أسعد العيداني.. الهروب إلى عالم الزعامة
24 تموز 2025
كان أسعد طالباً شاباً، هرب من البصرة عام 1991، وسارع إلى العودة إليها.. واليوم يملك مفاتيح السلطة والمال في أغنى محافظات العراق.. قصة أسعد العيداني الذي تنقّل بين الأحزاب والمصارف ومجالس الظل، حتى أصبح لاعباً يصعب تجاوزه..
هرب في العشرينات من عمره إلى إيران، خشية الوقوع بيد أجهزة نظام صدام حسين، التي كانت تطارد المشاركين في الانتفاضة الشعبية التي اندلعت مطلع آذار 1991، والمعروفة لاحقاً بـ “الانتفاضة الشعبانية”، رغم أنه لم يشارك فيها. وبعد بضعة أشهر، عاد إلى البصرة مستفيداً من قرار العفو العام الذي صدر في السنة ذاتها. لكن ذلك الهروب، الذي بدا في حينه محاولة للنجاة، أصبح لاحقاً بوابته إلى عالم الزعامة.
أسعد عبد الأمير عبد الغفار مهاوي العيداني، المولود عام 1967 في قرية العجيراوية التابعة لقضاء شط العرب شرق البصرة، لم يكن يتخيل أن مغادرته المدينة في آذار 1991، ومكوثه لبضعة أشهر في إيران، سيشكّلان الخطوة الأولى في طريق صعوده السياسي.
فالرجل الذي عاد إلى مدينته بعد أشهر قليلة مستفيداً من العفو، أصبح اليوم زعيم تحالف سياسي مؤثر، يحسِب له الحلفاء والخصوم ألف حساب، وإن كانت الرياح قد عصفت أحياناً بما لا يشتهي، إلا أن العيداني فهم قواعد اللعبة، حتى تلك التي لم يكن يوماً يتمنى أن يتقنها.
بداية العيداني
أكمل أسعد العيداني دراسته الابتدائية والثانوية في مدارس البصرة، قبل أن يلتحق بكلية الهندسة/ قسم الكهرباء في جامعة البصرة، حيث تخصّص في هندسة إلكترونيات الاتصالات.
خلال دراسته الجامعية، اندلعت شرارة “الانتفاضة الشعبانية” مطلع آذار 1991، ما اضطره إلى الفرار إلى إيران، أسوةً بكثيرين من أهالي البصرة الذين هربوا خشية القمع الذي مارسته أجهزة النظام الأمني وقواته ضد المشاركين في الانتفاضة، رغم أنه لم يكن منخرطاً فيها.
في إيران، التقى العيداني بشابين من أبناء مدينته، أحدهما قريب له يُدعى محمد، والآخر يُدعى مقداد. ثم عاد بعد بضعة أشهر إلى البصرة، مستفيداً من قرار العفو العام الذي صدر في أعقاب الانتفاضة، ليكمل دراسته الجامعية من جديد.
وفي عام 1993، تخرّج في كلية الهندسة، قسم الكهرباء، ليلتحق بعدها بالخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش العراقي، وهي الخدمة التي كانت مفروضة على الذكور قبل سقوط النظام عام 2003.

أمضى العيداني 18 شهراً في صفوف القوات المسلحة، ثم سُرّح من الخدمة. وبعد فترة وجيزة من تسريحه، التقى مجدداً بمحمد ومقداد، اللذين كانا قد التحقا بصفوف المؤتمر الوطني العراقي، بزعامة أحمد الجلبي.
كان الشابان قد عادا إلى البصرة في مهمة خاصة من قيادة المؤتمر، وبحوزتهما جهاز تنصّت يُستخدم لاعتراض نداءات الأجهزة الأمنية، بهدف إرسال تقارير إلى قيادة المؤتمر المتمركزة في شمال العراق.
وبسبب خللٍ فني طرأ على الجهاز، استعانا بالعيداني، كونه مهندس اتصالات، لإصلاحه. ولم يكن على علم بانضمامهما إلى المعارضة، ولا بطبيعة المهمة التي جاءا من أجلها.
فور وصوله إلى الشقة التي اتخذها رفيقاه مقراً مؤقتاً، تمكّن العيداني من تشغيل الجهاز. لكن سرعان ما رُصدت الإشارة من قبل وحدة مراقبة الإشارات اللاسلكية في قسم بريد والاتصالات في البصرة، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، فاستُدل على موقعهم.
حاصرت القوات الحيّ الذي تقع فيه الشقة، واعتقلت الثلاثة ونقلتهم إلى بغداد.
أُحيلوا إلى المحاكمة، وصدر بحقهم حكم بالإعدام شنقاً حتى الموت، قبل أن يُخفّض الحكم الصادر بحق العيداني إلى السجن المؤبّد، نظراً لعدم معرفته المسبقة بطبيعة المهمة، ولأنه لم يكن منخرطاً في الخلية أساساً.
نُقل العيداني إلى سجن أبو غريب غربي بغداد، حيث أُودِع في قسم الأحكام الخاصة، وقضى قرابة سبع سنوات، حتى صدر بحقه عفو رئاسي، ضمن قرار العفو العام الذي أعلنه صدام حسين في 20 تشرين الأول 2002، فعاد إلى البصرة ليبدأ فصلاً جديداً من حياته.
نقطة التحوّل
في 20 آذار 2003، شرعت القوات الأميركية بغزو العراق، قبل أن تلتحق بها قوات التحالف الدولي، ما أسفر عن سقوط نظام صدام حسين.
سارع أسعد العيداني حينها إلى السفر من البصرة إلى بغداد، متوجهاً إلى نادي الصيد في حي المنصور، الذي كان يعدّه المؤتمر الوطني العراقي مقراً رئيسياً له، أملاً في لقاء زعيم المؤتمر أحمد الجلبي، سعياً منه لنيل فرصة في المشهد السياسي الجديد.
لكنه لم يتمكن من لقاء الجلبي، واكتفى بلقاء ساعده الأيمن آراس حبيب كريم، الذي يشغل اليوم منصب الأمين العام للمؤتمر الوطني العراقي.
تفاجأ العيداني خلال لقائه بآراس بأن الأخير كان يعرفه بالاسم، ليس معرفة شخصية، بل لعلمه بأنه اعتُقل في وقت سابق مع اثنين من عناصر المؤتمر أُرسلا بمهمة سرّية إلى البصرة، وأنه حُكم عليه برفقتهم.
لم يدرك العيداني أن مصادر المؤتمر الخاصة كانت قد نقلت تفاصيل القضية إلى قيادته، بما فيها ملابسات الاعتقال والحكم.
بعد ذلك اللقاء، أَوكل آراس إلى العيداني مهمة فتح مقر للمؤتمر الوطني العراقي في البصرة، وتمثيله رسمياً هناك، والعمل على استقطاب أبناء المدينة للانضمام إلى التنظيم.
عاد العيداني إلى البصرة، وافتتح مقراً للمؤتمر، وبدأ يمارس مهامه مسؤولاً عن تنظيماته في المحافظة، إلى جانب عمله في مكتب هيئة اجتثاث البعث في البصرة، عند تأسيسها.
هذا التمثيل الرسمي للمؤتمر الوطني العراقي أهّله لاحقاً لنيل عضوية المجلس السياسي الاستشاري في البصرة، الذي أُسس في أعقاب سقوط النظام في نيسان 2003، وكان يضم آنذاك ممثلي جميع القوى السياسية في المحافظة، قبل تنظيم أول انتخابات لمجالس المحافظات.
وما زال هذا المجلس قائماً حتى اليوم تحت عنوان “المجلس السياسي في البصرة”.
خاض العيداني محاولات متعددة للفوز بعضوية مجلس محافظة البصرة ومجلس النواب العراقي، في الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2014، لكنه لم ينجح في نيل عدد الأصوات المطلوب.
خلال تلك المرحلة، اتجه إلى العمل التجاري، وتمكن من تكوين ثروة مالية لا بأس بها، بعد أن كان معدماً، خلافاً لما يُروَّج له هو وأنصاره من أن عائلته كانت ميسورة الحال قبل نيسان 2003.
كان من أبرز أنشطته في تلك الفترة العمل المحدود في القطاع المصرفي وقطاع المقاولات، إضافة إلى شراء الأراضي الزراعية وتجريفها، ثم تقسيمها إلى قطع صغيرة وبيعها على أنها أراضٍ سكنية.
وبعد سلسلة من الإخفاقات الانتخابية، بدا أن العيداني قد أدرك أن طريق الفوز عبر صناديق الاقتراع ليس سالكاً، وأن عليه اللجوء إلى أساليب أخرى لتعزيز حضوره سياسياً وشعبياً في آن معاً.
ورغم علاقاته الوثيقة بعدد من ممثلي القوى السياسية الموالية لإيران في البصرة، إلا أنه عمل في الوقت ذاته على التقرّب من الجانب الأميركي.
وفي أواخر عام 2016، أقام مأدبة غداء في بستان يملكه في قضاء أبي الخصيب جنوبي البصرة، على شرف القنصل الأميركي العام الأسبق في البصرة، “وِن دايتون”، ومرافقيه، بهدف كسب دعم سياسي يعزز من فرصه في المشهد المقبل.

وأما على المستوى الشعبي فقد عمد الى المساهمة في تقديم الدعم المادي والمعنوي لبعض الأنشطة والمبادرات، ومنها على سبيل المثال الإعلان مطلع عام 2017 عن تبرع الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني العراقي، آراس حبيب كريم، ومصرف البلاد الإسلامي، المملوك للأخير، بمواد طبية بقيمة 200 مليون دينار عراقي لمستشفى الطفل المركزي في البصرة.
الفرصة الذهبية
في مساء يوم 10 آب 2017، أعلن محافظ البصرة السابق، ماجد النصراوي، استقالته من منصبه خلال حفل افتتاح جسر الشهيد محمد باقر الصدر، ثم غادر البلاد إلى إيران فور انتهاء الحفل، وهرب من المساءلة في تُهم فساد تورّط بها.
كان ذلك الحدث بمثابة الفرصة الذهبية لأسعد العيداني، الذي لم يكن يطمح حينها إلى تولّي منصب محافظ البصرة.
سارع مجلس محافظة البصرة حينها إلى فتح باب الترشّح لمنصب المحافظ، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، بعد موجة الاحتجاجات التي اندلعت منتصف عام 2015 واستمرت حتى لحظة الاستقالة.
تقدّم العشرات من أبناء البصرة بملفات ترشحهم، دون علمهم بأن اللعبة كانت تُدار في الخفاء.
فمنصب المحافظ كان من حصة تيار الحكمة، بزعامة عمار الحكيم، بموجب التوافقات السياسية السائدة آنذاك، ولم يكن من الممكن تجاوز إرادة التيار عند اختيار المحافظ الجديد.
لذا، شكّل تيار الحكمة لجنة ثلاثية في مقره الرئيس ببغداد، برئاسة القيادي أحمد الفتلاوي، وعضوية كل من بليغ أبو كلل وشخص ثالث، لاختيار بديل عن النصراوي من خارج قائمة المرشحين الرسمية ومن خارج تنظيمات التيار، على أن يكون بمثابة “كبش فداء”، نظراً لأن الانتخابات المحلية كانت مقررة في منتصف عام 2017.
غير أن تلك الانتخابات أُرجئت بسبب أوضاع البلاد الأمنية، ونزوح مئات الآلاف من سكان المحافظات الغربية.
وبناءً على اتفاق بين القوى السياسية، تقرر دمج انتخابات مجالس المحافظات مع الانتخابات النيابية في أيار 2018.
تبعاً لذلك، أعلنت الهيئة التنسيقية العليا بين المحافظات، في 13 حزيران 2017، قراراً يمدّد ولاية مجالس المحافظات لحين إجراء الانتخابات، استناداً إلى المادة 46/ثالثاً من قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم 36 لسنة 2008.
لذا، فإن مدة ولاية المحافظ الجديد – أي بديل النصراوي – امتدت من ستة إلى ثمانية أشهر فقط، وهو ما دفع تيار الحكمة إلى البحث عن شخصية يمكن التضحية بها.
رُشحت ثلاث شخصيات للّجنة، التي أجرت مقابلات منفردة معهم، لكنها لم تجد فيهم من يحظى بالقبول الكافي.
وهنا برز دور نائب رئيس مجلس محافظة البصرة حينها، وليد حميد كيطان، الذي كان رئيس كتلة تيار الحكمة في المجلس، ليطرح اسم أسعد العيداني على رئيس اللجنة أحمد الفتلاوي بوصفه مرشحاً بديلاً.
انعقد لقاء ضم كيطان، والفتلاوي، والعيداني، انتهى بتبنّي ترشيح العيداني رسمياً من قبل تيار الحكمة لتولّي منصب المحافظ، في إطار التوافقات السياسية داخل المجلس.
وسرت حينها أنباء بأن كيطان كان يسعى لتمويل مشروعه الاستثماري Basra Mall، وأنه أبرم اتفاقاً مع العيداني يقضي بضمان فوزه بمنصب المحافظ مقابل حصول كيطان على قرض من مصرف البلاد الإسلامي، تتراوح قيمته بين ثلاثة وخمسة ملايين دولار.
يُذكر أن المصرف المذكور مملوك من قبل الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني العراقي، آراس حبيب كريم وشركائه، وكانت زوجة العيداني تدير فرع المصرف في البصرة آنذاك.
عقد مجلس محافظة البصرة جلسته الاستثنائية في 27 آب 2017، برئاسة كيطان، لاختيار المحافظ من بين 51 مرشحاً، كانوا قد تقدموا بملفاتهم رسمياً.
ولم يكن أي من هؤلاء المرشحين على علم بما جرى خلف الكواليس، باستثناء العيداني، الذي حضر الجلسة وهو يعلم مسبقاً أنه الفائز.
حصل على 24 صوتاً من أصل 27، فيما صوّت أحد الأعضاء لنفسه، لأنه كان أحد المرشحين، وذهب صوت واحد لمرشح آخر، بينما امتنع عضو أخير عن التصويت.
في 11 أيلول 2017، أصدر رئيس الجمهورية آنذاك، برهم صالح، مرسوماً جمهورياً بتعيين العيداني محافظاً للبصرة.
وأدى العيداني اليمين القانونية أمام رئيس محكمة استئناف البصرة، وبدأ مهامه رسمياً.
واجه العيداني في بداية ولايته تحديات كبيرة، أبرزها توقف عدد من المشاريع، بسبب هروبه، وعدم توفر التخصيصات المالية.
سعى إلى إقناع رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، بإصدار قرار يسمح باستئناف تلك المشاريع، بحجة الحاجة الماسة إليها، ولأن بعضها قد نُفذ جزئياً.
نجح في ذلك، خاصة أن البصرة كانت تعيش توتراً شديداً، قد يفضي إلى انفجار شعبي يؤثر على المشهد العراقي برمّته.
من أبرز المشاريع التي أعاد العمل بها مشروع “مجاري القبلة”، الذي شهد توسعة لاحقاً، لتشمل أعمال البنية التحتية في منطقة القبلة المكتظة بالسكان.

ومع تحسن الوضع الخدمي نسبياً، بدأت شعبية العيداني بالتصاعد، ليفوز لاحقاً في انتخابات مجلس النواب عام 2018، بعد ترشحه ضمن تحالف النصر بقيادة العبادي.
لكن العيداني قرر البقاء في منصبه محافظاً للبصرة، ولم يؤدِ اليمين الدستورية نائباً، حتى بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات في 9 آب 2018.
وجاء ذلك بعد إعلان العبادي، في تموز من العام ذاته، عن تخصيص 3.5 تريليون دينار لمشاريع البنى التحتية في البصرة، عقب احتجاجات شعبية واسعة بسبب تردي الخدمات.
هذا القرار جعل العيداني يفضّل البقاء في موقع السلطة المحلية، ما حال دون تفعيل فوز المرشح البديل، فاروق هلال جمعة، الذي كان يُفترض أن يشغل المقعد النيابي في حال تخلي العيداني عنه.
ورغم إعلانات العيداني المتكررة عن استعداده للتخلي عن المقعد، ومطالبات المرشح البديل المستمرة، إلا أنه عمد إلى التسويف والمماطلة، مُبقياً الوضع كما هو.
البقاء في المنصب
أدى تشريع قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018، المنشور في جريدة الوقائع العراقية (العدد 4494 بتاريخ 4 حزيران 2018)، إلى تمديد عمل مجالس المحافظات لحين انتخاب مجالس جديدة، وفقاً لما نصّت عليه المادة 44/ثالثاً من القانون.
وفي السياق ذاته، أعلن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حيدر العبادي، في 14 تموز 2018، إطلاق مبلغ 3.5 ترليون دينار لصالح مشاريع البنية التحتية في البصرة، تزامناً مع إعلان المحكمة الاتحادية، في 19 آب من العام نفسه، مصادقتها على نتائج الانتخابات النيابية.
هذه التطورات زادت من الضغوط على أسعد العيداني من جهات سياسية عدة، في مقدمتها تيار الحكمة، الذي بدأ يستشعر خسارته المحتملة، لسطوته في واحدة من أهم المحافظات العراقية، خصوصاً مع أداء عادل عبد المهدي وأعضاء حكومته اليمين الدستورية في 25 تشرين الأول 2018.
كان تيار الحكمة يرى أن العيداني قد نكث بالوعود التي التزم بها عند ترشيحه لمنصب المحافظ أواخر 2017، فبدأ بمحاولات لإزاحته عبر إقناع أعضاء مجلس المحافظة بالتصويت على قرار إقالته، تمهيداً لترشيح القيادي في التيار علي شداد الفارس بديلاً عنه.
هدف التيار كان إحكام قبضته على السلطة المحلية بشقيها التشريعي والتنفيذي، خصوصاً في ظل شغور رئاسة المجلس بعد صدور حكم قضائي ضد رئيسه، صباح البزوني، بالسجن بسبب إحدى قضايا الفساد، وتولّي وليد حميد كيطان منصب رئيس المجلس بالوكالة.
لكن مساعي تيار الحكمة لإقالة العيداني اصطدمت برفض عدد من أعضاء المجلس، الذين اشترطوا التصويت على إقالة البزوني من رئاسة المجلس، وتعيين بديل عنه، لإنهاء تكليف كيطان، ومنع التيار من السيطرة الكاملة على مؤسسات المحافظة.
وعلى الرغم من فشل محاولات الإقالة، لم يتوقف الصراع.
فقد تطوّر لاحقاً إلى تظاهرات نظّمها أنصار تيار الحكمة للمطالبة بعزل العيداني، ثم أعلن كيطان، بصفته رئيس المجلس بالوكالة، يوم 9 كانون الأول 2018، فتح باب الترشح لمنصب محافظ البصرة لمدة أربعة أيام.

ردّ العيداني ببيان صحفي عبر مكتبه الإعلامي، قال فيه: “رئيس مجلس المحافظة وكالةً، وليد حميد كيطان، ارتكب مخالفة قانونية عندما فتح باب الترشح لمنصب المحافظ، لأني ما زلت محافظاً، ولم أؤدِّ اليمين الدستورية كنائب”.
وأضاف أن “الإجراء كان دون علم غالبية أعضاء المجلس”، مشيراً إلى أن “كتلة تيار الحكمة ضغطت على رئيس المجلس وكالةً من أجل منصب المحافظ”.
في 13 كانون الأول 2018، أعلن عدد من أعضاء مجلس محافظة البصرة تأسيس كتلة جديدة داخل المجلس تحت اسم “أُباة البصرة”، ضمّت 18 عضواً، بهدف “إصلاح الأوضاع في المحافظة”، كما جاء في بيان التأسيس.
وفي اليوم التالي، دعا المجلس إلى جلسة استثنائية لاختيار بديل عن العيداني، لكن الجلسة فشلت بسبب غياب أعضاء كتلة “أُباة البصرة”، فتعطلت المحاولة مجدداً.
غير أن الأمور سرعان ما اتجهت إلى التهدئة بعد إعلان شمول رئيس مجلس المحافظة، صباح البزوني، بقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، وإطلاق سراحه بعد نحو 18 شهراً من السجن.
باشر البزوني مهامه مجدداً رئيساً للمجلس، رغم رفض اللجنة القضائية سابقاً طلب شموله بالعفو.
وسرت أنباء في الأوساط السياسية أن زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، كان وراء قرار شمول البزوني بالعفو، في خطوة كانت رداً على محاولات تيار الحكمة الهيمنة على حكومة البصرة المحلية، والسيطرة على مواردها وثرواتها.
كل شيء لصالح العيداني
بحلول عام 2019، بدأت الرياح تجلب إلى ميناء أسعد العيداني ما لذ وطاب؛ إذ مُنح حق توجيه الدعوة المباشرة للشركات، من أجل التعاقد معها لتنفيذ مشاريع مختلفة، استثناءً من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية، بقرار من مجلس الوزراء.
كان لرئيس خلية المتابعة في مكتب رئيس الوزراء حينها، النائب الحالي مصطفى جبار سند، دور كبير في صدور هذا القرار، قبل أن يصدر لاحقاً قرار أوسع يمنح هذا الحق لعموم المحافظين، والوزراء، ورؤساء الهيئات، والجهات غير المرتبطة بوزارة.
توالت بعدها المكاسب، فصادقت وزارة التخطيط على خطة مشاريع كبرى لصالح محافظة البصرة، شملت قطاعات مختلفة، تبعتها وزارة المالية بإطلاق التمويل اللازم لتنفيذها.
ومع تدفق الأموال وبدء المشاريع، شهدت البصرة ما يشبه نهضة عمرانية وخدمية واسعة في مختلف مناطقها، ترافق ذلك مع حملة إعلامية واسعة النطاق امتدحت إنجازات العيداني، ورفعت من شعبيته على المستويين المحلي والوطني، رغم اتهامات وجهت إليه بالفساد الإداري والمالي.
لكن تلك الإنجازات عزّزت صورته في الرأي العام، ليُشار إليه بالبنان بوصفه مثالاً للمسؤول التنفيذي الناجح، وهو ما دفع عدداً من الشخصيات السياسية والإعلامية إلى ترشيحه لتشكيل الحكومة بعد استقالة رئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي، في 30 تشرين الثاني 2019، في أعقاب تظاهرات تشرين.
ورغم ترشيحه من قبل كتلة البناء النيابية، لم يُكلَّف العيداني بتشكيل الحكومة، وذهب التكليف في نهاية المطاف إلى مصطفى الكاظمي.
بعد ذلك، أسس العيداني حزباً سياسياً انخرط ضمن “تحالف تصميم”، وخاض به الانتخابات النيابية عام 2021، ليحصد خمسة مقاعد عن محافظة البصرة.
لكن العيداني قدّم استقالته من مجلس النواب قبل أداء اليمين الدستورية، ليفتح الطريق أمام صعود المرشح البديل، علاء الحيدري.

لم يكن بإمكانه هذه المرة تكرار ما فعله في انتخابات 2018، حين احتفظ بمنصب المحافظ دون التنازل رسمياً عن مقعده النيابي، بسبب التعديلات القانونية التي حالت دون ذلك.
وباستقالته، انخفض رصيد “تحالف تصميم” إلى أربعة مقاعد.
وبعد انسحاب نواب التيار الصدري الـ73 من البرلمان، ارتفع رصيد التحالف إلى سبعة مقاعد، إثر فوز ثلاثة من مرشحيه بمقاعد بديلة.
لاحقاً، انشق النائب علي المشكور عن التحالف، وانضم إلى تحالف دولة القانون، وأنشقت النائبة سارة الصالحي، وانضمت الى كتلة صادقون، ليستقر عدد مقاعد “تحالف تصميم” عند خمسة حتى اليوم.
في انتخابات مجالس المحافظات عام 2023، خاض “تحالف تصميم” المنافسة بقوة، ليحصد 12 مقعداً من أصل 23 في مجلس محافظة البصرة، ما منحه أغلبية مريحة.
وبعد انتخاب العيداني مجدداً محافظاً للبصرة، عزّز موقعه على رأس السلطة التنفيذية في المحافظة، ليبدو أكثر رسوخاً من أي وقت مضى.
وبات العيداني، بخطى واثقة، يسير على طريق الزعامة.
وإذا ما قرر خوض الانتخابات النيابية المقبلة -المقررة في تشرين الثاني المقبل- بمرشحين عن عموم المحافظات، وليس البصرة فقط، فقد يصبح لاعباً سياسياً على مستوى وطني، بقاعدة شعبية تمتد إلى ما هو أبعد من الجنوب.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
الحياة مع أفعى.. وصايا السيد دخيل للنجاة من الموت
13 نوفمبر 2025
صوتٌ بلا إرادة: كيف تتحكم العائلة والعشيرة بخيارات النساء الانتخابية؟
08 نوفمبر 2025
قواعد اللعبة القديمة ليست كافية: خريطة بالتحالفات الانتخابية قبل الاقتراع
07 نوفمبر 2025
من بريمر إلى السوداني.. "خلطة الفياض" السحرية للبقاء في المنصب
06 نوفمبر 2025
هرب في العشرينات من عمره إلى إيران، خشية الوقوع بيد أجهزة نظام صدام حسين، التي كانت تطارد المشاركين في الانتفاضة الشعبية التي اندلعت مطلع آذار 1991، والمعروفة لاحقاً بـ “الانتفاضة الشعبانية”، رغم أنه لم يشارك فيها. وبعد بضعة أشهر، عاد إلى البصرة مستفيداً من قرار العفو العام الذي صدر في السنة ذاتها. لكن ذلك الهروب، الذي بدا في حينه محاولة للنجاة، أصبح لاحقاً بوابته إلى عالم الزعامة.
أسعد عبد الأمير عبد الغفار مهاوي العيداني، المولود عام 1967 في قرية العجيراوية التابعة لقضاء شط العرب شرق البصرة، لم يكن يتخيل أن مغادرته المدينة في آذار 1991، ومكوثه لبضعة أشهر في إيران، سيشكّلان الخطوة الأولى في طريق صعوده السياسي.
فالرجل الذي عاد إلى مدينته بعد أشهر قليلة مستفيداً من العفو، أصبح اليوم زعيم تحالف سياسي مؤثر، يحسِب له الحلفاء والخصوم ألف حساب، وإن كانت الرياح قد عصفت أحياناً بما لا يشتهي، إلا أن العيداني فهم قواعد اللعبة، حتى تلك التي لم يكن يوماً يتمنى أن يتقنها.
بداية العيداني
أكمل أسعد العيداني دراسته الابتدائية والثانوية في مدارس البصرة، قبل أن يلتحق بكلية الهندسة/ قسم الكهرباء في جامعة البصرة، حيث تخصّص في هندسة إلكترونيات الاتصالات.
خلال دراسته الجامعية، اندلعت شرارة “الانتفاضة الشعبانية” مطلع آذار 1991، ما اضطره إلى الفرار إلى إيران، أسوةً بكثيرين من أهالي البصرة الذين هربوا خشية القمع الذي مارسته أجهزة النظام الأمني وقواته ضد المشاركين في الانتفاضة، رغم أنه لم يكن منخرطاً فيها.
في إيران، التقى العيداني بشابين من أبناء مدينته، أحدهما قريب له يُدعى محمد، والآخر يُدعى مقداد. ثم عاد بعد بضعة أشهر إلى البصرة، مستفيداً من قرار العفو العام الذي صدر في أعقاب الانتفاضة، ليكمل دراسته الجامعية من جديد.
وفي عام 1993، تخرّج في كلية الهندسة، قسم الكهرباء، ليلتحق بعدها بالخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش العراقي، وهي الخدمة التي كانت مفروضة على الذكور قبل سقوط النظام عام 2003.

أمضى العيداني 18 شهراً في صفوف القوات المسلحة، ثم سُرّح من الخدمة. وبعد فترة وجيزة من تسريحه، التقى مجدداً بمحمد ومقداد، اللذين كانا قد التحقا بصفوف المؤتمر الوطني العراقي، بزعامة أحمد الجلبي.
كان الشابان قد عادا إلى البصرة في مهمة خاصة من قيادة المؤتمر، وبحوزتهما جهاز تنصّت يُستخدم لاعتراض نداءات الأجهزة الأمنية، بهدف إرسال تقارير إلى قيادة المؤتمر المتمركزة في شمال العراق.
وبسبب خللٍ فني طرأ على الجهاز، استعانا بالعيداني، كونه مهندس اتصالات، لإصلاحه. ولم يكن على علم بانضمامهما إلى المعارضة، ولا بطبيعة المهمة التي جاءا من أجلها.
فور وصوله إلى الشقة التي اتخذها رفيقاه مقراً مؤقتاً، تمكّن العيداني من تشغيل الجهاز. لكن سرعان ما رُصدت الإشارة من قبل وحدة مراقبة الإشارات اللاسلكية في قسم بريد والاتصالات في البصرة، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، فاستُدل على موقعهم.
حاصرت القوات الحيّ الذي تقع فيه الشقة، واعتقلت الثلاثة ونقلتهم إلى بغداد.
أُحيلوا إلى المحاكمة، وصدر بحقهم حكم بالإعدام شنقاً حتى الموت، قبل أن يُخفّض الحكم الصادر بحق العيداني إلى السجن المؤبّد، نظراً لعدم معرفته المسبقة بطبيعة المهمة، ولأنه لم يكن منخرطاً في الخلية أساساً.
نُقل العيداني إلى سجن أبو غريب غربي بغداد، حيث أُودِع في قسم الأحكام الخاصة، وقضى قرابة سبع سنوات، حتى صدر بحقه عفو رئاسي، ضمن قرار العفو العام الذي أعلنه صدام حسين في 20 تشرين الأول 2002، فعاد إلى البصرة ليبدأ فصلاً جديداً من حياته.
نقطة التحوّل
في 20 آذار 2003، شرعت القوات الأميركية بغزو العراق، قبل أن تلتحق بها قوات التحالف الدولي، ما أسفر عن سقوط نظام صدام حسين.
سارع أسعد العيداني حينها إلى السفر من البصرة إلى بغداد، متوجهاً إلى نادي الصيد في حي المنصور، الذي كان يعدّه المؤتمر الوطني العراقي مقراً رئيسياً له، أملاً في لقاء زعيم المؤتمر أحمد الجلبي، سعياً منه لنيل فرصة في المشهد السياسي الجديد.
لكنه لم يتمكن من لقاء الجلبي، واكتفى بلقاء ساعده الأيمن آراس حبيب كريم، الذي يشغل اليوم منصب الأمين العام للمؤتمر الوطني العراقي.
تفاجأ العيداني خلال لقائه بآراس بأن الأخير كان يعرفه بالاسم، ليس معرفة شخصية، بل لعلمه بأنه اعتُقل في وقت سابق مع اثنين من عناصر المؤتمر أُرسلا بمهمة سرّية إلى البصرة، وأنه حُكم عليه برفقتهم.
لم يدرك العيداني أن مصادر المؤتمر الخاصة كانت قد نقلت تفاصيل القضية إلى قيادته، بما فيها ملابسات الاعتقال والحكم.
بعد ذلك اللقاء، أَوكل آراس إلى العيداني مهمة فتح مقر للمؤتمر الوطني العراقي في البصرة، وتمثيله رسمياً هناك، والعمل على استقطاب أبناء المدينة للانضمام إلى التنظيم.
عاد العيداني إلى البصرة، وافتتح مقراً للمؤتمر، وبدأ يمارس مهامه مسؤولاً عن تنظيماته في المحافظة، إلى جانب عمله في مكتب هيئة اجتثاث البعث في البصرة، عند تأسيسها.
هذا التمثيل الرسمي للمؤتمر الوطني العراقي أهّله لاحقاً لنيل عضوية المجلس السياسي الاستشاري في البصرة، الذي أُسس في أعقاب سقوط النظام في نيسان 2003، وكان يضم آنذاك ممثلي جميع القوى السياسية في المحافظة، قبل تنظيم أول انتخابات لمجالس المحافظات.
وما زال هذا المجلس قائماً حتى اليوم تحت عنوان “المجلس السياسي في البصرة”.
خاض العيداني محاولات متعددة للفوز بعضوية مجلس محافظة البصرة ومجلس النواب العراقي، في الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2014، لكنه لم ينجح في نيل عدد الأصوات المطلوب.
خلال تلك المرحلة، اتجه إلى العمل التجاري، وتمكن من تكوين ثروة مالية لا بأس بها، بعد أن كان معدماً، خلافاً لما يُروَّج له هو وأنصاره من أن عائلته كانت ميسورة الحال قبل نيسان 2003.
كان من أبرز أنشطته في تلك الفترة العمل المحدود في القطاع المصرفي وقطاع المقاولات، إضافة إلى شراء الأراضي الزراعية وتجريفها، ثم تقسيمها إلى قطع صغيرة وبيعها على أنها أراضٍ سكنية.
وبعد سلسلة من الإخفاقات الانتخابية، بدا أن العيداني قد أدرك أن طريق الفوز عبر صناديق الاقتراع ليس سالكاً، وأن عليه اللجوء إلى أساليب أخرى لتعزيز حضوره سياسياً وشعبياً في آن معاً.
ورغم علاقاته الوثيقة بعدد من ممثلي القوى السياسية الموالية لإيران في البصرة، إلا أنه عمل في الوقت ذاته على التقرّب من الجانب الأميركي.
وفي أواخر عام 2016، أقام مأدبة غداء في بستان يملكه في قضاء أبي الخصيب جنوبي البصرة، على شرف القنصل الأميركي العام الأسبق في البصرة، “وِن دايتون”، ومرافقيه، بهدف كسب دعم سياسي يعزز من فرصه في المشهد المقبل.

وأما على المستوى الشعبي فقد عمد الى المساهمة في تقديم الدعم المادي والمعنوي لبعض الأنشطة والمبادرات، ومنها على سبيل المثال الإعلان مطلع عام 2017 عن تبرع الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني العراقي، آراس حبيب كريم، ومصرف البلاد الإسلامي، المملوك للأخير، بمواد طبية بقيمة 200 مليون دينار عراقي لمستشفى الطفل المركزي في البصرة.
الفرصة الذهبية
في مساء يوم 10 آب 2017، أعلن محافظ البصرة السابق، ماجد النصراوي، استقالته من منصبه خلال حفل افتتاح جسر الشهيد محمد باقر الصدر، ثم غادر البلاد إلى إيران فور انتهاء الحفل، وهرب من المساءلة في تُهم فساد تورّط بها.
كان ذلك الحدث بمثابة الفرصة الذهبية لأسعد العيداني، الذي لم يكن يطمح حينها إلى تولّي منصب محافظ البصرة.
سارع مجلس محافظة البصرة حينها إلى فتح باب الترشّح لمنصب المحافظ، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، بعد موجة الاحتجاجات التي اندلعت منتصف عام 2015 واستمرت حتى لحظة الاستقالة.
تقدّم العشرات من أبناء البصرة بملفات ترشحهم، دون علمهم بأن اللعبة كانت تُدار في الخفاء.
فمنصب المحافظ كان من حصة تيار الحكمة، بزعامة عمار الحكيم، بموجب التوافقات السياسية السائدة آنذاك، ولم يكن من الممكن تجاوز إرادة التيار عند اختيار المحافظ الجديد.
لذا، شكّل تيار الحكمة لجنة ثلاثية في مقره الرئيس ببغداد، برئاسة القيادي أحمد الفتلاوي، وعضوية كل من بليغ أبو كلل وشخص ثالث، لاختيار بديل عن النصراوي من خارج قائمة المرشحين الرسمية ومن خارج تنظيمات التيار، على أن يكون بمثابة “كبش فداء”، نظراً لأن الانتخابات المحلية كانت مقررة في منتصف عام 2017.
غير أن تلك الانتخابات أُرجئت بسبب أوضاع البلاد الأمنية، ونزوح مئات الآلاف من سكان المحافظات الغربية.
وبناءً على اتفاق بين القوى السياسية، تقرر دمج انتخابات مجالس المحافظات مع الانتخابات النيابية في أيار 2018.
تبعاً لذلك، أعلنت الهيئة التنسيقية العليا بين المحافظات، في 13 حزيران 2017، قراراً يمدّد ولاية مجالس المحافظات لحين إجراء الانتخابات، استناداً إلى المادة 46/ثالثاً من قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم 36 لسنة 2008.
لذا، فإن مدة ولاية المحافظ الجديد – أي بديل النصراوي – امتدت من ستة إلى ثمانية أشهر فقط، وهو ما دفع تيار الحكمة إلى البحث عن شخصية يمكن التضحية بها.
رُشحت ثلاث شخصيات للّجنة، التي أجرت مقابلات منفردة معهم، لكنها لم تجد فيهم من يحظى بالقبول الكافي.
وهنا برز دور نائب رئيس مجلس محافظة البصرة حينها، وليد حميد كيطان، الذي كان رئيس كتلة تيار الحكمة في المجلس، ليطرح اسم أسعد العيداني على رئيس اللجنة أحمد الفتلاوي بوصفه مرشحاً بديلاً.
انعقد لقاء ضم كيطان، والفتلاوي، والعيداني، انتهى بتبنّي ترشيح العيداني رسمياً من قبل تيار الحكمة لتولّي منصب المحافظ، في إطار التوافقات السياسية داخل المجلس.
وسرت حينها أنباء بأن كيطان كان يسعى لتمويل مشروعه الاستثماري Basra Mall، وأنه أبرم اتفاقاً مع العيداني يقضي بضمان فوزه بمنصب المحافظ مقابل حصول كيطان على قرض من مصرف البلاد الإسلامي، تتراوح قيمته بين ثلاثة وخمسة ملايين دولار.
يُذكر أن المصرف المذكور مملوك من قبل الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني العراقي، آراس حبيب كريم وشركائه، وكانت زوجة العيداني تدير فرع المصرف في البصرة آنذاك.
عقد مجلس محافظة البصرة جلسته الاستثنائية في 27 آب 2017، برئاسة كيطان، لاختيار المحافظ من بين 51 مرشحاً، كانوا قد تقدموا بملفاتهم رسمياً.
ولم يكن أي من هؤلاء المرشحين على علم بما جرى خلف الكواليس، باستثناء العيداني، الذي حضر الجلسة وهو يعلم مسبقاً أنه الفائز.
حصل على 24 صوتاً من أصل 27، فيما صوّت أحد الأعضاء لنفسه، لأنه كان أحد المرشحين، وذهب صوت واحد لمرشح آخر، بينما امتنع عضو أخير عن التصويت.
في 11 أيلول 2017، أصدر رئيس الجمهورية آنذاك، برهم صالح، مرسوماً جمهورياً بتعيين العيداني محافظاً للبصرة.
وأدى العيداني اليمين القانونية أمام رئيس محكمة استئناف البصرة، وبدأ مهامه رسمياً.
واجه العيداني في بداية ولايته تحديات كبيرة، أبرزها توقف عدد من المشاريع، بسبب هروبه، وعدم توفر التخصيصات المالية.
سعى إلى إقناع رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، بإصدار قرار يسمح باستئناف تلك المشاريع، بحجة الحاجة الماسة إليها، ولأن بعضها قد نُفذ جزئياً.
نجح في ذلك، خاصة أن البصرة كانت تعيش توتراً شديداً، قد يفضي إلى انفجار شعبي يؤثر على المشهد العراقي برمّته.
من أبرز المشاريع التي أعاد العمل بها مشروع “مجاري القبلة”، الذي شهد توسعة لاحقاً، لتشمل أعمال البنية التحتية في منطقة القبلة المكتظة بالسكان.

ومع تحسن الوضع الخدمي نسبياً، بدأت شعبية العيداني بالتصاعد، ليفوز لاحقاً في انتخابات مجلس النواب عام 2018، بعد ترشحه ضمن تحالف النصر بقيادة العبادي.
لكن العيداني قرر البقاء في منصبه محافظاً للبصرة، ولم يؤدِ اليمين الدستورية نائباً، حتى بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات في 9 آب 2018.
وجاء ذلك بعد إعلان العبادي، في تموز من العام ذاته، عن تخصيص 3.5 تريليون دينار لمشاريع البنى التحتية في البصرة، عقب احتجاجات شعبية واسعة بسبب تردي الخدمات.
هذا القرار جعل العيداني يفضّل البقاء في موقع السلطة المحلية، ما حال دون تفعيل فوز المرشح البديل، فاروق هلال جمعة، الذي كان يُفترض أن يشغل المقعد النيابي في حال تخلي العيداني عنه.
ورغم إعلانات العيداني المتكررة عن استعداده للتخلي عن المقعد، ومطالبات المرشح البديل المستمرة، إلا أنه عمد إلى التسويف والمماطلة، مُبقياً الوضع كما هو.
البقاء في المنصب
أدى تشريع قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018، المنشور في جريدة الوقائع العراقية (العدد 4494 بتاريخ 4 حزيران 2018)، إلى تمديد عمل مجالس المحافظات لحين انتخاب مجالس جديدة، وفقاً لما نصّت عليه المادة 44/ثالثاً من القانون.
وفي السياق ذاته، أعلن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حيدر العبادي، في 14 تموز 2018، إطلاق مبلغ 3.5 ترليون دينار لصالح مشاريع البنية التحتية في البصرة، تزامناً مع إعلان المحكمة الاتحادية، في 19 آب من العام نفسه، مصادقتها على نتائج الانتخابات النيابية.
هذه التطورات زادت من الضغوط على أسعد العيداني من جهات سياسية عدة، في مقدمتها تيار الحكمة، الذي بدأ يستشعر خسارته المحتملة، لسطوته في واحدة من أهم المحافظات العراقية، خصوصاً مع أداء عادل عبد المهدي وأعضاء حكومته اليمين الدستورية في 25 تشرين الأول 2018.
كان تيار الحكمة يرى أن العيداني قد نكث بالوعود التي التزم بها عند ترشيحه لمنصب المحافظ أواخر 2017، فبدأ بمحاولات لإزاحته عبر إقناع أعضاء مجلس المحافظة بالتصويت على قرار إقالته، تمهيداً لترشيح القيادي في التيار علي شداد الفارس بديلاً عنه.
هدف التيار كان إحكام قبضته على السلطة المحلية بشقيها التشريعي والتنفيذي، خصوصاً في ظل شغور رئاسة المجلس بعد صدور حكم قضائي ضد رئيسه، صباح البزوني، بالسجن بسبب إحدى قضايا الفساد، وتولّي وليد حميد كيطان منصب رئيس المجلس بالوكالة.
لكن مساعي تيار الحكمة لإقالة العيداني اصطدمت برفض عدد من أعضاء المجلس، الذين اشترطوا التصويت على إقالة البزوني من رئاسة المجلس، وتعيين بديل عنه، لإنهاء تكليف كيطان، ومنع التيار من السيطرة الكاملة على مؤسسات المحافظة.
وعلى الرغم من فشل محاولات الإقالة، لم يتوقف الصراع.
فقد تطوّر لاحقاً إلى تظاهرات نظّمها أنصار تيار الحكمة للمطالبة بعزل العيداني، ثم أعلن كيطان، بصفته رئيس المجلس بالوكالة، يوم 9 كانون الأول 2018، فتح باب الترشح لمنصب محافظ البصرة لمدة أربعة أيام.

ردّ العيداني ببيان صحفي عبر مكتبه الإعلامي، قال فيه: “رئيس مجلس المحافظة وكالةً، وليد حميد كيطان، ارتكب مخالفة قانونية عندما فتح باب الترشح لمنصب المحافظ، لأني ما زلت محافظاً، ولم أؤدِّ اليمين الدستورية كنائب”.
وأضاف أن “الإجراء كان دون علم غالبية أعضاء المجلس”، مشيراً إلى أن “كتلة تيار الحكمة ضغطت على رئيس المجلس وكالةً من أجل منصب المحافظ”.
في 13 كانون الأول 2018، أعلن عدد من أعضاء مجلس محافظة البصرة تأسيس كتلة جديدة داخل المجلس تحت اسم “أُباة البصرة”، ضمّت 18 عضواً، بهدف “إصلاح الأوضاع في المحافظة”، كما جاء في بيان التأسيس.
وفي اليوم التالي، دعا المجلس إلى جلسة استثنائية لاختيار بديل عن العيداني، لكن الجلسة فشلت بسبب غياب أعضاء كتلة “أُباة البصرة”، فتعطلت المحاولة مجدداً.
غير أن الأمور سرعان ما اتجهت إلى التهدئة بعد إعلان شمول رئيس مجلس المحافظة، صباح البزوني، بقانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، وإطلاق سراحه بعد نحو 18 شهراً من السجن.
باشر البزوني مهامه مجدداً رئيساً للمجلس، رغم رفض اللجنة القضائية سابقاً طلب شموله بالعفو.
وسرت أنباء في الأوساط السياسية أن زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، كان وراء قرار شمول البزوني بالعفو، في خطوة كانت رداً على محاولات تيار الحكمة الهيمنة على حكومة البصرة المحلية، والسيطرة على مواردها وثرواتها.
كل شيء لصالح العيداني
بحلول عام 2019، بدأت الرياح تجلب إلى ميناء أسعد العيداني ما لذ وطاب؛ إذ مُنح حق توجيه الدعوة المباشرة للشركات، من أجل التعاقد معها لتنفيذ مشاريع مختلفة، استثناءً من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية، بقرار من مجلس الوزراء.
كان لرئيس خلية المتابعة في مكتب رئيس الوزراء حينها، النائب الحالي مصطفى جبار سند، دور كبير في صدور هذا القرار، قبل أن يصدر لاحقاً قرار أوسع يمنح هذا الحق لعموم المحافظين، والوزراء، ورؤساء الهيئات، والجهات غير المرتبطة بوزارة.
توالت بعدها المكاسب، فصادقت وزارة التخطيط على خطة مشاريع كبرى لصالح محافظة البصرة، شملت قطاعات مختلفة، تبعتها وزارة المالية بإطلاق التمويل اللازم لتنفيذها.
ومع تدفق الأموال وبدء المشاريع، شهدت البصرة ما يشبه نهضة عمرانية وخدمية واسعة في مختلف مناطقها، ترافق ذلك مع حملة إعلامية واسعة النطاق امتدحت إنجازات العيداني، ورفعت من شعبيته على المستويين المحلي والوطني، رغم اتهامات وجهت إليه بالفساد الإداري والمالي.
لكن تلك الإنجازات عزّزت صورته في الرأي العام، ليُشار إليه بالبنان بوصفه مثالاً للمسؤول التنفيذي الناجح، وهو ما دفع عدداً من الشخصيات السياسية والإعلامية إلى ترشيحه لتشكيل الحكومة بعد استقالة رئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي، في 30 تشرين الثاني 2019، في أعقاب تظاهرات تشرين.
ورغم ترشيحه من قبل كتلة البناء النيابية، لم يُكلَّف العيداني بتشكيل الحكومة، وذهب التكليف في نهاية المطاف إلى مصطفى الكاظمي.
بعد ذلك، أسس العيداني حزباً سياسياً انخرط ضمن “تحالف تصميم”، وخاض به الانتخابات النيابية عام 2021، ليحصد خمسة مقاعد عن محافظة البصرة.
لكن العيداني قدّم استقالته من مجلس النواب قبل أداء اليمين الدستورية، ليفتح الطريق أمام صعود المرشح البديل، علاء الحيدري.

لم يكن بإمكانه هذه المرة تكرار ما فعله في انتخابات 2018، حين احتفظ بمنصب المحافظ دون التنازل رسمياً عن مقعده النيابي، بسبب التعديلات القانونية التي حالت دون ذلك.
وباستقالته، انخفض رصيد “تحالف تصميم” إلى أربعة مقاعد.
وبعد انسحاب نواب التيار الصدري الـ73 من البرلمان، ارتفع رصيد التحالف إلى سبعة مقاعد، إثر فوز ثلاثة من مرشحيه بمقاعد بديلة.
لاحقاً، انشق النائب علي المشكور عن التحالف، وانضم إلى تحالف دولة القانون، وأنشقت النائبة سارة الصالحي، وانضمت الى كتلة صادقون، ليستقر عدد مقاعد “تحالف تصميم” عند خمسة حتى اليوم.
في انتخابات مجالس المحافظات عام 2023، خاض “تحالف تصميم” المنافسة بقوة، ليحصد 12 مقعداً من أصل 23 في مجلس محافظة البصرة، ما منحه أغلبية مريحة.
وبعد انتخاب العيداني مجدداً محافظاً للبصرة، عزّز موقعه على رأس السلطة التنفيذية في المحافظة، ليبدو أكثر رسوخاً من أي وقت مضى.
وبات العيداني، بخطى واثقة، يسير على طريق الزعامة.
وإذا ما قرر خوض الانتخابات النيابية المقبلة -المقررة في تشرين الثاني المقبل- بمرشحين عن عموم المحافظات، وليس البصرة فقط، فقد يصبح لاعباً سياسياً على مستوى وطني، بقاعدة شعبية تمتد إلى ما هو أبعد من الجنوب.