نساءٌ داخل سوح الفتاوى: "مرفوضات وأصواتهن تشوّه الدين"
10 أيلول 2024
تُمنعُ النساء من إبرام عقد نكاحٍ بين طرفين راغبين بالزواج في إقليم كردستان، لكن هلالة وسميّة يرفضن المنع، ويحاولن إبراز إجازة العلوم الشرعية التي حصلن عليها كدليل على معرفتهن... عن نساءٍ داخل سوح الفتاوى يرفضهن الرجال وتتحيّر بشأنهن النساء
“الإسلام لم يمنع النساء من إبرام عقد النكاح (بين شخصين راغبين بالزواج).. بل علماء الدين من الرجال منعوا النساء من أداء هذه المهمة، واحتكروها لهم”، تقول سمية محمود (40 عاماً)، التي حصلت على إجازة العلوم الشرعية الإسلامية من منظمة اتحاد الأخوات الإسلامي الكردستاني، لتؤدي دور الناصحة، والمفتية الدينية، التي تقدم المشورة لنساء كثر في شؤون دينهنّ.
رغم حصولها على شهادة البكالوريوس في العلوم الدينية، والتي تخولها بإبرام عقد نكاحٍ بين طرفين راغبين بالزواج، لكن لم يطلب منها يوماً إبرام مثل هذا العقد أسوة بشيوخ الدين الرجال، لذا فهي مُكتفية حالياً بتوعية النساء دينياً.
دراسة ثماني سنوات وإجازة غير قانونية
حصلت نساء عديدات في كردستان على إجازة العلوم الشرعية الإسلامية في إقليم كردستان من منظمة اتحاد الأخوات الإسلامي الكردستاني، التي تأسست عام 1994، وهي تابعة لحزب الاتحاد الكردستاني الإسلامي.
أثار حصول هؤلاء النساء على الإجازة جدلاً كبيراً، حيث عدّ رجال الدين الأمر مخالفاً لأعراف المجتمع، مستهجنين أن تعمل امرأة كواعظة دينية وتقوم بأدوارهم سواء في الحياة الاجتماعية أو الدينية.
بيد أن نساء كثراً رحبن بهذه الخطوة ووجدن أن من حق سمية ومثيلاتها خدمة الدين، وأداء دورهن فيه كما الرجال.
تدرس النساء التابعات لحزب الإتحاد الإسلامي الكردستاني، في مدرسة تابعة لمنظمة اتحاد الأخوات الإسلامي الكردستاني، لمدة ست سنواتٍ على يد أساتذة معروفين في مجال الشريعة، كانوا قد حصلوا على إجازاتهم من وزارة الأوقاف في الإقليم، والتي خولتهم بتدريس كافة التخصصات الدينية.
يشرف الدكتور أحمد الشافعي تحديداً على هذه الدورات، وهو شخصية دينية معروفة في إقليم كردستان، ويحمل شهادة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن، فضلاً عن أساتذة مختصين بعلوم الدين الاسلامي.
ولا تحصل النساء على الإجازة العلمية والدينية التي تجيز لهن ممارسة دورهنّ كمفتيات وواعظات إلا إذا بلغ معدلهن الدراسي 70 بالمئة، وإلا فتعتبر راسبة، كما تقول سمية. بعدها تمارس كل واحدة منهن ما تعلمته بشكل تطبيقي لمدة عامين.
“خلال السنوات الثمانية هذه درسنا قراءة القرآن والتجويد، والنحو والصرف، والبلاغة والمنطق، وعلوم القرآن، وتفسير القرآن، والتركيز على تفسير سورتي النور والنساء (لأنهما تتضمنان كل الأحكام الدينية الخاصة بالنساء)، ودراسة الفقه وأصوله، والحديث النبوي وعلومه، فضلاً عن دورس خاصة متعلقة بالنساء منها: تحرر المرأة، أي الأحاديث الشريفة، والآيات الكريمة؛ المعنيّة بتقدير المرأة، واحترامها في ديانتنا الإسلامية، وأهمية تفعيل دور المرأة في مجتمعنا”، تشرح سمية.
ومع أنهن يقضين قرابة العقد في تحصيل العلم الديني، إلا أن وزارة الأوقاف في إقليم كردستان تصنف شهادات هؤلاء النساء بأنها غير رسمية، بادعاء أنها “تمنح لهن من جهات حزبية وسياسية، تحاول التوغل في أوساط النساء، والتأثير عليهن بهدف الكسب الحزبي تحت غطاء ديني”، وفق مريوان نقشبندي، الخبير في الشؤون الدينية ومدير سابق في وزارة أوقاف إقليم كردستان.
بشكل عام، يُمنح الدارسون لعلوم الدين والشريعة نوعين من الإجازات العلمية والدينية، وفقاً للنقشبندي؛ الأولى تصنف بأنها إجازة رسمية، متبناة من وزارة الأوقاف في الإقليم، بناءً على قرار صادر من برلمان إقليم كردستان. وهذه تمنح لكل من درس علوم الدين الإسلامي في التكايا والمساجد، وتحت إشراف علماء دين بارزين يتمتعون بالأهلية الأكاديمية. أما الشروط العلمية التي تحددها وزارة الأوقاف فهي أن “يدرس هؤلاء الطلبة علوم الإسلام والشريعة لست سنوات، وإذا تجاوز معدلهم الـ70 بالمئة تمنحهم الإجازة، ويكونون بمثابة حاصلين على شهادة السادس الإعدادي الإسلامي بشكل رسمي من وزارة الأوقاف”.
أما الإجازة الثانية، على الرغم من مرورها بالمراحل نفسها، لكنها غير رسمية لأنها ممنوحة من قبل الأحزاب الدينية، وغير مسجلة في وزارة الأوقاف، ما يعني أنها “بلا قيمة قانونيا”، كما يؤكد.
وتعمل في إقليم كردستان منظمات نسوية ذات توجهات دينية، وترتبط بالأحزاب السياسية الإسلامية، بالإضافة إلى منظمة اتحاد الأخوات الإسلامي، التي أهلت نساء مثل سمية للعمل في مجال الدين والشريعة بشكل منظم وعلني، هناك منظمة الأخوات الإسلاميات الكردستانية التابعة لجماعة العدل الكردستانية.
تعمل المنظمتان، الاتحاد والمنظمة، في مجال الدعوى الإسلامية والتنمية البشرية، ومكنت العديدات من عضواتها من الفوز بعضوية برلمان إقليم كردستان.
إلى جانب ذلك، فهناك أقسام علمية تدرّس الشريعة الإسلامية في جامعات أربيل ودهوك والسليمانية، وتخرّج سنوياً عشرات الطالبات في هذا المجال.
لكن المجلس الأعلى للإفتاء في إقليم كردستان، التابع لاتحاد علماء الدين الإسلامي في الإقليم، ما يزال يُعد الجهة الرسمية الوحيدة التي تصدر الفتاوى في الإقليم. ويتكون المجلس من عدد كبير من علماء الدين الذكور في الإقليم، الذي لم يشهد حتى الآن دوراً ملحوظاً للنساء في مجال الفتاوى.
“مستحيل أن أصلي خلف امرأة“
يسود بين علماء الدين في الإقليم بأنه لا يجوز للمرأة الإمامة بالمصلين وإلقاء خطبة صلاة الجمعة أو إقامة آذان الصلاة، مبررين ذلك بأنه “لا توجد نصوص شرعية تسمح بذلك”، وفق رجل الدين فلاح حسن طيب.
ومع أن دولاً كثيرة سمحت للنساء بالعمل كـ”المأذونة” إلا أنه لم يسمح للنساء في العراق بممارسة هذه المهنة. “لا يوجد أي دليل أو نص شرعي يشير إلى جواز تولي المرأة إبرام عقد النكاح بين زوجين، كما أن العلماء أجمعوا على أن يكون للمأذون الصفات المشترطة في القاضي، ومن أعظمها أن يكون: مسلماً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً، رشيداً” يقول رجل الدين فلاح.
“شهادة امرأتين في الإسلام تعادل شهادة رجل واحد فقط” يستند رجل الدين لهذا القول، ويرى أن المرأة لا تستطيع أن تؤدي دور الرجل في الحياة. وعلى الرغم من أن فلاح يؤكد أن الدين يحترم النساء، ويحفظ لهن حقوقهن، ويسمح لهن بممارسة دور إرشادي لتوعية النساء في المجتمع الإسلامي، لكن “أي عمل يخالف نصوص الدين هو تشويه للدين وخداع”.
“من المستحيل أن أصلي خلف امرأة، أو أستمع لخطبتها على منبر المسجد خلال صلاة الجمعة، فهذا لا يجوز وغير مقبول، أنه محاولة لتشويه الدين”، يقول خدر محسن وهو مواطن من أهالي دهوك (56 عاماً). ومثله، يرفض سليم سعيد (58 عاماً) من السليمانية أن تؤم امرأة به الصلاة أو أن تقوم بمهام عقد الزواج، كما يجد صعوبة حتى بالاستفسار منها عن القضايا الشرعية، مشيراً إلى أن “هذه المواضيع جديدة على مجتمعنا ولا تتوافق مع أعرافنا ومجتمعنا”.
بيد أن رجالاً عديدين يتوجهون لمفتيات مثل هلالة محمد (35 عاماً)، طلباً للمشورة.
“نحن نرد باستمرار على الأسئلة المقدمة لنا من الرجال في القضايا المتعلقة بالشريعة والمشاكل الاجتماعية، ونعمل على إيجاد حلول لمشاكلهم”، تقول هلالة التي حصلت على شهادة بكالوريوس في علوم الشريعة الإسلامية، ومنحت إجازة من منظمة اتحاد الأخوات الإسلامي الكردستاني في السليمانية عام 2018.
تجربة هلالة خلت من مشاكل في تقديم النصح والتوجيه للرجال أو تلقي الدعم والمساندة من علماء الدين ممن درسوها وزميلاتها العلوم الدينية، وهي التي كانت بين النساء اللواتي تخرجن في الدفعة الأولى التي حصلت على الإجازة العلمية الشرعية بشكل علني، في احتفالية حضرها العديد من قيادات حزب الإتحاد الإسلامي الكردستاني.
لكن احتفالاً آخر أقامه الحزب العام الماضي تحت شعار “الأخت العالمة نجمة ساطعة في المجتمع الإسلامي”، منحت خلاله 14 امرأة إجازة العلوم الشرعية، أثار جدلا كبيراً، إذ رُفض أن يسمح للمرأة القيام بدور يظنه الأغلبية حكراً على رجال الدين.
ليس الرجال فقط، فنساء عديدات يعتقدن أيضاً بأن تقديم النصح والتوجيه الديني محصور بالرجال.
لكن هذا كان دافعاً لدى النساء ممن درسن علوم الشريعة الإسلامية لـ”خوض هذه التجربة.. لكسب ثقة النساء بشكل أوسع خلال الفترة الاخيرة”، تقول سمية. بل وتذهب بعضهن إلى اعتباره أمراً طبيعياً وحقاً تتساوى فيه المرأة مع الرجل، مثل سوما عمر وهي طالبة علوم جامعية في السليمانية (27 عاماً).
ترى هلالة أن غياب المرأة عن خطب الجمعة وصلاة الجماعة، وأماكن العبادة عامة، تسببت بوجود فراغ في الوعي الديني والشرعي لدى النساء بشكل ملحوظ، مردفة أنها تحاول شخصياً ملء هذا الفراغ، بادعاء أن “المرأة الكردية المسلمة بحاجة ملحة للاطلاع على الأمور الدينية والشريعة الإسلامية لتحسين أوضاع أسرتها”.
وتجد النساء مثل هلالة وسمية، أن حصولهن على إجازة العلوم الشرعية مكنتهن من مساعدة النساء في تنظيم حياتهن الدينية والاجتماعية، وحل المشاكل الشخصية والأسرية لهن “كانت خطوة مهمة لمساندة النساء الكرديات المسلمات وحل مشاكلهن” وفق سمية.
النساء ترفع الحرج عن النساء
تتلقى هلالة الكثير من الأسئلة يومياً، على حسابها الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن نشاطها الإذاعي التابع لحزب الإتحاد الإسلامي الكردستاني، وتتحدث للنساء بمختلف القضايا المتعلقة بحياتهن الاجتماعية والدينية، وتقدم لهن أجوبة مستلة من الكتب الدينية، وتجيب على استفساراتهن، وأسئلتهن وفق الشريعة الإسلامية، “أعلّم النساء العلوم الشرعية، وأفتتح دورات خاصة لهن بعلوم الفقه الاسلامي، وتفسير القرآن والحديث النبوي الشريف”.
كما تتصل العديدات بسمية لتكون وسيطاً بينهن وبين زوجها (رجل الدين)، ولكن بعدما حصلت على إجازة علوم الشريعة الإسلامية صرن يوجهن أسئلتهن إليها مباشرة.
تزداد ثقة النساء بالمرشدات، لأن التواصل معهنّ يبدو أسهل، إذ يتلاشى الحرج في طرح أسئلة تخص الدورة الشهرية، أو العلاقة الزوجية، قد تخجل النساء من طرحها على رجال الدين الذكور.
المرأة خير من يتفهم أوضاع نظيراتها من النساء، ما ينعكس بالإيجابية عليهن، على ما يراه جعفر كواني أستاذ العلوم الشرعية في جامعة صلاح الدين بأربيل، ويركز على “ضرورة إشراك النساء المرشدات في اللجان العليا للفتوى في إقليم كردستان؛ للمساهمة بدورهن عند الإفتاء بما يتعلق بالمرأة”.
مساهمة المرأة مع الرجل بإدارة شؤون الدين في المجتمع ليس جديداً، هناك العديد من الكنائس في العالم فيها قساوسة من النساء والرجال، “فما الضير من أن تؤدي المرأة المسلمة لدينا دورها في مجال الدين” تقول الناشطة أزين عبد الخالق.
تفعيل دور المرأة في سوح الدين ضرورة بالنسبة لكثيرات، خاصة وأنه مجالٌ “حكرٌ على الرجال” كما تصفه الناشطة سنور كريم.
تُفسر سنور موقف رجال الدين، بأنهم استخدموا الدين لتحجيم دور المرأة في المجتمع، وتعتقد أن بإمكان النساء اللاتي اقتحمن هذا المجال المساهمة في منع وقوع الظلم على نظيراتهن باسم الدين، وكذلك تخليصهن من استغلال بعض رجال الدين، كما حدث مع امرأة أرملة مع رجل دين معروف في أربيل، كانت قد وجهت سؤالاً شرعيا له عبر سناب شات، عرض عليها “زواج المسيار” دون موافقة أهلها، حيث قال لها “لست بحاجة لموافقة أهلك لكونها راشدة”.
وبعد أن أقام علاقة جنسية معها، اختفى وأبلغها عن طريق صديق له بأنها طالق. تقول السيدة في حديثها إن الشيخ أبلغها في اتصال هاتفي لاحق بينهما انه طلق نساء أخريات بنفس هذه الطريقة.
المفتيات في كردستان.. خدمة للنساء أم ترويج للإسلام السياسي؟
تُخرّج الجامعات المختصة بالشريعة الإسلامية نساءً كُثراً، تنخرط بعضهن في مجال الوعظ والتوجيه الديني، لكن الإجازات الممنوحة للمفتيات المنتميات إلى جهاتٍ حزبية، توصف بأنها مشاريع داعمة للإسلام السياسي لا أكثر.
“هذه المنظمات تحاول التوغل في أوساط النساء والفتيات بغطاء ديني؛ للتأثير عليهن عاطفياً، وكسبهن في صفوفهن، خصوصا اللواتي لم تتجاوز أعمارهن سن الثامنة عشرة، كونها مرحلة عمرية حساسة تتخذ بعض الفتيات فيها قرارات عاطفية بعيدة عن العقلانية”، تقول الناشطة السياسية زري نوزاد.
وتذهب نوزاد إلى الاعتقاد أن هذه الفعاليات أقرب للاستعراض السياسي مما يتعلق بخدمة المجتمع.
تواجه النساء المقتحمات لسوح الفتاوى أمثال هلالة وسمية رفضاً كبيراً، إذ يعتقد أنهن جزء من صفقة إسلامٍ سياسي، وأن مهمتهنّ هي إيلاج فكر حزبيّ ما في صفوف النساء بذريعة الدين، لكن ظاهرة عمل النساء في مجال الدين ليست حديثة كما تبدو، إذ يشير كتاب “المرأة الكردية ودورها في الحديث الشريف” إلى وجود أكثر من 68 محدثة كردية، في الفترة ما بين 6 – 9 هجرية/ 12 – 15 ميلادية، مثل ست الأهل الشهرزوري، وشهدة الدينورية، وزينب الاسعردي، وغيرهن، ولعبت هؤلاء النساء دوراً بارزا بدراسة الحديث النبوي وتفسيره.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
دكتاتورية وذكورية: التمثيل النسائي في البرلمان العراقي
08 أكتوبر 2024
العلاقات العراقية الصينية: محصلة الماضي والحاضر ورهان المستقبل
06 أكتوبر 2024
معضلة الزعامة الدينية عند سنة العراق: لماذا لم يصنعوا مرجعية؟
04 أكتوبر 2024
الرئيس الإيراني في بغداد: زيارة بزشكيان "السياحية" إلى العراق
01 أكتوبر 2024
“الإسلام لم يمنع النساء من إبرام عقد النكاح (بين شخصين راغبين بالزواج).. بل علماء الدين من الرجال منعوا النساء من أداء هذه المهمة، واحتكروها لهم”، تقول سمية محمود (40 عاماً)، التي حصلت على إجازة العلوم الشرعية الإسلامية من منظمة اتحاد الأخوات الإسلامي الكردستاني، لتؤدي دور الناصحة، والمفتية الدينية، التي تقدم المشورة لنساء كثر في شؤون دينهنّ.
رغم حصولها على شهادة البكالوريوس في العلوم الدينية، والتي تخولها بإبرام عقد نكاحٍ بين طرفين راغبين بالزواج، لكن لم يطلب منها يوماً إبرام مثل هذا العقد أسوة بشيوخ الدين الرجال، لذا فهي مُكتفية حالياً بتوعية النساء دينياً.
دراسة ثماني سنوات وإجازة غير قانونية
حصلت نساء عديدات في كردستان على إجازة العلوم الشرعية الإسلامية في إقليم كردستان من منظمة اتحاد الأخوات الإسلامي الكردستاني، التي تأسست عام 1994، وهي تابعة لحزب الاتحاد الكردستاني الإسلامي.
أثار حصول هؤلاء النساء على الإجازة جدلاً كبيراً، حيث عدّ رجال الدين الأمر مخالفاً لأعراف المجتمع، مستهجنين أن تعمل امرأة كواعظة دينية وتقوم بأدوارهم سواء في الحياة الاجتماعية أو الدينية.
بيد أن نساء كثراً رحبن بهذه الخطوة ووجدن أن من حق سمية ومثيلاتها خدمة الدين، وأداء دورهن فيه كما الرجال.
تدرس النساء التابعات لحزب الإتحاد الإسلامي الكردستاني، في مدرسة تابعة لمنظمة اتحاد الأخوات الإسلامي الكردستاني، لمدة ست سنواتٍ على يد أساتذة معروفين في مجال الشريعة، كانوا قد حصلوا على إجازاتهم من وزارة الأوقاف في الإقليم، والتي خولتهم بتدريس كافة التخصصات الدينية.
يشرف الدكتور أحمد الشافعي تحديداً على هذه الدورات، وهو شخصية دينية معروفة في إقليم كردستان، ويحمل شهادة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن، فضلاً عن أساتذة مختصين بعلوم الدين الاسلامي.
ولا تحصل النساء على الإجازة العلمية والدينية التي تجيز لهن ممارسة دورهنّ كمفتيات وواعظات إلا إذا بلغ معدلهن الدراسي 70 بالمئة، وإلا فتعتبر راسبة، كما تقول سمية. بعدها تمارس كل واحدة منهن ما تعلمته بشكل تطبيقي لمدة عامين.
“خلال السنوات الثمانية هذه درسنا قراءة القرآن والتجويد، والنحو والصرف، والبلاغة والمنطق، وعلوم القرآن، وتفسير القرآن، والتركيز على تفسير سورتي النور والنساء (لأنهما تتضمنان كل الأحكام الدينية الخاصة بالنساء)، ودراسة الفقه وأصوله، والحديث النبوي وعلومه، فضلاً عن دورس خاصة متعلقة بالنساء منها: تحرر المرأة، أي الأحاديث الشريفة، والآيات الكريمة؛ المعنيّة بتقدير المرأة، واحترامها في ديانتنا الإسلامية، وأهمية تفعيل دور المرأة في مجتمعنا”، تشرح سمية.
ومع أنهن يقضين قرابة العقد في تحصيل العلم الديني، إلا أن وزارة الأوقاف في إقليم كردستان تصنف شهادات هؤلاء النساء بأنها غير رسمية، بادعاء أنها “تمنح لهن من جهات حزبية وسياسية، تحاول التوغل في أوساط النساء، والتأثير عليهن بهدف الكسب الحزبي تحت غطاء ديني”، وفق مريوان نقشبندي، الخبير في الشؤون الدينية ومدير سابق في وزارة أوقاف إقليم كردستان.
بشكل عام، يُمنح الدارسون لعلوم الدين والشريعة نوعين من الإجازات العلمية والدينية، وفقاً للنقشبندي؛ الأولى تصنف بأنها إجازة رسمية، متبناة من وزارة الأوقاف في الإقليم، بناءً على قرار صادر من برلمان إقليم كردستان. وهذه تمنح لكل من درس علوم الدين الإسلامي في التكايا والمساجد، وتحت إشراف علماء دين بارزين يتمتعون بالأهلية الأكاديمية. أما الشروط العلمية التي تحددها وزارة الأوقاف فهي أن “يدرس هؤلاء الطلبة علوم الإسلام والشريعة لست سنوات، وإذا تجاوز معدلهم الـ70 بالمئة تمنحهم الإجازة، ويكونون بمثابة حاصلين على شهادة السادس الإعدادي الإسلامي بشكل رسمي من وزارة الأوقاف”.
أما الإجازة الثانية، على الرغم من مرورها بالمراحل نفسها، لكنها غير رسمية لأنها ممنوحة من قبل الأحزاب الدينية، وغير مسجلة في وزارة الأوقاف، ما يعني أنها “بلا قيمة قانونيا”، كما يؤكد.
وتعمل في إقليم كردستان منظمات نسوية ذات توجهات دينية، وترتبط بالأحزاب السياسية الإسلامية، بالإضافة إلى منظمة اتحاد الأخوات الإسلامي، التي أهلت نساء مثل سمية للعمل في مجال الدين والشريعة بشكل منظم وعلني، هناك منظمة الأخوات الإسلاميات الكردستانية التابعة لجماعة العدل الكردستانية.
تعمل المنظمتان، الاتحاد والمنظمة، في مجال الدعوى الإسلامية والتنمية البشرية، ومكنت العديدات من عضواتها من الفوز بعضوية برلمان إقليم كردستان.
إلى جانب ذلك، فهناك أقسام علمية تدرّس الشريعة الإسلامية في جامعات أربيل ودهوك والسليمانية، وتخرّج سنوياً عشرات الطالبات في هذا المجال.
لكن المجلس الأعلى للإفتاء في إقليم كردستان، التابع لاتحاد علماء الدين الإسلامي في الإقليم، ما يزال يُعد الجهة الرسمية الوحيدة التي تصدر الفتاوى في الإقليم. ويتكون المجلس من عدد كبير من علماء الدين الذكور في الإقليم، الذي لم يشهد حتى الآن دوراً ملحوظاً للنساء في مجال الفتاوى.
“مستحيل أن أصلي خلف امرأة“
يسود بين علماء الدين في الإقليم بأنه لا يجوز للمرأة الإمامة بالمصلين وإلقاء خطبة صلاة الجمعة أو إقامة آذان الصلاة، مبررين ذلك بأنه “لا توجد نصوص شرعية تسمح بذلك”، وفق رجل الدين فلاح حسن طيب.
ومع أن دولاً كثيرة سمحت للنساء بالعمل كـ”المأذونة” إلا أنه لم يسمح للنساء في العراق بممارسة هذه المهنة. “لا يوجد أي دليل أو نص شرعي يشير إلى جواز تولي المرأة إبرام عقد النكاح بين زوجين، كما أن العلماء أجمعوا على أن يكون للمأذون الصفات المشترطة في القاضي، ومن أعظمها أن يكون: مسلماً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً، رشيداً” يقول رجل الدين فلاح.
“شهادة امرأتين في الإسلام تعادل شهادة رجل واحد فقط” يستند رجل الدين لهذا القول، ويرى أن المرأة لا تستطيع أن تؤدي دور الرجل في الحياة. وعلى الرغم من أن فلاح يؤكد أن الدين يحترم النساء، ويحفظ لهن حقوقهن، ويسمح لهن بممارسة دور إرشادي لتوعية النساء في المجتمع الإسلامي، لكن “أي عمل يخالف نصوص الدين هو تشويه للدين وخداع”.
“من المستحيل أن أصلي خلف امرأة، أو أستمع لخطبتها على منبر المسجد خلال صلاة الجمعة، فهذا لا يجوز وغير مقبول، أنه محاولة لتشويه الدين”، يقول خدر محسن وهو مواطن من أهالي دهوك (56 عاماً). ومثله، يرفض سليم سعيد (58 عاماً) من السليمانية أن تؤم امرأة به الصلاة أو أن تقوم بمهام عقد الزواج، كما يجد صعوبة حتى بالاستفسار منها عن القضايا الشرعية، مشيراً إلى أن “هذه المواضيع جديدة على مجتمعنا ولا تتوافق مع أعرافنا ومجتمعنا”.
بيد أن رجالاً عديدين يتوجهون لمفتيات مثل هلالة محمد (35 عاماً)، طلباً للمشورة.
“نحن نرد باستمرار على الأسئلة المقدمة لنا من الرجال في القضايا المتعلقة بالشريعة والمشاكل الاجتماعية، ونعمل على إيجاد حلول لمشاكلهم”، تقول هلالة التي حصلت على شهادة بكالوريوس في علوم الشريعة الإسلامية، ومنحت إجازة من منظمة اتحاد الأخوات الإسلامي الكردستاني في السليمانية عام 2018.
تجربة هلالة خلت من مشاكل في تقديم النصح والتوجيه للرجال أو تلقي الدعم والمساندة من علماء الدين ممن درسوها وزميلاتها العلوم الدينية، وهي التي كانت بين النساء اللواتي تخرجن في الدفعة الأولى التي حصلت على الإجازة العلمية الشرعية بشكل علني، في احتفالية حضرها العديد من قيادات حزب الإتحاد الإسلامي الكردستاني.
لكن احتفالاً آخر أقامه الحزب العام الماضي تحت شعار “الأخت العالمة نجمة ساطعة في المجتمع الإسلامي”، منحت خلاله 14 امرأة إجازة العلوم الشرعية، أثار جدلا كبيراً، إذ رُفض أن يسمح للمرأة القيام بدور يظنه الأغلبية حكراً على رجال الدين.
ليس الرجال فقط، فنساء عديدات يعتقدن أيضاً بأن تقديم النصح والتوجيه الديني محصور بالرجال.
لكن هذا كان دافعاً لدى النساء ممن درسن علوم الشريعة الإسلامية لـ”خوض هذه التجربة.. لكسب ثقة النساء بشكل أوسع خلال الفترة الاخيرة”، تقول سمية. بل وتذهب بعضهن إلى اعتباره أمراً طبيعياً وحقاً تتساوى فيه المرأة مع الرجل، مثل سوما عمر وهي طالبة علوم جامعية في السليمانية (27 عاماً).
ترى هلالة أن غياب المرأة عن خطب الجمعة وصلاة الجماعة، وأماكن العبادة عامة، تسببت بوجود فراغ في الوعي الديني والشرعي لدى النساء بشكل ملحوظ، مردفة أنها تحاول شخصياً ملء هذا الفراغ، بادعاء أن “المرأة الكردية المسلمة بحاجة ملحة للاطلاع على الأمور الدينية والشريعة الإسلامية لتحسين أوضاع أسرتها”.
وتجد النساء مثل هلالة وسمية، أن حصولهن على إجازة العلوم الشرعية مكنتهن من مساعدة النساء في تنظيم حياتهن الدينية والاجتماعية، وحل المشاكل الشخصية والأسرية لهن “كانت خطوة مهمة لمساندة النساء الكرديات المسلمات وحل مشاكلهن” وفق سمية.
النساء ترفع الحرج عن النساء
تتلقى هلالة الكثير من الأسئلة يومياً، على حسابها الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن نشاطها الإذاعي التابع لحزب الإتحاد الإسلامي الكردستاني، وتتحدث للنساء بمختلف القضايا المتعلقة بحياتهن الاجتماعية والدينية، وتقدم لهن أجوبة مستلة من الكتب الدينية، وتجيب على استفساراتهن، وأسئلتهن وفق الشريعة الإسلامية، “أعلّم النساء العلوم الشرعية، وأفتتح دورات خاصة لهن بعلوم الفقه الاسلامي، وتفسير القرآن والحديث النبوي الشريف”.
كما تتصل العديدات بسمية لتكون وسيطاً بينهن وبين زوجها (رجل الدين)، ولكن بعدما حصلت على إجازة علوم الشريعة الإسلامية صرن يوجهن أسئلتهن إليها مباشرة.
تزداد ثقة النساء بالمرشدات، لأن التواصل معهنّ يبدو أسهل، إذ يتلاشى الحرج في طرح أسئلة تخص الدورة الشهرية، أو العلاقة الزوجية، قد تخجل النساء من طرحها على رجال الدين الذكور.
المرأة خير من يتفهم أوضاع نظيراتها من النساء، ما ينعكس بالإيجابية عليهن، على ما يراه جعفر كواني أستاذ العلوم الشرعية في جامعة صلاح الدين بأربيل، ويركز على “ضرورة إشراك النساء المرشدات في اللجان العليا للفتوى في إقليم كردستان؛ للمساهمة بدورهن عند الإفتاء بما يتعلق بالمرأة”.
مساهمة المرأة مع الرجل بإدارة شؤون الدين في المجتمع ليس جديداً، هناك العديد من الكنائس في العالم فيها قساوسة من النساء والرجال، “فما الضير من أن تؤدي المرأة المسلمة لدينا دورها في مجال الدين” تقول الناشطة أزين عبد الخالق.
تفعيل دور المرأة في سوح الدين ضرورة بالنسبة لكثيرات، خاصة وأنه مجالٌ “حكرٌ على الرجال” كما تصفه الناشطة سنور كريم.
تُفسر سنور موقف رجال الدين، بأنهم استخدموا الدين لتحجيم دور المرأة في المجتمع، وتعتقد أن بإمكان النساء اللاتي اقتحمن هذا المجال المساهمة في منع وقوع الظلم على نظيراتهن باسم الدين، وكذلك تخليصهن من استغلال بعض رجال الدين، كما حدث مع امرأة أرملة مع رجل دين معروف في أربيل، كانت قد وجهت سؤالاً شرعيا له عبر سناب شات، عرض عليها “زواج المسيار” دون موافقة أهلها، حيث قال لها “لست بحاجة لموافقة أهلك لكونها راشدة”.
وبعد أن أقام علاقة جنسية معها، اختفى وأبلغها عن طريق صديق له بأنها طالق. تقول السيدة في حديثها إن الشيخ أبلغها في اتصال هاتفي لاحق بينهما انه طلق نساء أخريات بنفس هذه الطريقة.
المفتيات في كردستان.. خدمة للنساء أم ترويج للإسلام السياسي؟
تُخرّج الجامعات المختصة بالشريعة الإسلامية نساءً كُثراً، تنخرط بعضهن في مجال الوعظ والتوجيه الديني، لكن الإجازات الممنوحة للمفتيات المنتميات إلى جهاتٍ حزبية، توصف بأنها مشاريع داعمة للإسلام السياسي لا أكثر.
“هذه المنظمات تحاول التوغل في أوساط النساء والفتيات بغطاء ديني؛ للتأثير عليهن عاطفياً، وكسبهن في صفوفهن، خصوصا اللواتي لم تتجاوز أعمارهن سن الثامنة عشرة، كونها مرحلة عمرية حساسة تتخذ بعض الفتيات فيها قرارات عاطفية بعيدة عن العقلانية”، تقول الناشطة السياسية زري نوزاد.
وتذهب نوزاد إلى الاعتقاد أن هذه الفعاليات أقرب للاستعراض السياسي مما يتعلق بخدمة المجتمع.
تواجه النساء المقتحمات لسوح الفتاوى أمثال هلالة وسمية رفضاً كبيراً، إذ يعتقد أنهن جزء من صفقة إسلامٍ سياسي، وأن مهمتهنّ هي إيلاج فكر حزبيّ ما في صفوف النساء بذريعة الدين، لكن ظاهرة عمل النساء في مجال الدين ليست حديثة كما تبدو، إذ يشير كتاب “المرأة الكردية ودورها في الحديث الشريف” إلى وجود أكثر من 68 محدثة كردية، في الفترة ما بين 6 – 9 هجرية/ 12 – 15 ميلادية، مثل ست الأهل الشهرزوري، وشهدة الدينورية، وزينب الاسعردي، وغيرهن، ولعبت هؤلاء النساء دوراً بارزا بدراسة الحديث النبوي وتفسيره.