ترامب أم هاريس؟: العراق في أجندة الرئيس الأمريكي القادم 

جلجامش نبيل

24 آب 2024

في ولايته الأولى، كان ترامب على وشك أن يفرض "حصار مالي" على العراق، فماذا يمكن أن تواجه بغداد إذا حكم الرئيس الشعبوي لولاية ثانية؟ وماذا إذا فازت هاريس برئاسة الولايات المتحدة؟ هل ستحافظ على نهج بايدن؟ عن العراق في أجندة الرئيس الأمريكي القادم..

أثناء استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجعه مار-آ-لاغو بفلوريدا في 26 تموز، حذّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من احتمال اندلاع حرب كبرى في الشرق الأوسط أو حتى «حرب عالمية ثالثة» إذا خسر الانتخابات في تشرين الثاني المقبل، معبراً عن قلقه من إدارة “غير كفؤة” لبلاده.  

قبل ذلك بيوم، دعا ترامب في منشور على منصة Truth Social أميركا إلى إبادة إيران إذا أقدمت على اغتياله، تعليقاً على مقطع فيديو ناقش فيه نتنياهو تهديدات الجمهورية الإسلامية بالاغتيال خلال خطابه أمام الكونغرس. جاءت هذه التصريحات بعد الكشف عن معلومات استخبارية حول مؤامرة إيرانية لقتل ترامب انتقاماً لمقتل قاسم سليماني، قبل أسابيع من إطلاق النار عليه في تجمعٍ انتخابي في ولاية بنسلفانيا في 13 تموز. 

بين ليلة وضحاها، يتحوّل ترامب من نذيرٍ بحرب تمحو إيران إلى بشير أملٍ يعد بحفظ استقرار الشرق الأوسط والعالم. هكذا هو حال المرشح الرئاسي الجمهوري، عصيٌ على الفهم والتوقعات، بمواجهة حزب ديمقراطي عصفت الفوضى بأروقته، حتى انسحب الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، من السباق الرئاسي رضوخاً لمطالب العديد من وجوه الحزب والمتبرعين، نتيجة لمناظرته المتعثّرة والتشكيك في قدراته الذهنية، ثم ازدهار حظوظ ترامب في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة، وسرعان ما حلّت نائبته، كامالا هاريس، محله كمرشحة رئاسية للحزب الديمقراطي، لتحرّك استطلاعات الرأي بمختلفها، وتعيد الحياة لحزبها، وتتدفق التبرعات مرة أخرى، على أمل المحافظة على البيت الأبيض، أو تحقيق أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ خلال الانتخابات النصفية المرافقة.  

ولا تزال الأيام حُبلى بالمفاجآت، حتى انتخابات تشرين الثاني، لكن أبعدها وأقلّها حظوظاً، أن تنتهي الانتخابات هذه إلى ثالث غير هاريس وترامب، فما السيناريوهات والعواقب المترتبة على احتمالية فوز كلّ منهما على الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً؟ 

هاريس.. أربعٌ أخريات من بايدن 

في حال فوز هاريس، فمن المرجح أن نشهد تكراراً لحكم جو بايدن، لأنها بالفعل جزء من عملية صنع القرار في الإدارة الأميركية الراهنة. مع فوارق ضئيلة محتملة على الصعيد الداخلي فيما يتعلق بقضايا سياسة الهويات لكونها من الأميركيين سُمر البشرة وإذا ما أصبحت أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة. أما على الصعيد الخارجي، ولكونها شابة أكثر حيوية من كلٍ من بايدن وترامب، فقد تجازف بإدخال دماء جديدة إلى السياسة الأميركية، لاسيما وأنها تحدت نتنياهو مباشرة بحديثها عن صعوبة التغاضي عن الجرائم المُرتكبة في غزة. قد يعني ذلك مجازفة غير محسوبة لأي مرشح أمريكي بخسارة اللوبي الصهيوني أو تعويل على دعم لوبيات أخرى بما من شأنه تحقيق توازن في السياسة الخارجية الأميركية.  

في حال فوز هاريس، قد تكون لروسيا والصين أولوية في حساباتها، إلا إذا تعرّض الأمن الإسرائيلي لهزّة عنيفة أخرى، خصوصاً في خضم تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، في حال فوز هاريس، ستتمتع بمساحة أوسع للضغط على إسرائيل مقارنة بما عاشه بايدن من ضغوط في الأشهر الأخيرة لولايته بسبب قُرب الانتخابات وحرصه على ضمان دعم اللوبي الصهيوني للظفر بدورة جديدة، وهو ضغطٌ زال بعد انسحابه، لكنه قد يؤثر على فرص المرشح الديمقراطي البديل أيضاً. في العموم، لا يُتوقع حدوث تغيير كبير في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، رغم وجود بعض التسهيلات المالية لإيران خلال السنوات الأخيرة، كما أن العودة لطاولة تفاوض، حتى وإن كانت سرية، ستكون احتمالاً وارداً أيضاً، بهدف الاتفاق مع إيران. 

قد يؤثر وصول امرأة إلى المكتب البيضاوي على جهود الأحزاب الشيعية في فرض قوانين قد تضر بحقوق المرأة العراقية، ولاسيما مع تصاعد الحديث عن مشروع قانون لتعديل قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959.  

لأن ما صنعه بايدن، صنعه مع فريقه الذي كانت هاريس لاعباً أساسياً فيه، ولأنه من المتوقع أن تكون هاريس امتداداً لسياسات بايدن هذه، تالياً، سنرصد أبرز ما فعله الرئيس الديمقراطي الحالي تجاه العراق والمنطقة، في معرض التكهّن بما قد يفعله ترامب إزاء ذات القضايا.  

ترامب والشرق الأوسط: عسل إسرائيلي وبصل إيراني 

بينما يصعب التكهّن بقرارات ترامب، يمكن أن تلقي ولايته الأولى الضوء على طريقة تفكيره كرجل أعمال انعزالي ومتهوّر. ففي عام 2018، صرّح ترامب بأن أميركا تتعرض للخداع وأنها «أنفقت 7 تريليون دولار في الشرق الأوسط»، من دون أن تجني شيئاً، معلناً عن رغبته في السيطرة على النفط العراقي.  

حينها، ورث ترامب من أوباما شرقاً أوسطاً ملتهباً بالحروب في سوريا والعراق واليمن. كما ورث توقيع أوباما للاتفاق النووي الإيراني ورفع معظم العقوبات المفروضة عن إيران. نجح ترامب في الحد من تنظيم داعش بأقل تدخل أميركي بحلول أوائل عام 2018. وبعد أسبوع واحد فقط من شن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة هجوماً لهزيمة داعش في آخر معقل لها في سوريا، انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في 1 أيار 2018 وفرض عقوبات شاملة “للضغط الأقصى” ضد النظام الإيراني. تحوّلت إيران إلى الخشونة عبر أذرعها المسلحة في العراق وسوريا. وصولا لإصدار ترامب أمراً باغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري والأب الروحي للعديد من الميليشيات الإيرانية في المنطقة.  

ورغم تركيزه على رؤية «أميركا أولاً»، يتألف مشروع ترامب للعام 2025 من ورقة سياسية ضخمة تضم 920 صفحة تحتوي على مقترحات تعكس فترة رئاسته الأولى. خصّص المشروع أكثر من 200 صفحة لمواجهة تهديدات الصين للأمن القومي، فضلاً عن تهديدات حقيقية من روسيا وإيران وكوريا الشمالية والإرهاب العابر للحدود. 

يصنّف مشروع 2025 إيران بلداً يشكل تهديداً مزدوجاً لاستقرار الشرق الأوسط عبر أذرعها المسلحة في المنطقة وتوسيع برنامجها النووي. ولمواجهة ذلك، يقترح المشروع إصدار تفاهم عربي-إسرائيلي بدعم كامل من المجمع الصناعي العسكري الأميركي إلى جانب فرض عقوبات لاحتواء البرنامج النووي الإيراني. ولا يستبعد ذلك توجيه ضربة نهائية للبرنامج النووي الإيراني أو القضاء على أذرع إيران المسلحة. وممّا يزيد من تعقيد المشهد هو تحوّل إيران إلى شريك أصغر لكل من روسيا والصين بصفتها مصدراً موثوقاً للذخيرة العسكرية ولوجستيات الترسانة، فضلاً عن كونها مورداً استراتيجياً موثوقاً به للنفط للصين. وقبل ذلك، عام 2019، حذّر ترامب، في حديثه لبرنامج “لقاء الصحافة” على قناة إن بي سي، بأن إيران ستواجه «إبادة لم ترها من قبل» إذا ما حصلت على سلاح نووي. 

في دورته السابقة، اتسم نهج ترامب تجاه الشرق الأوسط بالدعم القوي لإسرائيل. ورغم ترحيب حلفاء إيران بفوزه في الدورة الأولى بهدف وقف دعم المعارضة في سوريا وطلبه أموالاً من السعودية ودول الخليج لقاء الحماية، إلاّ أنه عزّز العلاقات مع المملكة العربية السعودية.  

كما سعى ترامب للتوسط في اتفاق سلام إقليمي وركّز على هزيمة الجماعات الإرهابية الإسلامية مثل تنظيم داعش. كما أشرف ترامب على اتفاقيات إبراهيم، وهي سلسلة من صفقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية. وفي كانون الثاني 2020، أصدر خطة سلام جديدة في الشرق الأوسط كانت ستمنح إسرائيل السيادة على جزء كبير من الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

كما ركز على عزل إيران، التي وصفها بأنها «الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب». بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات اقتصادية شاملة. وفي آخر قراراته في منصبه صنّف حركة الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران كمنظمة إرهابية أجنبية. قبل أن يلغي بايدن ذلك التصنيف ثم يعيد فرضه في عام 2024 على أثر مهاجمة الحوثيون السفنَ التجارية في البحر الأحمر وسط الحرب بين إسرائيل وحماس. 

بشكل عام، يتفوق ترامب والجمهوريون على الديمقراطيين في إظهار الوحدة وتأكيد أجندتهم الساعية إلى الاستقلال في مجال الطاقة، وخفض الضرائب، وسياسة «أميركا أولاً» التي تعد بإنهاء جميع الحروب، وشن حرب افتراضية على الهجرة.  

تأثير ترامب على العراق 

في حال فوز ترامب بولاية ثانية، من المتوقع أن يترك ذلك آثاراً على ملفات عديدة في العراق منها: 

  1. مستقبل الوجود العسكري الأميركي 

في 23 تموز، تحدثت أربعة مصادر عراقية عن رغبة العراق في بدء قوات التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة الانسحاب في أيلول وإنهاء عمل التحالف رسميًا بحلول أيول 2025، مع احتمال بقاء بعض المستشارين. لا يزال الأمر قيد النقاش مع المسؤولين في واشنطن ضمن قمة أمنية من دون أي اتفاق رسمي أو جدول زمني للبت بالأمر.  

لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قال بأن الجانبين اجتمعا لتحديد كيفية انتقال مهمة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بناءً على التهديد الذي يشكله تنظيم داعش. وسط الحديث عن احتمالية عودة ظهوره إلى الساحة من جديد، حيث قال الجيش الأميركي إن الجماعة الجهادية لا تزال تنفذ هجمات في العراق وسوريا، وهي في طريقها لمضاعفة هجماتها في سوريا هذا العام مقارنة بعام 2023، إلى جانب تنفيذها هجمات في إيران وروسيا في الأشهر الماضية، فضلاً عن هجوم في سلطنة عُمان لأول مرة. 

يتزامن ذلك مع تقارير فصلية للمفتش العام الرئيسي لوزارة الدفاع الأميركية عن وجود فجوات في قدرات قوات الأمن العراقية، وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، والبيشمركة لمحاربة داعش بفعالية دون دعم التحالف، ومخاوف من أن تستغل الفصائل التابعة لإيران، بما في ذلك الحشد الشعبي، هذه الفجوات، مما يمنح طهران المزيد من النفوذ في المنطقة. 

وتحتفظ الولايات المتحدة حاليا بنحو 2,500 جندي في العراق على رأس تحالف يضم أكثر من 80 عضوا شُكّل في عام 2014 لصد تنظيم داعش. وتتمركز القوات في ثلاث قواعد رئيسية في بغداد والأنبار وإقليم كردستان.  

ويرى البعض أن قضية الانسحاب مسيسة للغاية، حيث تسعى الفصائل السياسية العراقية المتحالفة مع إيران بشكل أساسي إلى إظهار أنها تطرد المحتل السابق للبلاد مرة أخرى، بينما يريد المسؤولون الأميركيون تجنب منح إيران وحلفائها الفوز. 

قد يكون الاتفاق على تقليص حجم التحالف فوزاً سياسياً لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تعرض لضغوط من الفصائل الموالية لإيران لطرد القوات الأميركية، لكنه سعى إلى القيام بذلك بطريقة تحقق التوازن بين موقف العراق الحساس كحليف مزدوج لكل من واشنطن وطهران. 

من غير المرجح أن يحيد ترامب عن وجهة نظر البنتاغون بشأن أهمية الوجود العسكري الأميركي في العراق، لاسيما وأنه كان قد هدد العراق بعقوبات صارمة بعد تصويت البرلمان العراقي على سحب القوات الأميركية بعد اغتيال سليماني في عام 2020. لكن التصعيد الأمني ​​المحتمل على نطاق واسع في البلاد قد يدفع الولايات المتحدة نحو خيارات مثل نقل قواتها إلى إقليم كردستان، باعتباره «الحل الأمثل»، حيث لا تزال الولايات المتحدة موضع ترحيب في الإقليم الكردي. وبتحررها من القلق بشأن حماية قواتها، سيكون لدى واشنطن مجال أكبر للتعامل مع العراق بشأن علاقته مع إيران وكسر العقوبات في البلاد. 

مع تنامي التيار الأميركي الانعزالي، يخشى بعض الخبراء من عدم امتلاك الولايات المتحدة لخطط طوارئ واضحة للمنطقة بعد انتهاء عملية “العزم الصلب” ضد داعش. تشمل العملية دعم القوات الكردية في سوريا من العراق، بما في ذلك في الهندسة والطيران والخدمات اللوجستية، ولكن العلاقة المتوترة بين حكومة إقليم كردستان وقوات سوريا الديمقراطية تعقد التعاون. 

بعد قرار ترامب في 2019 بسحب القوات من شمال سوريا، تبقى المخاوف من انسحاب مشابه قائمة، رغم الانتقادات التي واجهتها إدارة بايدن بسبب انسحابها من أفغانستان في عام 2021.  

قد تضطر الولايات المتحدة إلى انسحاب سريع أو خفض قواتها في العراق بسبب تصاعد الهجمات من الميليشيات الموالية لإيران. بين تشرين الأول 2023 وشباط 2024، استهدفت هذه الميليشيات القوات الأميركية والتحالف في العراق وسوريا بنحو 200 هجوم. إذا تزايدت الضغوط الإقليمية، مثل تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران، لكنْ للسبب ذاته، قد يبقي ترامب هذه القوة ويعززها، ببساطة لأن إسرائيل هي الاستثناء الوحيد في سياسته الخارجية الانعزالية، الاستثناء الذي لن يتردد باستخدام قوة ضخمة لحمايته. 

  1. توازن القوى داخل العراق: 

في عهد بايدن، شعر العرب السُنة والأكراد بخلل في التوازن الاجتماعي لصالح هيمنة القوى الشيعية، مما أدى إلى زيادة المركزية وتراجع نفوذ إقليم كردستان لصالح بغداد. حاولت إدارة بايدن معالجة الوضع عبر تأمين رواتب موظفي كردستان، ولكن المنصب الأبرز للسُنة، رئيس مجلس النواب، لا يزال شاغراً منذ أشهر.  

إذا فاز ترامب واتبعت إدارته سياسة تصعيدية، قد تلجأ واشنطن إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع العراق، التي تلتزم فيها واشنطن بحماية المؤسسات الديمقراطية والأقليات في العراق. في حالة تدهور العلاقات، قد تفكر واشنطن في تدابير مثل مضاعفة السيطرة على قاعدة عين الأسد في الأنبار أو قد تدعم إنشاء “إقليم سُني” في الأنبار تحت الحماية الأميركية، وهو ما يمكن أن يعزز نفوذ السُنة لكن قد يؤدي أيضًا إلى تصاعد التوترات الداخلية وتعقيد الوضع في العراق. 

  1. علاقات العراق الإقليمية: 

في عهد بايدن، أصبحت علاقات العراق الخارجية أكثر انسجاماً مع معايير إيران، مما أثر على السياسات الخليجية والعربية، ودفعها لإعادة تموضع دفاعي واعتبار العلاقات مع العراق جزءاً من متطلبات التعامل مع استراتيجية طهران الإقليمية. كما سمحت الإدارة لبغداد ببناء علاقات أوسع مع الصين في قطاع النفط والتبادل التجاري، فضلاً عن التعاون مع تركيا في مشروع “طريق التنمية” بأبعاده الجيوسياسية والاقتصادية المختلفة.  

إذا فاز ترامب في ولاية ثانية، من المتوقع أن يسعى إلى ضبط التوازنات الإقليمية من خلال تعزيز العلاقات العربية العراقية، مما قد يزيد من الضغط على إيران. قد تسعى إيران إلى تعزيز موقفها عبر التفاوض مع ترامب وتقديم تنازلات في الهيكل الحكومي والميليشيات العراقية، مما يمنح بغداد مزيداً من الاستقلال في تشكيل علاقاتها الخارجية، وخاصة مع الدول العربية والخليجية. 

  1. الموقف تجاه الميليشيات:  

من المحتمل أن يتبنى ترامب نهجاً قائماً على “الصفقات” في العلاقات الخارجية، بما في ذلك مع إيران وميلشياتها في العراق. ورغم أنه قد لا يوقف المحادثات الجارية مع بغداد بشأن وضع القوات ومستقبل التحالف الدولي، إلا أن لجوء إدارته إلى نهج تصعيدي مع الميليشيات داخل العراق يبقى احتمالاً واردًا، خصوصاً مع انخراط بعض هذه المليشيات في الصراع الملتهب بين إسرائيل والفصائل القريبة من إيران والاحتمال القائم بتوسعه. قد يغير هذا المسار القواعد والتوازنات داخل القوى الشيعية الأقرب إلى إيران، لصالح الميليشيات الأكثر تطرفًا مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء على حساب الميليشيات البراغماتية الأخرى في الإطار التنسيقي. 

هناك مخاوف من أن تساهم السياسة الأميركية غير المتعاونة مع بغداد على المستوى الاستخباراتي والعملياتي في عودة داعش للظهور في المناطق التي لا يزال يحتفظ فيها بخلايا نائمة. بالإضافة إلى ذلك، قد يشجع انسحاب القوات الأميركية إلى إقليم كردستان أربيل على المطالبة بما خسرته من أدوات نفوذ واستقلال لصالح بغداد المركز خلال الفترة الأخيرة. 

  1. العقوبات الاقتصادية على المصارف العراقية  

بسبب تحالفه المزدوج مع إيران والولايات المتحدة، وامتلاكه احتياطيات تزيد عن 100 مليار دولار في الولايات المتحدة، يعتمد العراق بشكل كبير على حسن نية واشنطن لضمان وصوله إلى عائدات النفط والتمويل. تستخدم الولايات المتحدة هذه الأموال للضغط على العراق، متهمة البنوك العراقية بتهريب الدولار إلى إيران لتجاوز العقوبات. في عهد ترامب، صوّت البرلمان العراقي في 5 كانون الثاني 2020 على طرد القوات الأجنبية بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بضربة أميركية، مما أثار غضب ترامب الذي هدد بفرض عقوبات تحجب 90 بالمئة من ميزانية بغداد. شملت هذه العقوبات منع الوصول إلى حساب البنك المركزي العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، حيث تحتفظ بغداد بعائدات النفط التي تغذي 90 بالمئة من ميزانيتها الوطنية. 

رداً على مقتل سليماني، أطلقت إيران 15 صاروخاً على قواعد عسكرية عراقية تضم قوات أميركية وقوات التحالف. أكد ترامب، الذي لم يرغب في التصعيد العسكري، في تصريحاته عدم وقوع إصابات أميركية، وهدد بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية. استخدمت إدارة ترامب العقوبات للضغط على إيران، مستهدفة نحو 1,000 فرد وكيان، شملت عقوبات على أكبر شركة شحن وأكبر شركة طيران في إيران لدعمهما المزعوم لنشر أسلحة الدمار الشامل.  

في تموز 2023، واستجابة لطلب واشنطن، حظر العراق على 14 بنكاً إجراء معاملات بالدولار الأميركي لمنع تهريب الدولار إلى إيران. أدى القرار إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي واحتجاجات أمام البنك المركزي في بغداد. ومع توسيع إدارة بايدن العقوبات، مُنع 32 بنكاً عراقياً من التعامل بالدولار، مما رفع سعر الدولار في السوق من 1470 إلى 1570 ديناراً. 

في تشرين الثاني 2023، وضع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC) ستة أفراد تابعين لكتائب حزب الله على قائمة العقوبات بعد هجمات ضد أفراد الولايات المتحدة وحلفائها. في مطلع 2024، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركة فلاي بغداد ورئيسها التنفيذي بشير عبد الكاظم علوان الشباني بتهمة تقديم المساعدة للجناح العسكري الإيراني والمجاميع المرتبطة به في العراق وسوريا ولبنان. 

في 29 كانون الثاني 2024، اتهمت وزارة الخزانة مصرف الهدى بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال، واقترحت فصله عن النظام المالي الأميركي، كما شملت العقوبات إدراج حمد الموسوي، مالك ورئيس مجلس إدارة مصرف الهدى وعضو مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون، على قائمة العقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13224، بتهمة دعمه للحرس الثوري الإيراني وكتائب حزب الله وغسل الأموال لصالحهما. وأفادت وزارة الخزانة الأميركية بأن الموسوي تلقى توجيهات من فيلق القدس لتأسيس مصرف الهدى لغسل الأموال، وأن المصرف استخدم وثائق مزورة لتحويل ما لا يقل عن 6 مليارات دولار خارج العراق. 

في شباط 2024، حظر العراق على ثمانية بنوك محلية التعامل بالدولار الأميركي للحد من الاحتيال وغسيل الأموال بعد زيارة برايان نيلسون، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ولقائه بمسؤولين عراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. تزامن ذلك مع مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن، في هجوم بطائرة بدون طيار تتهم به فصائل عراقية شيعية متشددة، وهو الهجوم الأول بعد عملية طوفان الأقصى وما لحقها من هجمة إسرائيلية مدمرة على غزّة. 

وبحسب وكالة رويترز، تشمل قائمة البنوك المحظورة: مصرف آشور الدولي للاستثمار، ومصرف الاستثمار العراقي، ومصرف الاتحاد العراقي، ومصرف كردستان الدولي الإسلامي للاستثمار والتنمية (BKUI)، ومصرف الهدى، ومصرف الجنوب الإسلامي للاستثمار والتمويل، ومصرف العربية الإسلامي، ومصرف حمورابي التجاري. 

بموجب الحظر، تُمنع هذه البنوك العراقية من التداول في مزاد الدولار اليومي للبنك المركزي العراقي، ولكن يُسمح لها بإجراء معاملات بعملات أخرى.  

وفي ظل هذه المعطيات، من المتوقع أن توسع إدارة ترامب الجديدة تدابير الحوكمة في العراق، خاصة مع استمرار التدفقات المالية إلى إيران وتكيفها مع نظام العقوبات الأمريكي المتطور. قد تركز الجهود الأميركية على تحسين الشفافية والرقابة في المعاملات الاقتصادية والإدارية والمالية العراقية لمواجهة الأساليب المعقدة لصادرات النفط الإيرانية غير المشروعة بشكل فعال. 

  1. إعفاءات الغاز الإيراني  

بعد فرض ترامب عقوبات على إيران، سمحت الإدارات الأميركية للعراق بشراء حاجاته من الطاقة من إيران بشرط عدم دفع الأموال نقدًا بالعملات الصعبة. في تموز 2017، أكد وزير الكهرباء العراقي أن العراق سيعتمد على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء لمدة سبع سنوات على الأقل، حيث يشكل الغاز الإيراني نحو 20 بالمئة من الكهرباء المنتجة في العراق. وبالفعل، لا يلبي العراق سوى 70 بالمئة من الطلب على الكهرباء. ويرسل العراق النفط الإيراني لدفع ثمن وارداته من الغاز وسداد ديونه المتعلقة بالكهرباء. في حزيران 2023، حصل العراق على إعفاء من العقوبات من الولايات المتحدة لسداد 2.7 مليار دولار من ديونه للغاز والكهرباء لإيران. وزعم مسؤولون إيرانيون أن الأموال في البنوك العراقية قد تصل إلى 10 مليارات دولار أو أكثر. في آذار 2024، أصدرت إدارة بايدن إعفاء آخر من العقوبات لإيران، يقضي بإلغاء تجميد ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة. 

دفع تجديد الإعفاء من العقوبات الذي سمح للعراق بدفع ثمن الكهرباء لإيران وتحويل الأموال الإيرانية من المصرف العراقي للتجارة إلى بنك في عُمان، مجموعة من النواب الجمهوريين بقيادة النائب بيل هويزينجا إلى توجيه رسالة إلى وزيرة الخزانة جانيت يلين ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، للتساؤل عن الأساس المنطقي لهذا القرار. وأقرت إليزابيث روزنبرج، مساعدة وزير الخزانة الأمريكية، بوجود “معاملتين” من قبل إيران في جلسة استماع بلجنة الخدمات المالية بمجلس النواب في كانون الأول 2023.  

سبقت ذلك عملية تبادل سجناء بين طهران وواشنطن برعاية قطرية في أيلول 2023، حيث وصل خمسة سجناء أميركيين من إيران إلى قطر، فيما وصل إيرانيان من أصل خمسة تحتجزهم واشنطن إلى الدوحة، وفضل الثلاثة الآخرون عدم العودة إلى إيران. تزامن ذلك مع تحويل ست مليارات دولار من أرصدة إيران المجمدة في إطار العقوبات من سويسرا إلى قطر. لكن مجلس النواب الأميركي عاد للتصويت على تجميد الإفراج عنها في كانون الأول من العام نفسه، أي بعد اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة ودخول حزب الله في لبنان بما يطلق عليه “جبهة مشاغلة” ومشاركة فصائل مسلحة بالعراق وسوريا واليمن من خلال ضرب أهداف أمريكية أو مرتبطة بها أو التهديد بذلك.  

ومع تصاعد الهجمات على السفن في البحر الأحمر من قبل الحوثيين المدعومين من إيران، تزايدت الانتقادات تجاه تعامل إدارة بايدن مع إيران. في آذار، أكد قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال إريك كوريلا، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أن إيران لا تزال تدعم حماس وحزب الله والحوثيين دون أن تدفع ثمن أنشطتها “الشائنة” في المنطقة. 

في ظل هذه التطورات، قد يتخذ ترامب إجراءات أكثر تشدداً، مثل إلغاء الإعفاءات من صادرات الغاز الإيراني إلى العراق أو تقييد التوسع الاقتصادي الصيني في العراق. خلال فترة حكمه بين 2018 و2021، فرضت إدارة ترامب أكثر من 1,500 عقوبة على إيران، مستهدفة مؤسسات كبرى مثل مكتب المرشد الأعلى والحرس الثوري والبنك المركزي. كانت هذه العقوبات جزءاً من حملة “الضغط الأقصى” التي أطلقها ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، وركزت على البرنامج النووي الإيراني، الصواريخ الباليستية، الدعم الإقليمي للميليشيات، الهجمات الإلكترونية، وانتهاكات حقوق الإنسان. يُذكر أن العديد من هذه العقوبات كانت قد فرضت أصلاً من إدارة أوباما لحمل إيران على تقليص برنامجها النووي، لكن ترامب أعاد فرضها وأصدر عقوبات جديدة لتعزيز الضغط. 

في المجمل، إذا فاز ترامب، فمن المرجح أن يتبنى سياسة أكثر تشدداً تجاه العراق، مما قد يتضمن تقليص الإعفاءات الممنوحة لإيران من العقوبات، وتعزيز حملته القصوى ضدها، وزيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على العراق، مع التركيز على تحسين الشفافية ومكافحة تهريب الدولار إلى إيران. ومن الممكن أن يحلحل فوزه الوضع بخصوص تضاؤل نفوذ الإقليم الكردي وتراجع تمثيل العرب السُنة، وقد يدفع بأجندات تقارب مع الدول العربية والعراق، لكن، ولأن ترامب شخصية شعبوية ارتجالية تتراجع بوجودها المؤسسات، قد يأتي بما لم يأتِ به في سنوات حكمه الأربعة الأولى، قد يخمد الحروب فعلاً، أو قد يلهبها، قد يضيق على إيران أكثر، أو قد ينفتح لإنجاز اتفاق جديد والتقاط صورة، خصوصاً وأنه يعلم تماماً، أن هذه السنوات الأربعة، إذا ما فاز بالانتخابات، ستكون آخر عهده مع المكتب البيضاوي، وسيفكر مرّتين أو أكثر بما الذي سيضعه في حقيبته.  

* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”     

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

أثناء استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجعه مار-آ-لاغو بفلوريدا في 26 تموز، حذّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من احتمال اندلاع حرب كبرى في الشرق الأوسط أو حتى «حرب عالمية ثالثة» إذا خسر الانتخابات في تشرين الثاني المقبل، معبراً عن قلقه من إدارة “غير كفؤة” لبلاده.  

قبل ذلك بيوم، دعا ترامب في منشور على منصة Truth Social أميركا إلى إبادة إيران إذا أقدمت على اغتياله، تعليقاً على مقطع فيديو ناقش فيه نتنياهو تهديدات الجمهورية الإسلامية بالاغتيال خلال خطابه أمام الكونغرس. جاءت هذه التصريحات بعد الكشف عن معلومات استخبارية حول مؤامرة إيرانية لقتل ترامب انتقاماً لمقتل قاسم سليماني، قبل أسابيع من إطلاق النار عليه في تجمعٍ انتخابي في ولاية بنسلفانيا في 13 تموز. 

بين ليلة وضحاها، يتحوّل ترامب من نذيرٍ بحرب تمحو إيران إلى بشير أملٍ يعد بحفظ استقرار الشرق الأوسط والعالم. هكذا هو حال المرشح الرئاسي الجمهوري، عصيٌ على الفهم والتوقعات، بمواجهة حزب ديمقراطي عصفت الفوضى بأروقته، حتى انسحب الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، من السباق الرئاسي رضوخاً لمطالب العديد من وجوه الحزب والمتبرعين، نتيجة لمناظرته المتعثّرة والتشكيك في قدراته الذهنية، ثم ازدهار حظوظ ترامب في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة، وسرعان ما حلّت نائبته، كامالا هاريس، محله كمرشحة رئاسية للحزب الديمقراطي، لتحرّك استطلاعات الرأي بمختلفها، وتعيد الحياة لحزبها، وتتدفق التبرعات مرة أخرى، على أمل المحافظة على البيت الأبيض، أو تحقيق أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ خلال الانتخابات النصفية المرافقة.  

ولا تزال الأيام حُبلى بالمفاجآت، حتى انتخابات تشرين الثاني، لكن أبعدها وأقلّها حظوظاً، أن تنتهي الانتخابات هذه إلى ثالث غير هاريس وترامب، فما السيناريوهات والعواقب المترتبة على احتمالية فوز كلّ منهما على الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً؟ 

هاريس.. أربعٌ أخريات من بايدن 

في حال فوز هاريس، فمن المرجح أن نشهد تكراراً لحكم جو بايدن، لأنها بالفعل جزء من عملية صنع القرار في الإدارة الأميركية الراهنة. مع فوارق ضئيلة محتملة على الصعيد الداخلي فيما يتعلق بقضايا سياسة الهويات لكونها من الأميركيين سُمر البشرة وإذا ما أصبحت أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة. أما على الصعيد الخارجي، ولكونها شابة أكثر حيوية من كلٍ من بايدن وترامب، فقد تجازف بإدخال دماء جديدة إلى السياسة الأميركية، لاسيما وأنها تحدت نتنياهو مباشرة بحديثها عن صعوبة التغاضي عن الجرائم المُرتكبة في غزة. قد يعني ذلك مجازفة غير محسوبة لأي مرشح أمريكي بخسارة اللوبي الصهيوني أو تعويل على دعم لوبيات أخرى بما من شأنه تحقيق توازن في السياسة الخارجية الأميركية.  

في حال فوز هاريس، قد تكون لروسيا والصين أولوية في حساباتها، إلا إذا تعرّض الأمن الإسرائيلي لهزّة عنيفة أخرى، خصوصاً في خضم تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، في حال فوز هاريس، ستتمتع بمساحة أوسع للضغط على إسرائيل مقارنة بما عاشه بايدن من ضغوط في الأشهر الأخيرة لولايته بسبب قُرب الانتخابات وحرصه على ضمان دعم اللوبي الصهيوني للظفر بدورة جديدة، وهو ضغطٌ زال بعد انسحابه، لكنه قد يؤثر على فرص المرشح الديمقراطي البديل أيضاً. في العموم، لا يُتوقع حدوث تغيير كبير في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، رغم وجود بعض التسهيلات المالية لإيران خلال السنوات الأخيرة، كما أن العودة لطاولة تفاوض، حتى وإن كانت سرية، ستكون احتمالاً وارداً أيضاً، بهدف الاتفاق مع إيران. 

قد يؤثر وصول امرأة إلى المكتب البيضاوي على جهود الأحزاب الشيعية في فرض قوانين قد تضر بحقوق المرأة العراقية، ولاسيما مع تصاعد الحديث عن مشروع قانون لتعديل قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959.  

لأن ما صنعه بايدن، صنعه مع فريقه الذي كانت هاريس لاعباً أساسياً فيه، ولأنه من المتوقع أن تكون هاريس امتداداً لسياسات بايدن هذه، تالياً، سنرصد أبرز ما فعله الرئيس الديمقراطي الحالي تجاه العراق والمنطقة، في معرض التكهّن بما قد يفعله ترامب إزاء ذات القضايا.  

ترامب والشرق الأوسط: عسل إسرائيلي وبصل إيراني 

بينما يصعب التكهّن بقرارات ترامب، يمكن أن تلقي ولايته الأولى الضوء على طريقة تفكيره كرجل أعمال انعزالي ومتهوّر. ففي عام 2018، صرّح ترامب بأن أميركا تتعرض للخداع وأنها «أنفقت 7 تريليون دولار في الشرق الأوسط»، من دون أن تجني شيئاً، معلناً عن رغبته في السيطرة على النفط العراقي.  

حينها، ورث ترامب من أوباما شرقاً أوسطاً ملتهباً بالحروب في سوريا والعراق واليمن. كما ورث توقيع أوباما للاتفاق النووي الإيراني ورفع معظم العقوبات المفروضة عن إيران. نجح ترامب في الحد من تنظيم داعش بأقل تدخل أميركي بحلول أوائل عام 2018. وبعد أسبوع واحد فقط من شن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة هجوماً لهزيمة داعش في آخر معقل لها في سوريا، انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في 1 أيار 2018 وفرض عقوبات شاملة “للضغط الأقصى” ضد النظام الإيراني. تحوّلت إيران إلى الخشونة عبر أذرعها المسلحة في العراق وسوريا. وصولا لإصدار ترامب أمراً باغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري والأب الروحي للعديد من الميليشيات الإيرانية في المنطقة.  

ورغم تركيزه على رؤية «أميركا أولاً»، يتألف مشروع ترامب للعام 2025 من ورقة سياسية ضخمة تضم 920 صفحة تحتوي على مقترحات تعكس فترة رئاسته الأولى. خصّص المشروع أكثر من 200 صفحة لمواجهة تهديدات الصين للأمن القومي، فضلاً عن تهديدات حقيقية من روسيا وإيران وكوريا الشمالية والإرهاب العابر للحدود. 

يصنّف مشروع 2025 إيران بلداً يشكل تهديداً مزدوجاً لاستقرار الشرق الأوسط عبر أذرعها المسلحة في المنطقة وتوسيع برنامجها النووي. ولمواجهة ذلك، يقترح المشروع إصدار تفاهم عربي-إسرائيلي بدعم كامل من المجمع الصناعي العسكري الأميركي إلى جانب فرض عقوبات لاحتواء البرنامج النووي الإيراني. ولا يستبعد ذلك توجيه ضربة نهائية للبرنامج النووي الإيراني أو القضاء على أذرع إيران المسلحة. وممّا يزيد من تعقيد المشهد هو تحوّل إيران إلى شريك أصغر لكل من روسيا والصين بصفتها مصدراً موثوقاً للذخيرة العسكرية ولوجستيات الترسانة، فضلاً عن كونها مورداً استراتيجياً موثوقاً به للنفط للصين. وقبل ذلك، عام 2019، حذّر ترامب، في حديثه لبرنامج “لقاء الصحافة” على قناة إن بي سي، بأن إيران ستواجه «إبادة لم ترها من قبل» إذا ما حصلت على سلاح نووي. 

في دورته السابقة، اتسم نهج ترامب تجاه الشرق الأوسط بالدعم القوي لإسرائيل. ورغم ترحيب حلفاء إيران بفوزه في الدورة الأولى بهدف وقف دعم المعارضة في سوريا وطلبه أموالاً من السعودية ودول الخليج لقاء الحماية، إلاّ أنه عزّز العلاقات مع المملكة العربية السعودية.  

كما سعى ترامب للتوسط في اتفاق سلام إقليمي وركّز على هزيمة الجماعات الإرهابية الإسلامية مثل تنظيم داعش. كما أشرف ترامب على اتفاقيات إبراهيم، وهي سلسلة من صفقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية. وفي كانون الثاني 2020، أصدر خطة سلام جديدة في الشرق الأوسط كانت ستمنح إسرائيل السيادة على جزء كبير من الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

كما ركز على عزل إيران، التي وصفها بأنها «الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب». بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات اقتصادية شاملة. وفي آخر قراراته في منصبه صنّف حركة الحوثيين اليمنية المدعومة من إيران كمنظمة إرهابية أجنبية. قبل أن يلغي بايدن ذلك التصنيف ثم يعيد فرضه في عام 2024 على أثر مهاجمة الحوثيون السفنَ التجارية في البحر الأحمر وسط الحرب بين إسرائيل وحماس. 

بشكل عام، يتفوق ترامب والجمهوريون على الديمقراطيين في إظهار الوحدة وتأكيد أجندتهم الساعية إلى الاستقلال في مجال الطاقة، وخفض الضرائب، وسياسة «أميركا أولاً» التي تعد بإنهاء جميع الحروب، وشن حرب افتراضية على الهجرة.  

تأثير ترامب على العراق 

في حال فوز ترامب بولاية ثانية، من المتوقع أن يترك ذلك آثاراً على ملفات عديدة في العراق منها: 

  1. مستقبل الوجود العسكري الأميركي 

في 23 تموز، تحدثت أربعة مصادر عراقية عن رغبة العراق في بدء قوات التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة الانسحاب في أيلول وإنهاء عمل التحالف رسميًا بحلول أيول 2025، مع احتمال بقاء بعض المستشارين. لا يزال الأمر قيد النقاش مع المسؤولين في واشنطن ضمن قمة أمنية من دون أي اتفاق رسمي أو جدول زمني للبت بالأمر.  

لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قال بأن الجانبين اجتمعا لتحديد كيفية انتقال مهمة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بناءً على التهديد الذي يشكله تنظيم داعش. وسط الحديث عن احتمالية عودة ظهوره إلى الساحة من جديد، حيث قال الجيش الأميركي إن الجماعة الجهادية لا تزال تنفذ هجمات في العراق وسوريا، وهي في طريقها لمضاعفة هجماتها في سوريا هذا العام مقارنة بعام 2023، إلى جانب تنفيذها هجمات في إيران وروسيا في الأشهر الماضية، فضلاً عن هجوم في سلطنة عُمان لأول مرة. 

يتزامن ذلك مع تقارير فصلية للمفتش العام الرئيسي لوزارة الدفاع الأميركية عن وجود فجوات في قدرات قوات الأمن العراقية، وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، والبيشمركة لمحاربة داعش بفعالية دون دعم التحالف، ومخاوف من أن تستغل الفصائل التابعة لإيران، بما في ذلك الحشد الشعبي، هذه الفجوات، مما يمنح طهران المزيد من النفوذ في المنطقة. 

وتحتفظ الولايات المتحدة حاليا بنحو 2,500 جندي في العراق على رأس تحالف يضم أكثر من 80 عضوا شُكّل في عام 2014 لصد تنظيم داعش. وتتمركز القوات في ثلاث قواعد رئيسية في بغداد والأنبار وإقليم كردستان.  

ويرى البعض أن قضية الانسحاب مسيسة للغاية، حيث تسعى الفصائل السياسية العراقية المتحالفة مع إيران بشكل أساسي إلى إظهار أنها تطرد المحتل السابق للبلاد مرة أخرى، بينما يريد المسؤولون الأميركيون تجنب منح إيران وحلفائها الفوز. 

قد يكون الاتفاق على تقليص حجم التحالف فوزاً سياسياً لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تعرض لضغوط من الفصائل الموالية لإيران لطرد القوات الأميركية، لكنه سعى إلى القيام بذلك بطريقة تحقق التوازن بين موقف العراق الحساس كحليف مزدوج لكل من واشنطن وطهران. 

من غير المرجح أن يحيد ترامب عن وجهة نظر البنتاغون بشأن أهمية الوجود العسكري الأميركي في العراق، لاسيما وأنه كان قد هدد العراق بعقوبات صارمة بعد تصويت البرلمان العراقي على سحب القوات الأميركية بعد اغتيال سليماني في عام 2020. لكن التصعيد الأمني ​​المحتمل على نطاق واسع في البلاد قد يدفع الولايات المتحدة نحو خيارات مثل نقل قواتها إلى إقليم كردستان، باعتباره «الحل الأمثل»، حيث لا تزال الولايات المتحدة موضع ترحيب في الإقليم الكردي. وبتحررها من القلق بشأن حماية قواتها، سيكون لدى واشنطن مجال أكبر للتعامل مع العراق بشأن علاقته مع إيران وكسر العقوبات في البلاد. 

مع تنامي التيار الأميركي الانعزالي، يخشى بعض الخبراء من عدم امتلاك الولايات المتحدة لخطط طوارئ واضحة للمنطقة بعد انتهاء عملية “العزم الصلب” ضد داعش. تشمل العملية دعم القوات الكردية في سوريا من العراق، بما في ذلك في الهندسة والطيران والخدمات اللوجستية، ولكن العلاقة المتوترة بين حكومة إقليم كردستان وقوات سوريا الديمقراطية تعقد التعاون. 

بعد قرار ترامب في 2019 بسحب القوات من شمال سوريا، تبقى المخاوف من انسحاب مشابه قائمة، رغم الانتقادات التي واجهتها إدارة بايدن بسبب انسحابها من أفغانستان في عام 2021.  

قد تضطر الولايات المتحدة إلى انسحاب سريع أو خفض قواتها في العراق بسبب تصاعد الهجمات من الميليشيات الموالية لإيران. بين تشرين الأول 2023 وشباط 2024، استهدفت هذه الميليشيات القوات الأميركية والتحالف في العراق وسوريا بنحو 200 هجوم. إذا تزايدت الضغوط الإقليمية، مثل تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران، لكنْ للسبب ذاته، قد يبقي ترامب هذه القوة ويعززها، ببساطة لأن إسرائيل هي الاستثناء الوحيد في سياسته الخارجية الانعزالية، الاستثناء الذي لن يتردد باستخدام قوة ضخمة لحمايته. 

  1. توازن القوى داخل العراق: 

في عهد بايدن، شعر العرب السُنة والأكراد بخلل في التوازن الاجتماعي لصالح هيمنة القوى الشيعية، مما أدى إلى زيادة المركزية وتراجع نفوذ إقليم كردستان لصالح بغداد. حاولت إدارة بايدن معالجة الوضع عبر تأمين رواتب موظفي كردستان، ولكن المنصب الأبرز للسُنة، رئيس مجلس النواب، لا يزال شاغراً منذ أشهر.  

إذا فاز ترامب واتبعت إدارته سياسة تصعيدية، قد تلجأ واشنطن إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع العراق، التي تلتزم فيها واشنطن بحماية المؤسسات الديمقراطية والأقليات في العراق. في حالة تدهور العلاقات، قد تفكر واشنطن في تدابير مثل مضاعفة السيطرة على قاعدة عين الأسد في الأنبار أو قد تدعم إنشاء “إقليم سُني” في الأنبار تحت الحماية الأميركية، وهو ما يمكن أن يعزز نفوذ السُنة لكن قد يؤدي أيضًا إلى تصاعد التوترات الداخلية وتعقيد الوضع في العراق. 

  1. علاقات العراق الإقليمية: 

في عهد بايدن، أصبحت علاقات العراق الخارجية أكثر انسجاماً مع معايير إيران، مما أثر على السياسات الخليجية والعربية، ودفعها لإعادة تموضع دفاعي واعتبار العلاقات مع العراق جزءاً من متطلبات التعامل مع استراتيجية طهران الإقليمية. كما سمحت الإدارة لبغداد ببناء علاقات أوسع مع الصين في قطاع النفط والتبادل التجاري، فضلاً عن التعاون مع تركيا في مشروع “طريق التنمية” بأبعاده الجيوسياسية والاقتصادية المختلفة.  

إذا فاز ترامب في ولاية ثانية، من المتوقع أن يسعى إلى ضبط التوازنات الإقليمية من خلال تعزيز العلاقات العربية العراقية، مما قد يزيد من الضغط على إيران. قد تسعى إيران إلى تعزيز موقفها عبر التفاوض مع ترامب وتقديم تنازلات في الهيكل الحكومي والميليشيات العراقية، مما يمنح بغداد مزيداً من الاستقلال في تشكيل علاقاتها الخارجية، وخاصة مع الدول العربية والخليجية. 

  1. الموقف تجاه الميليشيات:  

من المحتمل أن يتبنى ترامب نهجاً قائماً على “الصفقات” في العلاقات الخارجية، بما في ذلك مع إيران وميلشياتها في العراق. ورغم أنه قد لا يوقف المحادثات الجارية مع بغداد بشأن وضع القوات ومستقبل التحالف الدولي، إلا أن لجوء إدارته إلى نهج تصعيدي مع الميليشيات داخل العراق يبقى احتمالاً واردًا، خصوصاً مع انخراط بعض هذه المليشيات في الصراع الملتهب بين إسرائيل والفصائل القريبة من إيران والاحتمال القائم بتوسعه. قد يغير هذا المسار القواعد والتوازنات داخل القوى الشيعية الأقرب إلى إيران، لصالح الميليشيات الأكثر تطرفًا مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء على حساب الميليشيات البراغماتية الأخرى في الإطار التنسيقي. 

هناك مخاوف من أن تساهم السياسة الأميركية غير المتعاونة مع بغداد على المستوى الاستخباراتي والعملياتي في عودة داعش للظهور في المناطق التي لا يزال يحتفظ فيها بخلايا نائمة. بالإضافة إلى ذلك، قد يشجع انسحاب القوات الأميركية إلى إقليم كردستان أربيل على المطالبة بما خسرته من أدوات نفوذ واستقلال لصالح بغداد المركز خلال الفترة الأخيرة. 

  1. العقوبات الاقتصادية على المصارف العراقية  

بسبب تحالفه المزدوج مع إيران والولايات المتحدة، وامتلاكه احتياطيات تزيد عن 100 مليار دولار في الولايات المتحدة، يعتمد العراق بشكل كبير على حسن نية واشنطن لضمان وصوله إلى عائدات النفط والتمويل. تستخدم الولايات المتحدة هذه الأموال للضغط على العراق، متهمة البنوك العراقية بتهريب الدولار إلى إيران لتجاوز العقوبات. في عهد ترامب، صوّت البرلمان العراقي في 5 كانون الثاني 2020 على طرد القوات الأجنبية بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بضربة أميركية، مما أثار غضب ترامب الذي هدد بفرض عقوبات تحجب 90 بالمئة من ميزانية بغداد. شملت هذه العقوبات منع الوصول إلى حساب البنك المركزي العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، حيث تحتفظ بغداد بعائدات النفط التي تغذي 90 بالمئة من ميزانيتها الوطنية. 

رداً على مقتل سليماني، أطلقت إيران 15 صاروخاً على قواعد عسكرية عراقية تضم قوات أميركية وقوات التحالف. أكد ترامب، الذي لم يرغب في التصعيد العسكري، في تصريحاته عدم وقوع إصابات أميركية، وهدد بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية. استخدمت إدارة ترامب العقوبات للضغط على إيران، مستهدفة نحو 1,000 فرد وكيان، شملت عقوبات على أكبر شركة شحن وأكبر شركة طيران في إيران لدعمهما المزعوم لنشر أسلحة الدمار الشامل.  

في تموز 2023، واستجابة لطلب واشنطن، حظر العراق على 14 بنكاً إجراء معاملات بالدولار الأميركي لمنع تهريب الدولار إلى إيران. أدى القرار إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي واحتجاجات أمام البنك المركزي في بغداد. ومع توسيع إدارة بايدن العقوبات، مُنع 32 بنكاً عراقياً من التعامل بالدولار، مما رفع سعر الدولار في السوق من 1470 إلى 1570 ديناراً. 

في تشرين الثاني 2023، وضع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC) ستة أفراد تابعين لكتائب حزب الله على قائمة العقوبات بعد هجمات ضد أفراد الولايات المتحدة وحلفائها. في مطلع 2024، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركة فلاي بغداد ورئيسها التنفيذي بشير عبد الكاظم علوان الشباني بتهمة تقديم المساعدة للجناح العسكري الإيراني والمجاميع المرتبطة به في العراق وسوريا ولبنان. 

في 29 كانون الثاني 2024، اتهمت وزارة الخزانة مصرف الهدى بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال، واقترحت فصله عن النظام المالي الأميركي، كما شملت العقوبات إدراج حمد الموسوي، مالك ورئيس مجلس إدارة مصرف الهدى وعضو مجلس النواب عن ائتلاف دولة القانون، على قائمة العقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13224، بتهمة دعمه للحرس الثوري الإيراني وكتائب حزب الله وغسل الأموال لصالحهما. وأفادت وزارة الخزانة الأميركية بأن الموسوي تلقى توجيهات من فيلق القدس لتأسيس مصرف الهدى لغسل الأموال، وأن المصرف استخدم وثائق مزورة لتحويل ما لا يقل عن 6 مليارات دولار خارج العراق. 

في شباط 2024، حظر العراق على ثمانية بنوك محلية التعامل بالدولار الأميركي للحد من الاحتيال وغسيل الأموال بعد زيارة برايان نيلسون، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ولقائه بمسؤولين عراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. تزامن ذلك مع مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن، في هجوم بطائرة بدون طيار تتهم به فصائل عراقية شيعية متشددة، وهو الهجوم الأول بعد عملية طوفان الأقصى وما لحقها من هجمة إسرائيلية مدمرة على غزّة. 

وبحسب وكالة رويترز، تشمل قائمة البنوك المحظورة: مصرف آشور الدولي للاستثمار، ومصرف الاستثمار العراقي، ومصرف الاتحاد العراقي، ومصرف كردستان الدولي الإسلامي للاستثمار والتنمية (BKUI)، ومصرف الهدى، ومصرف الجنوب الإسلامي للاستثمار والتمويل، ومصرف العربية الإسلامي، ومصرف حمورابي التجاري. 

بموجب الحظر، تُمنع هذه البنوك العراقية من التداول في مزاد الدولار اليومي للبنك المركزي العراقي، ولكن يُسمح لها بإجراء معاملات بعملات أخرى.  

وفي ظل هذه المعطيات، من المتوقع أن توسع إدارة ترامب الجديدة تدابير الحوكمة في العراق، خاصة مع استمرار التدفقات المالية إلى إيران وتكيفها مع نظام العقوبات الأمريكي المتطور. قد تركز الجهود الأميركية على تحسين الشفافية والرقابة في المعاملات الاقتصادية والإدارية والمالية العراقية لمواجهة الأساليب المعقدة لصادرات النفط الإيرانية غير المشروعة بشكل فعال. 

  1. إعفاءات الغاز الإيراني  

بعد فرض ترامب عقوبات على إيران، سمحت الإدارات الأميركية للعراق بشراء حاجاته من الطاقة من إيران بشرط عدم دفع الأموال نقدًا بالعملات الصعبة. في تموز 2017، أكد وزير الكهرباء العراقي أن العراق سيعتمد على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء لمدة سبع سنوات على الأقل، حيث يشكل الغاز الإيراني نحو 20 بالمئة من الكهرباء المنتجة في العراق. وبالفعل، لا يلبي العراق سوى 70 بالمئة من الطلب على الكهرباء. ويرسل العراق النفط الإيراني لدفع ثمن وارداته من الغاز وسداد ديونه المتعلقة بالكهرباء. في حزيران 2023، حصل العراق على إعفاء من العقوبات من الولايات المتحدة لسداد 2.7 مليار دولار من ديونه للغاز والكهرباء لإيران. وزعم مسؤولون إيرانيون أن الأموال في البنوك العراقية قد تصل إلى 10 مليارات دولار أو أكثر. في آذار 2024، أصدرت إدارة بايدن إعفاء آخر من العقوبات لإيران، يقضي بإلغاء تجميد ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة. 

دفع تجديد الإعفاء من العقوبات الذي سمح للعراق بدفع ثمن الكهرباء لإيران وتحويل الأموال الإيرانية من المصرف العراقي للتجارة إلى بنك في عُمان، مجموعة من النواب الجمهوريين بقيادة النائب بيل هويزينجا إلى توجيه رسالة إلى وزيرة الخزانة جانيت يلين ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، للتساؤل عن الأساس المنطقي لهذا القرار. وأقرت إليزابيث روزنبرج، مساعدة وزير الخزانة الأمريكية، بوجود “معاملتين” من قبل إيران في جلسة استماع بلجنة الخدمات المالية بمجلس النواب في كانون الأول 2023.  

سبقت ذلك عملية تبادل سجناء بين طهران وواشنطن برعاية قطرية في أيلول 2023، حيث وصل خمسة سجناء أميركيين من إيران إلى قطر، فيما وصل إيرانيان من أصل خمسة تحتجزهم واشنطن إلى الدوحة، وفضل الثلاثة الآخرون عدم العودة إلى إيران. تزامن ذلك مع تحويل ست مليارات دولار من أرصدة إيران المجمدة في إطار العقوبات من سويسرا إلى قطر. لكن مجلس النواب الأميركي عاد للتصويت على تجميد الإفراج عنها في كانون الأول من العام نفسه، أي بعد اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة ودخول حزب الله في لبنان بما يطلق عليه “جبهة مشاغلة” ومشاركة فصائل مسلحة بالعراق وسوريا واليمن من خلال ضرب أهداف أمريكية أو مرتبطة بها أو التهديد بذلك.  

ومع تصاعد الهجمات على السفن في البحر الأحمر من قبل الحوثيين المدعومين من إيران، تزايدت الانتقادات تجاه تعامل إدارة بايدن مع إيران. في آذار، أكد قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال إريك كوريلا، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أن إيران لا تزال تدعم حماس وحزب الله والحوثيين دون أن تدفع ثمن أنشطتها “الشائنة” في المنطقة. 

في ظل هذه التطورات، قد يتخذ ترامب إجراءات أكثر تشدداً، مثل إلغاء الإعفاءات من صادرات الغاز الإيراني إلى العراق أو تقييد التوسع الاقتصادي الصيني في العراق. خلال فترة حكمه بين 2018 و2021، فرضت إدارة ترامب أكثر من 1,500 عقوبة على إيران، مستهدفة مؤسسات كبرى مثل مكتب المرشد الأعلى والحرس الثوري والبنك المركزي. كانت هذه العقوبات جزءاً من حملة “الضغط الأقصى” التي أطلقها ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، وركزت على البرنامج النووي الإيراني، الصواريخ الباليستية، الدعم الإقليمي للميليشيات، الهجمات الإلكترونية، وانتهاكات حقوق الإنسان. يُذكر أن العديد من هذه العقوبات كانت قد فرضت أصلاً من إدارة أوباما لحمل إيران على تقليص برنامجها النووي، لكن ترامب أعاد فرضها وأصدر عقوبات جديدة لتعزيز الضغط. 

في المجمل، إذا فاز ترامب، فمن المرجح أن يتبنى سياسة أكثر تشدداً تجاه العراق، مما قد يتضمن تقليص الإعفاءات الممنوحة لإيران من العقوبات، وتعزيز حملته القصوى ضدها، وزيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على العراق، مع التركيز على تحسين الشفافية ومكافحة تهريب الدولار إلى إيران. ومن الممكن أن يحلحل فوزه الوضع بخصوص تضاؤل نفوذ الإقليم الكردي وتراجع تمثيل العرب السُنة، وقد يدفع بأجندات تقارب مع الدول العربية والعراق، لكن، ولأن ترامب شخصية شعبوية ارتجالية تتراجع بوجودها المؤسسات، قد يأتي بما لم يأتِ به في سنوات حكمه الأربعة الأولى، قد يخمد الحروب فعلاً، أو قد يلهبها، قد يضيق على إيران أكثر، أو قد ينفتح لإنجاز اتفاق جديد والتقاط صورة، خصوصاً وأنه يعلم تماماً، أن هذه السنوات الأربعة، إذا ما فاز بالانتخابات، ستكون آخر عهده مع المكتب البيضاوي، وسيفكر مرّتين أو أكثر بما الذي سيضعه في حقيبته.  

* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”