مقتدى الصدر: الصعود والتقلبات 

آدم حسين

09 تموز 2024

أكثر من اعتزل السياسة وعاد إليها هو مقتدى الصدر، صاحب الأتباع العنيفين، والآن هو معتزل، لكن الأمر قد لا يطول كثيراً

حين صوّت مجلس النواب على قانون العطل الرسمية، وأضاف إليه “عيد الغدير”، حصل مقتدى الصدر، زعيم “التيار الوطني الشيعي” (التيار الصدري سابقاً)، الذي دعم مشروع القانون، على مكسب جديد يضاف إلى مكاسب سياسية أخرى تحققت في غضون عامين من الاعتزال، بحسب أوساطه، التي بدأت تطرح هذا السؤال: “إذا كانت هذه الانتصارات تحققت ونحن خارج السلطة فما حاجتنا للمشاركة في الحكومة مرة أخرى؟”. 

الصدر، وهو زعيم شيعي دخل السياسة أول مرة في 2005، بعد أن كان يرأس حركة مسلحة، اعتزل النشاط السياسي للمرة التاسعة صيف 2022 بعد اشتباكات شيعية-شيعية نادرة داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد. 

منذ اعتزاله الأخير، وهو الأطول في قائمة الاعتزالات والانسحابات في السنوات العشر الأخيرة، وخصومه الشيعة في حيرة. أرسلوا إليه أكثر من وساطة ورسالة للعودة من الاعتكاف السياسي، لكن رفضه المتكرّر زاد الحيرة والقلق لديهم. 

يتحدّث قيادي في حزب الدعوة عن واحدة من تلك المحاولات لإقناع الصدر بالعودة إلى المشهد السياسي بأن “هناك تواصلاً مع خطوط التيار، ربما لا تكون الخطوط الأولى، لكن لديهم رغبة بالعمل السياسي مجدداً”، بينما ما يزال خطاب الصدر الرسمي يصف السلطة الحالية بـ”الفاسدة”، ويرفض الاجتماع مع أقطابها في أي مكان. 

كثّف الصدر في آخر شهرين حركته وظهوره العلني أمام الجمهور، وهو أمر لم يفعله منذ اعتزاله الأخير، وأجرى خلال تلك المدة لقاءً مثيراً مع المرجع الأعلى في النجف علي السيستاني، المعروف برفضه لقاء أي سياسي منذ سنوات، وغيّر بعد أيام اسم تياره لأول مرة -وهو اسم يرتبط باسم عائلته- إلى “التيار الوطني الشيعي”. 

تجميد.. واعتزال 

ولد مقتدى الصدر في الكوفة بمدينة النجف عام 1973 لعائلة دينية معروفة، والده محمد صادق الصدر أحد أبرز المراجع الشيعة في العراق، اغتيل مع نجليه مؤمل ومصطفى عام 1999. 

حظي الصدر الأب بشعبية ومحبة واسعة بين الشيعة المحتقنين والغاضبين من سياسات النظام السابق، فقد بدأ يقيم صلاة الجمعة في مسجد الكوفة ويلقي الخطب في وقت كانت علاقة الشيعة بالنظام الذي يقوده صدام حسين في أسوأ حالاتها، إذ وصل الشيعة مرحلة من الحذر والتوجس راحوا فيها يخبئون حتى قدور الطبخ ليلة عاشوراء داخل منازلهم لتجنب أعين البعثيين، بينما هم اعتادوا منذ مئات السنين على طبخ “الهريسة” والرز و”القيمة” في الشوارع والأزقة كل سنة إحياء لليلة العاشر من محرم، ذكرى مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة الإثني عشرية، والتي يسمونها في العراق “ليلة الحجة” أو “ليلة الطبگ”. 

في هذا الجو المشحون، ظهر الصدر ليضخ جرعات من الجرأة والأمل في الأوساط الشيعية، عبر تناوله قضايا حساسة في خطب الجمعة، كمطالبته في إحدى الخطب بإطلاق سراح “فضلاء الحوزة والمؤمنين” المعتقلين في سجون النظام، وهو طرح خطير جداً في تلك الأيام لم يجرؤ أي رجل دين عليه. 

تأثر مئات الآلاف من الشبان الشيعة بالصدر والتفوا حوله، وكثير منهم لم يكونوا متدينين لكنهم سلكوا طريق التدين بعدما رأوا منه واتخذوه مرجعاً لهم، وعقب اغتياله نظّم عدد من أتباعه مجاميع مسلحة هاجمت مراكز الشرطة ومقار حزب البعث، حتى تمكنت من إسقاط مدن كاملة وإخراجها عن سيطرة النظام، لكنها جوبهت برد عنيف قضى عليها سريعاً واستعيدت السيطرة على الأمور. 

اقرأ أيضاً

من يُعيد ترميم صورة مقتدى الصدر التي انكسرت مرتين؟

بقي أتباع الصدر أوفياء له ولم تفارق محبته قلوبهم، لكن مقتدى لم يكن معروفاً في تلك الحقبة ولم يتخذوه زعيماً لهم، وبعد أربع سنوات من اغتيال الصدر أسقطت الولايات المتحدة صدام حسين ونظامه. 

ظهر اسم مقتدى الصدر في الإعلام عقب اغتيال رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي في 10 نيسان 2003، أي بعد يوم واحد من سقوط النظام، وعبد المجيد هو نجل المرجع الشيعي الراحل أبي القاسم الخوئي، وقد كان يقيم في لندن منذ مطلع التسعينيات. 

وجهت أصابع الاتهام إلى الصدر بقتل الخوئي بواسطة مجموعة من أتباعه اقتادوه من داخل صحن مرقد الإمام علي بن أبي طالب في النجف وذهبوا به إلى منزل مقتدى وقتلوه أمام المنزل، وصدرت بالفعل مذكرة قبض بحقه بعد أربعة أشهر من ارتكاب الجريمة، لكنها لم تنفذ. 

ولا يُعرف على وجه التحديد هل أن أتباع الصدر تجمعوا في غضون ساعات لتنفيذ هذه الجريمة، أم أنهم كانوا منتظمين في تنظيمات سرية منذ زمن النظام السابق ونزلوا إلى الشوارع بعد سقوطه. 

يقول الصدر في مقابلة قديمة سئل فيها عن مقتل الخوئي “في الأسبوع الأول من سقوط اللانظام تمكنا وبسهولة من السيطرة على العراق عامة (…) فما كان الجواب من الغرب إلا أن قالوا وبالنص إكبحوا جماح مقتدى، فكان الرد ثاني يوم بمقتل السيد مجيد والحصار الوهمي للسيد السيستاني”. 

يقر الصدر في حديثه أعلاه بأنه يمتلك قوة تمكنت من “السيطرة على العراق عامة”، لكنه لم يبين متى تشكلت هذه القوة وكيف. 

وعلى أي حال، صار اسم مقتدى يتردد مراراً على المنابر الدينية وفي الإعلام خلال تلك الأيام، وسيطر أتباعه على كثير من المساجد والحسينيات التي تكاثرت بسرعة ومن دون تنظيم عقب سقوط النظام، ومنذ تلك اللحظات بدأت ولادة ما عُرف لاحقاً بالتيار الصدري. 

تأسيس الميليشيا 

قبل صدور مذكرة القبض بحقه بنحو شهر أو أقل، وتحديداً في تموز 2003، أعلن الصدر من على منبر مسجد الكوفة تأسيس ميليشيا سماها “جيش المهدي”، وقال في حينها إن الغاية منها أن تكون “البذرة الأولى لتأسيس الدولة المستقلة المسلمة البعيدة عن الظلم والإرهاب”. 

بعد ذلك دعا الصدر أتباعه إلى الخروج في مسيرات تطالب بخروج الاحتلال من العراق، ووقع إطلاق نار من جانب القوات الأمريكية في بعض تلك المسيرات، فأمر الصدر جيش المهدي بحمل السلاح ومقاتلة الأمريكيين، وكان ذلك في نيسان 2004. 

دارت معارك شرسة في بغداد والنجف وكربلاء وذي قار ومحافظات أخرى بين الطرفين، وانتهت بهدنة في تموز من العام ذاته. 

وقبل الهدنة، كانت الحكومة العراقية المؤقتة قد تشكلت برئاسة إياد علاوي، وفي بداية تشكيلها أعرب الصدر عن استعداده للتعاون معها ومساندة القوات الأمنية، لكن وزير الداخلية آنذاك فلاح النقيب رفض هذه المبادرة، فتوترت علاقة الصدر بالحكومة ورئيسها، حتى تطور هذا التوتر إلى مواجهات مسلحة جديدة شاركت فيها هذه المرة القوات العراقية الناشئة إلى جانب الجيش الأمريكي. 

فرضت هذه الأحداث الصدر كرقم صعب في العراق، فشخصية تمتلك قوة مسلحة ذات جرأة على مواجهة الجيش الأمريكي لا بد أن يُحسب لها ألف حساب، إذ أن هذه القوة قادرة على نشر الفوضى في أنحاء واسعة من البلاد بمجرد إشارة من “السيد”، على ما يردد أتباعه. 

كان الصدر في تلك الفترة مقاطعاً لما تسمى العملية السياسية في العراق ولم يزج أتباعه فيها، لكنه قرر عام 2005 خوض الانتخابات النيابية لأول مرة ضمن “الائتلاف العراقي الموحد” الشيعي. 

شارك اثنان من قيادات التيار الصدري في الجمعية الوطنية التي مهّدت للانتخابات الأولى بعد 2003، هما بهاء الأعرجي، الذي سينشق عن الصدر بعد ذلك، وفتاح الشيخ، بينما حصل الصدر مع “الائتلاف الموحد” على عدد مقاعد وازن في الدورة النيابية 2006-2010. 

قبل انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، وتحديداً في 22 شباط 2006، وقع تفجير سيقود العراق إلى الجحيم، ذلك هو تفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء. 

وقع التفجير صباحاً، وفي عصر اليوم ذاته شوهد عناصر جيش المهدي لأول مرة ينتشرون بشكل علني في الأحياء السكنية الشيعية بزيهم الأسود، فقد نزلوا إلى الشوارع ليقوموا بدور القوات الأمنية، ووفروا الحماية لمسيرات شعبية نظمها عدد من الأهالي في أحياء عدة، وبعد منتصف الليل، هوجمت المساجد السنية الواقعة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية. 

فُهمت مهاجمة مساجد السنة على أنها رد فعل انتقامي على تفجير مرقدي الإمامين العاشر والحادي عشر لدى الشيعة الإثني عشرية، الواقعين في سامراء ذات الأغلبية السنية، وعلى الرغم من أن الصدريين ينفون صلة جيش المهدي بمهاجمة المساجد، إلا أن جل العراقيين يؤكدون أن رجاله فعلوا ذلك، وأنه كان القطب الأبرز في أيام الاقتتال الطائفي الذي اندلع بعد التفجير حتى آذار 2008. 

قويت شوكة جيش المهدي في السنتين من 2006 إلى 2008، وسيطر على الشارع كلياً أمام انكفاء وضعف الجيش والشرطة وسائر الأجهزة الأمنية، إلى درجة أن الناس صاروا يلجؤون إلى “مكتب السيد” لحل مشكلاتهم بدلاً من مراكز الشرطة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا. 

صولة المالكي 

عام 2008 استاء نوري المالكي، رئيس الوزراء آنذاك، من سيطرة الصدريين وسطوتهم، فقرر مواجهتهم في عملية عسكرية سماها “صولة الفرسان” انطلقت في 25 آذار 2008، واستمرت الاشتباكات مع جيش المهدي بموجب هذه العملية قرابة ثلاثة أسابيع، حتى أمر الصدر أتباعه بالتوقف عن القتال، وبعد ذلك ببضعة أشهر أعلن تجميد الميليشيا “إلى أجل غير مسمى”. 

ابتعد الصدر في ما بعد عن الأنظار خلال ولاية المالكي الأولى للدراسة في مدينة قم الإيرانية، وتسرّب حينها في الأوساط السياسية أن المالكي أبعده. 

عاد الصدر في الولاية الثانية للمالكي (2010-2014)، واشترك مع القوى السنية والكردية في 2012 بمحاولة فاشلة للإطاحة برئيس الوزراء، وفي آب 2013 لوّح زعيم التيار بالانسحاب من الحكومة ومجلس النواب. 

وقال آنذاك في بيان “سنناقش الانسحاب من الحكومة بل حتى من البرلمان الهزيل”، ووصف حينها البقاء في الحكومة بـ”المضر والمعين على الإثم والعدوان” ليعلن بعد خمسة أشهر اعتزاله الرسمي عن السياسة في 4 آب 2013. 

لكن زعيم التيار لم يصبر على الاعتزال أكثر من شهر واحد، وعاد تلبية لأتباعه الذين تجمعوا عند مرقد والده في النجف لحمله على العدول عن قراره. 

وقال الصدر في بيان العودة “رغم أني أميل حالياً للاعتزال والعزلة عن المجتمع، إلا أني لم أستطع أن أقف ساكتاً أمام هذه الجموع الطيّبة المؤمنة السائرة لأبيها الصدر”. 

وبعد خمسة أشهر أخرى، أعلن الصدر الانسحاب من العملية السياسية وحلّ التيار الصدري. وقال في بيان في شباط 2014 “من المنطلق الشرعي وحفاظاً على سمعة آل الصدر (…) والخروج من أفكاك السياسة والسياسيين، أعلن إغلاق جميع المكاتب وملحقاتها وعلى كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها”. 

وأكد الصدر عدم تدخله بالأمور السياسية كافة، مبيناً أن “لا كتلة تمثلني بعد الآن ولا أي منصب في داخل الحكومة وخارجها ولا البرلمان، ومن يتكلم خلاف ذلك فقد يعرض نفسه للمساءلة الشرعية والقانونية”. 

وكالعادة تراجع زعيم التيار بعد ذلك وشارك عقب شهرين من قرار الاعتزال الأخير، في الانتخابات التشريعية التي جرت في نيسان 2014، وحصل التيار تحت اسم “كتلة الأحرار” على 33 مقعداً نيابياً. 

شهدت هذه الدورة (2014-2018) أحداث تمدد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ومعارك التحرير، وموجات ما سمي بـ”الإصلاح السياسي” التي تبناها حيدر العبادي رئيس الوزراء في حينها، وساند أنصار الصدر تلك الخطوات حتى أخذوا موقفاً تصعيدياً يحدث لأول مرة بعد 2003 للضغط من أجل تنفيذها، وذلك عندما اقتحموا المنطقة الخضراء ومبنى مجلس النواب مرتين في 2016 (سينفذون اقتحاماً ثالثاً بعد ذلك بثماني سنوات). 

وفي نيسان منذ ذلك العام قرر الصدر، مرة جديدة، تجميد كتلة “الأحرار”، محذرا في بيان من تحول مسار الاعتصامات التي ينفذها أنصاره إلى “وجه آخر” في حال منعها من القوات الأمنية. 

وطالب بالسعي الحثيث إلى “تشكيل ائتلاف شعبي موحد، يضم البرلمانيين ذوي النوايا الوطنية الحقيقية”، داعيا الأمم المتحدة إلى التدخل و”إنقاذ العراقيين، ولو من خلال انتخابات مبكرة”. 

وهذه المرة الثانية بعد انضمامه إلى فريق المعارضة لإزاحة المالكي في 2012، يدعو الصدر إلى تشكيل كتلة شيعية موازية للكتلة التقليدية التي ظهرت في انتخابات 2005 واستمرت بعد ذلك حتى 2018. 

ومثل المرات السابقة، عاد الصدر عن قراره، وحضر التيار في تشرين الأول 2016 اجتماعات التحالف الوطني الشيعي، الذي كان يضم ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، والتيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي وتيار الإصلاح الوطني وحزب الفضيلة الإسلامي. 

وكانت عودته قد سبقتها شروط، لم تنفذ بعد ذلك، أبرزها محاسبة “الفاسدين” وتقديمهم إلى القضاء، وإلغاء ترشيح وزراء من الكتل السياسية، وإحالة الوزراء الحاليين والسابقين على القضاء وهيئة النزاهة، وإلغاء مفوضية الانتخابات أو تغييرها. 

انسحاب وعودة 

استوعب الصدر على ما يبدو درس 2016، وفي الانتخابات اللاحقة 2018 فرض شروطه، وعقد تحالفاً مع هادي العامري زعيم منظمة بدر، الذي كان يتزعم المعسكر الشيعي ضمن ما كان يعرف بـ”كتلة البناء”. 

التيار حينها كان قد حصل على أعلى المقاعد (54 مقعداً) في مجلس النواب ضمن تحالف “سائرون” الذي ضم الشيوعيين (انسحبوا بعد ذلك أثناء احتجاجات تشرين 2019)، وطلب الصدر من حلفائه الشيعة “تشكيل مجموعة وزارية من دون ضغوطات حزبية أو محاصصة طائفية أو عرقية مع الحفاظ على الفسيفساء العراقية الجميلة”، بحسب بيان صدر عنه آنذاك. 

لكن هذا الاتفاق لم يدم طويلاً شأنه شأن المرات السابقة، وللمرة السادسة في نهاية 2019، حين كانت الاحتجاجات في ذروتها في العراق، قرر الصدر “إغلاق كل المؤسسات التابعة للخط الصدري لمدة عام كامل”، بحسب بيان لمكتبه. 

وتبع تلك الإجراءات إغلاق صفحتي “محمد صالح العراقي” المعروف بـ”وزير الصدر” على تويتر (إكس حاليا) وفيسبوك. 

اقرأ أيضاً

“الجدال بالحرب”.. المعركة المؤجلة بين الصدر وخصومه 

وكان أتباع الصدر المعروفون باسم “أصحاب القبعات الزرق” تورطوا في ممارسة العنف ضد المتظاهرين في بغداد ومحافظات أخرى، في حين كان عادل عبد المهدي رئيس الوزراء الأسبق قد قدم استقالته. 

بعد أكثر من سنة على تولي مصطفى الكاظمي، المدعوم من الصدر، رئاسة الحكومة بدلاً من عبد المهدي، قرر زعيم التيار مجدداً في تموز 2021 الانسحاب من العملية السياسية والامتناع عن ترشح تياره للانتخابات. 

وقال في كلمة له آنذاك، إنه “حفاظاً على ما تبقى من الوطن الذي أحرقه الفاسدون وما زالوا يحرقونه، وإنقاذاً له، نعلمكم بأنني لن أشترك في هذه الانتخابات.. فالوطن أهم من كل ذلك”. 

وأوضح حينها أنه “يسحب اليد عن كل المنتمين إلى الحكومة الحالية واللاحقة”، وأضاف أن “الكل تحت طائلة الحساب”. 

وبعد 3 أشهر من إعلان الانسحاب، عاد تياره للترشح مجدداً في الانتخابات النيابية، محققاً أعلى نتائج له منذ 2005، وكان قد استخدم في هذه المرة اسم تياره بشكل صريح في الانتخابات، لكن بعد أقل من عام اعتزل للمرة الأخيرة. 

هل يعود مجدداً؟ 

يؤكد القيادي في حزب الدعوة الذي تحدث لـ”جمار” طالباً عدم ذكر اسمه، أن حزبه تواصل قبل مدة مع أطراف في التيار، لم يذكر مستوى قربها من الصدر، لكنه قال إنهم “طالبوا بإجراء انتخابات مبكرة وتغيير قانون الانتخابات”. 

قبل أن يعتزل الصدر نهائياً في صيف 2022، كان قد طالب بحل مجلس النواب وبقاء مفوضية الانتخابات، لكن قادة الإطار التنسيقي، أبرزهم المالكي، اشترطوا أولاً عودة المجلس قبل مناقشة أي طلبات، بعد أن كان أنصار الصدر يعتصمون لنحو شهر داخل المنطقة الخضراء. 

دعم الصدر في البداية ما سميت بـ”ثورة عاشوراء” بتواجد مؤيديه داخل المنطقة الحكومية، ونقل وزيره صالح العراقي على تويتر (إكس حاليا) رسالة عنه، نهاية تموز من ذلك العام، قال فيها متحدثاً عن تلك الاحتجاجات إن “اليوم جرّة أذن… وغداً؟ ثورة إصلاح في شهر الإصلاح”، في إشارة إلى شهر محرم الذي تزامن مع الاحتجاجات الصدرية. 

كانت تلك الأحداث تجري فيما يواصل زعيم التيار رفض الوساطات الإيرانية، بحسب ما تسرب حينها، للعدول على فكرة “الأغلبية السياسية”، وتشكيل حكومة مع باقي القوى الشيعية، حتى جاءت اللحظة الفاصلة بتحول الاحتجاجات إلى اشتباكات مسلحة. 

الجمهور في العراق لم ير سوى جانب واحد مما جرى أواخر آب 2022، لم ير سوى الصدريين وهم يستخدمون الأسلحة الثقيلة لضرب مجهولين داخل المنطقة الخضراء. ترددت أنباء بأن الطرف الآخر من الحشد الشعبي، أو فصائل موالية لإيران، وتركّزت الاتهامات بشكل مكثف على عصائب أهل الحق. 

المالكي وحده من قرر بعد ذلك أن يظهر نفسه كهدف وسط تلك الأحداث، حين نشر صورة بملابس عسكرية حاملاً سلاحاً ويتجول في المنطقة المحصنة، قبل أن يطلب الصدر من أنصاره الانسحاب فوراً، ويتمكن “الإطار” عقب ذلك من تشكيل الحكومة. 

يرد القيادي في الدعوة على سؤال بشأن الإصرار على إعادة الصدريين للعمل السياسي بالقول “نرى أنصار الصدر أشبه بقنبلة موقوتة. عودتهم للعمل السياسي تضمن لنا عدم انفجارهم في أي لحظة”. 

المالكي والإطار بعد انسحاب الصدر لم يناقشوا شروطه وأبقوا على مجلس النواب، وغيروا بعد ذلك قانون الانتخابات من “الدوائر المتعددة” إلى “سانت ليغو”، وأجروا تنقلات لكبار الموظفين وصفت بـ”الحزبية” داخل المفوضية، قبل انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة. 

الصدريون كان قد أثاروا قلق القوى الشيعية بمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات نهاية 2023، ويقول نائب صدري سابق لـ”جمّار” إن “الصدريين ليسوا بحاجة للعودة إلى السلطة. نحن نستطيع أن نؤثر على الرأي العام والسياسة ونحن في أماكننا”. 

ويضيف “تصلنا رسائل أخلاقية وسياسية من خطب الجمع وتغريدات زعيم التيار، ونفذنا حملة هي الأكبر لدعم أهل غزة، وحققنا مكاسب تشريعية في أكثر من قانون، أبرزها قانون العطل”. 

في المقابل ينفي النائب، الذي طلب عدم نشر اسمه لأن التيار منذ سنوات منع التصريحات باستثناء ما يصدر من بيانات عن المكتب الخاص للصدر، “وجود أي اتصالات مع حزب الدعوة أو أي طرف شيعي”، مبينا “لم نناقش الانتخابات مع أحد”. 

الإطار” ينصب فخاً 

ضجت مواقع إخبارية بتحليلات عن احتمالية “تصفير المشاكل” بين الصدر وخصومه من القوى الشيعية بعد أن شكرهم بسبب تمرير عطلة عيد الغدير، لكن محمد نعناع الباحث في الشأن السياسي لديه رأي آخر. 

يقول نعناع لـ”جمّار” إن “الإطار التنسيقي ورّط الصدريين في قانون البغاء، لأن القانون أثار جدلاً عالمياً، وإذا شكّل التيار لاحقاً حكومة فإنه سيواجه عقبات بسبب هذا التشريع”. 

وعن عطلة الغدير، يشير نعناع إلى أن “الإطار والتيار يسعيان معاً إلى كسب عواطف الشيعة، وتحميل أحدهما الآخر مسؤولية التنازل عن حقوق المكون”. 

الصدر كان قد وضع ثلاث نقاط للاحتفال لأول مرة بشكل واسع بـ”عيد الغدير”، في إشارة إلى انتصاره. 

ويرى الباحث في الشأن السياسي أن “الصدر لن يتراجع عن موقفه من الإطار التنسيقي، لأنه رفع شعار عدم التحالف معه، وإذا حدث عكس ذلك فإنه يفقد مشروعه”. 

شكر الصدر، عقب إقرار “عطلة عيد الغدير” النواب الذين صوتوا لصالحها، وكان أغلبهم من الإطار التنسيقي، وتصور مراقبون أن ذلك قد يكون بداية جديدة بين الطرفين. 

غالب الدعمي، أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت، يقول لـ”جمّار” إن “زعيم التيار قد يعود ليتحالف مع الإطاريين. هذا أمر وارد”. 

اقرأ أيضاً

التيار VS الإطار: جغرافيا وسلاح و”مصاريف” و”ذبائح” للسيطرة على الشارع

ويضيف “بعد انتخابات 2021 طلب الصدر من المالكي وشيعة آخرين ومن المستقلين الانضمام إلى حكومة الأغلبية، لكنهم في النهاية لم يتفقوا”. 

وكان آخر لقاء جمع زعيم التيار مع أطراف الإطار التنسيقي نهاية 2021، بعد أيام من الانتخابات التشريعية التي شهدت تقدم كتلة الصدر، قبل أن يعتزل السياسة في صيف 2022. 

ويقول عقيل عباس، الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، إن “زعيم التيار قرر أن يعود للسياسة”. 

ويضيف لـ”جمّار” أن حركة الصدر مؤخراً، وما يطرحه من قضايا في السياسات العامة “تحت إطار أخلاقي وليس سياسياً، باستثناء عطلة الغدير، مؤشرات على العودة”. 

ويفسر الباحث أن إصرار زعيم التيار على عطلة عيد الغدير “هو ضمن سياسة الضغط التي يمارسها الصدر على خصومه الشيعة في الإطار التنسيقي، لذلك اختار هذه القضية (الغدير)”. 

ويتابع “كل الأشياء التي يقوم بها زعيم التيار هي للضغط على الإطار سياسياً من قضية الاحتجاجات على حرق القرآن، وطلب قطع العلاقات مع السويد، وطرد السفيرة الأمريكية”. 

ويرى عباس أن زعيم التيار يزايد “الإطار” على أيّهما أكثر تشدداً في هذه القضايا ذات الطابع الأخلاقي والديني والمذهبي “مثل موضوع المثلية وحتى موضوع غزة، هناك تبارٍ أيهما أكثر شيعية”. 

ويشير إلى أن جزءاً من عودة التيار هو التأكيد على “هويته الشيعية المذهبية”، مضيفاً أن “التيار يحاول أن يجعل تأكيد أن هذه الهوية غير طائفية، أحياناً ينجح وأحياناً يفشل”. 

إيران والمرجعية 

الصدر يهيئ للعودة، بحسب ما يفترضه الباحث المقيم في الولايات المتحدة، ويبدو أن هناك رغبات أطراف متعددة من ضمنها إيران، التي تخشى وتقلق من بقاء زعيم التيار خارج السياسة. 

يقول عباس “بمعنى يبقى خارج الاحتواء ويكون مصدر قلق دائم عبر الشارع، خصوصاً في إطار المواجهة مع أمريكا وضمن أحداث غزة، ومن المحتمل أن يطول زمن الحرب، وليس في الوارد أن تفتح إيران جبهات مفاجئة لها، بينما التيار يستطيع دائماً أن يفتح مواجهة في الشارع في سياق ما”. 

أما بشأن لقائه مع السيستاني، فيقول عباس إنه “ينطوي على حث له للعودة إلى السياسة. المرجعية لها وجهة نظر أن المجتمع الشيعي كله يجب أن يتمثل بالسياسة، وأن هذا المجتمع متنوع وليس صوتاً واحداً. ربما كانت هذه الفكرة عند المرجعية في 2004 و2005 بأن الشيعة صوت واحد، لكن التجربة أثبتت عكس ذلك”. 

ويؤكد الباحث العراقي أن “بقاء أي أحد خارج السياسة وخارج المؤسسات وأدوات التنافس السياسي مقلق للمرجعية، لأن هذا يشي بحدوث اضطراب في الشارع، وأعتقد أن تشرين كانت درساً للجميع، لذلك ينبغي استيعاب الجميع ضمن الأدوات السياسية حتى لا تأتي مفاجأة مثل تشرين”. 

التيار الآن يهيئ شروط عودته، يقول عباس “لا أعتقد أنه سيعود بشروط التنافس السياسي التي كانت سائدة في عام 2021، لأن التيار لديه ملاحظات على المحكمة الاتحادية في عملها الحالي وتفسيرها القضايا لصالح الإطار، وأعتقد سوف يحدث حولها تفاوض مع الإطار”. 

أما الإطار التنسيقي، فيرى الباحث أنه “قلق جداً من بقاء التيار خارج أدوات التنافس السياسي المعتادة”. 

ويقول “أعتقد أن الشروط التي أدارت التنافس السياسي في 2021 ستتغير باتجاه تلبية بعض رغبات التيار، وإلا سيكون صعباً على التيار أن يعود وكأنه لم يفعل شيئاً”. 

ماذا ربح الصدر من العزلة؟ 

يقول عباس إن التيار استفاد من انسحابه من السياسة في تمتين جبهته الداخلية وكسب أطراف جدد داخل المجموعة الصدرية ممن كانت لديهم خيبة في الأداء السياسي للتيار، وإجراء ترميمات في بُناه. 

كذلك يشير الباحث إلى أن “ظهور الصدر المتكرر هو جزء من شحن الجو السياسي وتهيئة الآخرين لعودة التيار. تبقى التفاصيل ليست واضحة تماماً، هل ينتظر الانتخابات ويعلن المشاركة أم قبلها يدخل في نقاش وتنافس سياسي حول تغيير قانون الانتخابات أو بخصوص المحكمة الاتحادية؟ كل ذلك غير واضح حتى الآن”. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

حين صوّت مجلس النواب على قانون العطل الرسمية، وأضاف إليه “عيد الغدير”، حصل مقتدى الصدر، زعيم “التيار الوطني الشيعي” (التيار الصدري سابقاً)، الذي دعم مشروع القانون، على مكسب جديد يضاف إلى مكاسب سياسية أخرى تحققت في غضون عامين من الاعتزال، بحسب أوساطه، التي بدأت تطرح هذا السؤال: “إذا كانت هذه الانتصارات تحققت ونحن خارج السلطة فما حاجتنا للمشاركة في الحكومة مرة أخرى؟”. 

الصدر، وهو زعيم شيعي دخل السياسة أول مرة في 2005، بعد أن كان يرأس حركة مسلحة، اعتزل النشاط السياسي للمرة التاسعة صيف 2022 بعد اشتباكات شيعية-شيعية نادرة داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد. 

منذ اعتزاله الأخير، وهو الأطول في قائمة الاعتزالات والانسحابات في السنوات العشر الأخيرة، وخصومه الشيعة في حيرة. أرسلوا إليه أكثر من وساطة ورسالة للعودة من الاعتكاف السياسي، لكن رفضه المتكرّر زاد الحيرة والقلق لديهم. 

يتحدّث قيادي في حزب الدعوة عن واحدة من تلك المحاولات لإقناع الصدر بالعودة إلى المشهد السياسي بأن “هناك تواصلاً مع خطوط التيار، ربما لا تكون الخطوط الأولى، لكن لديهم رغبة بالعمل السياسي مجدداً”، بينما ما يزال خطاب الصدر الرسمي يصف السلطة الحالية بـ”الفاسدة”، ويرفض الاجتماع مع أقطابها في أي مكان. 

كثّف الصدر في آخر شهرين حركته وظهوره العلني أمام الجمهور، وهو أمر لم يفعله منذ اعتزاله الأخير، وأجرى خلال تلك المدة لقاءً مثيراً مع المرجع الأعلى في النجف علي السيستاني، المعروف برفضه لقاء أي سياسي منذ سنوات، وغيّر بعد أيام اسم تياره لأول مرة -وهو اسم يرتبط باسم عائلته- إلى “التيار الوطني الشيعي”. 

تجميد.. واعتزال 

ولد مقتدى الصدر في الكوفة بمدينة النجف عام 1973 لعائلة دينية معروفة، والده محمد صادق الصدر أحد أبرز المراجع الشيعة في العراق، اغتيل مع نجليه مؤمل ومصطفى عام 1999. 

حظي الصدر الأب بشعبية ومحبة واسعة بين الشيعة المحتقنين والغاضبين من سياسات النظام السابق، فقد بدأ يقيم صلاة الجمعة في مسجد الكوفة ويلقي الخطب في وقت كانت علاقة الشيعة بالنظام الذي يقوده صدام حسين في أسوأ حالاتها، إذ وصل الشيعة مرحلة من الحذر والتوجس راحوا فيها يخبئون حتى قدور الطبخ ليلة عاشوراء داخل منازلهم لتجنب أعين البعثيين، بينما هم اعتادوا منذ مئات السنين على طبخ “الهريسة” والرز و”القيمة” في الشوارع والأزقة كل سنة إحياء لليلة العاشر من محرم، ذكرى مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة الإثني عشرية، والتي يسمونها في العراق “ليلة الحجة” أو “ليلة الطبگ”. 

في هذا الجو المشحون، ظهر الصدر ليضخ جرعات من الجرأة والأمل في الأوساط الشيعية، عبر تناوله قضايا حساسة في خطب الجمعة، كمطالبته في إحدى الخطب بإطلاق سراح “فضلاء الحوزة والمؤمنين” المعتقلين في سجون النظام، وهو طرح خطير جداً في تلك الأيام لم يجرؤ أي رجل دين عليه. 

تأثر مئات الآلاف من الشبان الشيعة بالصدر والتفوا حوله، وكثير منهم لم يكونوا متدينين لكنهم سلكوا طريق التدين بعدما رأوا منه واتخذوه مرجعاً لهم، وعقب اغتياله نظّم عدد من أتباعه مجاميع مسلحة هاجمت مراكز الشرطة ومقار حزب البعث، حتى تمكنت من إسقاط مدن كاملة وإخراجها عن سيطرة النظام، لكنها جوبهت برد عنيف قضى عليها سريعاً واستعيدت السيطرة على الأمور. 

اقرأ أيضاً

من يُعيد ترميم صورة مقتدى الصدر التي انكسرت مرتين؟

بقي أتباع الصدر أوفياء له ولم تفارق محبته قلوبهم، لكن مقتدى لم يكن معروفاً في تلك الحقبة ولم يتخذوه زعيماً لهم، وبعد أربع سنوات من اغتيال الصدر أسقطت الولايات المتحدة صدام حسين ونظامه. 

ظهر اسم مقتدى الصدر في الإعلام عقب اغتيال رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي في 10 نيسان 2003، أي بعد يوم واحد من سقوط النظام، وعبد المجيد هو نجل المرجع الشيعي الراحل أبي القاسم الخوئي، وقد كان يقيم في لندن منذ مطلع التسعينيات. 

وجهت أصابع الاتهام إلى الصدر بقتل الخوئي بواسطة مجموعة من أتباعه اقتادوه من داخل صحن مرقد الإمام علي بن أبي طالب في النجف وذهبوا به إلى منزل مقتدى وقتلوه أمام المنزل، وصدرت بالفعل مذكرة قبض بحقه بعد أربعة أشهر من ارتكاب الجريمة، لكنها لم تنفذ. 

ولا يُعرف على وجه التحديد هل أن أتباع الصدر تجمعوا في غضون ساعات لتنفيذ هذه الجريمة، أم أنهم كانوا منتظمين في تنظيمات سرية منذ زمن النظام السابق ونزلوا إلى الشوارع بعد سقوطه. 

يقول الصدر في مقابلة قديمة سئل فيها عن مقتل الخوئي “في الأسبوع الأول من سقوط اللانظام تمكنا وبسهولة من السيطرة على العراق عامة (…) فما كان الجواب من الغرب إلا أن قالوا وبالنص إكبحوا جماح مقتدى، فكان الرد ثاني يوم بمقتل السيد مجيد والحصار الوهمي للسيد السيستاني”. 

يقر الصدر في حديثه أعلاه بأنه يمتلك قوة تمكنت من “السيطرة على العراق عامة”، لكنه لم يبين متى تشكلت هذه القوة وكيف. 

وعلى أي حال، صار اسم مقتدى يتردد مراراً على المنابر الدينية وفي الإعلام خلال تلك الأيام، وسيطر أتباعه على كثير من المساجد والحسينيات التي تكاثرت بسرعة ومن دون تنظيم عقب سقوط النظام، ومنذ تلك اللحظات بدأت ولادة ما عُرف لاحقاً بالتيار الصدري. 

تأسيس الميليشيا 

قبل صدور مذكرة القبض بحقه بنحو شهر أو أقل، وتحديداً في تموز 2003، أعلن الصدر من على منبر مسجد الكوفة تأسيس ميليشيا سماها “جيش المهدي”، وقال في حينها إن الغاية منها أن تكون “البذرة الأولى لتأسيس الدولة المستقلة المسلمة البعيدة عن الظلم والإرهاب”. 

بعد ذلك دعا الصدر أتباعه إلى الخروج في مسيرات تطالب بخروج الاحتلال من العراق، ووقع إطلاق نار من جانب القوات الأمريكية في بعض تلك المسيرات، فأمر الصدر جيش المهدي بحمل السلاح ومقاتلة الأمريكيين، وكان ذلك في نيسان 2004. 

دارت معارك شرسة في بغداد والنجف وكربلاء وذي قار ومحافظات أخرى بين الطرفين، وانتهت بهدنة في تموز من العام ذاته. 

وقبل الهدنة، كانت الحكومة العراقية المؤقتة قد تشكلت برئاسة إياد علاوي، وفي بداية تشكيلها أعرب الصدر عن استعداده للتعاون معها ومساندة القوات الأمنية، لكن وزير الداخلية آنذاك فلاح النقيب رفض هذه المبادرة، فتوترت علاقة الصدر بالحكومة ورئيسها، حتى تطور هذا التوتر إلى مواجهات مسلحة جديدة شاركت فيها هذه المرة القوات العراقية الناشئة إلى جانب الجيش الأمريكي. 

فرضت هذه الأحداث الصدر كرقم صعب في العراق، فشخصية تمتلك قوة مسلحة ذات جرأة على مواجهة الجيش الأمريكي لا بد أن يُحسب لها ألف حساب، إذ أن هذه القوة قادرة على نشر الفوضى في أنحاء واسعة من البلاد بمجرد إشارة من “السيد”، على ما يردد أتباعه. 

كان الصدر في تلك الفترة مقاطعاً لما تسمى العملية السياسية في العراق ولم يزج أتباعه فيها، لكنه قرر عام 2005 خوض الانتخابات النيابية لأول مرة ضمن “الائتلاف العراقي الموحد” الشيعي. 

شارك اثنان من قيادات التيار الصدري في الجمعية الوطنية التي مهّدت للانتخابات الأولى بعد 2003، هما بهاء الأعرجي، الذي سينشق عن الصدر بعد ذلك، وفتاح الشيخ، بينما حصل الصدر مع “الائتلاف الموحد” على عدد مقاعد وازن في الدورة النيابية 2006-2010. 

قبل انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، وتحديداً في 22 شباط 2006، وقع تفجير سيقود العراق إلى الجحيم، ذلك هو تفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء. 

وقع التفجير صباحاً، وفي عصر اليوم ذاته شوهد عناصر جيش المهدي لأول مرة ينتشرون بشكل علني في الأحياء السكنية الشيعية بزيهم الأسود، فقد نزلوا إلى الشوارع ليقوموا بدور القوات الأمنية، ووفروا الحماية لمسيرات شعبية نظمها عدد من الأهالي في أحياء عدة، وبعد منتصف الليل، هوجمت المساجد السنية الواقعة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية. 

فُهمت مهاجمة مساجد السنة على أنها رد فعل انتقامي على تفجير مرقدي الإمامين العاشر والحادي عشر لدى الشيعة الإثني عشرية، الواقعين في سامراء ذات الأغلبية السنية، وعلى الرغم من أن الصدريين ينفون صلة جيش المهدي بمهاجمة المساجد، إلا أن جل العراقيين يؤكدون أن رجاله فعلوا ذلك، وأنه كان القطب الأبرز في أيام الاقتتال الطائفي الذي اندلع بعد التفجير حتى آذار 2008. 

قويت شوكة جيش المهدي في السنتين من 2006 إلى 2008، وسيطر على الشارع كلياً أمام انكفاء وضعف الجيش والشرطة وسائر الأجهزة الأمنية، إلى درجة أن الناس صاروا يلجؤون إلى “مكتب السيد” لحل مشكلاتهم بدلاً من مراكز الشرطة في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا. 

صولة المالكي 

عام 2008 استاء نوري المالكي، رئيس الوزراء آنذاك، من سيطرة الصدريين وسطوتهم، فقرر مواجهتهم في عملية عسكرية سماها “صولة الفرسان” انطلقت في 25 آذار 2008، واستمرت الاشتباكات مع جيش المهدي بموجب هذه العملية قرابة ثلاثة أسابيع، حتى أمر الصدر أتباعه بالتوقف عن القتال، وبعد ذلك ببضعة أشهر أعلن تجميد الميليشيا “إلى أجل غير مسمى”. 

ابتعد الصدر في ما بعد عن الأنظار خلال ولاية المالكي الأولى للدراسة في مدينة قم الإيرانية، وتسرّب حينها في الأوساط السياسية أن المالكي أبعده. 

عاد الصدر في الولاية الثانية للمالكي (2010-2014)، واشترك مع القوى السنية والكردية في 2012 بمحاولة فاشلة للإطاحة برئيس الوزراء، وفي آب 2013 لوّح زعيم التيار بالانسحاب من الحكومة ومجلس النواب. 

وقال آنذاك في بيان “سنناقش الانسحاب من الحكومة بل حتى من البرلمان الهزيل”، ووصف حينها البقاء في الحكومة بـ”المضر والمعين على الإثم والعدوان” ليعلن بعد خمسة أشهر اعتزاله الرسمي عن السياسة في 4 آب 2013. 

لكن زعيم التيار لم يصبر على الاعتزال أكثر من شهر واحد، وعاد تلبية لأتباعه الذين تجمعوا عند مرقد والده في النجف لحمله على العدول عن قراره. 

وقال الصدر في بيان العودة “رغم أني أميل حالياً للاعتزال والعزلة عن المجتمع، إلا أني لم أستطع أن أقف ساكتاً أمام هذه الجموع الطيّبة المؤمنة السائرة لأبيها الصدر”. 

وبعد خمسة أشهر أخرى، أعلن الصدر الانسحاب من العملية السياسية وحلّ التيار الصدري. وقال في بيان في شباط 2014 “من المنطلق الشرعي وحفاظاً على سمعة آل الصدر (…) والخروج من أفكاك السياسة والسياسيين، أعلن إغلاق جميع المكاتب وملحقاتها وعلى كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها”. 

وأكد الصدر عدم تدخله بالأمور السياسية كافة، مبيناً أن “لا كتلة تمثلني بعد الآن ولا أي منصب في داخل الحكومة وخارجها ولا البرلمان، ومن يتكلم خلاف ذلك فقد يعرض نفسه للمساءلة الشرعية والقانونية”. 

وكالعادة تراجع زعيم التيار بعد ذلك وشارك عقب شهرين من قرار الاعتزال الأخير، في الانتخابات التشريعية التي جرت في نيسان 2014، وحصل التيار تحت اسم “كتلة الأحرار” على 33 مقعداً نيابياً. 

شهدت هذه الدورة (2014-2018) أحداث تمدد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ومعارك التحرير، وموجات ما سمي بـ”الإصلاح السياسي” التي تبناها حيدر العبادي رئيس الوزراء في حينها، وساند أنصار الصدر تلك الخطوات حتى أخذوا موقفاً تصعيدياً يحدث لأول مرة بعد 2003 للضغط من أجل تنفيذها، وذلك عندما اقتحموا المنطقة الخضراء ومبنى مجلس النواب مرتين في 2016 (سينفذون اقتحاماً ثالثاً بعد ذلك بثماني سنوات). 

وفي نيسان منذ ذلك العام قرر الصدر، مرة جديدة، تجميد كتلة “الأحرار”، محذرا في بيان من تحول مسار الاعتصامات التي ينفذها أنصاره إلى “وجه آخر” في حال منعها من القوات الأمنية. 

وطالب بالسعي الحثيث إلى “تشكيل ائتلاف شعبي موحد، يضم البرلمانيين ذوي النوايا الوطنية الحقيقية”، داعيا الأمم المتحدة إلى التدخل و”إنقاذ العراقيين، ولو من خلال انتخابات مبكرة”. 

وهذه المرة الثانية بعد انضمامه إلى فريق المعارضة لإزاحة المالكي في 2012، يدعو الصدر إلى تشكيل كتلة شيعية موازية للكتلة التقليدية التي ظهرت في انتخابات 2005 واستمرت بعد ذلك حتى 2018. 

ومثل المرات السابقة، عاد الصدر عن قراره، وحضر التيار في تشرين الأول 2016 اجتماعات التحالف الوطني الشيعي، الذي كان يضم ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، والتيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي وتيار الإصلاح الوطني وحزب الفضيلة الإسلامي. 

وكانت عودته قد سبقتها شروط، لم تنفذ بعد ذلك، أبرزها محاسبة “الفاسدين” وتقديمهم إلى القضاء، وإلغاء ترشيح وزراء من الكتل السياسية، وإحالة الوزراء الحاليين والسابقين على القضاء وهيئة النزاهة، وإلغاء مفوضية الانتخابات أو تغييرها. 

انسحاب وعودة 

استوعب الصدر على ما يبدو درس 2016، وفي الانتخابات اللاحقة 2018 فرض شروطه، وعقد تحالفاً مع هادي العامري زعيم منظمة بدر، الذي كان يتزعم المعسكر الشيعي ضمن ما كان يعرف بـ”كتلة البناء”. 

التيار حينها كان قد حصل على أعلى المقاعد (54 مقعداً) في مجلس النواب ضمن تحالف “سائرون” الذي ضم الشيوعيين (انسحبوا بعد ذلك أثناء احتجاجات تشرين 2019)، وطلب الصدر من حلفائه الشيعة “تشكيل مجموعة وزارية من دون ضغوطات حزبية أو محاصصة طائفية أو عرقية مع الحفاظ على الفسيفساء العراقية الجميلة”، بحسب بيان صدر عنه آنذاك. 

لكن هذا الاتفاق لم يدم طويلاً شأنه شأن المرات السابقة، وللمرة السادسة في نهاية 2019، حين كانت الاحتجاجات في ذروتها في العراق، قرر الصدر “إغلاق كل المؤسسات التابعة للخط الصدري لمدة عام كامل”، بحسب بيان لمكتبه. 

وتبع تلك الإجراءات إغلاق صفحتي “محمد صالح العراقي” المعروف بـ”وزير الصدر” على تويتر (إكس حاليا) وفيسبوك. 

اقرأ أيضاً

“الجدال بالحرب”.. المعركة المؤجلة بين الصدر وخصومه 

وكان أتباع الصدر المعروفون باسم “أصحاب القبعات الزرق” تورطوا في ممارسة العنف ضد المتظاهرين في بغداد ومحافظات أخرى، في حين كان عادل عبد المهدي رئيس الوزراء الأسبق قد قدم استقالته. 

بعد أكثر من سنة على تولي مصطفى الكاظمي، المدعوم من الصدر، رئاسة الحكومة بدلاً من عبد المهدي، قرر زعيم التيار مجدداً في تموز 2021 الانسحاب من العملية السياسية والامتناع عن ترشح تياره للانتخابات. 

وقال في كلمة له آنذاك، إنه “حفاظاً على ما تبقى من الوطن الذي أحرقه الفاسدون وما زالوا يحرقونه، وإنقاذاً له، نعلمكم بأنني لن أشترك في هذه الانتخابات.. فالوطن أهم من كل ذلك”. 

وأوضح حينها أنه “يسحب اليد عن كل المنتمين إلى الحكومة الحالية واللاحقة”، وأضاف أن “الكل تحت طائلة الحساب”. 

وبعد 3 أشهر من إعلان الانسحاب، عاد تياره للترشح مجدداً في الانتخابات النيابية، محققاً أعلى نتائج له منذ 2005، وكان قد استخدم في هذه المرة اسم تياره بشكل صريح في الانتخابات، لكن بعد أقل من عام اعتزل للمرة الأخيرة. 

هل يعود مجدداً؟ 

يؤكد القيادي في حزب الدعوة الذي تحدث لـ”جمار” طالباً عدم ذكر اسمه، أن حزبه تواصل قبل مدة مع أطراف في التيار، لم يذكر مستوى قربها من الصدر، لكنه قال إنهم “طالبوا بإجراء انتخابات مبكرة وتغيير قانون الانتخابات”. 

قبل أن يعتزل الصدر نهائياً في صيف 2022، كان قد طالب بحل مجلس النواب وبقاء مفوضية الانتخابات، لكن قادة الإطار التنسيقي، أبرزهم المالكي، اشترطوا أولاً عودة المجلس قبل مناقشة أي طلبات، بعد أن كان أنصار الصدر يعتصمون لنحو شهر داخل المنطقة الخضراء. 

دعم الصدر في البداية ما سميت بـ”ثورة عاشوراء” بتواجد مؤيديه داخل المنطقة الحكومية، ونقل وزيره صالح العراقي على تويتر (إكس حاليا) رسالة عنه، نهاية تموز من ذلك العام، قال فيها متحدثاً عن تلك الاحتجاجات إن “اليوم جرّة أذن… وغداً؟ ثورة إصلاح في شهر الإصلاح”، في إشارة إلى شهر محرم الذي تزامن مع الاحتجاجات الصدرية. 

كانت تلك الأحداث تجري فيما يواصل زعيم التيار رفض الوساطات الإيرانية، بحسب ما تسرب حينها، للعدول على فكرة “الأغلبية السياسية”، وتشكيل حكومة مع باقي القوى الشيعية، حتى جاءت اللحظة الفاصلة بتحول الاحتجاجات إلى اشتباكات مسلحة. 

الجمهور في العراق لم ير سوى جانب واحد مما جرى أواخر آب 2022، لم ير سوى الصدريين وهم يستخدمون الأسلحة الثقيلة لضرب مجهولين داخل المنطقة الخضراء. ترددت أنباء بأن الطرف الآخر من الحشد الشعبي، أو فصائل موالية لإيران، وتركّزت الاتهامات بشكل مكثف على عصائب أهل الحق. 

المالكي وحده من قرر بعد ذلك أن يظهر نفسه كهدف وسط تلك الأحداث، حين نشر صورة بملابس عسكرية حاملاً سلاحاً ويتجول في المنطقة المحصنة، قبل أن يطلب الصدر من أنصاره الانسحاب فوراً، ويتمكن “الإطار” عقب ذلك من تشكيل الحكومة. 

يرد القيادي في الدعوة على سؤال بشأن الإصرار على إعادة الصدريين للعمل السياسي بالقول “نرى أنصار الصدر أشبه بقنبلة موقوتة. عودتهم للعمل السياسي تضمن لنا عدم انفجارهم في أي لحظة”. 

المالكي والإطار بعد انسحاب الصدر لم يناقشوا شروطه وأبقوا على مجلس النواب، وغيروا بعد ذلك قانون الانتخابات من “الدوائر المتعددة” إلى “سانت ليغو”، وأجروا تنقلات لكبار الموظفين وصفت بـ”الحزبية” داخل المفوضية، قبل انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة. 

الصدريون كان قد أثاروا قلق القوى الشيعية بمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات نهاية 2023، ويقول نائب صدري سابق لـ”جمّار” إن “الصدريين ليسوا بحاجة للعودة إلى السلطة. نحن نستطيع أن نؤثر على الرأي العام والسياسة ونحن في أماكننا”. 

ويضيف “تصلنا رسائل أخلاقية وسياسية من خطب الجمع وتغريدات زعيم التيار، ونفذنا حملة هي الأكبر لدعم أهل غزة، وحققنا مكاسب تشريعية في أكثر من قانون، أبرزها قانون العطل”. 

في المقابل ينفي النائب، الذي طلب عدم نشر اسمه لأن التيار منذ سنوات منع التصريحات باستثناء ما يصدر من بيانات عن المكتب الخاص للصدر، “وجود أي اتصالات مع حزب الدعوة أو أي طرف شيعي”، مبينا “لم نناقش الانتخابات مع أحد”. 

الإطار” ينصب فخاً 

ضجت مواقع إخبارية بتحليلات عن احتمالية “تصفير المشاكل” بين الصدر وخصومه من القوى الشيعية بعد أن شكرهم بسبب تمرير عطلة عيد الغدير، لكن محمد نعناع الباحث في الشأن السياسي لديه رأي آخر. 

يقول نعناع لـ”جمّار” إن “الإطار التنسيقي ورّط الصدريين في قانون البغاء، لأن القانون أثار جدلاً عالمياً، وإذا شكّل التيار لاحقاً حكومة فإنه سيواجه عقبات بسبب هذا التشريع”. 

وعن عطلة الغدير، يشير نعناع إلى أن “الإطار والتيار يسعيان معاً إلى كسب عواطف الشيعة، وتحميل أحدهما الآخر مسؤولية التنازل عن حقوق المكون”. 

الصدر كان قد وضع ثلاث نقاط للاحتفال لأول مرة بشكل واسع بـ”عيد الغدير”، في إشارة إلى انتصاره. 

ويرى الباحث في الشأن السياسي أن “الصدر لن يتراجع عن موقفه من الإطار التنسيقي، لأنه رفع شعار عدم التحالف معه، وإذا حدث عكس ذلك فإنه يفقد مشروعه”. 

شكر الصدر، عقب إقرار “عطلة عيد الغدير” النواب الذين صوتوا لصالحها، وكان أغلبهم من الإطار التنسيقي، وتصور مراقبون أن ذلك قد يكون بداية جديدة بين الطرفين. 

غالب الدعمي، أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت، يقول لـ”جمّار” إن “زعيم التيار قد يعود ليتحالف مع الإطاريين. هذا أمر وارد”. 

اقرأ أيضاً

التيار VS الإطار: جغرافيا وسلاح و”مصاريف” و”ذبائح” للسيطرة على الشارع

ويضيف “بعد انتخابات 2021 طلب الصدر من المالكي وشيعة آخرين ومن المستقلين الانضمام إلى حكومة الأغلبية، لكنهم في النهاية لم يتفقوا”. 

وكان آخر لقاء جمع زعيم التيار مع أطراف الإطار التنسيقي نهاية 2021، بعد أيام من الانتخابات التشريعية التي شهدت تقدم كتلة الصدر، قبل أن يعتزل السياسة في صيف 2022. 

ويقول عقيل عباس، الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، إن “زعيم التيار قرر أن يعود للسياسة”. 

ويضيف لـ”جمّار” أن حركة الصدر مؤخراً، وما يطرحه من قضايا في السياسات العامة “تحت إطار أخلاقي وليس سياسياً، باستثناء عطلة الغدير، مؤشرات على العودة”. 

ويفسر الباحث أن إصرار زعيم التيار على عطلة عيد الغدير “هو ضمن سياسة الضغط التي يمارسها الصدر على خصومه الشيعة في الإطار التنسيقي، لذلك اختار هذه القضية (الغدير)”. 

ويتابع “كل الأشياء التي يقوم بها زعيم التيار هي للضغط على الإطار سياسياً من قضية الاحتجاجات على حرق القرآن، وطلب قطع العلاقات مع السويد، وطرد السفيرة الأمريكية”. 

ويرى عباس أن زعيم التيار يزايد “الإطار” على أيّهما أكثر تشدداً في هذه القضايا ذات الطابع الأخلاقي والديني والمذهبي “مثل موضوع المثلية وحتى موضوع غزة، هناك تبارٍ أيهما أكثر شيعية”. 

ويشير إلى أن جزءاً من عودة التيار هو التأكيد على “هويته الشيعية المذهبية”، مضيفاً أن “التيار يحاول أن يجعل تأكيد أن هذه الهوية غير طائفية، أحياناً ينجح وأحياناً يفشل”. 

إيران والمرجعية 

الصدر يهيئ للعودة، بحسب ما يفترضه الباحث المقيم في الولايات المتحدة، ويبدو أن هناك رغبات أطراف متعددة من ضمنها إيران، التي تخشى وتقلق من بقاء زعيم التيار خارج السياسة. 

يقول عباس “بمعنى يبقى خارج الاحتواء ويكون مصدر قلق دائم عبر الشارع، خصوصاً في إطار المواجهة مع أمريكا وضمن أحداث غزة، ومن المحتمل أن يطول زمن الحرب، وليس في الوارد أن تفتح إيران جبهات مفاجئة لها، بينما التيار يستطيع دائماً أن يفتح مواجهة في الشارع في سياق ما”. 

أما بشأن لقائه مع السيستاني، فيقول عباس إنه “ينطوي على حث له للعودة إلى السياسة. المرجعية لها وجهة نظر أن المجتمع الشيعي كله يجب أن يتمثل بالسياسة، وأن هذا المجتمع متنوع وليس صوتاً واحداً. ربما كانت هذه الفكرة عند المرجعية في 2004 و2005 بأن الشيعة صوت واحد، لكن التجربة أثبتت عكس ذلك”. 

ويؤكد الباحث العراقي أن “بقاء أي أحد خارج السياسة وخارج المؤسسات وأدوات التنافس السياسي مقلق للمرجعية، لأن هذا يشي بحدوث اضطراب في الشارع، وأعتقد أن تشرين كانت درساً للجميع، لذلك ينبغي استيعاب الجميع ضمن الأدوات السياسية حتى لا تأتي مفاجأة مثل تشرين”. 

التيار الآن يهيئ شروط عودته، يقول عباس “لا أعتقد أنه سيعود بشروط التنافس السياسي التي كانت سائدة في عام 2021، لأن التيار لديه ملاحظات على المحكمة الاتحادية في عملها الحالي وتفسيرها القضايا لصالح الإطار، وأعتقد سوف يحدث حولها تفاوض مع الإطار”. 

أما الإطار التنسيقي، فيرى الباحث أنه “قلق جداً من بقاء التيار خارج أدوات التنافس السياسي المعتادة”. 

ويقول “أعتقد أن الشروط التي أدارت التنافس السياسي في 2021 ستتغير باتجاه تلبية بعض رغبات التيار، وإلا سيكون صعباً على التيار أن يعود وكأنه لم يفعل شيئاً”. 

ماذا ربح الصدر من العزلة؟ 

يقول عباس إن التيار استفاد من انسحابه من السياسة في تمتين جبهته الداخلية وكسب أطراف جدد داخل المجموعة الصدرية ممن كانت لديهم خيبة في الأداء السياسي للتيار، وإجراء ترميمات في بُناه. 

كذلك يشير الباحث إلى أن “ظهور الصدر المتكرر هو جزء من شحن الجو السياسي وتهيئة الآخرين لعودة التيار. تبقى التفاصيل ليست واضحة تماماً، هل ينتظر الانتخابات ويعلن المشاركة أم قبلها يدخل في نقاش وتنافس سياسي حول تغيير قانون الانتخابات أو بخصوص المحكمة الاتحادية؟ كل ذلك غير واضح حتى الآن”.