قبل أن يموت التين في بابل: شجرة للإنسان والنحل والبلابل 

مروان الفتلاوي

16 تشرين الأول 2025

تعيش شجرة التين نصف قرن وتثمر بعد عامها الثالث. في مزرعة سعدون السعدوني، ثمة أشجار أقدم من ابنه البكر، رعاها كما ربّى أبناءه. لكنها اليوم تجفّ وتصفرّ أوراقها.. عن أشجار التين التي تحتضر في بابل..

في بستان صغير بقرية “طفيل” جنوبي بابل، لا تتجاوز مساحته الدونم الواحد، زرع سعدون السعدوني مئة شجرة تين، يقف بينها هذا الموسم متحسراً، فالإنتاج لم يعد كما كان قبل عامين فقط، كانت شجرة التين الواحدة تنتج ما بين 25 و40 صندوقاً، بوزن يصل إلى 20 كيلوغراماً من الثمار السوداء الشهية، أما اليوم فلم تعد تنتج أكثر من 15 إلى 20 كيلوغراماً كل يومين أو ثلاثة بسبب الجفاف. 

يبدأ موسم جني التين في منتصف حزيران، ويستمر حتى نهاية تشرين الأول من كل عام، لكن الإنتاج هذا العام شهد تراجعاً واسعاً، مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة جفاف عدد كبير من البساتين وانخفاض الاعتماد على مصادر الري السطحي مع بقاء الزراعة المعتمدة على الآبار فقط. 

يقول السعدوني: “إن التين من الأشجار العاشقة للماء، فهي لا تحتاج إلى السقي فقط، بل إلى الغسل المستمر أيضاً، لإزالة الأتربة التي تجذب العناكب، ولا بديل نلجأ إليه سوى الآبار أو ما تسمى “البرايم” “. 

شحّة المياه أجبرت الفلاحين على اللجوء إلى المياه الجوفية، وهي مياه مليئة بالكبريت، فأفسدت طعم الثمار وغيّرت لونها من الأسود إلى الأحمر، بحسب السعدوني. 

ويضيف لجمّار أن وزارة الموارد المائية قلّصت الحصص المائية القادمة من الفرات هذا العام لصالح مشاريع الإسالة في مناطق جنوب بابل، فازدادت معاناة أشجار التين.  

ومع قلة الأمطار، لم تعد هناك مياه كافية لغسل الأشجار طبيعياً، فانتشرت الأمراض والعناكب، واضطر المزارعون إلى استخدام المبيدات. 

أشجار التين في بابل، المصدر: الكاتب. 

لكن الخسارة لم تتوقف عند الثمار فقط؛ إذ فقد البستان جزءاً من حيويته، فالتين كان موئلاً للنحل الذي ينتج عسله من رحيق الثمار، وللبلبل العراقي الذي يتغذى على التين، ولطائر البيّوض أو البلشون الأبيض الذي يقترب من المزارعين عند السقي ليلتقط الديدان والحشرات.  

غير أن الجفاف والمبيدات طردت هذه الكائنات واحدة تلو الأخرى، فهاجر النحل، واختفى البلبل، وقلّ وجود طائر البيّوض. 

اقرأ أيضاً

“الصنابير تنزف ملوحة بلا نهاية”.. عن لسان الملح والوعود العذبة التي تتلاشى في البصرة 

ورغم كل ذلك، لا يزال السعدوني متمسكاً بأشجاره المعمّرة، التي قد يصل عمرها إلى ثلاثين عاماً، لكنه يصف هذا الموسم بأنه خسارة كبيرة لم يُعرف لها مثيل من قبل. 

تين بني مسلم 

في قرية مجاورة لـ”طفيل”، على امتداد نهر الفرات، تقع قرية بني مسلم التي اشتهر اسمها المقترن بالتين المنتج منها، حتى أنها وصمت المحافظة كلها باسم عاصمة التين، لأن “تين بني مسلم يمتاز بخصائص ذات تفاصيل دقيقة” كما يصفه الخبير الزراعي باسم المسلماوي. 

يقول المسلماوي الذي يمتلك حقلاً كبيراً وفير الإنتاج: “ثمرتها متوسطة الحجم، قشرتها سوداء داكنة كالحبر، رقيقة لا تحتمل طول السفر، والمادة العسلية داخلها لاذعة الحلاوة، تجمع بين مذاق التوت وحلاوة الكرز. إنها لذيذة إلى حدٍ يجعلها أشبه بكنزٍ يُؤكل على عجل قبل أن يذوب. ورغم ضعف قشرة ثمرتها، إلا أن الشجرة قوية، تقاوم أمراض التربة وعلى رأسها “النيماتودا” الذي يضرب الجذور، بفضل جذورها كثيفة الشعرية”. 

حين يتحدث الخبير المسلماوي عن تين “بني مسلم”، يبدو وكأنه يروي سيرة شجرة ضاربة في الجذور، لا مجرد ثمرة. 

ظن الكثيرون أنها من نسل التين الإسباني الأسود، بسبب الشبه في الشكل واللون، غير أن الذي يتذوقها يعرف أنها شيء آخر، قشرة سوداء رقيقة، ولبّ حلو كالعسل، وُجدت لتُؤكل تحت ظل شجرتها لا في أسواق بعيدة.  

لكن من أين جاء هذا التين؟ المسلماوي نفسه يعترف أن الأمر أشبه بلغز، يسأل أباه، فيخبره أن شجرة التين موجودة منذ أن كان صغيراً، بل منذ زمن أجداده. أجيال توارثت الشجرة، دون أن يعرف أحد أصلها، أكانت بذرة جاءت من خارج العراق، أم أنها نبتت هنا منذ البداية؟ لا أحد يعلم. 

تين بني مسلم، المصدر: الكاتب. 

تين بني مسلم بخصائصه الفريدة، يواجه اليوم التحدي الأكبر وهو الجفاف؛ فالمزارع القريبة من الأنهر بقي إنتاجها وفيراً، بينما تأثرت بساتين أخرى في مناطق العطش بنسبة كبيرة، ومع ذلك، يقول المسلماوي: “الخير ما زال وفيراً، ومنطقة تتضرر يقابلها أخرى تعوض، فالتين حاضر في السوق كل عام”. 

وصل إنتاج محافظة بابل إلى 80 ألف طن في العام الماضي، بينما لا يُتوقع أن يصل الإنتاج إلى هذه الكمية في العام الحالي بسبب شحة الماء. 

ولأن القصص تسافر عبر الشاشات هذه الأيام، أنشأ المسلماوي مجموعة على “فيس بوك” باسم “عشاق زراعة التين في العالم”، جذبت أكثر من 360 ألف متابع من العراق وخارجه، يتبادلون المعرفة والخبرة حول هذه الشجرة.  

وبفضل هذا النشاط، لم يبق التين حبيس الأرض العراقية؛ فالمسلماوي عمل على نشره خارج الحدود، ليس من خلال الشتلات التي تحتاج إلى إجراءات معقدة، بل من خلال العُقَل.  

تين بابل، المصدر: الكاتب. 

في ليبيا وحدها زُرعت آلاف العُقَل، وصار للمزارعين هناك إنتاج بعد سنوات قليلة. حتى في المعارض الدولية، شارك باسم بجناح خاص عن بُعد، قدّم فيه صوراً لمشتله ومزارعه ومراحل الزراعة، ليُعرّف العالم على شجرته التي صارت سفيراً باسم قريته. 

يقول المسلماوي: “إن إنتاجها غزير، والشجرة كلما تقدمت في العمر ازدادت كرماً، فلا يعرف محصولها هبوطاً بل صعوداً عاماً بعد آخر، إلا ما يتأثر بعطشٍ أو جفاف في بعض البساتين”. 

نزيف التين 

لكن ليس كل المزارعين في قرية بني مسلم يمتلكون خبرة المسلماوي، إذ يشكو أحمد أبو شهد من آفة القشرية التي يصر على أن لا علاج لها، وأعراضها أن “التين ينزف دماً”، حتى إن هذا المنظر المروع يصيب أبو شهد بالخوف من جني ثماره وبيعها، لكن المسلماوي يشير إلى أنها حشرة تترك مئات البيوض التي تطرح صبغة حمراء عند سحقها. 

لكن الشكوى الكبرى التي يبثها أبو شهد هي الجفاف، ويقول: “إن زراعة التين أصبحت مهددة في قرية بني مسلم، حتى إن بعض المزارعين هجروا مهنتهم إلى العمل في البناء أو في حقول الدواجن”. يضيف متحسراً: “تأتي حافلاتٌ صباحاً إلى القرية تأخذ الشباب إلى كربلاء، للعمل في حقول الدواجن التابعة لرجل الأعمال الحلي وصاحب مجموعة شركات الاتحاد أبو سجاد”. 

وشهدت مناسيب نهر الفرات، التي تعتمد عليها محافظة بابل، انخفاضاً كبيراً إلى حد الخروج في تظاهرات لأول مرة للشكوى من العطش، إذ خرج في تموز 2025، المئات من أهالي قرية المجرية احتجاجاً على انقطاع المياه، وذلك بالتزامن مع إعلان وزارة الموارد المائية أن العام الحالي هو من أكثر السنوات جفافاً منذ عام 1933. 

وتُعرف محافظة بابل تاريخياً بكونها من أبرز مناطق العراق الزراعية، سواء في الإنتاج النباتي أو الحيواني، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في الإنتاج النباتي على مختلف المستويات، نتيجة الشحة المائية التي أثّرت على أغلب المحاصيل. 

ورغم هذا التراجع العام، يصر مدير زراعة بابل، ثامر الخفاجي، على أن التين برز بوصفه أحد المحاصيل الأقل تأثراً بالجفاف، إذ يعدّ من نباتات “الشواطئ”، التي تنمو في المناطق القريبة من مجاري الأنهار.  

لذلك، لا نجد زراعة التين في المناطق النائية أو البعيدة عن مصادر المياه، بل تتركّز زراعته على ضفاف الفرات، وخصوصاً في قضاء الكفل، الذي يُعدّ اليوم المركز الرئيس لإنتاج التين في بابل. 

محصول اقتصادي 

ويشير ثامر الخفاجي، مدير زراعة بابل، إلى أن زراعة التين في المحافظة حديثة العهد من حيث اعتبارها محصولاً اقتصادياً، فقد كانت زراعته في السابق مقتصرة على الحدائق المنزلية، أما اليوم فقد تحوّل إلى محصول تجاري يُعوَّل عليه. 

ورغم عدم توفر إحصائية دقيقة عن الموسم الحالي –لأن الجني ما يزال مستمراً– فإن المؤشرات الميدانية تعكس انتعاشاً ملحوظاً في إنتاج التين، كما يقول الخفاجي، مشيراً إلى أن “عدداً من مزارعي التين في قضاء الكفل قدّموا طلباً رسمياً للسماح لهم بتصدير التين إلى دول الجوار، مؤكدين أنهم قادرون على تصدير نحو 20 طناً من التين يومياً”. 

تين بساتين بابل. المصدر: الكاتب. 

وتابع أن “هذا التوجه يعكس ثقة المزارعين بجدوى هذا المحصول، خاصة أن ثمار التين تُعدّ من الثمار ذات القيمة العالية مقارنة ببقية الفواكه، مما يشجع المزارعين على الاستثمار فيها، واعتماد وسائل ري حديثة، مثل الري بالتنقيط، التي تساعد على تقليل الهدر المائي وضمان استدامة الإنتاج”. 

ويؤكد الخفاجي أن أشجار التين من الأشجار المعمّرة والقوية، القادرة على الصمود لسنوات طويلة، حتى في ظروف الجفاف، وهو ما يمنحها ميزة إضافية في ظل التغيرات المناخية وشحة الموارد المائية. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

في بستان صغير بقرية “طفيل” جنوبي بابل، لا تتجاوز مساحته الدونم الواحد، زرع سعدون السعدوني مئة شجرة تين، يقف بينها هذا الموسم متحسراً، فالإنتاج لم يعد كما كان قبل عامين فقط، كانت شجرة التين الواحدة تنتج ما بين 25 و40 صندوقاً، بوزن يصل إلى 20 كيلوغراماً من الثمار السوداء الشهية، أما اليوم فلم تعد تنتج أكثر من 15 إلى 20 كيلوغراماً كل يومين أو ثلاثة بسبب الجفاف. 

يبدأ موسم جني التين في منتصف حزيران، ويستمر حتى نهاية تشرين الأول من كل عام، لكن الإنتاج هذا العام شهد تراجعاً واسعاً، مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة جفاف عدد كبير من البساتين وانخفاض الاعتماد على مصادر الري السطحي مع بقاء الزراعة المعتمدة على الآبار فقط. 

يقول السعدوني: “إن التين من الأشجار العاشقة للماء، فهي لا تحتاج إلى السقي فقط، بل إلى الغسل المستمر أيضاً، لإزالة الأتربة التي تجذب العناكب، ولا بديل نلجأ إليه سوى الآبار أو ما تسمى “البرايم” “. 

شحّة المياه أجبرت الفلاحين على اللجوء إلى المياه الجوفية، وهي مياه مليئة بالكبريت، فأفسدت طعم الثمار وغيّرت لونها من الأسود إلى الأحمر، بحسب السعدوني. 

ويضيف لجمّار أن وزارة الموارد المائية قلّصت الحصص المائية القادمة من الفرات هذا العام لصالح مشاريع الإسالة في مناطق جنوب بابل، فازدادت معاناة أشجار التين.  

ومع قلة الأمطار، لم تعد هناك مياه كافية لغسل الأشجار طبيعياً، فانتشرت الأمراض والعناكب، واضطر المزارعون إلى استخدام المبيدات. 

أشجار التين في بابل، المصدر: الكاتب. 

لكن الخسارة لم تتوقف عند الثمار فقط؛ إذ فقد البستان جزءاً من حيويته، فالتين كان موئلاً للنحل الذي ينتج عسله من رحيق الثمار، وللبلبل العراقي الذي يتغذى على التين، ولطائر البيّوض أو البلشون الأبيض الذي يقترب من المزارعين عند السقي ليلتقط الديدان والحشرات.  

غير أن الجفاف والمبيدات طردت هذه الكائنات واحدة تلو الأخرى، فهاجر النحل، واختفى البلبل، وقلّ وجود طائر البيّوض. 

اقرأ أيضاً

“الصنابير تنزف ملوحة بلا نهاية”.. عن لسان الملح والوعود العذبة التي تتلاشى في البصرة 

ورغم كل ذلك، لا يزال السعدوني متمسكاً بأشجاره المعمّرة، التي قد يصل عمرها إلى ثلاثين عاماً، لكنه يصف هذا الموسم بأنه خسارة كبيرة لم يُعرف لها مثيل من قبل. 

تين بني مسلم 

في قرية مجاورة لـ”طفيل”، على امتداد نهر الفرات، تقع قرية بني مسلم التي اشتهر اسمها المقترن بالتين المنتج منها، حتى أنها وصمت المحافظة كلها باسم عاصمة التين، لأن “تين بني مسلم يمتاز بخصائص ذات تفاصيل دقيقة” كما يصفه الخبير الزراعي باسم المسلماوي. 

يقول المسلماوي الذي يمتلك حقلاً كبيراً وفير الإنتاج: “ثمرتها متوسطة الحجم، قشرتها سوداء داكنة كالحبر، رقيقة لا تحتمل طول السفر، والمادة العسلية داخلها لاذعة الحلاوة، تجمع بين مذاق التوت وحلاوة الكرز. إنها لذيذة إلى حدٍ يجعلها أشبه بكنزٍ يُؤكل على عجل قبل أن يذوب. ورغم ضعف قشرة ثمرتها، إلا أن الشجرة قوية، تقاوم أمراض التربة وعلى رأسها “النيماتودا” الذي يضرب الجذور، بفضل جذورها كثيفة الشعرية”. 

حين يتحدث الخبير المسلماوي عن تين “بني مسلم”، يبدو وكأنه يروي سيرة شجرة ضاربة في الجذور، لا مجرد ثمرة. 

ظن الكثيرون أنها من نسل التين الإسباني الأسود، بسبب الشبه في الشكل واللون، غير أن الذي يتذوقها يعرف أنها شيء آخر، قشرة سوداء رقيقة، ولبّ حلو كالعسل، وُجدت لتُؤكل تحت ظل شجرتها لا في أسواق بعيدة.  

لكن من أين جاء هذا التين؟ المسلماوي نفسه يعترف أن الأمر أشبه بلغز، يسأل أباه، فيخبره أن شجرة التين موجودة منذ أن كان صغيراً، بل منذ زمن أجداده. أجيال توارثت الشجرة، دون أن يعرف أحد أصلها، أكانت بذرة جاءت من خارج العراق، أم أنها نبتت هنا منذ البداية؟ لا أحد يعلم. 

تين بني مسلم، المصدر: الكاتب. 

تين بني مسلم بخصائصه الفريدة، يواجه اليوم التحدي الأكبر وهو الجفاف؛ فالمزارع القريبة من الأنهر بقي إنتاجها وفيراً، بينما تأثرت بساتين أخرى في مناطق العطش بنسبة كبيرة، ومع ذلك، يقول المسلماوي: “الخير ما زال وفيراً، ومنطقة تتضرر يقابلها أخرى تعوض، فالتين حاضر في السوق كل عام”. 

وصل إنتاج محافظة بابل إلى 80 ألف طن في العام الماضي، بينما لا يُتوقع أن يصل الإنتاج إلى هذه الكمية في العام الحالي بسبب شحة الماء. 

ولأن القصص تسافر عبر الشاشات هذه الأيام، أنشأ المسلماوي مجموعة على “فيس بوك” باسم “عشاق زراعة التين في العالم”، جذبت أكثر من 360 ألف متابع من العراق وخارجه، يتبادلون المعرفة والخبرة حول هذه الشجرة.  

وبفضل هذا النشاط، لم يبق التين حبيس الأرض العراقية؛ فالمسلماوي عمل على نشره خارج الحدود، ليس من خلال الشتلات التي تحتاج إلى إجراءات معقدة، بل من خلال العُقَل.  

تين بابل، المصدر: الكاتب. 

في ليبيا وحدها زُرعت آلاف العُقَل، وصار للمزارعين هناك إنتاج بعد سنوات قليلة. حتى في المعارض الدولية، شارك باسم بجناح خاص عن بُعد، قدّم فيه صوراً لمشتله ومزارعه ومراحل الزراعة، ليُعرّف العالم على شجرته التي صارت سفيراً باسم قريته. 

يقول المسلماوي: “إن إنتاجها غزير، والشجرة كلما تقدمت في العمر ازدادت كرماً، فلا يعرف محصولها هبوطاً بل صعوداً عاماً بعد آخر، إلا ما يتأثر بعطشٍ أو جفاف في بعض البساتين”. 

نزيف التين 

لكن ليس كل المزارعين في قرية بني مسلم يمتلكون خبرة المسلماوي، إذ يشكو أحمد أبو شهد من آفة القشرية التي يصر على أن لا علاج لها، وأعراضها أن “التين ينزف دماً”، حتى إن هذا المنظر المروع يصيب أبو شهد بالخوف من جني ثماره وبيعها، لكن المسلماوي يشير إلى أنها حشرة تترك مئات البيوض التي تطرح صبغة حمراء عند سحقها. 

لكن الشكوى الكبرى التي يبثها أبو شهد هي الجفاف، ويقول: “إن زراعة التين أصبحت مهددة في قرية بني مسلم، حتى إن بعض المزارعين هجروا مهنتهم إلى العمل في البناء أو في حقول الدواجن”. يضيف متحسراً: “تأتي حافلاتٌ صباحاً إلى القرية تأخذ الشباب إلى كربلاء، للعمل في حقول الدواجن التابعة لرجل الأعمال الحلي وصاحب مجموعة شركات الاتحاد أبو سجاد”. 

وشهدت مناسيب نهر الفرات، التي تعتمد عليها محافظة بابل، انخفاضاً كبيراً إلى حد الخروج في تظاهرات لأول مرة للشكوى من العطش، إذ خرج في تموز 2025، المئات من أهالي قرية المجرية احتجاجاً على انقطاع المياه، وذلك بالتزامن مع إعلان وزارة الموارد المائية أن العام الحالي هو من أكثر السنوات جفافاً منذ عام 1933. 

وتُعرف محافظة بابل تاريخياً بكونها من أبرز مناطق العراق الزراعية، سواء في الإنتاج النباتي أو الحيواني، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في الإنتاج النباتي على مختلف المستويات، نتيجة الشحة المائية التي أثّرت على أغلب المحاصيل. 

ورغم هذا التراجع العام، يصر مدير زراعة بابل، ثامر الخفاجي، على أن التين برز بوصفه أحد المحاصيل الأقل تأثراً بالجفاف، إذ يعدّ من نباتات “الشواطئ”، التي تنمو في المناطق القريبة من مجاري الأنهار.  

لذلك، لا نجد زراعة التين في المناطق النائية أو البعيدة عن مصادر المياه، بل تتركّز زراعته على ضفاف الفرات، وخصوصاً في قضاء الكفل، الذي يُعدّ اليوم المركز الرئيس لإنتاج التين في بابل. 

محصول اقتصادي 

ويشير ثامر الخفاجي، مدير زراعة بابل، إلى أن زراعة التين في المحافظة حديثة العهد من حيث اعتبارها محصولاً اقتصادياً، فقد كانت زراعته في السابق مقتصرة على الحدائق المنزلية، أما اليوم فقد تحوّل إلى محصول تجاري يُعوَّل عليه. 

ورغم عدم توفر إحصائية دقيقة عن الموسم الحالي –لأن الجني ما يزال مستمراً– فإن المؤشرات الميدانية تعكس انتعاشاً ملحوظاً في إنتاج التين، كما يقول الخفاجي، مشيراً إلى أن “عدداً من مزارعي التين في قضاء الكفل قدّموا طلباً رسمياً للسماح لهم بتصدير التين إلى دول الجوار، مؤكدين أنهم قادرون على تصدير نحو 20 طناً من التين يومياً”. 

تين بساتين بابل. المصدر: الكاتب. 

وتابع أن “هذا التوجه يعكس ثقة المزارعين بجدوى هذا المحصول، خاصة أن ثمار التين تُعدّ من الثمار ذات القيمة العالية مقارنة ببقية الفواكه، مما يشجع المزارعين على الاستثمار فيها، واعتماد وسائل ري حديثة، مثل الري بالتنقيط، التي تساعد على تقليل الهدر المائي وضمان استدامة الإنتاج”. 

ويؤكد الخفاجي أن أشجار التين من الأشجار المعمّرة والقوية، القادرة على الصمود لسنوات طويلة، حتى في ظروف الجفاف، وهو ما يمنحها ميزة إضافية في ظل التغيرات المناخية وشحة الموارد المائية.