عراقيون في بلاد الخضرة.. دراسة في الجامعات التونسية بحثاً عن "جودة أوروبية"  

إخلاص  الحمروني

29 حزيران 2024

ذهب رائد لدراسة علوم الإعلام والاتصال في تونس، بينما اختار كرار تخصصاً بعيداً كل البعد عن العلوم المألوفة، ورأى أن تونس أفضل من توفره، وتحدث كلاهما عن تفاصيل رحلتيهما الدراسية إلى بلاد الخضرة.. 

محملاً بأحلام ورديّة في الحصول على شهادة ماجستير في البحث العلمي في علوم الإعلام والاتصال ومواصلة المشوار والحصول على شهادة الدكتوراه في الاختصاص ذاته، ذهب رائد مجيد من بغداد إلى تونس ليحط الرحال في محافظة منوبة.  

استأجر شقة مؤثثة بعيدة بضعة كيلومترات عن مقر معهد الصحافة وعلوم الأخبار بجامعة منوبة وعشرات الكيلومترات عن تونس العاصمة.  

قدم رائد إلى تونس وكله ثقة في جودة التعليم العالي فيها، وترك خلفه في العراق عائلته وعمله وأصدقاءه، مصمماً على النجاح ونيل شهادة الماجستير أولاً والدكتوراه ثانياً.  

وكان قد بدأ رحلته هذه بعد أن استوفى كل الشروط اللازمة للتسجيل في المعهد وإعداد ملف كامل من الأوراق قدم نسخة منه إلى السفارة التونسية في بغداد ونسخة لسفارة العراق في تونس من أجل تسهيل الحصول على التأشيرة والإقامة.  

ولم تكن الرحلة سهلة، وتطلبت كثيراً من الوقت والصبر وأيضاً المال.  

“كان الأمر معقداً، لم أكن أعرف أن التسجيل في إحدى الجامعات التونسية يتطلب كل هذه الإجراءات” يقول رائد لـ”جمّار”.  

وهو يتحدّث عن التعقيد لأنه أمضى أشهراً بين أروقة الإدارات العراقية لاستخراج الأوراق اللازمة ومكتب السفارة للحصول على التأشيرة.  

وعندما وصل إلى تونس تعيّن عليه تحمّل أجور الجامعة البالغة نحو ألفي دولار سنوياً (قرابة ستة آلاف دينار تونسي). 

  

ولأن قطاع النقل والمواصلات في تونس تشوبه مشاكل عديدة مثل قدم حافلات النقل العام وعدم التزامها بالمواعيد وغلاء سيارات التاكسي، استأجر رائد شقة قريبة من المعهد ليتمكن من الذهاب والعودة سيراً على الأقدام، متحملاً مبلغ إيجارها المرتفع.  

  

وعلى الرغم من أنه مطلع على بعض هذه المشكلات، إلا أنه أصر على الدراسة في تونس لأنه يعدها ذات جودة عالية تضاهي الدراسة في الجامعات الأوروبية.  

واختار معهد الصحافة وعلوم الأخبار لأنه من المؤسسات الرصينة والمعترف بها لدى وزارة التعليم في العراق.  

ومثل الطلبة التونسيين، واجه رائد غلاء الأسعار وبطء الإجراءات الإدارية والبرامج الدراسية المكثفة باللغة الفرنسية.  

لكن ما سهّل الدراسة عليه، هو أن زملاءه وبعض الأساتذة كانوا يترجمون المواد إلى العربية لجعلها أكثر سهولة في الفهم والحفظ. 

ويسمح برنامج الدراسة في تونس للطلبة بالتمتع بعطلة لمدة 15 يوماً كل ثلاثة أشهر، وفق نظام الثلاثية  المعتمد في تونس في العطل المدرسية والجامعية، بينما تمتد عطلة الصيف من حزيران إلى أيلول، وكان رائد يستغلها لزيارة العراق.  

  

مئات في تونس 

يدرك رائد أن علاقة طيبة تربط بين العراق وتونس، وكان ذلك أحد أسباب اختياره للدراسة، فقد كان يتوقع أن يلقى ترحيباً وحسن معاملة من التونسيين الذي يشعرون بالامتنان للعراق، لأنه -في حقل التعليم تحديداً- كان في زمن ماض يطبع الكتب المدرسية مجاناً لتونس بمعدل 187 ألف كتاب سنوياً.  

كما شيّد العراق كلية الطب في محافظة المنستير وساهم في بناء جامعات منوبة والقيروان والمنار، وأيضاً كان له دور مهم في إنشاء دار الطباعة والنشر في تونس والتي طلب تسميتها بدار الرشيد.  

بدورها، بقيت تونس وفية للعراق في السراء والضراء، فهي لم تغلق أبواب سفارتها في بغداد خلال كل الأزمات والحروب، كما يؤكد فهمي المشرقي القائم بأعمال السفارة التونسية في بغداد.  

ووفقاً للمشرقي، تمنح تونس الطلبة العراقيين 17 مقعداً في جامعاتها سنوياً في إطار التبادل الثقافي مع العراق.  

ويقول مصدر مطلع في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التونسية لـ”جمّار” إن عدد الطلبة العراقيين الدارسين حالياً في الجامعات والمعاهد التونسية يبلغ 1058 طالبة وطالباً.  

ويشير إلى أن نحو 80 بالمئة منهم في مرحلة الماجستير والبقية طلبة دكتوراه، مبيناً أنهم موزعون بين تونس العاصمة وسوسة وجامعة المنار وجامعة منوبة وجامعة صفاقس، وأكثر من 90 بالمئة منهم يدرسون على نفقتهم الخاصة.  

وعادة ما يختار الطلبة الجامعات المذكورة لأنها سبق ووقعت اتفاقيات تعاون وشراكة مع جامعات حكومية عراقية في إطار تعزيز التعاون العلمي والأكاديمي.  

فبتاريخ 12 أيلول 2021، وقعت كلية المعارف الجامعة والمؤسسات التعليمية المحلية والعربية والدولية اتفاقية تعاون علمي وثقافي مع جامعة صفاقس.  

وقد نصت هذه المذكرة على ضرورة التعاون في النشاطات العلمية والبحثية والتعليم الإلكتروني وضمان الجودة وتبادل الخبرات والزيارات وتقويم البحوث والبرامج الأكاديمية والعمل على إقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات المشتركة في شتى الميادين.  

بينما وقعت جامعة منوبة مع الجامعة المستنصرية في العراق، في 30 كانون الثاني 2020 اتفاقية تعاون تمتد على مدى خمس سنوات لوضع مشاريع تعاون بحثي وتبادل أكاديمي وتعزيز الفرص التعليمية للطلبة.  

  

مجافاة السياسة  

غزوان المؤنس درس الدكتوراه في معهد الصحافة وعلوم الأخبار في جامعة منوبة أيضاً.  

كان قد أنهى دراسة الماجستير في مصر عام 2018، وأراد خوض تجربة جديدة في بلد آخر لنيل الدكتوراه، وبعد رحلة بحث واطلاع مكثفين، قرر الذهاب إلى تونس.  

ويعزو سبب اختياره تونس إلى التصنيف العالمي للجامعات التونسية والسعي للاستفادة من الخبرات المختلطة بالتجربة الفرنسية في مجال البحث العلمي في تونس.  

وبدأت رحلته بمعضلة الحصول على القبول والتأشيرة التي لم تكن سهلة.  

كما أنه واجه تكلفة طيران مرتفعة، إذ لا توجد خطوط مباشرة من بغداد إلى قرطاج، ما يوجب سلوك الترانزيت إما عن طريق قطر أو تركيا أو الأردن، فيصل سعر التذكرة إلى 700 دولار.  

عندما وصل إلى منوبة، استأجر شقة في حي النصر الراقي بـ500 دولار شهرياً، ثم انتقل إلى شقة أخرى في حي منار1 قرب الجامعة بـ400 دولار شهرياً.  

“أما نفقات الطعام فتبلغ قرابة 300 دولار شهرياً”، يقول غزوان لـ”جمّار”.  

وهو يصف الحياة في تونس بأنها “جميلة كجمال أرضها وطيبة شعبها الذي تعامل معنا كعراقيين من باب الأخوة ولم يشعرنا بأننا نقيم في بلد آخر”.  

ويشير إلى أن الجامعات التونسية تختلف اجتماعياً عن العراقية من ناحية التحرر الموجود لدى الطالبات خصوصاً، أما علمياً فيكمن الاختلاف في تطبيق الطرق الدراسية الفرنسية في جامعات تونس.  

ويضيف أن الطلبة العراقيين في تونس يتميزون بالتفوق العلمي، لأنهم يشعرون بأنهم سفراء لبلدهم وعليهم نقل صورة إيجابية إلى بقية الشعوب.  

ولانشغال الطلبة العراقيين هناك بالدراسة، لم ينخرطوا في نشاطات سياسية أو يشكلوا اتحادات أو ما إلى ذلك، “فهم مكتفون من صداع السياسة في العراق” يقول غزوان.  

وعندما تسنح الفرصة لهم، يقضي غزوان وأصدقاؤه أوقاتهم في اكتشاف مناطق سياحية مثل قرطاج والمرسى أو سوسة أو الحمامات.  

واكتسب من التونسيين صفة حب العمل والحرص على مواكبة التطور في مجال العلوم والحياة، كما عرفّهم على عادات وتقاليد وكرم العراقيين، وهو ما دفع بعضاً من أصدقائه التونسيين إلى زيارة العراق والتجول في مدنه. 

وما زال غزوان يحتفظ بذكريات لا تخلو من طرافة، فهو يتذكر مثلاً أحد أصدقائه عندما كان يتجنب التعرض لاحتيال سواق التاكسي، فكان يتفق معهم مسبقاً على أجرة عندما يروم الذهاب إلى مكان ويطلب منهم عدم تشغيل عداد احتساب الأجرة، ليكتشف لاحقاً أنه كان يدفع أكثر من أجرة العداد بأضعاف، بينما السواق كانوا مسرورين بعقد هذا النوع من الصفقات معه.   

  

دراسة غير مألوفة  

على خطى رائد وغزوان، سعى كرار علي من كربلاء، وهو مدرس لغة إنجليزية ويتمتع بموهبة الطهي وله شغف كبير في هذا المجال، إلى الدراسة في تونس.  

لكن كرارً لم يدرس العلوم المألوفة.  

مهارته في الطهي شجعته على العمل في فنادق ومطاعم سياحية وشعبية عدة، ثم راح يرنو إلى اكتساب مهارة أوسع في هذا المجال، وارتأى أنه سيحصل على ضالته خارج العراق.  

وبعد سؤال وبحث وتقص، وجد أن تونس هي الأفضل عربياً من ناحية الاهتمام في ابتكار وتطوير فن الطهي، بالإضافة إلى أنها ذات طابع سياحي وترفيهي يجلب عديداً من السياح الأجانب والعرب.  

اتخذ كرار قراره وسجّل في “لاكاديمي دي شيف”، أكاديمية الطهي المعروفة عالمياً والمتخصصة في تعليم الطهي الفرنسي والإيطالي والتونسي.  

وتستغرق الدراسة في هذه الأكاديمية سنتين بكلفة تبلغ أكثر من أربعة آلاف دولار للسنة الواحدة، ويحصل الطالب المتخرج منها على شهادة في فن الطبخ معترف بها دولياً.  

وأنفق كرار أكثر من 17 ألف دولار في هذه السنتين مع احتساب السكن والطيران والنقل الداخلي وبقية النفقات، وكل سنت دفعه كان من ماله الخاص.  

وكما حصل مع رائد، واجه كرار صعوبات في السفر وتقديم الأوراق الرسمية إلى السفارة التونسية في بغداد من أجل الحصول على تأشيرة.  

رفضت السفارة ملفه مرات عدة، لكنه بقي مصراً وأجرى اتصالات لمقابلة وزير السياحة العراقي، وبعد عناء كبير تمكن من مقابلة وكيل الوزير الذي ساعده في الحصول على تأشيرة.  

تخرج كرار من الأكاديمية وحصل على شهادة “تقني سامٍ” في الطهي، وشارك في العديد من المهرجانات الرسمية في تونس، منها المهرجان العربي للطهي الذي أقيم في العاصمة التونسية.  

كما شارك في مسابقات خاصة بالأكاديميين وحصل على مراكز أولى، ومنحته السفارة العراقية في تونس شهادة تقديرية ورمزاً تذكارياً خاصاً بالتراث العراقي.  

لكنه يأسف إزاء عدم تلقيه ترحيباً في العراق بالجهود التي بذلها في الدراسة للحصول على الخبرة وتطوير الطهي.  

وكذلك لم يحظ باهتمام من قبل السياحة الفندقية ولا من أصحاب المهن والمطاعم، ولم يجد أي فرصة تشجعه على المكوث في العراق، لذلك قرر فتح مشروعه الخاص في تونس الذي سوف يرى النور قريباً.  

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

محملاً بأحلام ورديّة في الحصول على شهادة ماجستير في البحث العلمي في علوم الإعلام والاتصال ومواصلة المشوار والحصول على شهادة الدكتوراه في الاختصاص ذاته، ذهب رائد مجيد من بغداد إلى تونس ليحط الرحال في محافظة منوبة.  

استأجر شقة مؤثثة بعيدة بضعة كيلومترات عن مقر معهد الصحافة وعلوم الأخبار بجامعة منوبة وعشرات الكيلومترات عن تونس العاصمة.  

قدم رائد إلى تونس وكله ثقة في جودة التعليم العالي فيها، وترك خلفه في العراق عائلته وعمله وأصدقاءه، مصمماً على النجاح ونيل شهادة الماجستير أولاً والدكتوراه ثانياً.  

وكان قد بدأ رحلته هذه بعد أن استوفى كل الشروط اللازمة للتسجيل في المعهد وإعداد ملف كامل من الأوراق قدم نسخة منه إلى السفارة التونسية في بغداد ونسخة لسفارة العراق في تونس من أجل تسهيل الحصول على التأشيرة والإقامة.  

ولم تكن الرحلة سهلة، وتطلبت كثيراً من الوقت والصبر وأيضاً المال.  

“كان الأمر معقداً، لم أكن أعرف أن التسجيل في إحدى الجامعات التونسية يتطلب كل هذه الإجراءات” يقول رائد لـ”جمّار”.  

وهو يتحدّث عن التعقيد لأنه أمضى أشهراً بين أروقة الإدارات العراقية لاستخراج الأوراق اللازمة ومكتب السفارة للحصول على التأشيرة.  

وعندما وصل إلى تونس تعيّن عليه تحمّل أجور الجامعة البالغة نحو ألفي دولار سنوياً (قرابة ستة آلاف دينار تونسي). 

  

ولأن قطاع النقل والمواصلات في تونس تشوبه مشاكل عديدة مثل قدم حافلات النقل العام وعدم التزامها بالمواعيد وغلاء سيارات التاكسي، استأجر رائد شقة قريبة من المعهد ليتمكن من الذهاب والعودة سيراً على الأقدام، متحملاً مبلغ إيجارها المرتفع.  

  

وعلى الرغم من أنه مطلع على بعض هذه المشكلات، إلا أنه أصر على الدراسة في تونس لأنه يعدها ذات جودة عالية تضاهي الدراسة في الجامعات الأوروبية.  

واختار معهد الصحافة وعلوم الأخبار لأنه من المؤسسات الرصينة والمعترف بها لدى وزارة التعليم في العراق.  

ومثل الطلبة التونسيين، واجه رائد غلاء الأسعار وبطء الإجراءات الإدارية والبرامج الدراسية المكثفة باللغة الفرنسية.  

لكن ما سهّل الدراسة عليه، هو أن زملاءه وبعض الأساتذة كانوا يترجمون المواد إلى العربية لجعلها أكثر سهولة في الفهم والحفظ. 

ويسمح برنامج الدراسة في تونس للطلبة بالتمتع بعطلة لمدة 15 يوماً كل ثلاثة أشهر، وفق نظام الثلاثية  المعتمد في تونس في العطل المدرسية والجامعية، بينما تمتد عطلة الصيف من حزيران إلى أيلول، وكان رائد يستغلها لزيارة العراق.  

  

مئات في تونس 

يدرك رائد أن علاقة طيبة تربط بين العراق وتونس، وكان ذلك أحد أسباب اختياره للدراسة، فقد كان يتوقع أن يلقى ترحيباً وحسن معاملة من التونسيين الذي يشعرون بالامتنان للعراق، لأنه -في حقل التعليم تحديداً- كان في زمن ماض يطبع الكتب المدرسية مجاناً لتونس بمعدل 187 ألف كتاب سنوياً.  

كما شيّد العراق كلية الطب في محافظة المنستير وساهم في بناء جامعات منوبة والقيروان والمنار، وأيضاً كان له دور مهم في إنشاء دار الطباعة والنشر في تونس والتي طلب تسميتها بدار الرشيد.  

بدورها، بقيت تونس وفية للعراق في السراء والضراء، فهي لم تغلق أبواب سفارتها في بغداد خلال كل الأزمات والحروب، كما يؤكد فهمي المشرقي القائم بأعمال السفارة التونسية في بغداد.  

ووفقاً للمشرقي، تمنح تونس الطلبة العراقيين 17 مقعداً في جامعاتها سنوياً في إطار التبادل الثقافي مع العراق.  

ويقول مصدر مطلع في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التونسية لـ”جمّار” إن عدد الطلبة العراقيين الدارسين حالياً في الجامعات والمعاهد التونسية يبلغ 1058 طالبة وطالباً.  

ويشير إلى أن نحو 80 بالمئة منهم في مرحلة الماجستير والبقية طلبة دكتوراه، مبيناً أنهم موزعون بين تونس العاصمة وسوسة وجامعة المنار وجامعة منوبة وجامعة صفاقس، وأكثر من 90 بالمئة منهم يدرسون على نفقتهم الخاصة.  

وعادة ما يختار الطلبة الجامعات المذكورة لأنها سبق ووقعت اتفاقيات تعاون وشراكة مع جامعات حكومية عراقية في إطار تعزيز التعاون العلمي والأكاديمي.  

فبتاريخ 12 أيلول 2021، وقعت كلية المعارف الجامعة والمؤسسات التعليمية المحلية والعربية والدولية اتفاقية تعاون علمي وثقافي مع جامعة صفاقس.  

وقد نصت هذه المذكرة على ضرورة التعاون في النشاطات العلمية والبحثية والتعليم الإلكتروني وضمان الجودة وتبادل الخبرات والزيارات وتقويم البحوث والبرامج الأكاديمية والعمل على إقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات المشتركة في شتى الميادين.  

بينما وقعت جامعة منوبة مع الجامعة المستنصرية في العراق، في 30 كانون الثاني 2020 اتفاقية تعاون تمتد على مدى خمس سنوات لوضع مشاريع تعاون بحثي وتبادل أكاديمي وتعزيز الفرص التعليمية للطلبة.  

  

مجافاة السياسة  

غزوان المؤنس درس الدكتوراه في معهد الصحافة وعلوم الأخبار في جامعة منوبة أيضاً.  

كان قد أنهى دراسة الماجستير في مصر عام 2018، وأراد خوض تجربة جديدة في بلد آخر لنيل الدكتوراه، وبعد رحلة بحث واطلاع مكثفين، قرر الذهاب إلى تونس.  

ويعزو سبب اختياره تونس إلى التصنيف العالمي للجامعات التونسية والسعي للاستفادة من الخبرات المختلطة بالتجربة الفرنسية في مجال البحث العلمي في تونس.  

وبدأت رحلته بمعضلة الحصول على القبول والتأشيرة التي لم تكن سهلة.  

كما أنه واجه تكلفة طيران مرتفعة، إذ لا توجد خطوط مباشرة من بغداد إلى قرطاج، ما يوجب سلوك الترانزيت إما عن طريق قطر أو تركيا أو الأردن، فيصل سعر التذكرة إلى 700 دولار.  

عندما وصل إلى منوبة، استأجر شقة في حي النصر الراقي بـ500 دولار شهرياً، ثم انتقل إلى شقة أخرى في حي منار1 قرب الجامعة بـ400 دولار شهرياً.  

“أما نفقات الطعام فتبلغ قرابة 300 دولار شهرياً”، يقول غزوان لـ”جمّار”.  

وهو يصف الحياة في تونس بأنها “جميلة كجمال أرضها وطيبة شعبها الذي تعامل معنا كعراقيين من باب الأخوة ولم يشعرنا بأننا نقيم في بلد آخر”.  

ويشير إلى أن الجامعات التونسية تختلف اجتماعياً عن العراقية من ناحية التحرر الموجود لدى الطالبات خصوصاً، أما علمياً فيكمن الاختلاف في تطبيق الطرق الدراسية الفرنسية في جامعات تونس.  

ويضيف أن الطلبة العراقيين في تونس يتميزون بالتفوق العلمي، لأنهم يشعرون بأنهم سفراء لبلدهم وعليهم نقل صورة إيجابية إلى بقية الشعوب.  

ولانشغال الطلبة العراقيين هناك بالدراسة، لم ينخرطوا في نشاطات سياسية أو يشكلوا اتحادات أو ما إلى ذلك، “فهم مكتفون من صداع السياسة في العراق” يقول غزوان.  

وعندما تسنح الفرصة لهم، يقضي غزوان وأصدقاؤه أوقاتهم في اكتشاف مناطق سياحية مثل قرطاج والمرسى أو سوسة أو الحمامات.  

واكتسب من التونسيين صفة حب العمل والحرص على مواكبة التطور في مجال العلوم والحياة، كما عرفّهم على عادات وتقاليد وكرم العراقيين، وهو ما دفع بعضاً من أصدقائه التونسيين إلى زيارة العراق والتجول في مدنه. 

وما زال غزوان يحتفظ بذكريات لا تخلو من طرافة، فهو يتذكر مثلاً أحد أصدقائه عندما كان يتجنب التعرض لاحتيال سواق التاكسي، فكان يتفق معهم مسبقاً على أجرة عندما يروم الذهاب إلى مكان ويطلب منهم عدم تشغيل عداد احتساب الأجرة، ليكتشف لاحقاً أنه كان يدفع أكثر من أجرة العداد بأضعاف، بينما السواق كانوا مسرورين بعقد هذا النوع من الصفقات معه.   

  

دراسة غير مألوفة  

على خطى رائد وغزوان، سعى كرار علي من كربلاء، وهو مدرس لغة إنجليزية ويتمتع بموهبة الطهي وله شغف كبير في هذا المجال، إلى الدراسة في تونس.  

لكن كرارً لم يدرس العلوم المألوفة.  

مهارته في الطهي شجعته على العمل في فنادق ومطاعم سياحية وشعبية عدة، ثم راح يرنو إلى اكتساب مهارة أوسع في هذا المجال، وارتأى أنه سيحصل على ضالته خارج العراق.  

وبعد سؤال وبحث وتقص، وجد أن تونس هي الأفضل عربياً من ناحية الاهتمام في ابتكار وتطوير فن الطهي، بالإضافة إلى أنها ذات طابع سياحي وترفيهي يجلب عديداً من السياح الأجانب والعرب.  

اتخذ كرار قراره وسجّل في “لاكاديمي دي شيف”، أكاديمية الطهي المعروفة عالمياً والمتخصصة في تعليم الطهي الفرنسي والإيطالي والتونسي.  

وتستغرق الدراسة في هذه الأكاديمية سنتين بكلفة تبلغ أكثر من أربعة آلاف دولار للسنة الواحدة، ويحصل الطالب المتخرج منها على شهادة في فن الطبخ معترف بها دولياً.  

وأنفق كرار أكثر من 17 ألف دولار في هذه السنتين مع احتساب السكن والطيران والنقل الداخلي وبقية النفقات، وكل سنت دفعه كان من ماله الخاص.  

وكما حصل مع رائد، واجه كرار صعوبات في السفر وتقديم الأوراق الرسمية إلى السفارة التونسية في بغداد من أجل الحصول على تأشيرة.  

رفضت السفارة ملفه مرات عدة، لكنه بقي مصراً وأجرى اتصالات لمقابلة وزير السياحة العراقي، وبعد عناء كبير تمكن من مقابلة وكيل الوزير الذي ساعده في الحصول على تأشيرة.  

تخرج كرار من الأكاديمية وحصل على شهادة “تقني سامٍ” في الطهي، وشارك في العديد من المهرجانات الرسمية في تونس، منها المهرجان العربي للطهي الذي أقيم في العاصمة التونسية.  

كما شارك في مسابقات خاصة بالأكاديميين وحصل على مراكز أولى، ومنحته السفارة العراقية في تونس شهادة تقديرية ورمزاً تذكارياً خاصاً بالتراث العراقي.  

لكنه يأسف إزاء عدم تلقيه ترحيباً في العراق بالجهود التي بذلها في الدراسة للحصول على الخبرة وتطوير الطهي.  

وكذلك لم يحظ باهتمام من قبل السياحة الفندقية ولا من أصحاب المهن والمطاعم، ولم يجد أي فرصة تشجعه على المكوث في العراق، لذلك قرر فتح مشروعه الخاص في تونس الذي سوف يرى النور قريباً.