة، هذا تصور الجميع، أهبل، وكثير الأكل، ولا يهمه من الحياة سوى الطعام، مستبعداً بذلك العوامل الوراثية والأسباب الصحية الأخرى التي يمكن أن تؤدي للسمنة”.
يعتبر سجاد أن ثمة نفاقاً اجتماعياً في هذه الصور النمطية، فبرأيه أن المجتمع غير مهتم بالرياضة والصحة، ولكن “المثالية المتجذرة تعطيهم الحق في طردنا كلما لو أننا مخلوقات غريبة، مثالية زائفة ومزعجة، نحن لا نفرط بالأكل كما يتصور الجميع، قد نفرط بالحزن بسبب كل ما نتعرض له من طرد واستبعاد”، من هنا فهو يؤكد على ضرورة أن يتعاطى مع الناس على أساس جوهرهم وليس شكلهم فحسب.
في المقابل اضطر أحمد (33 عاماً) بعد عقد من التنمر والسخرية بسبب مظهره للذهاب إلى بيروت لإجراء عملية قص معدة. رغم ما سببت له العملية من متاعب اقتصادية وصحية، لكنه لم يجد الحل إلا في تلك العملية، يقول “منذ مراهقتي وأنا أعاني من التمييز.. يثير مظهري السخرية في المناسبات العامة.. أردت تغيير ذلك رغم صعوبة العملية والأعراض الجانبية التي ما زلت أعاني منها.. لكني قررت إجراءها من أجل التخلص من عار السمنة”، على حد وصفه.
حتى الآن يعاني أحمد من متاعب صحية، لذلك لم يتجنب الحديث عن مدى تأثير المجتمع بالدفع تجاه قرارات قد تكون صعبة، “ربما لو كنت في مجتمع آخر ولا أتعرض للتنمر، ربما سوف أفكر بحلول أخرى من أجل نفسي، وليس من أجل الحصول على جسد مقبول اجتماعياً، والدليل على ذلك تغيُّر تعامل كل الناس معي حين تغيَّر شكلي، رغم أن المجتمع في صميمه يدرك أن الإنسان ليس جسداً فقط”.
تمتد “إدانة السمنة” والتنمر والتمييز إلى أسر كاملة، وليس أفراداً فقط، فتوصم بألقاب عديدة مثل “بيت الدببة” و”بيت السمان”، وهم عائلة مكونة من خمسة أفراد يعاني أفرادها من سمنة مفرطة نتيجة لأسباب وراثية، لكن ذلك لم يمنع جيرانهم من إطلاق هذا اللقب عليهم، حتى بات موقع بيتهم علامة دالة وعنوانا معروفا في إحدى مناطق بغداد.
“بالصدفة اكتشفنا أن الناس تسمينا بيت السمان.. وتفاجئنا من ذلك”، تقول أم ضحى أحد أفراد العائلة، ما دفعهم لمراجعة عدة أطباء حتى طالهم الملل من المراجعات، لكنهم بالنهاية تقبلوا أن أجسادهم تتكوّن بهذه الشكل من أشكال البشر العديدة، “نحن خلقنا بهذا الشكل، وليس في وسعنا تغيير ذلك”، تردف أم ضحى.
تنمّر حتى الموت
أظهر استطلاع يعد الأول من نوعه في العراق، أجراه المعهد المستقل للإدارة ودراسات المجتمع المدني، أن نسبة من تعرضوا للتنمر هم أو أحد أفراد عوائلهم تجاوزت الـ15 بالمئة، وحتى أنها تجاوزت الـ25 بالمئة في عدد من المحافظات.
هذه النسبة تعد مرتفعة للغاية، إلا انه من النادر أن يلجأ المتضرر للقضاء، وحسب القاضي وليد لطيف، أنه على الرغم من كون مصطلح التنمر يعد حديث نسبياً، إلا أن قانون العقوبات العراقي أفرد باباً بالجرائم الماسة بحياة الإنسان وسلامة بدنه ابتداء من المادة 405 وحتى المادة 417، والتي قد تنضم تحت تعريف التنمر وبالتالي المعاقبة عليه.
رغم هذه الحماية القانونية، فإن ضحية التنمر لا يُحصَّن من استمرارية عدم التنمر عليه حتى لو ذهب إلى القضاء، وهذا أمر شائع اجتماعياً. لذلك ربما، لجأ محمد داود لاعب المنتخب العراقي حين طالته حملة تنمر بسبب شكله الى الله، حيث كتب على انستغرام: “من تنمر وأساء فسأسلمه الى الله وحسبي الله ونعم الوكيل”.
كثيراً ما يبرر المتنمر فعلته بأن كلمات مثل “أسود” أو “جوزي” أو “سمين” لا تؤذي ولا تؤدي إلى ضرر، مردفاً “هل سبق وأن مات أحدهم بسبب التنمر؟”
نعم حصل ذلك.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
ليس من قبيل الصدفة أن يفاضل المدير بين الشابتين المتقدمتين للوظيفة على أساس الشكل، هذا المعمول به في بعض الأحيان. وليس ما يدعو للدهشة في مفاضلة امرأة بين رجلين على الأساس نفسه، ولا أن الشكل يتربع على رأس هرم تفضيل غالبية الرجال في الحب والزواج.
ما فتئ التفضيل على أساس المظهر الخارجي يسري في المجتمع، فتعاني فئة من الناس من التهميش والتنمر وسوء المعاملة لأنهم لا يملكون أجساداً “مثالية” وفق معايير اجتماعية سائدة عن الجمال والمقبولية، فيطلق المجتمع ألقاباً تستخدم بشكل سلبي في تجاهل تام لأي ميزات ومهارات قد يملكها الشخص، مما يؤثر بطريقة مباشرة على فرص العمل والارتباط والمكانة الاجتماعية.
يومياً وفي كل مكان، واقعيّ أم افتراضي، ثمة من يضحك على من لا يملك جسداً أو شكلاً “مناسباً” أو من ولد مع “عيوب” خلقية، تجعله محط سخرية وإدانة اجتماعية. يعاني كثر في العمل والسوق والشارع والمنزل من التمييز والتنمر الذي يبدأ من الجسد وينتهي إليه، حيث يعيشون معاناة تتراوح بين بسيطة وغاية في التعقيد، فيبيت الشخص في حالة يصبح فيها العيش شبه مستحيل أحياناً، وقد تدفعه لأخذ قرارات ضد صحته الجسدية أو الذهنية، قد تكون لها آثار مميتة أحياناً، مثل قص المعدة وغيرها.
سخرية بدل التعددية
الصديقان فراس ومهند كانا معاً طوال الوقت عندما كانا في المرحلة المتوسطة في منطقة حي أور ببغداد. لكن سخرية الطلاب من قامة مهند (31 عاماً) القصيرة، فرقت ما بينهما.
“رقم عشرة”، كان الطلاب يقولون عنهما، وأكثر من مرة سمعا كلاماً حول صداقتهم. “شعاجبك بهذا القزم؟”، عايروا فراس بصداقته لمهند ما دفعه لـ “اتخاذ قرار بالابتعاد عني تدريجياً.. على رغم أنه شخص متعاون.. وكان يساعدني بالدراسة وينصحني بالابتعاد عن المشكلات”.
يسمع مهند يومياً ألفاظ وعبارات إساءة وسخرية، تصل حتى مكان عمله حيث يلاقي صعوبات كثيرة بسبب ذلك، حتى أنه يقول “يجبرك الناس على كره نفسك.. بعض الأحيان أفكر بما الذي ستضيفه 5 سم لطولي.. لماذا يجب أن أعاني من شيء لا دخل لي فيه، أنا قصير وهذا ليس خطئي”.
تتعدد ملامح وهامات وأشكال البشر وبدل أن ينظر إلى هذه التنوعات كتعددية، يُنظر إليها كاختلافات لاستثناء البعض، حتى هؤلاء المعروفون اجتماعياً، ولو بأشكال مختلفة.
“أبو عليو” (35 عاماً) الممثل العراقي المعروف بكونه أحد نجوم البرنامج العراقي الشهير “ولاية بطيخ”، وعلى الرغم من شهادته أن “ثمة فرق.. فأنا قبل أن اعرف كممثل وأخرج للشاشة، كنت دائماً ما أتعرض للتمييز والعنصرية (بسبب لون بشرته)، لكن بعد أن خرجت بأعمال تلفزيونية تلاشى تقريباً هذا التمييز”، مع ذلك فقد أثر لون بشرته على فرصه في التمثيل والأدوار التي يمكن أن يؤديها في الدراما. “أكثر المخرجين يعتقدون أن لون بشرتي مناسب لدور الحرامي أو العازف أو خلفة بناء.. لم آخذ يوماً ما دور دكتور أو ضابط.. فرصي قليلة أو معدومة بهذه الأدوار”، كما أنه من الصعب أن يخرج بدور ابن العائلة لأنه يتطلب أن يكون الأب أو الأم من ذوي البشرة السمراء.
وعلى الرغم من أنه فنان وينشط في الوسط الفني والثقافي، إلا أنه واجه جملة من المواقف السلبية بسبب لون بشرته، “وآخرها مع فنان معروف، أساء لي بسبب لون بشرتي بطريقة غير حضارية وغير لائقة، بالتالي هو جزء من مجتمع يميز على أساس الشكل واللون والعرق، والجميع يتعرض للتمييز”، يقول.
حسين (37 عاماً) من سكنة المناطق الشعبية في بغداد، لقبه الجوزي بسبب لون بشرته. منذ طفولته يشعر بالتمييز ويرى أن ما تعرض له في الحياة بسبب لونه يستحق الاهتمام، فقد يجد في نفسه القوة لمواجهة التنمر والسخرية لكنه يفكر بالذين لا قوة لديهم لمواجهة المجتمع، “أفكر في غيري، هل يمكننا إحصاء عدد الناس الذين عزلهم المجتمع بسبب ما يراه عيباً، يمكن أن تنتهي حياة فرد ما بسبب وحمة، أو حادث في وجهه، هل نحن قساة لهذا الحد؟”، يقول.
يرى حسين أن لون البشرة ليس سبباً للسخرية، وهو يحب نفسه بهذا الشكل، وحتى لقب الجوزي يتعامل معه بأريحية. يقول: “جمال الحياة أنك أسمر، والآخر أبيض، والآخر بشرته داكنة، يقاوم بعض الناس صورتهم، لا أفهم لماذا، أنا أسمر. ربما هذه ميزة يمكن استغلالها”.
السمنة كإدانة
كثيراً ما شعرت زينب (35 عاماً) أن “المشكلة” تكمن في شكلها الخارجي، حيث تعتبر أن الرجال يعجبون بالنساء الرشيقات. دفعها هذا التفكير لاتخاذ إجراءات قاسية لم ترغب بها، فاتبعت حمية “دايت” أكثر من مرة وفشلت. بعدها تخلت زينب عن هذا التفكير وعملت على أن تغيّر تفكيرها بحيث أن من يريد أن يحبها يجب أن يرى ما هو أبعد من الجسد، حيث ترى أن الصحة النفسية هي عامل أساس في الصحة ولو تلقت الدعم المطلوب ستكون حياتها أفضل. رغم ذلك تؤكد “لا أريد أن أشجع على السمنة، لكن قبول الناس لك كما كنت صفة أساسية يجب أن تتوفر بالشخص الذي نراه مناسباً”.
في المقابل يرى سجاد (27 عاماً) أن حياته صعبة بسبب جسده الضخم والبدين أكثر من اللازم، وفقاً للمتعارف عليه، علاوة على شعوره بأنه غير مرغوب به في الأعمال التي تتطلب مظهراً لائقاً.
“تقدمت مرة لوظيفة، وكان شكلي غير مناسب للوظيفة، لأنها تتطلب تعاملا مع النساء، واعتقد من قابلني أنني لا أصلح لتلك المهمة، موظف مبيعات لا أُقبل بسبب جسدي!، على الرغم من الخبرة التي لدي والتدريبات التي تلقيتها بهذا الخصوص”.
كما أن ثمة صوراً نمطية مضللة خلقها المجتمع عن البدانة بحيث ربطها مع القدرات الذهنية للفرد، فيقول سجّاد “البدين غبي بالضرورة، هذا تصور الجميع، أهبل، وكثير الأكل، ولا يهمه من الحياة سوى الطعام، مستبعداً بذلك العوامل الوراثية والأسباب الصحية الأخرى التي يمكن أن تؤدي للسمنة”.
يعتبر سجاد أن ثمة نفاقاً اجتماعياً في هذه الصور النمطية، فبرأيه أن المجتمع غير مهتم بالرياضة والصحة، ولكن “المثالية المتجذرة تعطيهم الحق في طردنا كلما لو أننا مخلوقات غريبة، مثالية زائفة ومزعجة، نحن لا نفرط بالأكل كما يتصور الجميع، قد نفرط بالحزن بسبب كل ما نتعرض له من طرد واستبعاد”، من هنا فهو يؤكد على ضرورة أن يتعاطى مع الناس على أساس جوهرهم وليس شكلهم فحسب.
في المقابل اضطر أحمد (33 عاماً) بعد عقد من التنمر والسخرية بسبب مظهره للذهاب إلى بيروت لإجراء عملية قص معدة. رغم ما سببت له العملية من متاعب اقتصادية وصحية، لكنه لم يجد الحل إلا في تلك العملية، يقول “منذ مراهقتي وأنا أعاني من التمييز.. يثير مظهري السخرية في المناسبات العامة.. أردت تغيير ذلك رغم صعوبة العملية والأعراض الجانبية التي ما زلت أعاني منها.. لكني قررت إجراءها من أجل التخلص من عار السمنة”، على حد وصفه.
حتى الآن يعاني أحمد من متاعب صحية، لذلك لم يتجنب الحديث عن مدى تأثير المجتمع بالدفع تجاه قرارات قد تكون صعبة، “ربما لو كنت في مجتمع آخر ولا أتعرض للتنمر، ربما سوف أفكر بحلول أخرى من أجل نفسي، وليس من أجل الحصول على جسد مقبول اجتماعياً، والدليل على ذلك تغيُّر تعامل كل الناس معي حين تغيَّر شكلي، رغم أن المجتمع في صميمه يدرك أن الإنسان ليس جسداً فقط”.
تمتد “إدانة السمنة” والتنمر والتمييز إلى أسر كاملة، وليس أفراداً فقط، فتوصم بألقاب عديدة مثل “بيت الدببة” و”بيت السمان”، وهم عائلة مكونة من خمسة أفراد يعاني أفرادها من سمنة مفرطة نتيجة لأسباب وراثية، لكن ذلك لم يمنع جيرانهم من إطلاق هذا اللقب عليهم، حتى بات موقع بيتهم علامة دالة وعنوانا معروفا في إحدى مناطق بغداد.
“بالصدفة اكتشفنا أن الناس تسمينا بيت السمان.. وتفاجئنا من ذلك”، تقول أم ضحى أحد أفراد العائلة، ما دفعهم لمراجعة عدة أطباء حتى طالهم الملل من المراجعات، لكنهم بالنهاية تقبلوا أن أجسادهم تتكوّن بهذه الشكل من أشكال البشر العديدة، “نحن خلقنا بهذا الشكل، وليس في وسعنا تغيير ذلك”، تردف أم ضحى.
تنمّر حتى الموت
أظهر استطلاع يعد الأول من نوعه في العراق، أجراه المعهد المستقل للإدارة ودراسات المجتمع المدني، أن نسبة من تعرضوا للتنمر هم أو أحد أفراد عوائلهم تجاوزت الـ15 بالمئة، وحتى أنها تجاوزت الـ25 بالمئة في عدد من المحافظات.
هذه النسبة تعد مرتفعة للغاية، إلا انه من النادر أن يلجأ المتضرر للقضاء، وحسب القاضي وليد لطيف، أنه على الرغم من كون مصطلح التنمر يعد حديث نسبياً، إلا أن قانون العقوبات العراقي أفرد باباً بالجرائم الماسة بحياة الإنسان وسلامة بدنه ابتداء من المادة 405 وحتى المادة 417، والتي قد تنضم تحت تعريف التنمر وبالتالي المعاقبة عليه.
رغم هذه الحماية القانونية، فإن ضحية التنمر لا يُحصَّن من استمرارية عدم التنمر عليه حتى لو ذهب إلى القضاء، وهذا أمر شائع اجتماعياً. لذلك ربما، لجأ محمد داود لاعب المنتخب العراقي حين طالته حملة تنمر بسبب شكله الى الله، حيث كتب على انستغرام: “من تنمر وأساء فسأسلمه الى الله وحسبي الله ونعم الوكيل”.
كثيراً ما يبرر المتنمر فعلته بأن كلمات مثل “أسود” أو “جوزي” أو “سمين” لا تؤذي ولا تؤدي إلى ضرر، مردفاً “هل سبق وأن مات أحدهم بسبب التنمر؟”
نعم حصل ذلك.