الانسحاب الأمريكي والدولي من العراق: نهاية مهمة قتالية أم بداية صراع جديد؟
16 أيلول 2025
مع اقتراب الموعد النهائي لانسحاب القوات الأميركية والدولية من العراق في أيلول 2025، يواجه العراق لحظة فارقة؛ هل يعني هذا الانسحاب طيّ صفحة الاحتلال والحرب على الإرهاب، أم أنه بداية لتوازنات إقليمية جديدة قد تغيّر شكل البلاد والمنطقة؟
ليست عملية انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من العراق عملية عشوائية أو وليدة قرار مستعجل يفتقر إلى خلفيات استراتيجية معمقة، بل هي قرار اتُّخِذَ بعد أكثر من خمسة أعوام من النقاشات المستمرة بين بغداد وواشنطن لإعادة تعريف تواجد القوات الدولية والأمريكية العسكرية في العراق، ما يعني أيضاً أنها ليست قراراً عقابياً أمريكياً ضد العراق.
هذا القرار لا يرتبط ظاهرياً بما يحدث في المنطقة من توترات أمنية وعسكرية مباشرة، غير أن انعكاساته قد تُوظَّف في هذا الصراع، ولن يكون من الغريب أن تحاول أطراف هذا الصراع -إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى- مَلْء الفراغ الذي قد يخلّفه غياب قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية عن المشهد العراقي.
لا يعني إنهاءُ مهمة التحالف الدولي الذي تشكّل لمحاربة داعش بعد عام 2014 انتهاء العلاقات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، بل يعني بداية شكل جديد من العلاقات الثنائية من منطلقات مختلفة، لكن شكل هذه العلاقة الجديدة ليس واضحاً بعد، حيث تريد الولايات المتحدة انتزاع العراق انتزاعاً كاملاً من التأثير الإيراني، في وقت يجد العراق صعوبة في ذلك، حتى وإن خضع لعقوبات أو اشتراطات واشنطن، أو فتح باب الاستثمار أمام الشركات الأميركية.
منذ 2003
تُصنف عملية الدخول العسكري الأمريكي والبريطاني إلى العراق عام 2003 على أنها عملية احتلال قامت بها هذه القوات دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة والقوانين الدولية، وهذا التصنيف مثبت رسمياً في الأمم المتحدة.
على إثر قرار مجلس الأمن المرقم بـ 1483 والذي صدر في 22 أيار 2003، اعترف مجلس الأمن اعترافاً مباشراً بأن قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا هي قوات احتلال، وهي المسؤولة عن إدارة شؤون العراق بصورة مؤقتة وفق القانون الدولي. تشترك القوات الأمريكية والبريطانية مع الجانب العراقي في تكوين سلطة مدنية تُنقل الصلاحيات إليها تدريجياً لإدارة شؤون البلاد وإعادة السيادة كاملة إليه. حيث بقي التنظيم القانوني للتواجد العسكري الأمريكي والبريطاني يخضع لقرارات مجلس الأمن لحين تنظيم العلاقة بين الجانب العراقي والأمريكي في المرحلة اللاحقة. استمرت النقاشات حول مستقبل التواجد الأمريكي والبريطاني في العراق حتى عام 2008.
اتفاقية الإطار الاستراتيجي 2008–2011: نهاية الاحتلال العسكري
دخل الجانب العراقي والأمريكي والبريطاني في سلسلة مباحثات ونقاشات معمّقة حول تحديد شكل التعاون العسكري العراقي والأمريكي والبريطاني في العراق، حتّى وقّع العراق مع الجانب الأمريكي عام 2008 اتفاقية SOFA، التي تعرف في القانون الدولي باتفاقية وضع القوات الأجنبية، فضلاً عن اتفاقية الإطار الاستراتيجي المتضمنة علاقات أوسع من عملية الانسحاب و SOFA. هذه الاتفاقيات وضّحَت جملة من الأمور المتعلقة بالولاية القانونية والقضائية للقوات الأمريكية ولعنوان هذه القوات وشكلها وطبيعتها، وكذلك حدّدت جداول زمنية لتواجدها وانسحابها من المدن في حزيران 2009، والانسحاب الكامل في 31 كانون الأول 2011. حيث غادرت الولايات المتحدة الأمريكية العراق عسكرياً وأبقت على قوات محدودة جداً داخل السفارة الأمريكية لحماية السفارة ولتقديم دعم استشاري محدّد للقوات العراقية. بينما انسحبت القوات البريطانية من المدن في آذار 2009، وغادرت البعثة العسكرية البريطانية العراق بشكل كامل في أيار 2011، مع بقاء 150 جندياً لأغراض استشارية مع القوات العراقية، وبذلك انتهى الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق.
التحالف الدولي للحرب على الإرهاب
في شهر حزيران من عام 2014 سيطر تنظيم داعش على ما يقارب ثلث العراق، فطلبت الحكومة العراقية رسمياً الحصول على دعم عسكري ولوجستي مباشر من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، على إثر ذلك عقد مجلس الأمن مجموعة من الجلسات وأصدر عدة قرارات تَشَكَّلَ على إثرها ما يعرف بالتحالف الدولي للحرب على الإرهاب في العراق وسوريا بناءً على قرارات المجلس 2170 و 2178 و2249، والتي حددت المهام الرئيسة المتعلقة بالحرب على الإرهاب من خلال التواجد العسكري الأمريكي والدولي في العراق، ضمن مهام طلبتها الحكومة العراقية لتدريب قواتها وتقديم الاستشارات والدعم اللوجستي والقيام بعمليات إسناد مباشرة للقوات العراقية جواً وبراً وبحراً، حيث لم تصنف هذه القوات على أنها قوات احتلال بل قوات مساندة ودعم لجهود العراق في حربه على الإرهاب، بعد ذلك بنحو ثلاث سنوات، في عام 2017، استطاعت القوات العراقية دحر الإرهاب واستعادت السيطرة على كلّ المدن التي احتلها تنظيم داعش عام 2014.
على طريق المطار

اشتدّت النقاشات شيئاً فشيئاً حول أهمية وجود قوات التحالف الدولي في العراق بقيادة الولايات المتحدة، وجزء كبير من هذه النقاشات كان يخضع لظروف سياسية داخلية، حيث استمرّت القوى السياسية القريبة من إيران بالمطالبة بإخراج هذه القوات فوراً، بينما كانت قوى أخرى أقرب إلى الولايات المتحدة تطالب ببقاء هذه القوات لأغراض تتعلق بالمساعدة في الحرب على الإرهاب، أغلب هذه النقاشات لم يكن يخضع لرؤى وأسانيد فنية وعسكرية تتحدث عن طبيعة الدعم المقدم من قبل هذه القوات لإكمال عمليات التعافي الكاملة للقوات العراقية في حربها على الإرهاب، بل كانت تتأثر مباشرة بالمناخ السياسي السائد داخل العراق وفي المحيط الإقليمي. بيد أن عملية اغتيال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، التي وقعت قرب مطار بغداد في كانون الثاني عام 2020، كان لها الأثر البالغ في تطوير المفاوضات المتعلقة بالتواجد الأمريكي، حيث ضغط الجناح الأقرب إلى إيران على الحكومة العراقية وبقية القوى السياسية لتحديد سقوف زمنية لوجود هذه القوات التي باتت تنجز مهامّاً، بحسب وجهة نظر هذه الجماعات، خارج الإطار المتفق عليه والمتعلق بالحرب على داعش.
حوار استراتيجي آخر 2020 – 2024
على إثر عملية المطار، صوّت البرلمان العراقي رسمياً في يوم 5 كانون الثاني عام 2020 لإنهاء تواجد القوات الأمريكية من العراق، غير أن هذا التصويت ورغم أنه استند إلى قرار برلماني عراقي لم تلتزم به القوات الأمريكية ولم تنفذه، وطرحت مساراً مختلفاً لإعادة تعريف وتحديد مهمة هذه القوات بناءً على حوارات جديدة يجب أن تبدأ بين الجانبين:
- المرحلة الأولى: بدأت النقاشات رسمياً بين الجانب العراقي والجانب الأمريكي في 11 حزيران من عام 2020 من خلال اجتماع دائرة فيديوية، حضره من الجانب العراقي وزير الخارجية فؤاد حسين ولجنة من رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، بينما حضره من الجانب الأمريكي ممثل عن وزارة الخارجية الأمريكية ديفيد هيل وممثلون آخرون عن البنتاغون، وعُنونت هذه اللقاءات رسمياً بين الجانبين بالحوار الاستراتيجي.
- المرحلة الثانية: بدأت في شهر آب 2020 على إثر زيارة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي للولايات المتحدة، والحديث المباشر مع الرئيس الأمريكي جو بايدن حول مستقبل القوات الأمريكية في العراق، حيث كانت نتائج هذه الزيارة تشمل عملية تخفيض تدريجي لعدد القوات الأمريكية والدولية الموجودة في العراق، والشروع في عملية إعادة تعريف هذه القوات من قوات قتالية إلى قوات استشارية وقوات تقدم الدعم اللوجستي والتدريبي والاستخباراتي للجانب العراقي.
- المرحلة الثالثة: بدأت في تموز من عام 2021، وتتعلق بالإعلان عن إنهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية التي تقود التحالف الدولي في العراق، وحصر مهامها في التدريب والاستشارة، مع تشكيل لجان متابعة مستمرة لتحديد شكل العلاقة المستقبلية وتحديد جداول دقيقة للانسحاب.
- المرحلة الرابعة: والتي تُوّجت بإصدار بيان رسمي عراقي أمريكي مشترك بتاريخ 27 أيلول 2024 نص على إنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة رسمياً في نهاية أيلول من عام 2025، ومن ثم تشكيل لجان مشتركة لتحديد عملية تسليم القواعد العسكرية إلى الجانب العراقي وإنهاء المهمة بشكل كامل. على إثر هذا البيان بدأ الجانبان تحضيراتهما لإنهاء تواجد القوات القتالية والقوات الاستشارية، وتحويل العلاقة بين الجانبين من علاقة عسكرية وأمنية إلى علاقة استراتيجية شاملة.
“انسحاب“ أم “إعادة انتشار“؟

كان هذا السؤال هو الأكثر تداولاً بعد إعلان بعثة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستنهي رسمياً مهامها في نهاية أيلول عام 2025، حيث ذكرت الولايات المتحدة الأمريكية في بيانات نشرها موقع السفارة الأمريكية في بغداد أن القوات القتالية الأمريكية ستغادر العراق رسمياً، وستبقى مجموعة صغيرة من القوات في إقليم كردستان العراق ضمن مطار أربيل وقاعدة حرير في منطقة شقلاوة وقاعدة حلبجة قرب السليمانية، مع بقاء بعض القوات داخل موقع السفارة، وبذلك تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، وستكمل انسحابها نهاية أيلول 2025 من مجموعة قواعد منتشرة في العراق على النحو الآتي:
- قاعدة عين الأسد الجوية في قضاء البغدادي بمحافظة الأنبار، وهي أكبر قاعدة أمريكية في العراق، وتعدّ مركزاً للعمليات الجوية والاستخباراتية.
- قاعدة القيّارة الجوية جنوبي الموصل في محافظة نينوى، حيث أُعيدَ تأهيلها بعد تحرير المنطقة من داعش.
- قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين، وهي قاعدة جوية مهمة شهدت نشاطاً للتحالف في دعم القوات العراقية.
- قاعدة التاجي العسكرية شمالي بغداد، وهي تستخدم مركزاً للتدريب والدعم اللوجستي.
- قاعدة الحبّانية بين الفلوجة والرمادي في محافظة الأنبار، وقد استُخدِمَت في العمليات ضد داعش، وتضم منشآت تدريبية كبيرة.
- قاعدة سبايكر الجوية في تكريت بمحافظة صلاح الدين، وتشمل قاعدة جوية وتدريبية، وقد شهدت إعادة تأهيل بعد 2014.
- قاعدة النصر (Victory Base Complex) في محيط مطار بغداد الدولي، تضم عدة منشآت منها قصر الفاو، الذي يُستخدم مركزاً لقيادة القوات الأمريكية.
- قاعدة سكايز قرب تلعفر في محافظة نينوى، وهي موقع دعم لوجستي واستخباراتي متقدم باتجاه سورية.
- قاعدة زرباطية في محافظة واسط قرب الحدود الإيرانية، وهي موقع مراقبة حدودي استخدمته قوات التحالف لرصد بعض التحركات الإيرانية.
- قاعدة التون كوبري بين كركوك وأربيل، حيث مثلت هذه القاعدة موقعاً استراتيجياً يربط الشمال بالوسط.
مما تقدّم، ورغم اختلاف الآراء حول تسمية العملية بـ “انسحاب” أم “إعادة انتشار”، لا يبدو هذا الاتفاق من الناحية العسكرية والتكتيكية على أنه إعادة انتشار روتيني داخل العراق باستثناء الإقليم، بل يمثل نوايا أمريكية حقيقية لمغادرة العراق عسكرياً بعد مهمة تم التأسيس لها بعد عام 2014، وبذلك تنهي الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي مهامهم القتالية رسمياً، وسيقتصر دور القوات الصغيرة المتبقية على الدعم اللوجستي المحدود.
قدرات العراق وفراغ المعلومات الاستخباراتية
أسهمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في مرحلة ما بين عامي 2014 و2017 في تمكين القوات العراقية من تحقيق النصر ودحر الإرهاب، كما أكملت هذه القوات جهودها بعد عام 2017 في ملاحقة التنظيم من خلال آليات مختلفة، تشمل الجهد الاستخباراتي والدعم اللوجستي المتقدم، فضلاً عن التدريبات والعمليات المشتركة للقوات العراقية مع القوات الدولية.
كانت وماتزال الجهود العراقية كبيرة في توجيه الضربات الاستباقية تجاه فلول الإرهاب في مختلف المناطق، ضمن استراتيجية مستدامة انعكست إيجابياً على واقع الأمن القومي العراقي، بيد أنه من الضروري ألّا نُغفل دور المعلومات الاستخباراتية التي يوفرها شركاء العراق الدوليون في مجال مكافحة الإرهاب، إذْ إن جزءاً كبيراً من العمليات التي نفذتها القوات العراقية بعد عام 2017 كانت بتنسيقٍ واشتراك مباشر مع قوات التحالف، سواء من خلال مسوحات الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة والمصادر الميدانية الموجودة على الأرض وغيرها من القضايا الفنية والعسكرية التي قُدمت. وبعد الانسحاب، قد تجد القوات العراقية نفسها أمام تحدٍّ مركّبٍ يكمن في محدودية المعلومات ونقص دقّتها وعدم سرعة الحصول عليها، بالإضافة إلى فقدان الدعم الفني واللوجستي الذي وفّرته هذه القوات. كلّ هذا يأتي في وقت تعتقد فيه بعض التحليلات الأمنية أن الجماعات الإرهابية يمكن أن تستعيد بعضاً من نشاطها في الصحاري والجبال ضمن قاطع حوض حمرين بعد تراجع العمليات المشتركة التي كانت تنفذ بدعم لوجستي واستخباراتي من قبل التحالف الدولي والقوات العراقية.

ورغم تنظيم العلاقات العسكرية العراقية وصفقات السلاح المنفصلة عن التواجد الأمريكي في العراق، إلّا أن هذا الانسحاب سيكون تحدياً آخر أمام جهود صيانة طائرات F16 وطائرات C130 مثلاً، فضلاً عن الخدمات الأخرى التي كانت ترافق عقود الصيانة، والتدريبات الفنية، ومحاكاة الطيران، والعمليات المشتركة التي تتعلق بمسوحات الأقمار الصناعية، والتوجيه الدقيق للصواريخ بأشعة الليزر الذي يحتاج إلى موافقات من الأقمار الصناعية التي تمتلكها الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي، وهذا قد يقود إلى فقدان الدعم العملياتي المباشر في لحظة الاختلاف السياسي.
كيف يرى محور المقاومة في العراق هذا الانسحاب؟
تُسوق الماكنات الإعلامية والخطابات الدعائية لمنظومة “محور المقاومة” في العراق، أن هذا الانسحاب جرى نتيجة للضغوطات العسكرية التي شكلتها الفصائل المسلحة ضد هذه القوات خصوصا بعد عملية اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، حيث نفّذت هذه الجماعات عشرات الضربات بين عامي 2020 و 2025 باتجاه القواعد الأمريكية والدولية في العراق، وكذلك تنظر هذه الجماعات لهذا الانسحاب على أنه فرصة للتحرّر من الضغوطات التي كانت تمارسها القوات الامريكية وقوات التحالف على حركة هذه الجماعات داخل العراق وعلى الحدود ، فعلى الرغم من أن محور فصائل المقاومة لديها هامش حركة واسع داخل العراق إلّا أن نشاطات أمنية وعسكرية ولوجستية أخرى كانت دائماً ما تصطدم بضوابط التحالف الدولي غير المعلنة.

بالنتيجة – اذا لم يحدث أي تدخل إقليمي مباشر من قبل فاعل خارجي – قد يفتح الانسحاب مجالاً أمام نموّ فصائل محور المقاومة بشكل أكبر داخل العراق على مستوى الأدوار والانتشار والمهام الجديدة، فعلى الرغم من أن القوات العسكرية العراقية الرسمية الأخرى تعافت بشكل كبير، إلّا أن الإرادة السياسية لفصائل محور المقاومة ستضاعف من عمليات نمو وتأثير هذه الجماعات في مختلف المناطق بسبب تراجع الضغط الأمريكي والدولي عليها.
انعكاسات على المشهد السياسي
لأن السياسة في العراق تتأثر بكل شيء وتتسلّل إلى كل شيء، من المتوقع أن يتأثر الفضاء السياسي العراقي بالانسحاب، حيث تعتقد قوى سياسية مختلفة ومنها القوى السياسية السنية والكردية والقوى السياسية الشيعية غير المرتبطة بايران سياسياً وعقائدياً أن انسحاب القوات الامريكية وقوات التحالف الدولي سيضاعف الضغط عليها إذا ما تمدّدت القوى السياسية المسلحة والمرتبطة بإيران وحصلت على مساحات عمل إضافية داخل مؤسسات الدولة العراقية، وهذا يعني تراجع قدرة الجماعات السياسية العراقية غير المسلحة والتي تحتفظ بسياسات معادية لإيران وقريبة من رؤية الولايات المتحدة في العراق والشرق الأوسط، على الحركة والعمل السياسي والضغط والمساومة.
هل ستلقي أجنحة المقاومة سلاحها؟
استخدم أنصار وأتباع محور المقاومة في العراق أسلوباً تبريرياً دعائياً لحملها السلاح خارج منظومتي وزارة الدفاع والداخلية، فتارة استعارت هذه الجماعات فتاوى دينية لمراجع كبار في العراق مثل فتوى الجهاد الكفائي الذي أصدرها السيد علي السيستاني للدفاع عن العراق ضد تمدد داعش، غير أن هذه الفتوى وبعد ضغوطات كبيرة بدأت تمارس من قبل مختلف الجهات للحد من توظيفها، تراجع استخدامها من قبل أنصار المحور لاسيما بعد انتهاء الحرب على الإرهاب وإعلان نصر العراق على داعش، غير أنّهم سرعان ما وجدوا لنفسهم مخرجاً جديداً يربط السلاح بتواجد القوات الدولية والقوات الامريكية في العراق، واليوم وبعد إعلان هذه القوات أنها ستغادر العراق وستنهي تواجدها العسكري المباشر، وجد أنصار محور المقاومة في العراق مبرراً آخر لابقاء سلاحهم في حالة تأهب وهو الوضع السوري غير المستقر والذي قد ينعكس على العراق، بالتالي فإن عملية إلقاء السلاح الخاص بالمقاومة دائماً ما كان يجد المبرر لبقائه، وهو غير مرتبط فعلياً بتواجد القوات الامريكية او بانسحابهم.
توازن إقليمي ودولي جديد
ظاهرياً، لا يرتبط هذا الانسحاب بترتيبات إقليمية ودولية جديدة بقدر ارتباطه باتفاق وتنسيق ثنائي، عراقي أمريكي، بمعزل عن أغلب ما يحدث في المنطقة. غير أن ذلك لا يمنع مناقشة الوضع الإقليمي الملتهب وربطه بالفراغ الأمني الذي قد يتشكل في العراق نتيجةً لهذا الانسحاب، في وقت تتلمّس المنطقة شكلها الجديد بعد حرب الـ12 يوما بين إيرانية وإسرائيلية، وتوسّع إسرائيل في حربها ضد قطاع غزة وتمدّدها في سوريا واستمرارها بتنفيذ عمليات في لبنان وتعبيرها المباشر وغير المتواري عن رغبتها بإعادة تشكيل الخارطة وضمّ أراضٍ جديدة من دول أخرى.
إن عدم اشتراك محور المقاومة في العراق لدعم الجهود الإيرانية في حربها مع إسرائيل، جاء نتيجة اتفاقات جرت عبر قنوات دبلوماسية ومخابراتية رسمت شكل المواجهة وحصرتها ضمن معادلة واضحة، بحيث ضمنت الحكومة العراقية عدم اندفاع فصائل المقاومة في هذه الحرب للدفاع عن إيران مقابل طلب الحكومة العراقية من الجانب الأمريكي الضغط على إسرائيل وعدم استهدافه في هذه المرحلة. لكنّ انسحاب القوات الأمريكية والدولية من العراق في نهاية سبتمبر 2025 سيقودنا لطرح سؤال مهم جداً وهو: من سيكون الضامن الفعلي القادم لعدم تنفيذ عمليات إسرائيلية داخل العراق في حال اندلعت مواجهة عسكرية جديدة بين إيران وإسرائيل وقرر محور المقاومة ان يشترك عملياتياً أو لوجستياً في مضاعفة فرص إيران على توجيه ضربات داخل العمق الإسرائيلي؟ سؤال ستتطلب الإجابة عليه الترقّب والانتظار.
أثر الانسحاب على نمو السياسة الإيرانية في العراق
لن يؤثر انسحاب القوات الامريكية من العراق كثيراً على وضع إيران الإقليمي، كونها مطوقةً بقواعد عسكرية أمريكية فضلاً عن انتشار بحري وجوي يشير إلى هيمنة أمريكية متقدمة، غير أن تأثير نفوذ إيران في العراق قد يتصاعد قليلاً في ضوء المعادلة الحالية للتوازن الإقليمي – التي قد تتغير في المرحلة القادمة – حيث ستستطيع ايران العمل بشكل أوسع مع حلفائها داخل العراق. لكنّ ذلك، بكل تأكيد، لن يكون بطريقة سهلة، حيث لا تعني مغادرة القوات الامريكية والدولية من العراق تركه حصّة لطهران، ويدلّ على ذلك الضغط الكبير الذي مارسته السفارة الامريكية ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على العراق حينما حاولت القوى السياسية الشيعية تشريع قانون جديد للحشد الشعبي في البرلمان، حيث نجحت الضغوطات الأمريكية وهي ترتّب عملية انسحاب قواتها العسكرية في منع تمرير هذا القانون داخل البرلمان العراقي.

بكلّ تأكيد، ستحصل إيران على فرص حركة سياسية وأمنية أعلى داخل العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف، لكنْ كلّ ذلك سيخضع لشكل التوازن الذي سترسو عليه المنطقة بعد بلورة المفاوضات النووية الغربية الإيرانية والحدود التي ستتوقف عندها إسرائيل.
- تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج“.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
خبراء التبليط تحت قبة التشريع: كيف تحوّل النائب من مشرّع ومراقب إلى "مبلّط"؟
21 سبتمبر 2025
قبل الزواج وأثناء الحمل وبعد الولادة: يوميات أم عراقية تصارع القلق..
18 سبتمبر 2025
" حتى النهر عطشان": عامٌ بلا زراعة في العراق
15 أغسطس 2025
"وصفة الانهيار"... مّا تتعرّض له زينب جواد وأُخريات
05 أغسطس 2025
ليست عملية انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من العراق عملية عشوائية أو وليدة قرار مستعجل يفتقر إلى خلفيات استراتيجية معمقة، بل هي قرار اتُّخِذَ بعد أكثر من خمسة أعوام من النقاشات المستمرة بين بغداد وواشنطن لإعادة تعريف تواجد القوات الدولية والأمريكية العسكرية في العراق، ما يعني أيضاً أنها ليست قراراً عقابياً أمريكياً ضد العراق.
هذا القرار لا يرتبط ظاهرياً بما يحدث في المنطقة من توترات أمنية وعسكرية مباشرة، غير أن انعكاساته قد تُوظَّف في هذا الصراع، ولن يكون من الغريب أن تحاول أطراف هذا الصراع -إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى- مَلْء الفراغ الذي قد يخلّفه غياب قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية عن المشهد العراقي.
لا يعني إنهاءُ مهمة التحالف الدولي الذي تشكّل لمحاربة داعش بعد عام 2014 انتهاء العلاقات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، بل يعني بداية شكل جديد من العلاقات الثنائية من منطلقات مختلفة، لكن شكل هذه العلاقة الجديدة ليس واضحاً بعد، حيث تريد الولايات المتحدة انتزاع العراق انتزاعاً كاملاً من التأثير الإيراني، في وقت يجد العراق صعوبة في ذلك، حتى وإن خضع لعقوبات أو اشتراطات واشنطن، أو فتح باب الاستثمار أمام الشركات الأميركية.
منذ 2003
تُصنف عملية الدخول العسكري الأمريكي والبريطاني إلى العراق عام 2003 على أنها عملية احتلال قامت بها هذه القوات دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة والقوانين الدولية، وهذا التصنيف مثبت رسمياً في الأمم المتحدة.
على إثر قرار مجلس الأمن المرقم بـ 1483 والذي صدر في 22 أيار 2003، اعترف مجلس الأمن اعترافاً مباشراً بأن قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا هي قوات احتلال، وهي المسؤولة عن إدارة شؤون العراق بصورة مؤقتة وفق القانون الدولي. تشترك القوات الأمريكية والبريطانية مع الجانب العراقي في تكوين سلطة مدنية تُنقل الصلاحيات إليها تدريجياً لإدارة شؤون البلاد وإعادة السيادة كاملة إليه. حيث بقي التنظيم القانوني للتواجد العسكري الأمريكي والبريطاني يخضع لقرارات مجلس الأمن لحين تنظيم العلاقة بين الجانب العراقي والأمريكي في المرحلة اللاحقة. استمرت النقاشات حول مستقبل التواجد الأمريكي والبريطاني في العراق حتى عام 2008.
اتفاقية الإطار الاستراتيجي 2008–2011: نهاية الاحتلال العسكري
دخل الجانب العراقي والأمريكي والبريطاني في سلسلة مباحثات ونقاشات معمّقة حول تحديد شكل التعاون العسكري العراقي والأمريكي والبريطاني في العراق، حتّى وقّع العراق مع الجانب الأمريكي عام 2008 اتفاقية SOFA، التي تعرف في القانون الدولي باتفاقية وضع القوات الأجنبية، فضلاً عن اتفاقية الإطار الاستراتيجي المتضمنة علاقات أوسع من عملية الانسحاب و SOFA. هذه الاتفاقيات وضّحَت جملة من الأمور المتعلقة بالولاية القانونية والقضائية للقوات الأمريكية ولعنوان هذه القوات وشكلها وطبيعتها، وكذلك حدّدت جداول زمنية لتواجدها وانسحابها من المدن في حزيران 2009، والانسحاب الكامل في 31 كانون الأول 2011. حيث غادرت الولايات المتحدة الأمريكية العراق عسكرياً وأبقت على قوات محدودة جداً داخل السفارة الأمريكية لحماية السفارة ولتقديم دعم استشاري محدّد للقوات العراقية. بينما انسحبت القوات البريطانية من المدن في آذار 2009، وغادرت البعثة العسكرية البريطانية العراق بشكل كامل في أيار 2011، مع بقاء 150 جندياً لأغراض استشارية مع القوات العراقية، وبذلك انتهى الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق.
التحالف الدولي للحرب على الإرهاب
في شهر حزيران من عام 2014 سيطر تنظيم داعش على ما يقارب ثلث العراق، فطلبت الحكومة العراقية رسمياً الحصول على دعم عسكري ولوجستي مباشر من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، على إثر ذلك عقد مجلس الأمن مجموعة من الجلسات وأصدر عدة قرارات تَشَكَّلَ على إثرها ما يعرف بالتحالف الدولي للحرب على الإرهاب في العراق وسوريا بناءً على قرارات المجلس 2170 و 2178 و2249، والتي حددت المهام الرئيسة المتعلقة بالحرب على الإرهاب من خلال التواجد العسكري الأمريكي والدولي في العراق، ضمن مهام طلبتها الحكومة العراقية لتدريب قواتها وتقديم الاستشارات والدعم اللوجستي والقيام بعمليات إسناد مباشرة للقوات العراقية جواً وبراً وبحراً، حيث لم تصنف هذه القوات على أنها قوات احتلال بل قوات مساندة ودعم لجهود العراق في حربه على الإرهاب، بعد ذلك بنحو ثلاث سنوات، في عام 2017، استطاعت القوات العراقية دحر الإرهاب واستعادت السيطرة على كلّ المدن التي احتلها تنظيم داعش عام 2014.
على طريق المطار

اشتدّت النقاشات شيئاً فشيئاً حول أهمية وجود قوات التحالف الدولي في العراق بقيادة الولايات المتحدة، وجزء كبير من هذه النقاشات كان يخضع لظروف سياسية داخلية، حيث استمرّت القوى السياسية القريبة من إيران بالمطالبة بإخراج هذه القوات فوراً، بينما كانت قوى أخرى أقرب إلى الولايات المتحدة تطالب ببقاء هذه القوات لأغراض تتعلق بالمساعدة في الحرب على الإرهاب، أغلب هذه النقاشات لم يكن يخضع لرؤى وأسانيد فنية وعسكرية تتحدث عن طبيعة الدعم المقدم من قبل هذه القوات لإكمال عمليات التعافي الكاملة للقوات العراقية في حربها على الإرهاب، بل كانت تتأثر مباشرة بالمناخ السياسي السائد داخل العراق وفي المحيط الإقليمي. بيد أن عملية اغتيال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، التي وقعت قرب مطار بغداد في كانون الثاني عام 2020، كان لها الأثر البالغ في تطوير المفاوضات المتعلقة بالتواجد الأمريكي، حيث ضغط الجناح الأقرب إلى إيران على الحكومة العراقية وبقية القوى السياسية لتحديد سقوف زمنية لوجود هذه القوات التي باتت تنجز مهامّاً، بحسب وجهة نظر هذه الجماعات، خارج الإطار المتفق عليه والمتعلق بالحرب على داعش.
حوار استراتيجي آخر 2020 – 2024
على إثر عملية المطار، صوّت البرلمان العراقي رسمياً في يوم 5 كانون الثاني عام 2020 لإنهاء تواجد القوات الأمريكية من العراق، غير أن هذا التصويت ورغم أنه استند إلى قرار برلماني عراقي لم تلتزم به القوات الأمريكية ولم تنفذه، وطرحت مساراً مختلفاً لإعادة تعريف وتحديد مهمة هذه القوات بناءً على حوارات جديدة يجب أن تبدأ بين الجانبين:
- المرحلة الأولى: بدأت النقاشات رسمياً بين الجانب العراقي والجانب الأمريكي في 11 حزيران من عام 2020 من خلال اجتماع دائرة فيديوية، حضره من الجانب العراقي وزير الخارجية فؤاد حسين ولجنة من رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، بينما حضره من الجانب الأمريكي ممثل عن وزارة الخارجية الأمريكية ديفيد هيل وممثلون آخرون عن البنتاغون، وعُنونت هذه اللقاءات رسمياً بين الجانبين بالحوار الاستراتيجي.
- المرحلة الثانية: بدأت في شهر آب 2020 على إثر زيارة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي للولايات المتحدة، والحديث المباشر مع الرئيس الأمريكي جو بايدن حول مستقبل القوات الأمريكية في العراق، حيث كانت نتائج هذه الزيارة تشمل عملية تخفيض تدريجي لعدد القوات الأمريكية والدولية الموجودة في العراق، والشروع في عملية إعادة تعريف هذه القوات من قوات قتالية إلى قوات استشارية وقوات تقدم الدعم اللوجستي والتدريبي والاستخباراتي للجانب العراقي.
- المرحلة الثالثة: بدأت في تموز من عام 2021، وتتعلق بالإعلان عن إنهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية التي تقود التحالف الدولي في العراق، وحصر مهامها في التدريب والاستشارة، مع تشكيل لجان متابعة مستمرة لتحديد شكل العلاقة المستقبلية وتحديد جداول دقيقة للانسحاب.
- المرحلة الرابعة: والتي تُوّجت بإصدار بيان رسمي عراقي أمريكي مشترك بتاريخ 27 أيلول 2024 نص على إنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة رسمياً في نهاية أيلول من عام 2025، ومن ثم تشكيل لجان مشتركة لتحديد عملية تسليم القواعد العسكرية إلى الجانب العراقي وإنهاء المهمة بشكل كامل. على إثر هذا البيان بدأ الجانبان تحضيراتهما لإنهاء تواجد القوات القتالية والقوات الاستشارية، وتحويل العلاقة بين الجانبين من علاقة عسكرية وأمنية إلى علاقة استراتيجية شاملة.
“انسحاب“ أم “إعادة انتشار“؟

كان هذا السؤال هو الأكثر تداولاً بعد إعلان بعثة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستنهي رسمياً مهامها في نهاية أيلول عام 2025، حيث ذكرت الولايات المتحدة الأمريكية في بيانات نشرها موقع السفارة الأمريكية في بغداد أن القوات القتالية الأمريكية ستغادر العراق رسمياً، وستبقى مجموعة صغيرة من القوات في إقليم كردستان العراق ضمن مطار أربيل وقاعدة حرير في منطقة شقلاوة وقاعدة حلبجة قرب السليمانية، مع بقاء بعض القوات داخل موقع السفارة، وبذلك تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، وستكمل انسحابها نهاية أيلول 2025 من مجموعة قواعد منتشرة في العراق على النحو الآتي:
- قاعدة عين الأسد الجوية في قضاء البغدادي بمحافظة الأنبار، وهي أكبر قاعدة أمريكية في العراق، وتعدّ مركزاً للعمليات الجوية والاستخباراتية.
- قاعدة القيّارة الجوية جنوبي الموصل في محافظة نينوى، حيث أُعيدَ تأهيلها بعد تحرير المنطقة من داعش.
- قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين، وهي قاعدة جوية مهمة شهدت نشاطاً للتحالف في دعم القوات العراقية.
- قاعدة التاجي العسكرية شمالي بغداد، وهي تستخدم مركزاً للتدريب والدعم اللوجستي.
- قاعدة الحبّانية بين الفلوجة والرمادي في محافظة الأنبار، وقد استُخدِمَت في العمليات ضد داعش، وتضم منشآت تدريبية كبيرة.
- قاعدة سبايكر الجوية في تكريت بمحافظة صلاح الدين، وتشمل قاعدة جوية وتدريبية، وقد شهدت إعادة تأهيل بعد 2014.
- قاعدة النصر (Victory Base Complex) في محيط مطار بغداد الدولي، تضم عدة منشآت منها قصر الفاو، الذي يُستخدم مركزاً لقيادة القوات الأمريكية.
- قاعدة سكايز قرب تلعفر في محافظة نينوى، وهي موقع دعم لوجستي واستخباراتي متقدم باتجاه سورية.
- قاعدة زرباطية في محافظة واسط قرب الحدود الإيرانية، وهي موقع مراقبة حدودي استخدمته قوات التحالف لرصد بعض التحركات الإيرانية.
- قاعدة التون كوبري بين كركوك وأربيل، حيث مثلت هذه القاعدة موقعاً استراتيجياً يربط الشمال بالوسط.
مما تقدّم، ورغم اختلاف الآراء حول تسمية العملية بـ “انسحاب” أم “إعادة انتشار”، لا يبدو هذا الاتفاق من الناحية العسكرية والتكتيكية على أنه إعادة انتشار روتيني داخل العراق باستثناء الإقليم، بل يمثل نوايا أمريكية حقيقية لمغادرة العراق عسكرياً بعد مهمة تم التأسيس لها بعد عام 2014، وبذلك تنهي الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي مهامهم القتالية رسمياً، وسيقتصر دور القوات الصغيرة المتبقية على الدعم اللوجستي المحدود.
قدرات العراق وفراغ المعلومات الاستخباراتية
أسهمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في مرحلة ما بين عامي 2014 و2017 في تمكين القوات العراقية من تحقيق النصر ودحر الإرهاب، كما أكملت هذه القوات جهودها بعد عام 2017 في ملاحقة التنظيم من خلال آليات مختلفة، تشمل الجهد الاستخباراتي والدعم اللوجستي المتقدم، فضلاً عن التدريبات والعمليات المشتركة للقوات العراقية مع القوات الدولية.
كانت وماتزال الجهود العراقية كبيرة في توجيه الضربات الاستباقية تجاه فلول الإرهاب في مختلف المناطق، ضمن استراتيجية مستدامة انعكست إيجابياً على واقع الأمن القومي العراقي، بيد أنه من الضروري ألّا نُغفل دور المعلومات الاستخباراتية التي يوفرها شركاء العراق الدوليون في مجال مكافحة الإرهاب، إذْ إن جزءاً كبيراً من العمليات التي نفذتها القوات العراقية بعد عام 2017 كانت بتنسيقٍ واشتراك مباشر مع قوات التحالف، سواء من خلال مسوحات الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة والمصادر الميدانية الموجودة على الأرض وغيرها من القضايا الفنية والعسكرية التي قُدمت. وبعد الانسحاب، قد تجد القوات العراقية نفسها أمام تحدٍّ مركّبٍ يكمن في محدودية المعلومات ونقص دقّتها وعدم سرعة الحصول عليها، بالإضافة إلى فقدان الدعم الفني واللوجستي الذي وفّرته هذه القوات. كلّ هذا يأتي في وقت تعتقد فيه بعض التحليلات الأمنية أن الجماعات الإرهابية يمكن أن تستعيد بعضاً من نشاطها في الصحاري والجبال ضمن قاطع حوض حمرين بعد تراجع العمليات المشتركة التي كانت تنفذ بدعم لوجستي واستخباراتي من قبل التحالف الدولي والقوات العراقية.

ورغم تنظيم العلاقات العسكرية العراقية وصفقات السلاح المنفصلة عن التواجد الأمريكي في العراق، إلّا أن هذا الانسحاب سيكون تحدياً آخر أمام جهود صيانة طائرات F16 وطائرات C130 مثلاً، فضلاً عن الخدمات الأخرى التي كانت ترافق عقود الصيانة، والتدريبات الفنية، ومحاكاة الطيران، والعمليات المشتركة التي تتعلق بمسوحات الأقمار الصناعية، والتوجيه الدقيق للصواريخ بأشعة الليزر الذي يحتاج إلى موافقات من الأقمار الصناعية التي تمتلكها الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي، وهذا قد يقود إلى فقدان الدعم العملياتي المباشر في لحظة الاختلاف السياسي.
كيف يرى محور المقاومة في العراق هذا الانسحاب؟
تُسوق الماكنات الإعلامية والخطابات الدعائية لمنظومة “محور المقاومة” في العراق، أن هذا الانسحاب جرى نتيجة للضغوطات العسكرية التي شكلتها الفصائل المسلحة ضد هذه القوات خصوصا بعد عملية اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، حيث نفّذت هذه الجماعات عشرات الضربات بين عامي 2020 و 2025 باتجاه القواعد الأمريكية والدولية في العراق، وكذلك تنظر هذه الجماعات لهذا الانسحاب على أنه فرصة للتحرّر من الضغوطات التي كانت تمارسها القوات الامريكية وقوات التحالف على حركة هذه الجماعات داخل العراق وعلى الحدود ، فعلى الرغم من أن محور فصائل المقاومة لديها هامش حركة واسع داخل العراق إلّا أن نشاطات أمنية وعسكرية ولوجستية أخرى كانت دائماً ما تصطدم بضوابط التحالف الدولي غير المعلنة.

بالنتيجة – اذا لم يحدث أي تدخل إقليمي مباشر من قبل فاعل خارجي – قد يفتح الانسحاب مجالاً أمام نموّ فصائل محور المقاومة بشكل أكبر داخل العراق على مستوى الأدوار والانتشار والمهام الجديدة، فعلى الرغم من أن القوات العسكرية العراقية الرسمية الأخرى تعافت بشكل كبير، إلّا أن الإرادة السياسية لفصائل محور المقاومة ستضاعف من عمليات نمو وتأثير هذه الجماعات في مختلف المناطق بسبب تراجع الضغط الأمريكي والدولي عليها.
انعكاسات على المشهد السياسي
لأن السياسة في العراق تتأثر بكل شيء وتتسلّل إلى كل شيء، من المتوقع أن يتأثر الفضاء السياسي العراقي بالانسحاب، حيث تعتقد قوى سياسية مختلفة ومنها القوى السياسية السنية والكردية والقوى السياسية الشيعية غير المرتبطة بايران سياسياً وعقائدياً أن انسحاب القوات الامريكية وقوات التحالف الدولي سيضاعف الضغط عليها إذا ما تمدّدت القوى السياسية المسلحة والمرتبطة بإيران وحصلت على مساحات عمل إضافية داخل مؤسسات الدولة العراقية، وهذا يعني تراجع قدرة الجماعات السياسية العراقية غير المسلحة والتي تحتفظ بسياسات معادية لإيران وقريبة من رؤية الولايات المتحدة في العراق والشرق الأوسط، على الحركة والعمل السياسي والضغط والمساومة.
هل ستلقي أجنحة المقاومة سلاحها؟
استخدم أنصار وأتباع محور المقاومة في العراق أسلوباً تبريرياً دعائياً لحملها السلاح خارج منظومتي وزارة الدفاع والداخلية، فتارة استعارت هذه الجماعات فتاوى دينية لمراجع كبار في العراق مثل فتوى الجهاد الكفائي الذي أصدرها السيد علي السيستاني للدفاع عن العراق ضد تمدد داعش، غير أن هذه الفتوى وبعد ضغوطات كبيرة بدأت تمارس من قبل مختلف الجهات للحد من توظيفها، تراجع استخدامها من قبل أنصار المحور لاسيما بعد انتهاء الحرب على الإرهاب وإعلان نصر العراق على داعش، غير أنّهم سرعان ما وجدوا لنفسهم مخرجاً جديداً يربط السلاح بتواجد القوات الدولية والقوات الامريكية في العراق، واليوم وبعد إعلان هذه القوات أنها ستغادر العراق وستنهي تواجدها العسكري المباشر، وجد أنصار محور المقاومة في العراق مبرراً آخر لابقاء سلاحهم في حالة تأهب وهو الوضع السوري غير المستقر والذي قد ينعكس على العراق، بالتالي فإن عملية إلقاء السلاح الخاص بالمقاومة دائماً ما كان يجد المبرر لبقائه، وهو غير مرتبط فعلياً بتواجد القوات الامريكية او بانسحابهم.
توازن إقليمي ودولي جديد
ظاهرياً، لا يرتبط هذا الانسحاب بترتيبات إقليمية ودولية جديدة بقدر ارتباطه باتفاق وتنسيق ثنائي، عراقي أمريكي، بمعزل عن أغلب ما يحدث في المنطقة. غير أن ذلك لا يمنع مناقشة الوضع الإقليمي الملتهب وربطه بالفراغ الأمني الذي قد يتشكل في العراق نتيجةً لهذا الانسحاب، في وقت تتلمّس المنطقة شكلها الجديد بعد حرب الـ12 يوما بين إيرانية وإسرائيلية، وتوسّع إسرائيل في حربها ضد قطاع غزة وتمدّدها في سوريا واستمرارها بتنفيذ عمليات في لبنان وتعبيرها المباشر وغير المتواري عن رغبتها بإعادة تشكيل الخارطة وضمّ أراضٍ جديدة من دول أخرى.
إن عدم اشتراك محور المقاومة في العراق لدعم الجهود الإيرانية في حربها مع إسرائيل، جاء نتيجة اتفاقات جرت عبر قنوات دبلوماسية ومخابراتية رسمت شكل المواجهة وحصرتها ضمن معادلة واضحة، بحيث ضمنت الحكومة العراقية عدم اندفاع فصائل المقاومة في هذه الحرب للدفاع عن إيران مقابل طلب الحكومة العراقية من الجانب الأمريكي الضغط على إسرائيل وعدم استهدافه في هذه المرحلة. لكنّ انسحاب القوات الأمريكية والدولية من العراق في نهاية سبتمبر 2025 سيقودنا لطرح سؤال مهم جداً وهو: من سيكون الضامن الفعلي القادم لعدم تنفيذ عمليات إسرائيلية داخل العراق في حال اندلعت مواجهة عسكرية جديدة بين إيران وإسرائيل وقرر محور المقاومة ان يشترك عملياتياً أو لوجستياً في مضاعفة فرص إيران على توجيه ضربات داخل العمق الإسرائيلي؟ سؤال ستتطلب الإجابة عليه الترقّب والانتظار.
أثر الانسحاب على نمو السياسة الإيرانية في العراق
لن يؤثر انسحاب القوات الامريكية من العراق كثيراً على وضع إيران الإقليمي، كونها مطوقةً بقواعد عسكرية أمريكية فضلاً عن انتشار بحري وجوي يشير إلى هيمنة أمريكية متقدمة، غير أن تأثير نفوذ إيران في العراق قد يتصاعد قليلاً في ضوء المعادلة الحالية للتوازن الإقليمي – التي قد تتغير في المرحلة القادمة – حيث ستستطيع ايران العمل بشكل أوسع مع حلفائها داخل العراق. لكنّ ذلك، بكل تأكيد، لن يكون بطريقة سهلة، حيث لا تعني مغادرة القوات الامريكية والدولية من العراق تركه حصّة لطهران، ويدلّ على ذلك الضغط الكبير الذي مارسته السفارة الامريكية ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على العراق حينما حاولت القوى السياسية الشيعية تشريع قانون جديد للحشد الشعبي في البرلمان، حيث نجحت الضغوطات الأمريكية وهي ترتّب عملية انسحاب قواتها العسكرية في منع تمرير هذا القانون داخل البرلمان العراقي.

بكلّ تأكيد، ستحصل إيران على فرص حركة سياسية وأمنية أعلى داخل العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف، لكنْ كلّ ذلك سيخضع لشكل التوازن الذي سترسو عليه المنطقة بعد بلورة المفاوضات النووية الغربية الإيرانية والحدود التي ستتوقف عندها إسرائيل.
- تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج“.