مقاتلات F-16 العراقية.. فخر سلاح الجو الذي تحوّل إلى قطع غيار 

ميزر كمال

03 تموز 2025

مقاتلات F-16، فخر سلاح الجو العراقي، ظهرت بقوة في معارك داعش والاستعراضات العسكرية، لكنها تواجه منذ سنوات أزمة صيانة وفساد أدّت إلى تفكيك بعضها لتوفير قطع غيار، ما جعل 80 بالمئة من السرب خارج الخدمة.. كيف تحولت مقاتلات عسكرية مهمة إلى طائرات للاستعراض العسكري فقط؟

“هذه الطائرات ستساعد في توفير السيادة الجوية للعراق، وحماية أراضيه، وردع أو مواجهة التهديدات الإقليمية”. تعليق فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، كان أول تصريح رسمي على صفقة طائرات F-16 التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة عام 2011. 

منذ عام 2008، بدأت رغبة لدى النظام العراقي الجديد بشراء 96 طائرة F-16، لكن هذه الرغبة وإن استمرّت؛ لكنّها انخفضت إلى توقيع عقد مع واشنطن لشراء 36 مقاتلة، كان من المفترض أن تكون “حجر الأساس” للتعاون المستقبلي بين بغداد وواشنطن في “دعم تنمية العراق الآمنة والسلمية والديمقراطية”، كما كانت تقول واشنطن. 

في ذلك الوقت، 2008، أجرى علي الأعرجي، العميد في سلاح الجو العراقي مناورة في إحدى الطائرات بقاعدة لوك الجوية، في ولاية أريزونا، لم تكن تلك مجرّد جولة في طائرة، لقد كانت بالنسبة للأعرجي حلماً يتحقق، “كان حلمي أن أطير بطائرة F-16، وقد تحقق”. 

الصفقة قضت أن يتسلّم العراق مقاتلات F-16 على دفعتين، الأولى تصل عام 2014، وتتكون من 18 طائرة، ثمَّ الدفعة الثانية التي ستكتمل في عام 2019، وهذا ما لم يتحقق، لأن الولايات المتحدة أخّرت تسليم المقاتلات لحكومة نوري المالكي بعد اجتياح تنظيم “داعش” لمساحات كبيرة من العراق، وبرّرت واشنطن التأخير بالخشية من وصول مقاتلي التنظيم إلى “التكنلوجيا العسكرية المتطورة”، وكذلك مخاوف الولايات المتحدة من سلوك حكومة نوري المالكي في الولاية الثانية، وهذا تسبب بأزمة وخلاف دبلوماسي بين حكومة المالكي والإدارة الأمريكية في حينها. 

قيمة العقد في دفعته الأولى كانت ثلاثة مليارات دولار، يرتفع إلى 4.2 مليار دولار إذا أُضيفت قطع الغيار وخدمات الصيانة الإضافية، أما قيمة الدفعة الثانية من العقد فقد بلغت 2.3 مليار دولار، وهكذا وصل عقد شراء 36 طائرة F-16 إلى 6.5 مليار دولار، في واحدة من أغلى الصفقات العسكرية لهذا النوع من المقاتلات. 

لماذا هذه الصفقة تعدّ الأغلى؟ لأنها ببساطة تضمنت بيع طائرات “منخفضة الكلفة” مع قيود صارمة على المميزات القتالية، بسعر هو أعلى حتى من سعر مقاتلات F-35، الأكثر تطوراً وحداثة، فالمقاتلة F-16 منخفضة الكلفة اشترتها بغداد من واشنطن بأكثر من 165 مليون دولار للطائرة الواحدة، بينما (في ذلك الوقت) كان سعر المقاتلة الأكثر تطوراً من طراز F-35، يبلغ 154 مليون دولار. 

بحسب صحيفة التايم، فإن وزارة الدفاع الأمريكية نفسها توقفت عن شراء F-16 منذ منتصف التسعينيات، وكانت تشتريها من الشركات المصنعة لها بسعر متوسطه 17 مليون دولار، لكنها توقفت عن شراء هذا النوع منذ ذلك الوقت، لأنها بدأت بالتحول إلى برنامج طائرات الجيل الخامس من F-35، وكذلك طائرات (F-22 Raptor). 

الطائرات لم تصل جميعها إلى العراق، فقد خسر سلاح الجو العراقي مقاتلتين وطيارين اثنين، بحوادث تحطّم خلال التدريبات في الولايات المتحدة، الحادثة الأولى عام 2015، ثم حادثة ثانية في العام التالي، لينخفض عدد الطائرات إلى 34 مقاتلة. 

التدهور 

كذلك في عام 2020، ظهرت المشاكل بطريقة أكثر دراماتيكية، عندما انسحب عشرات المتعاقدين الأمريكيين من قاعدة بلد، بعد تهديدات فصائل عراقية موالية لإيران باستهداف الوجود الأمريكي وقوات التحالف الدولي، بضغط من إيران. 

أدى هذا التوتر، وهذه الانسحابات للخبراء الأمريكيين التابعين لشركة لوكهيد مارتن (المصنّعة لطائرات F-16 العراقية)، إلى تدهور سرب المقاتلات، وإيقاف مشاركته في طلعات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. 

في 6 كانون الثاني 2021، احتفل الجيش العراقي بمئوية تأسيسه، وشاركت في الاحتفال 23 مقاتلة F-16 كانت حتى ذلك الوقت تعد “فخر سلاح الجو العراقي” وأكثر أصوله القتالية تطوراً، وكانت مشاركة المقاتلات في العرض الجوي بحضور القائد العام للقوات المسلحة (آنذاك كان مصطفى الكاظمي). 

لكنّ ذلك الاستعراض، وعدد المقاتلات التي ظهرت فيه، فيه دلالات عن جهوزية السرب التاسع في سلاح القوة الجوية العراقية، أليس عدد طائرات السرب 34 مقاتلة؟ أين بقية طائرات F-16 العراقية؟ 

اقرأ أيضاً

“داعش يستخدم الطاقة الشمسية.. إنها مؤامرة!” 

بحسب تقارير اعتمدت على شهادات ضباط كبار في سلاح الجو العراقي، فإن سرب مقاتلات F-16 يعاني بشدة، وأن سبع طائرات فقط من أصل 34 تستطيع التحليق بدون خطر كبير من التحطم، ولتأمين قطع الغيار اللازمة لتشغيل وإدامة المقاتلات، لجأ الجيش العراقي إلى ما يسمّى بـ (Cannibalization)، أي تفكيك عدد من الطائرات وتحويلها إلى قطع غيار من أجل إبقاء العدد الآخر في الخدمة. 

بعد يوم واحد من الاستعراض العسكري في مئوية الجيش، نشر موقع (Scramble – Dutch Aviation Society) المتخصص بالطيران والمقاتلات العسكرية تقريراً عن سرب مقاتلات F-16 العراقية، ووفقاً للموقع فإنّه من بين 34 مقاتلة تابعة للسرب التاسع، المتمركز في قاعدة بلد الجوية، هناك ما لا يقل عن 10 طائرات غير قادرة على الطيران مطلقاً.  

كما أن أكثر من 50 بالمئة من الطائرات الـ23 التي شاركت في الاستعراض “قادرة فقط على الطيران”، وتفتقر إلى رادارات وأنظمة إلكترونية لتشغيل الأسلحة، وتعاني من نواقص أخرى. “في المعايير الغربية، لا يُسمح لهذه الطائرات بالتحليق أساساً”. 

امتلاك مقاتلات متطورة مثل F-16 يتطلب التزامات مالية ولوجستية مستمرة تتعلق بالتشغيل والصيانة على مدى عمرها التشغيلي الذي يقدّر ما بين 20 – 30 سنة، وهذه الكلفة العالية تعد تحدياً سنوياً لميزانية الجيش العراقي.  

عام 2018 منحت وزارة الدفاع الأمريكية عقداً لشركة Sallyport Global  بقيمة400   مليون دولار، ولعام واحد، من أجل تقديم الدعم التشغيلي والتدريبي والأمني لقاعدة بلد الجوية وبرنامج مقاتلات F-16 العراقية. 

قبل ذلك بعامين، تحديداً نهاية حزيران 2016، حصل العراق على قرض بقيمة 2.7 مليار دولار من الولايات المتحدة، لتمويل شراء الذخيرة وصيانة مقاتلات F-16 والدبابات وغيرها من المعدات العسكرية المستخدمة في الحرب ضد تنظيم “داعش”. 

حينها قالت السفارة الأمريكية في بغداد أن أمام العراق ثماني سنوات وستة أشهر لتسديد القرض، تشمل سنة واحدة فترة سماح، على أن يكون معدل الفائدة 6.45 بالمئة. 

يضم برنامج طائرات F-16 في العراق أكثر من 4000 آلاف موظف، وهذا يجعله من أكثر برامج التسليح العراقية كلفةً بمعدل سنوي، حيث استمر التعاقد مع شركات أمريكية مثل ساليبورت ولوكهيد مارتن، لتوفير قطع الغيار والصيانة وتدريب الطواقم، وفي إحدى عقود الدعم اللاحقة بلغت الكلفة السنوية نحو 130 مليون دولار، لتقديم خدمات الإسناد والصيانة لطائرات F-16 العراقية. 

واجهت مقاتلاتF-16  العراقية منذ دخولها الخدمة تحديات في الحفاظ على جهوزيتها القتالية، في أواخر 2020 على سبيل المثال، انخفضت جهوزية السرب التاسع (المشغّل لطائرات F-16) إلى أقل من 20 بالمئة. 

اعترف ضباط عراقيون، بوجود “سوء إدارة في برامج الصيانة”، وخلل في الالتزام بمعايير سلامة الطيران، أدى إلى تعطل الطائرات بمعدلات أعلى من المتوقع، وخروج عدد منها عن الخدمة. 

الأسباب الأخرى 

الفساد والإهمال وانعدام الخبرة، أسباب أخرى لانهيار السرب التاسع في قاعدة بلد الجوية، ففي أب 2020، نشر موقع Iraq Oil Report تقريراً تضمن شهادات لضباط وطيارين عراقيين في قاعدة بلد، وكذلك تضمن شهادات لمسؤولين وموظفين تابعين لشركة Sallyport التي ربحت عقد صيانة برنامج المقاتلات وبناه التحتية، كشفوا عن عمليات فساد منظمة تجري داخل القاعدة وفي السرب التاسع. 

من عمليات الفساد التي ذكرها الضباط والطيارون هو تقليص طاقم الصيانة الأرضي للمقاتلات، من أربعة أفراد إلى شخص واحد فقط، وهذا أدى إلى فشل في تأمين طائرة F-16 بعد إيقافها عقب طلعة جوية، ونتيجة لذلك، انزلقت الطائرة واصطدمت بمركبة صيانة، مما تسبب بأضرار جسيمة في مقدمة الطائرة، وتحديداً في “أنف الطائرة”. 

كذلك كشف تقريرIraq Oil Report عن تزوير سجلات الطلعات الجوية، لتضخيم عدد الطلعات التدريبية، وبالتالي سرقة الوقود المخصص لهذه الطلعات وبيعه في السوق السوداء، يُعرف هذا الوقود باسم (JP-8)، وهو وقود كيروسيني عالي النقاء، وله خصائص حرارية دقيقة. 

كذلك فإنّ واحدة من نقاط ضعف برنامج مقاتلاتF-16، هي اعتماده بشكل كامل على سلسلة التوريد الأمريكية في الحصول على قطع الغيار واللوجستيات اللازمة، فمثلاً، جميع عمليات الشراء والعقود تتم عبر برنامج FMS الأمريكي، وبموافقة الإدارة الأمريكية.  

يعني هذا أن أي تأخير، إداري أو سياسي في واشنطن، يؤثر بشكل مباشر على توفير لوازم الصيانة في قاعدة بلد الجوية، وبالفعل واجه العراق وما يزال يواجه مثل هذه المشاكل، مثل تأخير توريد حواضن الاستطلاعDB-110 ، التي تعاقد عليها منذ 2012، ولم تُسلّم أي منها حتى الآن، بسبب عراقيل في إجراءات التسليم. 

كما أن جزء من قطع الغيار “الحساسة”، تخضع لقيود التصدير ولا تُشحن إلا بوجود متعاقدين أمريكيين لتركيبها، وعندما خرج هؤلاء المتعاقدون نهاية 2020، لم يكن لدى الجانب العراقي إمكانية الاتصال الفني بشركات التصنيع للحصول على قطع غيار أو إرشادات صيانة. 

اقرأ أيضاً

وثائق تشتبه بتمويل مصرف ألماني لـ”داعش” في العراق: ملايين تدفقت لـ”المناطق المُحتلة”

مشكلة أخرى يواجهها البرنامج، وهي قلّة عدد الطيارين العراقيين لهذه المقاتلات، إذ درب العراق 40 طياراً لقيادة مقاتلات F-16، وهذا يعني طيارين (على الأكثر)، لكل طائرة، وهو أقل من المعدل العملياتي المطلوب لقيادة مثل هذه المقاتلات، ذلك أن النسبة المطلوبة هي توفّر ثلاثة طيارين لكل طائرة لضمان المناوبة وتلافي الإنهاك البدني للطيارين. 

الفنيون العراقيون المتخصصون بصيانة المقاتلات؛ يمكنهم فقط إجراء المهام البسيطة، مثل فحص الطيران، وتغيير الذخائر، والخدمات الأرضية، بينما الإصلاحات العميقة والتشغيل المحركات وأنظمة المقاتلة الإلكترونية، فهي إمّا تُرسل إلى الولايات المتحدة أو تتولاها فرق أمريكية متنقلة.  

الرقابة والقيود الصارمة على برنامج المقاتلات العراقية، كان هاجساً لدى الولايات المتحدة من قبل التوقيع على العقد، فقد خضع العقد للتدقيق من قبل الكونغرس الأمريكي، لضمان ألا تنتقل هذه التكنولوجيا لدول “غير مرغوبة”، وعلى هذا الأساس، فُرضت شروط مثل عدم تزويد الطائرات بصواريخ بعيدة المدى (AMRAAM)، أو قنابل ذكية قد تخل بتوازن القوى الإقليمي، وأُدخلت تعديلات برمجية تحد من القدرات القتالية للطائرات، ولم يكن أمام الحكومة العراقية (برئاسة نوري المالكي آنذاك) إلا الموافقة على هذه الشروط لإتمام الصفقة. 

بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن السرب التاسع، لا يمكنه إجراء إي مناورة قتالية حقيقية من دون ربطه بأجهزة اتصال التحالف الدولي، وهذا يتطلب صيانة دائمة وتدريب مستمر، وهذه بدورها تتطلب عقود جديدة مع الولايات المتحدة لتوريد قطع الغيار والأجهزة الضرورية لإبقاء سرب المقاتلات في الخدمة، لكنّ هذا يواجه تحديات تتعلق بحسن الإدارة، وتوفير ميزانية سنوية لازمة لبقاء هذا السرب على قيد الطيران والقتال. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

“هذه الطائرات ستساعد في توفير السيادة الجوية للعراق، وحماية أراضيه، وردع أو مواجهة التهديدات الإقليمية”. تعليق فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، كان أول تصريح رسمي على صفقة طائرات F-16 التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة عام 2011. 

منذ عام 2008، بدأت رغبة لدى النظام العراقي الجديد بشراء 96 طائرة F-16، لكن هذه الرغبة وإن استمرّت؛ لكنّها انخفضت إلى توقيع عقد مع واشنطن لشراء 36 مقاتلة، كان من المفترض أن تكون “حجر الأساس” للتعاون المستقبلي بين بغداد وواشنطن في “دعم تنمية العراق الآمنة والسلمية والديمقراطية”، كما كانت تقول واشنطن. 

في ذلك الوقت، 2008، أجرى علي الأعرجي، العميد في سلاح الجو العراقي مناورة في إحدى الطائرات بقاعدة لوك الجوية، في ولاية أريزونا، لم تكن تلك مجرّد جولة في طائرة، لقد كانت بالنسبة للأعرجي حلماً يتحقق، “كان حلمي أن أطير بطائرة F-16، وقد تحقق”. 

الصفقة قضت أن يتسلّم العراق مقاتلات F-16 على دفعتين، الأولى تصل عام 2014، وتتكون من 18 طائرة، ثمَّ الدفعة الثانية التي ستكتمل في عام 2019، وهذا ما لم يتحقق، لأن الولايات المتحدة أخّرت تسليم المقاتلات لحكومة نوري المالكي بعد اجتياح تنظيم “داعش” لمساحات كبيرة من العراق، وبرّرت واشنطن التأخير بالخشية من وصول مقاتلي التنظيم إلى “التكنلوجيا العسكرية المتطورة”، وكذلك مخاوف الولايات المتحدة من سلوك حكومة نوري المالكي في الولاية الثانية، وهذا تسبب بأزمة وخلاف دبلوماسي بين حكومة المالكي والإدارة الأمريكية في حينها. 

قيمة العقد في دفعته الأولى كانت ثلاثة مليارات دولار، يرتفع إلى 4.2 مليار دولار إذا أُضيفت قطع الغيار وخدمات الصيانة الإضافية، أما قيمة الدفعة الثانية من العقد فقد بلغت 2.3 مليار دولار، وهكذا وصل عقد شراء 36 طائرة F-16 إلى 6.5 مليار دولار، في واحدة من أغلى الصفقات العسكرية لهذا النوع من المقاتلات. 

لماذا هذه الصفقة تعدّ الأغلى؟ لأنها ببساطة تضمنت بيع طائرات “منخفضة الكلفة” مع قيود صارمة على المميزات القتالية، بسعر هو أعلى حتى من سعر مقاتلات F-35، الأكثر تطوراً وحداثة، فالمقاتلة F-16 منخفضة الكلفة اشترتها بغداد من واشنطن بأكثر من 165 مليون دولار للطائرة الواحدة، بينما (في ذلك الوقت) كان سعر المقاتلة الأكثر تطوراً من طراز F-35، يبلغ 154 مليون دولار. 

بحسب صحيفة التايم، فإن وزارة الدفاع الأمريكية نفسها توقفت عن شراء F-16 منذ منتصف التسعينيات، وكانت تشتريها من الشركات المصنعة لها بسعر متوسطه 17 مليون دولار، لكنها توقفت عن شراء هذا النوع منذ ذلك الوقت، لأنها بدأت بالتحول إلى برنامج طائرات الجيل الخامس من F-35، وكذلك طائرات (F-22 Raptor). 

الطائرات لم تصل جميعها إلى العراق، فقد خسر سلاح الجو العراقي مقاتلتين وطيارين اثنين، بحوادث تحطّم خلال التدريبات في الولايات المتحدة، الحادثة الأولى عام 2015، ثم حادثة ثانية في العام التالي، لينخفض عدد الطائرات إلى 34 مقاتلة. 

التدهور 

كذلك في عام 2020، ظهرت المشاكل بطريقة أكثر دراماتيكية، عندما انسحب عشرات المتعاقدين الأمريكيين من قاعدة بلد، بعد تهديدات فصائل عراقية موالية لإيران باستهداف الوجود الأمريكي وقوات التحالف الدولي، بضغط من إيران. 

أدى هذا التوتر، وهذه الانسحابات للخبراء الأمريكيين التابعين لشركة لوكهيد مارتن (المصنّعة لطائرات F-16 العراقية)، إلى تدهور سرب المقاتلات، وإيقاف مشاركته في طلعات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. 

في 6 كانون الثاني 2021، احتفل الجيش العراقي بمئوية تأسيسه، وشاركت في الاحتفال 23 مقاتلة F-16 كانت حتى ذلك الوقت تعد “فخر سلاح الجو العراقي” وأكثر أصوله القتالية تطوراً، وكانت مشاركة المقاتلات في العرض الجوي بحضور القائد العام للقوات المسلحة (آنذاك كان مصطفى الكاظمي). 

لكنّ ذلك الاستعراض، وعدد المقاتلات التي ظهرت فيه، فيه دلالات عن جهوزية السرب التاسع في سلاح القوة الجوية العراقية، أليس عدد طائرات السرب 34 مقاتلة؟ أين بقية طائرات F-16 العراقية؟ 

اقرأ أيضاً

“داعش يستخدم الطاقة الشمسية.. إنها مؤامرة!” 

بحسب تقارير اعتمدت على شهادات ضباط كبار في سلاح الجو العراقي، فإن سرب مقاتلات F-16 يعاني بشدة، وأن سبع طائرات فقط من أصل 34 تستطيع التحليق بدون خطر كبير من التحطم، ولتأمين قطع الغيار اللازمة لتشغيل وإدامة المقاتلات، لجأ الجيش العراقي إلى ما يسمّى بـ (Cannibalization)، أي تفكيك عدد من الطائرات وتحويلها إلى قطع غيار من أجل إبقاء العدد الآخر في الخدمة. 

بعد يوم واحد من الاستعراض العسكري في مئوية الجيش، نشر موقع (Scramble – Dutch Aviation Society) المتخصص بالطيران والمقاتلات العسكرية تقريراً عن سرب مقاتلات F-16 العراقية، ووفقاً للموقع فإنّه من بين 34 مقاتلة تابعة للسرب التاسع، المتمركز في قاعدة بلد الجوية، هناك ما لا يقل عن 10 طائرات غير قادرة على الطيران مطلقاً.  

كما أن أكثر من 50 بالمئة من الطائرات الـ23 التي شاركت في الاستعراض “قادرة فقط على الطيران”، وتفتقر إلى رادارات وأنظمة إلكترونية لتشغيل الأسلحة، وتعاني من نواقص أخرى. “في المعايير الغربية، لا يُسمح لهذه الطائرات بالتحليق أساساً”. 

امتلاك مقاتلات متطورة مثل F-16 يتطلب التزامات مالية ولوجستية مستمرة تتعلق بالتشغيل والصيانة على مدى عمرها التشغيلي الذي يقدّر ما بين 20 – 30 سنة، وهذه الكلفة العالية تعد تحدياً سنوياً لميزانية الجيش العراقي.  

عام 2018 منحت وزارة الدفاع الأمريكية عقداً لشركة Sallyport Global  بقيمة400   مليون دولار، ولعام واحد، من أجل تقديم الدعم التشغيلي والتدريبي والأمني لقاعدة بلد الجوية وبرنامج مقاتلات F-16 العراقية. 

قبل ذلك بعامين، تحديداً نهاية حزيران 2016، حصل العراق على قرض بقيمة 2.7 مليار دولار من الولايات المتحدة، لتمويل شراء الذخيرة وصيانة مقاتلات F-16 والدبابات وغيرها من المعدات العسكرية المستخدمة في الحرب ضد تنظيم “داعش”. 

حينها قالت السفارة الأمريكية في بغداد أن أمام العراق ثماني سنوات وستة أشهر لتسديد القرض، تشمل سنة واحدة فترة سماح، على أن يكون معدل الفائدة 6.45 بالمئة. 

يضم برنامج طائرات F-16 في العراق أكثر من 4000 آلاف موظف، وهذا يجعله من أكثر برامج التسليح العراقية كلفةً بمعدل سنوي، حيث استمر التعاقد مع شركات أمريكية مثل ساليبورت ولوكهيد مارتن، لتوفير قطع الغيار والصيانة وتدريب الطواقم، وفي إحدى عقود الدعم اللاحقة بلغت الكلفة السنوية نحو 130 مليون دولار، لتقديم خدمات الإسناد والصيانة لطائرات F-16 العراقية. 

واجهت مقاتلاتF-16  العراقية منذ دخولها الخدمة تحديات في الحفاظ على جهوزيتها القتالية، في أواخر 2020 على سبيل المثال، انخفضت جهوزية السرب التاسع (المشغّل لطائرات F-16) إلى أقل من 20 بالمئة. 

اعترف ضباط عراقيون، بوجود “سوء إدارة في برامج الصيانة”، وخلل في الالتزام بمعايير سلامة الطيران، أدى إلى تعطل الطائرات بمعدلات أعلى من المتوقع، وخروج عدد منها عن الخدمة. 

الأسباب الأخرى 

الفساد والإهمال وانعدام الخبرة، أسباب أخرى لانهيار السرب التاسع في قاعدة بلد الجوية، ففي أب 2020، نشر موقع Iraq Oil Report تقريراً تضمن شهادات لضباط وطيارين عراقيين في قاعدة بلد، وكذلك تضمن شهادات لمسؤولين وموظفين تابعين لشركة Sallyport التي ربحت عقد صيانة برنامج المقاتلات وبناه التحتية، كشفوا عن عمليات فساد منظمة تجري داخل القاعدة وفي السرب التاسع. 

من عمليات الفساد التي ذكرها الضباط والطيارون هو تقليص طاقم الصيانة الأرضي للمقاتلات، من أربعة أفراد إلى شخص واحد فقط، وهذا أدى إلى فشل في تأمين طائرة F-16 بعد إيقافها عقب طلعة جوية، ونتيجة لذلك، انزلقت الطائرة واصطدمت بمركبة صيانة، مما تسبب بأضرار جسيمة في مقدمة الطائرة، وتحديداً في “أنف الطائرة”. 

كذلك كشف تقريرIraq Oil Report عن تزوير سجلات الطلعات الجوية، لتضخيم عدد الطلعات التدريبية، وبالتالي سرقة الوقود المخصص لهذه الطلعات وبيعه في السوق السوداء، يُعرف هذا الوقود باسم (JP-8)، وهو وقود كيروسيني عالي النقاء، وله خصائص حرارية دقيقة. 

كذلك فإنّ واحدة من نقاط ضعف برنامج مقاتلاتF-16، هي اعتماده بشكل كامل على سلسلة التوريد الأمريكية في الحصول على قطع الغيار واللوجستيات اللازمة، فمثلاً، جميع عمليات الشراء والعقود تتم عبر برنامج FMS الأمريكي، وبموافقة الإدارة الأمريكية.  

يعني هذا أن أي تأخير، إداري أو سياسي في واشنطن، يؤثر بشكل مباشر على توفير لوازم الصيانة في قاعدة بلد الجوية، وبالفعل واجه العراق وما يزال يواجه مثل هذه المشاكل، مثل تأخير توريد حواضن الاستطلاعDB-110 ، التي تعاقد عليها منذ 2012، ولم تُسلّم أي منها حتى الآن، بسبب عراقيل في إجراءات التسليم. 

كما أن جزء من قطع الغيار “الحساسة”، تخضع لقيود التصدير ولا تُشحن إلا بوجود متعاقدين أمريكيين لتركيبها، وعندما خرج هؤلاء المتعاقدون نهاية 2020، لم يكن لدى الجانب العراقي إمكانية الاتصال الفني بشركات التصنيع للحصول على قطع غيار أو إرشادات صيانة. 

اقرأ أيضاً

وثائق تشتبه بتمويل مصرف ألماني لـ”داعش” في العراق: ملايين تدفقت لـ”المناطق المُحتلة”

مشكلة أخرى يواجهها البرنامج، وهي قلّة عدد الطيارين العراقيين لهذه المقاتلات، إذ درب العراق 40 طياراً لقيادة مقاتلات F-16، وهذا يعني طيارين (على الأكثر)، لكل طائرة، وهو أقل من المعدل العملياتي المطلوب لقيادة مثل هذه المقاتلات، ذلك أن النسبة المطلوبة هي توفّر ثلاثة طيارين لكل طائرة لضمان المناوبة وتلافي الإنهاك البدني للطيارين. 

الفنيون العراقيون المتخصصون بصيانة المقاتلات؛ يمكنهم فقط إجراء المهام البسيطة، مثل فحص الطيران، وتغيير الذخائر، والخدمات الأرضية، بينما الإصلاحات العميقة والتشغيل المحركات وأنظمة المقاتلة الإلكترونية، فهي إمّا تُرسل إلى الولايات المتحدة أو تتولاها فرق أمريكية متنقلة.  

الرقابة والقيود الصارمة على برنامج المقاتلات العراقية، كان هاجساً لدى الولايات المتحدة من قبل التوقيع على العقد، فقد خضع العقد للتدقيق من قبل الكونغرس الأمريكي، لضمان ألا تنتقل هذه التكنولوجيا لدول “غير مرغوبة”، وعلى هذا الأساس، فُرضت شروط مثل عدم تزويد الطائرات بصواريخ بعيدة المدى (AMRAAM)، أو قنابل ذكية قد تخل بتوازن القوى الإقليمي، وأُدخلت تعديلات برمجية تحد من القدرات القتالية للطائرات، ولم يكن أمام الحكومة العراقية (برئاسة نوري المالكي آنذاك) إلا الموافقة على هذه الشروط لإتمام الصفقة. 

بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن السرب التاسع، لا يمكنه إجراء إي مناورة قتالية حقيقية من دون ربطه بأجهزة اتصال التحالف الدولي، وهذا يتطلب صيانة دائمة وتدريب مستمر، وهذه بدورها تتطلب عقود جديدة مع الولايات المتحدة لتوريد قطع الغيار والأجهزة الضرورية لإبقاء سرب المقاتلات في الخدمة، لكنّ هذا يواجه تحديات تتعلق بحسن الإدارة، وتوفير ميزانية سنوية لازمة لبقاء هذا السرب على قيد الطيران والقتال.