دعوات "مضروبة" و"حكومة غافلة" وقانون خامل
من بغداد عبر روسيا إلى أوروبا: شُبان العراق سلعة لشبكات تهريب البشر
28 آذار 2023
جمع المهرب أبو حسام خمسة شبان عراقيين من بينهم زيد في قناة على "تليغرام"، وأخذ يرتب لهم أوراقاً مضروبة لإيصالهم إلى أوروبا.. مرّ الشبان ببدلات رسمية عبر الشارقة ثم موسكو وبولندا وصولاً إلى ألمانيا.. رحلة هروبٍ لزيد وأربعة من أصدقائه تتبّعها "جمار" لكشف خفايا شبكات التهريب إلى أوروبا..
طارَ زيدٌ بـ”ورق مضروب” من بغداد الى الشارقة، برحلةٍ الى موسكو، ومنها مشحوناً الى مينسك، التي طردته وآخرين الى حدود بولندا، حيث حرسُ الحدود القُساة وبردٌ جَمَّدَ الدم في عروقه؛ وهرباً من هناك بقاطرةٍ عبر الجسر الألماني، قِيْدَ مخفوراً الى كمبِ لجوءٍ في درسدن.
رحلة هروبٍ لشاب وأربعة من أصدقائه تتبعها “جمار” لكشف خفايا شبكات التهريب إلى أوروبا.
خمسة شُبان، من بينهم زيد، قرروا مغادرة البلاد عبر هجرة غير شرعية إلى ألمانيا، بعدما جمعهم المهرب “أبو حسام” على إحدى قنوات برنامج التراسل الفوري “تليغرام”، الذي تنشط عليه مافيات الحدود الدولية.
ورق مضروب بالدولار!
قبل أن يغادر زيد، الشاب النجفي، مطار بغداد الدولي في 22 تشرين الثاني 2022، إلى مدينة الشارقة في الإمارات، بغية الوصول إلى العاصمة الروسية موسكو، بدعوة دراسية “مضروبة” وتذكرة سفر سليمة؛ جَمَعَ 6500 دولار بمعونة عائلته، بعد فشل محاولات إقناعه بالعدول عن الهجرة.
بـ2300 دولار تَحَصّل الشُبان الخمسة على دعوات دراسية وهمية وتذاكر سفر ونصائح من مكتب سفر وقبولات جامعية في بغداد.
“ارتداء بدلات رسمية، التزام الهدوء التام أثناء السير في المطار، التخلص من الخوف، حذف كل ما يتعلّق بالهجرة من ذاكرة الهاتف المحمول قبل الوصول الى روسيا لضمان عبور حاجز التدقيق الأمني في مطار موسكو”، نصحهم المكتب، مذكراً إياهم بأن “الأمن الروسي ينظر إلى مظهر الإنسان قبل التحقيق معه، أو عن وجهته أو غرضه من السفر”.
من موسكو الى مينسك
في 23 تشرين الثاني عام 2022، حطّ الشُبان الخمسة في موسكو، واخضعوا لثلاث ساعات من التحقق من قبل أمن المطار الروسي.
“وصلنا الآن وتجاوزنا التدقيق وننتظرك على باب المطار”، أرسل زيد رسالة إلى “أبو حسام”، المُهرب المُقيم في تركيا.
المُهرب أشار على الخمسة الانتظار في مطعم أو مقهى قريب لنحو ساعة، حتى يصلهم من سيقلهم إلى العاصمة البلاروسية مينسك برحلة ستستمر ١٢ ساعة.
قبل وصول الشُبان الخمسة إلى حدود العاصمة البلاروسية، طلب منهم سائق السيارة الروسي الترجل ومواصلة ما تبقى من المسافة مشياً.
خمسُ ساعاتٍ أمضاها الشُبان، وسط مخاطر مصادفة دورية شرطة والانخفاض الكبير بدرجات الحرارة، برفقة “الريبر”.
“الريبر” مُشتقة من الكردية، وتعني “القائد”.
التهريب عملية شبكية، يتشارك فيها اشخاص مرئيون وغير مرئيين، في مربع يترامى دولياً، من سمسار، ومهرب، و”ريبر”، والمهاجرين الراغبين بعبور الحدود.
“الريبر” في قاموس شبكات التهريب، هو المسؤول عن قيادة وإرشاد مجموعات المتنقلين غير الشرعيين عبر الحدود، وعن نقاط التحميل أو السكن.
والتحميل يُعنى به نقاط تجمّع المهاجرين للقاء “ريبرهم” الى النقطة التالية.
أنزل “الريبر” زيداً ومجموعته في شقة بالطابق الأخير من مبنى متعدد الطبقات، تقطنه عائلات بيلاروسية شمال مينسك. كانت زحاماً من مهاجرين مصريين وسوريين وافغان، مقابل 15 دولاراً عن كل فرد.
امضى الشُبان الخمسة، ثلاثة أيام بلياليها في مينسك، بعد ان تجهزوا بسلم حديد، وقفازات وأحذية مقاومة للثلج، وبدلات مطرية وقاطع أسلاكٍ شائكة، اشتروها من “سوق السمك”.
وفي 26 من تشرين الثاني 2022، فوجئ زيد ورفاقه بالشرطة البيلاروسية تداهم الشقة بناءً على بلاغ من سكان المبنى.
في المركز الأمني، عقب ساعات من التحقيق، اُخلي سبيلهم، بعد تعهّدهم بمغادرة البلاد في غضون ثلاثة أيام، وبخلافه يُرحّلون إلى العراق.
كسر الشُبان التعهد، وامضوا خمسة أيام زيادة، نُقلوا بعدها إلى حدود مدينة برست الفاصلة مع بولندا.
“قبل أن نصل السياج الأخير للحدود البلاروسية بمسافة 7 كم نزلنا من السيارة وسرنا باتجاه الأسيجة الحديدية”، يقول زيد.
وزارة الهجرة والمهجرين، أعربت في تشرين الثاني 2021، عن قناعتها بـ”وجود مخطط لاستغلال الشباب العراقي، من قبل سلطات بيلاروسيا، التي تشجع الشباب على الهجرة غير الشرعية الى اوروبا.
أشار علي البياتي، عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، في حديثة لـ”جُمار”، إلى أن “الانتربول اعتقل في كانون الأول 2022، شبكة تهريب ضمت أكثر من 60 شخصاً متورطاً بتهريب ألف عراقي من بيلاروسيا إلى أوروبا”.
استخدمت تلك الشبكة بحسب البياتي، مساراً يمتد من بغداد إلى تركيا، ومن ثم إلى روسيا وبيلاروسيا عبر سائقي شاحنات وعجلات أوكرانيين وصولاً إلى بولندا ومنها الى المانيا أو فنلندا، مقابل مبالغ مالية ما بين 3 آلاف و15 الف يورو”.
خندق وصولاً الى المانيا
على الحدود البيلاروسية – البولندية، وسط غابات كثيفة وبرد يقصف أجسادهم وظلام دامس، خشية كشفهم من حرس الحدود، حفر الشُبان الخمسة خندقاً أسفل السياج باتجاه بولندا.
عبروا السياج وفوجئوا بدوريات الشرطة البولندية. انقطع الاتصال بالمهرب بسبب ضعف خدمات الانترنت والاتصال. مكثوا هناك صمتاً حتى مطلع الصبح.
“صباحاً قررنا تغيير نقطة العبور الى مكان أبعد من مراقبة الأمن، انتظرنا الظلام لنباشر قطع الأسلاك الشائكة التي تعتلي السياج البولندي”، يتذكر زيد.
بعد ثماني ساعات أمضاها الشُبان تخفياً متتبعين إرشادات الـ GPS داخل الأراضي البولندية، وصلوا إلى نقطة التحميل المتفق عليها مع المُهرب، الذي أوصلهم الى الجسر الرابط بين مدينتي “فرانكفورت أودر” الألمانية ومدينة سلوبفورت البولندية، فعبروه مشياً.
وبعد وصول زيد ورفاقه إلى ألمانيا صاروا ملزمين بدفع 2500 دولار لكل شخص إلى المهرب العراقي “أبو حسام”، عبر مكتب حوالات مالية في بغداد، كجزء من اتفاق أبرم مع زيد قبل مغادرة العراق.
وفي ألمانيا، اقتيد الشُبان الخمسة من قبل دورية للشرطة الالمانية استوقفتهم بشكل مفاجئ. اخذت بصماتهم قبل نقلهم إلى “كمب” مهاجرين غير شرعيين في درسدن، عاصمة ولاية ساكسونيا.
الهجرة خيرٌ من العراق
لا يجد البياتي بالبطالة والفقر وانسداد افق المستقبل مبرراً للمجازفة، “غالبية الشباب الحالمين بالهجرة، يقعون ضحايا شبكات تهريب البشر، ويكونون عرضة للاستغلال والابتزاز، يُسلبون أموالهم ويُتركون على الحدود يصارعون الموت”.
تنشط شبكات التهريب والاتجار بالبشر في معظم المدن العراقية، وسط إجراءات حكومية خجولة بسبب تفشي الفساد وضعف سلطة الدولة والاضطراب السياسي المؤثر على الاقتصاد، فضلاً عن استفادة الجماعات المُسلحة من مكاتب السياحة والسفر كاقتصاد موازٍ.
سَنَّ العراق عام 2012، قانوناً يتيماً لمكافحة الاتجار بالبشر، دون الاشارة بمواد واضحة الى شبكات التهريب.
يفرض القانون غرامات وسجناً على مرتكبي الاتجار المُدانين.
في شباط 2022، اعتقلت السُلطات مُهرّباً ساعد في تهريب شُبان عراقيين الى أوروبا لقاء مبالغ وصلت الى تسعة آلاف دولار.
زيد ومجموعته، حيث ينتظرون مثولهم أمام محكمة للنظر بمنحهم اللجوء أو ترحيلهم، يرون أن “الهجرة خيرٌ من العراق”.
دكاكين التهريب الالكترونية
يُعد تطبيق “تليغرام” الروسي، مرتعاً آمناً وسوقاً رائجة لشبكات التهريب.
ينشط السماسرة والمهربون هناك، أحياناً باسماء صريحة وكِنىً علنية ووجوه مكشوفة. يُروجون لعروض الهجرة غير الشرعية، الأسعار، تجارب بناء الثقة، وسائل الأمان، والطرق التي يسلكها المهاجرون.
رصد “جمّار” سبع شبكات تهريب، تنشط على مسار هجرة مُكلِف يمتد من العراق إلى روسيا حتى المانيا، عبر تأمين دعوات دراسية “مضروبة”، بعيداً عن مسار هجرة تقليدي رخيص الكُلفة وعالي المخاطر، من اليونان عبر دول البلقان وصولاً إلى أوروبا الغربية.
محمد الجبوري، مهرب عراقي مقيم في تركيا، يدير مع ثلاثة أشخاص آخرين قناة “تليغرام” باسم “كروب محمد الجبوري للهجرة”، وتضم 20663 مشتركاً جُلّهم عراقيون وسوريون.
استدعى تفكيك الشفرات الخاصة بالشبكة وتأمين خط تواصل مباشر مع الجبوري اسبوعاً، وبعد محاولات، تم الاتصال.
يُنظم الجبوري رحلات أسبوعية إلى ألمانيا.
قنصلية البصرة تؤمن “المضروب”
طلب الجبوري من احد أعضاء فريق تقصي “جُمار”، بوصفه راغباً بهجرة آمنة، التواصل مع مجموعة “شركة المستقبل الدولي” في ضاحية البراضعية بالبصرة، قرب القنصلية الروسية، من أجل تأمين دعوة دراسية في إحدى الجامعات الروسية، مقابل 2300 دولار، و6500 دولار لضمان “رحلة آمنة” من بغداد إلى ألمانيا.
يضمن المُهرب أُجوره عبر ايداعها لدى شركة سياحة أو أحد مكاتب التأمين أو الصيرفة كطرف ثالث. تدفع للجبوري، لاحقاً، حين وصول المهاجر إلى المانيا.
أواخر كانون الثاني 2023، اطلقت وزارة الهجرة والمهجرين، حملة تثقيفية لمحاربة الاتجار بالبشر وشبكات التهريب، مستهدفة “منع تأثر وهدر طاقات مهمة يحتاجها الوطن بالهجرة”.
تأمين الدعوة الجامعية لا يتطلب تحصيلاً دراسياً معيناً، الشركة تتولى مهمة استحصال الدعوة واخراج الفيزا عبر القنصلية الروسية في البصرة.
يشير “الموقع الرسمي للتعليم العالي في روسيا” لـ”ضرورة الحصول على تأشيرة دراسية، يحتاج المتقدمون إلى دعوة”.
“ليس لدينا ما نقدّمه للشباب من أجل منعهم من الهجرة والمخاطرة بانفسهم عبر شبكات التهريب، سوى التثقيف والتوعية”، قال علي عباس، المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين.
أطلقت الحكومة العراقية خلال السنوات الأخيرة حملة لحث المغتربين على العودة، واعدة العائدين منهم بفرص عمل واعدة وحوافز مالية، لكن الوعود الحكومية تبخرت مع أزمات البلاد المتلاحقة.
رسّام الدعوات الدراسية
عبر الفايسبوك، ينشط “الرسّام” وهو مهرب عراقي في موسكو يؤمّن دعوات دراسية وخط تهريب إلى المانيا للمهاجرين العراقيين الشُبان، مقابل 2300 دولار لا جدال فيها، وذلك بعد التحقق الدقيق من هوية المتواصلين معه، الذين يحيلهم الى محمد في بغداد عبر رقم هاتفه الشخصي لإكمال متطلبات الدعوة.
تحدّث “جُمار” مع الرسّام عبر الهاتف، لم يكشف عن خوفه أو خشيته من التعامل مع أيّ غريب، جلّ ما كان يطلبه هو المال.
نبع الجود للعائلات الروسية
“أبو جبل للهجرة”، مهرب عراقي آخر في تركيا، تضم شبكته المناطقية المنحدرين من بابل وكربلاء والبصرة وذي قار والنجف.
حيلة أبو جبل، عبر شركة للسفر والسياحة، دعوة عائلات عراقية من طرف عائلات روسية، وتأشيرات تجارية تضمن وصولاً مريحاً الى روسيا، وعبوراً نيسمياً خطراً الى اوروبا.
المكاتب الجامعية للتهريب
نشاط أشخاص ومكاتب خدمات جامعية وشركات سياحة وسفر في بغداد ومدن أخرى تحت عناوين مختلفة على صلة بشبكات التهريب، قادتنا الى التحقق من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن شرعية الواجهات.
“الوزارة لديها سياقات قانونية وإجرائية لعقد الاتفاقيات واستقبال الدعوات والمنح والابتعاثات والزمالات الدراسية”، رَدّ متحدث الوزارة، حيدر العبودي، الذي أحال المسؤولية ايضاً على “الملحقيات ودائرة البعثات بوصفها القنوات الرسمية الوحيدة المتاحة للتعامل مع الجامعات الأجنبية”.
سجلت الشرطة الاتحادية الالمانية، في كانون الأول 2022، ارتفاعاً عن العام الذي سبقه، في عديد المهاجرين غير النظاميين بنحو 60 ألف مهاجراً من العراق وافغانستان وسوريا.
“وزارة التعليم العالي لا تتعامل إلا مع ملحقياتها ولا دخل لها بمكاتب الخدمات الجامعية”، علق العبودي.
وزارة الداخلية، قالت لـ”جُمار”، انها تمكنت من اغلاق مكتبين فقط للخدمات الجامعية في بغداد، خلال السنوات الخمس المنصرمة.
صناعة الهجرة والتشرّد
يُعد العراق ضمن أدبيات منظمة الهجرة الدولية، بلد مُنشئ للمهاجرين.
طيلة العقود الأربع الماضية، ظهرت في العراق موجـات تشـرد كبيرة، هجرة ولجوء ونزوح، الى بلدان المنطقة العربية أو الى أوروبا والأمريكيتين.
ففي التسعينيات، لاسيما بين عامي- 1990 1995، تدفق أكثر من 36 الف مهاجر عراقي على بلدان المغرب العربي تونس، الجزائر، ليبيا، والمغرب.
وخلال سنوات حرب الخليج الثانية ومحنة الحصار الاقتصادي والاحتلال الأميركي للعراق 1990 – 2013 تدفق نحو 3 ملايين من العراقيين على بلدان المشرق العربي كسورية والأردن ولبنان ومصر واليمن كلاجئين، وقد تكون الأرقام الفعلية اكثر بكثير، حيث شكل العراقيون نحو 23 بالمئة من حركة اللجوء في المنطقة العربية.
بالمجمل، بلغ عديد المُشردين العراقيين 1990 – 2013 في انحاء مختلفة من العالم، أكثر من 7 ملايينمهاجر. فيما كانت نسبة مساهمتهم في تنمية الناتج القومي المحلي من خلال التحويلات المالية ضئيلة للغاية، بلغت اوجها عام 2014 بنحو 316 مليون دولار فقط.
رغم ذلك، تؤكد وزارة الهجرة والمهجرين لـ”جُمار”، عدم امتلاك السُلطات لاحصائيات عن عدد الشُبان العراقيين الذي يغادرون البلاد سنوياً عبر التهريب.
“لكن وزارتنا عملت على إعادة 4500 عراقي من العالقين على الحدود البيلاروسية والبولندية والليتوانية واللاتيفية ما بين العام 2020-2023، عبر جسر جوي طارئ خصص لهذا الغرض”، قال علي عباس، المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين.
تسبب انهيار السلطة الحكومية، إثر احتلال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لنحو ثلث الأراضي العراقية في حزيران 2014، وتفشي الفساد على نحو واسع، وبروز جماعات مسلحة موازية للقوات الرسمية، وأزمة اقتصادية خانقة وسط تصاعد معدلات الفقر والبطالة، بموجة هجرة جماعية واسعة خريف 2015؛ حين غادر عشرات الآلاف عبر مطارات البصرة والنجف وبغداد وأربيل إلى تركيا ومنها الى اليونان بغية الوصول الى الملاذ الأوروبي.
منظمة كردية غير حكومية تُعنى بشؤون الهجرة، قالت ان 650 الف عراقي تركوا البلاد كمهاجرين بين عامي 2015 و2021.
حلّ العراقيون ثالثاً في ترتيب المهاجرين الذين مروا عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط نحو إيطاليا بين أعوام 2016 – 2018، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية.
دولة غائبة عن هجرة مواطنيها
وزارة الداخلية تُقرّ بصعوبة ضبط الهجرة.
“المهاجرون يغادرون المطارات العراقية بطريقة رسمية، لكن حال وصولهم إلى دول تنشط فيها عصابات التهريب، تبدأ رحلتهم، بالتالي تخرج العملية عن نطاق القانون العراقي”، قال خالد المحنا، المتحدث باسم وزارة الداخلية.
تراقب وزارة الداخلية، وفقاً للمحنا، مكاتب السفر والسياحة، فضلاً عن الشركات والمكاتب التي تعلن عن تشغيل العاطلين خارج العراق أو تسهل سفرهم لاغراض الدراسة.
“من يتورط بتهريب العراقيين، سيُحاكم، لدينا قانون متكامل لمكافحة الاتجار”، يقول المحنا.
تنتقد الأمم المتحدة، القانون، لعدم حظره كافة أشكال الاتجار بالبشر، الذي لا يشمل وفقاً لتقييمها تسهيل دعارة الأطفال، ويتغاضى عن تصنيف وتجريم أي اتجارٍ لا تتخلله تبادلات مالية.
بيّنما تُروج الوكالات الأمنية العراقية لجسامة التهديدات التي تمثلها شبكات التهريب على حياة المهاجرين عبر الابتزاز والسرقة والاستغلال الجنسي وتجارة الأعضاء، يُشجع مركز حكومي الشُبان العراقيين على الهجرة.
“إذا كنت تريد السفر إلى الخارج، يمكننا مساعدتك على اتّخاذ قرار مُستنير”، يدعو مركز موارد العمل وهجرة العمال التابع الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الراغبين بالهجرة اليه لمساعدتهم عبر “جلسات توجيهية لمنافع الهجرة النظامية، وفضح مخاطر وعواقب غير النظامية”.
لكن؛ المركز ايضاً، يُقدم حُزمة “نصائح خبرة” بشأن حماية المهاجرين لأنفسهم عند الهجرة بأي طريقة يرونها مناسبةً لهم.
وقع الاتحاد الأوروبي عام 2012، اتفاق شراكة وتعاون مع العراق لمنع الهجرة غير النظامية، تسهيل عودة المهاجرين غير الشرعيين، ومراقبة الحدود وإدارتها على نحو فعال، فضلاً عن إنشاء آليات فعالة لمكافحة شبكات التهريب والتجار وحماية الضحايا. المركز كان جزءاً من آليات الاتفاق.
شكّل العراق في العام نفسه، لجنة مركزية عليا لمكافحة الاتجار بالبشر، تتخذ من وزارة الداخلية مقرَّاً، لتنسيق خطط مكافحة الظاهرة والحد منها مع مختلف السلطات، عوضاً عن مساعدة الضحايا وحماية الشهود.
ورغم مرور 13 عاماً على تشكيلها، يؤكد ضابط رفيع المستوى في اللجنة لـ”جُمار”، طلب حجب اسمه، إن “لجنته لا تملك أية معلومات استخبارية أو أمنية عن عمل مكاتب الخدمات الجامعية التي تنقل الشُبان العراقيين إلى روسيا”.
وزارة الهجرة والمهجرين، هي الأخرى، نفت علمها لـ”جُمار” بوجود مكاتب تعمل على تسهيل هجرة الشُبان العراقيين غير الشرعية.
العقوبات مقابل التهريب
ضابط لجنة مكافحة الاتجار بالبشر، كشف لـ”جُمار”، عن مساعٍ بين اللجنة ومجلسي الوزراء والنواب، لتعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر، وتضمينه مواد قانونية تُجرم من يساعد على تهريب الشباب أو يحثهم على الهجرة أو يعمل على إيوائهم.
“القانون بحاجة الى اللوائح التنظيمية لتطبيقه، وتعزيز مكاتب اللجنة المركزية بضباط مختصين على اعتبار انها جرائم معقدة”، وفقاً لضابط اللجنة.
تواجه محمد شياع السوداني، ضغوط دولية كبيرة للحد من الهجرة غير الشرعية، “وضع العراق محرج أمام المجتمع الدولي، وخصوصاً وزارة الخارجية الأمريكية التي تراقب مدى جدية العراق في تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر (…) الإخفاق في مكافحة الجريمة قد يؤدي إلى فرض عقوبات دولية على البلاد”.
وفي عام 2022 شدد تقرير الإتجار بالبشر لوزارة الخارجية الأمريكية، على ان العراق لا يفي بشكل كامل بالمعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر، (…) وما يزال ضمن قائمة المراقبة للفئة الثانية.
لا يمتلك العراق حزمة قانونية متكاملة لتجريم تهريب البشر، رغم توقيعه على بروتوكولين دوليين لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، والثاني مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، وكلاهما مكملان لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية المنشأة عام 2000.
الأخ الأكبر لمراقبة الهجرة
لا تُقيّد الإجراءات الوطنية ظاهراً حركة المواطنين، فالدستور الدائم 2005، ينص في مادته الرابعة والأربعين/ أولاً، على ان “للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه”.
غيّر أن المخاوف الأمنية، والممارسات الطائفية لأجهزة الامن والجماعات المُسلحة الداعمة للنظام السياسي، والسياسات العنصرية التي ترتكبها سلطات كردستان العراق، حدَّت على نحو كبير من حرية تنقل المواطنين العراقيين داخل أراضيهم الوطنية.
“لا نعرف ما بداخل رأس كل مواطن يأتي الى المطار أو المنفذ الحدودي، ليختم جوازه ويغادر البلاد (…) لا يمكن ضبط الهجرة، الا إذا صرنا نتحرّى مُسبقاً عن كل من لديه نية بالسفر”، علّق ضابط في وحدة مخابرات مطار بغداد الدولي لـ”جُمار”.
فيما البياتي، عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، يُعرب عن دهشته واستغرابه من مغادرة مئات العراقيين بحجة السياحة أو الدراسية عبر المطارات العراقية، “دون التدقيق أو التحقيق المُسبق مع المسافرين”.
شبكات كردستان للتهريب
مسؤولو الحكومة الاتحادية يُلمحون إلى تورط سلطات إقليم كردستان، بأنشطة عبور المهاجرين عبر الحدود.
علي عباس، متحدث وزارة الهجرة والمهجرين، ومثله البياتي، يتفقان على أن مافيات الاتجار بالبشر تستخدم أراضي إقليم كردستان منطلقاً لتهريب الشباب نحو أوروبا.
تتبعنا وتواصلنا مع شبكتي تهريب تنشطان على الحدود العراقية المحاذية لإيران وتركيا.
الأولى، كانت شبكة خليل، الكردي السوري المقيم في إقليم كردستان، العابرة للحدود مقابل 1400 دولار عبر طرق نيسمية وعرة في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، للوصول إلى إيران ومن ثم التوجه نحو تركيا.
فيما الثانية، شبكة “أبو عبدو” وهو سوري الجنسية أيضاً ويقيم في تركيا، وهو مشرف على شبكة مشابهة من ثلاثة مسارات. يتقاضى 1700 دولار عن كل عابر يسلك مسار شبكة خليل، ومسار ثان مباشر وآمن واكثر كلفة، بنحو 4500 دولار عبر معبر زاخو الحدودي مع تركيا. فيما المسار الثالث، من زاخو ايضاً باتجاه تركيا سيراً على الأقدام لمدة ساعة ونصف لقاء 3000 دولار.
“كثيرٌ من العصابات تنشط في كردستان لتهريب الشباب إلى تركيا وصولا إلى الدول الأوروبية”، قال البياتي، عضو مفوضية حقوق الانسان. “المسؤولون الأوروبيين أكدوا لنا في أكثر من لقاء عن تورط مسؤولين كرد بمساعدة تلك الشبكات والمافيات”.
رفضت السُلطات الأمنية الكردية الاعتراف بالاتهامات، وبوجود هكذا شبكات داخل الإقليم.
أصر العقيد كاروان خاشناو، المتحدث باسم حرس حدود المنطقة الأولى، في حديثه لـ”جُمار” على أن “حدود الإقليم آمنة ومؤمنة بالكامل، ولا يمكن اختراقها بسهولة”.
تؤشر منظمات حقوقية كردية تزايداً في أعداد الشُبان الكُرد المهاجرين عبر شبكات تهريب مثل “خليل” و”أبو عبدو” شهرياً.
مؤسسة “لوتكة” المدافعة عن حقوق اللاجئين والنازحين في كردستان العراق، شددت في آب 2022على ان “الهجرة زادت بنسبة 35 بالمئة إلى 40 بالمئة، وهي نسبة لم تشهدها البلاد منذ العام 2020، على الرغم من خطورة الهجرة غير الشرعية وتكرار غرق القوارب كل يوم”.
ثمة حوادث دلّت على عدم شفافية السلطات الكردية الأمنية بنفي علاقة الهجرة غير النظامية بالإقليم العراقي الشمالي.
في آذار 2020، اعلنت مديرية آسايش (أمن) السليمانية، عن اعتقال 29 شخصاً في منطقة شاربازير، بتهمة تهريب البشر إلى داخل أراضي الاقليم أو بالعكس مقابل مبالغ مالية، ليرتفع عدد من اعتقلوا بهذه التهمة إلى 44 مهرباً، فضلاً عن مصادرة 27 عجلة.
جميع المهربين كانوا من سكنة كردستان.
وفي حادثة مُضافة بعد اشهر، اعتقلت وزارة داخلية الاقليم شبكة مهربين يقومون باستخراج جوازات سفر وتأشيرات مرور مزورة، فيما تلاحق شبكات أخرى تعمل على تهريب المهاجرين بجوازات سفر مزورة إلى ليتوانيا وبيلاروسيا وبولندا لقاء 15 ألف دولار.
بحر المانش الرابط بين فرنسا وبريطانيا، شهد في 2020، غرق 27 مهاجراً بينهم 16 عراقياً كردياً.
في تشرين الثاني 2022، كشفت وكالة مكافحة الجريمة البريطانية “NCA” عن تعاونها مع الشرطة البلجيكية للبحث عن مهرب عراقي الجنسية يلقب باسم “العقرب” ويدعى “برزان كمال مجيد”، بوصفه العقل المدبر لشبكة واسعة، بمحاولة تهريب 100 مهاجر بقوارب صغيرة وشاحنات باتجاه المملكة المتحدة بين تموز 2018 وتشرين الثاني 2019.
في تشرين الأول 2022، حكمت محكمة بلجيكية غيابياً على “العقرب” بالسجن 10 سنوات وغرامة 968 ألف يورو.
العقرب كان قد انتقل إلى المملكة المتحدة في 2013، ثم تم ترحيله في عام 2015 إلى إقليم شمال العراق.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مدارس مُهجَّرة: لماذا لن ينتهي "الدوام المزدوج" و"الاكتظاظ" في العراق؟
10 ديسمبر 2024
الهيدروجين الأزرق والشمس.. عن بدائل النفط "الممكنة" في العراق
07 ديسمبر 2024
الأشجار والدولار على المحكّ في سنجار
03 ديسمبر 2024
الصيادون يبيعون "الآرو".. الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار
28 نوفمبر 2024
طارَ زيدٌ بـ”ورق مضروب” من بغداد الى الشارقة، برحلةٍ الى موسكو، ومنها مشحوناً الى مينسك، التي طردته وآخرين الى حدود بولندا، حيث حرسُ الحدود القُساة وبردٌ جَمَّدَ الدم في عروقه؛ وهرباً من هناك بقاطرةٍ عبر الجسر الألماني، قِيْدَ مخفوراً الى كمبِ لجوءٍ في درسدن.
رحلة هروبٍ لشاب وأربعة من أصدقائه تتبعها “جمار” لكشف خفايا شبكات التهريب إلى أوروبا.
خمسة شُبان، من بينهم زيد، قرروا مغادرة البلاد عبر هجرة غير شرعية إلى ألمانيا، بعدما جمعهم المهرب “أبو حسام” على إحدى قنوات برنامج التراسل الفوري “تليغرام”، الذي تنشط عليه مافيات الحدود الدولية.
ورق مضروب بالدولار!
قبل أن يغادر زيد، الشاب النجفي، مطار بغداد الدولي في 22 تشرين الثاني 2022، إلى مدينة الشارقة في الإمارات، بغية الوصول إلى العاصمة الروسية موسكو، بدعوة دراسية “مضروبة” وتذكرة سفر سليمة؛ جَمَعَ 6500 دولار بمعونة عائلته، بعد فشل محاولات إقناعه بالعدول عن الهجرة.
بـ2300 دولار تَحَصّل الشُبان الخمسة على دعوات دراسية وهمية وتذاكر سفر ونصائح من مكتب سفر وقبولات جامعية في بغداد.
“ارتداء بدلات رسمية، التزام الهدوء التام أثناء السير في المطار، التخلص من الخوف، حذف كل ما يتعلّق بالهجرة من ذاكرة الهاتف المحمول قبل الوصول الى روسيا لضمان عبور حاجز التدقيق الأمني في مطار موسكو”، نصحهم المكتب، مذكراً إياهم بأن “الأمن الروسي ينظر إلى مظهر الإنسان قبل التحقيق معه، أو عن وجهته أو غرضه من السفر”.
من موسكو الى مينسك
في 23 تشرين الثاني عام 2022، حطّ الشُبان الخمسة في موسكو، واخضعوا لثلاث ساعات من التحقق من قبل أمن المطار الروسي.
“وصلنا الآن وتجاوزنا التدقيق وننتظرك على باب المطار”، أرسل زيد رسالة إلى “أبو حسام”، المُهرب المُقيم في تركيا.
المُهرب أشار على الخمسة الانتظار في مطعم أو مقهى قريب لنحو ساعة، حتى يصلهم من سيقلهم إلى العاصمة البلاروسية مينسك برحلة ستستمر ١٢ ساعة.
قبل وصول الشُبان الخمسة إلى حدود العاصمة البلاروسية، طلب منهم سائق السيارة الروسي الترجل ومواصلة ما تبقى من المسافة مشياً.
خمسُ ساعاتٍ أمضاها الشُبان، وسط مخاطر مصادفة دورية شرطة والانخفاض الكبير بدرجات الحرارة، برفقة “الريبر”.
“الريبر” مُشتقة من الكردية، وتعني “القائد”.
التهريب عملية شبكية، يتشارك فيها اشخاص مرئيون وغير مرئيين، في مربع يترامى دولياً، من سمسار، ومهرب، و”ريبر”، والمهاجرين الراغبين بعبور الحدود.
“الريبر” في قاموس شبكات التهريب، هو المسؤول عن قيادة وإرشاد مجموعات المتنقلين غير الشرعيين عبر الحدود، وعن نقاط التحميل أو السكن.
والتحميل يُعنى به نقاط تجمّع المهاجرين للقاء “ريبرهم” الى النقطة التالية.
أنزل “الريبر” زيداً ومجموعته في شقة بالطابق الأخير من مبنى متعدد الطبقات، تقطنه عائلات بيلاروسية شمال مينسك. كانت زحاماً من مهاجرين مصريين وسوريين وافغان، مقابل 15 دولاراً عن كل فرد.
امضى الشُبان الخمسة، ثلاثة أيام بلياليها في مينسك، بعد ان تجهزوا بسلم حديد، وقفازات وأحذية مقاومة للثلج، وبدلات مطرية وقاطع أسلاكٍ شائكة، اشتروها من “سوق السمك”.
وفي 26 من تشرين الثاني 2022، فوجئ زيد ورفاقه بالشرطة البيلاروسية تداهم الشقة بناءً على بلاغ من سكان المبنى.
في المركز الأمني، عقب ساعات من التحقيق، اُخلي سبيلهم، بعد تعهّدهم بمغادرة البلاد في غضون ثلاثة أيام، وبخلافه يُرحّلون إلى العراق.
كسر الشُبان التعهد، وامضوا خمسة أيام زيادة، نُقلوا بعدها إلى حدود مدينة برست الفاصلة مع بولندا.
“قبل أن نصل السياج الأخير للحدود البلاروسية بمسافة 7 كم نزلنا من السيارة وسرنا باتجاه الأسيجة الحديدية”، يقول زيد.
وزارة الهجرة والمهجرين، أعربت في تشرين الثاني 2021، عن قناعتها بـ”وجود مخطط لاستغلال الشباب العراقي، من قبل سلطات بيلاروسيا، التي تشجع الشباب على الهجرة غير الشرعية الى اوروبا.
أشار علي البياتي، عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، في حديثة لـ”جُمار”، إلى أن “الانتربول اعتقل في كانون الأول 2022، شبكة تهريب ضمت أكثر من 60 شخصاً متورطاً بتهريب ألف عراقي من بيلاروسيا إلى أوروبا”.
استخدمت تلك الشبكة بحسب البياتي، مساراً يمتد من بغداد إلى تركيا، ومن ثم إلى روسيا وبيلاروسيا عبر سائقي شاحنات وعجلات أوكرانيين وصولاً إلى بولندا ومنها الى المانيا أو فنلندا، مقابل مبالغ مالية ما بين 3 آلاف و15 الف يورو”.
خندق وصولاً الى المانيا
على الحدود البيلاروسية – البولندية، وسط غابات كثيفة وبرد يقصف أجسادهم وظلام دامس، خشية كشفهم من حرس الحدود، حفر الشُبان الخمسة خندقاً أسفل السياج باتجاه بولندا.
عبروا السياج وفوجئوا بدوريات الشرطة البولندية. انقطع الاتصال بالمهرب بسبب ضعف خدمات الانترنت والاتصال. مكثوا هناك صمتاً حتى مطلع الصبح.
“صباحاً قررنا تغيير نقطة العبور الى مكان أبعد من مراقبة الأمن، انتظرنا الظلام لنباشر قطع الأسلاك الشائكة التي تعتلي السياج البولندي”، يتذكر زيد.
بعد ثماني ساعات أمضاها الشُبان تخفياً متتبعين إرشادات الـ GPS داخل الأراضي البولندية، وصلوا إلى نقطة التحميل المتفق عليها مع المُهرب، الذي أوصلهم الى الجسر الرابط بين مدينتي “فرانكفورت أودر” الألمانية ومدينة سلوبفورت البولندية، فعبروه مشياً.
وبعد وصول زيد ورفاقه إلى ألمانيا صاروا ملزمين بدفع 2500 دولار لكل شخص إلى المهرب العراقي “أبو حسام”، عبر مكتب حوالات مالية في بغداد، كجزء من اتفاق أبرم مع زيد قبل مغادرة العراق.
وفي ألمانيا، اقتيد الشُبان الخمسة من قبل دورية للشرطة الالمانية استوقفتهم بشكل مفاجئ. اخذت بصماتهم قبل نقلهم إلى “كمب” مهاجرين غير شرعيين في درسدن، عاصمة ولاية ساكسونيا.
الهجرة خيرٌ من العراق
لا يجد البياتي بالبطالة والفقر وانسداد افق المستقبل مبرراً للمجازفة، “غالبية الشباب الحالمين بالهجرة، يقعون ضحايا شبكات تهريب البشر، ويكونون عرضة للاستغلال والابتزاز، يُسلبون أموالهم ويُتركون على الحدود يصارعون الموت”.
تنشط شبكات التهريب والاتجار بالبشر في معظم المدن العراقية، وسط إجراءات حكومية خجولة بسبب تفشي الفساد وضعف سلطة الدولة والاضطراب السياسي المؤثر على الاقتصاد، فضلاً عن استفادة الجماعات المُسلحة من مكاتب السياحة والسفر كاقتصاد موازٍ.
سَنَّ العراق عام 2012، قانوناً يتيماً لمكافحة الاتجار بالبشر، دون الاشارة بمواد واضحة الى شبكات التهريب.
يفرض القانون غرامات وسجناً على مرتكبي الاتجار المُدانين.
في شباط 2022، اعتقلت السُلطات مُهرّباً ساعد في تهريب شُبان عراقيين الى أوروبا لقاء مبالغ وصلت الى تسعة آلاف دولار.
زيد ومجموعته، حيث ينتظرون مثولهم أمام محكمة للنظر بمنحهم اللجوء أو ترحيلهم، يرون أن “الهجرة خيرٌ من العراق”.
دكاكين التهريب الالكترونية
يُعد تطبيق “تليغرام” الروسي، مرتعاً آمناً وسوقاً رائجة لشبكات التهريب.
ينشط السماسرة والمهربون هناك، أحياناً باسماء صريحة وكِنىً علنية ووجوه مكشوفة. يُروجون لعروض الهجرة غير الشرعية، الأسعار، تجارب بناء الثقة، وسائل الأمان، والطرق التي يسلكها المهاجرون.
رصد “جمّار” سبع شبكات تهريب، تنشط على مسار هجرة مُكلِف يمتد من العراق إلى روسيا حتى المانيا، عبر تأمين دعوات دراسية “مضروبة”، بعيداً عن مسار هجرة تقليدي رخيص الكُلفة وعالي المخاطر، من اليونان عبر دول البلقان وصولاً إلى أوروبا الغربية.
محمد الجبوري، مهرب عراقي مقيم في تركيا، يدير مع ثلاثة أشخاص آخرين قناة “تليغرام” باسم “كروب محمد الجبوري للهجرة”، وتضم 20663 مشتركاً جُلّهم عراقيون وسوريون.
استدعى تفكيك الشفرات الخاصة بالشبكة وتأمين خط تواصل مباشر مع الجبوري اسبوعاً، وبعد محاولات، تم الاتصال.
يُنظم الجبوري رحلات أسبوعية إلى ألمانيا.
قنصلية البصرة تؤمن “المضروب”
طلب الجبوري من احد أعضاء فريق تقصي “جُمار”، بوصفه راغباً بهجرة آمنة، التواصل مع مجموعة “شركة المستقبل الدولي” في ضاحية البراضعية بالبصرة، قرب القنصلية الروسية، من أجل تأمين دعوة دراسية في إحدى الجامعات الروسية، مقابل 2300 دولار، و6500 دولار لضمان “رحلة آمنة” من بغداد إلى ألمانيا.
يضمن المُهرب أُجوره عبر ايداعها لدى شركة سياحة أو أحد مكاتب التأمين أو الصيرفة كطرف ثالث. تدفع للجبوري، لاحقاً، حين وصول المهاجر إلى المانيا.
أواخر كانون الثاني 2023، اطلقت وزارة الهجرة والمهجرين، حملة تثقيفية لمحاربة الاتجار بالبشر وشبكات التهريب، مستهدفة “منع تأثر وهدر طاقات مهمة يحتاجها الوطن بالهجرة”.
تأمين الدعوة الجامعية لا يتطلب تحصيلاً دراسياً معيناً، الشركة تتولى مهمة استحصال الدعوة واخراج الفيزا عبر القنصلية الروسية في البصرة.
يشير “الموقع الرسمي للتعليم العالي في روسيا” لـ”ضرورة الحصول على تأشيرة دراسية، يحتاج المتقدمون إلى دعوة”.
“ليس لدينا ما نقدّمه للشباب من أجل منعهم من الهجرة والمخاطرة بانفسهم عبر شبكات التهريب، سوى التثقيف والتوعية”، قال علي عباس، المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين.
أطلقت الحكومة العراقية خلال السنوات الأخيرة حملة لحث المغتربين على العودة، واعدة العائدين منهم بفرص عمل واعدة وحوافز مالية، لكن الوعود الحكومية تبخرت مع أزمات البلاد المتلاحقة.
رسّام الدعوات الدراسية
عبر الفايسبوك، ينشط “الرسّام” وهو مهرب عراقي في موسكو يؤمّن دعوات دراسية وخط تهريب إلى المانيا للمهاجرين العراقيين الشُبان، مقابل 2300 دولار لا جدال فيها، وذلك بعد التحقق الدقيق من هوية المتواصلين معه، الذين يحيلهم الى محمد في بغداد عبر رقم هاتفه الشخصي لإكمال متطلبات الدعوة.
تحدّث “جُمار” مع الرسّام عبر الهاتف، لم يكشف عن خوفه أو خشيته من التعامل مع أيّ غريب، جلّ ما كان يطلبه هو المال.
نبع الجود للعائلات الروسية
“أبو جبل للهجرة”، مهرب عراقي آخر في تركيا، تضم شبكته المناطقية المنحدرين من بابل وكربلاء والبصرة وذي قار والنجف.
حيلة أبو جبل، عبر شركة للسفر والسياحة، دعوة عائلات عراقية من طرف عائلات روسية، وتأشيرات تجارية تضمن وصولاً مريحاً الى روسيا، وعبوراً نيسمياً خطراً الى اوروبا.
المكاتب الجامعية للتهريب
نشاط أشخاص ومكاتب خدمات جامعية وشركات سياحة وسفر في بغداد ومدن أخرى تحت عناوين مختلفة على صلة بشبكات التهريب، قادتنا الى التحقق من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن شرعية الواجهات.
“الوزارة لديها سياقات قانونية وإجرائية لعقد الاتفاقيات واستقبال الدعوات والمنح والابتعاثات والزمالات الدراسية”، رَدّ متحدث الوزارة، حيدر العبودي، الذي أحال المسؤولية ايضاً على “الملحقيات ودائرة البعثات بوصفها القنوات الرسمية الوحيدة المتاحة للتعامل مع الجامعات الأجنبية”.
سجلت الشرطة الاتحادية الالمانية، في كانون الأول 2022، ارتفاعاً عن العام الذي سبقه، في عديد المهاجرين غير النظاميين بنحو 60 ألف مهاجراً من العراق وافغانستان وسوريا.
“وزارة التعليم العالي لا تتعامل إلا مع ملحقياتها ولا دخل لها بمكاتب الخدمات الجامعية”، علق العبودي.
وزارة الداخلية، قالت لـ”جُمار”، انها تمكنت من اغلاق مكتبين فقط للخدمات الجامعية في بغداد، خلال السنوات الخمس المنصرمة.
صناعة الهجرة والتشرّد
يُعد العراق ضمن أدبيات منظمة الهجرة الدولية، بلد مُنشئ للمهاجرين.
طيلة العقود الأربع الماضية، ظهرت في العراق موجـات تشـرد كبيرة، هجرة ولجوء ونزوح، الى بلدان المنطقة العربية أو الى أوروبا والأمريكيتين.
ففي التسعينيات، لاسيما بين عامي- 1990 1995، تدفق أكثر من 36 الف مهاجر عراقي على بلدان المغرب العربي تونس، الجزائر، ليبيا، والمغرب.
وخلال سنوات حرب الخليج الثانية ومحنة الحصار الاقتصادي والاحتلال الأميركي للعراق 1990 – 2013 تدفق نحو 3 ملايين من العراقيين على بلدان المشرق العربي كسورية والأردن ولبنان ومصر واليمن كلاجئين، وقد تكون الأرقام الفعلية اكثر بكثير، حيث شكل العراقيون نحو 23 بالمئة من حركة اللجوء في المنطقة العربية.
بالمجمل، بلغ عديد المُشردين العراقيين 1990 – 2013 في انحاء مختلفة من العالم، أكثر من 7 ملايينمهاجر. فيما كانت نسبة مساهمتهم في تنمية الناتج القومي المحلي من خلال التحويلات المالية ضئيلة للغاية، بلغت اوجها عام 2014 بنحو 316 مليون دولار فقط.
رغم ذلك، تؤكد وزارة الهجرة والمهجرين لـ”جُمار”، عدم امتلاك السُلطات لاحصائيات عن عدد الشُبان العراقيين الذي يغادرون البلاد سنوياً عبر التهريب.
“لكن وزارتنا عملت على إعادة 4500 عراقي من العالقين على الحدود البيلاروسية والبولندية والليتوانية واللاتيفية ما بين العام 2020-2023، عبر جسر جوي طارئ خصص لهذا الغرض”، قال علي عباس، المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين.
تسبب انهيار السلطة الحكومية، إثر احتلال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لنحو ثلث الأراضي العراقية في حزيران 2014، وتفشي الفساد على نحو واسع، وبروز جماعات مسلحة موازية للقوات الرسمية، وأزمة اقتصادية خانقة وسط تصاعد معدلات الفقر والبطالة، بموجة هجرة جماعية واسعة خريف 2015؛ حين غادر عشرات الآلاف عبر مطارات البصرة والنجف وبغداد وأربيل إلى تركيا ومنها الى اليونان بغية الوصول الى الملاذ الأوروبي.
منظمة كردية غير حكومية تُعنى بشؤون الهجرة، قالت ان 650 الف عراقي تركوا البلاد كمهاجرين بين عامي 2015 و2021.
حلّ العراقيون ثالثاً في ترتيب المهاجرين الذين مروا عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط نحو إيطاليا بين أعوام 2016 – 2018، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية.
دولة غائبة عن هجرة مواطنيها
وزارة الداخلية تُقرّ بصعوبة ضبط الهجرة.
“المهاجرون يغادرون المطارات العراقية بطريقة رسمية، لكن حال وصولهم إلى دول تنشط فيها عصابات التهريب، تبدأ رحلتهم، بالتالي تخرج العملية عن نطاق القانون العراقي”، قال خالد المحنا، المتحدث باسم وزارة الداخلية.
تراقب وزارة الداخلية، وفقاً للمحنا، مكاتب السفر والسياحة، فضلاً عن الشركات والمكاتب التي تعلن عن تشغيل العاطلين خارج العراق أو تسهل سفرهم لاغراض الدراسة.
“من يتورط بتهريب العراقيين، سيُحاكم، لدينا قانون متكامل لمكافحة الاتجار”، يقول المحنا.
تنتقد الأمم المتحدة، القانون، لعدم حظره كافة أشكال الاتجار بالبشر، الذي لا يشمل وفقاً لتقييمها تسهيل دعارة الأطفال، ويتغاضى عن تصنيف وتجريم أي اتجارٍ لا تتخلله تبادلات مالية.
بيّنما تُروج الوكالات الأمنية العراقية لجسامة التهديدات التي تمثلها شبكات التهريب على حياة المهاجرين عبر الابتزاز والسرقة والاستغلال الجنسي وتجارة الأعضاء، يُشجع مركز حكومي الشُبان العراقيين على الهجرة.
“إذا كنت تريد السفر إلى الخارج، يمكننا مساعدتك على اتّخاذ قرار مُستنير”، يدعو مركز موارد العمل وهجرة العمال التابع الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الراغبين بالهجرة اليه لمساعدتهم عبر “جلسات توجيهية لمنافع الهجرة النظامية، وفضح مخاطر وعواقب غير النظامية”.
لكن؛ المركز ايضاً، يُقدم حُزمة “نصائح خبرة” بشأن حماية المهاجرين لأنفسهم عند الهجرة بأي طريقة يرونها مناسبةً لهم.
وقع الاتحاد الأوروبي عام 2012، اتفاق شراكة وتعاون مع العراق لمنع الهجرة غير النظامية، تسهيل عودة المهاجرين غير الشرعيين، ومراقبة الحدود وإدارتها على نحو فعال، فضلاً عن إنشاء آليات فعالة لمكافحة شبكات التهريب والتجار وحماية الضحايا. المركز كان جزءاً من آليات الاتفاق.
شكّل العراق في العام نفسه، لجنة مركزية عليا لمكافحة الاتجار بالبشر، تتخذ من وزارة الداخلية مقرَّاً، لتنسيق خطط مكافحة الظاهرة والحد منها مع مختلف السلطات، عوضاً عن مساعدة الضحايا وحماية الشهود.
ورغم مرور 13 عاماً على تشكيلها، يؤكد ضابط رفيع المستوى في اللجنة لـ”جُمار”، طلب حجب اسمه، إن “لجنته لا تملك أية معلومات استخبارية أو أمنية عن عمل مكاتب الخدمات الجامعية التي تنقل الشُبان العراقيين إلى روسيا”.
وزارة الهجرة والمهجرين، هي الأخرى، نفت علمها لـ”جُمار” بوجود مكاتب تعمل على تسهيل هجرة الشُبان العراقيين غير الشرعية.
العقوبات مقابل التهريب
ضابط لجنة مكافحة الاتجار بالبشر، كشف لـ”جُمار”، عن مساعٍ بين اللجنة ومجلسي الوزراء والنواب، لتعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر، وتضمينه مواد قانونية تُجرم من يساعد على تهريب الشباب أو يحثهم على الهجرة أو يعمل على إيوائهم.
“القانون بحاجة الى اللوائح التنظيمية لتطبيقه، وتعزيز مكاتب اللجنة المركزية بضباط مختصين على اعتبار انها جرائم معقدة”، وفقاً لضابط اللجنة.
تواجه محمد شياع السوداني، ضغوط دولية كبيرة للحد من الهجرة غير الشرعية، “وضع العراق محرج أمام المجتمع الدولي، وخصوصاً وزارة الخارجية الأمريكية التي تراقب مدى جدية العراق في تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر (…) الإخفاق في مكافحة الجريمة قد يؤدي إلى فرض عقوبات دولية على البلاد”.
وفي عام 2022 شدد تقرير الإتجار بالبشر لوزارة الخارجية الأمريكية، على ان العراق لا يفي بشكل كامل بالمعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر، (…) وما يزال ضمن قائمة المراقبة للفئة الثانية.
لا يمتلك العراق حزمة قانونية متكاملة لتجريم تهريب البشر، رغم توقيعه على بروتوكولين دوليين لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، والثاني مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، وكلاهما مكملان لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية المنشأة عام 2000.
الأخ الأكبر لمراقبة الهجرة
لا تُقيّد الإجراءات الوطنية ظاهراً حركة المواطنين، فالدستور الدائم 2005، ينص في مادته الرابعة والأربعين/ أولاً، على ان “للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه”.
غيّر أن المخاوف الأمنية، والممارسات الطائفية لأجهزة الامن والجماعات المُسلحة الداعمة للنظام السياسي، والسياسات العنصرية التي ترتكبها سلطات كردستان العراق، حدَّت على نحو كبير من حرية تنقل المواطنين العراقيين داخل أراضيهم الوطنية.
“لا نعرف ما بداخل رأس كل مواطن يأتي الى المطار أو المنفذ الحدودي، ليختم جوازه ويغادر البلاد (…) لا يمكن ضبط الهجرة، الا إذا صرنا نتحرّى مُسبقاً عن كل من لديه نية بالسفر”، علّق ضابط في وحدة مخابرات مطار بغداد الدولي لـ”جُمار”.
فيما البياتي، عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، يُعرب عن دهشته واستغرابه من مغادرة مئات العراقيين بحجة السياحة أو الدراسية عبر المطارات العراقية، “دون التدقيق أو التحقيق المُسبق مع المسافرين”.
شبكات كردستان للتهريب
مسؤولو الحكومة الاتحادية يُلمحون إلى تورط سلطات إقليم كردستان، بأنشطة عبور المهاجرين عبر الحدود.
علي عباس، متحدث وزارة الهجرة والمهجرين، ومثله البياتي، يتفقان على أن مافيات الاتجار بالبشر تستخدم أراضي إقليم كردستان منطلقاً لتهريب الشباب نحو أوروبا.
تتبعنا وتواصلنا مع شبكتي تهريب تنشطان على الحدود العراقية المحاذية لإيران وتركيا.
الأولى، كانت شبكة خليل، الكردي السوري المقيم في إقليم كردستان، العابرة للحدود مقابل 1400 دولار عبر طرق نيسمية وعرة في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك، للوصول إلى إيران ومن ثم التوجه نحو تركيا.
فيما الثانية، شبكة “أبو عبدو” وهو سوري الجنسية أيضاً ويقيم في تركيا، وهو مشرف على شبكة مشابهة من ثلاثة مسارات. يتقاضى 1700 دولار عن كل عابر يسلك مسار شبكة خليل، ومسار ثان مباشر وآمن واكثر كلفة، بنحو 4500 دولار عبر معبر زاخو الحدودي مع تركيا. فيما المسار الثالث، من زاخو ايضاً باتجاه تركيا سيراً على الأقدام لمدة ساعة ونصف لقاء 3000 دولار.
“كثيرٌ من العصابات تنشط في كردستان لتهريب الشباب إلى تركيا وصولا إلى الدول الأوروبية”، قال البياتي، عضو مفوضية حقوق الانسان. “المسؤولون الأوروبيين أكدوا لنا في أكثر من لقاء عن تورط مسؤولين كرد بمساعدة تلك الشبكات والمافيات”.
رفضت السُلطات الأمنية الكردية الاعتراف بالاتهامات، وبوجود هكذا شبكات داخل الإقليم.
أصر العقيد كاروان خاشناو، المتحدث باسم حرس حدود المنطقة الأولى، في حديثه لـ”جُمار” على أن “حدود الإقليم آمنة ومؤمنة بالكامل، ولا يمكن اختراقها بسهولة”.
تؤشر منظمات حقوقية كردية تزايداً في أعداد الشُبان الكُرد المهاجرين عبر شبكات تهريب مثل “خليل” و”أبو عبدو” شهرياً.
مؤسسة “لوتكة” المدافعة عن حقوق اللاجئين والنازحين في كردستان العراق، شددت في آب 2022على ان “الهجرة زادت بنسبة 35 بالمئة إلى 40 بالمئة، وهي نسبة لم تشهدها البلاد منذ العام 2020، على الرغم من خطورة الهجرة غير الشرعية وتكرار غرق القوارب كل يوم”.
ثمة حوادث دلّت على عدم شفافية السلطات الكردية الأمنية بنفي علاقة الهجرة غير النظامية بالإقليم العراقي الشمالي.
في آذار 2020، اعلنت مديرية آسايش (أمن) السليمانية، عن اعتقال 29 شخصاً في منطقة شاربازير، بتهمة تهريب البشر إلى داخل أراضي الاقليم أو بالعكس مقابل مبالغ مالية، ليرتفع عدد من اعتقلوا بهذه التهمة إلى 44 مهرباً، فضلاً عن مصادرة 27 عجلة.
جميع المهربين كانوا من سكنة كردستان.
وفي حادثة مُضافة بعد اشهر، اعتقلت وزارة داخلية الاقليم شبكة مهربين يقومون باستخراج جوازات سفر وتأشيرات مرور مزورة، فيما تلاحق شبكات أخرى تعمل على تهريب المهاجرين بجوازات سفر مزورة إلى ليتوانيا وبيلاروسيا وبولندا لقاء 15 ألف دولار.
بحر المانش الرابط بين فرنسا وبريطانيا، شهد في 2020، غرق 27 مهاجراً بينهم 16 عراقياً كردياً.
في تشرين الثاني 2022، كشفت وكالة مكافحة الجريمة البريطانية “NCA” عن تعاونها مع الشرطة البلجيكية للبحث عن مهرب عراقي الجنسية يلقب باسم “العقرب” ويدعى “برزان كمال مجيد”، بوصفه العقل المدبر لشبكة واسعة، بمحاولة تهريب 100 مهاجر بقوارب صغيرة وشاحنات باتجاه المملكة المتحدة بين تموز 2018 وتشرين الثاني 2019.
في تشرين الأول 2022، حكمت محكمة بلجيكية غيابياً على “العقرب” بالسجن 10 سنوات وغرامة 968 ألف يورو.
العقرب كان قد انتقل إلى المملكة المتحدة في 2013، ثم تم ترحيله في عام 2015 إلى إقليم شمال العراق.