قوى التغيير.. عمل ومصاعب وضرورة مجالس المحافظات
27 تموز 2023
لا تكمن الأهميّة الأساسية بنجاح قوى المعارضة في المشاركة بالانتخابات المحليّة وتحقيق مكاسب سياسيّة، بل تتعدّاها إلى حماية هذه الأحزاب لنفسها من هيمنة شبه تامّة للأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلّحة.. عن قوى التغيير وعملها والمصاعب التي تقف أمامها في انتخابات مجالس المحافظات.
أظهرت قوى التغيير، التحالف المكوّن بشكل أساس من أحزاب نشأت بعد تشرين 2019، نيّة الدخول في قائمة انتخابيّة واحدة لخوض انتخابات مجالس المحافظات، المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي.
قوى صاعدة
تتشكّل قوى التغيير، العابرة للطائفية، من أحزاب مختلفة مثل البيت الوطني، والتيار الاجتماعي الديمقراطي، والحزب الشيوعي العراقي، وحركة نازل آخذ حقي، وكتلة وطن النيابيّة، فضلاً عن جماعات محليّة أخرى، وتشترك أغلبها بامتلاك مواقف تقدّمية دعمت احتجاج تشرين وتميل في منهجها وأفكارها إلى توسيع نطاق الحريّات العامّة، والثبات على معارضة النظام السياسي القائم.
ويشكّل اجتماع القوى المتعددة أساساً مهمّاً لتمكين أحزاب نمت داخل العراق وفي شوارعه، ولا يرتبط وجودها بشبكات زبائنيّة أو حواضن مذهبيّة أو عشائريّة، بل بالمصالح الواقعيّة والقابلة للقياس.
والتئام قوى التغيير ودخولها في الانتخابات يكسب أحزابها خبرة سياسيّة عمليّة من خلال الممارسة والاحتكاك بالمجتمعات المحليّة، وقد تكون منطلقاً لحصد مكاسب أكبر في الانتخابات البرلمانية، إن نجحوا بصنع قصّة نجاح واضحة تتمثّل بتحسين ملموس في واقع الخدمات المقدّمة للناس من خلال مكتسباتهم السياسيّة في مجالس المحافظات.
إنَّ نيّة قوى التغيير -إن مضت- بإمكانها أن تصبح عاملاً في خلق ثنائيّة داخل النظام السياسي العراقي بين الكتل السياسيّة التقليدية التي تعتمد في وجودها على إثارة النعرات الطائفيّة وتقديم امتيازات لفئات خاصّة على حساب المصالح الوطنيّة، وبين أحزاب أخرى جديدة تستند على علاقة وطيدة مع مطالب المواطنين الحياتيّة وتمثيلها لطموحات الناس المشروعة.
تحديّات مختلفة
إلّا أنَّ الطريق ليس معبّداً بسهولة لقوى التغيير، إذ يواجه هذا التحالف تحديات مختلفة أبرزها تلك الداخليّة منها. إذ تميل أغلب النقاشات الحاليّة بين أطراف التحالف للخوض في تفاصيل نظريّة أسهبت أكثر من اللازم بالجانب الأيدولوجي للتحالف وبشكلٍ قد يعرقل الخطوات القانونية لمضي التسجيل لدى مفوضية الانتخابات، فضلاً عن مشكلة تحديد رئاسة التحالف بوضوح والاتفاق على قائمة متكاملة للمرشّحين.
ورغم أنَّ هكذا نقاشات داخليّة طبيعية بشكلٍ عام، إلّا أنّها في حالة قوى التغيير قد تكون سبباً في فشل حسم الأمور المهمّة حقّاً والمتعلّقة بالقدرة التقنيّة على خوض الانتخابات. إذ من المهم الانتباه لعامل المواعيد القانونيّة لتسجيل التحالفات الانتخابيّة وتقديم قوائم المرشّحين لدى المفوّضية العليا للانتخابات.
كذلك، يوجد هناك توقّع مبالغ بدقّته من أطراف التحالف بأنّ الناخبين سيصوّتون لهم، وذلك نتيجة لكونهم من المخرجات السياسية لحركة الاحتجاج التشرينيّة، محاججين بأن هذا السبب نفسه كان رافعاً في الانتخابات البرلمانية عام 2021، حيث تمكّن أكثر من 30 نائباً تشرينياً من الحصول على مقعد في البرلمان.
لكن “الفورة الوطنيّة” التي مكّنت التشرينيين من حصد مكاسب سياسيّة في السابق، لن تكون موجودة الآن. بل من المتوقّع أن تكون هناك “فورة مضادة” تستفيد منها الأحزاب التقليديّة انتخابيّاً. إذ أنَّ إقدام الحكومة الحاليّة على تعيين أكثر من 800 ألف موظّف على القطّاع العام وتوسيع شبكة الرعاية الاجتماعية بحوالي 1 مليون مستفيد جديد ستعود بثمارها انتخابيّاً لصالح أحزاب الإطار التنسيقي التي شكّلت الحكومة.
العدو الذي يتربّص بالمدنيين
لا تكمن الأهميّة الأساسية بنجاح قوى المعارضة بالمشاركة بالانتخابات المحليّة وتحقيق مكاسب سياسيّة، بل تتعدّاها إلى حماية هذه الأحزاب لنفسها من هيمنة شبه تامّة للأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلّحة. فبغياب قوى المعارضة من التمثيل في المجالس المحليّة للمحافظات، سيسهّل استهدافهم وممارسة مختلف أشكال القمع والملاحقة بحقهم.
سيمكن للأحزاب التقليدية المستعدة للتغاضي عن أفعال الميليشيات، والتي تمتلك أيدولوجيات لا تعترف بالديموقراطية تحصيل الأغلبيّة في انتخابات المجالس المحليّة إن فشلت محاولة قوى التغيير الحاليّة، وهذا سيعني عمليَّاً إضعاف قوى المعارضة والتقليل من مساحات العمل التي يمتلكونها الآن.
فبإكمال انتخاب أعضاء مجلس المحافظة، سينتفي عمليّاً قرار سابق للمحكمة الاتحادية بنقل صلاحيات مجالس المحافظات إلى أعضاء مجلس النواب. سيعني هذا بأن النوّاب الإصلاحيين الذين حموا في السابق الناشطين السياسيين وأوقفوا عمليّات الملاحقة بحقهم لن يستطيعوا فعل ذلك بعد الآن، بل ستكون الوسيلة الوحيدة لحماية الناشطين هي بامتلاك قوى المعارضة لممثلين داخل المجالس المحليّة يستطيعون ممارسة الضغط على القيادات الأمنيّة والتنفيذيّة المختلفة.
كذلك، سيكون بإمكان مجالس المحافظات إقرار قوانين تحد من الحريّات العامّة كما تحاول الكتل السياسيّة التقليدية فعل ذلك الآن داخل قبّة البرلمان. لكن محليّاً، سيكون الأمر أسهل بكثير ومشابهاً لسهولة ما فعلته الحكومة المحليّة في وقت سابق في كربلاء من خلال إقرارها “قانون القدسيّة”. ولا يمكن الوقوف بشكلٍ قانوني ضد هذه المحاولات إلّا من خلال امتلاك تمثيل في المجالس المحليّة.
الحال هذه، من المهم أن يعود الإحساس لدى الفاعلين السياسيين المُعارضين -على اختلافهم- بالعدو المشترك الذي يهدّد وجودهم جميعاً. إذ أن هذا العدو لا يزال موجوداً اليوم، ويجب أن تكون حقيقة وجوده دافعاً أساسيّاً لقوى المعارضة من أجل أن تتوحّد.
مدنيّون كثر وناخبون محدودون
خارج حدود قوى التغيير، فإن المنافسة الانتخابيّة لن تكون سهلة. خاصّةً مع وجود تكتّلات سياسيّة أخرى تنافس على “الخطاب المدني” نفسه. ورغم أن المتابعين للسياسة قادرون على تحديد الفروقات بين “الأطراف المدنيّة” المختلفة، إلّا أنّه لا يمكن توقّع أن ينجح الناخبون الاعتياديّون بشكلٍ عام من فعل ذلك. فبالنسبة للرأي العام، فإن هذه القوى مصنّفة ضمن فئة واحدة وينافس مرشحوها على القاعدة الانتخابيّة نفسها. ورغم وجود تكتّلات سياسيّة تستطيع القضم من القاعدة الانتخابيّة لقوى التغيير كحركة شروع بقيادة أحمد الوشّاح أو تحالف يُخطَّط للإعلان عنه بقيادة رحيم أبو رغيف أو مجاميع محليّة أخرى، إلّا أن المنافس الأبرز سيكون الكتلة الانتخابيّة الخاصّة بمحسن المندلاوي النائب الأول لرئيس مجلس النوّاب وزيد الطالقاني رئيس مركز الرافدين للحوار. إذ تمتلك الأخيرة توليفة تضُم حوالي 19 نائباً حالياً في البرلمان بما يمتلكونه من موارد، فضلاً عن مقدرة ماليّة كبيرة.
إنَّ تحالف قوى التغيير بحاجةٍ لتمييز نفسه بشكلٍ واضح ولا يقبل اللبس بين التكتّلات المنافسة الأخرى. من خلال خلق خطاب معارضة جريء يستطيع الناس التعاطف معه والشعور بارتباطه بمصالحهم الحياتيّة. والتطرّق بشكلٍ صريح للتحديّات التي يتجنّب الآخرون ذكرها كأزمة الميليشيات والفصائل المسلّحة وامتلاك مواقف داعمة للحريّات والحقوق بشكلٍ عام. كذلك التطرّق للقضايا الخدميّة الحسّاسة التي تواجه كل محافظة من محافظات العراق على حدة. هكذا خطاب سيكون من الصعوبة مجاراته، وربّما سيدفع كتلاً مثل امتداد وجماعات محليّة أخرى للانضمام أو التخادم الانتخابي مع قوى التغيير. من المهم الانتباه بأن ما يسمّى اليوم “الخطاب المدني” أصبح فيه فاعلون كثُر، إلّا أنَّ قلةً منهم يمكن تصنيفهم كمعارضين للنظام السياسي القائم بشكلٍ حقيقي.
إزاء هذا، يمكن القول إن ما يجري اليوم بين أوساط الفاعلين المُعارضين -والذين انضوى معظمهم داخل قوى التغيير- هو بداية مأسسة مخرجات الاحتجاج التشريني، وخلق مؤسسات حزبيّة واضحة التوجّه بإمكانها استبدال الطبقة السياسيّة الحاكمة تدريجيّاً.
بيد أنّ هذا جميعه مرهون بقدرة قوى المعارضة هذه على تحمّل المسؤولية، والانتباه للقضايا الوطنيّة الأكثر إلحاحاً وأهميّة من خلافات هنا وهناك. فضلًا عن أنّه يتعدّى مكتسبات الانتخابات المحليّة، صوب الإجابة بشكل عملي عن التساؤلات حول ما تستطيع هذه القوى تقديمه للمجتمع العراقي بشكلٍ ملموس.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
أظهرت قوى التغيير، التحالف المكوّن بشكل أساس من أحزاب نشأت بعد تشرين 2019، نيّة الدخول في قائمة انتخابيّة واحدة لخوض انتخابات مجالس المحافظات، المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي.
قوى صاعدة
تتشكّل قوى التغيير، العابرة للطائفية، من أحزاب مختلفة مثل البيت الوطني، والتيار الاجتماعي الديمقراطي، والحزب الشيوعي العراقي، وحركة نازل آخذ حقي، وكتلة وطن النيابيّة، فضلاً عن جماعات محليّة أخرى، وتشترك أغلبها بامتلاك مواقف تقدّمية دعمت احتجاج تشرين وتميل في منهجها وأفكارها إلى توسيع نطاق الحريّات العامّة، والثبات على معارضة النظام السياسي القائم.
ويشكّل اجتماع القوى المتعددة أساساً مهمّاً لتمكين أحزاب نمت داخل العراق وفي شوارعه، ولا يرتبط وجودها بشبكات زبائنيّة أو حواضن مذهبيّة أو عشائريّة، بل بالمصالح الواقعيّة والقابلة للقياس.
والتئام قوى التغيير ودخولها في الانتخابات يكسب أحزابها خبرة سياسيّة عمليّة من خلال الممارسة والاحتكاك بالمجتمعات المحليّة، وقد تكون منطلقاً لحصد مكاسب أكبر في الانتخابات البرلمانية، إن نجحوا بصنع قصّة نجاح واضحة تتمثّل بتحسين ملموس في واقع الخدمات المقدّمة للناس من خلال مكتسباتهم السياسيّة في مجالس المحافظات.
إنَّ نيّة قوى التغيير -إن مضت- بإمكانها أن تصبح عاملاً في خلق ثنائيّة داخل النظام السياسي العراقي بين الكتل السياسيّة التقليدية التي تعتمد في وجودها على إثارة النعرات الطائفيّة وتقديم امتيازات لفئات خاصّة على حساب المصالح الوطنيّة، وبين أحزاب أخرى جديدة تستند على علاقة وطيدة مع مطالب المواطنين الحياتيّة وتمثيلها لطموحات الناس المشروعة.
تحديّات مختلفة
إلّا أنَّ الطريق ليس معبّداً بسهولة لقوى التغيير، إذ يواجه هذا التحالف تحديات مختلفة أبرزها تلك الداخليّة منها. إذ تميل أغلب النقاشات الحاليّة بين أطراف التحالف للخوض في تفاصيل نظريّة أسهبت أكثر من اللازم بالجانب الأيدولوجي للتحالف وبشكلٍ قد يعرقل الخطوات القانونية لمضي التسجيل لدى مفوضية الانتخابات، فضلاً عن مشكلة تحديد رئاسة التحالف بوضوح والاتفاق على قائمة متكاملة للمرشّحين.
ورغم أنَّ هكذا نقاشات داخليّة طبيعية بشكلٍ عام، إلّا أنّها في حالة قوى التغيير قد تكون سبباً في فشل حسم الأمور المهمّة حقّاً والمتعلّقة بالقدرة التقنيّة على خوض الانتخابات. إذ من المهم الانتباه لعامل المواعيد القانونيّة لتسجيل التحالفات الانتخابيّة وتقديم قوائم المرشّحين لدى المفوّضية العليا للانتخابات.
كذلك، يوجد هناك توقّع مبالغ بدقّته من أطراف التحالف بأنّ الناخبين سيصوّتون لهم، وذلك نتيجة لكونهم من المخرجات السياسية لحركة الاحتجاج التشرينيّة، محاججين بأن هذا السبب نفسه كان رافعاً في الانتخابات البرلمانية عام 2021، حيث تمكّن أكثر من 30 نائباً تشرينياً من الحصول على مقعد في البرلمان.
لكن “الفورة الوطنيّة” التي مكّنت التشرينيين من حصد مكاسب سياسيّة في السابق، لن تكون موجودة الآن. بل من المتوقّع أن تكون هناك “فورة مضادة” تستفيد منها الأحزاب التقليديّة انتخابيّاً. إذ أنَّ إقدام الحكومة الحاليّة على تعيين أكثر من 800 ألف موظّف على القطّاع العام وتوسيع شبكة الرعاية الاجتماعية بحوالي 1 مليون مستفيد جديد ستعود بثمارها انتخابيّاً لصالح أحزاب الإطار التنسيقي التي شكّلت الحكومة.
العدو الذي يتربّص بالمدنيين
لا تكمن الأهميّة الأساسية بنجاح قوى المعارضة بالمشاركة بالانتخابات المحليّة وتحقيق مكاسب سياسيّة، بل تتعدّاها إلى حماية هذه الأحزاب لنفسها من هيمنة شبه تامّة للأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلّحة. فبغياب قوى المعارضة من التمثيل في المجالس المحليّة للمحافظات، سيسهّل استهدافهم وممارسة مختلف أشكال القمع والملاحقة بحقهم.
سيمكن للأحزاب التقليدية المستعدة للتغاضي عن أفعال الميليشيات، والتي تمتلك أيدولوجيات لا تعترف بالديموقراطية تحصيل الأغلبيّة في انتخابات المجالس المحليّة إن فشلت محاولة قوى التغيير الحاليّة، وهذا سيعني عمليَّاً إضعاف قوى المعارضة والتقليل من مساحات العمل التي يمتلكونها الآن.
فبإكمال انتخاب أعضاء مجلس المحافظة، سينتفي عمليّاً قرار سابق للمحكمة الاتحادية بنقل صلاحيات مجالس المحافظات إلى أعضاء مجلس النواب. سيعني هذا بأن النوّاب الإصلاحيين الذين حموا في السابق الناشطين السياسيين وأوقفوا عمليّات الملاحقة بحقهم لن يستطيعوا فعل ذلك بعد الآن، بل ستكون الوسيلة الوحيدة لحماية الناشطين هي بامتلاك قوى المعارضة لممثلين داخل المجالس المحليّة يستطيعون ممارسة الضغط على القيادات الأمنيّة والتنفيذيّة المختلفة.
كذلك، سيكون بإمكان مجالس المحافظات إقرار قوانين تحد من الحريّات العامّة كما تحاول الكتل السياسيّة التقليدية فعل ذلك الآن داخل قبّة البرلمان. لكن محليّاً، سيكون الأمر أسهل بكثير ومشابهاً لسهولة ما فعلته الحكومة المحليّة في وقت سابق في كربلاء من خلال إقرارها “قانون القدسيّة”. ولا يمكن الوقوف بشكلٍ قانوني ضد هذه المحاولات إلّا من خلال امتلاك تمثيل في المجالس المحليّة.
الحال هذه، من المهم أن يعود الإحساس لدى الفاعلين السياسيين المُعارضين -على اختلافهم- بالعدو المشترك الذي يهدّد وجودهم جميعاً. إذ أن هذا العدو لا يزال موجوداً اليوم، ويجب أن تكون حقيقة وجوده دافعاً أساسيّاً لقوى المعارضة من أجل أن تتوحّد.
مدنيّون كثر وناخبون محدودون
خارج حدود قوى التغيير، فإن المنافسة الانتخابيّة لن تكون سهلة. خاصّةً مع وجود تكتّلات سياسيّة أخرى تنافس على “الخطاب المدني” نفسه. ورغم أن المتابعين للسياسة قادرون على تحديد الفروقات بين “الأطراف المدنيّة” المختلفة، إلّا أنّه لا يمكن توقّع أن ينجح الناخبون الاعتياديّون بشكلٍ عام من فعل ذلك. فبالنسبة للرأي العام، فإن هذه القوى مصنّفة ضمن فئة واحدة وينافس مرشحوها على القاعدة الانتخابيّة نفسها. ورغم وجود تكتّلات سياسيّة تستطيع القضم من القاعدة الانتخابيّة لقوى التغيير كحركة شروع بقيادة أحمد الوشّاح أو تحالف يُخطَّط للإعلان عنه بقيادة رحيم أبو رغيف أو مجاميع محليّة أخرى، إلّا أن المنافس الأبرز سيكون الكتلة الانتخابيّة الخاصّة بمحسن المندلاوي النائب الأول لرئيس مجلس النوّاب وزيد الطالقاني رئيس مركز الرافدين للحوار. إذ تمتلك الأخيرة توليفة تضُم حوالي 19 نائباً حالياً في البرلمان بما يمتلكونه من موارد، فضلاً عن مقدرة ماليّة كبيرة.
إنَّ تحالف قوى التغيير بحاجةٍ لتمييز نفسه بشكلٍ واضح ولا يقبل اللبس بين التكتّلات المنافسة الأخرى. من خلال خلق خطاب معارضة جريء يستطيع الناس التعاطف معه والشعور بارتباطه بمصالحهم الحياتيّة. والتطرّق بشكلٍ صريح للتحديّات التي يتجنّب الآخرون ذكرها كأزمة الميليشيات والفصائل المسلّحة وامتلاك مواقف داعمة للحريّات والحقوق بشكلٍ عام. كذلك التطرّق للقضايا الخدميّة الحسّاسة التي تواجه كل محافظة من محافظات العراق على حدة. هكذا خطاب سيكون من الصعوبة مجاراته، وربّما سيدفع كتلاً مثل امتداد وجماعات محليّة أخرى للانضمام أو التخادم الانتخابي مع قوى التغيير. من المهم الانتباه بأن ما يسمّى اليوم “الخطاب المدني” أصبح فيه فاعلون كثُر، إلّا أنَّ قلةً منهم يمكن تصنيفهم كمعارضين للنظام السياسي القائم بشكلٍ حقيقي.
إزاء هذا، يمكن القول إن ما يجري اليوم بين أوساط الفاعلين المُعارضين -والذين انضوى معظمهم داخل قوى التغيير- هو بداية مأسسة مخرجات الاحتجاج التشريني، وخلق مؤسسات حزبيّة واضحة التوجّه بإمكانها استبدال الطبقة السياسيّة الحاكمة تدريجيّاً.
بيد أنّ هذا جميعه مرهون بقدرة قوى المعارضة هذه على تحمّل المسؤولية، والانتباه للقضايا الوطنيّة الأكثر إلحاحاً وأهميّة من خلافات هنا وهناك. فضلًا عن أنّه يتعدّى مكتسبات الانتخابات المحليّة، صوب الإجابة بشكل عملي عن التساؤلات حول ما تستطيع هذه القوى تقديمه للمجتمع العراقي بشكلٍ ملموس.