الضياع في سجن توزلا.. الترحيل والهجرة العكسيّة من تركيا إلى العراق 

حيدر إياد

26 آب 2024

منصور تقاعد من وظيفته وباع جميع ممتلكاته على أمل الاستقرار الدائم في تركيا، دون التفكير في العودة إلى العراق مرة أخرى، لكن السياسات التركية الجديدة قضت على كل شيء.. عن الترحيل والهجرة العكسية من تركيا إلى العراق

خلال وبعد جائحة فيروس كورونا التي ضربت العالم، ومنها تركيا، انطلقت أولى حركات الهجرة العكسية للعراقيين المقيمين في المدن التركية بالعودة إلى العراق، وبأعداد ترتفع يوماً بعد يوم. 

لم تكن الجائحة هي السبب المباشر لهذه الهجرة العكسية، فهي لا تقتصر على العراقيين فقط، بل شملت كل الجنسيات، التي تقيم بصفة عمل أو سياحة أو لجوء، لأن القوانين التركية تغيّرت، نحو جعل الإقامة في تركيا صعبة، وفي فترات “شبه مستحيلة”، وهذا أثّر كثيراً على جنسيات عدة، مثل السورية، والأفغانية، والمصرية، والعراقية. 

تشير بيانات سابقة لوزارة الهجرة والمهجرين في العراق، إلى أن عدد العراقيين في تركيا يبلغ نحو 700 ألف شخص، يتوزّعون على 12 ولاية تركية، من أصل 81، لكنّهم ومنذ 2019، بدأوا بالمغادرة، بسبب صعوبة القوانين الجديدة التي لم تعد تسمح بمنح الإقامة للأجانب في تركيا كما كان في السابق. 

العراقيون في تركيا ينقسمون إلى ثلاث فئات؛ المقيمون، والسائحون، واللاجئون، وغالباً ما كانت أعداد العرقيين الداخلين إلى تركيا تحتل المراتب الأولى في قوائم جهاز الإحصاء التركي، لكن عام 2024 بدا مختلفاً. 

بحسب وزارة الثقافة والسياحة التركية، فإن عدد الزوار العراقيين إلى تركيا خلال كانون الثاني بلغ 54 الفاً و508 سائحين، منخفضة 12.11 بالمئة عن الشهر نفسه من عام 2023 الذي بلغ 62 ألفاً و115 سائحاً، وهذا يعود إلى صعوبات منح التأشيرة والإقامة. 

يعيش العراقيون داخل الأراضي التركية بصفتهم حاملي تصريح الإقامة السياحية، والإقامة العقارية، إلى جانب حاملي ورقة اللجوء التابعين للأمم المتحدة، الذين كان لهم النصيب الأكبر في الهجرة العكسية.   

يقول سمير العاني (43 عاماً) لجمّار، إنّه تقدّمَ بطلب اللجوء عبر منظمة الأمم المتحدة منذ عام 2015، وعلى إثرها مُنح حق الإقامة والبقاء ضمن الحماية الدولية في تركيا، ظلّ ينتظر قرار قبول اللجوء والسفر إلى أمريكا، وخلال فترة الانتظار عاش في ولاية أنقرة لمدة 8 سنوات، دون الحصول على موافقة اللجوء، أو الرفض، “كان بعدها القرار الأخير والطوعي بإقدامي على طلب غلق ملف اللجوء والعودة إلى العراق، وتحديداً إقليم كردستان، بسبب عدم وجود أمل آخر في بلد لا يمكن الاستقرار فيه بسبب التقييدات الكبيرة لحاملي إقامة الحماية الدولية”.  

التضخّم  

عام 2020 أصدر البنك المركزي العراقي قراراً بخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، ليكون 1450 ديناراً بدلاً من السعر السابق البالغ 1190 ديناراً عراقياً لكل دولار أمريكي. 

انعكس هذا بشكل مباشر على تسريع الهجرة العكسية للعراقيين من تركيا، حيث يعتمد عدد كبير من المقيمين العراقيين في معيشتهم على رواتب التقاعد وإيرادات إيجار منازلهم في العراق، وبهذا القرار فإن قيمة إيراداتهم الشهرية فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها الشرائية.  

تلا ذلك حدوث ضربات اقتصادية موجعة للاقتصاد التركي، الذي يعاني من التضخم الشديد وانخفاض قيمة الليرة التركية، دون الوصول إلى حلول حقيقية، ما أدى إلى حدوث ارتفاع شديد بالأسعار، أثر بشكل مباشر على المقيم العراقي الذي أصبح لا يملك ما يكفي لسد مصاريف معيشته في تركيا. 

سعيد الدليمي (61 عاماً)، يقول لجمّار، إن سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار هو السبب الرئيسي لمغادرته الأراضي التركية، بعد أن عاش فيها نحو 4 سنوات، اعتمد في معيشته على الراتب التقاعدي، ومبلغ إيجار منزله في بغداد، فهذه المبالغ كانت تسد جميع احتياجات المعيشة في تركيا بسبب رخص أسعارها مقارنة مع العراق في الفترة السابقة، “لكن في الوقت الحاضر أصبح كل شيء غالياً في تركيا إلى جانب فقدان قيمة العملة العراقية أمام الدولار”، وما زاد الضغط أكثر على سعد هو ارتفاع سعر إيجارات الشقق السكنية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف السعر الذي كان عليه في البداية.  

القوانين تغيّرت نحو الأصعب 

يتحدث عصام الجميلي (37 عاماً) الذي يملك شركة متخصصة في ترويج معاملات الإقامة التركية عن “انخفاض كبير” بعدد العراقيين في تركيا، “نرى الأمر واضحاً من خلال تعاملنا اليومي”، وبين الجميلي وجود حالات رفض للإقامات على الرغم من تحقيق جميع الشروط المطلوبة، ونوّه إلى عدم إفصاح دائرة الهجرة التركية عن أسباب الرفض مكتفية بالقول إنّ قرار الرفض جاء وفق المادة 32 من قانون منح الإقامات التركية، والتي توضح تفاصيل الأوراق الثبوتية المطلوبة في التقديم على الإقامة.  

عامر مهدي (52 عاماً) عبّر عن استغرابه من رفض إقامته في تركيا على الرغم من استقراره فيها منذ 5 سنوات، “قدمت أوراقي الرسمية لتجديد الإقامة بمعاملة روتينية نجريها مرة كل عام لكني فوجئت في آخر مرة حيث رفضت إدارة الهجرة التركية تمديد تصريح الإقامة وطلبت مني مغادرة الأراضي التركية خلال مدة لا تتجاوز 15 يوماً”. 

هذا الأمر أجبر مهدي على العودة إلى العراق، والمحاولة مجدداً للسفر إلى تركيا عبر فيزا سياحية وتقديم معاملة الحصول على إقامة مرة أخرى، لكن قرار الرفض عاد مجدداً على الرغم من استيفاء جميع الشروط المطلوبة، فضلاً عن صدور قرار بالترحيل خلال مدة لا تتجاوز 14 يوماً. 

يقول فراس منصور (52 عاماً) الذي عاش هو وعائلته في تركيا بولاية ألانيا لمدة عامين، وعندها قرر الانتقال إلى ولاية إسطنبول لرعاية والدته، إنّه فوجئ بقرار رفض تجديد إقامته، في حين منح تجديد الإقامة لوالدته وزوجته اللتين قررتا الاستمرار بالعيش في تركيا لفترة من الزمن، وأوضح منصور إنه تقاعد من وظيفته وباع جميع ممتلكاته على أمل الاستقرار الدائم في تركيا، دون التفكير في العودة إلى العراق مرة أخرى، لكنه اضطر للعودة إلى العراق والدخول في صعوبات جديدة، خصوصاً وأن هذا القرار فرق عائلته بالكامل التي اضطرت في ما بعد إلى العودة وسط صعوبات في التأقلم مرة أخرى، والبداية من الصفر على حد تعبيره، والتكيّف مع نمط معيشة مختلف.  

بالنسبة إلى علي جبار (32 عاماً) فإنّ المعيشة في تركيا أصبحت صعبة جداً، بسبب عدم وجود فرص للعمل، “رغم المحاولات المتعددة لفتح مشروع صغير في بيع الكتب إلا أننا وجدنا الكثير من العقبات والصعوبات أدت إلى عدم قدرتنا على فتح أي مشروع في حين خضنا تجربة العمل في المؤسسات والشركات داخل تركيا وجدنا أنفسنا في دوامة العمل من أجل سد الاحتياجات الأساسية فقط”، وهذا بسبب ضعف الرواتب والأجور التي تمنح للموظفين، والتي أصبحت لا تتناسب مع واقع المعيشة في الوقت الحالي، نتيجة الغلاء المستمر وارتفاع أسعار إيجارات الشقق السكنية، لذلك قرر الكثير من الشباب وعلي أحدهم، العودة إلى العراق. 

عراقيون في سجن توزلا 

تحدّث عدد من العراقيين في تركيا لجمّار عن تعرضهم للاعتقال غير المبرر من قبل الشرطة التركية، جميل سعد (28 عاماً)، واحد منهم، “بعد 4 سنوات من المعيشة في تركيا فوجئت برفض إقامتي من قبل دائرة الهجرة التركية الأمر الذي دفعني إلى تقديم معاملة لطعن القرار، وهذا الأمر يمنحني حق البقاء رسمياً في تركيا لحين صدور قرار المحكمة”، لكن إحدى نقاط التفتيش التابعة للشرطة اعتقلت سعد في أحد الشوارع بدون أي تهمة، على الرغم من تواجده القانوني في البلد، “القرار قد اتخذ بعد 15 يوماً من الحبس في سجن توزلا، المخصص لترحيل المخالفين في إسطنبول، وجرى ترحيلي إلى العراق قسراً على الرغم من امتلاكي الأوراق الرسمية التي تمكنني من البقاء داخل تركيا”. 

شاب عراقي آخر عاش تجربة مشابهة مع حالات الاعتقال العشوائية، أحمد العاني (25 عاماً)، أوقفه رجال الشرطة في منطقة اسنيورت غربي اسطنبول، وطلبوا منه تصريح الإقامة، “فوجئت أن الضابط يخبرني بأن تصريح الإقامة مزور، وجرى اعتقالي في أحد مراكز الشرطة لمدة يوم واحد، بعدها جرى إطلاق سراحي بدون أن اخضع للتحقيق أو الحديث مع أي شخص”، تبيّن في ما بعد أن الموضوع اجتهاد شخصي من الضابط التركي، وأن تصريح الإقامة الخاص بالعاني لم يكن مزوّرا، لكنه غادر تركيا “خوفاً من تكرار ما حدث”. 

ً 

تشير تقارير دائرة الهجرة التركية إلى اعتقال 3647 عراقياً منذ مطلع عام 2024، بتهمة الهجرة غير الشرعية، والتي تؤدي إلى ترحيل المعتقلين مع عقوبات منع الدخول، تصل إلى 5 سنوات، إلى جانب غرامات مالية، مع تحمل المخالف كافة مصاريف تذكرة السفر.  

منذ مطلع نيسان 2024، فوجئ عدد كبير من المقيمين بقرار من دائرة الهجرة التركية بإجبارهم على توقيع وثيقة تطلب منهم تقديم كشف حساب مصرفي يكفي لمعيشة الشخص المتقدم على تجديد الإقامة لمدة 6 أشهر، على أن يكون المبلغ للفرد الواحد أكثر من الحد الأدنى للأجور بمقدار مرّة ونصف، أو استحصال إقامة العمل، وبخلاف الأمرين سوف يمنح حق الإقامة لمدة 6 أشهر فقط، وبعدها لن يُسمح له بتمديد الإقامة، الأمر الذي أحدث موجة استياء كبيرة لدى المقيمين بصورة عامة. 

مع الأسباب العديدة التي تدفع العراقيين على مغادرة تركيا، إلا أن عدد السائحين العراقيين يحتلّ المراتب الأولى، على الرغم من انخفاض عددهم مقارنة بالسنوات السابقة، حيث ذكرت وزارة الثقافة والسياحة التركية أن العراق جاء في مقدمة الدول العربية في عدد السائحين خلال كانون الثاني 2024، مبينة أن عدد الزوار العراقيين إلى تركيا بلغ 54 الفاً و508 سائحين، بنسبة انخفاض بلغت 12.11 بالمئة عن الشهر نفسه من عام 2023، والذي بلغ 62 الفاً و115 سائحاً عراقياً. 

ليست زيارات أو لجوء العراقيين وحدهما من تأثرا بالقرارات التركية تجاه الأجانب، وخاصة تجاه الجنسيات العربية ومنها العراقية، فسوق العقارات هو الآخر يعاني من ضربات موجعة، وانتكاسات خطيرة على الاقتصاد التركي. 

في السنوات السابقة، كان العراقيون يحتلون رأس القائمة في أكثر الجنسيات شراءً للعقارات في تركيا، لكن وبحسب تقرير هيئة الإحصاء التركية، فإن العراقيين احتلوا المرتبة السابعة بين أكثر الدول بشراء العقارات التركية خلال نيسان 2024. 

وهذا التراجع هو جزء من انخفاض عام في شراء العقارات من قبل الأجانب، فالهيئة كشفت أن مبيعات المنازل انخفضت بنسبة 17.5 في المئة في عام 2023 مقارنة بالعام السابق، كما تراجعت المبيعات للأجانب بنسبة 48.1 في المئة، في ظل الوضع الاقتصادي المتراجع في البلاد بشكل عام. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

خلال وبعد جائحة فيروس كورونا التي ضربت العالم، ومنها تركيا، انطلقت أولى حركات الهجرة العكسية للعراقيين المقيمين في المدن التركية بالعودة إلى العراق، وبأعداد ترتفع يوماً بعد يوم. 

لم تكن الجائحة هي السبب المباشر لهذه الهجرة العكسية، فهي لا تقتصر على العراقيين فقط، بل شملت كل الجنسيات، التي تقيم بصفة عمل أو سياحة أو لجوء، لأن القوانين التركية تغيّرت، نحو جعل الإقامة في تركيا صعبة، وفي فترات “شبه مستحيلة”، وهذا أثّر كثيراً على جنسيات عدة، مثل السورية، والأفغانية، والمصرية، والعراقية. 

تشير بيانات سابقة لوزارة الهجرة والمهجرين في العراق، إلى أن عدد العراقيين في تركيا يبلغ نحو 700 ألف شخص، يتوزّعون على 12 ولاية تركية، من أصل 81، لكنّهم ومنذ 2019، بدأوا بالمغادرة، بسبب صعوبة القوانين الجديدة التي لم تعد تسمح بمنح الإقامة للأجانب في تركيا كما كان في السابق. 

العراقيون في تركيا ينقسمون إلى ثلاث فئات؛ المقيمون، والسائحون، واللاجئون، وغالباً ما كانت أعداد العرقيين الداخلين إلى تركيا تحتل المراتب الأولى في قوائم جهاز الإحصاء التركي، لكن عام 2024 بدا مختلفاً. 

بحسب وزارة الثقافة والسياحة التركية، فإن عدد الزوار العراقيين إلى تركيا خلال كانون الثاني بلغ 54 الفاً و508 سائحين، منخفضة 12.11 بالمئة عن الشهر نفسه من عام 2023 الذي بلغ 62 ألفاً و115 سائحاً، وهذا يعود إلى صعوبات منح التأشيرة والإقامة. 

يعيش العراقيون داخل الأراضي التركية بصفتهم حاملي تصريح الإقامة السياحية، والإقامة العقارية، إلى جانب حاملي ورقة اللجوء التابعين للأمم المتحدة، الذين كان لهم النصيب الأكبر في الهجرة العكسية.   

يقول سمير العاني (43 عاماً) لجمّار، إنّه تقدّمَ بطلب اللجوء عبر منظمة الأمم المتحدة منذ عام 2015، وعلى إثرها مُنح حق الإقامة والبقاء ضمن الحماية الدولية في تركيا، ظلّ ينتظر قرار قبول اللجوء والسفر إلى أمريكا، وخلال فترة الانتظار عاش في ولاية أنقرة لمدة 8 سنوات، دون الحصول على موافقة اللجوء، أو الرفض، “كان بعدها القرار الأخير والطوعي بإقدامي على طلب غلق ملف اللجوء والعودة إلى العراق، وتحديداً إقليم كردستان، بسبب عدم وجود أمل آخر في بلد لا يمكن الاستقرار فيه بسبب التقييدات الكبيرة لحاملي إقامة الحماية الدولية”.  

التضخّم  

عام 2020 أصدر البنك المركزي العراقي قراراً بخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، ليكون 1450 ديناراً بدلاً من السعر السابق البالغ 1190 ديناراً عراقياً لكل دولار أمريكي. 

انعكس هذا بشكل مباشر على تسريع الهجرة العكسية للعراقيين من تركيا، حيث يعتمد عدد كبير من المقيمين العراقيين في معيشتهم على رواتب التقاعد وإيرادات إيجار منازلهم في العراق، وبهذا القرار فإن قيمة إيراداتهم الشهرية فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها الشرائية.  

تلا ذلك حدوث ضربات اقتصادية موجعة للاقتصاد التركي، الذي يعاني من التضخم الشديد وانخفاض قيمة الليرة التركية، دون الوصول إلى حلول حقيقية، ما أدى إلى حدوث ارتفاع شديد بالأسعار، أثر بشكل مباشر على المقيم العراقي الذي أصبح لا يملك ما يكفي لسد مصاريف معيشته في تركيا. 

سعيد الدليمي (61 عاماً)، يقول لجمّار، إن سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار هو السبب الرئيسي لمغادرته الأراضي التركية، بعد أن عاش فيها نحو 4 سنوات، اعتمد في معيشته على الراتب التقاعدي، ومبلغ إيجار منزله في بغداد، فهذه المبالغ كانت تسد جميع احتياجات المعيشة في تركيا بسبب رخص أسعارها مقارنة مع العراق في الفترة السابقة، “لكن في الوقت الحاضر أصبح كل شيء غالياً في تركيا إلى جانب فقدان قيمة العملة العراقية أمام الدولار”، وما زاد الضغط أكثر على سعد هو ارتفاع سعر إيجارات الشقق السكنية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف السعر الذي كان عليه في البداية.  

القوانين تغيّرت نحو الأصعب 

يتحدث عصام الجميلي (37 عاماً) الذي يملك شركة متخصصة في ترويج معاملات الإقامة التركية عن “انخفاض كبير” بعدد العراقيين في تركيا، “نرى الأمر واضحاً من خلال تعاملنا اليومي”، وبين الجميلي وجود حالات رفض للإقامات على الرغم من تحقيق جميع الشروط المطلوبة، ونوّه إلى عدم إفصاح دائرة الهجرة التركية عن أسباب الرفض مكتفية بالقول إنّ قرار الرفض جاء وفق المادة 32 من قانون منح الإقامات التركية، والتي توضح تفاصيل الأوراق الثبوتية المطلوبة في التقديم على الإقامة.  

عامر مهدي (52 عاماً) عبّر عن استغرابه من رفض إقامته في تركيا على الرغم من استقراره فيها منذ 5 سنوات، “قدمت أوراقي الرسمية لتجديد الإقامة بمعاملة روتينية نجريها مرة كل عام لكني فوجئت في آخر مرة حيث رفضت إدارة الهجرة التركية تمديد تصريح الإقامة وطلبت مني مغادرة الأراضي التركية خلال مدة لا تتجاوز 15 يوماً”. 

هذا الأمر أجبر مهدي على العودة إلى العراق، والمحاولة مجدداً للسفر إلى تركيا عبر فيزا سياحية وتقديم معاملة الحصول على إقامة مرة أخرى، لكن قرار الرفض عاد مجدداً على الرغم من استيفاء جميع الشروط المطلوبة، فضلاً عن صدور قرار بالترحيل خلال مدة لا تتجاوز 14 يوماً. 

يقول فراس منصور (52 عاماً) الذي عاش هو وعائلته في تركيا بولاية ألانيا لمدة عامين، وعندها قرر الانتقال إلى ولاية إسطنبول لرعاية والدته، إنّه فوجئ بقرار رفض تجديد إقامته، في حين منح تجديد الإقامة لوالدته وزوجته اللتين قررتا الاستمرار بالعيش في تركيا لفترة من الزمن، وأوضح منصور إنه تقاعد من وظيفته وباع جميع ممتلكاته على أمل الاستقرار الدائم في تركيا، دون التفكير في العودة إلى العراق مرة أخرى، لكنه اضطر للعودة إلى العراق والدخول في صعوبات جديدة، خصوصاً وأن هذا القرار فرق عائلته بالكامل التي اضطرت في ما بعد إلى العودة وسط صعوبات في التأقلم مرة أخرى، والبداية من الصفر على حد تعبيره، والتكيّف مع نمط معيشة مختلف.  

بالنسبة إلى علي جبار (32 عاماً) فإنّ المعيشة في تركيا أصبحت صعبة جداً، بسبب عدم وجود فرص للعمل، “رغم المحاولات المتعددة لفتح مشروع صغير في بيع الكتب إلا أننا وجدنا الكثير من العقبات والصعوبات أدت إلى عدم قدرتنا على فتح أي مشروع في حين خضنا تجربة العمل في المؤسسات والشركات داخل تركيا وجدنا أنفسنا في دوامة العمل من أجل سد الاحتياجات الأساسية فقط”، وهذا بسبب ضعف الرواتب والأجور التي تمنح للموظفين، والتي أصبحت لا تتناسب مع واقع المعيشة في الوقت الحالي، نتيجة الغلاء المستمر وارتفاع أسعار إيجارات الشقق السكنية، لذلك قرر الكثير من الشباب وعلي أحدهم، العودة إلى العراق. 

عراقيون في سجن توزلا 

تحدّث عدد من العراقيين في تركيا لجمّار عن تعرضهم للاعتقال غير المبرر من قبل الشرطة التركية، جميل سعد (28 عاماً)، واحد منهم، “بعد 4 سنوات من المعيشة في تركيا فوجئت برفض إقامتي من قبل دائرة الهجرة التركية الأمر الذي دفعني إلى تقديم معاملة لطعن القرار، وهذا الأمر يمنحني حق البقاء رسمياً في تركيا لحين صدور قرار المحكمة”، لكن إحدى نقاط التفتيش التابعة للشرطة اعتقلت سعد في أحد الشوارع بدون أي تهمة، على الرغم من تواجده القانوني في البلد، “القرار قد اتخذ بعد 15 يوماً من الحبس في سجن توزلا، المخصص لترحيل المخالفين في إسطنبول، وجرى ترحيلي إلى العراق قسراً على الرغم من امتلاكي الأوراق الرسمية التي تمكنني من البقاء داخل تركيا”. 

شاب عراقي آخر عاش تجربة مشابهة مع حالات الاعتقال العشوائية، أحمد العاني (25 عاماً)، أوقفه رجال الشرطة في منطقة اسنيورت غربي اسطنبول، وطلبوا منه تصريح الإقامة، “فوجئت أن الضابط يخبرني بأن تصريح الإقامة مزور، وجرى اعتقالي في أحد مراكز الشرطة لمدة يوم واحد، بعدها جرى إطلاق سراحي بدون أن اخضع للتحقيق أو الحديث مع أي شخص”، تبيّن في ما بعد أن الموضوع اجتهاد شخصي من الضابط التركي، وأن تصريح الإقامة الخاص بالعاني لم يكن مزوّرا، لكنه غادر تركيا “خوفاً من تكرار ما حدث”. 

ً 

تشير تقارير دائرة الهجرة التركية إلى اعتقال 3647 عراقياً منذ مطلع عام 2024، بتهمة الهجرة غير الشرعية، والتي تؤدي إلى ترحيل المعتقلين مع عقوبات منع الدخول، تصل إلى 5 سنوات، إلى جانب غرامات مالية، مع تحمل المخالف كافة مصاريف تذكرة السفر.  

منذ مطلع نيسان 2024، فوجئ عدد كبير من المقيمين بقرار من دائرة الهجرة التركية بإجبارهم على توقيع وثيقة تطلب منهم تقديم كشف حساب مصرفي يكفي لمعيشة الشخص المتقدم على تجديد الإقامة لمدة 6 أشهر، على أن يكون المبلغ للفرد الواحد أكثر من الحد الأدنى للأجور بمقدار مرّة ونصف، أو استحصال إقامة العمل، وبخلاف الأمرين سوف يمنح حق الإقامة لمدة 6 أشهر فقط، وبعدها لن يُسمح له بتمديد الإقامة، الأمر الذي أحدث موجة استياء كبيرة لدى المقيمين بصورة عامة. 

مع الأسباب العديدة التي تدفع العراقيين على مغادرة تركيا، إلا أن عدد السائحين العراقيين يحتلّ المراتب الأولى، على الرغم من انخفاض عددهم مقارنة بالسنوات السابقة، حيث ذكرت وزارة الثقافة والسياحة التركية أن العراق جاء في مقدمة الدول العربية في عدد السائحين خلال كانون الثاني 2024، مبينة أن عدد الزوار العراقيين إلى تركيا بلغ 54 الفاً و508 سائحين، بنسبة انخفاض بلغت 12.11 بالمئة عن الشهر نفسه من عام 2023، والذي بلغ 62 الفاً و115 سائحاً عراقياً. 

ليست زيارات أو لجوء العراقيين وحدهما من تأثرا بالقرارات التركية تجاه الأجانب، وخاصة تجاه الجنسيات العربية ومنها العراقية، فسوق العقارات هو الآخر يعاني من ضربات موجعة، وانتكاسات خطيرة على الاقتصاد التركي. 

في السنوات السابقة، كان العراقيون يحتلون رأس القائمة في أكثر الجنسيات شراءً للعقارات في تركيا، لكن وبحسب تقرير هيئة الإحصاء التركية، فإن العراقيين احتلوا المرتبة السابعة بين أكثر الدول بشراء العقارات التركية خلال نيسان 2024. 

وهذا التراجع هو جزء من انخفاض عام في شراء العقارات من قبل الأجانب، فالهيئة كشفت أن مبيعات المنازل انخفضت بنسبة 17.5 في المئة في عام 2023 مقارنة بالعام السابق، كما تراجعت المبيعات للأجانب بنسبة 48.1 في المئة، في ظل الوضع الاقتصادي المتراجع في البلاد بشكل عام.