"أعمارهن تمضي بانتظار الطلاق": للرجال أولوية على النساء في محاكم العراق!

زينب المشاط

12 تشرين الأول 2022

يُمكن للرجل الحصول على حكم الطلاق من المحاكم خلال مدّة تتراوح بين ١٥ إلى ٣٠ يوماً، بينما على المرأة الانتظار بين عام إلى خمسة أعوام، لتحصل على الحكم القانوني نفسه، مع تنازلها في أحيان كثيرة عن جزء أو كل حقوقها..

شاهدت المحامية زينب الحسن طوال أعوام عملها في المحاماة عشرات النساء وهن يتلوّعن لانفصالٍ عن أزواجهن. أجبر الوقت الطويل النساء على التنازل عن بعض أو كلّ حقوقهن، مقابل الحصول على ورقة الطلاق من المحكمة.   

أحصت الحسن، المختصة في القضايا الشخصيّة، ترافعها في 170 قضيّة طلاق تراوحت مدة معالجتها في المحاكم بين عام إلى خمسة أعوام. خلال وقت الانتظار هذا، كانت الحسن تشاهد النساء وهن على وشك الانهيار. 

فيما كان المحامون أمثالها غير قادرين على تغيير شيء عندما يرون موكليهم يتنازلون عن حقوقهم تحت ضغط الوقت وروتين المحاكم، فضلاً عن الأعراف والضغوط الاجتماعية التي تمنح الأولوية للرجال على حساب النساء.  

وحتى إن كان الرجل يرغب بالطلاق، فإن العادة الجارية هو أن يؤجّل إعلان رغبته وإطالة أمد الخلاف، وعندما تطلب زوجته الانفصال يمانع إلّا بشرط التنازل عن حقوقها المادية.

حالات ولا إحصائيات 

يصدر مجلس القضاء الأعلى شهرياً جدولاً يتضمن عدد حالات الطلاق في العراق، ويوزعّه على وسائل الإعلام، دون أن يذكر في إحصاءاته الشهرية مَن تقدم بالطلب وما هي المدة التي امتدت بين لجوء الطرفين أو أحدهما للمحكمة وبين الحصول على حكم الطلاق.

أخبرنا محمد سامي، المنسق الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى الذي يدير المحاكم في العراق، أن المجلس لا يملك إحصائية بالحالات التي استمرت دعواها لسنوات، كما أنه لا يملك إحصائيات بنوع الطلاق فيما إذا كان تعسفياً (عندما يستعمل الرجل حقّ الطلاق بشكل تعسفي)، أو خلعاً (يسقطُ كل حقٍّ ثابت لأي من المتخالعين بسبب الزواج الذي تم به الخُلع أو غيره) “نسجل حالات الطلاق بوضعها العام”، يقول سامي. 

رغم ذلك، تبرز القصص المتداولة، والنساء اللواتي تحدثنا إليهن أن هناك أفضلية للرجال على النساء في قضايا الطلاق. وشهد (اكتفت بكتابة اسمها الأول) هي واحدة من النساء اللواتي كنّ في سباق مع الوقت لتنفصل عن زوجها، وقصّتها التي أخبرتنا بها مكثّفة: تزّوجت شهد عام 2009 من محمّد، الذي مارس ضدها العنف الجسدي والنفسي، وبعد مضي عام واحد من زواجها وولادتها ابنتها، اضطرت للانتقال إلى العيش في بيت عائلتها لأن محمّد لم يعد قادراً على إعالتها.

أنجبت شهد عام 2011 طفلها الثاني، وسرعان ما اختفى محمد لثلاثة أشهر ثم عاد من خلال اتصال هاتفي بوالدها ليطلب منه اجتماع العشيرتين.

“لم نكن نعرف سبب طلبه هذا، لكنّي توقعت أنه ينوي شكايتي لأهلي كما تفعل أغلب الأسر العراقية في حال وقوع خلاف بين الزوجين وسرعان ما تتدخل العشيرة”، تقول شهد التي تبيّن لاحقاً أن زوجها سيذهب لأبعد من مجرد الشكوى. 

عند اجتماع العشيرتين، كال محمد التهم على شهد مدّعياً أن الحياة معها “مستحيلة” وطلب الطلاق مع تنازلها عن كافة حقوقها. 

“لم أجنِ من هذا الزواج سوى الخسارات”، قال للشيوخ الحاضرين وكبار العشيرتين. 

رفض والد شهد طلب محمد لكن الأخير زاره بعد أيام وهدده بالتشهير بابنته والادعاء أنها “خائنة” ما لم تتنازل عن حقوقها. 

رغم أن قانون العقوبات الذي يستلهم من الإسلام يتشدد في قضية إثبات “الزنا”، لكن ادعاء الزوج يكفي لوصم المرأة به حتى دون دليل، وسيجد المدعي المحكمة والمجتمع يميلان لصالحه إذ أن المجتمع سيصدّق أي كلام يصدر عن محمد بشأن “خيانة” شهد له.

وذلك يعني في كثير من الأحيان عقوبة الحبس، إلى جانب الوصمة الاجتماعية، إذ تقضي المادة 277 من قانون العقوبات العراقي الصادر عام 1969 على “الزوجة الزانية” بالحبس لمدة خمس سنوات.  

“أنا لم أخُنه لكن محاولة التشهير بي وحدها ستكون كفيلة بالقضاء عليّ، نحن في مجتمعٍ يعيش بمبدأ لا دخان من دون نار”، تقول شهد. 

نجحت خطة محمد. موقف والد شهد تغيّر وأجبرها بنفسه على التنازل عن حقوقها، ووقع الطلاق في عام 2013، بعدما صدر الحكم في الجلسة الثانية من دعوى التفريق التي رفعها محمد بعد صراعٍ استمر لعامين وتصفها شهد بأنها “حرب مبنية على الابتزاز”. 

رهان على الوقت 

على العكس من شهد، ترفض أصيل (50 عاماً) التنازل عن حقوقها مقابل حصولها على ورقة الطلاق بعد عقدين ونصف على زواجها. 

“الحياة مع زوجي مليئة بالإذلال والعنف الجسدي، كنت صابرة فقط من أجل ابنتي التي بلغت الآن 23 عاماً”. 

رفعت أصيل عام 2019 دعوى التفريق في المحكمة، ولم يكُن من الأخيرة إلا تقديم استدعاءاتٍ متكررة للزوج، لكنه تملّص ولم يحضر الجلسات، ودخلت في جدل قانوني لا تستطيع فهمه. 

ومثلما في حالة محمد زوج شهد، أصر زوج أصيل على أن تتنازل عن جميع حقوقها مقابل الطلاق، لكنه أضاف طلباً آخر لا يخلو من نية الابتزاز وهو أن توقع له ورقة بيضاء يستخدمها حال مطالبتها بحقوقها. 

“بدأت بإجراءات دعوى التفريق منذ ثلاث سنوات، وحتى الآن لم أحصل على حقي بالطلاق، أطالب بحقوقي بالإنفاق على ابنتي وبيت الزوجية.. منذ ذلك الوقت لم أستطع نيل أيٍّ من ذلك”. “ببساطة.. محامي زوجي أثبت للمحكمة زوراً أن وكيله عاطل عن العمل”. 

تملّص الزوج من النفقة واستطاع الاستمرار بالهرب من دعوى التفرقة، لكن أصيل مُصرّة على عدم التنازل، رغم أن قضيتها قد تأخذ ربما ثلاثة أعوام أخرى في المحاكم حتّى تحصل على الطلاق. 

وإذا كان زوج أصيل قد تمّلص من النفقة بادعائه العطالة عن العمل، فإن عبد الله (35 عاماً) وجد حجة مضاعفة ليفلت من منح الحقوق لزوجته رفل وابنهما.

تزوّج عبد الله من رفل وأنجب منها طفلاً، وبعد عامين سافر إلى ألمانيا لتوثيق شهادته كطبيب والحصول على العمل والإقامة هناك. 

طيلة عامين، انتظرت رفل عبد الله في بغداد ولم يبقَ سوى 4 أشهر لذهابها وابنهما للقياه دون أن تعرف أن هذا اللقاء لن يتم أبداً. 

“أحببت امرأة أخرى ولأن القانون في ألمانيا لا يسمح بالجمع بين زوجتين طلقت رفل غيابياً وهي في العراق وتزوجت من حبيبتي هنا في ألمانيا”، يقول عبد الله. 

لم تقبل رفل بالطلاق وارتضت أن يصبح لها “ضرة”، لكن عبد الله قال “طلقتها خضوعاً للقانون الألماني، ولأني ابتغي الإقامة هنا قررت الطلاق”. 

لم تستطع رفل الحصول على أي من حقوقها رغم أن طلاقها يصنف “تعسفياً” ويوجب على الرجل الإيفاء بجميع الحقوق لها مع تعويض عن الضرر الذي وقع عليها من دون رغبتها. 

“لم تستطع أخذ أيٍّ من حقوقها لأني كنت خارج العراق، فضلاً عن أن محاميَّ أثبت للمحكمة أني ما زلت طالباً في ألمانيا، وهذا يحدد النفقة بمبلغ بسيط جداً يكاد أن يكون شكلياً أمنحه لها كل شهر وعلى مدى أربع سنوات”، قال عبد الله بنبرة هادئة. 

يمنح القانون المرأة التي طلقت تعسفياً تعويضاً على ألا يتجاوز مبلغ النفقة لعامين، لكن الرجل يمكنه التملص، كما حصل في حال عبد الله عن تعويض زوجته رفل ومنحها حقوقها، بمجرد أن يثبت أنه عاطل عن العمل وأنه لا يمتلك أي ثروة. 

لكن حتّى لو كان لبعض الرجال ثروة، فإن “العديد ممن يمتلكون بيوتاً أو سيارات خاصة يقومون بتحويل ملكيتها إلى أسماء أحد أفراد أسرهم للتملص من منح الطليقة حقوقها”، قال الخبير القانون محمد العكيلي. 

العصمة! 

يُعد قانون الأحوال الشخصية رقم 188 المقر عام 1959 أنموذجاً متقدماً وطموحاً لشعوب الدول في عدد من دول المنطقة. رغم ذلك، فإن القانون يمنح أولوية للرجل على حساب المرأة. 

تتناغم مواد القانون مع الشريعة الإسلامية التي تمنح العصمة للرجل، وهو ما يجعل الطلاق أيضاً بيد الرجل، ما يعني أنه “لا يُمكن للمرأة أن تطلق نفسها من الرجل إلا بموافقته أو (أن يقوم هو بتوكيلها بتطليق نفسها متى ما أرادت ذلك) على أن يكون هذا الشرط مثبتاً مسبقاً في عقد الزواج”، تقول المحامية زينب الحسن. 

وترى الحسن أن “الرجل وحده من يستطيع المطالبة بالطلاق، وتستثنى كل من المواد 40 و41، و42 لقانون الأحوال الشخصية التي تسمح للمرأة بالمطالبة بالطلاق إذا أثبتت أن زوجها هجرها، أو أوقع ضرراً عليها، أو كان سجيناً”، بيد أن هذه “الأضرار”، بحسب الحسن، “من الصعب إثباتها بسهولة”. 

بمقابل ذلك، فإن الرجل يمكنه الحصول على الطلاق بسهولة، “إن الدين وقانون الأحوال الشخصية الذي عدّ وفقاً لنصوص الدين الإسلامي يمنحان الرجل الحق بطلاق زوجته وإن كانت الأسباب بسيطة جداً ذلك لأن العصمة بيد الزوج”، بحسب الخبير القانوني محمد العكيلي. 

الأفضلية للرجل! 

لغياب الاحصائيات بخصوص إجراءات الطلاق، تحدثنا إلى ستة محامين يترافعون بشكل دائم في قضايا التفريق والطلاق والنفقة. بحسب المعلومات التي حصلنا عليها، تبين أن 20 بالمئة من النساء الراغبات بالطلاق استمرت دعوى التفريق الخاصة بهن بين عام إلى خمسة أعوام في محاكم الاحوال الشخصية، ولم يتم التفريق إلا بتنازلهن عن كافة حقوقهن. 

على العكس من ذلك، فإن نحو ٩٠ بالمئة من الرجال كسبوا دعوى التفريق في مدة تتراوح بين ١٥ إلى ٣٠ يوماً. يعود سبب ذلك، بحسب الخبير القانوني محمد العكيلي، إلى أن “العصمة وفقاً للدين الإسلامي بيد الزوج”، لكنه أشار إلى أمر آخر يُتكتّم عليه عادة وهو رأي القضاة. 

“القاضي لا يجرؤ على الموافقة على تفريق الزوجين بطلب من الزوجة بسهولة وبدون حجة قوية وإثباتات واضحة لأنه يخشى مخالفة ما نصّ عليه الدين”، يقول العكيلي.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

شاهدت المحامية زينب الحسن طوال أعوام عملها في المحاماة عشرات النساء وهن يتلوّعن لانفصالٍ عن أزواجهن. أجبر الوقت الطويل النساء على التنازل عن بعض أو كلّ حقوقهن، مقابل الحصول على ورقة الطلاق من المحكمة.   

أحصت الحسن، المختصة في القضايا الشخصيّة، ترافعها في 170 قضيّة طلاق تراوحت مدة معالجتها في المحاكم بين عام إلى خمسة أعوام. خلال وقت الانتظار هذا، كانت الحسن تشاهد النساء وهن على وشك الانهيار. 

فيما كان المحامون أمثالها غير قادرين على تغيير شيء عندما يرون موكليهم يتنازلون عن حقوقهم تحت ضغط الوقت وروتين المحاكم، فضلاً عن الأعراف والضغوط الاجتماعية التي تمنح الأولوية للرجال على حساب النساء.  

وحتى إن كان الرجل يرغب بالطلاق، فإن العادة الجارية هو أن يؤجّل إعلان رغبته وإطالة أمد الخلاف، وعندما تطلب زوجته الانفصال يمانع إلّا بشرط التنازل عن حقوقها المادية.

حالات ولا إحصائيات 

يصدر مجلس القضاء الأعلى شهرياً جدولاً يتضمن عدد حالات الطلاق في العراق، ويوزعّه على وسائل الإعلام، دون أن يذكر في إحصاءاته الشهرية مَن تقدم بالطلب وما هي المدة التي امتدت بين لجوء الطرفين أو أحدهما للمحكمة وبين الحصول على حكم الطلاق.

أخبرنا محمد سامي، المنسق الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى الذي يدير المحاكم في العراق، أن المجلس لا يملك إحصائية بالحالات التي استمرت دعواها لسنوات، كما أنه لا يملك إحصائيات بنوع الطلاق فيما إذا كان تعسفياً (عندما يستعمل الرجل حقّ الطلاق بشكل تعسفي)، أو خلعاً (يسقطُ كل حقٍّ ثابت لأي من المتخالعين بسبب الزواج الذي تم به الخُلع أو غيره) “نسجل حالات الطلاق بوضعها العام”، يقول سامي. 

رغم ذلك، تبرز القصص المتداولة، والنساء اللواتي تحدثنا إليهن أن هناك أفضلية للرجال على النساء في قضايا الطلاق. وشهد (اكتفت بكتابة اسمها الأول) هي واحدة من النساء اللواتي كنّ في سباق مع الوقت لتنفصل عن زوجها، وقصّتها التي أخبرتنا بها مكثّفة: تزّوجت شهد عام 2009 من محمّد، الذي مارس ضدها العنف الجسدي والنفسي، وبعد مضي عام واحد من زواجها وولادتها ابنتها، اضطرت للانتقال إلى العيش في بيت عائلتها لأن محمّد لم يعد قادراً على إعالتها.

أنجبت شهد عام 2011 طفلها الثاني، وسرعان ما اختفى محمد لثلاثة أشهر ثم عاد من خلال اتصال هاتفي بوالدها ليطلب منه اجتماع العشيرتين.

“لم نكن نعرف سبب طلبه هذا، لكنّي توقعت أنه ينوي شكايتي لأهلي كما تفعل أغلب الأسر العراقية في حال وقوع خلاف بين الزوجين وسرعان ما تتدخل العشيرة”، تقول شهد التي تبيّن لاحقاً أن زوجها سيذهب لأبعد من مجرد الشكوى. 

عند اجتماع العشيرتين، كال محمد التهم على شهد مدّعياً أن الحياة معها “مستحيلة” وطلب الطلاق مع تنازلها عن كافة حقوقها. 

“لم أجنِ من هذا الزواج سوى الخسارات”، قال للشيوخ الحاضرين وكبار العشيرتين. 

رفض والد شهد طلب محمد لكن الأخير زاره بعد أيام وهدده بالتشهير بابنته والادعاء أنها “خائنة” ما لم تتنازل عن حقوقها. 

رغم أن قانون العقوبات الذي يستلهم من الإسلام يتشدد في قضية إثبات “الزنا”، لكن ادعاء الزوج يكفي لوصم المرأة به حتى دون دليل، وسيجد المدعي المحكمة والمجتمع يميلان لصالحه إذ أن المجتمع سيصدّق أي كلام يصدر عن محمد بشأن “خيانة” شهد له.

وذلك يعني في كثير من الأحيان عقوبة الحبس، إلى جانب الوصمة الاجتماعية، إذ تقضي المادة 277 من قانون العقوبات العراقي الصادر عام 1969 على “الزوجة الزانية” بالحبس لمدة خمس سنوات.  

“أنا لم أخُنه لكن محاولة التشهير بي وحدها ستكون كفيلة بالقضاء عليّ، نحن في مجتمعٍ يعيش بمبدأ لا دخان من دون نار”، تقول شهد. 

نجحت خطة محمد. موقف والد شهد تغيّر وأجبرها بنفسه على التنازل عن حقوقها، ووقع الطلاق في عام 2013، بعدما صدر الحكم في الجلسة الثانية من دعوى التفريق التي رفعها محمد بعد صراعٍ استمر لعامين وتصفها شهد بأنها “حرب مبنية على الابتزاز”. 

رهان على الوقت 

على العكس من شهد، ترفض أصيل (50 عاماً) التنازل عن حقوقها مقابل حصولها على ورقة الطلاق بعد عقدين ونصف على زواجها. 

“الحياة مع زوجي مليئة بالإذلال والعنف الجسدي، كنت صابرة فقط من أجل ابنتي التي بلغت الآن 23 عاماً”. 

رفعت أصيل عام 2019 دعوى التفريق في المحكمة، ولم يكُن من الأخيرة إلا تقديم استدعاءاتٍ متكررة للزوج، لكنه تملّص ولم يحضر الجلسات، ودخلت في جدل قانوني لا تستطيع فهمه. 

ومثلما في حالة محمد زوج شهد، أصر زوج أصيل على أن تتنازل عن جميع حقوقها مقابل الطلاق، لكنه أضاف طلباً آخر لا يخلو من نية الابتزاز وهو أن توقع له ورقة بيضاء يستخدمها حال مطالبتها بحقوقها. 

“بدأت بإجراءات دعوى التفريق منذ ثلاث سنوات، وحتى الآن لم أحصل على حقي بالطلاق، أطالب بحقوقي بالإنفاق على ابنتي وبيت الزوجية.. منذ ذلك الوقت لم أستطع نيل أيٍّ من ذلك”. “ببساطة.. محامي زوجي أثبت للمحكمة زوراً أن وكيله عاطل عن العمل”. 

تملّص الزوج من النفقة واستطاع الاستمرار بالهرب من دعوى التفرقة، لكن أصيل مُصرّة على عدم التنازل، رغم أن قضيتها قد تأخذ ربما ثلاثة أعوام أخرى في المحاكم حتّى تحصل على الطلاق. 

وإذا كان زوج أصيل قد تمّلص من النفقة بادعائه العطالة عن العمل، فإن عبد الله (35 عاماً) وجد حجة مضاعفة ليفلت من منح الحقوق لزوجته رفل وابنهما.

تزوّج عبد الله من رفل وأنجب منها طفلاً، وبعد عامين سافر إلى ألمانيا لتوثيق شهادته كطبيب والحصول على العمل والإقامة هناك. 

طيلة عامين، انتظرت رفل عبد الله في بغداد ولم يبقَ سوى 4 أشهر لذهابها وابنهما للقياه دون أن تعرف أن هذا اللقاء لن يتم أبداً. 

“أحببت امرأة أخرى ولأن القانون في ألمانيا لا يسمح بالجمع بين زوجتين طلقت رفل غيابياً وهي في العراق وتزوجت من حبيبتي هنا في ألمانيا”، يقول عبد الله. 

لم تقبل رفل بالطلاق وارتضت أن يصبح لها “ضرة”، لكن عبد الله قال “طلقتها خضوعاً للقانون الألماني، ولأني ابتغي الإقامة هنا قررت الطلاق”. 

لم تستطع رفل الحصول على أي من حقوقها رغم أن طلاقها يصنف “تعسفياً” ويوجب على الرجل الإيفاء بجميع الحقوق لها مع تعويض عن الضرر الذي وقع عليها من دون رغبتها. 

“لم تستطع أخذ أيٍّ من حقوقها لأني كنت خارج العراق، فضلاً عن أن محاميَّ أثبت للمحكمة أني ما زلت طالباً في ألمانيا، وهذا يحدد النفقة بمبلغ بسيط جداً يكاد أن يكون شكلياً أمنحه لها كل شهر وعلى مدى أربع سنوات”، قال عبد الله بنبرة هادئة. 

يمنح القانون المرأة التي طلقت تعسفياً تعويضاً على ألا يتجاوز مبلغ النفقة لعامين، لكن الرجل يمكنه التملص، كما حصل في حال عبد الله عن تعويض زوجته رفل ومنحها حقوقها، بمجرد أن يثبت أنه عاطل عن العمل وأنه لا يمتلك أي ثروة. 

لكن حتّى لو كان لبعض الرجال ثروة، فإن “العديد ممن يمتلكون بيوتاً أو سيارات خاصة يقومون بتحويل ملكيتها إلى أسماء أحد أفراد أسرهم للتملص من منح الطليقة حقوقها”، قال الخبير القانون محمد العكيلي. 

العصمة! 

يُعد قانون الأحوال الشخصية رقم 188 المقر عام 1959 أنموذجاً متقدماً وطموحاً لشعوب الدول في عدد من دول المنطقة. رغم ذلك، فإن القانون يمنح أولوية للرجل على حساب المرأة. 

تتناغم مواد القانون مع الشريعة الإسلامية التي تمنح العصمة للرجل، وهو ما يجعل الطلاق أيضاً بيد الرجل، ما يعني أنه “لا يُمكن للمرأة أن تطلق نفسها من الرجل إلا بموافقته أو (أن يقوم هو بتوكيلها بتطليق نفسها متى ما أرادت ذلك) على أن يكون هذا الشرط مثبتاً مسبقاً في عقد الزواج”، تقول المحامية زينب الحسن. 

وترى الحسن أن “الرجل وحده من يستطيع المطالبة بالطلاق، وتستثنى كل من المواد 40 و41، و42 لقانون الأحوال الشخصية التي تسمح للمرأة بالمطالبة بالطلاق إذا أثبتت أن زوجها هجرها، أو أوقع ضرراً عليها، أو كان سجيناً”، بيد أن هذه “الأضرار”، بحسب الحسن، “من الصعب إثباتها بسهولة”. 

بمقابل ذلك، فإن الرجل يمكنه الحصول على الطلاق بسهولة، “إن الدين وقانون الأحوال الشخصية الذي عدّ وفقاً لنصوص الدين الإسلامي يمنحان الرجل الحق بطلاق زوجته وإن كانت الأسباب بسيطة جداً ذلك لأن العصمة بيد الزوج”، بحسب الخبير القانوني محمد العكيلي. 

الأفضلية للرجل! 

لغياب الاحصائيات بخصوص إجراءات الطلاق، تحدثنا إلى ستة محامين يترافعون بشكل دائم في قضايا التفريق والطلاق والنفقة. بحسب المعلومات التي حصلنا عليها، تبين أن 20 بالمئة من النساء الراغبات بالطلاق استمرت دعوى التفريق الخاصة بهن بين عام إلى خمسة أعوام في محاكم الاحوال الشخصية، ولم يتم التفريق إلا بتنازلهن عن كافة حقوقهن. 

على العكس من ذلك، فإن نحو ٩٠ بالمئة من الرجال كسبوا دعوى التفريق في مدة تتراوح بين ١٥ إلى ٣٠ يوماً. يعود سبب ذلك، بحسب الخبير القانوني محمد العكيلي، إلى أن “العصمة وفقاً للدين الإسلامي بيد الزوج”، لكنه أشار إلى أمر آخر يُتكتّم عليه عادة وهو رأي القضاة. 

“القاضي لا يجرؤ على الموافقة على تفريق الزوجين بطلب من الزوجة بسهولة وبدون حجة قوية وإثباتات واضحة لأنه يخشى مخالفة ما نصّ عليه الدين”، يقول العكيلي.