"تيار قتيل بين القبائل".. كهرباء العراق: لماذا الحل "مستحيل"؟
17 آب 2024
الكهرباء هي تذكير للعراقيين بأنها الاختبار الأكثر فشلاً لنظامهم السياسي الجديد، وهي الفشل الذي يعكّر صفو "نشوة المجسّرات".. عن "تيار الكهرباء القتيل بين القبائل"
كادت ثوابت وقناعات العراقيين تجاه ثنائية الكهرباء ـ الصيف أن تتزعزع صيف العام الماضي 2023، حيث بهَتَتْ “النكتة” الصيفية التي كانت تطلقها وزارة الكهرباء بأن الصيف المقبل سيكون أفضل من السابق، غير أن “لعنة الكهرباء” تأبى إلّا أن تحافظ على وظيفتها الأبديّة: تذكير العراقيين بأزمتهم المستدامة والاختبار الأكثر فشلاً لنظامهم السياسي الجديد، معكّرة صفو “نشوة المجسّرات” صيف هذا العام 2024.
أنفق العراق على كهربائه أكثر من 80 مليار دولار بين 2003 و2021، إضافةً لقرابة 30 مليار دولار أخرى خلال العامين الماضيين ليصبح المجموع 110 مليارات دولار، ما يوحي بأن الانفاق المرتفع والأداء المنخفض سياق ثابت في كهرباء العراق، لن يتغير على يد حكومة محمد شياع السوداني، حتى وإن علمنا أن كل مليار دولار كافٍ لإضافة حوالي ألف ميغا واط، وفي حال احتساب كلف التشغيل والوقود وغيرها، فيجب أن يكون لدى العراق 60 ألف ميغا واط حالياً على أقل تقدير، غير أن ما ينتجه العراق لا يتجاوز 27 ألف ميغا واط، أي قرابة 45 بالمئة فقط من الهدف التقديري المفترض، ما يحكم على 55 بالمئة من الأموال المتبقية، باستثناء نفقات التشغيل والوقود، بواحد من أحكام ثلاثة: مفقود أو مهدور أو مُختَلس، والتي تُقدَر بحوالي 35 مليار دولار.
مبرّرات متضاربة.. والوزارة تعود 6 سنوات إلى الوراء
عادت، صيف هذا العام، مشاهد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالكهرباء والخدمات، إلى الظهور بقوة من جديد، من دون تفسيرات منطقية لتراجع تجهيز الكهرباء مقارنة بالعام الماضي، خصوصاً وأن العام الحالي شهد زيادة الإنتاج، والغاز الإيراني مستمر بالتدفق مقارنة بالقطوعات المتكررة العام الماضي وفقدان 5 آلاف ميغا واط بين الحين والآخر بسبب انقطاعاته.
24 ألف ميغا واط، وشبكات توزيع قديمة متهالكة، نجحت بتوفير صيف أفضل نسبياً من المعتاد في 2023، فيما فشلت الشبكات ذاتها على الرغم من ارتفاع الإنتاج إلى 27 ألف ميغا واط هذا العام، ومع ذلك، بدأت وزارة الكهرباء تبرر تراجع التجهيز هذا العام بالإنتاج.
لامتصاص الغضب، قادت وزارة الكهرباء حملة إعفاءات -لا يمكن تبرئتها من بُعد سياسي- ضد مدراء توزيع ومسؤولي صيانة في عدد من المحافظات والمناطق العراقية، فيما جرت الأحاديث على لسان وزير الكهرباء ومسؤوليها بأن مدراء التوزيع “يخدعون” الوزارة عن ساعات التجهيز التي يوفرونها للمواطنين، كما أن بعض دوائر التوزيع تمنح “استثناءات” تميّز منشآت او مناطق معينة على حساب أخرى.
مبرر قديم آخر تولّى وكيل وزارة الكهرباء عادل كريم إطلاقه، بالقول إن ارتفاع درجات حرارة الطقس يتسبب بفقدان المنظومة 5 آلاف ميغا واط. وأردفت الوزارة حُزمة تبريراتها، بارتفاع الطلب هذا العام إلى حوالي 49 ألف ميغا واط، وهذا يستدعي التعجب لأن حاجة العراق، حتى العام الماضي، كان يتراوح بين 35 و37 ألف ميغا واط فقط للقضاء على أزمة الكهرباء بالكامل والتجهيز لمدة 24 ساعة، وبينما تخطو وزارة الكهرباء سنويًا لسد هذه الفجوة حتى أنها أضافت 3 آلاف ميغا واط هذا العام، يقفز الطلب بحوالي 13 ألف ميغا واط إضافية في عام واحد فقط، ليوسّع الفجوة من جديد، على الرغم من أن الطلب ينمو سنوياً بحوالي ألفي ميغا واط وفقًا لوزارة الكهرباء ذاتها، وبالتعامل مع الرقم الجديد، فإن أعمال وزارة الكهرباء وخطط الدولة لحل أزمة الكهرباء، سبقها الطلب بمقدار 6 سنوات إلى الأمام، فعادت الوزارة 6 سنوات إلى الوراء.
تخطط الوزارة لإضافة حوالي 15 ألف ميغا واط خلال السنوات القليلة المقبلة، في أحسن الأحوال قد تكون خلال 4 سنوات مع المشاريع القائمة والتي يجري العمل عليها، وبإضافتها على الـ27 ألف ميغا واط، سيصل إنتاج العراق بعد 4 سنوات من الآن إلى 42 ألف ميغا واط، ومع ذلك سيبقى دون الطلب الحالي البالغ حوالي 49 الف ميغا واط (وفق تصريحات الوزارة التبريرية)، ومن غير المعلوم بكم قفزة سيفاجئنا الطلب خلال السنوات الاربعة المقبلة.
اغتيال الكهرباء
يمكن وصف الكهرباء في العراق، بأنها “قتيل توزع دمه بين قبائل”، فأسباب “موت الكهرباء” في العراق، متعددة وتساهم بها فواعل وأطراف متعددة، فبالإضافة لنقص الغاز وسوء شبكات التوزيع وتهالكها، تضافرت جهات بالحكومات المتعاقبة وفساد الدوائر الصغيرة في مفاصل وزارة الكهرباء، مع المواطن “المستهلك الشَره” وغير الملتزم بواجباته، على الإيغال بجسد الكهرباء.
منخفض إلى حد كبير، سعر الكهرباء في العراق، فهو يحل بالمرتبة العاشرة بين أرخص بلدان العالم، وفقاً لموقع غلوبال بترول برايس، والتي تبلغ 0.015 دولار لكل كيلو واط في الساعة، وهذا يعني، حسب الإنتاج الحالي للوزارة، يجب أن تستحصل الوزارة 3.5 مليارات دولار سنوياً، أي ما يمثل 30 بالمئة من الإنفاق السنوي المُقدَر بحوالي 10 مليارات دولار. لكنْ، حتى هذه الاموال البسيطة، قياسًا بإجمالي الانفاق على الكهرباء في العراق، تعجز الدولة عن جبايتها، فالوزارة لا تبيع سوى 44 بالمئة من الكهرباء المجهزة، أما الـ56 بالمئة المتبقية “تُسرَقُ في الطريق”، ومعظم ما يضيع ليس لأسباب فنية، بل إدارية، حيث تُجَهَزُ مناطق ومنشآت ومؤسسات، لا يتم احصاؤها ولا تحتوي أجهزة قياس تحسبها لاستحصال أموالها، وهذا يخفّض المبالغ المتوقعة من 3.5 مليارات دولار حتى 1.5 مليار دولار سنوياً فقط، وحتى هذا المبلغ الضئيل من ذاك المبلغ الصغير من أصل التكلفة المنخفضة أصلاً، تعجز الوزارة عن جبايته في السنة التي استُهلِكت الكهرباء خلالها ذاتها، بل تتراكم كديون بذمة المؤسسات الحكومية وبذمة المواطنين الذين لا يسددون، حتى يتم إلزامهم بذلك عند كل عملية بيع أو شراء العقار الذي استُهلكت الكهرباء فيه.
في الاثناء، يدفع قرابة 7 ملايين منزل في العراق، حوالي 70 ألف دينار شهرياً للمولدات، ما يعادل 4.5 مليارات دولار سنوياً، أي أن أصحاب المولدات الأهلية يحصلون على 3 أضعاف ما تحصل عليه وزارة الكهرباء تقريباً، وهو مبلغ يمكن له سدِّ حوالي 60 بالمئة من نفقاتها السنوية.
الكهرباء “شبه المجانية” ولاسيما للمتخفين الذين يستهلكون 56 بالمئة منها، تشجع على أن يكون الطلب عليها “لا نهائيا”، لدرجة أن الوزارة ترمي على عاتقه 13 ألف ميغا واط ارتفاعاً في عام واحد، دون أن يجرؤ أحد على التعجب والسؤال، ودون أن تتطرق الوزارة إلى: كيف ارتفع وأين بالضبط يكمن هذا الاستهلاك الكبير، واستنزاف أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، لا يعود منها سوى 1.5 مليار دولار وبـ”الآجل”.
المحروق لا يكفي.. نحتاج غازنا وغاز جيراننا!
يمتلك العراق 75 محطة انتاج، تعمل حوالي 55 بالمئة منها على الغاز “فعلياً”، أما تقنياً، فإن نسبة المحطات التي تستطيع العمل على الغاز أكبر وتصل إلى 70 بالمئة، إلّا أن الـ15 بالمئة المتبقية يتم تشغيلها بوقود سائل لنقص الغاز الذي يعانيه العراق.
يبلغ عدد المحطات العاملة على الغاز 41 محطة، تأتي بعدها المحطات العاملة على الديزل وبواقع 18 محطة، فيما تتساوى المحطات البخارية والمحطات الكهرومائية بواقع 8 محطات لكل منهما.
واجمالاً، تولد هذه المحطات 80 بالمئة من إجمالي الكهرباء في العراق، أما الـ20 بالمئة المتبقية فتأتي بالاستيراد من إيران ومن إقليم كردستان أو من محطات الاستثمار، التي يشتري العراق كهرباءها من المستثمر، أما الـ80 بالمئة من الكهرباء التي ينتجها العراق محلياً، تعتمد قرابة 25 بالمئة منها على الغاز المستورد.
يعادل الغاز المستثمر في العراق، تقريباً، الغاز الذي يتم استيراده، إلّا أنه ارتفع مؤخراً، لتبلغ كمية الغاز المستثمر في العراق أكثر من 1900 مقمق (مليون قدم مكعب قياسي) يومياً، فيما يستورد العراق من إيران 1700 مقمق يومياً، ما يعني أن مجموع الغاز الذي يشغّل المحطات حالياً يقارب 3500 مقمق، في حين تُقدر حاجة العراق من الغاز بـ 4 آلاف مقمق يومياً، وفق تقديرات 2022، إلا أن هذه الكمية قد تكون ارتفعت مع ارتفاع الطلب.
بالمقابل، تُقَدَّرُ كمية الغاز المحروق في العراق حالياً بقرابة 1100 مقمق يومياً، أي حتى مع ايقاف حرقه ثم استثماره خلال السنوات الثلاثة القادمة، سيبقى العراق بحاجة لاستيراد ما لا يقل عن 900 مقمق يومياً، وهذا في حال كان الطلب عند مستويات 2022، بينما من المتوقع أن يُضافَ ما يقرب من 1500 مقمق يومياً إلى حاجة العراق الاستيرادية خلال السنوات الثلاثة القادمة، وهذا يقارب ضعف الكمية التي يستوردها من إيران حالياً -1700 مقمق-.
يأتي هذا في الوقت الذي تعمل وزارة الكهرباء على تحوير المحطات بالكامل إلى محطات دورة مركبة، لتعظيم انتاجيتها بنسبة تصل إلى 40 أو 50 بالمئة دون الحاجة للمزيد من الغاز، بل باستثمار الحرارة المتولدة عن توربين الدورة البسيطة في كل محطة، فضلاً عن تطوير إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية، والتي لا تتجاوز الـ3 لاف ميغا واط وفق العقود الاستثمارية المعدة خلال السنوات القادمة، من أصل 15 الف ميغا واط تنوي الوزارة اضافتها.
مشاريع الغاز حتى 2028: للغاز الحر والمصاحب
تُقَدَّر احتيايات العراق المؤكدة من الغاز الطبيعي بحوالي 132 تريليون قدم مكعب، ما .يجعل العراق بالمرتبة 12 على مستوى العالم باحتياطي الغاز، لكن معظم احتياطيات العراق من الغاز الطبيعي هي غاز مصاحب ما يعني أنها مرتبطة بإنتاج النفط فلا انتاج إضافياً للغاز، بلا رفع انتاج النفط، وليس رفع انتاج النفط أو خفضه قراراً عراقياً خالصاً، لاعتبارات السوق وحصصه وأسعاره، والحمل السياسي الثقيل في طياته.
تدريجياً، وحتى نهاية 2028، من المتوقع أن تبلغ كمية إنتاج الغاز الإجمالي في العراق أكثر من 4 آلاف مقمق يومياً، بإضافة ما يزيد على 1500 مقمق من الغاز المصاحب يومياً، يصاحبها أكثر من 680 مقمق من الحُر.
تتقاسم 4 شركات مشاريع استثمار الغاز المصاحب، حيث ستكون شركة البترول الصينية الوطنية مسؤولة عن إضافة 300 مقمق يومياً من حقل “حلفاية”، أما المشروع الآخر فهو لشركة غاز البصرة وسيضيف 380 مقمق يومياً في حقول “مجنون وغرب القرنة 2 وارطاوي”، وفي محافظة ذي قار وحقول الغراف، ستضيف شركة غاز الجنوب مع بيكر هيوز 200 مقمق يومياً، وتتولّى توتال الفرنسية، في حقول “غرب القرنة 2 وارطاوي واللحيس ومجنون”، إضافة 600 مقمق يوميا.
وعلى جانب مشاريع الغاز الحر، فمن المؤمل إضافة 400 مقمق يومياً من غاز حقل “عكاز”، على يد شركة نفط الوسط، مع شركة يوكرزم الأوكرانية، بعد انسحاب كوكاز الكورية، فيما اتُهِمَت الشركة الأوكرانية بأنها “شركة وهمية”، لكنّ وزارة النفط ردّت على ذلك بأن الشركة الأوكرانية اجتازت المعايير الفنية وهي الوحيدة التي قبلت بشروط عقد الخدمة لتطوير حقل عكاز.
ويُنتظَرُ أن يضيف حقل المنصورية بمحافظة ديالى 300 مقمق يومياً، ولهذا الهدف وقعت وزارة النفط في أيار الماضي، العقد، بالأحرف الأولى، مع ائتلاف شركتي جيرا الصينية وبتروعراق، وكغيره من العقود، لا توجد معلومات كافية وشفافة عن قيمة العقد وتبعية الشركات وإمكانياتها.
مع كل ما تقدم، تبقى حاجة العراق لاستيراد الغاز أو الكهرباء كمنتج نهائي، مرافقة لكل التقديرات المستقبلية، أولاً، لأن العراق لن يستطيع سد حاجاته المتنامية بيُسر، وثانياً لأنه لا مفرّ من الغاز كوقود لتشغيل محطات التوليد، خصوصاً مع استبعاد محطات الطاقة النووية كاحتمال، وصعوبة التوسع باستثمار الطاقة النظيفة التي لن تشكل فارقاً كبيراً قياسا بحجم الحاجة والفجوة وتكلفتها، وخروج النفط من قائمة الخيارات كوقود، وهذه الأخيرة لا بد من الإضاءة عليها نظراً لتفشي القناعة القائلة إن النفط يفي، وبالإجابة على سؤال “لماذا” فلأنه كوقود أكثر ضرر من الغاز، ولأنه أقل إنتاجية وأكثر تكلفة، غير أن العراق، كما أغلب دول العالم، غادر مرحلته -تقريباً- كوقود لتوليد الطاقة الكهربائية.
ولسدّ الفجوات والنقص، ليس من المتوقع أن يجد العراق خياراً أفضل من إيران، بحكم قرب المسافة ووجود بنية تحتية لنقل الغاز، بمقابل بعد المسافة وصعوبة التضاريس بين العراق والخيارات الأخرى، واستبعاد خيار الذهاب إلى الغاز المسال المنقول بحراً، نظراً للصعوبة البالغة والتكلفة الباهظة التي يتطلبها، والمتمثلة بتشييد محطات استقبال وتحويل على الإطلالة البحرية العراقية الضيقة، ومدّ بنية تحتية منها إلى محطات توليد الطاقة.
ثلث منازل العراق بيد الجوار
في نظرة على الـ27 ألف ميغا واط التي ينتجها العراق حالياً، سنجد أنها ليست منتجاً محلياً بالكامل، حيث تمتلك دول أخرى مفاتيح حوالي 30 بالمئة منها.
يدخل الغاز الإيراني في إنتاج حوالي 6 آلاف ميغا واط، وترفده إيران بأكثر من ألف ميغا واط كهرباء جاهزة، فضلا عن استيراد العراق الكهرباء من إقليم كردستان بحوالي 400 ميغا واط، هذا بالإضافة إلى الطاقة المستوردة من الأردن وتركيا التي تم تشغيلها مؤخراً، وبمجموع يبلغ أكثر من 450 ميغا واط.
ومن المتوقع أن يتوسع الاستيراد مع قرب تشغيل الربط الكهربائي مع الكويت/ دول الخليج والذي من المؤمل ان يزود العراق بـ500 ميغا واط، كل هذا يعني أن قرابة 9 الاف ميغا واط من كهرباء العراق رهينة بيد دول الخارج.
في لغة الطاقة والجيوسياسية العالمية، فإن البلد “غير المستقل” بطاقته، بلد منقوص السيادة، لأنه سيكون رهينة، ومضطراً للتنازل، وهذا أكثر سهولة مع بلد مثل العراق، الصيف فيه ونقص الكهرباء عاملان كافيان لإسقاط الحكومات، ما يجعل أيّ حكومة عراقية “أسيرة” لمن يمتلك مفتاح طاقتها.
يعزز هذا “الأسر المستدام”، الطلب “المنفلت” على الكهرباء، والذي تعززه القوى السياسية بمفاهيمها وتوجهاتها الشعبوية، في تشجيع التجاوز على الشبكات ومنظومات الكهرباء ومنع مؤسسات الدولة من اتخاذ تدابير تنظيمية أو رفع أسعار الجباية أو فرض جباية على مناطق تستهلك الكهرباء بشكل غير نظامي ولا تدفع، حيث تحقق هذه القوى السياسية هدفين بضربة واحدة، الأول الظهور أمام المواطنين بأنهم مدافعون عن حقوقهم “بالحصول على كل شيء مجاناً”، والثاني، استمرار جعل الدولة “مكبلة وأسيرة” لدول أخرى، تتقاطع مصالح هؤلاء معها سياسياً واقتصادياً، فيبقى حوالي ثلث منازل العراق وكهربائها بيد تلك الدول، ولاسيما إيران التي تستحوذ على الجزء الأكبر من الـ9 الاف ميغا واط القادمة للعراق، فإيران، لوحدها، مصدرُ 77 بالمئة من هذه الطاقة القادمة من الخارج، غازاً وكهرباء.
* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مدارس مُهجَّرة: لماذا لن ينتهي "الدوام المزدوج" و"الاكتظاظ" في العراق؟
10 ديسمبر 2024
الهيدروجين الأزرق والشمس.. عن بدائل النفط "الممكنة" في العراق
07 ديسمبر 2024
الأشجار والدولار على المحكّ في سنجار
03 ديسمبر 2024
الصيادون يبيعون "الآرو".. الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار
28 نوفمبر 2024
كادت ثوابت وقناعات العراقيين تجاه ثنائية الكهرباء ـ الصيف أن تتزعزع صيف العام الماضي 2023، حيث بهَتَتْ “النكتة” الصيفية التي كانت تطلقها وزارة الكهرباء بأن الصيف المقبل سيكون أفضل من السابق، غير أن “لعنة الكهرباء” تأبى إلّا أن تحافظ على وظيفتها الأبديّة: تذكير العراقيين بأزمتهم المستدامة والاختبار الأكثر فشلاً لنظامهم السياسي الجديد، معكّرة صفو “نشوة المجسّرات” صيف هذا العام 2024.
أنفق العراق على كهربائه أكثر من 80 مليار دولار بين 2003 و2021، إضافةً لقرابة 30 مليار دولار أخرى خلال العامين الماضيين ليصبح المجموع 110 مليارات دولار، ما يوحي بأن الانفاق المرتفع والأداء المنخفض سياق ثابت في كهرباء العراق، لن يتغير على يد حكومة محمد شياع السوداني، حتى وإن علمنا أن كل مليار دولار كافٍ لإضافة حوالي ألف ميغا واط، وفي حال احتساب كلف التشغيل والوقود وغيرها، فيجب أن يكون لدى العراق 60 ألف ميغا واط حالياً على أقل تقدير، غير أن ما ينتجه العراق لا يتجاوز 27 ألف ميغا واط، أي قرابة 45 بالمئة فقط من الهدف التقديري المفترض، ما يحكم على 55 بالمئة من الأموال المتبقية، باستثناء نفقات التشغيل والوقود، بواحد من أحكام ثلاثة: مفقود أو مهدور أو مُختَلس، والتي تُقدَر بحوالي 35 مليار دولار.
مبرّرات متضاربة.. والوزارة تعود 6 سنوات إلى الوراء
عادت، صيف هذا العام، مشاهد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالكهرباء والخدمات، إلى الظهور بقوة من جديد، من دون تفسيرات منطقية لتراجع تجهيز الكهرباء مقارنة بالعام الماضي، خصوصاً وأن العام الحالي شهد زيادة الإنتاج، والغاز الإيراني مستمر بالتدفق مقارنة بالقطوعات المتكررة العام الماضي وفقدان 5 آلاف ميغا واط بين الحين والآخر بسبب انقطاعاته.
24 ألف ميغا واط، وشبكات توزيع قديمة متهالكة، نجحت بتوفير صيف أفضل نسبياً من المعتاد في 2023، فيما فشلت الشبكات ذاتها على الرغم من ارتفاع الإنتاج إلى 27 ألف ميغا واط هذا العام، ومع ذلك، بدأت وزارة الكهرباء تبرر تراجع التجهيز هذا العام بالإنتاج.
لامتصاص الغضب، قادت وزارة الكهرباء حملة إعفاءات -لا يمكن تبرئتها من بُعد سياسي- ضد مدراء توزيع ومسؤولي صيانة في عدد من المحافظات والمناطق العراقية، فيما جرت الأحاديث على لسان وزير الكهرباء ومسؤوليها بأن مدراء التوزيع “يخدعون” الوزارة عن ساعات التجهيز التي يوفرونها للمواطنين، كما أن بعض دوائر التوزيع تمنح “استثناءات” تميّز منشآت او مناطق معينة على حساب أخرى.
مبرر قديم آخر تولّى وكيل وزارة الكهرباء عادل كريم إطلاقه، بالقول إن ارتفاع درجات حرارة الطقس يتسبب بفقدان المنظومة 5 آلاف ميغا واط. وأردفت الوزارة حُزمة تبريراتها، بارتفاع الطلب هذا العام إلى حوالي 49 ألف ميغا واط، وهذا يستدعي التعجب لأن حاجة العراق، حتى العام الماضي، كان يتراوح بين 35 و37 ألف ميغا واط فقط للقضاء على أزمة الكهرباء بالكامل والتجهيز لمدة 24 ساعة، وبينما تخطو وزارة الكهرباء سنويًا لسد هذه الفجوة حتى أنها أضافت 3 آلاف ميغا واط هذا العام، يقفز الطلب بحوالي 13 ألف ميغا واط إضافية في عام واحد فقط، ليوسّع الفجوة من جديد، على الرغم من أن الطلب ينمو سنوياً بحوالي ألفي ميغا واط وفقًا لوزارة الكهرباء ذاتها، وبالتعامل مع الرقم الجديد، فإن أعمال وزارة الكهرباء وخطط الدولة لحل أزمة الكهرباء، سبقها الطلب بمقدار 6 سنوات إلى الأمام، فعادت الوزارة 6 سنوات إلى الوراء.
تخطط الوزارة لإضافة حوالي 15 ألف ميغا واط خلال السنوات القليلة المقبلة، في أحسن الأحوال قد تكون خلال 4 سنوات مع المشاريع القائمة والتي يجري العمل عليها، وبإضافتها على الـ27 ألف ميغا واط، سيصل إنتاج العراق بعد 4 سنوات من الآن إلى 42 ألف ميغا واط، ومع ذلك سيبقى دون الطلب الحالي البالغ حوالي 49 الف ميغا واط (وفق تصريحات الوزارة التبريرية)، ومن غير المعلوم بكم قفزة سيفاجئنا الطلب خلال السنوات الاربعة المقبلة.
اغتيال الكهرباء
يمكن وصف الكهرباء في العراق، بأنها “قتيل توزع دمه بين قبائل”، فأسباب “موت الكهرباء” في العراق، متعددة وتساهم بها فواعل وأطراف متعددة، فبالإضافة لنقص الغاز وسوء شبكات التوزيع وتهالكها، تضافرت جهات بالحكومات المتعاقبة وفساد الدوائر الصغيرة في مفاصل وزارة الكهرباء، مع المواطن “المستهلك الشَره” وغير الملتزم بواجباته، على الإيغال بجسد الكهرباء.
منخفض إلى حد كبير، سعر الكهرباء في العراق، فهو يحل بالمرتبة العاشرة بين أرخص بلدان العالم، وفقاً لموقع غلوبال بترول برايس، والتي تبلغ 0.015 دولار لكل كيلو واط في الساعة، وهذا يعني، حسب الإنتاج الحالي للوزارة، يجب أن تستحصل الوزارة 3.5 مليارات دولار سنوياً، أي ما يمثل 30 بالمئة من الإنفاق السنوي المُقدَر بحوالي 10 مليارات دولار. لكنْ، حتى هذه الاموال البسيطة، قياسًا بإجمالي الانفاق على الكهرباء في العراق، تعجز الدولة عن جبايتها، فالوزارة لا تبيع سوى 44 بالمئة من الكهرباء المجهزة، أما الـ56 بالمئة المتبقية “تُسرَقُ في الطريق”، ومعظم ما يضيع ليس لأسباب فنية، بل إدارية، حيث تُجَهَزُ مناطق ومنشآت ومؤسسات، لا يتم احصاؤها ولا تحتوي أجهزة قياس تحسبها لاستحصال أموالها، وهذا يخفّض المبالغ المتوقعة من 3.5 مليارات دولار حتى 1.5 مليار دولار سنوياً فقط، وحتى هذا المبلغ الضئيل من ذاك المبلغ الصغير من أصل التكلفة المنخفضة أصلاً، تعجز الوزارة عن جبايته في السنة التي استُهلِكت الكهرباء خلالها ذاتها، بل تتراكم كديون بذمة المؤسسات الحكومية وبذمة المواطنين الذين لا يسددون، حتى يتم إلزامهم بذلك عند كل عملية بيع أو شراء العقار الذي استُهلكت الكهرباء فيه.
في الاثناء، يدفع قرابة 7 ملايين منزل في العراق، حوالي 70 ألف دينار شهرياً للمولدات، ما يعادل 4.5 مليارات دولار سنوياً، أي أن أصحاب المولدات الأهلية يحصلون على 3 أضعاف ما تحصل عليه وزارة الكهرباء تقريباً، وهو مبلغ يمكن له سدِّ حوالي 60 بالمئة من نفقاتها السنوية.
الكهرباء “شبه المجانية” ولاسيما للمتخفين الذين يستهلكون 56 بالمئة منها، تشجع على أن يكون الطلب عليها “لا نهائيا”، لدرجة أن الوزارة ترمي على عاتقه 13 ألف ميغا واط ارتفاعاً في عام واحد، دون أن يجرؤ أحد على التعجب والسؤال، ودون أن تتطرق الوزارة إلى: كيف ارتفع وأين بالضبط يكمن هذا الاستهلاك الكبير، واستنزاف أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً، لا يعود منها سوى 1.5 مليار دولار وبـ”الآجل”.
المحروق لا يكفي.. نحتاج غازنا وغاز جيراننا!
يمتلك العراق 75 محطة انتاج، تعمل حوالي 55 بالمئة منها على الغاز “فعلياً”، أما تقنياً، فإن نسبة المحطات التي تستطيع العمل على الغاز أكبر وتصل إلى 70 بالمئة، إلّا أن الـ15 بالمئة المتبقية يتم تشغيلها بوقود سائل لنقص الغاز الذي يعانيه العراق.
يبلغ عدد المحطات العاملة على الغاز 41 محطة، تأتي بعدها المحطات العاملة على الديزل وبواقع 18 محطة، فيما تتساوى المحطات البخارية والمحطات الكهرومائية بواقع 8 محطات لكل منهما.
واجمالاً، تولد هذه المحطات 80 بالمئة من إجمالي الكهرباء في العراق، أما الـ20 بالمئة المتبقية فتأتي بالاستيراد من إيران ومن إقليم كردستان أو من محطات الاستثمار، التي يشتري العراق كهرباءها من المستثمر، أما الـ80 بالمئة من الكهرباء التي ينتجها العراق محلياً، تعتمد قرابة 25 بالمئة منها على الغاز المستورد.
يعادل الغاز المستثمر في العراق، تقريباً، الغاز الذي يتم استيراده، إلّا أنه ارتفع مؤخراً، لتبلغ كمية الغاز المستثمر في العراق أكثر من 1900 مقمق (مليون قدم مكعب قياسي) يومياً، فيما يستورد العراق من إيران 1700 مقمق يومياً، ما يعني أن مجموع الغاز الذي يشغّل المحطات حالياً يقارب 3500 مقمق، في حين تُقدر حاجة العراق من الغاز بـ 4 آلاف مقمق يومياً، وفق تقديرات 2022، إلا أن هذه الكمية قد تكون ارتفعت مع ارتفاع الطلب.
بالمقابل، تُقَدَّرُ كمية الغاز المحروق في العراق حالياً بقرابة 1100 مقمق يومياً، أي حتى مع ايقاف حرقه ثم استثماره خلال السنوات الثلاثة القادمة، سيبقى العراق بحاجة لاستيراد ما لا يقل عن 900 مقمق يومياً، وهذا في حال كان الطلب عند مستويات 2022، بينما من المتوقع أن يُضافَ ما يقرب من 1500 مقمق يومياً إلى حاجة العراق الاستيرادية خلال السنوات الثلاثة القادمة، وهذا يقارب ضعف الكمية التي يستوردها من إيران حالياً -1700 مقمق-.
يأتي هذا في الوقت الذي تعمل وزارة الكهرباء على تحوير المحطات بالكامل إلى محطات دورة مركبة، لتعظيم انتاجيتها بنسبة تصل إلى 40 أو 50 بالمئة دون الحاجة للمزيد من الغاز، بل باستثمار الحرارة المتولدة عن توربين الدورة البسيطة في كل محطة، فضلاً عن تطوير إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية، والتي لا تتجاوز الـ3 لاف ميغا واط وفق العقود الاستثمارية المعدة خلال السنوات القادمة، من أصل 15 الف ميغا واط تنوي الوزارة اضافتها.
مشاريع الغاز حتى 2028: للغاز الحر والمصاحب
تُقَدَّر احتيايات العراق المؤكدة من الغاز الطبيعي بحوالي 132 تريليون قدم مكعب، ما .يجعل العراق بالمرتبة 12 على مستوى العالم باحتياطي الغاز، لكن معظم احتياطيات العراق من الغاز الطبيعي هي غاز مصاحب ما يعني أنها مرتبطة بإنتاج النفط فلا انتاج إضافياً للغاز، بلا رفع انتاج النفط، وليس رفع انتاج النفط أو خفضه قراراً عراقياً خالصاً، لاعتبارات السوق وحصصه وأسعاره، والحمل السياسي الثقيل في طياته.
تدريجياً، وحتى نهاية 2028، من المتوقع أن تبلغ كمية إنتاج الغاز الإجمالي في العراق أكثر من 4 آلاف مقمق يومياً، بإضافة ما يزيد على 1500 مقمق من الغاز المصاحب يومياً، يصاحبها أكثر من 680 مقمق من الحُر.
تتقاسم 4 شركات مشاريع استثمار الغاز المصاحب، حيث ستكون شركة البترول الصينية الوطنية مسؤولة عن إضافة 300 مقمق يومياً من حقل “حلفاية”، أما المشروع الآخر فهو لشركة غاز البصرة وسيضيف 380 مقمق يومياً في حقول “مجنون وغرب القرنة 2 وارطاوي”، وفي محافظة ذي قار وحقول الغراف، ستضيف شركة غاز الجنوب مع بيكر هيوز 200 مقمق يومياً، وتتولّى توتال الفرنسية، في حقول “غرب القرنة 2 وارطاوي واللحيس ومجنون”، إضافة 600 مقمق يوميا.
وعلى جانب مشاريع الغاز الحر، فمن المؤمل إضافة 400 مقمق يومياً من غاز حقل “عكاز”، على يد شركة نفط الوسط، مع شركة يوكرزم الأوكرانية، بعد انسحاب كوكاز الكورية، فيما اتُهِمَت الشركة الأوكرانية بأنها “شركة وهمية”، لكنّ وزارة النفط ردّت على ذلك بأن الشركة الأوكرانية اجتازت المعايير الفنية وهي الوحيدة التي قبلت بشروط عقد الخدمة لتطوير حقل عكاز.
ويُنتظَرُ أن يضيف حقل المنصورية بمحافظة ديالى 300 مقمق يومياً، ولهذا الهدف وقعت وزارة النفط في أيار الماضي، العقد، بالأحرف الأولى، مع ائتلاف شركتي جيرا الصينية وبتروعراق، وكغيره من العقود، لا توجد معلومات كافية وشفافة عن قيمة العقد وتبعية الشركات وإمكانياتها.
مع كل ما تقدم، تبقى حاجة العراق لاستيراد الغاز أو الكهرباء كمنتج نهائي، مرافقة لكل التقديرات المستقبلية، أولاً، لأن العراق لن يستطيع سد حاجاته المتنامية بيُسر، وثانياً لأنه لا مفرّ من الغاز كوقود لتشغيل محطات التوليد، خصوصاً مع استبعاد محطات الطاقة النووية كاحتمال، وصعوبة التوسع باستثمار الطاقة النظيفة التي لن تشكل فارقاً كبيراً قياسا بحجم الحاجة والفجوة وتكلفتها، وخروج النفط من قائمة الخيارات كوقود، وهذه الأخيرة لا بد من الإضاءة عليها نظراً لتفشي القناعة القائلة إن النفط يفي، وبالإجابة على سؤال “لماذا” فلأنه كوقود أكثر ضرر من الغاز، ولأنه أقل إنتاجية وأكثر تكلفة، غير أن العراق، كما أغلب دول العالم، غادر مرحلته -تقريباً- كوقود لتوليد الطاقة الكهربائية.
ولسدّ الفجوات والنقص، ليس من المتوقع أن يجد العراق خياراً أفضل من إيران، بحكم قرب المسافة ووجود بنية تحتية لنقل الغاز، بمقابل بعد المسافة وصعوبة التضاريس بين العراق والخيارات الأخرى، واستبعاد خيار الذهاب إلى الغاز المسال المنقول بحراً، نظراً للصعوبة البالغة والتكلفة الباهظة التي يتطلبها، والمتمثلة بتشييد محطات استقبال وتحويل على الإطلالة البحرية العراقية الضيقة، ومدّ بنية تحتية منها إلى محطات توليد الطاقة.
ثلث منازل العراق بيد الجوار
في نظرة على الـ27 ألف ميغا واط التي ينتجها العراق حالياً، سنجد أنها ليست منتجاً محلياً بالكامل، حيث تمتلك دول أخرى مفاتيح حوالي 30 بالمئة منها.
يدخل الغاز الإيراني في إنتاج حوالي 6 آلاف ميغا واط، وترفده إيران بأكثر من ألف ميغا واط كهرباء جاهزة، فضلا عن استيراد العراق الكهرباء من إقليم كردستان بحوالي 400 ميغا واط، هذا بالإضافة إلى الطاقة المستوردة من الأردن وتركيا التي تم تشغيلها مؤخراً، وبمجموع يبلغ أكثر من 450 ميغا واط.
ومن المتوقع أن يتوسع الاستيراد مع قرب تشغيل الربط الكهربائي مع الكويت/ دول الخليج والذي من المؤمل ان يزود العراق بـ500 ميغا واط، كل هذا يعني أن قرابة 9 الاف ميغا واط من كهرباء العراق رهينة بيد دول الخارج.
في لغة الطاقة والجيوسياسية العالمية، فإن البلد “غير المستقل” بطاقته، بلد منقوص السيادة، لأنه سيكون رهينة، ومضطراً للتنازل، وهذا أكثر سهولة مع بلد مثل العراق، الصيف فيه ونقص الكهرباء عاملان كافيان لإسقاط الحكومات، ما يجعل أيّ حكومة عراقية “أسيرة” لمن يمتلك مفتاح طاقتها.
يعزز هذا “الأسر المستدام”، الطلب “المنفلت” على الكهرباء، والذي تعززه القوى السياسية بمفاهيمها وتوجهاتها الشعبوية، في تشجيع التجاوز على الشبكات ومنظومات الكهرباء ومنع مؤسسات الدولة من اتخاذ تدابير تنظيمية أو رفع أسعار الجباية أو فرض جباية على مناطق تستهلك الكهرباء بشكل غير نظامي ولا تدفع، حيث تحقق هذه القوى السياسية هدفين بضربة واحدة، الأول الظهور أمام المواطنين بأنهم مدافعون عن حقوقهم “بالحصول على كل شيء مجاناً”، والثاني، استمرار جعل الدولة “مكبلة وأسيرة” لدول أخرى، تتقاطع مصالح هؤلاء معها سياسياً واقتصادياً، فيبقى حوالي ثلث منازل العراق وكهربائها بيد تلك الدول، ولاسيما إيران التي تستحوذ على الجزء الأكبر من الـ9 الاف ميغا واط القادمة للعراق، فإيران، لوحدها، مصدرُ 77 بالمئة من هذه الطاقة القادمة من الخارج، غازاً وكهرباء.
* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”