داخل سجون النساء في العراق.. رائحة المرحاض من نصيب "الزنجاري" 

بنين الياس

03 آب 2024

من استغلال النساء والتحرش بهن ودفعهن إلى الدعارة، وصولاً إلى تركهن ينمن بالقرب من المراحيض، وهن يعانين من الأمراض المتفاقمة.. ماذا يحدث للنساء داخل السجون بالعراق؟

أيامٌ مرّت وعذراء لا تشمّ سوى رائحة المرحاض الكريهة في سجن تسفيرات كركوك، فبصفتها سجينة جديدة مُنحت مكاناً أمام باب المرحاض، ويبدو ذلك عُرفاً من أعراف هذا السجن، وربما جميع سجون العراق. 

قرّرت مراقبة السجينات -وهي سجينة أيضاً تختارها إدارة السجن لأداء هذه المهمة- بعد مدة أن عذراء (32 عاماً) صارت “سجينة قدمى”، فاستحقت النقل من باب المرحاض إلى زاوية من زوايا القاعة. 

وبانعدام وجود الأسرّة وأفرشة النوم، تتخذ السجينات من الأرض مجلساً ومناماً، فتفترش كل واحدة منهن ثوباً أو بطانية بالية للجلوس والاستلقاء عليها. 

وتحتشد أكثر من 40 سجينة داخل قاعة تبلغ مساحتها نحو ثمانية أمتار مربعة، وتضم مرحاضاً واحداً وحمّاماً يغتسل فيه الجميع. 

وإذا أرادت سجينة استعمال المرحاض فإن عليها الوقوف في طابور طويل ريثما يصل دورها، وكانت عذراء تتلقى ركلات النساء المقصودة وغير المقصودة باستمرار طيلة مدة إقامتها قرب بابه. 

أما الاستحمام فهو مُجَدوَل بين السجينات بواقع ساعة واحدة أسبوعياً لكل مجموعة منهن، وفي هذه الساعة ينبغي على جميع أعضاء المجموعة استخدام الحمّام، ومن لم يسعفها الوقت عليها الانتظار إلى الأسبوع التالي. 

“لكنني كنت أتسلل إلى الحمّام ليلاً وأستحم ولا أبالي حتى لو تعرضت إلى الضرب” تقول عذراء لـ”جمّار”. 

ولأن إدارة السجن لا تستطيع ضرب السجينات بشكل مباشر خشية وصول شكاوى منهن إلى جهات رقابية والتعرض للمساءلة، ابتكرت حيلة لضربهن بيد بديلة. 

إنها يد المُراقِبة. 

تعيّن إدارة السجن مراقبة لكل قاعة تختارها من بين السجينات وتمنحها سلطة عليهن، وتوكل هذه المهمة إلى الأخطر والأكثر قسوة وشراسة. 

وتحصل المراقبة على امتيازات من الإدارة مقابل خدماتها، كأن تكون زيادة في عدد دقائق المكالمات الهاتفية المسموح بها أسبوعياً لكل سجينة، وتسليمها أجهزة التحكم بالتكييف وشاشة التلفاز. 

بالنسبة للقاعة التي سُجنت فيها عذراء، كانت المراقبة مدانة بسبع قضايا بغاء وتجارة بالمخدرات، وهي قاسية جداً ولا تأخذها رأفة بأي سجينة تخالف أوامرها. 

وترافق المراقبة مجموعة من السجينات المتملقات الباحثات عن بعض فتات الامتيازات، وهن يقدمن المساندة لها عندما يحين وقت العنف. 

وتتحكم المراقبة بكل شيء داخل القاعة حتى أوقات النوم، فعندما تأمر بنوم الجميع تنصاع السجينات لها ولا تجرؤ أي منهن على الرفض واختيار البقاء مستيقظة. 

وتطلب إدارة السجن من المراقبة القسوة على السجينات وضربهن بشدة مقابل منحها مزيداً من الامتيازات، وهو أسلوب يبدو أن المراد منه بث الذعر بين النزيلات ومنعهن من التفكير بالتمرد أو التذمر أو الاشتكاء للجان الرقابية التي تزور السجن في فترات متباعدة. 

وفي ظروف الرعب هذه، تضطر السجينات إلى القبول بكل البؤس والمساوئ ومحاولة قضاء مدة محكوميتهن من دون التعرض إلى مكروه. 

فهن يضطررن مثلاً إلى تناول طعام فاسد وشحيح يومياً. 

“الطعام رديء جداً. وجبة الصباح تتضمن بيضة أو بيضتين وبضع قطع من جبن المثلثات ذي النوعية الرديئة. ووجبة الغداء تحتوي على رز ومرق بقوليات مليئة بالديدان المطبوخة معها” تقول عذراء. 

وتنجو من هذا الضنك من تمتلك النقود، فتستطيع قبل يوم طلب طعام جيد من أحد المطاعم ليصلها “ديليفري”. 

وتصل الأموال إلى السجينات من ذويهن عن طريق إدارة السجن التي تقيدها في صكوك، وعندما تريد السجينة شراء شيء ما يُستقطع ثمنه من الصك الخاص بها. 

“طبعاً إدارة السجن لا تضع كل المال في الصك وإنما تستقطع جزءاً منه كإتاوة” توضح عذراء. 

وتشتري السجينات من الحانوت الذي يبيع البضائع بأسعار تبلغ أضعاف أسعارها الحقيقية في الأسواق. 

بحسب عذراء، يباع لوح الشوكولا من نوع “نمبر وان” بـ500 دينار، بينما سعره في الأسواق 250 ديناراً، وتباع علبة البسكويت التي سعرها 250 ديناراً بألف دينار في حانوت السجن، وهكذا بالنسبة لبقية المواد. 

لا تحصل السجينات في تسفيرات كركوك سوى على بضع دقائق للتشميس أربع مرات في الأسبوع، وتفوح في مكان التشميس رائحة المجاري. 

وبداعي الحفاظ على سلامة السجينات، يُمنع دخول الملاعق المعدنية إلى قاعات السجن، ويستعاض عنها بالملاعق البلاستيكية ذات الاستخدام لمرة واحدة، لكنها تُستخدم مرات كثيرة بين السجينات، حيث يتم غسلها وإعادة توزيعها. 

كما يُمنع دخول الفوط الصحية التي تحتاجها النساء بداعي الحذر من إدخال مخدرات بداخلها. 

كل هذا الإهمال وسوء المعاملة يؤدي إلى تفشي الأمراض بين السجينات، في مقابل رعاية طبية رديئة للغاية. 

تقول عذراء إن سجينة كانت معها في القاعة ذاتها تعاني من مرض يستوجب تلقيها العلاج ودخول المشفى بشكل يومي، إلا أن إدارة السجن اصطحبتها إلى المشفى مرة واحدة لساعات وأعادتها إلى السجن بذريعة عدم توفر شرطيات يمكن تفريغهن لمرافقتها. 

لكن صاحبات المال والوساطات يتلقين رعاية أفضل. 

“شاهدت بعيني سجينات يتم تسجيل حضورهن في السجن ويغادرن ثم يعدن فقط لتسجيل الحضور”، تضيف عذراء. 

وتقول طبيبة كانت تعمل في أحد سجون النساء مشترطة عدم ذكر اسمها، إن الأمراض الشائعة بين السجينات هي الجرب بسبب الاكتظاظ وغياب النظافة، والأنيميا (فقر الدم) بسبب سوء التغذية. 

وتوضح الطبيبة لـ”جمّار” أن السجينات يعانين أيضاً من انتشار القمل. 

وتزور اللجان الرقابية سجن عذراء في فترات متباعدة، وزياراتها ليست ذات جدوى غالباً، إذ تستمع في مرات نادرة إلى شكاوى من السجينات من دون اتخاذ إجراءات إزاءها. 

وتخشى السجينات من بطش الإدارة إذا ما شكين الحال أمام اللجان، لكن عذراء تمردت في إحدى المرات ووقفت من بين كل السجينات المرغمات على الجلوس أمام لجنة رقابية زارت السجن، لتكشف لها شيئاً من المستور. 

عندما وقفت عذراء طلبت منها مسؤولة السجن الجلوس كبقية النساء، لكنها رفضت وأبلغتها بأنها ستكون مرتاحة أكثر بالوقوف. 

وعندما لاحظت رئيسة اللجنة تصرف عذراء سألتها عما إذا كانت تريد أن تتحدث أو تشتكي، فأجابت بالإيجاب. 

وما كان من مسؤولة السجن إلا أن ترسل إشارة واضحة إلى عذراء بأن تصمت وتجلس، لكن رئيسة اللجنة طلبت منها المغادرة لتتمكن السجينات من التحدّث بحرية. 

“مسؤولة السجن شرطية تدعى ست جميلة والجميع يخشاها” تقول عذراء. 

وعندما غادرت “ست جميلة” قاعة السجن تحدثت عذراء عن المساوئ الكثيرة هناك، لكنها لم تكن على قناعة تامة بأن اللجنة ستأتي بحلول، لذا ختمت حديثها بجملة توبيخية وجهتها إلى رئيسة اللجنة. 

“قلت لها ينبغي أن تخجلي من السؤال عما إذا كانت هناك شكاوى أم لا وأنتِ تشاهدين الحال”. 

الـ”ماسي” يشترى في الـ”سايد فور” 

في سجن الـ”سايد فور” الواقع داخل مقر وزارة الداخلية وسط بغداد، يبدو الوضع مستنسخاً من تسفيرات كركوك. 

تعيش نحو 500 سجينة في قاعة لا تتسع لأكثر من 200. 

رشا (48 عاماً) سُجنت هناك ثلاث سنوات، وشاهدت كيف أن المال يصنع تفاوتاً طبقياً داخل قاعات السجن. 

بالنقود يمكن الحصول على مكان أفضل داخل قاعة السجن المقسّمة إلى أربعة أجنحة هي الجناح الماسي والذهبي والفضي و”الزنجاري”. (الزنجار مفردة في اللهجة العراقية تعني الصدأ). 

ويستند تقسيم الأجنحة إلى وسائل الراحة والامتيازات، فعلى سبيل المثال تُمنح سجينة الجناح الماسي مكاناً قرب جهاز التكييف (السبلت) في الصيف، بينما يكون مكان سجينات الجناح الذهبي تحت المروحة السقفية، أما سجينات الفضي والزنجاري فيعتمدن على المراوح اليدوية لعدم وصول هواء السبلت والمروحة السقفية إليهن. 

كما تحصل صاحبات الماسي والذهبي على أفرشة نظيفة، وإمكانية الطبخ في أوقات ملائمة، واتصالات هاتفية بسعر عشرة آلاف دينار لكل دقيقة، ويتم إعفاؤهن من واجب تنظيف القاعة، وذلك ما لا تحصل عليه سجينات الفضي والزنجاري اللواتي يقضين أوقات الجلوس والنوم في مساحات ضيقة جداً أو في الممر المؤدي إلى المرحاض وتلقى عليهن مسؤولية التنظيف. 

ومن أجل التنقل من جناح إلى آخر أعلى، يتعين على السجينة التسوق من حانوت السجن بمبالغ كبيرة لا تقل عن 100 ألف دينار. 

وقد تتعرض من تمتنع عن الشراء من الحانوت إلى الخطر، ففي إحدى الليالي كانت رشا تقف في طابور بانتظار الاستحمام، وإذا بإحدى السجينات توبخها لأنها تفضّل العيش في “الزنجاري” على الشراء من الحانوت. 

وبعد مشادة كلامية بينهما، سحبت السجينة شفرة من فمها معتزمة مهاجمة رشا بواسطتها، فما كان من الأخيرة إلا الصراخ واستنفار السجينات لحمايتها. 

ولأنها كانت طيبة المعشر مع سجينات كثيرات، تلقت دعماً من عدد كبير منهن، لكن صاحبة الشفرة لم تبق بلا مدد هي الأخرى، فوقعت مشاجرة كبيرة بين “الماسي” و”الزنجاري” لم تنته إلا بتدخل حارسات السجن وفض النزاع بالهرّاوات الكهربائية. 

تم فتح تحقيق بعد ذلك بشأن المشاجرة، لكن إفادة رشا تعرضت لاحقاً للتغيير والتحريف، وجاءها تحذير من إدارة السجن بأنها ستواجه “مصيراً مبهماً” إذا تكلمت عما جرى أمام لجنة رقابية أو ما شابه. 

“قالوا لي إن الرواية التي يجب أن أرويها في حال سُئلت من أي جهة هي أن إحدى السجينات تعرضت للإغماء فتعالى الصراخ من قاعة السجن” تقول رشا لـ”جمّار”. 

وبهذه الطريقة أغلقت القضية. 

اقرأ أيضاً

أطفال السجينات في العراق: خارج السجلات والتعليم.. والحياة 

كما في تسفيرات كركوك، تُحكَم السيطرة على السجينات بواسطة مراقِبة من المدانات بقضايا خطيرة، على اعتبار أن هكذا مدانات يتسمن بالقسوة والشراسة. 

وأكثر ما تريده إدارة سجن الـ”سايد فور” من المراقبات التضييق على السجينات من أجل الشراء باستمرار من الحانوت. 

كانت رشا تتجنب الشراء من الحانوت لأن أسعاره ليست منطقية، لذا ترى أن الشراء مجرد تبذير للأموال. 

“يعني هل يُعقل أن عائلتي تسلم إدارة السجن 450 ألف دينار شهرياً ولا تكفيني لأسبوع واحد على الرغم من أن احتياجاتي بسيطة جداً؟” تتساءل رشا. 

تنفق رشا وغيرها كل هذا الأموال لأن علبة الشامبو التي سعرها خمسة آلاف دينار في الأسواق تباع بـ25 ألف دينار في حانوت السجن، والكيلوغرام الواحد من الرز يباع بعشرة آلاف وهو بـ2250 ديناراً في الأسواق، والموز بخمسة آلاف دينار بدلاً من 1500، وهكذا. 

ولكن من تجرؤ على الاعتراض أو مقاطعة الحانوت بوجود المراقبة الباطشة؟ 

ولا يقتصر دور المراقبة على إرغام السجينات على الشراء من الحانوت، وإنما تقوم بإدارة كل شؤون القاعة وإصدار الأوامر إليهن. 

ففي بعض الأحيان تراودها رغبة بتنظيف القاعة في الساعة الثالثة فجراً، فتبدأ بالصراخ على السجينات اللواتي لا يملكن حيلة، فيستيقظن من نومهن مرغمات لتنفيذ الأمر. 

وتستثنى من هذه السخرة مرافقات المراقبة اللواتي لا يغسلن حتى ملابسهن ويتلقين الخدمة من سجينات الجناح الزنجاري. 

كما تستثنى سجينات الماسي والذهبي من الواجبات القسرية. 

وإذا تمردت إحدى النساء على سطوة المراقبة فإنها تُعاقب بالنقل إلى مكان أسوأ داخل السجن أو حتى إلى سجن آخر. 

في إحدى المرات نُقلت سجينة من الـ”سايد فور” إلى سجن الناصرية في ذي قار (نحو 350 كم جنوب بغداد) بسبب نشوب خلاف بينها وبين المراقبة. 

وفوق كل هذا التعامل السيئ، تضطر سجينات الـ”سايد فور” إلى تناول طعام رديء يومياً. 

كانت رشا ورفيقاتها يشاهدن يومياً من بعض الشقوق في جدار القاعة، براميل مليئة باللحوم تُنقل إلى داخل السجن لكنها لا تصل إليهن ولا يعلمن أين تذهب. 

والوجبات التي تحصل عليها السجينات تتضمن مرقاً يحتوي على كميات كبيرة من الزيت الرديء، وأحياناً يشاهدن حشرات تطفو فوقه، ورزاً تفوح منه رائحة العفن. 

لكن الجوع يجبرهن على تناول هذا الطعام، أو اللجوء أحياناً إلى حلول بديلة كاستخراج البطاطا من المرق وغسلها وقليها وتناولها. 

أما من تمتلك المال، فتطهو طعامها على جهاز التسخين الكهربائي (الهيتر)، حيث يباع داخل السجن بـ25 ألف دينار. 

وتتضمن وجبة الفطور قطعتين من جبن المثلثات من نوعيات رديئة، إضافة إلى بيضة مسلوقة وصمونة واحدة. 

وواجهت رشا وعذراء مشكلات في الكليتين والمعدة بسبب خلط مادة الكافور مع الطعام بهدف كبت الرغبة الجنسية لدى السجينات. 

وإذا مرضت سجينة نتيجة هذه الأوضاع المزرية، لن تحصل على الرعاية الطبية اللازمة، فلا يوجد علاج مجاني، وإنما يتعين على عائلة السجينة شراء العلاج الذي تكتبه الطبيبة لها وإرساله إلى السجن. 

وحتى هذا العلاج لا يسلم من أيدي ضعاف النفوس. 

“مثلاً إذا الطبيبة كتبت عشرة أشرطة حبوب للمريضة واشترتها عائلتها لها، فإن إدارة السجن تمنحها واحداً أو اثنين منها وتصادر البقية بذريعة الاحتفاظ بها للحالات الطارئة” تقول رشا لـ”جمّار”. 

وفي فصل الصيف عندما ترتفع الحرارة داخل القاعة غير المكيّفة بشكل جيد، تقع حالات إغماء بين السجينات، إلا أن الإدارة لا تفعل شيئاً إزاء ذلك وتكتفي بترك المهمة للبقية ليعالجن الموقف بسكب الماء على وجوه المغمى عليهن أو ضرب خدودهن بالكفوف ليستفقن. 

“تبرر الإدارة ذلك بأن إجراءات الإسعاف صعبة جداً ومطوّلة” بحسب رشا. 

وتشير رشا إلى أنها لم تشاهد أي لجنة مراقبة زارت السجن طيلة مدة مكوثها فيه. 

عرضة للتحرش 

بحكم عملها واطلاعها على حالات عدة، تتفق هناء أدور، التي تعد من أبرز ناشطات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في العراق، على أن وضع السجون مزرٍ. 

تتحدث أدور لـ”جمّار” عن مشكلات كثيرة في السجون العراقية، لا تبدأ بقلة الكوادر وعدم كفاءتها، ولا تنتهي بالرعاية الصحية والغذائية. 

كما تؤكد الرواية المتعلقة بحصول السجينات والسجناء على امتيازات مقابل الأموال، وعدم وصول الأموال التي ترسلها العوائل إلى بناتها وأبنائها في السجون كاملة. 

وفي ما يخص سجون النساء، فتوضح أدور أن عددها قليل جداً لا يتجاوز عدد الأصابع في بغداد، أما في بقية المحافظات فإنها عبارة عن غرف احتجاز صغيرة في مراكز الشرطة يشرف عليها رجال، ما يجعل السجينات عرضة للتحرش والاعتداءات الجنسية. 

وتشير أيضاً إلى أن بعض النساء يرافقهن أطفالهن في السجن، وهؤلاء الأطفال لا يحصلون على الرعاية اللازمة، ولاسيما الرعاية الطبية، فلا يصلهم طبيب أو علاج إذا مرضوا إلا بصعوبة بالغة. 

وتشدد أدور على ضرورة إحاطة سجون النساء بعناية خاصة والسماح بدخول مستلزمات إضافية إليها كالفوط الصحية وغير ذلك، والاعتناء أيضاً بالبرامج الإصلاحية فيها. 

سجون العدل “مريحة” 

يقول كامل أمين المتحدث باسم وزارة العدل، إن السجون ليست كلها تابعة للوزارة، وإنما يرتبط بعضها بوزارات أخرى كالداخلية والدفاع. 

أما التابعة لوزارة العدل فإنها “جيدة وقاعاتها مريحة وتتمتع بتهوية وتشميس ولا يوجد فيها اكتظاظ” كما يقول لـ”جمّار”. 

ويتابع أنه في سجون النساء التي تشرف عليها وزارة العدل، يمكن للسجينة مقابلة ذويها متى ما أرادت ذلك، لكنه يقر بوجود تحديات صحية يجري العمل على تذليلها في أسرع وقت. 

“يمكن للسجينة الحصول في أي وقت على موعد مع الطبيبة. العلاج متوفر وإذا لم يكن متوفراً نبلغ عائلة السجينة بجلبه لها أو يتم توفيره عن طريق تبرعات المنظمات الدولية” يضيف أمين. 

ويوضح أن عدد سجون النساء في بغداد يبلغ خمسة أو ستة، وهي تتمتع بخصوصية شديدة، وتتوفر فيها الفوط الصحية والملابس الداخلية. 

ويبين أن السجينة تخضع للفحص قبل إيداعها السجن لمعرفة ما إذا كانت باكراً أم لا، وكذلك التأكد من أنها حامل أم لا، ويتم تقسيم السجينات بين القاعات وفقاً للقضايا المدانات بها. 

بيع الأجساد 

“جميع المسؤولين عن السجون يتحدثون عن حياة وردية فيها ليس لها وجود” تقول النائبة نيسان الزاير المهتمة بملف سجون النساء. 

ما حفّز الزاير على متابعة هذا الملف هو رؤيتها مجموعة فتيات حوامل مكبلات داخل إحدى المحاكم عندما كانت تنجز عملاً في المحكمة يخص مهامها النيابية. 

وعندما سألت النائبة محامية كانت ترافقها عن موضوع هؤلاء الفتيات، أجابتها بأنهن سجينات تعرضن للاغتصاب في السجن فحبلن، وقد جئن إلى المحكمة ليشتكين من سجّانيهن. 

منذ تلك اللحظة قررت الزاير استخدام صلاحياتها النيابية في متابعة ملف سجون النساء، فراحت تبحث وتستفسر عما يجري خلف الأسوار، فاكتشفت مزيداً من الأهوال. 

اكتشفت مثلاً أن بعض السجينات يُرغمن على زيارة عدد من المسؤولين في الدولة كبغايا يستمتعون بأجسادهن، كما أكد ضابط لها برتبة لواء معلومة تفيد بأن بعضهن يُستخدمن راقصات في النوادي الليلية. 

“كل هذه الانتهاكات موجودة” تقول الزاير لـ”جمّار”. 

وتؤيد النائبة روايات عذراء ورشا بشأن رداءة الطعام وقلته وسوء الرعاية الصحية وشراء الأماكن المريحة واستحصال مبالغ مالية كبيرة من السجينات لقاء بعض الخدمات كالسماح لهن بالاتصال بعوائلهن. 

وتشير إلى أنها تعرضت لضغوط كبيرة من “العصابات المستفيدة من تجارة السجون” على حد تعبيرها، ومحاولات لرشوتها من أجل التخلي عن الملف، لكنها مصممة على ما يبدو على المضي قدماً. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

أيامٌ مرّت وعذراء لا تشمّ سوى رائحة المرحاض الكريهة في سجن تسفيرات كركوك، فبصفتها سجينة جديدة مُنحت مكاناً أمام باب المرحاض، ويبدو ذلك عُرفاً من أعراف هذا السجن، وربما جميع سجون العراق. 

قرّرت مراقبة السجينات -وهي سجينة أيضاً تختارها إدارة السجن لأداء هذه المهمة- بعد مدة أن عذراء (32 عاماً) صارت “سجينة قدمى”، فاستحقت النقل من باب المرحاض إلى زاوية من زوايا القاعة. 

وبانعدام وجود الأسرّة وأفرشة النوم، تتخذ السجينات من الأرض مجلساً ومناماً، فتفترش كل واحدة منهن ثوباً أو بطانية بالية للجلوس والاستلقاء عليها. 

وتحتشد أكثر من 40 سجينة داخل قاعة تبلغ مساحتها نحو ثمانية أمتار مربعة، وتضم مرحاضاً واحداً وحمّاماً يغتسل فيه الجميع. 

وإذا أرادت سجينة استعمال المرحاض فإن عليها الوقوف في طابور طويل ريثما يصل دورها، وكانت عذراء تتلقى ركلات النساء المقصودة وغير المقصودة باستمرار طيلة مدة إقامتها قرب بابه. 

أما الاستحمام فهو مُجَدوَل بين السجينات بواقع ساعة واحدة أسبوعياً لكل مجموعة منهن، وفي هذه الساعة ينبغي على جميع أعضاء المجموعة استخدام الحمّام، ومن لم يسعفها الوقت عليها الانتظار إلى الأسبوع التالي. 

“لكنني كنت أتسلل إلى الحمّام ليلاً وأستحم ولا أبالي حتى لو تعرضت إلى الضرب” تقول عذراء لـ”جمّار”. 

ولأن إدارة السجن لا تستطيع ضرب السجينات بشكل مباشر خشية وصول شكاوى منهن إلى جهات رقابية والتعرض للمساءلة، ابتكرت حيلة لضربهن بيد بديلة. 

إنها يد المُراقِبة. 

تعيّن إدارة السجن مراقبة لكل قاعة تختارها من بين السجينات وتمنحها سلطة عليهن، وتوكل هذه المهمة إلى الأخطر والأكثر قسوة وشراسة. 

وتحصل المراقبة على امتيازات من الإدارة مقابل خدماتها، كأن تكون زيادة في عدد دقائق المكالمات الهاتفية المسموح بها أسبوعياً لكل سجينة، وتسليمها أجهزة التحكم بالتكييف وشاشة التلفاز. 

بالنسبة للقاعة التي سُجنت فيها عذراء، كانت المراقبة مدانة بسبع قضايا بغاء وتجارة بالمخدرات، وهي قاسية جداً ولا تأخذها رأفة بأي سجينة تخالف أوامرها. 

وترافق المراقبة مجموعة من السجينات المتملقات الباحثات عن بعض فتات الامتيازات، وهن يقدمن المساندة لها عندما يحين وقت العنف. 

وتتحكم المراقبة بكل شيء داخل القاعة حتى أوقات النوم، فعندما تأمر بنوم الجميع تنصاع السجينات لها ولا تجرؤ أي منهن على الرفض واختيار البقاء مستيقظة. 

وتطلب إدارة السجن من المراقبة القسوة على السجينات وضربهن بشدة مقابل منحها مزيداً من الامتيازات، وهو أسلوب يبدو أن المراد منه بث الذعر بين النزيلات ومنعهن من التفكير بالتمرد أو التذمر أو الاشتكاء للجان الرقابية التي تزور السجن في فترات متباعدة. 

وفي ظروف الرعب هذه، تضطر السجينات إلى القبول بكل البؤس والمساوئ ومحاولة قضاء مدة محكوميتهن من دون التعرض إلى مكروه. 

فهن يضطررن مثلاً إلى تناول طعام فاسد وشحيح يومياً. 

“الطعام رديء جداً. وجبة الصباح تتضمن بيضة أو بيضتين وبضع قطع من جبن المثلثات ذي النوعية الرديئة. ووجبة الغداء تحتوي على رز ومرق بقوليات مليئة بالديدان المطبوخة معها” تقول عذراء. 

وتنجو من هذا الضنك من تمتلك النقود، فتستطيع قبل يوم طلب طعام جيد من أحد المطاعم ليصلها “ديليفري”. 

وتصل الأموال إلى السجينات من ذويهن عن طريق إدارة السجن التي تقيدها في صكوك، وعندما تريد السجينة شراء شيء ما يُستقطع ثمنه من الصك الخاص بها. 

“طبعاً إدارة السجن لا تضع كل المال في الصك وإنما تستقطع جزءاً منه كإتاوة” توضح عذراء. 

وتشتري السجينات من الحانوت الذي يبيع البضائع بأسعار تبلغ أضعاف أسعارها الحقيقية في الأسواق. 

بحسب عذراء، يباع لوح الشوكولا من نوع “نمبر وان” بـ500 دينار، بينما سعره في الأسواق 250 ديناراً، وتباع علبة البسكويت التي سعرها 250 ديناراً بألف دينار في حانوت السجن، وهكذا بالنسبة لبقية المواد. 

لا تحصل السجينات في تسفيرات كركوك سوى على بضع دقائق للتشميس أربع مرات في الأسبوع، وتفوح في مكان التشميس رائحة المجاري. 

وبداعي الحفاظ على سلامة السجينات، يُمنع دخول الملاعق المعدنية إلى قاعات السجن، ويستعاض عنها بالملاعق البلاستيكية ذات الاستخدام لمرة واحدة، لكنها تُستخدم مرات كثيرة بين السجينات، حيث يتم غسلها وإعادة توزيعها. 

كما يُمنع دخول الفوط الصحية التي تحتاجها النساء بداعي الحذر من إدخال مخدرات بداخلها. 

كل هذا الإهمال وسوء المعاملة يؤدي إلى تفشي الأمراض بين السجينات، في مقابل رعاية طبية رديئة للغاية. 

تقول عذراء إن سجينة كانت معها في القاعة ذاتها تعاني من مرض يستوجب تلقيها العلاج ودخول المشفى بشكل يومي، إلا أن إدارة السجن اصطحبتها إلى المشفى مرة واحدة لساعات وأعادتها إلى السجن بذريعة عدم توفر شرطيات يمكن تفريغهن لمرافقتها. 

لكن صاحبات المال والوساطات يتلقين رعاية أفضل. 

“شاهدت بعيني سجينات يتم تسجيل حضورهن في السجن ويغادرن ثم يعدن فقط لتسجيل الحضور”، تضيف عذراء. 

وتقول طبيبة كانت تعمل في أحد سجون النساء مشترطة عدم ذكر اسمها، إن الأمراض الشائعة بين السجينات هي الجرب بسبب الاكتظاظ وغياب النظافة، والأنيميا (فقر الدم) بسبب سوء التغذية. 

وتوضح الطبيبة لـ”جمّار” أن السجينات يعانين أيضاً من انتشار القمل. 

وتزور اللجان الرقابية سجن عذراء في فترات متباعدة، وزياراتها ليست ذات جدوى غالباً، إذ تستمع في مرات نادرة إلى شكاوى من السجينات من دون اتخاذ إجراءات إزاءها. 

وتخشى السجينات من بطش الإدارة إذا ما شكين الحال أمام اللجان، لكن عذراء تمردت في إحدى المرات ووقفت من بين كل السجينات المرغمات على الجلوس أمام لجنة رقابية زارت السجن، لتكشف لها شيئاً من المستور. 

عندما وقفت عذراء طلبت منها مسؤولة السجن الجلوس كبقية النساء، لكنها رفضت وأبلغتها بأنها ستكون مرتاحة أكثر بالوقوف. 

وعندما لاحظت رئيسة اللجنة تصرف عذراء سألتها عما إذا كانت تريد أن تتحدث أو تشتكي، فأجابت بالإيجاب. 

وما كان من مسؤولة السجن إلا أن ترسل إشارة واضحة إلى عذراء بأن تصمت وتجلس، لكن رئيسة اللجنة طلبت منها المغادرة لتتمكن السجينات من التحدّث بحرية. 

“مسؤولة السجن شرطية تدعى ست جميلة والجميع يخشاها” تقول عذراء. 

وعندما غادرت “ست جميلة” قاعة السجن تحدثت عذراء عن المساوئ الكثيرة هناك، لكنها لم تكن على قناعة تامة بأن اللجنة ستأتي بحلول، لذا ختمت حديثها بجملة توبيخية وجهتها إلى رئيسة اللجنة. 

“قلت لها ينبغي أن تخجلي من السؤال عما إذا كانت هناك شكاوى أم لا وأنتِ تشاهدين الحال”. 

الـ”ماسي” يشترى في الـ”سايد فور” 

في سجن الـ”سايد فور” الواقع داخل مقر وزارة الداخلية وسط بغداد، يبدو الوضع مستنسخاً من تسفيرات كركوك. 

تعيش نحو 500 سجينة في قاعة لا تتسع لأكثر من 200. 

رشا (48 عاماً) سُجنت هناك ثلاث سنوات، وشاهدت كيف أن المال يصنع تفاوتاً طبقياً داخل قاعات السجن. 

بالنقود يمكن الحصول على مكان أفضل داخل قاعة السجن المقسّمة إلى أربعة أجنحة هي الجناح الماسي والذهبي والفضي و”الزنجاري”. (الزنجار مفردة في اللهجة العراقية تعني الصدأ). 

ويستند تقسيم الأجنحة إلى وسائل الراحة والامتيازات، فعلى سبيل المثال تُمنح سجينة الجناح الماسي مكاناً قرب جهاز التكييف (السبلت) في الصيف، بينما يكون مكان سجينات الجناح الذهبي تحت المروحة السقفية، أما سجينات الفضي والزنجاري فيعتمدن على المراوح اليدوية لعدم وصول هواء السبلت والمروحة السقفية إليهن. 

كما تحصل صاحبات الماسي والذهبي على أفرشة نظيفة، وإمكانية الطبخ في أوقات ملائمة، واتصالات هاتفية بسعر عشرة آلاف دينار لكل دقيقة، ويتم إعفاؤهن من واجب تنظيف القاعة، وذلك ما لا تحصل عليه سجينات الفضي والزنجاري اللواتي يقضين أوقات الجلوس والنوم في مساحات ضيقة جداً أو في الممر المؤدي إلى المرحاض وتلقى عليهن مسؤولية التنظيف. 

ومن أجل التنقل من جناح إلى آخر أعلى، يتعين على السجينة التسوق من حانوت السجن بمبالغ كبيرة لا تقل عن 100 ألف دينار. 

وقد تتعرض من تمتنع عن الشراء من الحانوت إلى الخطر، ففي إحدى الليالي كانت رشا تقف في طابور بانتظار الاستحمام، وإذا بإحدى السجينات توبخها لأنها تفضّل العيش في “الزنجاري” على الشراء من الحانوت. 

وبعد مشادة كلامية بينهما، سحبت السجينة شفرة من فمها معتزمة مهاجمة رشا بواسطتها، فما كان من الأخيرة إلا الصراخ واستنفار السجينات لحمايتها. 

ولأنها كانت طيبة المعشر مع سجينات كثيرات، تلقت دعماً من عدد كبير منهن، لكن صاحبة الشفرة لم تبق بلا مدد هي الأخرى، فوقعت مشاجرة كبيرة بين “الماسي” و”الزنجاري” لم تنته إلا بتدخل حارسات السجن وفض النزاع بالهرّاوات الكهربائية. 

تم فتح تحقيق بعد ذلك بشأن المشاجرة، لكن إفادة رشا تعرضت لاحقاً للتغيير والتحريف، وجاءها تحذير من إدارة السجن بأنها ستواجه “مصيراً مبهماً” إذا تكلمت عما جرى أمام لجنة رقابية أو ما شابه. 

“قالوا لي إن الرواية التي يجب أن أرويها في حال سُئلت من أي جهة هي أن إحدى السجينات تعرضت للإغماء فتعالى الصراخ من قاعة السجن” تقول رشا لـ”جمّار”. 

وبهذه الطريقة أغلقت القضية. 

اقرأ أيضاً

أطفال السجينات في العراق: خارج السجلات والتعليم.. والحياة 

كما في تسفيرات كركوك، تُحكَم السيطرة على السجينات بواسطة مراقِبة من المدانات بقضايا خطيرة، على اعتبار أن هكذا مدانات يتسمن بالقسوة والشراسة. 

وأكثر ما تريده إدارة سجن الـ”سايد فور” من المراقبات التضييق على السجينات من أجل الشراء باستمرار من الحانوت. 

كانت رشا تتجنب الشراء من الحانوت لأن أسعاره ليست منطقية، لذا ترى أن الشراء مجرد تبذير للأموال. 

“يعني هل يُعقل أن عائلتي تسلم إدارة السجن 450 ألف دينار شهرياً ولا تكفيني لأسبوع واحد على الرغم من أن احتياجاتي بسيطة جداً؟” تتساءل رشا. 

تنفق رشا وغيرها كل هذا الأموال لأن علبة الشامبو التي سعرها خمسة آلاف دينار في الأسواق تباع بـ25 ألف دينار في حانوت السجن، والكيلوغرام الواحد من الرز يباع بعشرة آلاف وهو بـ2250 ديناراً في الأسواق، والموز بخمسة آلاف دينار بدلاً من 1500، وهكذا. 

ولكن من تجرؤ على الاعتراض أو مقاطعة الحانوت بوجود المراقبة الباطشة؟ 

ولا يقتصر دور المراقبة على إرغام السجينات على الشراء من الحانوت، وإنما تقوم بإدارة كل شؤون القاعة وإصدار الأوامر إليهن. 

ففي بعض الأحيان تراودها رغبة بتنظيف القاعة في الساعة الثالثة فجراً، فتبدأ بالصراخ على السجينات اللواتي لا يملكن حيلة، فيستيقظن من نومهن مرغمات لتنفيذ الأمر. 

وتستثنى من هذه السخرة مرافقات المراقبة اللواتي لا يغسلن حتى ملابسهن ويتلقين الخدمة من سجينات الجناح الزنجاري. 

كما تستثنى سجينات الماسي والذهبي من الواجبات القسرية. 

وإذا تمردت إحدى النساء على سطوة المراقبة فإنها تُعاقب بالنقل إلى مكان أسوأ داخل السجن أو حتى إلى سجن آخر. 

في إحدى المرات نُقلت سجينة من الـ”سايد فور” إلى سجن الناصرية في ذي قار (نحو 350 كم جنوب بغداد) بسبب نشوب خلاف بينها وبين المراقبة. 

وفوق كل هذا التعامل السيئ، تضطر سجينات الـ”سايد فور” إلى تناول طعام رديء يومياً. 

كانت رشا ورفيقاتها يشاهدن يومياً من بعض الشقوق في جدار القاعة، براميل مليئة باللحوم تُنقل إلى داخل السجن لكنها لا تصل إليهن ولا يعلمن أين تذهب. 

والوجبات التي تحصل عليها السجينات تتضمن مرقاً يحتوي على كميات كبيرة من الزيت الرديء، وأحياناً يشاهدن حشرات تطفو فوقه، ورزاً تفوح منه رائحة العفن. 

لكن الجوع يجبرهن على تناول هذا الطعام، أو اللجوء أحياناً إلى حلول بديلة كاستخراج البطاطا من المرق وغسلها وقليها وتناولها. 

أما من تمتلك المال، فتطهو طعامها على جهاز التسخين الكهربائي (الهيتر)، حيث يباع داخل السجن بـ25 ألف دينار. 

وتتضمن وجبة الفطور قطعتين من جبن المثلثات من نوعيات رديئة، إضافة إلى بيضة مسلوقة وصمونة واحدة. 

وواجهت رشا وعذراء مشكلات في الكليتين والمعدة بسبب خلط مادة الكافور مع الطعام بهدف كبت الرغبة الجنسية لدى السجينات. 

وإذا مرضت سجينة نتيجة هذه الأوضاع المزرية، لن تحصل على الرعاية الطبية اللازمة، فلا يوجد علاج مجاني، وإنما يتعين على عائلة السجينة شراء العلاج الذي تكتبه الطبيبة لها وإرساله إلى السجن. 

وحتى هذا العلاج لا يسلم من أيدي ضعاف النفوس. 

“مثلاً إذا الطبيبة كتبت عشرة أشرطة حبوب للمريضة واشترتها عائلتها لها، فإن إدارة السجن تمنحها واحداً أو اثنين منها وتصادر البقية بذريعة الاحتفاظ بها للحالات الطارئة” تقول رشا لـ”جمّار”. 

وفي فصل الصيف عندما ترتفع الحرارة داخل القاعة غير المكيّفة بشكل جيد، تقع حالات إغماء بين السجينات، إلا أن الإدارة لا تفعل شيئاً إزاء ذلك وتكتفي بترك المهمة للبقية ليعالجن الموقف بسكب الماء على وجوه المغمى عليهن أو ضرب خدودهن بالكفوف ليستفقن. 

“تبرر الإدارة ذلك بأن إجراءات الإسعاف صعبة جداً ومطوّلة” بحسب رشا. 

وتشير رشا إلى أنها لم تشاهد أي لجنة مراقبة زارت السجن طيلة مدة مكوثها فيه. 

عرضة للتحرش 

بحكم عملها واطلاعها على حالات عدة، تتفق هناء أدور، التي تعد من أبرز ناشطات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في العراق، على أن وضع السجون مزرٍ. 

تتحدث أدور لـ”جمّار” عن مشكلات كثيرة في السجون العراقية، لا تبدأ بقلة الكوادر وعدم كفاءتها، ولا تنتهي بالرعاية الصحية والغذائية. 

كما تؤكد الرواية المتعلقة بحصول السجينات والسجناء على امتيازات مقابل الأموال، وعدم وصول الأموال التي ترسلها العوائل إلى بناتها وأبنائها في السجون كاملة. 

وفي ما يخص سجون النساء، فتوضح أدور أن عددها قليل جداً لا يتجاوز عدد الأصابع في بغداد، أما في بقية المحافظات فإنها عبارة عن غرف احتجاز صغيرة في مراكز الشرطة يشرف عليها رجال، ما يجعل السجينات عرضة للتحرش والاعتداءات الجنسية. 

وتشير أيضاً إلى أن بعض النساء يرافقهن أطفالهن في السجن، وهؤلاء الأطفال لا يحصلون على الرعاية اللازمة، ولاسيما الرعاية الطبية، فلا يصلهم طبيب أو علاج إذا مرضوا إلا بصعوبة بالغة. 

وتشدد أدور على ضرورة إحاطة سجون النساء بعناية خاصة والسماح بدخول مستلزمات إضافية إليها كالفوط الصحية وغير ذلك، والاعتناء أيضاً بالبرامج الإصلاحية فيها. 

سجون العدل “مريحة” 

يقول كامل أمين المتحدث باسم وزارة العدل، إن السجون ليست كلها تابعة للوزارة، وإنما يرتبط بعضها بوزارات أخرى كالداخلية والدفاع. 

أما التابعة لوزارة العدل فإنها “جيدة وقاعاتها مريحة وتتمتع بتهوية وتشميس ولا يوجد فيها اكتظاظ” كما يقول لـ”جمّار”. 

ويتابع أنه في سجون النساء التي تشرف عليها وزارة العدل، يمكن للسجينة مقابلة ذويها متى ما أرادت ذلك، لكنه يقر بوجود تحديات صحية يجري العمل على تذليلها في أسرع وقت. 

“يمكن للسجينة الحصول في أي وقت على موعد مع الطبيبة. العلاج متوفر وإذا لم يكن متوفراً نبلغ عائلة السجينة بجلبه لها أو يتم توفيره عن طريق تبرعات المنظمات الدولية” يضيف أمين. 

ويوضح أن عدد سجون النساء في بغداد يبلغ خمسة أو ستة، وهي تتمتع بخصوصية شديدة، وتتوفر فيها الفوط الصحية والملابس الداخلية. 

ويبين أن السجينة تخضع للفحص قبل إيداعها السجن لمعرفة ما إذا كانت باكراً أم لا، وكذلك التأكد من أنها حامل أم لا، ويتم تقسيم السجينات بين القاعات وفقاً للقضايا المدانات بها. 

بيع الأجساد 

“جميع المسؤولين عن السجون يتحدثون عن حياة وردية فيها ليس لها وجود” تقول النائبة نيسان الزاير المهتمة بملف سجون النساء. 

ما حفّز الزاير على متابعة هذا الملف هو رؤيتها مجموعة فتيات حوامل مكبلات داخل إحدى المحاكم عندما كانت تنجز عملاً في المحكمة يخص مهامها النيابية. 

وعندما سألت النائبة محامية كانت ترافقها عن موضوع هؤلاء الفتيات، أجابتها بأنهن سجينات تعرضن للاغتصاب في السجن فحبلن، وقد جئن إلى المحكمة ليشتكين من سجّانيهن. 

منذ تلك اللحظة قررت الزاير استخدام صلاحياتها النيابية في متابعة ملف سجون النساء، فراحت تبحث وتستفسر عما يجري خلف الأسوار، فاكتشفت مزيداً من الأهوال. 

اكتشفت مثلاً أن بعض السجينات يُرغمن على زيارة عدد من المسؤولين في الدولة كبغايا يستمتعون بأجسادهن، كما أكد ضابط لها برتبة لواء معلومة تفيد بأن بعضهن يُستخدمن راقصات في النوادي الليلية. 

“كل هذه الانتهاكات موجودة” تقول الزاير لـ”جمّار”. 

وتؤيد النائبة روايات عذراء ورشا بشأن رداءة الطعام وقلته وسوء الرعاية الصحية وشراء الأماكن المريحة واستحصال مبالغ مالية كبيرة من السجينات لقاء بعض الخدمات كالسماح لهن بالاتصال بعوائلهن. 

وتشير إلى أنها تعرضت لضغوط كبيرة من “العصابات المستفيدة من تجارة السجون” على حد تعبيرها، ومحاولات لرشوتها من أجل التخلي عن الملف، لكنها مصممة على ما يبدو على المضي قدماً.