العيش في فوهة "التنّور" العالمي: البصرة.. مدينة بلا ظلال 

علي محمود خضير

16 تموز 2023

كيف يُمكن للمرء السير لمسافة 5-15 دقيقة عبر طرقات مكشوفة لا ظلال فيها لشجر يخفّف لهيب رياح البوارح (السموم) أو سياط الأشعة الشمسية التي تخترق اليافوخ مثل سيف لا مرئي وتحيل الملابس إلى خيوط مشتعلة؟ عن العيش بلا ظلال في فوهة "التنور" العالمي.

أشعر بالحيرة والإحباط كلما طلبت ابنتي نايا الخروج من البيت في نزهة. أصعب مهمّة لأب يسكن البصرة إيجاد مساحة خضراء في مدينة كانت تسمى يوماً بلاد النخيل والخليل، لكنها اليوم كتل لا نهائيّة من الكونكريت الخانق الذي تسحقه شمس عموديّة هي الأشد كثافةً على مستوى العالم. 

تتضاعف مشقة المرء في حال عدم امتلاكه سيّارة خاصّة. عليه –في هذه الحال- أن يقطع الزقاق عبر الشوارع الفرعيّة في منطقته حتى يصل إلى الشارع العام لانتظار سيّارات النقل الأهلي “الكيّات”، لتقلّه إلى مكان عمله أو وجهته. مسافة بين 5-15 دقيقة سيراً عبر طرقات مكشوفة، لا ظلال فيها لشجر يخفف لهيب رياح البوارح (السموم) أو سياط الأشعة الشمسية التي تخترق اليافوخ مثل سيف لا مرئي وتحيل الملابس إلى خيوط مشتعلة. 

عودة إلى البصرة 

عدتُ إلى البصرة عام 2005 بعد أن قضيت عشر سنوات في العاصمة بغداد، أكملت فيها دراستي الإعداديّة والجامعيّة، وخلال 18 سنة الماضية لم تنشئ الحكومة المحليّة حديقة عامّة واحدة في مركز المدينة، بل على العكس، قد أحالت منتزه الخورة، وهو المنتزه العام الوحيد، إلى الاستثمار، وحوّلت أكبر مساحة خضراء في قلب البصرة إلى مول تجاري، كما قلّصت مساحة حدائق ساحة الطيران في شارع الوفود بحجة توسعة الشارع، وقضت على حدائق العباسيّة في عملية “تطوير” شارع الفراهيدي، حيث استبدلت العشب الأخضر بالمقرنص الصلب. ثم قطعت بدم بارد أشجاراً معمّرة، لا تقدر بثمن، في عملية تأهيل شارع الكورنيش قبيل بطولة خليجي 25. واستبدلت الغطاء العشبيّ للجزيرة الوسطيّة في الشارع التجاريّ ببساط بلاستيكي أخضر مثير للسخريّة. فيما استمرت عمادات كليات مختلفة في جامعات البصرة بحملات القضاء على الأشجار المتواجدة فيها.  

أعمال إنشاء مول الخورة، على أرض المتنزه، المصدر: صفحة المتنزه على فيسبوك. 

بحسب بعض طلبة الجامعة، فإن إزالة الأشجار جاءت لتمنع تجمّع الطلاب والطالبات في جلسات غير محبذة شرعاً. 

بصرة الأمس! 

القطع والتجريف للمساحات الخضراء يجري في وقت يدعو العالم كله إلى حملات التشجير وحماية الغطاء النباتي وسط تغييرات مناخية حادّة. 

يعد العراق واحداً من أكثر خمس دول تأثراً بتقلبات المناخ بحسب بيان منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي في حزيران 2022. 

لا يصدّق أحفاد البصرة اليوم أن أجدادهم، وحتّى زمن قريب، كانوا يصدّرون الموز والعنب والبامية والتفاح والخوخ والمشمش والبقول والحبوب إلى الخليج وباقي مدن العراق وضواحي إيران الجنوبية الغربية، وأن مقاطعات البصرة الجنوبية مثلاً كانت غنية بفواكهها وخضراواتها أيام الوالي منيب باشا الذي أعاد نظام الجريب عام 1869 فانتعش المزارعون وارتاحوا من فيض غلالهم وباعوها بأسعار رخيصة، كان قفص الطماطم الذي يحتوي على 30 حبة يباع بربع مجيدي (50 فلساً) وكيس الباميا 5 آلاف إصبع بنصف مجيدي (100 فلس)، أما الفواكه فلم تتجاوز الحبة عشر بارات فحسب، يا بلاش! حتى أن المجاعة الشهيرة التي ضربت العراق عام 1787 وعرفت بـ(قحط خصباك) أيام الحاكم ثويني بن عبد الله السعدون لم تؤثر في مدينتهم كما أثرت بسائر البلاد، فبِيع عثق الموز الذي يحتوي على معدل 300 موزة بمجيدي واحد (200 فلس).. 

خور السراي في البصرة أوائل عشرينات القرن الماضي، المصدر: ويكبيديا 

يورد حامد البازي أبياتاً في مديح موز البصرة تغنى بها العبّاس بن علي المكّي صاحب “نزهة الجليس” في النصف الأوّل من القرن الثاني عشر: 

 للموز إحسان بلا ذنوب 

ليس بمعدود ولا محسوب 

يكاد من موقعه المحبوب 

يدفعه البلع إلى القلوب 

أما جزيرة الصالحية، شرقي المدينة، التي استحالت بساتينها اليوم إلى بيوتات عشوائية بفعل الحروب وسوء التخطيط الحكومي وتجاوزات الناس، بعدما كانت مصدراً لأجود أنواع الحنطة والأرز الذي تعددت أنواعه، فمنه (الصالحي) ومنه (الحسيبي) ومنه (المحيلي). فيما يتحدث صبغة الله الحيدري عن جزر شط العرب التي يكثر فيها إنتاج الأرز، حتى أن الشيخ جابر المرداو كان يصدر سنوياً ألف كيس من الأرز، زيادة على ما يبيعه محلياً، من حقول جزيرة واحدة فقط، هي جزيرة (المحلة). 

أعمال توسعة شارع الوفود والتي قضت على المساحات الخضراء، المصدر: بلدية البصرة 

الجذور تخرّب الأساسات! 

البصريون اليوم لا يزرعون أشجاراً أمام بيوتهم، ولا على الأرصفة أو نواصي الطرقات. ثمة شائعة سائدة بينهم بأن جذور تلك الأشجار تخرّب “أساس” البيوت أو المحال التجاريّة. إنهم يقايضون حياتهم بحياة الحجر. كما أن الأشجار تطلب عناية شبه يوميّة، وماءً عذباً على مدار السنة، ودوريات حراسة من المواشي السائبة في الطرقات أو قطعان الرعي التي تداهم الأحياء السكنية فتقضي على مزروعاتها. “إننا بالكاد نشتري قوارير الماء العذب للشرب وطهي الطعام”، قال الحاج أبو رافد (68 سنة) من سكنة محلة الساعي في العشار. 

“الإنفاق على سقي الأشجار يضاعف التزاماتنا الماليّة والدنيا صعبة”. 

الأشجار تحتاج أموالاً إذن، والأموال توزّع بشكل غير عادل في العراق. 

يضيف أبو رافد، مستعيداً البصرة قبل نصف قرن، “محلات مثل الساعي وبريهة والجزائر وجانبي نهر الخورة ومناوي لجم في مركز المدينة، كانت كلها بساتين نخيل وأشجار بمبر وحمضيات كثيفة ومتشابكة”. 

كان جيل أبو رافد يعبر هذه البساتين أثناء ذهابه إلى سوق العشار أو حنا الشيخ، أو إلى الدراسة في الإعدادية المركزية، وهو من آخر الأجيال التي انتشت بالنسيم البارد المتسرب من غضون تلك الجنائن الصغيرة”. 

“أما طريق أبي الخصيب أو المناطق الشمالية من البصرة فكانت غابات أشجار لا تعد ولا تحصى حتى يمكنك أن تعد ثلاثين شجرة أو شجيرة في مساحة لا تتجاوز الأمتار”. 

استحالت تلك البساتين وسط المدينة إلى أحياء سكنية جرّاء التوسّع السكاني إبّان السبعينات، وجاءت الحرب العراقيّة الإيرانيّة لتشكل حفلة إعدام واسعة لملايين الأشجار في البصرة بحجة تهيئة فضاء “قتالي” لقطعات الجيش، ومنع “المخربين” من اللجوء إلى البساتين التي تمثل ملاذاً آمنا لهم.  

نفّذ عبد الغني عبد الغفور، القيادي البعثي، عملية تجريف واسعة لبساتين في التنومة محاذاة شط العرب أعقاب محاولة اغتيال صدام حسين الفاشلة عام 1982 في الدجيل. فيما تولى القصف المدفعيّ اليوميّ القضاء على أكبر غابة نخيل في العالم آنذاك، الممتدة من كرمة علي شمالاً إلى حدود قضاء الفاو المطل على الخليج جنوباً. 

فاقم الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن المنصرم مشكلة تراجع الظلال في البصرة وسطوة الأشعة الشمسية، فمعظم الدور السكنية التي كانت تملك حديقة تزينها عدد من الأشجار استغنى عنها مالكوها لتحويلها إلى مشتملات سكنية تضم أبناء الأسرة الذين كبروا وتزوجوا واحتاجوا مأوى لعائلاتهم الجديدة. كذلك هجرة الفلاحين طلباً للعمل في المدن وتجفيف الأهوار أسهما بموت مئات الهكتارات الزراعيّة واختلال التوازن المائي في الفرات الأوسط وجنوب البلاد على التوالي. 

تظاهرة عام 2021 ترفض تجريف حدائق العباسية في البصرة / المصدر: السوشيال ميديا. 

الخراب الأعظم 

لكن الخراب الأعظم جاء بعد عام، 2003 وانهيار مؤسسات الدولة التي كانت تمنع البناء في الأراضي الزراعية. أدّت زيادة الكثافة السكانية وضعف الدولة إلى زحف المواطنين على البساتين جنوبي البصرة وتجريفها لتتحول إلى مناطق سكنية ابتلعت مساحات خضراء واسعة كانت تمد المدينة بتوازن بيئي ملموس. هكذا تحولت مناطق زراعية بالكامل في مناوي لجم وعويسيان والسراجي والبهادرية ويوسفان والسبيليات وحمدان وغيرها جنوباً إلى أرض جرداء تعصف فيها حرارة خانقة على مدار 9 أشهر في السنة ويتصاعد منها دخان المولّدات الكهربائيّة وحرائق النفايات، إذ لا تدخل المناطق العشوائيّة ضمن خطة الحكومة المحلية في التجهيز بالكهرباء أو تقديم الخدمات البلدية. 

الأشجار في المدينة بنيّة تحتية 

لم يكن مناخ العراق أساساً بحاجة لتلك الضربات، يقول المتنبئ الجويّ صادق عطية إن “العراق يقع ضمن المناخ شبه الصحراويّ الجاف، يغلب على أمطاره التطرف بين الشدة والشحة بين موسم وآخر، والأمر يشمل درجات الحرارة التي تتطرف بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء”. 

بعض مناطق الوسط تعاني من درجات دون الصفر شتاءً في بعض المواسم، ولكنها تنقلب في الصيف إلى درجات حرارية قياسية (تتجاوز 55 مئوي في الظل أحياناً). وقد تصدرت مدنٌ عراقية قائمة أعلى مناطق العالم حرارة أكثر من مرة في السنوات الأخيرة. 

أشار عطية إلى أن المنطقة الجنوبيّة في العراق، إضافة إلى الكويت ومناطق إيران المحاذية لجنوب العراق، تم تصنيفها بـ”فوهة التنور العالمي” منذ عام 2016، حيث يأتي الهواء إليها من الهضبة الغربيّة مكبوساً، ساخناً، ليسير في وادٍ شاسعٍ مجرد من المناطق الخضراء، إضافة إلى خسارة مساحة الأهوار التي كانت تلطف من حرارة الهواء المحمول عبر الرياح الشمالية الغربية.  

من الجهة الشرقيّة ترسل جبال إيران وهضبتها رياحاً هابطة لا تجد في طريقها ما يلطف من حرارتها بعد تقلص مساحة أهوار الحويزة لذلك فإن الفترة بين أيار وأيلول من كل عام تتسم بأجواء لاهبة لا تطاق يزيد من قسوتها الرعي الجائر والتجاوز على البساتين والمراعي وشحة الأمطار وملوحة الماء. يختم عطية كلامه بنبوءة مفجعة أطلقتها تقارير مختصّة تحذر من بقاء الوضع على ما هو عليه، ما يجعل وسط وجنوبي العراق مناطق غير صالحة للعيش بحلول عام 2100. 

شكلت البصرة، سابقاً، خط الدفاع الأول ضد التغيرات المناخيّة، لكن انخفاض منسوبي مياه دجلة والفرات أدى إلى زيادة مستوى الملوحة وتدهور جودة المياه، خاصة في ظل وجود تبخّر سنوي بمعدل 3 أمتار. ما أدى إلى تدمير حوالي 60 ألف فدان زراعي وقتل 30 ألف شجرة. وجعل أربعة ملايين شخص يسكنون المنطقة هم الأكثر تضرراً بندرة المياه. 

قال الدكتور غياث عبد الله، اختصاص الأمراض الباطنيّة، إن ارتفاع درجة الحرارة يزيد من خطر الوفاة وإن لم يكن سبباً مباشراً فيها، ويشير إلى دراسات تحدّثت عن موجة حرّ قصيرة (يومان فقط) في لوس انجلس أسهمت برفع الوفيات بنسبة 8 بالمئة عن المعدل الطبيعي خاصة في أوساط المسنين ممن يعانون من أمراض مزمنة، ويتضاعف الرقم مرتين في حال استمرت الموجة لخمسة أيام. 

يمكن لأشعة الشمس أن تزيد نبض الإنسان بشكل خطير وتتلاعب بمستويات ضغط الدم وهما عاملان مؤثران في تعرض الإنسان إلى مشكلة جادة في القلب قد تهدّد حياته. 

 أوضح عبد الله “للمساحات الخضراء تأثير إيجابي على الصحة النفسيّة، بمقابل الشد العصبيّ والبصريّ والإحساس بالانقباض لمنظر أحياء مدينة كاملة بلا شجرة أو حديقة أو مساحات من العشب الأخضر، ما يرفع معدلات الجريمة والانتحار والعنف الأسريّ والاكتئاب”. 

كان صيف 2022 إنذاراً أوليّاً لجحيم التغيّر المناخيّ إذ تعرض العراق إلى موجات غباريّة كثيفة ومتكررة وغير مسبوقة أدخل على إثرها الآلاف من مرضى الجهاز التنفسيّ المستشفيات، فيما أعلنت بعض المحافظات عن حالات وفاة.  

ورغم ارتفاع المطالبات بإنشاء أحزمة خضراء حول المدن وتشريع قوانين لحماية البيئة والمحاسبة الجادّة على قطع الأشجار، إلّا أن كلّ شيء ذهب إلى النسيان بعد انتهاء فصل الصيف العاصف. ولا تزال الحكومة تفضل رصف المساحات الفارغة في مشاريعها الجديدة بالبلاط أو المقرنص على إنشاء مساحات خضراء، كما حدث مع أكبر ساحة عامة في البصرة، وهي ساحة الحريّة، والمرصوفة كلياً بالبلاط بدلاً من العشب الذي يكلف الدولة ماءً ومتابعة وعمالة مهنية ودوخة راس. 

البصريون يسخرون 

يتندر البصريون بنشرهم مواد ساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على إصرار الشركات المنفذّة لمشاريع البنى التحتيّة في المدينة على استعمال أشجار نخيل الزينة “الواشنطونيا” ذات المساحة الظليّة شبه المعدومة في تشجير وتزيين أرصفة مشاريع تأهيل الأحياء السكنية الجديدة بدلاً من اختيار أشجار مقاومة للجفاف، وارفة الظلال، مثل أشجار كف مريم والياسمين الهندي والبونسيانا. إن حرب الإنسان ضد الاحتباس الحراري والتغير المناخي بتطوير وسائل الزراعة والانتصار للظلال هي حرب ثقافة بالدرجة الأساس. ثقافة حكومة ومجتمع وأفراد عليهم أن يدركوا بأن الطبيعة قاتلة شأنها شأن أي سلاح حربي أو جائحة فايروسيّة، وأن شجرة واحدة تقطع في دقائق بقرار اعتباطي من مسؤول جاهل تستغرق عشرات السنين لكي تصل إلى مستواها الأقصى من الفائدة الظلية، وبالتالي فأن التجريف والقطع العشوائي هو خسارة في المال والزمن في الآن نفسه. 

في تقرير مصوّر لمجلة “ناشيونال جيوغرافيك” نشر في العدد 130/ المجلد 33، تموز 2021، ذكرت الكاتبة اليخاندرا بوروندا أنه “يمكن عد ظل الأشجار في مدينة من المدن بنية تحتية، مثلها مثل نظام الصرف الصحي أو شبكة الطرق. إن ظلا متطوراً كفيلٌ بتخفيف أثر “جزيرة حرارية حضرية”، حيث تحبس الأرصفة والأبنية الحرارة وترفعها إلى درجات أعلى بكثير مما هي عليه خارج المدينة”.  

وفي إشارة لافتة لقيمة الظلال، قالت بوروندا “قد يؤدي تظليل الأجسام من أشعة الشمس إلى خفض درجة حرارة أسطحها بما يصل إلى 25 درجة مئوية في يوم حار”.  

يمكن أن نسحب تأثير ذلك على تظليل الشوارع والطرقات بشبكة تشجير فعّالة تصنعها أوراق الأشجار الكثيفة حيث “يؤدّي المطر أو تبخر المياه من الأشجار إلى خفض حرارة الهواء بما يصل إلى 5 درجة مئوية” بحسب مختبر المنحة الرقميّة التابع لجامعة ريتشموند/ وكالة حماية البيئة. 

مثل هذه الدراسات التي تشير لأهمية الظلال في جودة حياة المواطن، لا تحظى بأي تقدير من المسؤولين، هذا إذا افترضنا بأنهم اطلعوا عليها، كما أن طبيعة عيش المواطن العراقي وظروفه تجعله يدور في فلك لقمة العيش وتوفر الخبز والبنزين والمتطلبات الحياتية.  

ويزداد الأمر سوءاً في مدينة تعاني تبعات الصناعة النفطيّة وتشتعل في محيطها أكثر من 300 شعلة نفطية تبث النار والسموم إلى سماء المدينة على مدار 24 ساعة، ويقتل الماء المالح النبات والحيوان على ضفاف شطآنها. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

أشعر بالحيرة والإحباط كلما طلبت ابنتي نايا الخروج من البيت في نزهة. أصعب مهمّة لأب يسكن البصرة إيجاد مساحة خضراء في مدينة كانت تسمى يوماً بلاد النخيل والخليل، لكنها اليوم كتل لا نهائيّة من الكونكريت الخانق الذي تسحقه شمس عموديّة هي الأشد كثافةً على مستوى العالم. 

تتضاعف مشقة المرء في حال عدم امتلاكه سيّارة خاصّة. عليه –في هذه الحال- أن يقطع الزقاق عبر الشوارع الفرعيّة في منطقته حتى يصل إلى الشارع العام لانتظار سيّارات النقل الأهلي “الكيّات”، لتقلّه إلى مكان عمله أو وجهته. مسافة بين 5-15 دقيقة سيراً عبر طرقات مكشوفة، لا ظلال فيها لشجر يخفف لهيب رياح البوارح (السموم) أو سياط الأشعة الشمسية التي تخترق اليافوخ مثل سيف لا مرئي وتحيل الملابس إلى خيوط مشتعلة. 

عودة إلى البصرة 

عدتُ إلى البصرة عام 2005 بعد أن قضيت عشر سنوات في العاصمة بغداد، أكملت فيها دراستي الإعداديّة والجامعيّة، وخلال 18 سنة الماضية لم تنشئ الحكومة المحليّة حديقة عامّة واحدة في مركز المدينة، بل على العكس، قد أحالت منتزه الخورة، وهو المنتزه العام الوحيد، إلى الاستثمار، وحوّلت أكبر مساحة خضراء في قلب البصرة إلى مول تجاري، كما قلّصت مساحة حدائق ساحة الطيران في شارع الوفود بحجة توسعة الشارع، وقضت على حدائق العباسيّة في عملية “تطوير” شارع الفراهيدي، حيث استبدلت العشب الأخضر بالمقرنص الصلب. ثم قطعت بدم بارد أشجاراً معمّرة، لا تقدر بثمن، في عملية تأهيل شارع الكورنيش قبيل بطولة خليجي 25. واستبدلت الغطاء العشبيّ للجزيرة الوسطيّة في الشارع التجاريّ ببساط بلاستيكي أخضر مثير للسخريّة. فيما استمرت عمادات كليات مختلفة في جامعات البصرة بحملات القضاء على الأشجار المتواجدة فيها.  

أعمال إنشاء مول الخورة، على أرض المتنزه، المصدر: صفحة المتنزه على فيسبوك. 

بحسب بعض طلبة الجامعة، فإن إزالة الأشجار جاءت لتمنع تجمّع الطلاب والطالبات في جلسات غير محبذة شرعاً. 

بصرة الأمس! 

القطع والتجريف للمساحات الخضراء يجري في وقت يدعو العالم كله إلى حملات التشجير وحماية الغطاء النباتي وسط تغييرات مناخية حادّة. 

يعد العراق واحداً من أكثر خمس دول تأثراً بتقلبات المناخ بحسب بيان منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي في حزيران 2022. 

لا يصدّق أحفاد البصرة اليوم أن أجدادهم، وحتّى زمن قريب، كانوا يصدّرون الموز والعنب والبامية والتفاح والخوخ والمشمش والبقول والحبوب إلى الخليج وباقي مدن العراق وضواحي إيران الجنوبية الغربية، وأن مقاطعات البصرة الجنوبية مثلاً كانت غنية بفواكهها وخضراواتها أيام الوالي منيب باشا الذي أعاد نظام الجريب عام 1869 فانتعش المزارعون وارتاحوا من فيض غلالهم وباعوها بأسعار رخيصة، كان قفص الطماطم الذي يحتوي على 30 حبة يباع بربع مجيدي (50 فلساً) وكيس الباميا 5 آلاف إصبع بنصف مجيدي (100 فلس)، أما الفواكه فلم تتجاوز الحبة عشر بارات فحسب، يا بلاش! حتى أن المجاعة الشهيرة التي ضربت العراق عام 1787 وعرفت بـ(قحط خصباك) أيام الحاكم ثويني بن عبد الله السعدون لم تؤثر في مدينتهم كما أثرت بسائر البلاد، فبِيع عثق الموز الذي يحتوي على معدل 300 موزة بمجيدي واحد (200 فلس).. 

خور السراي في البصرة أوائل عشرينات القرن الماضي، المصدر: ويكبيديا 

يورد حامد البازي أبياتاً في مديح موز البصرة تغنى بها العبّاس بن علي المكّي صاحب “نزهة الجليس” في النصف الأوّل من القرن الثاني عشر: 

 للموز إحسان بلا ذنوب 

ليس بمعدود ولا محسوب 

يكاد من موقعه المحبوب 

يدفعه البلع إلى القلوب 

أما جزيرة الصالحية، شرقي المدينة، التي استحالت بساتينها اليوم إلى بيوتات عشوائية بفعل الحروب وسوء التخطيط الحكومي وتجاوزات الناس، بعدما كانت مصدراً لأجود أنواع الحنطة والأرز الذي تعددت أنواعه، فمنه (الصالحي) ومنه (الحسيبي) ومنه (المحيلي). فيما يتحدث صبغة الله الحيدري عن جزر شط العرب التي يكثر فيها إنتاج الأرز، حتى أن الشيخ جابر المرداو كان يصدر سنوياً ألف كيس من الأرز، زيادة على ما يبيعه محلياً، من حقول جزيرة واحدة فقط، هي جزيرة (المحلة). 

أعمال توسعة شارع الوفود والتي قضت على المساحات الخضراء، المصدر: بلدية البصرة 

الجذور تخرّب الأساسات! 

البصريون اليوم لا يزرعون أشجاراً أمام بيوتهم، ولا على الأرصفة أو نواصي الطرقات. ثمة شائعة سائدة بينهم بأن جذور تلك الأشجار تخرّب “أساس” البيوت أو المحال التجاريّة. إنهم يقايضون حياتهم بحياة الحجر. كما أن الأشجار تطلب عناية شبه يوميّة، وماءً عذباً على مدار السنة، ودوريات حراسة من المواشي السائبة في الطرقات أو قطعان الرعي التي تداهم الأحياء السكنية فتقضي على مزروعاتها. “إننا بالكاد نشتري قوارير الماء العذب للشرب وطهي الطعام”، قال الحاج أبو رافد (68 سنة) من سكنة محلة الساعي في العشار. 

“الإنفاق على سقي الأشجار يضاعف التزاماتنا الماليّة والدنيا صعبة”. 

الأشجار تحتاج أموالاً إذن، والأموال توزّع بشكل غير عادل في العراق. 

يضيف أبو رافد، مستعيداً البصرة قبل نصف قرن، “محلات مثل الساعي وبريهة والجزائر وجانبي نهر الخورة ومناوي لجم في مركز المدينة، كانت كلها بساتين نخيل وأشجار بمبر وحمضيات كثيفة ومتشابكة”. 

كان جيل أبو رافد يعبر هذه البساتين أثناء ذهابه إلى سوق العشار أو حنا الشيخ، أو إلى الدراسة في الإعدادية المركزية، وهو من آخر الأجيال التي انتشت بالنسيم البارد المتسرب من غضون تلك الجنائن الصغيرة”. 

“أما طريق أبي الخصيب أو المناطق الشمالية من البصرة فكانت غابات أشجار لا تعد ولا تحصى حتى يمكنك أن تعد ثلاثين شجرة أو شجيرة في مساحة لا تتجاوز الأمتار”. 

استحالت تلك البساتين وسط المدينة إلى أحياء سكنية جرّاء التوسّع السكاني إبّان السبعينات، وجاءت الحرب العراقيّة الإيرانيّة لتشكل حفلة إعدام واسعة لملايين الأشجار في البصرة بحجة تهيئة فضاء “قتالي” لقطعات الجيش، ومنع “المخربين” من اللجوء إلى البساتين التي تمثل ملاذاً آمنا لهم.  

نفّذ عبد الغني عبد الغفور، القيادي البعثي، عملية تجريف واسعة لبساتين في التنومة محاذاة شط العرب أعقاب محاولة اغتيال صدام حسين الفاشلة عام 1982 في الدجيل. فيما تولى القصف المدفعيّ اليوميّ القضاء على أكبر غابة نخيل في العالم آنذاك، الممتدة من كرمة علي شمالاً إلى حدود قضاء الفاو المطل على الخليج جنوباً. 

فاقم الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن المنصرم مشكلة تراجع الظلال في البصرة وسطوة الأشعة الشمسية، فمعظم الدور السكنية التي كانت تملك حديقة تزينها عدد من الأشجار استغنى عنها مالكوها لتحويلها إلى مشتملات سكنية تضم أبناء الأسرة الذين كبروا وتزوجوا واحتاجوا مأوى لعائلاتهم الجديدة. كذلك هجرة الفلاحين طلباً للعمل في المدن وتجفيف الأهوار أسهما بموت مئات الهكتارات الزراعيّة واختلال التوازن المائي في الفرات الأوسط وجنوب البلاد على التوالي. 

تظاهرة عام 2021 ترفض تجريف حدائق العباسية في البصرة / المصدر: السوشيال ميديا. 

الخراب الأعظم 

لكن الخراب الأعظم جاء بعد عام، 2003 وانهيار مؤسسات الدولة التي كانت تمنع البناء في الأراضي الزراعية. أدّت زيادة الكثافة السكانية وضعف الدولة إلى زحف المواطنين على البساتين جنوبي البصرة وتجريفها لتتحول إلى مناطق سكنية ابتلعت مساحات خضراء واسعة كانت تمد المدينة بتوازن بيئي ملموس. هكذا تحولت مناطق زراعية بالكامل في مناوي لجم وعويسيان والسراجي والبهادرية ويوسفان والسبيليات وحمدان وغيرها جنوباً إلى أرض جرداء تعصف فيها حرارة خانقة على مدار 9 أشهر في السنة ويتصاعد منها دخان المولّدات الكهربائيّة وحرائق النفايات، إذ لا تدخل المناطق العشوائيّة ضمن خطة الحكومة المحلية في التجهيز بالكهرباء أو تقديم الخدمات البلدية. 

الأشجار في المدينة بنيّة تحتية 

لم يكن مناخ العراق أساساً بحاجة لتلك الضربات، يقول المتنبئ الجويّ صادق عطية إن “العراق يقع ضمن المناخ شبه الصحراويّ الجاف، يغلب على أمطاره التطرف بين الشدة والشحة بين موسم وآخر، والأمر يشمل درجات الحرارة التي تتطرف بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء”. 

بعض مناطق الوسط تعاني من درجات دون الصفر شتاءً في بعض المواسم، ولكنها تنقلب في الصيف إلى درجات حرارية قياسية (تتجاوز 55 مئوي في الظل أحياناً). وقد تصدرت مدنٌ عراقية قائمة أعلى مناطق العالم حرارة أكثر من مرة في السنوات الأخيرة. 

أشار عطية إلى أن المنطقة الجنوبيّة في العراق، إضافة إلى الكويت ومناطق إيران المحاذية لجنوب العراق، تم تصنيفها بـ”فوهة التنور العالمي” منذ عام 2016، حيث يأتي الهواء إليها من الهضبة الغربيّة مكبوساً، ساخناً، ليسير في وادٍ شاسعٍ مجرد من المناطق الخضراء، إضافة إلى خسارة مساحة الأهوار التي كانت تلطف من حرارة الهواء المحمول عبر الرياح الشمالية الغربية.  

من الجهة الشرقيّة ترسل جبال إيران وهضبتها رياحاً هابطة لا تجد في طريقها ما يلطف من حرارتها بعد تقلص مساحة أهوار الحويزة لذلك فإن الفترة بين أيار وأيلول من كل عام تتسم بأجواء لاهبة لا تطاق يزيد من قسوتها الرعي الجائر والتجاوز على البساتين والمراعي وشحة الأمطار وملوحة الماء. يختم عطية كلامه بنبوءة مفجعة أطلقتها تقارير مختصّة تحذر من بقاء الوضع على ما هو عليه، ما يجعل وسط وجنوبي العراق مناطق غير صالحة للعيش بحلول عام 2100. 

شكلت البصرة، سابقاً، خط الدفاع الأول ضد التغيرات المناخيّة، لكن انخفاض منسوبي مياه دجلة والفرات أدى إلى زيادة مستوى الملوحة وتدهور جودة المياه، خاصة في ظل وجود تبخّر سنوي بمعدل 3 أمتار. ما أدى إلى تدمير حوالي 60 ألف فدان زراعي وقتل 30 ألف شجرة. وجعل أربعة ملايين شخص يسكنون المنطقة هم الأكثر تضرراً بندرة المياه. 

قال الدكتور غياث عبد الله، اختصاص الأمراض الباطنيّة، إن ارتفاع درجة الحرارة يزيد من خطر الوفاة وإن لم يكن سبباً مباشراً فيها، ويشير إلى دراسات تحدّثت عن موجة حرّ قصيرة (يومان فقط) في لوس انجلس أسهمت برفع الوفيات بنسبة 8 بالمئة عن المعدل الطبيعي خاصة في أوساط المسنين ممن يعانون من أمراض مزمنة، ويتضاعف الرقم مرتين في حال استمرت الموجة لخمسة أيام. 

يمكن لأشعة الشمس أن تزيد نبض الإنسان بشكل خطير وتتلاعب بمستويات ضغط الدم وهما عاملان مؤثران في تعرض الإنسان إلى مشكلة جادة في القلب قد تهدّد حياته. 

 أوضح عبد الله “للمساحات الخضراء تأثير إيجابي على الصحة النفسيّة، بمقابل الشد العصبيّ والبصريّ والإحساس بالانقباض لمنظر أحياء مدينة كاملة بلا شجرة أو حديقة أو مساحات من العشب الأخضر، ما يرفع معدلات الجريمة والانتحار والعنف الأسريّ والاكتئاب”. 

كان صيف 2022 إنذاراً أوليّاً لجحيم التغيّر المناخيّ إذ تعرض العراق إلى موجات غباريّة كثيفة ومتكررة وغير مسبوقة أدخل على إثرها الآلاف من مرضى الجهاز التنفسيّ المستشفيات، فيما أعلنت بعض المحافظات عن حالات وفاة.  

ورغم ارتفاع المطالبات بإنشاء أحزمة خضراء حول المدن وتشريع قوانين لحماية البيئة والمحاسبة الجادّة على قطع الأشجار، إلّا أن كلّ شيء ذهب إلى النسيان بعد انتهاء فصل الصيف العاصف. ولا تزال الحكومة تفضل رصف المساحات الفارغة في مشاريعها الجديدة بالبلاط أو المقرنص على إنشاء مساحات خضراء، كما حدث مع أكبر ساحة عامة في البصرة، وهي ساحة الحريّة، والمرصوفة كلياً بالبلاط بدلاً من العشب الذي يكلف الدولة ماءً ومتابعة وعمالة مهنية ودوخة راس. 

البصريون يسخرون 

يتندر البصريون بنشرهم مواد ساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على إصرار الشركات المنفذّة لمشاريع البنى التحتيّة في المدينة على استعمال أشجار نخيل الزينة “الواشنطونيا” ذات المساحة الظليّة شبه المعدومة في تشجير وتزيين أرصفة مشاريع تأهيل الأحياء السكنية الجديدة بدلاً من اختيار أشجار مقاومة للجفاف، وارفة الظلال، مثل أشجار كف مريم والياسمين الهندي والبونسيانا. إن حرب الإنسان ضد الاحتباس الحراري والتغير المناخي بتطوير وسائل الزراعة والانتصار للظلال هي حرب ثقافة بالدرجة الأساس. ثقافة حكومة ومجتمع وأفراد عليهم أن يدركوا بأن الطبيعة قاتلة شأنها شأن أي سلاح حربي أو جائحة فايروسيّة، وأن شجرة واحدة تقطع في دقائق بقرار اعتباطي من مسؤول جاهل تستغرق عشرات السنين لكي تصل إلى مستواها الأقصى من الفائدة الظلية، وبالتالي فأن التجريف والقطع العشوائي هو خسارة في المال والزمن في الآن نفسه. 

في تقرير مصوّر لمجلة “ناشيونال جيوغرافيك” نشر في العدد 130/ المجلد 33، تموز 2021، ذكرت الكاتبة اليخاندرا بوروندا أنه “يمكن عد ظل الأشجار في مدينة من المدن بنية تحتية، مثلها مثل نظام الصرف الصحي أو شبكة الطرق. إن ظلا متطوراً كفيلٌ بتخفيف أثر “جزيرة حرارية حضرية”، حيث تحبس الأرصفة والأبنية الحرارة وترفعها إلى درجات أعلى بكثير مما هي عليه خارج المدينة”.  

وفي إشارة لافتة لقيمة الظلال، قالت بوروندا “قد يؤدي تظليل الأجسام من أشعة الشمس إلى خفض درجة حرارة أسطحها بما يصل إلى 25 درجة مئوية في يوم حار”.  

يمكن أن نسحب تأثير ذلك على تظليل الشوارع والطرقات بشبكة تشجير فعّالة تصنعها أوراق الأشجار الكثيفة حيث “يؤدّي المطر أو تبخر المياه من الأشجار إلى خفض حرارة الهواء بما يصل إلى 5 درجة مئوية” بحسب مختبر المنحة الرقميّة التابع لجامعة ريتشموند/ وكالة حماية البيئة. 

مثل هذه الدراسات التي تشير لأهمية الظلال في جودة حياة المواطن، لا تحظى بأي تقدير من المسؤولين، هذا إذا افترضنا بأنهم اطلعوا عليها، كما أن طبيعة عيش المواطن العراقي وظروفه تجعله يدور في فلك لقمة العيش وتوفر الخبز والبنزين والمتطلبات الحياتية.  

ويزداد الأمر سوءاً في مدينة تعاني تبعات الصناعة النفطيّة وتشتعل في محيطها أكثر من 300 شعلة نفطية تبث النار والسموم إلى سماء المدينة على مدار 24 ساعة، ويقتل الماء المالح النبات والحيوان على ضفاف شطآنها.