نساء محكومات بالدم والجهل.. عن انعدام التوعية بالصحة الجنسيّة
12 حزيران 2023
"جنت خايفة جداً بليلة الزواج"، لا تنسى دُنيا ما حدث معها من عنف في ليلة زواجها الأول، وبينما أجبرت زهرة على ممارسة الجنس رغم تعرّضها لنزف وآلام، قرّرت سارة العودة إلى بيت أهلها لأنها كرهت العلاقة الحميمية.. عن نساء محكومات بالدم والجهل وانعدام التوعية بالصحة الجنسية..
“جنت خايفة جداً بليلة الزواج”.
هرباً من زوجة أبٍ قاسية ولأنه “لم يكن عندها سند”، تخلّت دنيا* (26 عاماً) التي تسكن في بغداد عن حلمها بأن تكون طبيبة أسنان، لتتزوج في سن 15 عاماً من شخص عمره 19 عاماً.
شبح القتل لم يفارق دنيا طيلة يوم زفافها، فلطالما أخبرتها زوجة أبيها بأن بقعة الدم هي السبيل الوحيد للحفاظ على حياتها وإبعاد العار عنها وعن أبيها. كان جهلها بالجنس يشكل مصدر قلقٍ لها وعززه صغر سن زوجها كذلك.
أما الصدمة الحقيقية فكانت حين لم يخرج دم في ليلتهما الأولى.
قالت دنيا “لما ما طلع دم زوجي تركني ضايج وطلع، ظليت أضرب ببطني لأن تذكرت كلام زوجة ابوية عن القتل بسبب العار إذا المرأة ما تطلع دم بليلة الدخلة، لكن بعد شوية رجع زوجي معاه والدته وجدته، وهنا صار شي ما كدرت أنساه لهذه اللحظة”.
تفهمت نساء العائلة اللواتي استدعاهن زوجها، حالتها، اذ تعرضت أخت العريس إلى الموقف ذاته سابقاً. كما شفعت لدنيا سمعة عائلة والدها.. وحده الحظ أسعفها، تقول دنيا.
“دخلوا عليه.. وهو فتح رجلي أمام أمه وبيبيته (جدّته) ووضع القماشة البيضاء تحت ولزموني من كتفي وهو صار يشيلني ويضربني بالأرض حتى يطلع دم.. بداخلي جنت اكول ميخالف المهم ينزل الدم.. لحد ما نزلت قطرات قليلة وهو ما كان مقتنع بيها.. يبدو أنه جان يريد انزف حتى يصدك..”
وعلى الرغم من عدم اقتناع زوجها، إلا أن والدته أقنعته بأن الأمر طبيعي وأن بعض النساء لا يخرج منهن الكثير من الدماء، كما كان حال أخته.
لست سنوات بعد زاوجهما، اعتقدت دنيا أن ما حدث هو الصواب ويجب إخراج الدم كـ”دليل على عفّتها”. أما الآن وبعد اطلاعها ونضجها تقول إن ما حدث معها هو انتهاك لخصوصيتها وإهانة لها كامرأة، وأنها لو كانت بوعيها الحالي حينها لما تركتهم يفعلون بها ما فعلوا لإثبات عفتها عنوة.
قصة دنيا هي قصة الكثيرات من النساء والفتيات العراقيات والرجال والمراهقين العراقيين الذين يتزوّجون دون فهم أجسادهم وأجساد شركائهم، ودون معرفة سليمة عن العلاقة الجنسية المقبلين عليها وسط مجتمع يغلب عليه الطابع العشائري. مجتمع يلقي بعاتق “إثبات عفة” الفتاة عليها بخروج بضع قطرات من الدماء دون فهم لطبيعة جسدها، ما يؤدي إلى أن تفقد الكثيرات حياتهن تحت غطاء ما يسمى بـ”جرائم الشرف”.
زهرة (25 عاماً) التي كان الطلاق ثمن عدم ظهور ما يثبت عذريّتها من الدماء، توافق دنيا الرأي. كانت ظروف زواجها مشابهة لدنيا، إذ تزوجت مجبرة في سنِّ 16 عاماً، وما تعرفه عن الجنس محدود جداً؛ أما زوجها فقد كان يبلغ سنّه 22 عاماً.
بعد محاولات عدة لم يجد الزوج المحب لزوجته -كما وصفته- سوى جرح يده وتلطيخ قطعة قماش بيضاء بدمه وإخراجها إلى أهله.
بعدها، تقول زهرة، “حاول معي مرتين وما نزل الدم، صار يشتمني ويشتم عائلتي وأمي بكلمات بذيئة.. وبلغني أنه رح يطلقني بعد عام حتى يستر عليه حسب تعبيره”. استمر زوج زهرة بممارسة الجنس معها بعدها دون أن ينزل دم منها، على الرغم من قراره أنه سيطلقها، إلى أن حملت بعد شهرين من الزواج، فأعادها إلى بيت أهلها وأشار عليها أن “كوليلهم اني تركتج بسبب طولة لسانج.. حتى يحافظ على سمعتي”، قالت لنا.
مع اقتراب موعد ولادة زهرة أعادها زوجها إلى منزله وجرت بينهم علاقة جسدية نتج عنها خروج دم، بيد أن زوجها اعتقد أن ذلك بسبب حملها وليس لأنها “ما مسوية شي”.
أما الطفل الذي ولد بعدها فلم يساعد بخلق رابط بين أبويه وعادت المشاكل بينهما على إثر ما حدث، حتى تطلقا بعد أربع سنوات زواج.
كانت كل من دنيا وزهرة “محظوظات” إذ كثيراً ما تنتهي مثل هذه الحالات بالقتل من قبل الوالد أو الأخ أو أحد الأقارب “غسلاً للعار”، بناءً على معرفة لا تمت بصلة للبيولوجيا وتركيبة الجسد الأنثوي.
إن ما يُعرف بـ”غشاء البكارة” لدى النساء هو تركيبة اجتماعية وثقافية، فقد أفاد الطب والعلم بأن أنواع هذا الغشاء متعدّدة ومختلفة من امرأة لأخرى، وأن لا وجود لدليل طبي يدعم الاعتقاد بأن غشاء البكارة يمكنه تحديد ما إذا كان قد حدث اتصال جنسي.
النساء، متزوجات وعازبات، أمهات كن أم لم يكن، يعرفن ذلك أيضاً، فقد خبرنه على أجسادهن وأجساد من هن من لحمهن، مثل قصة أم وأخت زوج دنيا. كثر من الرجال على دراية بذلك أيضاً. ومع ذلك تظل هذه المعرفة مطمورة ودون شرعية، تغلب عليها المعتقدات العشائرية.
العنف الجنسي خلال الزواج
خلال بحثي عن قصص لفتيات تعرضن لعنف جنسي من شركائهن أثناء تجربتهن الأولى، لفتني تعليق سارة (29 عاماً)، التي وصفت فيه بأن ما حدث معها هو أسوأ ما مرت به في حياتها. بادرتُ بمراسلتها وطلبت منها أن تروي لي قصتها، فأرسلت رسالة طويلة وكأنها كانت تنتظر أن يسألها أحدهم..
“تزوجت بعمر الـ25 بعد قصة حب استمرت سبعة أشهر”، تقول سارة “وجنت خايفة جدا بليلة الزواج وهالشي طبيعي لكن هو ما تقبل خوفي حاول يجامعني واني رفضت فضربني صفعة قوية، انرعبت وانصدمت وخفت وسكتت.. جامعني بقوة بعد الصفعة وصار جرح كلش كبير بحيث من ادخل الحمام يكون عبالك بوري دم.. راجعت الطبيبة أعطتني علاج وقالت انه لازم ما يجامعج مدة 10 ايام على الأقل”.
لكن زوج سارة لم يهتم بتوصيات الطبيبة ولا بألم زوجته بل استمر في مجامعتها مرات عدة في اليوم الواحد.
سارة حاصلة على بكالوريوس في المحاسبة، أما زوجها الذي يكبرها بثلاث سنوات، فلم يتجاوز المرحلة الابتدائية. وتعزو سارة انعدام الحوار بينهما حينما كانت تحاول أن تشرح له ما تمر به من ألم جراء فرضه نفسه عليها، تعزوه إلى الفارق الكبير في التحصيل العلمي.
كان ردّه، تقول لنا، “بأني ابالغ وأكبر الموضوع أو يكلي كل النسوان هيج.. شمعنى انتي الوحيدة اللي تتأذين (كلامه بحكم علاقاته المتعددة)”.
للعنف الجنسي تأثيراته الصحية التي تؤدي إلى مشاكل في الصحة النسائية والإنجاب واضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب وكرب ما بعد الصدمة، كما أشارت الأخصائية في العلاج النفسي الدكتورة بتول العيسى، إذ “كثيراً ما تتكتّم المرأة على تعرضها للعنف الجنسي خوفاً من الإقصاء والنبذ من الأسرة والمجتمع اذ يتم لوم الضحايا بينما الجاني يستمتع بما يفعل”.
ينجم عن ذلك أيضاً حالات من نفور المرأة من الجنس ومن جسدها، ويصير العزوف عن الزواج هو الخيار الأسهل للنساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي في تجربتهن الأولى، حسب وصف العيسى.
وهذا ما حدث مع سارة.
“اوف شحجيلج صرت أحس نفسي جارية كل ما يجامعني”.
سببت لها تجربتها الجنسية الأولى الاشمئزاز من الجنس رغم صغر سنها، “حتى المنطقة الحميمية بجسمي صرت أكرهها وأهملها”، تردف. وبعد أربع سنوات من العنف الجسدي والجنسي قررت سارة إنهاء معاناتها فعادت إلى بيت أهلها بانتظار ورقة الطلاق.
نور التي تزوجت حديثاً لم تسلم من العنف الجنسي من زوجها أيضاً. كانت متشنجة جداً في ليلتهما الأولى فلم يتمكنا من ممارسة الجنس، ولما يفارقها التشنج في اليوم التالي ولكنه لم يصبر فحاصرها في إحدى زوايا المنزل وجامعها بالقوة رغم صياحها من الألم. استمر هذا النمط لفترة، حيث كان زوجها يتركها لأيام عدة ثم يعود ويمارس الجنس معها رغم صراخها من الألم والنزيف القوي المستمر.
ومع أن العنف الجنسي يسبب أضراراً جسدية تصل حدّ لزوم التدخل الطبي، إلا أن كثيرات من النساء لا يفصحن عنه، كما تشير الأخصائية في العلاج النفسي، العيسى.
كما أن كثيرات لا يتوجهن للعلاج خوفاً من “وصمة العار”، أو إذا توجهن فالمستشفيات لا تدرجهن في سجلاتها للسبب ذاته، أو أن حالات كثيرة يفضلن اللجوء إلى العيادات النسائية الخاصة للحفاظ على الخصوصية، وهذا ما أكدته لي سيّدة تعمل في مشافي الناصرية، بعد أن حاولت مراراً الحصول على إحصائية لعدد النساء اللواتي احتجن الى تدخل جراحي بعد تعرضهن للعنف الجنسي من مستشفيات عدة دون أن أنجح في ذلك.
انعدام التربية الجنسية.. من المسؤول؟
لا تفكر كثيرات من النساء اللواتي يتعرضن لمثل هذه الحالات بالتوجه إلى أخريات في العائلة أو إلى مختصات أو حتى إلى طبيبة نسائية لأخذ مشورة حول العلاقات الجنسية والصحة النسائية بالمجمل.
نور عزت ذلك لأسباب كثيرة من بينها وضعها النفسي المتعب جراء الألم وعراكها مع زوجها الذي اتهمها بأنها لا “تعرف تنطي وضع زين بالممارسة”، وعندما طلبت منه أن يعلمها لأنها لا تعرف، ازداد العراك بينهما. ما يدل على انعدام الإدراك والوعي ليس فقط لديها، بل لديه أيضاً.
أما زهرة فتعزو عدم لجوئها إلى طبيبة نسائية لفحصها وتأكيد “براءتها” حينما لم يظهر دم إلى صغر سنها والطبيعة القبلية للبيئة التي تعيش فيها، “فكرت اروح للطبيبة بعد الي صار، لكن مكنت امتلك هذه الجرأة ولا اتجرأ اقول لزوجي خاصة بعد شهرين صرت حامل، مكان اكو وقت نفكر بهالشي، وكنت اتمنى لو كانت امي شخص ممكن أخبره.. كانت هي أخذتني للطبيبة”.
يُحيط من يستعلم عن التربية الجنسية خوفٌ من وصمة اجتماعية.
لذا، وجدت زهرة وغيرها في الانترنيت ملاذاً لكي تثقف نفسها بهذا الشأن.
ومع ذلك، فإن الباحثة الاجتماعية أنهار يوسف تحذر من أن “لجوء الشباب الى منصات رقمية للحصول على معلومات أكثر حول الجنس، دون وجود توعية في المدارس والبيوت قد يعرضهم للمعلومات المضللة والمتضاربة والمغلوطة التي تسبب لهم مشاكل في صحتهم الجنسية بعلاقاتهم المستقبلية، ويحرم الأطفال بالذات من التوعية بأجسادهم ما يعرضهم الى التحرش والاغتصاب كما تغيب التوعية بالجنس لفئة المراهقين خصوصاً في شريحة الفتيات على الرغم من أنهن الأكثر عرضة لزواج القاصرات”.
النساء والمختصات اللواتي تحدثنا معهن أجمعن على أهمية دور الجهاز التعليمي والإعلام بنشر الثقافة الجنسية السليمة. يعني ذلك خلق منهج للتعليم حول الجوانب المعرفية والعاطفية والجسدية والاجتماعية للجنس، تهدف إلى تزويد الأطفال والشباب بالمعرفة والمهارات والمواقف والقيم التي تمكّنهم من تحقيق صحتهم ورفاههم وكرامتهم، لتطوير علاقات اجتماعية وجنسية محترمة، كما يعرفه اليونسكو.
رغم مضي عشر سنوات، لا تنسى دنيا ما حدث معها من عنف في ليلة زواجها الأولى، حيث كان الزوج ونساء العائلة مشاركين في انتهاك خصوصيتها. كانت صغيرة وليست لديها ثقافة جنسية، لذلك فتقول “أشجع أن تدرس مادة التربية الجنسية بالمدارس خاصة مع انتشار ظاهرة التحرش.. بالتالي الي صار وياية ممكن يصير وية اخريات بسبب قلة الوعي بالثقافة الجنسية”.
* فضّلت النساء عدم الإشارة إلى أسمائهن الحقيقية في المقال.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
دكتاتورية وذكورية: التمثيل النسائي في البرلمان العراقي
08 أكتوبر 2024
العلاقات العراقية الصينية: محصلة الماضي والحاضر ورهان المستقبل
06 أكتوبر 2024
معضلة الزعامة الدينية عند سنة العراق: لماذا لم يصنعوا مرجعية؟
04 أكتوبر 2024
الرئيس الإيراني في بغداد: زيارة بزشكيان "السياحية" إلى العراق
01 أكتوبر 2024
“جنت خايفة جداً بليلة الزواج”.
هرباً من زوجة أبٍ قاسية ولأنه “لم يكن عندها سند”، تخلّت دنيا* (26 عاماً) التي تسكن في بغداد عن حلمها بأن تكون طبيبة أسنان، لتتزوج في سن 15 عاماً من شخص عمره 19 عاماً.
شبح القتل لم يفارق دنيا طيلة يوم زفافها، فلطالما أخبرتها زوجة أبيها بأن بقعة الدم هي السبيل الوحيد للحفاظ على حياتها وإبعاد العار عنها وعن أبيها. كان جهلها بالجنس يشكل مصدر قلقٍ لها وعززه صغر سن زوجها كذلك.
أما الصدمة الحقيقية فكانت حين لم يخرج دم في ليلتهما الأولى.
قالت دنيا “لما ما طلع دم زوجي تركني ضايج وطلع، ظليت أضرب ببطني لأن تذكرت كلام زوجة ابوية عن القتل بسبب العار إذا المرأة ما تطلع دم بليلة الدخلة، لكن بعد شوية رجع زوجي معاه والدته وجدته، وهنا صار شي ما كدرت أنساه لهذه اللحظة”.
تفهمت نساء العائلة اللواتي استدعاهن زوجها، حالتها، اذ تعرضت أخت العريس إلى الموقف ذاته سابقاً. كما شفعت لدنيا سمعة عائلة والدها.. وحده الحظ أسعفها، تقول دنيا.
“دخلوا عليه.. وهو فتح رجلي أمام أمه وبيبيته (جدّته) ووضع القماشة البيضاء تحت ولزموني من كتفي وهو صار يشيلني ويضربني بالأرض حتى يطلع دم.. بداخلي جنت اكول ميخالف المهم ينزل الدم.. لحد ما نزلت قطرات قليلة وهو ما كان مقتنع بيها.. يبدو أنه جان يريد انزف حتى يصدك..”
وعلى الرغم من عدم اقتناع زوجها، إلا أن والدته أقنعته بأن الأمر طبيعي وأن بعض النساء لا يخرج منهن الكثير من الدماء، كما كان حال أخته.
لست سنوات بعد زاوجهما، اعتقدت دنيا أن ما حدث هو الصواب ويجب إخراج الدم كـ”دليل على عفّتها”. أما الآن وبعد اطلاعها ونضجها تقول إن ما حدث معها هو انتهاك لخصوصيتها وإهانة لها كامرأة، وأنها لو كانت بوعيها الحالي حينها لما تركتهم يفعلون بها ما فعلوا لإثبات عفتها عنوة.
قصة دنيا هي قصة الكثيرات من النساء والفتيات العراقيات والرجال والمراهقين العراقيين الذين يتزوّجون دون فهم أجسادهم وأجساد شركائهم، ودون معرفة سليمة عن العلاقة الجنسية المقبلين عليها وسط مجتمع يغلب عليه الطابع العشائري. مجتمع يلقي بعاتق “إثبات عفة” الفتاة عليها بخروج بضع قطرات من الدماء دون فهم لطبيعة جسدها، ما يؤدي إلى أن تفقد الكثيرات حياتهن تحت غطاء ما يسمى بـ”جرائم الشرف”.
زهرة (25 عاماً) التي كان الطلاق ثمن عدم ظهور ما يثبت عذريّتها من الدماء، توافق دنيا الرأي. كانت ظروف زواجها مشابهة لدنيا، إذ تزوجت مجبرة في سنِّ 16 عاماً، وما تعرفه عن الجنس محدود جداً؛ أما زوجها فقد كان يبلغ سنّه 22 عاماً.
بعد محاولات عدة لم يجد الزوج المحب لزوجته -كما وصفته- سوى جرح يده وتلطيخ قطعة قماش بيضاء بدمه وإخراجها إلى أهله.
بعدها، تقول زهرة، “حاول معي مرتين وما نزل الدم، صار يشتمني ويشتم عائلتي وأمي بكلمات بذيئة.. وبلغني أنه رح يطلقني بعد عام حتى يستر عليه حسب تعبيره”. استمر زوج زهرة بممارسة الجنس معها بعدها دون أن ينزل دم منها، على الرغم من قراره أنه سيطلقها، إلى أن حملت بعد شهرين من الزواج، فأعادها إلى بيت أهلها وأشار عليها أن “كوليلهم اني تركتج بسبب طولة لسانج.. حتى يحافظ على سمعتي”، قالت لنا.
مع اقتراب موعد ولادة زهرة أعادها زوجها إلى منزله وجرت بينهم علاقة جسدية نتج عنها خروج دم، بيد أن زوجها اعتقد أن ذلك بسبب حملها وليس لأنها “ما مسوية شي”.
أما الطفل الذي ولد بعدها فلم يساعد بخلق رابط بين أبويه وعادت المشاكل بينهما على إثر ما حدث، حتى تطلقا بعد أربع سنوات زواج.
كانت كل من دنيا وزهرة “محظوظات” إذ كثيراً ما تنتهي مثل هذه الحالات بالقتل من قبل الوالد أو الأخ أو أحد الأقارب “غسلاً للعار”، بناءً على معرفة لا تمت بصلة للبيولوجيا وتركيبة الجسد الأنثوي.
إن ما يُعرف بـ”غشاء البكارة” لدى النساء هو تركيبة اجتماعية وثقافية، فقد أفاد الطب والعلم بأن أنواع هذا الغشاء متعدّدة ومختلفة من امرأة لأخرى، وأن لا وجود لدليل طبي يدعم الاعتقاد بأن غشاء البكارة يمكنه تحديد ما إذا كان قد حدث اتصال جنسي.
النساء، متزوجات وعازبات، أمهات كن أم لم يكن، يعرفن ذلك أيضاً، فقد خبرنه على أجسادهن وأجساد من هن من لحمهن، مثل قصة أم وأخت زوج دنيا. كثر من الرجال على دراية بذلك أيضاً. ومع ذلك تظل هذه المعرفة مطمورة ودون شرعية، تغلب عليها المعتقدات العشائرية.
العنف الجنسي خلال الزواج
خلال بحثي عن قصص لفتيات تعرضن لعنف جنسي من شركائهن أثناء تجربتهن الأولى، لفتني تعليق سارة (29 عاماً)، التي وصفت فيه بأن ما حدث معها هو أسوأ ما مرت به في حياتها. بادرتُ بمراسلتها وطلبت منها أن تروي لي قصتها، فأرسلت رسالة طويلة وكأنها كانت تنتظر أن يسألها أحدهم..
“تزوجت بعمر الـ25 بعد قصة حب استمرت سبعة أشهر”، تقول سارة “وجنت خايفة جدا بليلة الزواج وهالشي طبيعي لكن هو ما تقبل خوفي حاول يجامعني واني رفضت فضربني صفعة قوية، انرعبت وانصدمت وخفت وسكتت.. جامعني بقوة بعد الصفعة وصار جرح كلش كبير بحيث من ادخل الحمام يكون عبالك بوري دم.. راجعت الطبيبة أعطتني علاج وقالت انه لازم ما يجامعج مدة 10 ايام على الأقل”.
لكن زوج سارة لم يهتم بتوصيات الطبيبة ولا بألم زوجته بل استمر في مجامعتها مرات عدة في اليوم الواحد.
سارة حاصلة على بكالوريوس في المحاسبة، أما زوجها الذي يكبرها بثلاث سنوات، فلم يتجاوز المرحلة الابتدائية. وتعزو سارة انعدام الحوار بينهما حينما كانت تحاول أن تشرح له ما تمر به من ألم جراء فرضه نفسه عليها، تعزوه إلى الفارق الكبير في التحصيل العلمي.
كان ردّه، تقول لنا، “بأني ابالغ وأكبر الموضوع أو يكلي كل النسوان هيج.. شمعنى انتي الوحيدة اللي تتأذين (كلامه بحكم علاقاته المتعددة)”.
للعنف الجنسي تأثيراته الصحية التي تؤدي إلى مشاكل في الصحة النسائية والإنجاب واضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب وكرب ما بعد الصدمة، كما أشارت الأخصائية في العلاج النفسي الدكتورة بتول العيسى، إذ “كثيراً ما تتكتّم المرأة على تعرضها للعنف الجنسي خوفاً من الإقصاء والنبذ من الأسرة والمجتمع اذ يتم لوم الضحايا بينما الجاني يستمتع بما يفعل”.
ينجم عن ذلك أيضاً حالات من نفور المرأة من الجنس ومن جسدها، ويصير العزوف عن الزواج هو الخيار الأسهل للنساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي في تجربتهن الأولى، حسب وصف العيسى.
وهذا ما حدث مع سارة.
“اوف شحجيلج صرت أحس نفسي جارية كل ما يجامعني”.
سببت لها تجربتها الجنسية الأولى الاشمئزاز من الجنس رغم صغر سنها، “حتى المنطقة الحميمية بجسمي صرت أكرهها وأهملها”، تردف. وبعد أربع سنوات من العنف الجسدي والجنسي قررت سارة إنهاء معاناتها فعادت إلى بيت أهلها بانتظار ورقة الطلاق.
نور التي تزوجت حديثاً لم تسلم من العنف الجنسي من زوجها أيضاً. كانت متشنجة جداً في ليلتهما الأولى فلم يتمكنا من ممارسة الجنس، ولما يفارقها التشنج في اليوم التالي ولكنه لم يصبر فحاصرها في إحدى زوايا المنزل وجامعها بالقوة رغم صياحها من الألم. استمر هذا النمط لفترة، حيث كان زوجها يتركها لأيام عدة ثم يعود ويمارس الجنس معها رغم صراخها من الألم والنزيف القوي المستمر.
ومع أن العنف الجنسي يسبب أضراراً جسدية تصل حدّ لزوم التدخل الطبي، إلا أن كثيرات من النساء لا يفصحن عنه، كما تشير الأخصائية في العلاج النفسي، العيسى.
كما أن كثيرات لا يتوجهن للعلاج خوفاً من “وصمة العار”، أو إذا توجهن فالمستشفيات لا تدرجهن في سجلاتها للسبب ذاته، أو أن حالات كثيرة يفضلن اللجوء إلى العيادات النسائية الخاصة للحفاظ على الخصوصية، وهذا ما أكدته لي سيّدة تعمل في مشافي الناصرية، بعد أن حاولت مراراً الحصول على إحصائية لعدد النساء اللواتي احتجن الى تدخل جراحي بعد تعرضهن للعنف الجنسي من مستشفيات عدة دون أن أنجح في ذلك.
انعدام التربية الجنسية.. من المسؤول؟
لا تفكر كثيرات من النساء اللواتي يتعرضن لمثل هذه الحالات بالتوجه إلى أخريات في العائلة أو إلى مختصات أو حتى إلى طبيبة نسائية لأخذ مشورة حول العلاقات الجنسية والصحة النسائية بالمجمل.
نور عزت ذلك لأسباب كثيرة من بينها وضعها النفسي المتعب جراء الألم وعراكها مع زوجها الذي اتهمها بأنها لا “تعرف تنطي وضع زين بالممارسة”، وعندما طلبت منه أن يعلمها لأنها لا تعرف، ازداد العراك بينهما. ما يدل على انعدام الإدراك والوعي ليس فقط لديها، بل لديه أيضاً.
أما زهرة فتعزو عدم لجوئها إلى طبيبة نسائية لفحصها وتأكيد “براءتها” حينما لم يظهر دم إلى صغر سنها والطبيعة القبلية للبيئة التي تعيش فيها، “فكرت اروح للطبيبة بعد الي صار، لكن مكنت امتلك هذه الجرأة ولا اتجرأ اقول لزوجي خاصة بعد شهرين صرت حامل، مكان اكو وقت نفكر بهالشي، وكنت اتمنى لو كانت امي شخص ممكن أخبره.. كانت هي أخذتني للطبيبة”.
يُحيط من يستعلم عن التربية الجنسية خوفٌ من وصمة اجتماعية.
لذا، وجدت زهرة وغيرها في الانترنيت ملاذاً لكي تثقف نفسها بهذا الشأن.
ومع ذلك، فإن الباحثة الاجتماعية أنهار يوسف تحذر من أن “لجوء الشباب الى منصات رقمية للحصول على معلومات أكثر حول الجنس، دون وجود توعية في المدارس والبيوت قد يعرضهم للمعلومات المضللة والمتضاربة والمغلوطة التي تسبب لهم مشاكل في صحتهم الجنسية بعلاقاتهم المستقبلية، ويحرم الأطفال بالذات من التوعية بأجسادهم ما يعرضهم الى التحرش والاغتصاب كما تغيب التوعية بالجنس لفئة المراهقين خصوصاً في شريحة الفتيات على الرغم من أنهن الأكثر عرضة لزواج القاصرات”.
النساء والمختصات اللواتي تحدثنا معهن أجمعن على أهمية دور الجهاز التعليمي والإعلام بنشر الثقافة الجنسية السليمة. يعني ذلك خلق منهج للتعليم حول الجوانب المعرفية والعاطفية والجسدية والاجتماعية للجنس، تهدف إلى تزويد الأطفال والشباب بالمعرفة والمهارات والمواقف والقيم التي تمكّنهم من تحقيق صحتهم ورفاههم وكرامتهم، لتطوير علاقات اجتماعية وجنسية محترمة، كما يعرفه اليونسكو.
رغم مضي عشر سنوات، لا تنسى دنيا ما حدث معها من عنف في ليلة زواجها الأولى، حيث كان الزوج ونساء العائلة مشاركين في انتهاك خصوصيتها. كانت صغيرة وليست لديها ثقافة جنسية، لذلك فتقول “أشجع أن تدرس مادة التربية الجنسية بالمدارس خاصة مع انتشار ظاهرة التحرش.. بالتالي الي صار وياية ممكن يصير وية اخريات بسبب قلة الوعي بالثقافة الجنسية”.
* فضّلت النساء عدم الإشارة إلى أسمائهن الحقيقية في المقال.