ما هو نوع المدير في العراق؟
31 آب 2024
رصدنا خمسة أنماط من المديرين، قد يكون من المفيد التعرُّف إليهم، إذ من الممكن العثور على أحدهم أثناء قراءة هذه المادة الهادفة إلى إيجاد صيغة لتعريف مديرك، وإيضاح أبرز سماته..
الدبابات الأمريكية تتوغل داخل بغداد المكتظة بالمؤسسات والبشر، تفتح في طريقها المؤسسات لتجعلها عرضة للنهب.
“كل منطقة تصل إليها مدرعة، يهرب حراسها، وتُفتح أبواب المؤسسات فيها للناس بمعاونة القوة العسكرية”، هكذا يصف وليد (58 عاماً) المشهد الذي كان أحد شهوده صبيحة 9 نيسان 2003.
كانت أعمدة الدخان تتصاعد فوق سماء عشرات المؤسسات والمنشآت الحكومية والمصانع والمعامل.
اُفسح المجال أمام الجموع لنهب ما تستطيع، جموع مسلحة بسنوات من الجوع والحرمان، محمية من قبل العساكر التي دخلت، فرحة بسقوط الصنم، هكذا ببساطة تم زج الناس في عمليات التخريب.
هناك مؤسسات أحرقت مرتين، والجنود الأمريكيون كانوا يحثون ويحفزون الناس على النهب قبل عملية الحرق، وهذا ما يتذكره وليد جيداً.
“شاهدت أحد الجنود وهو يضحك يساعد رجلاً مسناً على سحل مغسلة من مؤسسة تاج المعارك في بغداد” يقول لـ”جمّار”.
المواطن الذي دفع الكرسي خارج المؤسسة أو دحرج إطار عجلة لا يملكها ليس له أي ارتباط بتلك الحرائق، ضاعت في تلك اللحظة وأتلفت وأحرقت مئات الآلاف من الوثائق والممتلكات، هذا إضافة للأسلحة التي ملأت الشوارع حين نهبت المؤسسات الأمنية.
سوقت تلك اللحظة الانفعالية على أنها عملية انتقام، انتقام المجتمع من صدام حسين، هكذا رُوج لها، أو أريد لها أن تفهم، وهذا ما يوضحه وليد: “كانت الناس تظن أن هذا انتقام من صدام حسين شخصياً، المواطن لعقود كان يشعر أن هذه أملاكه الشخصية هو وعائلته ومن معه، لذلك اشترك عديد من الناس في التخريب، من أجل استحالة عودته ثانية، تخريب المؤسسات يطيح بصدام نهائياً، هذا الذي كانت تفكر فيه الناس”.
وفي هذا السياق العراقي يُفهم -كما هو شائع- أن عدم نجاح ما تعرف بـ”الانتفاضة الشعبانية” سببه عدم الإطاحة بالمؤسسات، فتماسك المؤسسات في العام 1991 هو الذي جعل صدام يحكم قضبته على الحكم رغم الانهيار الأمني الذي حصل وقتها، وسقوط غالبية الوسط والجنوب بيد معارضيه.
خلال عملية التصفير تلك، وفي أيام الفوضى، بدأت المرحلة الأكثر التباساً وحساسية من تقويض المؤسسات، وهي تصفية الكفاءات تحت ذريعة الانتماء للنظام، قد يكون بعضها فعلاً على صلة بالنظام من الناحية الأيديولوجية، إلا أن القسم الأكبر من الكفاءات العراقية كان يعمل في مؤسسات الدولة وليس له صلة تذكر بالنظام.
المرحلة تلك، تمثلت في عمليات الاغتيال التي طالت عشرات ممن كانوا ركائز في المؤسسات، وامتدت التصفية بين عامي 2003 و2006 بحسب ما تشير البيانات.
أبرز من تم اغتيالهم في تلك المدة د. محمد عبد الله الراوي رئيس جامعة بغداد الذي اغتيل في عيادته في المنصور، وصبري مصطفى البياتي رئيس قسم الجغرافيا في كلية الآداب بجامعة بغداد والذي اغتيل في حزيران 2004، وكاظم طلال حسين معاون عميد كلية التربية الأساسية في الجامعة المستنصرية، وعلي مهاوش عميد كلية الهندسة في الجامعة المستنصرية، وعبد الستار الأسدي معاون عميد كلية التربية في جامعة ديالى، وحسن الربيعي عميد كلية طب الأسنان في جامعة بغداد، ود. عبد الله صاحب الساعدي مدير مستشفى النعمان التعليمي، وسمير يلدا جرجيس معاون عميد كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية، وغيرهم عشرات.
وترجح الإحصاءات غير الرسمية إلى أن عدد من اغتيلوا بسبب مناصبهم السابقة يبلغ نحو 500 شخص، وتشير وثائق ويكيليكس إلى أن “أكثر من 109 آلاف مواطن عراقي قتلوا في الفترة بين 2004 و2009، بمن فيهم 66.081 مدنياً، و23.984 ممن يوصفون بالأعداء”، وهذا الوصف العائم “الأعداء” لم يحدد بالضبط أعداء من، وهل بضمنهم الكفاءات؟ هذا مرجح.
تشير الأرقام إلى أن تدمير المؤسسات تركز في بعضها على حساب أخرى، منها التعليمية، ففي العام 2004 أعلنت وزارة التعليم العالي أن نحو 84 بالمئة من الأبنية الجامعية سرقت ودمرت تماماً خلال الحرب وبعدها، ومن أبرز المؤسسات التي دمرت ونهبت: مبنى الإذاعة والتلفزيون، مبنى دائرة السينما والمسرح، المتحف الوطني العراقي، إضافة لعشرات الدوائر المحلية والمتخصصة بأرشفة الوثائق الرسمية، منها دوائر الجنسية ودوائر التسجيل العقاري والمكتبات والمستشفيات وغيرها.
في 23 أيار من 2003، حُلَّ الجيش العراقي، وتبعاً لذلك، تفككت غالبية المؤسسات المرتبطة به، بضمنها مؤسسات التصنيع العسكري التي كانت بالعشرات، ولحقتها المعسكرات وغيرها.
القرار الذي اعتُرف لاحقاً بأنه كان خطأ، كان بمثابة إعلان عن حياة مؤسساتية جديدة في العراق، حياة سوف ترتبط بالنظام الجديد بدءاً من البعد الرمزي له، ومروراً بلغة الخطاب، وانتهاء بما وصلت إليه هذه المؤسسات مع النظام.
النظام المؤسساتي الجديد كانت ملامحه غير واضحة، ومع زوال ضباب الحرب الطائفية صارت هيكلية عمل الدولة أكثر وضوحاً، ومن أكثر المؤشرات وضوحاً هو ارتباط النظام المؤسساتي الجديد في العراق بالفساد والتوزيع الطائفي للمناصب، وأصبحت المؤسسة حاضنة خصبة لتنظيم عصر اللصوصية المستمر منذ أكثر من عقدين، فيما اعتمد توزيع المناصب على ما بات يعرف في الأدبيات السياسية العراقية بنظام النقاط.
هامش واحد يكفي
بعد حذف المؤسسات البعثية، بدأ النظام المؤسساتي الجديد، وقد أتاح هذا النظام فرصة ذهبية لقفز الفرد من مقعده الحزبي إلى مقعد المدير عبر هامش واحد.
هذه الظاهرة تعد من معوقات بناء المؤسسات العراقية، حيث تمنح الكتل نصيبها، ثم توزع لاحقاً على المستفيدين بناء على الولاء والانتماء.
إخفاق المؤسسات منذ عقدين لا تُحصر أسبابه، فالشخصيات المقربة من النظام ترجح سردية مفادها: أن “هناك عوامل داخلية وخارجية لعدم اكتمال الدولة والخلل في بنائها وهشاشتها”.
انتهت كل هذه الأسباب إلى الهشاشة المؤسساتية، والتي أصبحت هشاشة اقتصادية وأمنية مشخصة من قبل العديد من المنظمات والمتخصصين.
في المقابل، يمكن أن نسأل: من هم مديرو هذه المؤسسات؟ كيف يتصرفون؟ كيف تبدو الحياة الوظيفية معهم؟ وهنا ليس المقصود فقط مؤسسات القطاع العام، بل وحتى الخاص لما له من ارتباط ببنية النظام، لم نسأل كيف وصل هؤلاء إلى مناصبهم، ولكن كيف يعيشون؟ ما هي صفاتهم الشخصية؟
قد يكون للتداخل بين القطاعين العام والخاص ما يبرره، بعض المديرين في القطاع العام سمحت لهم القوة المالية بإنشاء أعمال خاصة في الوقت ذاته، خصوصاً في قطاعي التعليم والإعلام، يضاف لذلك أن السياق المؤسساتي في العراق ما يزال فتياً، ما يسمح بهذا الاشتباك والتشابه، إلا أننا في الوقت ذاته نقف عند الفروق الجوهرية التي ترجح كفة القطاع العام على الخاص، ذلك ما يجعل المادة تغطي القطاع العام بشكل أساسي، إلا أنها قد تستفيد من تجارب الخاص بشكل طفيف.
من خلال البحث وإجراء المقابلات مع عشرات من موظفي الدولة والقطاع الخاص، رصدنا خمسة أنماط من المديرين، قد يكون من المفيد التعرف إليهم، إذ من الممكن العثور على أحدهم أثناء قراءة هذه المادة الهادفة إلى إيجاد صيغة لتعريف مديرك، وإيضاح أبرز سماته.
الـ”بس يوقع“
“لا علاقة له بالدائرة، ولا يعرف ماذا نعمل، يعرف شيئاً واحداً فقط: يوقع”، هكذا يقول وسام (36 عاماً) الذي يعمل في إحدى الدوائر التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن مديره السابق، فلم يكن المدير جزءاً من الدائرة، وليس موظفاً في الوزارة تدرج بشكل طبيعي ليصبح مديراً.
أربك المدير المذكور أجواء العمل، ولم يفهم غالبية الموظفين حياتهم الوظيفية منذ تسلمه المؤسسة وحتى انتهاء فترته القصيرة.
“بعض الموظفين طلبوا النقل وقت وجوده، وهو أيضاً صار ينقل ويغير الموظفين بشكل عشوائي ومربك، ويوافق على أي طلب نقل، لأنه ببساطة لا يعرف الموظفين” يضيف وسام لـ”جمّار”.
هذا النوع من المديرين قد تكون مدة تعيينه لتوقيع معاملة واحدة أو اثنتين، فهو مكلف بتمرير بعض المشاريع ثم تنتهي مهمته، ليس مهتماً لشأن العمل، وينزعج في فترته الموظف الجيد، إلا أنه شخصية مناسبة جداً لمن يريدون شطب يومهم.
أبرز صفات هكذا مدير: بشوش، لا يتلزم بأوقات العمل، لا يوجه عقوبات، لا يحاسب على الأخطاء، فترة تسلمه المنصب قصيرة تتراوح بين ستة أشهر وسنة.
والموظفون لا يخشون هكذا مدير، لأنه قد يغادر في أي لحظة.
الـ”بس هو ذكي“
“حتى لو كنت أينشتاين فهو أذكى منك، وعليك دائماً أن تشعره بأن غرفته يمكن أن تنفجر لفرط ذكائه، وأول شيء يجب أن نقوله له: أنت أذكى شخص قابلته في حياتي”، هذه القواعد التي وضعتها منى (27 عاماً) والتي تعمل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، فمديرها لا يريد شيئاً في الحياة -بحسب تعبيرها- إلا أن يشعر بأنه أذكى الموجودين، ويشعر بالخطر إذا علم بوجود ذكي بين الموظفين.
“حارب أحد الزملاء لأنه يناقش بلطف ويعبر عن نفسه بذكاء” تقول منى التي عاشت أياماً صعبة، فمديرها لا يريد خلال سنتين من العمل معه سوى “امتداح دماغه”.
وعن سبب اختيار الموظفين البقاء في منطقة آمنة، تقول منى: “لا يمكن أن تعرّض نفسك للطرد فقط لكي تثبت له أنه ليس الأذكى، عليك أن تعيش بسلام، وتعمل وفقاً لمتطلبات العمل”.
لهذا النوع من المديرين ميزة التوافر في مفاصل الحياة الوظيفية في القطاعين الخاص والعام، فأحمد (43 عاماً) الذي يعمل مترجماً في أحد حقول غرب القرنة النفطية في البصرة، يقول: “مديرنا يتصور نفسه أذكى من فينا، وإذا شعر أنك تسخر من ذلك يمكن ببساطة أن يوجه لك عقوبة إدارية، ومقابل ذلك هو يصر على التعامل مع الآخرين على أنهم أغبياء”.
مدير أحمد لا يوافق على الورش والتدريبات الممكنة للموظفين، ولا يوافق على منح الإجازات الدراسية، ويتعمد جعل السير الوظيفية للموظفين شبه خالية، لتصبح لاحقاً منطقة إدانة وانتقاص بما تشمله من تقصير وإشارة إلى أنهم “محدودو الذكاء”.
ويتهكم أحمد عندما يتحدث عن صفات الموظف الذي ينجو من هذا النوع من المديرين: “لازم يومية الصبح تثبت له أنه IQ مالتك صفر، صباح الخير أستاذ، آني غبي، حينها يمكنك النجاح والتقاعد معه من دون أي مشكلة”.
وطبعا هذا الغرور كما تصفه منى، غير مقبول، “ولو كنا في نظام مستقر، وفيه قوانين لحماية الموظفين من سلطة المديرين ما كنا نرى هذا النموذج غير المقبول إنسانياً وغير المؤهل مهنياً”.
أبرز الصفات الشخصية لهذا المدير: سريع البديهة، يقرأ علم النفس كثيراً، يدقق على أوقات العمل، يكره المرح في العمل، جدي للغاية، مكروه.
وينصح الموظفون الذين يعملون مع هكذا مديرين بالتعلم منهم فقط وتجنب صداقتهم.
أيهما المدير؟
على الرغم من صدور أمر إداري بتعيين “خير الله” مديراً عاماً لمديرية تربية ذي قار، إلا أن ما حصل على أرض الوقع هو أن سائقه كان هو المدير الفعلي، إذ لا تتوقف مهامه عند قيادة المركبة، فهو مدير أعماله وملبي احتياجاته وجامع رغباته وموصل أكلاته والعين الساهرة التي تحرس ملذاته.
يقول حسن (48 عاماً) عن هذا المدير إنه “منشغل بكتابة الشعر المقفى، والسائق يصول ويجول في الدائرة”.
كان هذا السائق ينسق كل التفاصيل المهنية والقانونية حتى، فهو “ينقل ويعاقب ويتلاعب ويختار مديري المدارس”، بحسب حسن.
وهذا الشكل من المديرين لقدر ما هو شائع ومتوافر، ظنت مروة (29 عاماً) والتي تعمل في إحدى دوائر مدينة الطب ببغداد أن الحديث يدور حول مديرها، فهو يشبهه تماماً كما تقول، إذ أن سائق مديرها السابق نقلها بناء على جدال شخصي معها إلى مكان تحتاج يومياً نحو ثلاث ساعات لتصل إليه من منزلها.
وبقيت عامين على هذه الحال، وعندما استبدل المدير قدمت تظلماً عادت بموجبه إلى مكان عملها في مدينة الطب.
لم يكن ذلك المدير يعرفها ولا يعرف ماذا حدث لها، وحاولت مقابلته أكثر من مرة، إلا أن وجود سائقه جعل الأمر مستحيلاً.
“المدير فقط وقع على أمر النقل” تقول مروة.
أبرز صفات هذا النوع من المديرين: لا يلتقي شخصياً بالموظفين، هادئ، متنمر، يدعي اللطف ويظهر بشكل حسن ومتفهم.
أما أبرز صفات السائق: غير متعلم، عصبي، يمثل الجانب المظلم من مديره، ينقل خدماته أينما ذهب مديره.
وينصح الموظفون العاملون مع مديرين من هذا النوع بإنشاء صداقة مع السائق لتجنب المتاعب.
المبدع “غصباً ما عليك“
“الوظيفة كتلك الفنان الذي بداخلي”، هذه الجملة الذهبية التي يكررها في كل لحظة مدير وصفي (43 عاماً) والذي يعمل في إحدى تشكيلات وزارة المالية.
ذلك المدير كان يريد معاملته كمبدع، ولا يتردد في رسم لوحة أثناء العمل.
لا ينفك مدير وصفي السابق يتحدث عن أحلامه المسرحية والشعرية والفنية، وأكبر خطأ ممكن مع ذلك المدير هو أن تكشف عن هواياتك له، فعندئذ ستعمل متذوقاً لأحلام المدير الأدبية.
يقول وصفي: “تورط أحد زملائنا وقال إنه يعرف الفنانين، يومياً كان المدير يطلب منه تنسيق لقاء مع أحدهم”.
وفي أول اجتماع له مع الموظفين، سأل عمن لديه حب اطلاع، ومن لديه موهبة في الرسم والمسرح، يقول وصفي: “خيالاته دمرت الدائرة، وكانت أفشل إدارة”.
ذلك المدير، يشبه أحد المديرين في وزارة الشباب والرياضة، الذي اجتمع معه علي (31 عاماً) وزملاؤه من أجل التباحث في مشروع ثقافي، وراح ذاك المدير يقرأ لهم الشعر، ويعرض صور لوحاته التي يرسمها.
يقول علي: “كنا مجموعة من الشباب نرغب في الحصول على تمويل من الدولة من أجل إنجاز مشروع ثقافي، وحين التقينا بأحد مدراء وزارة الشباب والرياضة، بقي نحو ساعة يتحدث لنا عن تجربته الإبداعية، قرأ لنا بعضاً من شعره، ثم مرر هاتفه لنا لنشاهد لوحته، وفي النهاية عبّر عن رغبته في إخراج مسرحية، ضعنا في دوامة من الخجل، وانتهى الاجتماع من دون أي مخرجات بخصوص المشروع الذي جئنا به”.
أبرز صفات هذا النوع من المديرين: لطيف، يتحدث عن نفسه كثيراً، كثير الزعل، ثرثار، غير قاس، لا يفهم كثيراً في العمل.
العاملون مع هكذا مدير ينصحون بإكثار الاستماع إليه، فهذا كل ما يريده.
الحرامي
يتفق معظم من يعملون في القطاع العام على أن مصادفة مدير لص ليس سوى مسألة وقت.
سحر (37 عاماً) والتي تعمل في الشركة العامة لتصنيع الحبوب تقول ممازحة: “بين مدير فاسد وآخر فاسد، مدير فاسد أيضاً”.
ويتفق معها معن (48 عاماً) الذي يعمل في الهيئة العامة للضرائب: “قبض الرشوة عند بعض المديرين مثل شرب الماء”.
وعند السؤال عن صفات هذا النوع من المديرين، لم نحصل على صورة واضحة أو نمطية، على الرغم من أن الهدف من هذه المادة هو تنميط المديرين من أجل معرفة التعامل معهم، ذلك أن شخصية المديرين اللصوص تتدرج من القسوة الشديدة إلى التسامح اللامحدود، ومن جانب آخر تتفاوت شخصياتهم من حيث الاهتمام بالعمل، إلا أن ملخص تلك الشخصية هو أنه يرى في كل موظف ومواطن فرصة لجني مزيد من الأموال.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مدارس مُهجَّرة: لماذا لن ينتهي "الدوام المزدوج" و"الاكتظاظ" في العراق؟
10 ديسمبر 2024
الهيدروجين الأزرق والشمس.. عن بدائل النفط "الممكنة" في العراق
07 ديسمبر 2024
الأشجار والدولار على المحكّ في سنجار
03 ديسمبر 2024
الصيادون يبيعون "الآرو".. الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار
28 نوفمبر 2024
الدبابات الأمريكية تتوغل داخل بغداد المكتظة بالمؤسسات والبشر، تفتح في طريقها المؤسسات لتجعلها عرضة للنهب.
“كل منطقة تصل إليها مدرعة، يهرب حراسها، وتُفتح أبواب المؤسسات فيها للناس بمعاونة القوة العسكرية”، هكذا يصف وليد (58 عاماً) المشهد الذي كان أحد شهوده صبيحة 9 نيسان 2003.
كانت أعمدة الدخان تتصاعد فوق سماء عشرات المؤسسات والمنشآت الحكومية والمصانع والمعامل.
اُفسح المجال أمام الجموع لنهب ما تستطيع، جموع مسلحة بسنوات من الجوع والحرمان، محمية من قبل العساكر التي دخلت، فرحة بسقوط الصنم، هكذا ببساطة تم زج الناس في عمليات التخريب.
هناك مؤسسات أحرقت مرتين، والجنود الأمريكيون كانوا يحثون ويحفزون الناس على النهب قبل عملية الحرق، وهذا ما يتذكره وليد جيداً.
“شاهدت أحد الجنود وهو يضحك يساعد رجلاً مسناً على سحل مغسلة من مؤسسة تاج المعارك في بغداد” يقول لـ”جمّار”.
المواطن الذي دفع الكرسي خارج المؤسسة أو دحرج إطار عجلة لا يملكها ليس له أي ارتباط بتلك الحرائق، ضاعت في تلك اللحظة وأتلفت وأحرقت مئات الآلاف من الوثائق والممتلكات، هذا إضافة للأسلحة التي ملأت الشوارع حين نهبت المؤسسات الأمنية.
سوقت تلك اللحظة الانفعالية على أنها عملية انتقام، انتقام المجتمع من صدام حسين، هكذا رُوج لها، أو أريد لها أن تفهم، وهذا ما يوضحه وليد: “كانت الناس تظن أن هذا انتقام من صدام حسين شخصياً، المواطن لعقود كان يشعر أن هذه أملاكه الشخصية هو وعائلته ومن معه، لذلك اشترك عديد من الناس في التخريب، من أجل استحالة عودته ثانية، تخريب المؤسسات يطيح بصدام نهائياً، هذا الذي كانت تفكر فيه الناس”.
وفي هذا السياق العراقي يُفهم -كما هو شائع- أن عدم نجاح ما تعرف بـ”الانتفاضة الشعبانية” سببه عدم الإطاحة بالمؤسسات، فتماسك المؤسسات في العام 1991 هو الذي جعل صدام يحكم قضبته على الحكم رغم الانهيار الأمني الذي حصل وقتها، وسقوط غالبية الوسط والجنوب بيد معارضيه.
خلال عملية التصفير تلك، وفي أيام الفوضى، بدأت المرحلة الأكثر التباساً وحساسية من تقويض المؤسسات، وهي تصفية الكفاءات تحت ذريعة الانتماء للنظام، قد يكون بعضها فعلاً على صلة بالنظام من الناحية الأيديولوجية، إلا أن القسم الأكبر من الكفاءات العراقية كان يعمل في مؤسسات الدولة وليس له صلة تذكر بالنظام.
المرحلة تلك، تمثلت في عمليات الاغتيال التي طالت عشرات ممن كانوا ركائز في المؤسسات، وامتدت التصفية بين عامي 2003 و2006 بحسب ما تشير البيانات.
أبرز من تم اغتيالهم في تلك المدة د. محمد عبد الله الراوي رئيس جامعة بغداد الذي اغتيل في عيادته في المنصور، وصبري مصطفى البياتي رئيس قسم الجغرافيا في كلية الآداب بجامعة بغداد والذي اغتيل في حزيران 2004، وكاظم طلال حسين معاون عميد كلية التربية الأساسية في الجامعة المستنصرية، وعلي مهاوش عميد كلية الهندسة في الجامعة المستنصرية، وعبد الستار الأسدي معاون عميد كلية التربية في جامعة ديالى، وحسن الربيعي عميد كلية طب الأسنان في جامعة بغداد، ود. عبد الله صاحب الساعدي مدير مستشفى النعمان التعليمي، وسمير يلدا جرجيس معاون عميد كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية، وغيرهم عشرات.
وترجح الإحصاءات غير الرسمية إلى أن عدد من اغتيلوا بسبب مناصبهم السابقة يبلغ نحو 500 شخص، وتشير وثائق ويكيليكس إلى أن “أكثر من 109 آلاف مواطن عراقي قتلوا في الفترة بين 2004 و2009، بمن فيهم 66.081 مدنياً، و23.984 ممن يوصفون بالأعداء”، وهذا الوصف العائم “الأعداء” لم يحدد بالضبط أعداء من، وهل بضمنهم الكفاءات؟ هذا مرجح.
تشير الأرقام إلى أن تدمير المؤسسات تركز في بعضها على حساب أخرى، منها التعليمية، ففي العام 2004 أعلنت وزارة التعليم العالي أن نحو 84 بالمئة من الأبنية الجامعية سرقت ودمرت تماماً خلال الحرب وبعدها، ومن أبرز المؤسسات التي دمرت ونهبت: مبنى الإذاعة والتلفزيون، مبنى دائرة السينما والمسرح، المتحف الوطني العراقي، إضافة لعشرات الدوائر المحلية والمتخصصة بأرشفة الوثائق الرسمية، منها دوائر الجنسية ودوائر التسجيل العقاري والمكتبات والمستشفيات وغيرها.
في 23 أيار من 2003، حُلَّ الجيش العراقي، وتبعاً لذلك، تفككت غالبية المؤسسات المرتبطة به، بضمنها مؤسسات التصنيع العسكري التي كانت بالعشرات، ولحقتها المعسكرات وغيرها.
القرار الذي اعتُرف لاحقاً بأنه كان خطأ، كان بمثابة إعلان عن حياة مؤسساتية جديدة في العراق، حياة سوف ترتبط بالنظام الجديد بدءاً من البعد الرمزي له، ومروراً بلغة الخطاب، وانتهاء بما وصلت إليه هذه المؤسسات مع النظام.
النظام المؤسساتي الجديد كانت ملامحه غير واضحة، ومع زوال ضباب الحرب الطائفية صارت هيكلية عمل الدولة أكثر وضوحاً، ومن أكثر المؤشرات وضوحاً هو ارتباط النظام المؤسساتي الجديد في العراق بالفساد والتوزيع الطائفي للمناصب، وأصبحت المؤسسة حاضنة خصبة لتنظيم عصر اللصوصية المستمر منذ أكثر من عقدين، فيما اعتمد توزيع المناصب على ما بات يعرف في الأدبيات السياسية العراقية بنظام النقاط.
هامش واحد يكفي
بعد حذف المؤسسات البعثية، بدأ النظام المؤسساتي الجديد، وقد أتاح هذا النظام فرصة ذهبية لقفز الفرد من مقعده الحزبي إلى مقعد المدير عبر هامش واحد.
هذه الظاهرة تعد من معوقات بناء المؤسسات العراقية، حيث تمنح الكتل نصيبها، ثم توزع لاحقاً على المستفيدين بناء على الولاء والانتماء.
إخفاق المؤسسات منذ عقدين لا تُحصر أسبابه، فالشخصيات المقربة من النظام ترجح سردية مفادها: أن “هناك عوامل داخلية وخارجية لعدم اكتمال الدولة والخلل في بنائها وهشاشتها”.
انتهت كل هذه الأسباب إلى الهشاشة المؤسساتية، والتي أصبحت هشاشة اقتصادية وأمنية مشخصة من قبل العديد من المنظمات والمتخصصين.
في المقابل، يمكن أن نسأل: من هم مديرو هذه المؤسسات؟ كيف يتصرفون؟ كيف تبدو الحياة الوظيفية معهم؟ وهنا ليس المقصود فقط مؤسسات القطاع العام، بل وحتى الخاص لما له من ارتباط ببنية النظام، لم نسأل كيف وصل هؤلاء إلى مناصبهم، ولكن كيف يعيشون؟ ما هي صفاتهم الشخصية؟
قد يكون للتداخل بين القطاعين العام والخاص ما يبرره، بعض المديرين في القطاع العام سمحت لهم القوة المالية بإنشاء أعمال خاصة في الوقت ذاته، خصوصاً في قطاعي التعليم والإعلام، يضاف لذلك أن السياق المؤسساتي في العراق ما يزال فتياً، ما يسمح بهذا الاشتباك والتشابه، إلا أننا في الوقت ذاته نقف عند الفروق الجوهرية التي ترجح كفة القطاع العام على الخاص، ذلك ما يجعل المادة تغطي القطاع العام بشكل أساسي، إلا أنها قد تستفيد من تجارب الخاص بشكل طفيف.
من خلال البحث وإجراء المقابلات مع عشرات من موظفي الدولة والقطاع الخاص، رصدنا خمسة أنماط من المديرين، قد يكون من المفيد التعرف إليهم، إذ من الممكن العثور على أحدهم أثناء قراءة هذه المادة الهادفة إلى إيجاد صيغة لتعريف مديرك، وإيضاح أبرز سماته.
الـ”بس يوقع“
“لا علاقة له بالدائرة، ولا يعرف ماذا نعمل، يعرف شيئاً واحداً فقط: يوقع”، هكذا يقول وسام (36 عاماً) الذي يعمل في إحدى الدوائر التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن مديره السابق، فلم يكن المدير جزءاً من الدائرة، وليس موظفاً في الوزارة تدرج بشكل طبيعي ليصبح مديراً.
أربك المدير المذكور أجواء العمل، ولم يفهم غالبية الموظفين حياتهم الوظيفية منذ تسلمه المؤسسة وحتى انتهاء فترته القصيرة.
“بعض الموظفين طلبوا النقل وقت وجوده، وهو أيضاً صار ينقل ويغير الموظفين بشكل عشوائي ومربك، ويوافق على أي طلب نقل، لأنه ببساطة لا يعرف الموظفين” يضيف وسام لـ”جمّار”.
هذا النوع من المديرين قد تكون مدة تعيينه لتوقيع معاملة واحدة أو اثنتين، فهو مكلف بتمرير بعض المشاريع ثم تنتهي مهمته، ليس مهتماً لشأن العمل، وينزعج في فترته الموظف الجيد، إلا أنه شخصية مناسبة جداً لمن يريدون شطب يومهم.
أبرز صفات هكذا مدير: بشوش، لا يتلزم بأوقات العمل، لا يوجه عقوبات، لا يحاسب على الأخطاء، فترة تسلمه المنصب قصيرة تتراوح بين ستة أشهر وسنة.
والموظفون لا يخشون هكذا مدير، لأنه قد يغادر في أي لحظة.
الـ”بس هو ذكي“
“حتى لو كنت أينشتاين فهو أذكى منك، وعليك دائماً أن تشعره بأن غرفته يمكن أن تنفجر لفرط ذكائه، وأول شيء يجب أن نقوله له: أنت أذكى شخص قابلته في حياتي”، هذه القواعد التي وضعتها منى (27 عاماً) والتي تعمل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، فمديرها لا يريد شيئاً في الحياة -بحسب تعبيرها- إلا أن يشعر بأنه أذكى الموجودين، ويشعر بالخطر إذا علم بوجود ذكي بين الموظفين.
“حارب أحد الزملاء لأنه يناقش بلطف ويعبر عن نفسه بذكاء” تقول منى التي عاشت أياماً صعبة، فمديرها لا يريد خلال سنتين من العمل معه سوى “امتداح دماغه”.
وعن سبب اختيار الموظفين البقاء في منطقة آمنة، تقول منى: “لا يمكن أن تعرّض نفسك للطرد فقط لكي تثبت له أنه ليس الأذكى، عليك أن تعيش بسلام، وتعمل وفقاً لمتطلبات العمل”.
لهذا النوع من المديرين ميزة التوافر في مفاصل الحياة الوظيفية في القطاعين الخاص والعام، فأحمد (43 عاماً) الذي يعمل مترجماً في أحد حقول غرب القرنة النفطية في البصرة، يقول: “مديرنا يتصور نفسه أذكى من فينا، وإذا شعر أنك تسخر من ذلك يمكن ببساطة أن يوجه لك عقوبة إدارية، ومقابل ذلك هو يصر على التعامل مع الآخرين على أنهم أغبياء”.
مدير أحمد لا يوافق على الورش والتدريبات الممكنة للموظفين، ولا يوافق على منح الإجازات الدراسية، ويتعمد جعل السير الوظيفية للموظفين شبه خالية، لتصبح لاحقاً منطقة إدانة وانتقاص بما تشمله من تقصير وإشارة إلى أنهم “محدودو الذكاء”.
ويتهكم أحمد عندما يتحدث عن صفات الموظف الذي ينجو من هذا النوع من المديرين: “لازم يومية الصبح تثبت له أنه IQ مالتك صفر، صباح الخير أستاذ، آني غبي، حينها يمكنك النجاح والتقاعد معه من دون أي مشكلة”.
وطبعا هذا الغرور كما تصفه منى، غير مقبول، “ولو كنا في نظام مستقر، وفيه قوانين لحماية الموظفين من سلطة المديرين ما كنا نرى هذا النموذج غير المقبول إنسانياً وغير المؤهل مهنياً”.
أبرز الصفات الشخصية لهذا المدير: سريع البديهة، يقرأ علم النفس كثيراً، يدقق على أوقات العمل، يكره المرح في العمل، جدي للغاية، مكروه.
وينصح الموظفون الذين يعملون مع هكذا مديرين بالتعلم منهم فقط وتجنب صداقتهم.
أيهما المدير؟
على الرغم من صدور أمر إداري بتعيين “خير الله” مديراً عاماً لمديرية تربية ذي قار، إلا أن ما حصل على أرض الوقع هو أن سائقه كان هو المدير الفعلي، إذ لا تتوقف مهامه عند قيادة المركبة، فهو مدير أعماله وملبي احتياجاته وجامع رغباته وموصل أكلاته والعين الساهرة التي تحرس ملذاته.
يقول حسن (48 عاماً) عن هذا المدير إنه “منشغل بكتابة الشعر المقفى، والسائق يصول ويجول في الدائرة”.
كان هذا السائق ينسق كل التفاصيل المهنية والقانونية حتى، فهو “ينقل ويعاقب ويتلاعب ويختار مديري المدارس”، بحسب حسن.
وهذا الشكل من المديرين لقدر ما هو شائع ومتوافر، ظنت مروة (29 عاماً) والتي تعمل في إحدى دوائر مدينة الطب ببغداد أن الحديث يدور حول مديرها، فهو يشبهه تماماً كما تقول، إذ أن سائق مديرها السابق نقلها بناء على جدال شخصي معها إلى مكان تحتاج يومياً نحو ثلاث ساعات لتصل إليه من منزلها.
وبقيت عامين على هذه الحال، وعندما استبدل المدير قدمت تظلماً عادت بموجبه إلى مكان عملها في مدينة الطب.
لم يكن ذلك المدير يعرفها ولا يعرف ماذا حدث لها، وحاولت مقابلته أكثر من مرة، إلا أن وجود سائقه جعل الأمر مستحيلاً.
“المدير فقط وقع على أمر النقل” تقول مروة.
أبرز صفات هذا النوع من المديرين: لا يلتقي شخصياً بالموظفين، هادئ، متنمر، يدعي اللطف ويظهر بشكل حسن ومتفهم.
أما أبرز صفات السائق: غير متعلم، عصبي، يمثل الجانب المظلم من مديره، ينقل خدماته أينما ذهب مديره.
وينصح الموظفون العاملون مع مديرين من هذا النوع بإنشاء صداقة مع السائق لتجنب المتاعب.
المبدع “غصباً ما عليك“
“الوظيفة كتلك الفنان الذي بداخلي”، هذه الجملة الذهبية التي يكررها في كل لحظة مدير وصفي (43 عاماً) والذي يعمل في إحدى تشكيلات وزارة المالية.
ذلك المدير كان يريد معاملته كمبدع، ولا يتردد في رسم لوحة أثناء العمل.
لا ينفك مدير وصفي السابق يتحدث عن أحلامه المسرحية والشعرية والفنية، وأكبر خطأ ممكن مع ذلك المدير هو أن تكشف عن هواياتك له، فعندئذ ستعمل متذوقاً لأحلام المدير الأدبية.
يقول وصفي: “تورط أحد زملائنا وقال إنه يعرف الفنانين، يومياً كان المدير يطلب منه تنسيق لقاء مع أحدهم”.
وفي أول اجتماع له مع الموظفين، سأل عمن لديه حب اطلاع، ومن لديه موهبة في الرسم والمسرح، يقول وصفي: “خيالاته دمرت الدائرة، وكانت أفشل إدارة”.
ذلك المدير، يشبه أحد المديرين في وزارة الشباب والرياضة، الذي اجتمع معه علي (31 عاماً) وزملاؤه من أجل التباحث في مشروع ثقافي، وراح ذاك المدير يقرأ لهم الشعر، ويعرض صور لوحاته التي يرسمها.
يقول علي: “كنا مجموعة من الشباب نرغب في الحصول على تمويل من الدولة من أجل إنجاز مشروع ثقافي، وحين التقينا بأحد مدراء وزارة الشباب والرياضة، بقي نحو ساعة يتحدث لنا عن تجربته الإبداعية، قرأ لنا بعضاً من شعره، ثم مرر هاتفه لنا لنشاهد لوحته، وفي النهاية عبّر عن رغبته في إخراج مسرحية، ضعنا في دوامة من الخجل، وانتهى الاجتماع من دون أي مخرجات بخصوص المشروع الذي جئنا به”.
أبرز صفات هذا النوع من المديرين: لطيف، يتحدث عن نفسه كثيراً، كثير الزعل، ثرثار، غير قاس، لا يفهم كثيراً في العمل.
العاملون مع هكذا مدير ينصحون بإكثار الاستماع إليه، فهذا كل ما يريده.
الحرامي
يتفق معظم من يعملون في القطاع العام على أن مصادفة مدير لص ليس سوى مسألة وقت.
سحر (37 عاماً) والتي تعمل في الشركة العامة لتصنيع الحبوب تقول ممازحة: “بين مدير فاسد وآخر فاسد، مدير فاسد أيضاً”.
ويتفق معها معن (48 عاماً) الذي يعمل في الهيئة العامة للضرائب: “قبض الرشوة عند بعض المديرين مثل شرب الماء”.
وعند السؤال عن صفات هذا النوع من المديرين، لم نحصل على صورة واضحة أو نمطية، على الرغم من أن الهدف من هذه المادة هو تنميط المديرين من أجل معرفة التعامل معهم، ذلك أن شخصية المديرين اللصوص تتدرج من القسوة الشديدة إلى التسامح اللامحدود، ومن جانب آخر تتفاوت شخصياتهم من حيث الاهتمام بالعمل، إلا أن ملخص تلك الشخصية هو أنه يرى في كل موظف ومواطن فرصة لجني مزيد من الأموال.