السياحة في جزيرة الطيب: جنة للاسترخاء والألغام
12 أيلول 2024
رحلة طويلة من بغداد إلى جزيرة الطيب في ميسان لاستكشاف التخييم والسياحة الداخلية.. كيف تتحول جزيرة تلمع تحت الشمس كالذهب إلى جنة للاسترخاء محاطة بالألغام؟
في رحلة استغرقت خمس ساعات، انطلقنا من بغداد حتى ميسان. كان الطريق خارجياً يخلو من أي علامة للحياة، إذ لا توجد أي محطة للتوقف ولا مكان لتناول الطعام أو أي حمامات عمومية.
كان طريقنا مُعبد حين تركنا بغداد، لكنه بدأ يصبح ترابياً كلما اقتربنا من ميسان. يُسمى الطريق بالنيسمي، لأنه تشكل نتيجة مرور السيارات عليه، وليس لأنه طريق جرى تخطيطه فعلياً.
لم يكن الطريق خلاباً، ولم تلتقط ذاكرتي اي مشهد مميز. تجرُّد الطريق من كل شيء جعله مُتعِباً، إذ لا شيء يملئ وقت الرحلة، ولا شيء أراه سِوى الرمال التي امتدت على مساحات واسعة من الطريق.
من بغداد وصلنا إلى مركز ميسان، العمارة، ومن ثم توجهنا لشارع الطيب، الذي يقودنا لوجهتنا، جزيرة الطيب، شمال شرق ميسان.
إضافة إلى الفريق المسؤول، رافقنا ثلاثة من سكان الجزيرة.
وعلى الرغم من أنهم من أهل المنطقة، لكنهم بدأوا يرتادون الجزيرة أكثر خلال الأعوام الماضية، مما ساعدهم على معرفة تاريخ الجزيرة.
خلال الرحلة، أخبرونا عن تاريخ المكان وطبيعته، وحذرونا من الألغام.
كان تنوع المكان ساحراً، إذ تمزج بين الجبال والتلال والوديان والمناطق الرملية. أدهشني جمال المكان وتنوعه، حاولت أن أحتفظ بأكبر قدر من التفاصيل في ذاكرتي لأتذكره. إذ تمتزج الرمال بالمناطق الخضراء، وتحيط أحياناً بالمسطحات المائية التي تتشكل شتاءً.
أثناء النهار، نمضي وقتنا بالتجول في الجزيرة بعيداً عن الأماكن الملغومة، إذ نصعد السهول الخضراء أو الرملية، ونزور المسطحات المائية.
تمتاز المسطحات المائية في المنطقة بصفاء مائها. إذ لم يكن من الصعب أن نرى انعاكسنا على الماء. تكثر المستنقعات المائية بأحجام متنوعة جرّاء الأمطار في فصل الشتاء. تكون المستنقعات مؤقتة بسبب نفاذية التربة العالية في المنطقة. على ضفافها تنتشر مختلف النباتات، منها الصحراوي الشوكي ومنها الأزهار البرية. تنتشر كذلك الكثير من الأشجار حول ضفاف المسطحات المائية، والتي توفر ظلاً يسمح بالبقاء قرب الماء والاستمتاع به.
لا يقتصر جمال الجزيرة على وقت النهار فقط، ففي الليل، تكون الطبيعة خلابة. إذ نُشعل ناراً صغيرة للإنارة ونتجمع حولها، مع صفاء السماء ووضوح بعض النجوم حولنا، ما يضفي طابعاً شاعرياً على المكان.
يجلب الفريق الخيم والفراش وكامل التجهيزات من بغداد فيتم اخراجها من السيارات. الخيم متوسطة الحجم (تكفي شخصين)، مصنوعة من النايلون المضاد للماء وفيها فتحات تهوية.
تحتوي الخيمة على لمبات داخلية لغرض الإنارة، وتساعد اللمبات في إضاءة التجمع أيضاً إذا ما كانت جميع لمبات الخيم مفتوحة.
أما الفرش فيكون عبارة عن مراتب تقليدية قطنية “جودليات” نظيفة.
بطبعيعة الحال، النظافة والتخييم لا يجتمعان بالكامل، لذا نقوم عادةً بجلب شراشف ووجوه للوسائد للنظافة الشخصية عند التخييم، لكن الفرش المتوفرة كانت نظيفة إذ لا علامات عليها ولا رائحة كريهة. نجهز مستلزمات شخصية أخرى من شأنها مساعدتنا للحفاظ على نظافتنا في العراء، فنجلب المناديل الرطبة والصابون وقناني المياه المعدنية والمناديل العادية معنا.
يوفر الفريق المسؤول عن الرحلة حماماً متنقلاً يحضرونه من بغداد، ويتم تثبيته ما أن نصل لمكان تخييمنا. لا يمكن لحمام في العراء أن يكون مريحاً، لكنه كان مناسباً.
كان الحمام على شكل خيمة مثلثة متوسطة الحجم وبعيدة عن خيم النوم.
نظراً لبعد المكان وانعزاله، يجلب الفريق مياه للشرب وللاستخدام وللطبخ من بغداد لأن الجزيرة تفتقر للمياه الصالحة للاستخدام.
محمية طبيعية أم حقل ألغام؟
أصبح الطيب قضاء إدارياً في الثمانينات، وهو من المناطق الحدودية في محافظة ميسان شرق مدينة العمارة جنوب العراق.
يمتد القضاء على الحدود العراقية الإيرانية، وهو أول المحميات الطبيعية حددتها وزارة البيئة، ويمتاز بتنوع تضاريسه وطبيعته الجبلية المذهلة خصوصاً في فصلي الشتاء والربيع، وتنوع الثروة الحيوانية.
تشتهر الجزيرة بالأحجار والحصى المنتشرة على أرضها، حيث يتم جمعها ونقلها لاستخدامها في البناء ويطلق عليها “سبّيس”.
يمر في المنطقة نهران هما نهر “الطيب” ونهر “الدويريج” يصبان من المرتفعات الجبلية الإيرانية باتجاه العراق مروراً بمنطقتي الدويريج والطيب ودخولاً الى “هور السلام” ثم “هور العظيم” وهو الجزء الجنوب الشرقي من “هور الحويزة”.
لا تخلو جزيرة الطيب من المعوقات التي تمنع السائح من زيارتها بصورة طبيعية وآمنة، أهمها بقاء حقول الألغام والمقذوفات الحربية من مخلفات الحرب العراقية الإيرانية منذ الثمانينات إلى يومنا هذا في مناطق كثيرة منها.
تمتد حقول الألغام بمساحات كبيرة بمحاذاة الشريط الحدودي الشرقي في محافظة ميسان بدءاً من منطقة “الشيب” مروراً بمنطقة “دويريج” ثم منطقة “الطيب” ووصولاً إلى منطقة زرباطية في محافظة واسط.
تقدر مساحة المناطق الخطرة الملوثة بالألغام والمقذوفات الحربية بحسب احصائية “هيئة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية” للمدة (2004-2019) بمساحة 70439896 م² من مجموع مساحة محافظة ميسان. تبلغ مساحة محافظة ميسان 16072 كم² وتم رفع الخطر عما يقارب 278975837 م² من المساحة الكلية للمحافظة ويتم العمل على تنظيف 1948497 م² من المساحة الكلية.
يقول أحمد صالح نعمة، ناشط وخبير بيئي من محافظة ميسان، بخصوص المبادرات الحكومية لإزالة الألغام “يوجد الكثير من المفاتحات القائمة من قيادة قوات الحدود والبيئة الى الحكومة المركزية في بغداد والوعود لا تزال قائمة إلا أن لا شيء يذكر كعمل فعلي”.
هذه المشكلة تشكل خطورة كبيرة على السواح والسكان المحليين وحتى على الثروة الحيوانية.
ضحايا الجزيرة
قد يبدو الذهاب للسياحة في مكان ملغوم للبعض مخيفاً ومقلقاً أو مثيراً. بالنسبة لي كانت مغامرة. شعرت بخليطٍ من البهجة لرؤية أرضٍ بهذا الجمال والحزن لحرماننا من التمتع بها بحرية دون غصّة الحروب وآثارها.
لم يخيفني وجود الألغام نظراً لذهابي مع جهة موثوقة وذات خبرة.
عند وصولنا، شرح الدليل كل التحذيرات الضرورية، أهمها عدم سير السواح بمفردهم عشوائياً خارج منطقة التخييم حفظاً لسلامتهم.
يقول أحمد عودة -رحّال وأحد مؤسسي فريق “وين” السياحي-، “كثر من السكان والسائحين الذين قصدوا المنطقة دون دليل سياحي أو معلومات كافية عن المنطقة صاروا ضحايا للألغام”.
لا يوجد حوادث معروفة، إذ تتناقل كل الحوادث عن سكان الطيب نفسهم، ويذكر عودة أن حقول الألغام كانت تحتوي على علامات تحذيرية دالّة على وجودها، ولكن معظمها اختفى نتيجة للظروف البيئية وعوامل التعرية ووعورة المنطقة، ما أسفر عن وجود الكثير من المناطق الملغومة المجهولة بالنسبة للسائح المحلي.
الشاهد الوحيد على وجود الالغام حالياً هو الأسلاك المحيطة للأماكن التي تتواجد فيها الألغام.
انعدام الخدمات اللوجستية
بحسب فريق “وين” السياحي، يوجد تعاون من قبل الجهات الأمنية وباقي القطاعات المعنية في استحصال الموافقات الأمنية للمجموعات السياحية، قد تأخذ العملية بعض الوقت، ولكنها تتم بتعاون من قبل هذه الجهات. وتعتمد سياقات الحصول على الموافقات على المعارف والعلاقات بالغالب، حيث يقومون بالاتصال بمن يقوم بتوجيههم بالجهة المعنية ومن ثم التنسيق والذي يختلف عادة باختلاف المنطقة وظروفها.
رغم ذلك، يمكن لأي شخص أن يزور الجزيرة، لكن الهدف من الموافقات للإبلاغ وتأمين المجموعة في حال واجهت المجموعة أي مشكلة أثناء الزيارة.
يواجه القطاع السياحي ومنظمي الرحلات السياحية الصعوبات أثناء تنظيم الرحلات داخل العراق وخاصة المناطق الحدودية كجزيرة الطيب. يقول أحمد عودة “من عوائق تنظيم هذه الرحلات، مشكلة الألغام وكذلك مشكلة الطرق حيث تكون الطرق غير معبدة ووعرة. تفتقر المنطقة لكل الخدمات من مطاعم وفنادق وحمامات عمومية. المنطقة غير مستثمرة سياحياً كمحمية طبيعية مسجلة لدى الوزارات المختصة”، كما ذكر بأنه لا يوجد أي مبادرة واضحة من قبل الجهات المعنية لاستثمار المنطقة أو جعلها مؤهلة للسياحة.
تضطر الشركات والمجموعات السياحية كفريق “وين” السياحي إلى توفير الدعم اللوجستي لهذه الرحلات من طعام وشراب وحمامات متنقلة وحتى الفراش لتوفير تجربة ناجحة للمسافرين قدر الإمكان للتعرف على مناطق العراق السياحية غير المأهولة كجزيرة الطيب.
تستغرق رحلات التخييم ليلتين مبيت بأقصى حد، وقد لا تناسب تجربة التخييم جميع الأفراد بسبب غياب الخدمات، مما يجعله عائقاً آخر يحول بين السائح وقدرته على زيارة المنطقة.
ويضيف أحمد عودة في هذا الصدد، “من المشاكل التي عانى منها الفريق وما زال يعاني منها سواء في مدينة العمارة أو غيرها هو قلة توفر الفنادق الصالحة لجذب السياح سواء المحليين أو الأجانب”، مستدركاً “في حال توفرها تكون أما بتكلفة عالية على السائح قياساً بسعر الرحلة ككل أو تكون غير مناسبة أو صالحة لاستقبال الوفود السياحية”.
الثروة الحيوانية في الطيب
المنطقة غنية بالحيوانات من الغزلان والأغنام والذئاب والزواحف والطيور المتنوعة كالصقور والطير الحر وطيور القطا والحباري وطائر السمّان. توجد بعض الطيور من الفصائل المهددة بالانقراض في جزيرة الطيب، من فصائل الصقور وطائر الحبار والعديد من انواع الطيور المهاجرة التي يتم اصطيادها في موسم الهجرة.
تعيش هذه الحيوانات في بيئة غير آمنة، ويقول أحمد عودة “لا نعرف إذا وقعت أي حوادث للحيوانات نتيجة الألغام، ولكن المنطقة تتعرض لعمليات صيد جائر وغير مرخص وبعضهم مرخص وسواء كانوا مرخصين أم لا فيفترض ان يتم تقنين عمليات الصيد في هذه المنطقة كونها محمية طبيعية”.
يروي عودة أنه بالإضافة الى الصيد فإن بعض تلك الحيوانات مهددة بالانقراض نتيجة التغير المناخي وما يسببه من نقص المياه وغيره.
يضيف أحمد صالح “شهدت المنطقة حوادث لبعض رعاة الأغنام وحيواناتهم، ولكن ما نخشاه بشكل رئيسي هو تعرض الثروة الحيوانية الطبيعية للحوادث كالغزلان”.
“يمكن للأغنام يمكن أن يوجهها الراعي باتجاهات معينة، ولكن الحيوانات البرية هي التي تتحرك بحرية وبشكل عشوائي وطبيعي، على اعتبار انه موطنها الطبيعي”.
يقول نعمة أن هذه الحيوانات هي التي تتضرر نتيجة الألغام بشكل أكبر.
أثناء تخييمنا لم نشاهد أي صيادين، يعود السبب لتوقيت الرحلة. إذ ذهبنا أثناء عيد الفطر، وأكد لي أحد السكان أن الصيادين لا يأتون في الأعياد. رغم ذلك، أثناء تجوالي في الجزيرة رأيت رصاص بندقيات الصيد.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
دكتاتورية وذكورية: التمثيل النسائي في البرلمان العراقي
08 أكتوبر 2024
العلاقات العراقية الصينية: محصلة الماضي والحاضر ورهان المستقبل
06 أكتوبر 2024
معضلة الزعامة الدينية عند سنة العراق: لماذا لم يصنعوا مرجعية؟
04 أكتوبر 2024
الرئيس الإيراني في بغداد: زيارة بزشكيان "السياحية" إلى العراق
01 أكتوبر 2024
في رحلة استغرقت خمس ساعات، انطلقنا من بغداد حتى ميسان. كان الطريق خارجياً يخلو من أي علامة للحياة، إذ لا توجد أي محطة للتوقف ولا مكان لتناول الطعام أو أي حمامات عمومية.
كان طريقنا مُعبد حين تركنا بغداد، لكنه بدأ يصبح ترابياً كلما اقتربنا من ميسان. يُسمى الطريق بالنيسمي، لأنه تشكل نتيجة مرور السيارات عليه، وليس لأنه طريق جرى تخطيطه فعلياً.
لم يكن الطريق خلاباً، ولم تلتقط ذاكرتي اي مشهد مميز. تجرُّد الطريق من كل شيء جعله مُتعِباً، إذ لا شيء يملئ وقت الرحلة، ولا شيء أراه سِوى الرمال التي امتدت على مساحات واسعة من الطريق.
من بغداد وصلنا إلى مركز ميسان، العمارة، ومن ثم توجهنا لشارع الطيب، الذي يقودنا لوجهتنا، جزيرة الطيب، شمال شرق ميسان.
إضافة إلى الفريق المسؤول، رافقنا ثلاثة من سكان الجزيرة.
وعلى الرغم من أنهم من أهل المنطقة، لكنهم بدأوا يرتادون الجزيرة أكثر خلال الأعوام الماضية، مما ساعدهم على معرفة تاريخ الجزيرة.
خلال الرحلة، أخبرونا عن تاريخ المكان وطبيعته، وحذرونا من الألغام.
كان تنوع المكان ساحراً، إذ تمزج بين الجبال والتلال والوديان والمناطق الرملية. أدهشني جمال المكان وتنوعه، حاولت أن أحتفظ بأكبر قدر من التفاصيل في ذاكرتي لأتذكره. إذ تمتزج الرمال بالمناطق الخضراء، وتحيط أحياناً بالمسطحات المائية التي تتشكل شتاءً.
أثناء النهار، نمضي وقتنا بالتجول في الجزيرة بعيداً عن الأماكن الملغومة، إذ نصعد السهول الخضراء أو الرملية، ونزور المسطحات المائية.
تمتاز المسطحات المائية في المنطقة بصفاء مائها. إذ لم يكن من الصعب أن نرى انعاكسنا على الماء. تكثر المستنقعات المائية بأحجام متنوعة جرّاء الأمطار في فصل الشتاء. تكون المستنقعات مؤقتة بسبب نفاذية التربة العالية في المنطقة. على ضفافها تنتشر مختلف النباتات، منها الصحراوي الشوكي ومنها الأزهار البرية. تنتشر كذلك الكثير من الأشجار حول ضفاف المسطحات المائية، والتي توفر ظلاً يسمح بالبقاء قرب الماء والاستمتاع به.
لا يقتصر جمال الجزيرة على وقت النهار فقط، ففي الليل، تكون الطبيعة خلابة. إذ نُشعل ناراً صغيرة للإنارة ونتجمع حولها، مع صفاء السماء ووضوح بعض النجوم حولنا، ما يضفي طابعاً شاعرياً على المكان.
يجلب الفريق الخيم والفراش وكامل التجهيزات من بغداد فيتم اخراجها من السيارات. الخيم متوسطة الحجم (تكفي شخصين)، مصنوعة من النايلون المضاد للماء وفيها فتحات تهوية.
تحتوي الخيمة على لمبات داخلية لغرض الإنارة، وتساعد اللمبات في إضاءة التجمع أيضاً إذا ما كانت جميع لمبات الخيم مفتوحة.
أما الفرش فيكون عبارة عن مراتب تقليدية قطنية “جودليات” نظيفة.
بطبعيعة الحال، النظافة والتخييم لا يجتمعان بالكامل، لذا نقوم عادةً بجلب شراشف ووجوه للوسائد للنظافة الشخصية عند التخييم، لكن الفرش المتوفرة كانت نظيفة إذ لا علامات عليها ولا رائحة كريهة. نجهز مستلزمات شخصية أخرى من شأنها مساعدتنا للحفاظ على نظافتنا في العراء، فنجلب المناديل الرطبة والصابون وقناني المياه المعدنية والمناديل العادية معنا.
يوفر الفريق المسؤول عن الرحلة حماماً متنقلاً يحضرونه من بغداد، ويتم تثبيته ما أن نصل لمكان تخييمنا. لا يمكن لحمام في العراء أن يكون مريحاً، لكنه كان مناسباً.
كان الحمام على شكل خيمة مثلثة متوسطة الحجم وبعيدة عن خيم النوم.
نظراً لبعد المكان وانعزاله، يجلب الفريق مياه للشرب وللاستخدام وللطبخ من بغداد لأن الجزيرة تفتقر للمياه الصالحة للاستخدام.
محمية طبيعية أم حقل ألغام؟
أصبح الطيب قضاء إدارياً في الثمانينات، وهو من المناطق الحدودية في محافظة ميسان شرق مدينة العمارة جنوب العراق.
يمتد القضاء على الحدود العراقية الإيرانية، وهو أول المحميات الطبيعية حددتها وزارة البيئة، ويمتاز بتنوع تضاريسه وطبيعته الجبلية المذهلة خصوصاً في فصلي الشتاء والربيع، وتنوع الثروة الحيوانية.
تشتهر الجزيرة بالأحجار والحصى المنتشرة على أرضها، حيث يتم جمعها ونقلها لاستخدامها في البناء ويطلق عليها “سبّيس”.
يمر في المنطقة نهران هما نهر “الطيب” ونهر “الدويريج” يصبان من المرتفعات الجبلية الإيرانية باتجاه العراق مروراً بمنطقتي الدويريج والطيب ودخولاً الى “هور السلام” ثم “هور العظيم” وهو الجزء الجنوب الشرقي من “هور الحويزة”.
لا تخلو جزيرة الطيب من المعوقات التي تمنع السائح من زيارتها بصورة طبيعية وآمنة، أهمها بقاء حقول الألغام والمقذوفات الحربية من مخلفات الحرب العراقية الإيرانية منذ الثمانينات إلى يومنا هذا في مناطق كثيرة منها.
تمتد حقول الألغام بمساحات كبيرة بمحاذاة الشريط الحدودي الشرقي في محافظة ميسان بدءاً من منطقة “الشيب” مروراً بمنطقة “دويريج” ثم منطقة “الطيب” ووصولاً إلى منطقة زرباطية في محافظة واسط.
تقدر مساحة المناطق الخطرة الملوثة بالألغام والمقذوفات الحربية بحسب احصائية “هيئة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية” للمدة (2004-2019) بمساحة 70439896 م² من مجموع مساحة محافظة ميسان. تبلغ مساحة محافظة ميسان 16072 كم² وتم رفع الخطر عما يقارب 278975837 م² من المساحة الكلية للمحافظة ويتم العمل على تنظيف 1948497 م² من المساحة الكلية.
يقول أحمد صالح نعمة، ناشط وخبير بيئي من محافظة ميسان، بخصوص المبادرات الحكومية لإزالة الألغام “يوجد الكثير من المفاتحات القائمة من قيادة قوات الحدود والبيئة الى الحكومة المركزية في بغداد والوعود لا تزال قائمة إلا أن لا شيء يذكر كعمل فعلي”.
هذه المشكلة تشكل خطورة كبيرة على السواح والسكان المحليين وحتى على الثروة الحيوانية.
ضحايا الجزيرة
قد يبدو الذهاب للسياحة في مكان ملغوم للبعض مخيفاً ومقلقاً أو مثيراً. بالنسبة لي كانت مغامرة. شعرت بخليطٍ من البهجة لرؤية أرضٍ بهذا الجمال والحزن لحرماننا من التمتع بها بحرية دون غصّة الحروب وآثارها.
لم يخيفني وجود الألغام نظراً لذهابي مع جهة موثوقة وذات خبرة.
عند وصولنا، شرح الدليل كل التحذيرات الضرورية، أهمها عدم سير السواح بمفردهم عشوائياً خارج منطقة التخييم حفظاً لسلامتهم.
يقول أحمد عودة -رحّال وأحد مؤسسي فريق “وين” السياحي-، “كثر من السكان والسائحين الذين قصدوا المنطقة دون دليل سياحي أو معلومات كافية عن المنطقة صاروا ضحايا للألغام”.
لا يوجد حوادث معروفة، إذ تتناقل كل الحوادث عن سكان الطيب نفسهم، ويذكر عودة أن حقول الألغام كانت تحتوي على علامات تحذيرية دالّة على وجودها، ولكن معظمها اختفى نتيجة للظروف البيئية وعوامل التعرية ووعورة المنطقة، ما أسفر عن وجود الكثير من المناطق الملغومة المجهولة بالنسبة للسائح المحلي.
الشاهد الوحيد على وجود الالغام حالياً هو الأسلاك المحيطة للأماكن التي تتواجد فيها الألغام.
انعدام الخدمات اللوجستية
بحسب فريق “وين” السياحي، يوجد تعاون من قبل الجهات الأمنية وباقي القطاعات المعنية في استحصال الموافقات الأمنية للمجموعات السياحية، قد تأخذ العملية بعض الوقت، ولكنها تتم بتعاون من قبل هذه الجهات. وتعتمد سياقات الحصول على الموافقات على المعارف والعلاقات بالغالب، حيث يقومون بالاتصال بمن يقوم بتوجيههم بالجهة المعنية ومن ثم التنسيق والذي يختلف عادة باختلاف المنطقة وظروفها.
رغم ذلك، يمكن لأي شخص أن يزور الجزيرة، لكن الهدف من الموافقات للإبلاغ وتأمين المجموعة في حال واجهت المجموعة أي مشكلة أثناء الزيارة.
يواجه القطاع السياحي ومنظمي الرحلات السياحية الصعوبات أثناء تنظيم الرحلات داخل العراق وخاصة المناطق الحدودية كجزيرة الطيب. يقول أحمد عودة “من عوائق تنظيم هذه الرحلات، مشكلة الألغام وكذلك مشكلة الطرق حيث تكون الطرق غير معبدة ووعرة. تفتقر المنطقة لكل الخدمات من مطاعم وفنادق وحمامات عمومية. المنطقة غير مستثمرة سياحياً كمحمية طبيعية مسجلة لدى الوزارات المختصة”، كما ذكر بأنه لا يوجد أي مبادرة واضحة من قبل الجهات المعنية لاستثمار المنطقة أو جعلها مؤهلة للسياحة.
تضطر الشركات والمجموعات السياحية كفريق “وين” السياحي إلى توفير الدعم اللوجستي لهذه الرحلات من طعام وشراب وحمامات متنقلة وحتى الفراش لتوفير تجربة ناجحة للمسافرين قدر الإمكان للتعرف على مناطق العراق السياحية غير المأهولة كجزيرة الطيب.
تستغرق رحلات التخييم ليلتين مبيت بأقصى حد، وقد لا تناسب تجربة التخييم جميع الأفراد بسبب غياب الخدمات، مما يجعله عائقاً آخر يحول بين السائح وقدرته على زيارة المنطقة.
ويضيف أحمد عودة في هذا الصدد، “من المشاكل التي عانى منها الفريق وما زال يعاني منها سواء في مدينة العمارة أو غيرها هو قلة توفر الفنادق الصالحة لجذب السياح سواء المحليين أو الأجانب”، مستدركاً “في حال توفرها تكون أما بتكلفة عالية على السائح قياساً بسعر الرحلة ككل أو تكون غير مناسبة أو صالحة لاستقبال الوفود السياحية”.
الثروة الحيوانية في الطيب
المنطقة غنية بالحيوانات من الغزلان والأغنام والذئاب والزواحف والطيور المتنوعة كالصقور والطير الحر وطيور القطا والحباري وطائر السمّان. توجد بعض الطيور من الفصائل المهددة بالانقراض في جزيرة الطيب، من فصائل الصقور وطائر الحبار والعديد من انواع الطيور المهاجرة التي يتم اصطيادها في موسم الهجرة.
تعيش هذه الحيوانات في بيئة غير آمنة، ويقول أحمد عودة “لا نعرف إذا وقعت أي حوادث للحيوانات نتيجة الألغام، ولكن المنطقة تتعرض لعمليات صيد جائر وغير مرخص وبعضهم مرخص وسواء كانوا مرخصين أم لا فيفترض ان يتم تقنين عمليات الصيد في هذه المنطقة كونها محمية طبيعية”.
يروي عودة أنه بالإضافة الى الصيد فإن بعض تلك الحيوانات مهددة بالانقراض نتيجة التغير المناخي وما يسببه من نقص المياه وغيره.
يضيف أحمد صالح “شهدت المنطقة حوادث لبعض رعاة الأغنام وحيواناتهم، ولكن ما نخشاه بشكل رئيسي هو تعرض الثروة الحيوانية الطبيعية للحوادث كالغزلان”.
“يمكن للأغنام يمكن أن يوجهها الراعي باتجاهات معينة، ولكن الحيوانات البرية هي التي تتحرك بحرية وبشكل عشوائي وطبيعي، على اعتبار انه موطنها الطبيعي”.
يقول نعمة أن هذه الحيوانات هي التي تتضرر نتيجة الألغام بشكل أكبر.
أثناء تخييمنا لم نشاهد أي صيادين، يعود السبب لتوقيت الرحلة. إذ ذهبنا أثناء عيد الفطر، وأكد لي أحد السكان أن الصيادين لا يأتون في الأعياد. رغم ذلك، أثناء تجوالي في الجزيرة رأيت رصاص بندقيات الصيد.