"ابتسم لكاميرا الشرطة": التشهير بكاميرات مراكز الاحتجاز 

علي الناصري

18 أيار 2023

قُلِبت حياة أحمد ووسام بعد أن اعتُقلاً كيدياً وصورتهما الشرطة ونشرت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنهما لم يُقدّما شكوى في المحكمة.. "ابتسم للكاميرا" تقول مراكز شرطة لبعض المدنيين، ثم تشهّر بهم بعد ذلك..

فجأة، يُطلب من الشاب أحمد الذي اعتُقل من قبل إحدى الجهات الأمنية أن يقف منتصباً رافعاً رأسه ليتم التقاط صورة له. 

أخبرته الشرطة أن الصورة لدواعي التحقيق. 

لم يَعرف أحمد أن صورته ستُنشر على منصات التواصل الاجتماعي لتلك الجهة الأمنية كإنجاز حققته في القبض عليه بتهمة مشاجرة واعتداء على طرف آخر. 

وهذه عادة دأبت عليها المؤسسات الأمنية، إذ تنشر صور المتهمين حال وقوعهم في قبضتها كنشاط أمني يمثل إنجازاً لها، على الرغم من أن القانون العراقي يؤكد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. 

يقول أحمد، الذي خرج قبل مدة قصيرة من الحبس بقرار قضائي لعدم ثبوت الأدلة ضده، إنه وجد صورته قد نشرت في تاريخ الاعتقال ذاته واحتفظ بها أصدقاؤه. 

“هذا أنا بعد ساعة من اعتقالي بتهمة كيدية لم أقترفها في محاولة للنيل مني لأسباب تعود لمطالبتي بحصتي من إرث والدي” قال أحمد لـ”جمّار” وهو يشير إلى الصورة المنشورة. 

ويستذكر لحظة التقاط صورته بأنه كان مرتدياً دشداشة وطُلب منه أن يقف أمام لوحة مكتوب عليها اسم الدائرة الأمنية وهو سابل اليدين رافعا رأسه يحيط به شخصان من عناصر الأمن، ليلتقط أحد المصورين صوراً عدة له. 

صور متهمين نشرتها شرطة محافظة ذي قار. 

وبعينين تملؤهما الحسرة والألم، يتطلّع إلى صورته المنشورة ويتمتم بصوت خافت “الله على الظالم”، ليرفع رأسه ساحباً سيجارته من بين شفتيه والدخان يجول في المكان ثم يقول “اقتادتني مفرزة أمنية من إحدى السيطرات لوجود أمر إلقاء قبض ضدي بتهمة التهديد وفق المادة 431”. 

وجد نفسه خلف قضبان موقف احتجاز في أحد المراكز الأمنية، ثم اقتيد إلى ضابط تحقيق اتخذ إجراءات تعسفية ضده وزجره بصوت عالٍ قبل أن يجري تصويره ويُعاد إلى زنزانته مرة أخرى. 

قضى شهراً كاملاً في مركز الاحتجاز، بينما كان محاميه يتابع القضية في أروقة المحاكم وأمام أنظار قضاة التحقيق، لتنتهي القصة بالإفراج عنه لعدم ثبوت الأدلة عليه، وليخرج من جديد بعد أيام وليالٍ مرت بثقل السنين وهو بعيد عن عائلته وأصدقائه. 

الوسيلة والغاية 

صار نشر صور المتهمين أسلوباً ممنهجاً لإعلام الأجهزة الأمنية دأبت عليه منذ سنوات عديدة، في محاولة منها لبعث رسائل متعدّدة إلى الشارع الذي يلقي باللوم عليها ويصفها بالعاجزة مع تصاعد معدلات الجريمة. 

وتقول قيادة شرطة محافظة ذي قار إنها تتبع توجيهات الأمن الإعلامي للحد من الجريمة، ومنها نشر صورة المتهم مظللة مع ترميز اسمه. 

ويقول العميد فؤاد كريم، مسؤول إعلام شرطة ذي قار، إن نشر الصورة يتم بعد إكمال إجراءات التحقيق الأولي. 

ولأن إجراءات التحقيق والمحاكمة قد تمتد إلى مدة ستة أشهر، ارتأت الأجهزة الأمنية نشر صور مظللة للمتهمين وترميز أسمائهم، في إجراء يراد منه تفادي الضغط الشعبي الذي يلقي باللوم على الأجهزة الأمنية في عدم نشر صور “المجرمين” لتكون رادعاً للآخرين. 

لكن منظمات مجتمعية تعد هذا المنهاج مخالفاً لشروط مراعاة الظروف الإنسانية والاجتماعية التي يتعرض لها من تنشر صورهم على شبكات التواصل الاجتماعي ولمختلف القضايا. 

ويرى ناشطون في تلك المنظمات أن نشر صور المتهمين تصرُّف غير ضروري، ولاسيما في مراحل التحقيق. 

“كثيرٌ منهم يحصلون على البراءة في النهاية لذا لا يجوز نشر صورهم”، يقول علي الناشي رئيس منظمة التواصل والإخاء الإنسانية. 

ويضيف الناشي أن كثيراً من المتهمين المنشورة صورهم من الأحداث، يشتكون من ضرر نفسي هائل لحق بهم بعد الإفراج عنهم نتيجة نشر الصور. 

ويبدي مكتب حقوق الإنسان في ذي قار رفضه لتصوير وإظهار المتهمين بأي شكل من الأشكال باعتباره انتهاكاً لحرمة الموقوف في أي مرحلة من التحقيق وحتى صدور الحكم بحقه. 

“هذا الأمر مرفوض شرعياً واجتماعياً كونه يترك أثراً نفسياً على الموقوف ويجعله عرضة للإساءة أو التنمر مستقبلاً”، يقول داخل المشرفاوي مدير مكتب حقوق الإنسان في ذي قار. 

إلا أن المشرفاوي يؤكد عدم تلقي المكتب شكاوى من موقوفين بهذا الشأن. 

ومع ذلك، يشدد المشرفاوي على أن هذا الإجراء غير ضروري لأنه يسيء للمتهمين ويدخل الجهات الأمنية “في ساحة المحظورات”. 

وكان المشرفاوي قد شاهد عند إجرائه زيارة إلى أحد مواقف الاحتجاز، صور متهمين بكامل شخوصهم على الجدران الداخلية لمركز الشرطة. 

“لم يؤخذ بنظر الاعتبار التداعيات والأثر النفسي على المتهم الذي قد يخرج بريئاً” قال المشرفاوي. 

وأوضح أن من حق أي موقوف نُشرت صورته تقديم شكوى قضائية ضد الجهة التي قامت بذلك. 

لكنه شكك في الوقت ذاته في الاستجابة للشكوى من قبل الجهات التحقيقية. 

“المحققون ما زالوا يمنعون وجود المحامي إلى جوار الموقوف في مرحلة التحقيق، فكيف يمكن أن يتعاملوا مع شكواه بخصوص نشر صوره؟” يتساءل المشرفاوي بنبرة متهكمة. 

كما يشير إلى غياب ثقافة الرعاية اللاحقة للموقوف أو السجين بهدف إعادة تأهيله ودمجه في المجتمع في ظل تحوّل صورته المنشورة إلى أزمة مجتمعية حقيقية تأخذ الكثير من سمعته. 

الشكوى مصدر خوف 

يوجد في القانون العراقي ما يمكن استخدامه ضد عناصر الشرطة والأمن الذين يقومون بنشر صور المتهمين، إلا أن هناك أيضاً ما يعيق اللجوء إلى القانون. 

قال المحامي أحمد الزهيري لـ”جمّار” إن بالإمكان تكييف المادة 433 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 النافذ في مقاضاة من ينشرون صور المتهمين. 

وتنص هذه المادة على أن “القذف هو إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت أن توجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه”. 

كما تنص على أن “يُعاقب من قذف غيره بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين. وإذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو بإحدى طرق الإعلام الأخرى عُدَّ ذلك ظرفاً مشدداً”. 

لكن الزهيري يشير إلى أن قضايا التشهير والقذف في أروقة المحاكم لم تجد طريقاً سالكاً، لأسباب عدة منها خوف المفرج عنهم من التوجه نحو مراكز الشرطة لتسجيل شكاواهم، وأخرى لعدم وجود القوانين التي تحدد حجم العقوبات المتخذة بحق المشتكى منهم، وخصوصاً عناصر الأجهزة الأمنية. 

كل القوانين مانعة 

خشي وسام كريم من “تداعيات” تقديمه شكوى ضد الشرطة في ذي قار بعد أن نُشرت صورته على موقع “العيون الساهرة” التابع لقيادة شرطة المحافظة عند إلقاء القبض عليه وتوقيفه بتهمة السرقة. 

اكتسب وسام قراراً قضائياً لاحقاً ببراءته من التهمة التي وصفها بالكيدية، بعد أن استغرقت إجراءات محاكمته ستة أشهر. 

“أسرتي تضررت كثيراً بعد انتشار الصورة على شبكات التواصل الاجتماعي وحُطمت معنوياتي” قال وسام لـ”جمّار”. 

كانت واحدة من نتائج نشر صورته فسخ خطوبة شقيقته، إذ نظر إليه ذوو الخطيب على أنه صاحب سجل إجرامي ولا يمكن الاقتران بعائلته. 

ويتواصل نشر صور المتهمين على الرغم من أن القوانين النافذة تمنع ذلك. 

قال كامل رشاد، الخبير القانوني والقاضي سابقا في محكمة استئناف ذي قار لـ”جمّار”، إن الدستور أبو القوانين، وكل قانون أو إجراء مخالف له يعد ابناً غير شرعي كونه رسم طريقاً لجميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. 

وأوضح أن الدستور وقانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون رعاية الأحداث النافذ والفقه القضائي برمته والشروحات التي قيلت في تفسير القضايا الجنائية، كلها تمنع نشر صورة المتهم في أي وسيلة إعلامية أو شبكات التواصل الاجتماعي. 

“ليس من مقتضيات حق الدفاع ومصلحة التحقيق نشر صورة المتهم كونها تشكل ضرراً عليه وعلى القانون والقضية نفسها، مع الإقرار بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، بحسب رشاد. 

يعترض القاضي السابق، بشكل خاص، على نشر صور موقوفين أحداث تحت سن 18 عاماً في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بينما يمنع ذلك قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 والذي يؤكد أن محاكمتهم يجب أن تكون بشكل سري استثناءً من القاعدة العامة للمحاكمات العلنية بحسب المادة 63 من هذا القانون. 

وتنص هذه المادة على أنه “لا يجوز أن يعلن عن اسم المتهم أو عنوانه أو اسم مدرسته أو تصويره أو أي شيء يؤدي إلى معرفة هويته، ويعاقب المخالف لأحكام هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على 500 دينار”. 

ويمنح كل ما تقدم الحق لأي متهم نُشرت صورته بتقديم شكوى ضد الجهة الناشرة والمروّجة كأن تكون قناة فضائية. 

اللجنة القانونية في مجلس النواب تبدي هي الأخرى رفضها نشر صور المتهمين وحتى المدانين لأن ذلك له صلة بسمعة عائلة وأقرباء المدان وليس سمعته هو فقط. 

“سنناقش مثل هذه المواضيع مع الجهات ذات العلاقة من أجل التوصل إلى حلول بشأنها”، قال رائد المالكي عضو اللجنة. 

ولا يُعرف ما إذا كانت النقاشات المفترضة ستفضي إلى نتائج ملموسة، في بلد لا تتردد سلطاته في كسر القوانين ومخالفتها من أجل إظهار نفسها بمظهر المؤسسات النشيطة ذات الإنجازات الكبيرة، حتى لو كانت تلك الإنجازات مجرد اعتقال شاب بتهمة المشاجرة. 

* يتحفّظ “جمار” على نشر صور أحمد ووسام. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

فجأة، يُطلب من الشاب أحمد الذي اعتُقل من قبل إحدى الجهات الأمنية أن يقف منتصباً رافعاً رأسه ليتم التقاط صورة له. 

أخبرته الشرطة أن الصورة لدواعي التحقيق. 

لم يَعرف أحمد أن صورته ستُنشر على منصات التواصل الاجتماعي لتلك الجهة الأمنية كإنجاز حققته في القبض عليه بتهمة مشاجرة واعتداء على طرف آخر. 

وهذه عادة دأبت عليها المؤسسات الأمنية، إذ تنشر صور المتهمين حال وقوعهم في قبضتها كنشاط أمني يمثل إنجازاً لها، على الرغم من أن القانون العراقي يؤكد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. 

يقول أحمد، الذي خرج قبل مدة قصيرة من الحبس بقرار قضائي لعدم ثبوت الأدلة ضده، إنه وجد صورته قد نشرت في تاريخ الاعتقال ذاته واحتفظ بها أصدقاؤه. 

“هذا أنا بعد ساعة من اعتقالي بتهمة كيدية لم أقترفها في محاولة للنيل مني لأسباب تعود لمطالبتي بحصتي من إرث والدي” قال أحمد لـ”جمّار” وهو يشير إلى الصورة المنشورة. 

ويستذكر لحظة التقاط صورته بأنه كان مرتدياً دشداشة وطُلب منه أن يقف أمام لوحة مكتوب عليها اسم الدائرة الأمنية وهو سابل اليدين رافعا رأسه يحيط به شخصان من عناصر الأمن، ليلتقط أحد المصورين صوراً عدة له. 

صور متهمين نشرتها شرطة محافظة ذي قار. 

وبعينين تملؤهما الحسرة والألم، يتطلّع إلى صورته المنشورة ويتمتم بصوت خافت “الله على الظالم”، ليرفع رأسه ساحباً سيجارته من بين شفتيه والدخان يجول في المكان ثم يقول “اقتادتني مفرزة أمنية من إحدى السيطرات لوجود أمر إلقاء قبض ضدي بتهمة التهديد وفق المادة 431”. 

وجد نفسه خلف قضبان موقف احتجاز في أحد المراكز الأمنية، ثم اقتيد إلى ضابط تحقيق اتخذ إجراءات تعسفية ضده وزجره بصوت عالٍ قبل أن يجري تصويره ويُعاد إلى زنزانته مرة أخرى. 

قضى شهراً كاملاً في مركز الاحتجاز، بينما كان محاميه يتابع القضية في أروقة المحاكم وأمام أنظار قضاة التحقيق، لتنتهي القصة بالإفراج عنه لعدم ثبوت الأدلة عليه، وليخرج من جديد بعد أيام وليالٍ مرت بثقل السنين وهو بعيد عن عائلته وأصدقائه. 

الوسيلة والغاية 

صار نشر صور المتهمين أسلوباً ممنهجاً لإعلام الأجهزة الأمنية دأبت عليه منذ سنوات عديدة، في محاولة منها لبعث رسائل متعدّدة إلى الشارع الذي يلقي باللوم عليها ويصفها بالعاجزة مع تصاعد معدلات الجريمة. 

وتقول قيادة شرطة محافظة ذي قار إنها تتبع توجيهات الأمن الإعلامي للحد من الجريمة، ومنها نشر صورة المتهم مظللة مع ترميز اسمه. 

ويقول العميد فؤاد كريم، مسؤول إعلام شرطة ذي قار، إن نشر الصورة يتم بعد إكمال إجراءات التحقيق الأولي. 

ولأن إجراءات التحقيق والمحاكمة قد تمتد إلى مدة ستة أشهر، ارتأت الأجهزة الأمنية نشر صور مظللة للمتهمين وترميز أسمائهم، في إجراء يراد منه تفادي الضغط الشعبي الذي يلقي باللوم على الأجهزة الأمنية في عدم نشر صور “المجرمين” لتكون رادعاً للآخرين. 

لكن منظمات مجتمعية تعد هذا المنهاج مخالفاً لشروط مراعاة الظروف الإنسانية والاجتماعية التي يتعرض لها من تنشر صورهم على شبكات التواصل الاجتماعي ولمختلف القضايا. 

ويرى ناشطون في تلك المنظمات أن نشر صور المتهمين تصرُّف غير ضروري، ولاسيما في مراحل التحقيق. 

“كثيرٌ منهم يحصلون على البراءة في النهاية لذا لا يجوز نشر صورهم”، يقول علي الناشي رئيس منظمة التواصل والإخاء الإنسانية. 

ويضيف الناشي أن كثيراً من المتهمين المنشورة صورهم من الأحداث، يشتكون من ضرر نفسي هائل لحق بهم بعد الإفراج عنهم نتيجة نشر الصور. 

ويبدي مكتب حقوق الإنسان في ذي قار رفضه لتصوير وإظهار المتهمين بأي شكل من الأشكال باعتباره انتهاكاً لحرمة الموقوف في أي مرحلة من التحقيق وحتى صدور الحكم بحقه. 

“هذا الأمر مرفوض شرعياً واجتماعياً كونه يترك أثراً نفسياً على الموقوف ويجعله عرضة للإساءة أو التنمر مستقبلاً”، يقول داخل المشرفاوي مدير مكتب حقوق الإنسان في ذي قار. 

إلا أن المشرفاوي يؤكد عدم تلقي المكتب شكاوى من موقوفين بهذا الشأن. 

ومع ذلك، يشدد المشرفاوي على أن هذا الإجراء غير ضروري لأنه يسيء للمتهمين ويدخل الجهات الأمنية “في ساحة المحظورات”. 

وكان المشرفاوي قد شاهد عند إجرائه زيارة إلى أحد مواقف الاحتجاز، صور متهمين بكامل شخوصهم على الجدران الداخلية لمركز الشرطة. 

“لم يؤخذ بنظر الاعتبار التداعيات والأثر النفسي على المتهم الذي قد يخرج بريئاً” قال المشرفاوي. 

وأوضح أن من حق أي موقوف نُشرت صورته تقديم شكوى قضائية ضد الجهة التي قامت بذلك. 

لكنه شكك في الوقت ذاته في الاستجابة للشكوى من قبل الجهات التحقيقية. 

“المحققون ما زالوا يمنعون وجود المحامي إلى جوار الموقوف في مرحلة التحقيق، فكيف يمكن أن يتعاملوا مع شكواه بخصوص نشر صوره؟” يتساءل المشرفاوي بنبرة متهكمة. 

كما يشير إلى غياب ثقافة الرعاية اللاحقة للموقوف أو السجين بهدف إعادة تأهيله ودمجه في المجتمع في ظل تحوّل صورته المنشورة إلى أزمة مجتمعية حقيقية تأخذ الكثير من سمعته. 

الشكوى مصدر خوف 

يوجد في القانون العراقي ما يمكن استخدامه ضد عناصر الشرطة والأمن الذين يقومون بنشر صور المتهمين، إلا أن هناك أيضاً ما يعيق اللجوء إلى القانون. 

قال المحامي أحمد الزهيري لـ”جمّار” إن بالإمكان تكييف المادة 433 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 النافذ في مقاضاة من ينشرون صور المتهمين. 

وتنص هذه المادة على أن “القذف هو إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت أن توجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه”. 

كما تنص على أن “يُعاقب من قذف غيره بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين. وإذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو بإحدى طرق الإعلام الأخرى عُدَّ ذلك ظرفاً مشدداً”. 

لكن الزهيري يشير إلى أن قضايا التشهير والقذف في أروقة المحاكم لم تجد طريقاً سالكاً، لأسباب عدة منها خوف المفرج عنهم من التوجه نحو مراكز الشرطة لتسجيل شكاواهم، وأخرى لعدم وجود القوانين التي تحدد حجم العقوبات المتخذة بحق المشتكى منهم، وخصوصاً عناصر الأجهزة الأمنية. 

كل القوانين مانعة 

خشي وسام كريم من “تداعيات” تقديمه شكوى ضد الشرطة في ذي قار بعد أن نُشرت صورته على موقع “العيون الساهرة” التابع لقيادة شرطة المحافظة عند إلقاء القبض عليه وتوقيفه بتهمة السرقة. 

اكتسب وسام قراراً قضائياً لاحقاً ببراءته من التهمة التي وصفها بالكيدية، بعد أن استغرقت إجراءات محاكمته ستة أشهر. 

“أسرتي تضررت كثيراً بعد انتشار الصورة على شبكات التواصل الاجتماعي وحُطمت معنوياتي” قال وسام لـ”جمّار”. 

كانت واحدة من نتائج نشر صورته فسخ خطوبة شقيقته، إذ نظر إليه ذوو الخطيب على أنه صاحب سجل إجرامي ولا يمكن الاقتران بعائلته. 

ويتواصل نشر صور المتهمين على الرغم من أن القوانين النافذة تمنع ذلك. 

قال كامل رشاد، الخبير القانوني والقاضي سابقا في محكمة استئناف ذي قار لـ”جمّار”، إن الدستور أبو القوانين، وكل قانون أو إجراء مخالف له يعد ابناً غير شرعي كونه رسم طريقاً لجميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. 

وأوضح أن الدستور وقانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون رعاية الأحداث النافذ والفقه القضائي برمته والشروحات التي قيلت في تفسير القضايا الجنائية، كلها تمنع نشر صورة المتهم في أي وسيلة إعلامية أو شبكات التواصل الاجتماعي. 

“ليس من مقتضيات حق الدفاع ومصلحة التحقيق نشر صورة المتهم كونها تشكل ضرراً عليه وعلى القانون والقضية نفسها، مع الإقرار بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، بحسب رشاد. 

يعترض القاضي السابق، بشكل خاص، على نشر صور موقوفين أحداث تحت سن 18 عاماً في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بينما يمنع ذلك قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 والذي يؤكد أن محاكمتهم يجب أن تكون بشكل سري استثناءً من القاعدة العامة للمحاكمات العلنية بحسب المادة 63 من هذا القانون. 

وتنص هذه المادة على أنه “لا يجوز أن يعلن عن اسم المتهم أو عنوانه أو اسم مدرسته أو تصويره أو أي شيء يؤدي إلى معرفة هويته، ويعاقب المخالف لأحكام هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على 500 دينار”. 

ويمنح كل ما تقدم الحق لأي متهم نُشرت صورته بتقديم شكوى ضد الجهة الناشرة والمروّجة كأن تكون قناة فضائية. 

اللجنة القانونية في مجلس النواب تبدي هي الأخرى رفضها نشر صور المتهمين وحتى المدانين لأن ذلك له صلة بسمعة عائلة وأقرباء المدان وليس سمعته هو فقط. 

“سنناقش مثل هذه المواضيع مع الجهات ذات العلاقة من أجل التوصل إلى حلول بشأنها”، قال رائد المالكي عضو اللجنة. 

ولا يُعرف ما إذا كانت النقاشات المفترضة ستفضي إلى نتائج ملموسة، في بلد لا تتردد سلطاته في كسر القوانين ومخالفتها من أجل إظهار نفسها بمظهر المؤسسات النشيطة ذات الإنجازات الكبيرة، حتى لو كانت تلك الإنجازات مجرد اعتقال شاب بتهمة المشاجرة. 

* يتحفّظ “جمار” على نشر صور أحمد ووسام.