البهائيون في العراق.. من إغلاق المحافل إلى مناورة الدستور 

مُبين خشاني

25 تموز 2023

طالما أن البهائيين لا يحملون أيّ طموح سياسي يهدّد أحد أطراف النظام بحكم تعاليم دينهم الذي يحرِّم على متّبعيه تعاطي السياسة، فهم مقبولون كمكون فئوي لا صوت له ولا تأثير، لكنه يخدم في النهاية صورة الفسيفساء العراقية التي يتاجر بها الكثير من الأحزاب انتخابياً وجماهيرياً..

جهرت مها بديانتها عندما واجهت أول تمييز في حياتها وهي لم تزل طفلة في العاشرة من عمرها. 

كانت مها في الصف الرابع الابتدائي في إحدى مدارس منطقة الدورة جنوبي بغداد حين سألتها معلمتها عن سبب عدم ارتدائها الحجاب. 

“أنا بهائية” أجابت مها في حينها، وبينما صمتت المعلمة، ارتسمت على وجوه زميلاتها نظرات الاستغراب. 

مرّ الحوار بين مها ومعلمتها مرور الكرام، لكن حواراً مشابهاً دار في مدرسة أيضاً قبل عشرات السنين جرّ عائلات بهائية بأكملها إلى السجن. 

ففي عام 1973 نالت مدرّسة من مدرّسات مادة “الدين” في إحدى مدارس منطقة المأمون غربي بغداد، من البهائيين ومعتقداتهم بكلام مسيء، فتصدّت لها إحدى الطالبات مدافعة عنهم على الرغم من أنها لم تكن بهائية. 

جرى ذلك بعد ثلاث سنوات من إصدار قانون تحريم النشاط البهائي في العراق رقم 105 لسنة 1970. 

ولسوء الحظ، كانت ابنة سعدون غيدان، وزير الداخلية آنذاك، إحدى طالبات الصف وشهدت النقاش المحتدم بين الطالبة والمدرّسة، فنقلت وقائع الحادثة إلى والدها. 

حضر غيدان في اليوم التالي واستدعى الطالبة وسألها عمّا تعرفه عن البهائية، فأجابته بأنها معجبة بأفكارهم ولها معرفة عميقة بما يعتقدون به، ففهم الوزير أن مصدر الإعجاب هو مخالطتها لجيرانها البهائيين، وفسّره على أنه نوع من الترويج للبهائية، وهو نشاط ممنوع وفقاً للقانون. 

سجّل الوزير محادثته مع الطالبة ونقلها إلى أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية آنذاك، فأصدر الأخير أمراً بفتح تحقيق بالموضوع. 

وفي إثر التحقيق ألقي القبض على الفتاة التي ناقشت وزير الداخلية وجميع الفتيات البهائيات في المدرسة. 

كما اعتُقل كل بهائيّ ورد اسمه في التحقيق حتى النساء، وقضى بعض المعتقلين أكثر من ثلاث سنوات في الحبس. 

ولم تنه هذه الحادثة مأساة البهائيين في العراق، بل ابتدأتها. 

ويتألف قانون رقم 105 لسنة 1970 من تسع مواد خلاصتها حظر الديانة البهائية وإغلاق معابدها ومحافلها ومصادرة الأموال والعقارات المخصصة “للأغراض البهائية”. 

وتنص المادة السادسة منه على أن “يعاقب المخالف لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين”. 

وجاء في الأسباب الموجبة لتشريع القانون “نظراً إلى أن البهائية ليست ديناً أو مذهباً معترفاً به، ولأجل حظر ترويج الفكرة البهائية أو تحبيذها للآخرين، ولغرض وقف نشاطها وغلق محافلها ومراكزها الموجودة في العراق وكيفية التصرف بأموالها وموجوداتها، شُرّع هذا القانون”. 

لم تكن تداعيات إصدار هذا القانون دينية بحتة، بل كانت سياسية أكثر ومبنية على شبهات وصور نمطية سلبية لا تعبر عن حقيقة مفاهيم الدين البهائي، على الرغم من أنه يحرّم على معتنقيه العمل السياسي. 

الجذور والمضايقات 

تعود جذور الديانة البهائية إلى عام 1844 عندما بشّر شاب إيراني اسمه علي محمد الشيرازي بأن رسولاً من الله سيأتي قريباً إلى الناس. ولقب هذا الشاب نفسه بـ”الباب”. 

بدأ أناس كثيرون يتبعون “الباب”، وكان أحدهم ميرزا حسين علي نوري المولود في إيران عام 1817. 

في عام 1852 قال نوري إنه شاهد في السجن رؤيا بأنه الرسول الذي بشّر به الباب ولقب نفسه بـ”بهاء الله”. 

وفي عام 1863 أسس بهاء الله لهذه الديانة وهو في السادسة والأربعين من عمره. 

بيت العدل الأعظم على سفح جبل الكرمل في مدينة حيفا على البحر الأبيض المتوسط شمال فلسطين، المصدر: ويكبيديا 

تعرّض بهاء الله للنفي مرات عدة، وكتب في منافيه “الكتاب الأقدس”، وهو أهم الكتب لدى البهائيين، وتوفي عام 1892 في مدينة عكا الفلسطينية الخاضعة حالياً للاحتلال الإسرائيلي ودفن فيها. 

بعد وفاة بهاء الله خلفه نجله عبد البهاء الذي نشر التعاليم البهائية في أنحاء العالم حتى توفي عام 1921 في مدينة حيفا الفلسطينية الخاضعة حالياً للاحتلال الإسرائيلي أيضاً. 

ثم واصل الدعوة والتبشير بهذه الديانة شوقي أفندي نجل عبد البهاء، والمتوفى في لندن عام 1957. 

ويرى البهائيون أن كل الأديان الأخرى كاليهودية والمسيحية والإسلام والزرادشتية والبوذية والهندوسية تمثل مرحلة من مراحل التجلي الإلهي، ويؤمنون بأن الله واحد وأنه خالق هذا العالم ويعرف بأسماء متعددة في مختلف الأديان. 

ويقيم البهائيون ثلاث صلوات كبرى وصغرى ووسطى، وأي صلاة تغني عن الأخرى وفقاً لعقيدة هذه الديانة. 

ويبلغ عدد البهائيين حول العالم حالياً نحو ستة ملايين، وهم يحجون إلى المركز العالمي البهائي في مدينتي عكا وحيفا الواقعتين ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يقع ضريحا علي محمد الشيرازي وبهاء الدين. 

ومنذ ظهورها، عانت البهائية من شبهات تسبّبت لمعتنقيها بعذابات غير منتهية بين النفي والحبس والقمع كما يحصل في بعض البلدان. 

ومن بين هذه الشبهات اتهامهم سابقاً بالعمالة لإسرائيل، والسبب وراء ذلك هو وجود -إضافة للأضرحة- مركز إداري كبير لهم في فلسطين المحتلة معروف باسم “بيت العدل الأعظم”، لكن أساس بناء هذا المركز هو نفي بهاء الله، مؤسس البهائية، من قبل السلطات العثمانية إلى عكا قبل إعلان إسرائيل أصلاً. 

وتوالت الشبهات بعدها ولم تنته، حيث تم اتهامهم بالعمالة للروس والإنجليز. 

ويعتمد أصحاب هذه الفرضيات على وقائع معينة مثل واقعة تدخل السفارة الروسية في إيران بشكل مباشر لإطلاق سراح بهاء الله بعد اتهامه بمحاولة قتل الشاه. 

ولا ينكر البهائيون هذه الواقعة، لكنهم يرجعونها إلى أسباب شخصية، حيث تدخل زوج شقيقة بهاء الله الذي كان يعمل موظفا في السفارة الروسية، وهو من أقنع السفير الروسي بالتدخل لإنقاذ بهاء الله ونقله إلى منفاه في بغداد سنة 1852. 

توجت هذه الشبهات باختلاط السياسي منها بالديني عند إصدار قانون تحريم النشاط البهائي، وقصته بدأت بعد الانقلاب العسكري في العراق عام 1963 واغتيال عبد الكريم قاسم ووصول البعثيين والقوميين إلى السلطة وتسنم عبد السلام عارف منصب رئيس الجمهورية. 

كانت السلطة في العراق متأثرة آنذاك بتجربة حكم جمال عبد الناصر في مصر. 

ولم تكن السلطات المصرية ودية مع البهائيين، وما زال الدستور المصري يعترف بالإسلام والمسيحية واليهودية فقط، أما البهائيون فتوضع علامة (_) في خانة الديانة ببطاقات هوياتهم. 

وفي عام 1960 قررت السلطات المصرية إغلاق جميع المراكز والمحافل البهائية ومنع النشاط البهائي في مصر. 

وتأثراً بذلك، بدأت السلطات العراقية جمع المعلومات عن البهائيين وطرح موضوع البهائية في إحدى جلسات مجلس الوزراء، وبدأت بعد ذلك التضييقات حتى أصدر مجلس التدوين القانوني قراراً بتاريخ 6 آب 1963 عد فيه “جميع العقود الصادرة عن المحفل البهائي المركزي باطلة، بما فيها عقود الزواج البهائية، وإن البهائية غير معترف بها في العراق لا بوصفها ديناً ولا مذهباً”. 

ولكن لم يصدر وقتها أمر بغلق بقية المحافل والمراكز الإدارية، فاستمرت لذلك النشاطات البهائية العلنية كالصلاة والاحتفال بالأعياد في بغداد ومناطق أخرى. 

وللبهائيين سبعة أعياد هي العيد الأعلى وهو أيام الصوم الـ19 التي تبدأ في 2 آذار، وعيد النوروز في 21 آذار، وعيد الرضوان من 21 نيسان إلى 2 أيار، وإعلان الباب للدعوة في 22 و23 أيار، وصعود بهاء الله في 29 أيار، واستشهاد الباب في 9 تموز، وميلاد الباب في 20 تشرين الأول. 

تلاقى قرار بطلان العقود البهائية مع قانون “السلامة الوطنية”، وهو قانون أصدرته رئاسة الجمهورية العراقية سنة 1965، مستندة بذلك إلى المادة 48 من الدستور المؤقت، وصادق مجلس الوزراء وقتها على هذا القانون الذي يمنح المؤسسات الأمنية صلاحيات واسعة من دون الرجوع إلى الأوامر القضائية. 

وبذلك صار القانون أداة لتصفية الخصوم السياسيين، حيث يتيح للسلطات الأمنية وضع يدها على أي مؤسسة، وممارسة صلاحيات شبه مطلقة كالاعتقال والتفتيش وفرض الرقابة وفض التجمّعات وغيرها. 

وهكذا، تمكّنت وزارة الداخلية من إصدار قرار يقضي بغلق جميع المحافل البهائية بعد أن طالها التشويه والاتهام بالعمالة للخارج، حتى وصف البهائيون بأنهم “حصان طروادة”. 

ووضعت وزارة الداخلية يدها على “حظائر القدس” في بغداد والبصرة وديالى، وهي الأماكن التي تُعقد فيها التجمّعات البهائية، وصودر كل ما فيها من كتب ووثائق وآلات طباعة. 

جرت بعد ذلك مراسلات بين السلطات العراقية والمصرية من أجل إصدار قانون تحريم البهائية في العراق أسوة بمصر، لكن مصلح النقشبندي، وزير العدل العراقي آنذاك، عارض إصدار هذا القانون وعدّه مخالفاً للدستور. 

بقي البهائيون يعتقدون أن مشروع التحريم فاشل ما لم يصدر قانون رسمي به، مع استمرار تسجيلهم في إحصاء 1965. 

وخلال فترة حكم البكر بعد انقلاب 17 تموز 1968 وسيطرة حزب البعث على السلطة، قدم البهائيون طلباً للبكر سنة 1969 ملتمسين فيه إعادة فتح معابدهم واسترجاع مبانيهم الإدارية. 

وجاء في نص الطلب أن “البهائية منذ إعلانها في العراق منذ ما ينوف على 120 عاماً، لم يشترك أتباعها بأي نشاط سياسي ضد الحكومات في العراق”. 

لكن السلطة لم تتجاهل الطلب فحسب، بل أصدرت عام 1970 قانون تحريم النشاط البهائي الذي قلب حياة البهائيين في العراق رأساً على عقب. 

جاء في المادة الأولى من القانون “يحظر على كل شخص ترويج أو تحبيذ البهائية أو الانتساب لأي محفل أو جهة تعمل على نشر البهائية أو الدعوة إليها بأي شكل من الأشكال”. 

كانت صياغة هذه المادة أكثر ما أثار قلق البهائيين في القانون، لأنها احتوت على ألفاظ مُبهمة، وكان مصدر التخوّف هو مغبة استعمال هذه المفاهيم العائمة من قبل قوات الأمن بشكل كيفي، وهو ما حصل فعلاً بعد ثلاث سنوات في حادثة مدرسة منطقة المأمون. 

من السجن الصغير إلى الكبير 

يروي ضياء يعقوب (70سنة) وهو مهندس بهائيّ متقاعد، أنهم اضطروا بعد حادثة مدرسة المأمون إلى جمع الكتب البهائية الدينية وما يدور حولها امتثالاً لقانون التحريم وصادرتها قوات الأمن، ولم يتمكن بهائيو العراق بعدها من لمس كتبهم حتى عام 2003. 

يذكر ضياء أن والده وأخته ووالد زوجته وبعض أقاربهم تم اعتقالهم بعد حادثة المدرسة، حيث كان البهائيون يذكرون أسماء أقاربهم من دون خبرة أمنية، على اعتبار أنهم لا يتسترون على جرم وليس لديهم ما يخفونه، لذلك تم اعتقال عدد كبير من البهائيين رجالاً ونساءً. 

كان والد ضياء أمين صندوق المحفل البهائي في البصرة، وحكم عليه بالسجن أكثر من عشر سنوات، لكنه خرج مع بقية البهائيين بالعفو العام بعدما كتبوا تعهّدات على أنفسهم بعدم ممارسة النشاط البهائي. 

في الوقت ذاته، يؤكد ضياء أن رفض وجود البهائيين كان سياسياً، ولم يواجهوا مشقة على الصعيد الاجتماعي، حيث كانوا يحظون بتعاطف الجيران ومساندتهم، حتى أنهم شاركوهم الاحتفال بإطلاق سراح ذويهم. 

ولم تتوقف المضايقات السياسية والإدارية، وعانى بعض البهائيين المطلق سراحهم من مشاكل كثيرة في استعادة وظائفهم أو أعمالهم، وينقل ضياء عن إحدى قريباته أنها لم تستطع معاودة حياتها السابقة فقالت “خرجت من سجن صغير إلى سجن كبير”. 

محو وشيك 

تسبب قانون تحريم النشاط البهائي بظهور مشاكل في قوانين الأحوال الشخصية، لذا قدمت السلطات العراقية مقترحاً بأن تترك خانة الديانة فارغة، وذلك حسب توصيات ديوان التدوين القانوني، لأن ذكر اسم الديانة البهائية في دفاتر نفوس البهائيين والبالغ عددهم وقتها 961 وفق السجلات، يعد اعترافاً بها، وهو ما يتعارض مع قانون 105. 

ولم تجد السلطات العراقية وقتها حلاً إلا في القانون المصري لتحريم البهائية وعدم الاعتراف بها، فاعتمدت بعض فقراته وطبقتها، ولاسيما الفقرتين التاليتين: 

أولاً: عدم ترك خانة “الديانة” في البطاقة أو السجل المدني خالية ويثبت فيها الديانة الثانية للوالدين بشهادة الطالب المقدمة منه. 

وهكذا أزالت دوائر النفوس في العراق كلمة بهائي من هويات الأحوال المدنية واستبدلتها باسم دين الوالد أو أحد الأجداد ممن كانوا ينتمون لديانة معترف بها في العراق. 

دفتر نفوس بهائي قبل الشطب من السجلات

ثانياً: بالنسبة للحصول على البطاقات العائلية فلا يجوز صرفها إذا كان سندها الوحيد زواجاً وفقاً للطقوس البهائية. 

وهذا الإجراء حرم البهائيين من إضافة زوجاتهم إلى البطاقات المدنية، إلا إذا كان أحدهم قدّم عقد زواج وفق إحدى الشرائع المعترف بها. 

بقي الأمر هكذا حتى صدر قانون يقضي بتجميد أي قيد يحمل في حقل الديانة كلمة بهائي وعدم إجراء أي معاملة عليه لحين إبراز صاحب القيد ما يثبت اعتناقه إحدى الديانات المعترف بها. 

ولأن ضياء بهائي من مواليد فترة ما قبل قانون التحريم، فقد كان يحمل بطاقة نفوس تتضمن خانة الديانة فيها كلمة “بهائي”، لكنها أسقطت بعد قانون التجميد واستمر هذا الوضع حتى الوقت الحالي. 

لذلك تم تسجيل مها وكل البهائيين من مواليد ما بعد قانون التحريم كمسلمين. 

وتقول مها “أنا أنتمي إلى عقيدة معرّضة للمحو. هوية الإنسان شيء مهم ويحز في نفسي أن لا نُسجل كبهائيين، لكن هذا الأمر ليس الأزمة الأكبر”. 

ما بعد 2003 

يسود تصوّرٌ بأن وضع البهائيين في العراق أفضل من بقية البلدان المحيطة، خصوصاً في ظل ما يتعرضون له من قمع في إيران واليمن أو تضييق في مصر، لكن هذا التصور تنقصه الدقة وتختبئ خلفه تفاصيل صعبة كثيرة. 

مثل كثير من العراقيين، توسّم البهائيون في تغيير النظام خيراً، وظنوا أن قصتهم مع التضييق وعدم الاعتراف ستنتهي، خصوصاً مع تصاعد شعارات الحرية والديمقراطية والتنوّع. 

وبناء على ذلك بدأوا تحركاتهم من أجل كسب الاعتراف الرسمي والسعي لحل مشكلات ومعاملات عالقة كعقود الزواج غير المسجلة بسبب قانون تجميد الوثائق منذ نحو أربعة عقود. 

بدأوا فعلياً بإعادة فتح محافلهم ومراكزهم، وشجّعهم في ذلك ظهور كيانات سياسية ومنظمات دينية وثقافية، وعقدوا انتخابات لأعضاء المحافل المحلية عام 2003 في بغداد والبصرة وكركوك والنجف وديالى وأربيل والسليمانية. 

كان البهائيون حريصين على أن تجرى نشاطاتهم بعد 2003 بصيغة قانونية، وأن تحظى بقبول حكومي رسمي على أقل تقدير، ولهذا أخطروا السلطات بكل خطواتهم مثل انتخابات المحافل وإعادة افتتاح المؤسسات، كما أنهم وجهوا كتاباً إلى جلال طالباني رئيس الجمهورية الراحل، عام 2006 من أجل إخطاره بنشاطاتهم وطالبوه بالتدخل المباشر لإلغاء قوانين تجميد المعاملات وحظر النشاط البهائي. 

على المستوى المؤسساتي، توجه البهائيون إلى وزارة حقوق الإنسان وتواصلوا معها من أجل إعلامها بوجود مكون ديني باسم “البهائيين”، وزودوا الوزارة بمجموعة من الكتب البهائية الدينية والمؤلفات التي تعرّف بالديانة البهائية ومفاهيمها. 

كما أنهم رفعوا لوزير العدل طلباً من أجل إلغاء قانون 105 وقانون تجميد القيود، كما طالبوا بشمول الدين البهائي برعاية ديوان الأوقاف. 

كذلك فاتحت هيأة المحفل البهائي المركزي في العراق، جواد البولاني وزير الداخلية الأسبق بموضوع إعادة النظر في قانون التجميد، وصدرت لبعض البهائيين هويات أحوال تتضمن في حقل الديانة كلمة “بهائي”. 

لكنها ليست النهاية السعيدة التي انتظرها البهائيون طويلاً، حيث اصطدموا بسلسلة من العراقيل والعثرات التي وضعت في طريقهم عن قصد، وفُعِّلت قوانين النظام السابق وتطبيقها، حتى أصدرت أمانة مجلس الوزراء كتاباً يمنع تثبيت الديانة البهائية في القيود والوثائق امتثالاً للقانون 105. 

يروي ضياء أنهم خلال تلك الفترة دأبوا كثيراً وبذلوا جهوداً حثيثة مدفوعين بقوة التفاؤل وطاقة الأمل، لكن مساعيهم قوبلت أخيراً بالرفض. 

وبدأت تظهر إمارات هذه الرفض التي لا تنطوي على حسابات دينية فقط بل سياسية أيضاً، من خلال امتناع كثير من المسؤولين عن مقابلة البهائيين لوحدهم من دون أن يكونوا جزءاً من وفد يمثل الأقليات. 

وتشمل “قائمة الرافضين” كما يصفها ضياء، رؤساء جمهورية كجلال طالباني وفؤاد معصوم الذي امتنع حتى عن الظهور في صورة جماعية تضم ممثلين عن البهائيين. 

وأيضاً تشمل القائمة زعماء أحزاب سياسية كعمار الحكيم وإبراهيم الجعفري، كما رفض مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق طلباً لمقابلة وفد بهائي، بحسب ضياء الذي كان جزءاً من هذه التحرُّكات. 

ليس من الصعب تحديد الأسباب السياسية لهذا الرفض، فمن المعروف أن لإيران سلطة على كثير من الأحزاب العراقية، لذلك يتجنّب كثير من المسؤولين العراقيين إزعاج الجانب الإيراني المعروف بمعاداة البهائيين. 

يقول ضياء إن الشخص الوحيد الذي استقبل البهائيين كوفد منفرد هو جواد الخوئي حفيد المرجع الديني الراحل أبي القاسم الخوئي. 

ومعروف عن جواد الخوئي أنه لا يتواءم كثيراً مع الخط السياسي الموالي لإيران، ولربما يساعد هذا الأمر في فهم الدوافع السياسية لعزل البهائيين وعدم الاعتراف بهم. 

وفوق قوانين الرفض وعدم الاعتراف المتوارثة عن الأنظمة السابقة، أضاف الدستور العراقي الحالي أحجاراً جديدة إلى جدار عزل البهائيين، حيث تنص مادته الثانية على أن “هذا الدستور يضمن الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين”. 

وعلى الرغم من أن البديهي والمعروف هنا أن الكاف أداة للتشبيه لا الحصر، وأن المادة القانونية تشمل جميع المذاهب والديانات غير المذكورة، لكن المعمول به إدارياً هو عدم الاعتراف بالبهائيين ما لم يرد ذكرهم نصاً في الدستور، وهذا ما يعكس تناقض المشرع العراقي الذي أكد في المادة الثالثة من الدستور على أن “العراق بلد متعدّد القوميات والأديان والمذاهب”. 

تقبّل الوضع.. نشاط بحذر 

وترى مها، وهي تمثل بذلك رؤية الأجيال الشابة من بهائيي العراق، أن لا مشكلة في خطوات التغيير البطيئة، فهي تضمن لهم السلامة وتجنبهم ضرر المواجهات المباشرة وما يترتب عليها من رفض مضاعف. 

قطف جيل مها ثمار نضال الأجيال البهائية السابقة، واستفاد كثيراً من محاولات ما بعد 2003، لأنها منحتهم فهماً ومعرفة لماهية النظام الحالي وسبل التعامل معه، لذلك اعتمدوا على طريقة النشاط الحذر والصوت الخفيض طالما يضمن لهم هامش حرية يستطيعون فيه إقامة محافلهم وإعلان هويتهم الدينية. 

ولا تعكس هذا البحبوحة سعة أفق النظام السياسي العراقي ولا مدى تقبله للآخر، لأنه نظام تخوض أطرافه -وهي من دين واحد- معارك سياسية وصلت في سنوات الاحتلال الأولى إلى حرب أهلية أحرقت البلاد. 

وطالما أن البهائيين لا يحملون أي طموح سياسي يهدد أحد أطراف النظام بحكم تعاليم دينهم الذي يحرم على متبعيه تعاطي السياسة، فهم مقبولون كمكون فئوي لا صوت له ولا تأثير، لكنه يخدم في النهاية صورة الفسيفساء العراقية التي يتاجر بها الكثير من الأحزاب انتخابياً وجماهيرياً. 

لذلك فإن موقف النظام العراقي المتراخي مع البهائيين، على عكس مواقف الدول المحيطة، هو فقط لأن أطراف هذا النظام مشغولون بصراعات أخرى ليس للبهائيين ككتلة بشرية واجتماعية أي تأثير عليها، فأعدادهم ليست مغرية لمرشحي الانتخابات وليس لديهم أصلاً تمثيل نيابي، وبالتالي لا عداء البهائيين ولا احتواءهم يشكل قيمة نفعية لأي طرف سياسي. 

مصداق ذلك أن هذا التراخي غير المقصود لا ينسحب على المعاملات الإدارية والقانونية التي تمحي البهائيين من الوثائق وتحرمهم من حق التعبير عن معتقداتهم، لذلك يريد جيل مها الحفاظ على الوضع الحالي في أقل تقدير من دون خلق مواجهات ستكون نتائجها محسومة ضدهم. 

المحافل والأعياد 

لا توجد إحصائية رسمية لعدد البهائيين في العراق، وتتراوح التقديرات بين 200 و500 ألف شخص. لا تحكمهم حدود ديموغرافية، فهم أبناء ديانة مشتتة ديموغرافياً وينتشرون في محافظات عديدة منها بغداد وكركوك والبصرة وديالى والنجف ومحافظات كردستان. 

تتميز البهائية بنظامها الإداري، فهي تتكون من ثلاثة أنواع من المؤسسات صممت لاتخاذ القرارات المتعلقة بحياة الجماعة وأهدافها. 

تنتخب هذه المؤسسات من قبل عموم البهائيين وهي “بيت العدل” و”المحفل الروحاني المحلي” و”المحفل الروحاني المركزي”. 

والمحفل الروحاني المحلي هو هيأة إدارية مكونة من تسعة أعضاء تمثل البهائيين على المستوى المحلي، ويتم انتخابهم في كل سنة في اليوم الأول من عيد الرضوان، ويبقى المنتخبون في العضوية لعام واحد إلى أن يُنتخب من يخلفهم. 

يعقد المحفل الروحاني في كل منطقة يبلغ عدد البهائيين فيها تسعة أشخاص، استنادا إلى النص الوارد في الكتاب الأقدس “قد كتب الله على كل مدينة أن يجعلوا فيها بيت عدل ويجتمع فيه النفوس على عدد البهاء”. 

أما المحفل الروحاني المركزي فهو هيأة مشابهة للمحفل المحلي إلا أنها أوسع، أوجدها البهائيون للتمثيل القطري والإقليمي ويتم اختيار أعضائها عن طريق الانتخابات غير المباشرة. 

ويتربع بيت العدل الأعظم على قمة هرم المؤسسات البهائية، فهو الهيأة العالمية العليا القائمة على إدارة شؤون الدين البهائي، فقد نص بهاء الله في كتابه “الكتاب الأقدس” على إنشاء هذه المؤسسة. 

ويتشكل بيت العدل الأعظم من تسعة أعضاء، ويتم انتخابهم كل خمس سنوات من جميع أعضاء المحافل المركزية البهائية. 

بلا مبالغات 

تذكر مها أنها حُرمتْ من حضور المحافل البهائية في السنوات الأولى بعد الاحتلال، ويعود ذلك أولاً لأسباب أمنية وثانياً لصعوبة عقد هذه المحافل وقتها، حيث اقتصرت المشاركة آنذاك على الشباب الذكور. 

لكن الوضع مختلف الآن، وهذا ما يمنح مها وجيلها شعوراً ولو بسيطاً بالرضا، فهو جيل ينظر إلى النصف المملوء من الكأس، ويعرف أن مأساته جزء من المأساة العراقية العامة، فلا يبالغ بالتذمر ولا التفاؤل، بل يحاول قدر الإمكان استغلال الوضع الحالي لصالحه، حيث بإمكانه حالياً إقامة محافله المحلية والروحانية والاحتفال بالعيدين الكبيرين، وهما عيد النوروز وعيد الرضوان، لكن ذلك كله يحصل ضمن نطاق محدود بعيداً عن الصخب ولفت النظر. 

أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج بتنظيم من الجامعة الأميركية في بيروت ودعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

جهرت مها بديانتها عندما واجهت أول تمييز في حياتها وهي لم تزل طفلة في العاشرة من عمرها. 

كانت مها في الصف الرابع الابتدائي في إحدى مدارس منطقة الدورة جنوبي بغداد حين سألتها معلمتها عن سبب عدم ارتدائها الحجاب. 

“أنا بهائية” أجابت مها في حينها، وبينما صمتت المعلمة، ارتسمت على وجوه زميلاتها نظرات الاستغراب. 

مرّ الحوار بين مها ومعلمتها مرور الكرام، لكن حواراً مشابهاً دار في مدرسة أيضاً قبل عشرات السنين جرّ عائلات بهائية بأكملها إلى السجن. 

ففي عام 1973 نالت مدرّسة من مدرّسات مادة “الدين” في إحدى مدارس منطقة المأمون غربي بغداد، من البهائيين ومعتقداتهم بكلام مسيء، فتصدّت لها إحدى الطالبات مدافعة عنهم على الرغم من أنها لم تكن بهائية. 

جرى ذلك بعد ثلاث سنوات من إصدار قانون تحريم النشاط البهائي في العراق رقم 105 لسنة 1970. 

ولسوء الحظ، كانت ابنة سعدون غيدان، وزير الداخلية آنذاك، إحدى طالبات الصف وشهدت النقاش المحتدم بين الطالبة والمدرّسة، فنقلت وقائع الحادثة إلى والدها. 

حضر غيدان في اليوم التالي واستدعى الطالبة وسألها عمّا تعرفه عن البهائية، فأجابته بأنها معجبة بأفكارهم ولها معرفة عميقة بما يعتقدون به، ففهم الوزير أن مصدر الإعجاب هو مخالطتها لجيرانها البهائيين، وفسّره على أنه نوع من الترويج للبهائية، وهو نشاط ممنوع وفقاً للقانون. 

سجّل الوزير محادثته مع الطالبة ونقلها إلى أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية آنذاك، فأصدر الأخير أمراً بفتح تحقيق بالموضوع. 

وفي إثر التحقيق ألقي القبض على الفتاة التي ناقشت وزير الداخلية وجميع الفتيات البهائيات في المدرسة. 

كما اعتُقل كل بهائيّ ورد اسمه في التحقيق حتى النساء، وقضى بعض المعتقلين أكثر من ثلاث سنوات في الحبس. 

ولم تنه هذه الحادثة مأساة البهائيين في العراق، بل ابتدأتها. 

ويتألف قانون رقم 105 لسنة 1970 من تسع مواد خلاصتها حظر الديانة البهائية وإغلاق معابدها ومحافلها ومصادرة الأموال والعقارات المخصصة “للأغراض البهائية”. 

وتنص المادة السادسة منه على أن “يعاقب المخالف لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين”. 

وجاء في الأسباب الموجبة لتشريع القانون “نظراً إلى أن البهائية ليست ديناً أو مذهباً معترفاً به، ولأجل حظر ترويج الفكرة البهائية أو تحبيذها للآخرين، ولغرض وقف نشاطها وغلق محافلها ومراكزها الموجودة في العراق وكيفية التصرف بأموالها وموجوداتها، شُرّع هذا القانون”. 

لم تكن تداعيات إصدار هذا القانون دينية بحتة، بل كانت سياسية أكثر ومبنية على شبهات وصور نمطية سلبية لا تعبر عن حقيقة مفاهيم الدين البهائي، على الرغم من أنه يحرّم على معتنقيه العمل السياسي. 

الجذور والمضايقات 

تعود جذور الديانة البهائية إلى عام 1844 عندما بشّر شاب إيراني اسمه علي محمد الشيرازي بأن رسولاً من الله سيأتي قريباً إلى الناس. ولقب هذا الشاب نفسه بـ”الباب”. 

بدأ أناس كثيرون يتبعون “الباب”، وكان أحدهم ميرزا حسين علي نوري المولود في إيران عام 1817. 

في عام 1852 قال نوري إنه شاهد في السجن رؤيا بأنه الرسول الذي بشّر به الباب ولقب نفسه بـ”بهاء الله”. 

وفي عام 1863 أسس بهاء الله لهذه الديانة وهو في السادسة والأربعين من عمره. 

بيت العدل الأعظم على سفح جبل الكرمل في مدينة حيفا على البحر الأبيض المتوسط شمال فلسطين، المصدر: ويكبيديا 

تعرّض بهاء الله للنفي مرات عدة، وكتب في منافيه “الكتاب الأقدس”، وهو أهم الكتب لدى البهائيين، وتوفي عام 1892 في مدينة عكا الفلسطينية الخاضعة حالياً للاحتلال الإسرائيلي ودفن فيها. 

بعد وفاة بهاء الله خلفه نجله عبد البهاء الذي نشر التعاليم البهائية في أنحاء العالم حتى توفي عام 1921 في مدينة حيفا الفلسطينية الخاضعة حالياً للاحتلال الإسرائيلي أيضاً. 

ثم واصل الدعوة والتبشير بهذه الديانة شوقي أفندي نجل عبد البهاء، والمتوفى في لندن عام 1957. 

ويرى البهائيون أن كل الأديان الأخرى كاليهودية والمسيحية والإسلام والزرادشتية والبوذية والهندوسية تمثل مرحلة من مراحل التجلي الإلهي، ويؤمنون بأن الله واحد وأنه خالق هذا العالم ويعرف بأسماء متعددة في مختلف الأديان. 

ويقيم البهائيون ثلاث صلوات كبرى وصغرى ووسطى، وأي صلاة تغني عن الأخرى وفقاً لعقيدة هذه الديانة. 

ويبلغ عدد البهائيين حول العالم حالياً نحو ستة ملايين، وهم يحجون إلى المركز العالمي البهائي في مدينتي عكا وحيفا الواقعتين ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يقع ضريحا علي محمد الشيرازي وبهاء الدين. 

ومنذ ظهورها، عانت البهائية من شبهات تسبّبت لمعتنقيها بعذابات غير منتهية بين النفي والحبس والقمع كما يحصل في بعض البلدان. 

ومن بين هذه الشبهات اتهامهم سابقاً بالعمالة لإسرائيل، والسبب وراء ذلك هو وجود -إضافة للأضرحة- مركز إداري كبير لهم في فلسطين المحتلة معروف باسم “بيت العدل الأعظم”، لكن أساس بناء هذا المركز هو نفي بهاء الله، مؤسس البهائية، من قبل السلطات العثمانية إلى عكا قبل إعلان إسرائيل أصلاً. 

وتوالت الشبهات بعدها ولم تنته، حيث تم اتهامهم بالعمالة للروس والإنجليز. 

ويعتمد أصحاب هذه الفرضيات على وقائع معينة مثل واقعة تدخل السفارة الروسية في إيران بشكل مباشر لإطلاق سراح بهاء الله بعد اتهامه بمحاولة قتل الشاه. 

ولا ينكر البهائيون هذه الواقعة، لكنهم يرجعونها إلى أسباب شخصية، حيث تدخل زوج شقيقة بهاء الله الذي كان يعمل موظفا في السفارة الروسية، وهو من أقنع السفير الروسي بالتدخل لإنقاذ بهاء الله ونقله إلى منفاه في بغداد سنة 1852. 

توجت هذه الشبهات باختلاط السياسي منها بالديني عند إصدار قانون تحريم النشاط البهائي، وقصته بدأت بعد الانقلاب العسكري في العراق عام 1963 واغتيال عبد الكريم قاسم ووصول البعثيين والقوميين إلى السلطة وتسنم عبد السلام عارف منصب رئيس الجمهورية. 

كانت السلطة في العراق متأثرة آنذاك بتجربة حكم جمال عبد الناصر في مصر. 

ولم تكن السلطات المصرية ودية مع البهائيين، وما زال الدستور المصري يعترف بالإسلام والمسيحية واليهودية فقط، أما البهائيون فتوضع علامة (_) في خانة الديانة ببطاقات هوياتهم. 

وفي عام 1960 قررت السلطات المصرية إغلاق جميع المراكز والمحافل البهائية ومنع النشاط البهائي في مصر. 

وتأثراً بذلك، بدأت السلطات العراقية جمع المعلومات عن البهائيين وطرح موضوع البهائية في إحدى جلسات مجلس الوزراء، وبدأت بعد ذلك التضييقات حتى أصدر مجلس التدوين القانوني قراراً بتاريخ 6 آب 1963 عد فيه “جميع العقود الصادرة عن المحفل البهائي المركزي باطلة، بما فيها عقود الزواج البهائية، وإن البهائية غير معترف بها في العراق لا بوصفها ديناً ولا مذهباً”. 

ولكن لم يصدر وقتها أمر بغلق بقية المحافل والمراكز الإدارية، فاستمرت لذلك النشاطات البهائية العلنية كالصلاة والاحتفال بالأعياد في بغداد ومناطق أخرى. 

وللبهائيين سبعة أعياد هي العيد الأعلى وهو أيام الصوم الـ19 التي تبدأ في 2 آذار، وعيد النوروز في 21 آذار، وعيد الرضوان من 21 نيسان إلى 2 أيار، وإعلان الباب للدعوة في 22 و23 أيار، وصعود بهاء الله في 29 أيار، واستشهاد الباب في 9 تموز، وميلاد الباب في 20 تشرين الأول. 

تلاقى قرار بطلان العقود البهائية مع قانون “السلامة الوطنية”، وهو قانون أصدرته رئاسة الجمهورية العراقية سنة 1965، مستندة بذلك إلى المادة 48 من الدستور المؤقت، وصادق مجلس الوزراء وقتها على هذا القانون الذي يمنح المؤسسات الأمنية صلاحيات واسعة من دون الرجوع إلى الأوامر القضائية. 

وبذلك صار القانون أداة لتصفية الخصوم السياسيين، حيث يتيح للسلطات الأمنية وضع يدها على أي مؤسسة، وممارسة صلاحيات شبه مطلقة كالاعتقال والتفتيش وفرض الرقابة وفض التجمّعات وغيرها. 

وهكذا، تمكّنت وزارة الداخلية من إصدار قرار يقضي بغلق جميع المحافل البهائية بعد أن طالها التشويه والاتهام بالعمالة للخارج، حتى وصف البهائيون بأنهم “حصان طروادة”. 

ووضعت وزارة الداخلية يدها على “حظائر القدس” في بغداد والبصرة وديالى، وهي الأماكن التي تُعقد فيها التجمّعات البهائية، وصودر كل ما فيها من كتب ووثائق وآلات طباعة. 

جرت بعد ذلك مراسلات بين السلطات العراقية والمصرية من أجل إصدار قانون تحريم البهائية في العراق أسوة بمصر، لكن مصلح النقشبندي، وزير العدل العراقي آنذاك، عارض إصدار هذا القانون وعدّه مخالفاً للدستور. 

بقي البهائيون يعتقدون أن مشروع التحريم فاشل ما لم يصدر قانون رسمي به، مع استمرار تسجيلهم في إحصاء 1965. 

وخلال فترة حكم البكر بعد انقلاب 17 تموز 1968 وسيطرة حزب البعث على السلطة، قدم البهائيون طلباً للبكر سنة 1969 ملتمسين فيه إعادة فتح معابدهم واسترجاع مبانيهم الإدارية. 

وجاء في نص الطلب أن “البهائية منذ إعلانها في العراق منذ ما ينوف على 120 عاماً، لم يشترك أتباعها بأي نشاط سياسي ضد الحكومات في العراق”. 

لكن السلطة لم تتجاهل الطلب فحسب، بل أصدرت عام 1970 قانون تحريم النشاط البهائي الذي قلب حياة البهائيين في العراق رأساً على عقب. 

جاء في المادة الأولى من القانون “يحظر على كل شخص ترويج أو تحبيذ البهائية أو الانتساب لأي محفل أو جهة تعمل على نشر البهائية أو الدعوة إليها بأي شكل من الأشكال”. 

كانت صياغة هذه المادة أكثر ما أثار قلق البهائيين في القانون، لأنها احتوت على ألفاظ مُبهمة، وكان مصدر التخوّف هو مغبة استعمال هذه المفاهيم العائمة من قبل قوات الأمن بشكل كيفي، وهو ما حصل فعلاً بعد ثلاث سنوات في حادثة مدرسة منطقة المأمون. 

من السجن الصغير إلى الكبير 

يروي ضياء يعقوب (70سنة) وهو مهندس بهائيّ متقاعد، أنهم اضطروا بعد حادثة مدرسة المأمون إلى جمع الكتب البهائية الدينية وما يدور حولها امتثالاً لقانون التحريم وصادرتها قوات الأمن، ولم يتمكن بهائيو العراق بعدها من لمس كتبهم حتى عام 2003. 

يذكر ضياء أن والده وأخته ووالد زوجته وبعض أقاربهم تم اعتقالهم بعد حادثة المدرسة، حيث كان البهائيون يذكرون أسماء أقاربهم من دون خبرة أمنية، على اعتبار أنهم لا يتسترون على جرم وليس لديهم ما يخفونه، لذلك تم اعتقال عدد كبير من البهائيين رجالاً ونساءً. 

كان والد ضياء أمين صندوق المحفل البهائي في البصرة، وحكم عليه بالسجن أكثر من عشر سنوات، لكنه خرج مع بقية البهائيين بالعفو العام بعدما كتبوا تعهّدات على أنفسهم بعدم ممارسة النشاط البهائي. 

في الوقت ذاته، يؤكد ضياء أن رفض وجود البهائيين كان سياسياً، ولم يواجهوا مشقة على الصعيد الاجتماعي، حيث كانوا يحظون بتعاطف الجيران ومساندتهم، حتى أنهم شاركوهم الاحتفال بإطلاق سراح ذويهم. 

ولم تتوقف المضايقات السياسية والإدارية، وعانى بعض البهائيين المطلق سراحهم من مشاكل كثيرة في استعادة وظائفهم أو أعمالهم، وينقل ضياء عن إحدى قريباته أنها لم تستطع معاودة حياتها السابقة فقالت “خرجت من سجن صغير إلى سجن كبير”. 

محو وشيك 

تسبب قانون تحريم النشاط البهائي بظهور مشاكل في قوانين الأحوال الشخصية، لذا قدمت السلطات العراقية مقترحاً بأن تترك خانة الديانة فارغة، وذلك حسب توصيات ديوان التدوين القانوني، لأن ذكر اسم الديانة البهائية في دفاتر نفوس البهائيين والبالغ عددهم وقتها 961 وفق السجلات، يعد اعترافاً بها، وهو ما يتعارض مع قانون 105. 

ولم تجد السلطات العراقية وقتها حلاً إلا في القانون المصري لتحريم البهائية وعدم الاعتراف بها، فاعتمدت بعض فقراته وطبقتها، ولاسيما الفقرتين التاليتين: 

أولاً: عدم ترك خانة “الديانة” في البطاقة أو السجل المدني خالية ويثبت فيها الديانة الثانية للوالدين بشهادة الطالب المقدمة منه. 

وهكذا أزالت دوائر النفوس في العراق كلمة بهائي من هويات الأحوال المدنية واستبدلتها باسم دين الوالد أو أحد الأجداد ممن كانوا ينتمون لديانة معترف بها في العراق. 

دفتر نفوس بهائي قبل الشطب من السجلات

ثانياً: بالنسبة للحصول على البطاقات العائلية فلا يجوز صرفها إذا كان سندها الوحيد زواجاً وفقاً للطقوس البهائية. 

وهذا الإجراء حرم البهائيين من إضافة زوجاتهم إلى البطاقات المدنية، إلا إذا كان أحدهم قدّم عقد زواج وفق إحدى الشرائع المعترف بها. 

بقي الأمر هكذا حتى صدر قانون يقضي بتجميد أي قيد يحمل في حقل الديانة كلمة بهائي وعدم إجراء أي معاملة عليه لحين إبراز صاحب القيد ما يثبت اعتناقه إحدى الديانات المعترف بها. 

ولأن ضياء بهائي من مواليد فترة ما قبل قانون التحريم، فقد كان يحمل بطاقة نفوس تتضمن خانة الديانة فيها كلمة “بهائي”، لكنها أسقطت بعد قانون التجميد واستمر هذا الوضع حتى الوقت الحالي. 

لذلك تم تسجيل مها وكل البهائيين من مواليد ما بعد قانون التحريم كمسلمين. 

وتقول مها “أنا أنتمي إلى عقيدة معرّضة للمحو. هوية الإنسان شيء مهم ويحز في نفسي أن لا نُسجل كبهائيين، لكن هذا الأمر ليس الأزمة الأكبر”. 

ما بعد 2003 

يسود تصوّرٌ بأن وضع البهائيين في العراق أفضل من بقية البلدان المحيطة، خصوصاً في ظل ما يتعرضون له من قمع في إيران واليمن أو تضييق في مصر، لكن هذا التصور تنقصه الدقة وتختبئ خلفه تفاصيل صعبة كثيرة. 

مثل كثير من العراقيين، توسّم البهائيون في تغيير النظام خيراً، وظنوا أن قصتهم مع التضييق وعدم الاعتراف ستنتهي، خصوصاً مع تصاعد شعارات الحرية والديمقراطية والتنوّع. 

وبناء على ذلك بدأوا تحركاتهم من أجل كسب الاعتراف الرسمي والسعي لحل مشكلات ومعاملات عالقة كعقود الزواج غير المسجلة بسبب قانون تجميد الوثائق منذ نحو أربعة عقود. 

بدأوا فعلياً بإعادة فتح محافلهم ومراكزهم، وشجّعهم في ذلك ظهور كيانات سياسية ومنظمات دينية وثقافية، وعقدوا انتخابات لأعضاء المحافل المحلية عام 2003 في بغداد والبصرة وكركوك والنجف وديالى وأربيل والسليمانية. 

كان البهائيون حريصين على أن تجرى نشاطاتهم بعد 2003 بصيغة قانونية، وأن تحظى بقبول حكومي رسمي على أقل تقدير، ولهذا أخطروا السلطات بكل خطواتهم مثل انتخابات المحافل وإعادة افتتاح المؤسسات، كما أنهم وجهوا كتاباً إلى جلال طالباني رئيس الجمهورية الراحل، عام 2006 من أجل إخطاره بنشاطاتهم وطالبوه بالتدخل المباشر لإلغاء قوانين تجميد المعاملات وحظر النشاط البهائي. 

على المستوى المؤسساتي، توجه البهائيون إلى وزارة حقوق الإنسان وتواصلوا معها من أجل إعلامها بوجود مكون ديني باسم “البهائيين”، وزودوا الوزارة بمجموعة من الكتب البهائية الدينية والمؤلفات التي تعرّف بالديانة البهائية ومفاهيمها. 

كما أنهم رفعوا لوزير العدل طلباً من أجل إلغاء قانون 105 وقانون تجميد القيود، كما طالبوا بشمول الدين البهائي برعاية ديوان الأوقاف. 

كذلك فاتحت هيأة المحفل البهائي المركزي في العراق، جواد البولاني وزير الداخلية الأسبق بموضوع إعادة النظر في قانون التجميد، وصدرت لبعض البهائيين هويات أحوال تتضمن في حقل الديانة كلمة “بهائي”. 

لكنها ليست النهاية السعيدة التي انتظرها البهائيون طويلاً، حيث اصطدموا بسلسلة من العراقيل والعثرات التي وضعت في طريقهم عن قصد، وفُعِّلت قوانين النظام السابق وتطبيقها، حتى أصدرت أمانة مجلس الوزراء كتاباً يمنع تثبيت الديانة البهائية في القيود والوثائق امتثالاً للقانون 105. 

يروي ضياء أنهم خلال تلك الفترة دأبوا كثيراً وبذلوا جهوداً حثيثة مدفوعين بقوة التفاؤل وطاقة الأمل، لكن مساعيهم قوبلت أخيراً بالرفض. 

وبدأت تظهر إمارات هذه الرفض التي لا تنطوي على حسابات دينية فقط بل سياسية أيضاً، من خلال امتناع كثير من المسؤولين عن مقابلة البهائيين لوحدهم من دون أن يكونوا جزءاً من وفد يمثل الأقليات. 

وتشمل “قائمة الرافضين” كما يصفها ضياء، رؤساء جمهورية كجلال طالباني وفؤاد معصوم الذي امتنع حتى عن الظهور في صورة جماعية تضم ممثلين عن البهائيين. 

وأيضاً تشمل القائمة زعماء أحزاب سياسية كعمار الحكيم وإبراهيم الجعفري، كما رفض مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق طلباً لمقابلة وفد بهائي، بحسب ضياء الذي كان جزءاً من هذه التحرُّكات. 

ليس من الصعب تحديد الأسباب السياسية لهذا الرفض، فمن المعروف أن لإيران سلطة على كثير من الأحزاب العراقية، لذلك يتجنّب كثير من المسؤولين العراقيين إزعاج الجانب الإيراني المعروف بمعاداة البهائيين. 

يقول ضياء إن الشخص الوحيد الذي استقبل البهائيين كوفد منفرد هو جواد الخوئي حفيد المرجع الديني الراحل أبي القاسم الخوئي. 

ومعروف عن جواد الخوئي أنه لا يتواءم كثيراً مع الخط السياسي الموالي لإيران، ولربما يساعد هذا الأمر في فهم الدوافع السياسية لعزل البهائيين وعدم الاعتراف بهم. 

وفوق قوانين الرفض وعدم الاعتراف المتوارثة عن الأنظمة السابقة، أضاف الدستور العراقي الحالي أحجاراً جديدة إلى جدار عزل البهائيين، حيث تنص مادته الثانية على أن “هذا الدستور يضمن الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين”. 

وعلى الرغم من أن البديهي والمعروف هنا أن الكاف أداة للتشبيه لا الحصر، وأن المادة القانونية تشمل جميع المذاهب والديانات غير المذكورة، لكن المعمول به إدارياً هو عدم الاعتراف بالبهائيين ما لم يرد ذكرهم نصاً في الدستور، وهذا ما يعكس تناقض المشرع العراقي الذي أكد في المادة الثالثة من الدستور على أن “العراق بلد متعدّد القوميات والأديان والمذاهب”. 

تقبّل الوضع.. نشاط بحذر 

وترى مها، وهي تمثل بذلك رؤية الأجيال الشابة من بهائيي العراق، أن لا مشكلة في خطوات التغيير البطيئة، فهي تضمن لهم السلامة وتجنبهم ضرر المواجهات المباشرة وما يترتب عليها من رفض مضاعف. 

قطف جيل مها ثمار نضال الأجيال البهائية السابقة، واستفاد كثيراً من محاولات ما بعد 2003، لأنها منحتهم فهماً ومعرفة لماهية النظام الحالي وسبل التعامل معه، لذلك اعتمدوا على طريقة النشاط الحذر والصوت الخفيض طالما يضمن لهم هامش حرية يستطيعون فيه إقامة محافلهم وإعلان هويتهم الدينية. 

ولا تعكس هذا البحبوحة سعة أفق النظام السياسي العراقي ولا مدى تقبله للآخر، لأنه نظام تخوض أطرافه -وهي من دين واحد- معارك سياسية وصلت في سنوات الاحتلال الأولى إلى حرب أهلية أحرقت البلاد. 

وطالما أن البهائيين لا يحملون أي طموح سياسي يهدد أحد أطراف النظام بحكم تعاليم دينهم الذي يحرم على متبعيه تعاطي السياسة، فهم مقبولون كمكون فئوي لا صوت له ولا تأثير، لكنه يخدم في النهاية صورة الفسيفساء العراقية التي يتاجر بها الكثير من الأحزاب انتخابياً وجماهيرياً. 

لذلك فإن موقف النظام العراقي المتراخي مع البهائيين، على عكس مواقف الدول المحيطة، هو فقط لأن أطراف هذا النظام مشغولون بصراعات أخرى ليس للبهائيين ككتلة بشرية واجتماعية أي تأثير عليها، فأعدادهم ليست مغرية لمرشحي الانتخابات وليس لديهم أصلاً تمثيل نيابي، وبالتالي لا عداء البهائيين ولا احتواءهم يشكل قيمة نفعية لأي طرف سياسي. 

مصداق ذلك أن هذا التراخي غير المقصود لا ينسحب على المعاملات الإدارية والقانونية التي تمحي البهائيين من الوثائق وتحرمهم من حق التعبير عن معتقداتهم، لذلك يريد جيل مها الحفاظ على الوضع الحالي في أقل تقدير من دون خلق مواجهات ستكون نتائجها محسومة ضدهم. 

المحافل والأعياد 

لا توجد إحصائية رسمية لعدد البهائيين في العراق، وتتراوح التقديرات بين 200 و500 ألف شخص. لا تحكمهم حدود ديموغرافية، فهم أبناء ديانة مشتتة ديموغرافياً وينتشرون في محافظات عديدة منها بغداد وكركوك والبصرة وديالى والنجف ومحافظات كردستان. 

تتميز البهائية بنظامها الإداري، فهي تتكون من ثلاثة أنواع من المؤسسات صممت لاتخاذ القرارات المتعلقة بحياة الجماعة وأهدافها. 

تنتخب هذه المؤسسات من قبل عموم البهائيين وهي “بيت العدل” و”المحفل الروحاني المحلي” و”المحفل الروحاني المركزي”. 

والمحفل الروحاني المحلي هو هيأة إدارية مكونة من تسعة أعضاء تمثل البهائيين على المستوى المحلي، ويتم انتخابهم في كل سنة في اليوم الأول من عيد الرضوان، ويبقى المنتخبون في العضوية لعام واحد إلى أن يُنتخب من يخلفهم. 

يعقد المحفل الروحاني في كل منطقة يبلغ عدد البهائيين فيها تسعة أشخاص، استنادا إلى النص الوارد في الكتاب الأقدس “قد كتب الله على كل مدينة أن يجعلوا فيها بيت عدل ويجتمع فيه النفوس على عدد البهاء”. 

أما المحفل الروحاني المركزي فهو هيأة مشابهة للمحفل المحلي إلا أنها أوسع، أوجدها البهائيون للتمثيل القطري والإقليمي ويتم اختيار أعضائها عن طريق الانتخابات غير المباشرة. 

ويتربع بيت العدل الأعظم على قمة هرم المؤسسات البهائية، فهو الهيأة العالمية العليا القائمة على إدارة شؤون الدين البهائي، فقد نص بهاء الله في كتابه “الكتاب الأقدس” على إنشاء هذه المؤسسة. 

ويتشكل بيت العدل الأعظم من تسعة أعضاء، ويتم انتخابهم كل خمس سنوات من جميع أعضاء المحافل المركزية البهائية. 

بلا مبالغات 

تذكر مها أنها حُرمتْ من حضور المحافل البهائية في السنوات الأولى بعد الاحتلال، ويعود ذلك أولاً لأسباب أمنية وثانياً لصعوبة عقد هذه المحافل وقتها، حيث اقتصرت المشاركة آنذاك على الشباب الذكور. 

لكن الوضع مختلف الآن، وهذا ما يمنح مها وجيلها شعوراً ولو بسيطاً بالرضا، فهو جيل ينظر إلى النصف المملوء من الكأس، ويعرف أن مأساته جزء من المأساة العراقية العامة، فلا يبالغ بالتذمر ولا التفاؤل، بل يحاول قدر الإمكان استغلال الوضع الحالي لصالحه، حيث بإمكانه حالياً إقامة محافله المحلية والروحانية والاحتفال بالعيدين الكبيرين، وهما عيد النوروز وعيد الرضوان، لكن ذلك كله يحصل ضمن نطاق محدود بعيداً عن الصخب ولفت النظر. 

أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج بتنظيم من الجامعة الأميركية في بيروت ودعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support