السراديب.. سرٌّ أنقذ أهالي الموصل من حصار نادر شاه وخلافة البغدادي
10 حزيران 2024
هل كان سكان الموصل سينجون لولا وجود السراديب أسفل منازلهم؟ عن السرداب وقصصه من حصار نادر شاه إلى "خلافة البغداديّ".
“كنا في كثير من الأحيان نعدُّ قذائف الهاون خاصةً في الليل، أتذكّر في أحد الأيام أحصينا سقوط 142 قذيفة هاون، في ساعات الليل فقط”. عاش أيوب ذنون (32) عاماً وعائلته المكونة من 11 فرداً، ثلاثة أشهر في سرداب تحت الأرض والقصف، أثناء معركة تحرير الموصل من تنظيم “داعش”، منذ آذار عام 2017 حتى حزيران من ذلك العام.
بعد تحرير منطقتهم في الموصل القديمة؛ استطاعوا الخروج، وأطلق أيوب على هذه الفترة “100 يوم في السرداب تحت نيران الموصل القديمة”، ويصف شعوره في تلك الأثناء بأنه شعور مؤذٍ ومخيف، “كنا نموت باليوم مئة مرة، أكو صواريخ كنا نسمع صوت الانطلاقة وصوت (..)، وكنا كل شوية نسمع انو البيت الفلاني انقصف”.
في تلك الفترة أثناء تواجد أيوب وعائلته داخل سرداب، سقطت العديد من الهاونات على المنزل الذي يعلوه، وأصابت أجزاء عدة منه بأضرار مختلفة، “بيتنا واللي هو مساحتو 200 متر تقريباً، ثماني قذائف هاونات سقطت بينو في أوقات متفرقة لكن لم يصب أحد منا، وقعت الهاونات بالسطح بالبيتونة وعلى السقيفة، والشظايا نزلت علينا الى السرداب لكن الله سلم”.
يسكن أيوب في منطقة المشاهدة، في الموصل القديمة، التي شهدت معارك دامية أثناء التحرير، في منزل موصلي شرقي مفتوح، ومثل الكثير من بيوت الموصل، في منزل أيوب سردابان، يبلغ مساحة كل واحد منهما 15 متراً مربعاً، تستخدم مخزناً لحفظ الأطعمة.
يحمل أيوب ذكريات جميلة عن سراديب بيت العائلة، “السرداب اللي نزلنا بينو الأبيض، والأسود نحنا نسميهم، السرداب الأبيض كنا قبل ننزل بينو وننام من كنا صغاغ، كان عدنا دراسة، وبينما السرداب الأسود كان للمونة فقط، وما تخيلتو فد يوم انو أحد ينام بينو”.
لم يكن السرداب مهيئاً لتعيش فيه عائلة أيوب، لكنّ الحرب تجبر الإنسان على العيش في أيّ مكان قد ينقذ حياته، السرداب كان مكاناً للرطوبة والروائح الكريهة، فهو منذ 30 سنةً يُستخدم لخزن المونة فقط، ولكن وقع الاختيار عليه كونه أكثر أمناً وحمايةً، ومن أجل توفير مساحة أكبر قررت العائلة عمل فتحة بين السردابين، لتسهيل التنقل في تلك الفترة.
قضت العائلة أكثر وقتها في السرداب، ولم تكن تخرج منه إلا من أجل قضاء الحاجة وتحضير الطعام، ولكن عندما اشتدت المعارك لاحقاًً، لازموا السرداب ولم يعد يرون الشمس ولا يشمون الهواء إلا من خلال شباك يبلغ عرضه 60 سم وارتفاعه 90 سم.
لأن عمله مُسعِف، كان أيوب يضطر إلى الخروج من السرداب.
“من اشتدت بالأيام الأخيرة كنا قليل نخرج والخروج فقط لإنقاذ الناس واسعافهم أنا كنتو اطلع بس وحتى كان قضاء الحاجة للكبار وللأطفال الصغار كان بنفس المكان في السرداب وكانت من أصعب الأشياء الصراحة، والسرداب اللي كنا بينو ما كان مؤهل للعيش كان عبارة عن مخزن”.
ولأن السرداب الآخر استخدم للمونة، فقد كان لديهم طعام وفير. إلا أنه سرعان ما بدأ بالنفاد بسبب طول الأيام وتوزيع جزء منه على الناس، ما اضطر أيوب للخروج من أجل شراء مونة لهم تكفيهم للأيام القادمة.
“يعني وصلت مرحلة انو اشتغيتو شكر 140 ألف الكيلو، واشتغيتو فاصوليا وعدس بـ35 ألف الكيلو”.
كان أيوب قبل بدء المعارك يعمل صيدلياً في إحدى صيدليات المنطقة، ولكن وصول المواجهات إلى منطقتهم وسماع الهاونات والقصف بوضوح اضطره لإغلاق الصيدلية، وأخذ أصناف من الأدوية معه إلى السرداب.
عندما علم أهالي المنطقة بأن أيوب يمتلك أدوية، توافد أناس إلى منزله، وأصبح ليس فقط صيدلانياً، بل مسعفاً كذلك.
كانت الشهور الثلاثة عزلة عن العالم الخارجي. لم يكن أيوب وعائلته يعرفون ما يجري لأنّ داعش حظر الاتصالات “كنا نتصل خلسة اللي يشوفونو قيخبر وصلت لمراحل إلى القتل مباشرة”. كانوا يلتقطون الأخبار من خلال الاستماع إلى المذياع الذي كان بمثابة حياة بالنسبة لهم في ظل شحة الأخبار، ومن خلال تواصلهم المتقطع مع الأهل والجيران “كنا نعغف اش قيصيغ حولنا وين وصل الجيش وكنا نسمع من الراديو نعغف وين وصلوا كان مثل منقذ لنا وكنا ننتظر نشرة الثالثة على راديو الغد”.
بسبب انقطاع الأخبار عنهم، اضطر أيوب وأخوه إلى تعلّم بعض الخدع الصغيرة، قبل وصول المعارك إلى جانبهم، من خلال تشغيل الأجهزة واستخدامها للاتصال من داخل السرداب، من أجل العزل الجيد، ولكي لا يراهم أحد، “قبل ما تصل المعارك يمنا أول شي اشتغينا بطاريات واشتغينا أضوية اللد اللي هو عبارة عن لايت، كنا نستخدمم وأيضا نزلتو واير مال دش من السطح إلى السرداب، وكنا نشكلو بالموبايل ويلتقط الإشارة، وكنتو اتصل بين يوم ويومين، ونستخدم الموبايل خلسة ونتصل على المحيطين بنا والناس اللي نعرف انو تحرروا”.
بعد تحرير منطقتهم فُجِع أيوب بمقتل جاره وصديقه المقرب علاء، هو وسبعة من عائلته قُتلوا بعد قصف استهدف منزلهم في المنطقة. فرحة التحرير تحوّلت ذلك اليوم إلى حزن بالنسبة لأيوب “لحظة كلش قاسية ومؤلمة انو نحنا فرحانين بتحريرنا لكن هذا الخبر كان مؤلم وبنفس اليوم هم سقطت بينو منارة الحدباء وكان يوم مؤلم جدا يموت بينو اعز اصدقائي وتسقط (المنارة)”.
السراديب في البيوت الموصلية
شاع استخدام السراديب في بيوت مدينة الموصل بعد القرن الثالث الهجري، وتشير المصادر إلى أن قلعة باشطابيا وجِدَ في تخطيطها سرداب يعرف بـ”الزندان”، ومعناه مُعتقل أو سجن أو محبس.
ويُرجّح أَنَّ العقيليين هم أَوَّل من أَسس السراديب عام 988 م. ويذهب أركان النعيمي، الباحث الآثاري إلى أن السراديب استخدمت بكثرة في المدينة إبان حكم الملك بدر الدين لؤلؤ، آخر أُمراء الزنكيين، الذين حكموا مدينة الموصل في الفترة 1233 – 1258 م، وأَوَّل ذكر لها جاء ضمن حوادث عام 1085 م، في تاريخ الكامل لابن الأثير، عند كلامه عن النزاع بين إِبراهيم بن ينال والبساسيري.
احتوت أغلب أحياء مدينة الموصل القديمة على سراديب، في أبنيتها وبيوتها ومحلاتها، ومن هذه المحلات محلة حوش الخان، رأس الكور، الميدان، باب النبي، باب السراي، ويذكر النعيمي أن السراديب التي استخدمت في المباني التجارية، المتمثلة بالأسواق والخانات لخزن مختلف أَنواع البضائع كان يُستحصل رسوم على البضائع التي تُحفظ في “سردابالخان”، ويبدو أَنَّها كانت رمزية.
ذكر ياسين بن خير الله الخطيب، صاحب كتاب “مُنية الأُدباء” وجود 1600 سرداب في الموصل، بينما ذهب محمد أحمد بن عميد الدين الحسينى النجفى، في كتابه “بحر الأنساب” إلى أن عدد السراديب في الموصل بلغ 1800 سرداب إبان حكم الملك بدر الدين لؤلؤ، آخر أُمراء الأتابكة 606-660هــ / 1209-1261م.
ووفق النعيمي، فأن هُناك دراسة أجراها مجموعة من أساتذة كلية الهندسة بجامعة الموصل، توضح نسبة الرهارة والسراديب في الدور، فبلغت نسبة الرهارة 66 بالمئة، ونسبة السراديب 45 بالمئة، فكانت الرهارة أَكثر شيوعاً من السراديب، فقلما يخلو دار من وجود رهرة أَو سرداب، وبلغت نسبة الدور التي خلت من كليهما حوالي 11 بالمئة، وتوجد دراسة أُخرى تُبين نسبة الوحدات البنائية في كل دار والنسب المئوية لجميع الدور، وكانت نسبة العينات الخاصة بالدور التي احتوت على طوابق تحت أرضية “سراديب” قد بلغت 74 بالمئة، بينما خلت بنحو 26 بالمئة من الدور من تلك السراديب.
يوضح النعيمي أن الرهرة عبارة عن غرفة منخفضة قليلاً عن سطح حوش الدار، ولا سيما في الدور الموصلية القديمة، فيسكنونها صيفاً لبرودتها، كما يطلق عليها بعضهم تسمية “الدبكي”، فضلاً عن تسميتها بـ”نيم سرداب” (تعني بالفارسية نصف السرداب)، إذ تميزت بقلة عمقها عن الأَنواع الأُخرى من السراديب، وغالباً ما كانت تُستحدث أَجنحة المساكن، وهي تطلّ على فناء الدار بنوافذ تعلوها في العادة أقواس نصف دائرية، وتشكل فضاءً انتقالياً بين غرف الدار المُطلة على الغرف والسرداب الواقع بأجمعه تحت المنشآت الأَرضيَّة للدار، وعليه فميزة الرهرة في تخطيطها عن السرداب كونها قليلة العمق، وأَغلب أرضيتها وجدرانها مغلفة بالمرمر -الفرش الموصلي.
استخدم أهالي مدينة الموصل السراديب منذ نشأتها استخدامات متعددة، للمونة، وللاحتماء، ومكاناً للراحة في أيام الصيف الحارة، ومدارس تعليمية للأطفال، حيث يؤكد النعيمي أن المباني الدينية استخدمتها كمدافن، ومدرسة دينية لتعليم الأَوَّلاد القراءة والكتابة وتحفيظهم القرآن الكريم، فضلاً عن اتخاذ بعضهم تكايا يأوي إِليها المنقطعون والفقراء من الصوفية والدراويش وأَصحاب الطرق، ومكاناً لممارسة الشعائر الدينية، وإقامة الأذكار والمواليد النبوية.
واستخدمت في بعض الأزمان للاحتماء إبان العهد العثماني، يقول النعيمي حدث ذلك عندما حاصر (نادر شاه) مدينة الموصل سنة 1743م، وهاجمها بإطلاقه القذائف التي بلغت ما يقارب الخمسين ألف قذيفة، ومعظمها كانت تسقط على الدور فتهدمت بعضها فوق ساكنيها، فأمر الوالي حسين باشا الجليلي بجمعهم في سراديب معينة للاحتماء من القصف، ومنها سرداب كبير في بيت (يحيى أَفندي الفخري) مفتي الموصل، كما قام أَهل الموصل من رجالاتها بإخفاء الفتيات الصغيرات في سراديب متداخلة لا يهتدي إِليها غريب، ووضعنُ بأمرة المرأة ما سميت بالعاقلة ذات الدين والحياء والخدر زوجة الوالي حسين باشا الجليلي ورعايتها. كان دور السراديب مميَّزاً في الحفاظ على أَرواح العائلات داخل دورهم.
حروب أخرى
سراديب الموصل استخدمت أيضاً خلال الحرب العراقية الإيرانية، وما تلاها من حروب وقصف، خاصةً في معركة تحرير المدينة من داعش، وبحسب النعيمي، “السراديب كان لها دور كبير عند تحرير المدينة في الاحتماء من النيران والقذائف والاختباء عندما حاولوا إخراج الأهالي من دورهم كون بعض السراديب لها مداخل سرية لا يهتدي إليها إلا أصحاب الدار”.
لعب السرداب دوراً مهما في حياة نوزت شمدين آغا، الصحفي والروائي الموصلي، إذ كان في طفولته دائم التواجد في السرداب، “كنت في الخامسة من عمري عندما قطع باب السرداب إبهامي الأيمن، فأصبح بعدها ولسنوات يغلق بالمفتاح الكبير لمنعي من ارتكاب حماقة طفولية أخرى”.
نشأ آغا وجيله على قصص كانوا يحدثونهم عنها القدماء، عن وجود الجن في السراديب من أجل إخافتهم وعدم دخولهم السراديب والعبث في الأغراض، وهي معتقدات كان يحملها البعض ويرون بأن كل مكان خالٍ يمكن أن يسكنه الجن، يقول آغا “في كل سرداب بالموصل، كان يمكن العثور على حقيبة قماشية باللون الأخضر معلقة بمسمار إلى الجدار، فيها مصحف، قرآن كريم، والسبب هو الجن، أي لطرد الجن”.
سكن شمدين آغا في الموصل القديمة بمنطقة الفيصلية وكان في منزل عائلته سرداب واسع بباب خشبي كبير، كانت فيه غرف متداخلة، أحدها للمؤونة، وأخرى للحقائب والثياب وغير ذلك، وغرفة يشغلها الضيوف، كان مجهزاً بتلفزيون أسود وأبيض، ومفروشاً بسجاد أحمر، وكان هنالك جدار سميك من المفروشات والأغطية والوسائد، السراديب تكون مجهزة لذلك في العادة باستثناء دورة المياه تكون في مكان آخر.
أمضى آغا لاحقاً هو وعائلته السنتين الأولى للحرب العراقية الإيرانية، في السراديب، “كانت الطائرات الإيرانية تصل الموصل، وكنا نهبط إلى السرداب، مع الغارة نهبط، ونخرج بانتهاء الغارة”، يقول آغا إن أهالي المدينة في أوقات الحروب كانوا يستخدمون مصابيح ملونة كالأزرق، ويرجح بأن سبب ذلك يعود إلى أن المصابيح الزرقاء لم تكن مرئية من قبل الطائرات، ولا يخرج منها شعاع قوي كما هو بالنسبة للأصفر والأبيض.
في فترة التسعينات تعرضت العديد من البيوت إلى امتلاء السراديب بالمياه، وباتت السراديب عديمة الاستخدام.
على الرغم من ذلك، كان الناس عام 1991 في فترات القصف يلجؤون إليها، وخصوصاً في السراديب التي لا يوجد فيها مياه، يقول آغا في هذه الفترة الأسلحة كانت قد تطورت، ولم تكن السراديب ملاجئ آمنة، لكن مع ذلك لم يكن أمام الناس خيار غير النزول إليها.
أدّى تعلق آغا بالسراديب وتواجده فيها فترات طويلة إلى إصدار روايته “سقوط سرداب” والتي تسرد الأحداث التي مر بها العراق من حرب إيران وحتى سقوط صدام، من خلال بطل الرواية، ثائر، الفتى الذي أخفته والدته في السرداب خوفاً عليه من التجنيد الإجباري، والتحاقه بالجيش في مدينة الموصل.
الدمار الذي حل بالموصل بعد عمليات تحريرها من تنظيم “داعش”. المصدر: اليونسكو.
السراديب نعمة ونقمة!
يمامة ثابت (85 عاماً) كانت تسكن في منطقة الطيران في الموصل القديمة، تتحدث عن أهمية السراديب بالنسبة للموصلي، “ما نطيق بلاياها نخلي بيها الموني لان ابغد وعادة اهل الموصل ما يشتغون كيلو وكيلوين يشتغون كواني، كوني تمن وكوني برغل وكلا نخليها بالسراديب وكلما ما نغيد نطلع على قدر ما دنستعمله”، وفي أول شهر من الحرب العراقية الإيرانية، استخدموا السراديب للاحتماء من الطيران، وبسبب امتلاء السرداب بالمياه كانوا يجلسون على الدرج حتى ذهاب الطائرات، “الطيارات كانت تنزل من فوق بيتنا لان المطار بجنبنا”.
السردايب كانت ملاذَ الموصليين في الصيف، وبسبب مادة بنائها الجبسية مع المرمر، تنخفض فيها درجات الحرارة مقارنة بالأجزاء الأخرى من المنزل، كما أن السرداب كان مخزناً للمؤونة، والأدوات المنزلية والمفروشات، وحين اندلعت الحروب المتلاحقة، أصبحت السراديب ملاجئ يختبئ فيها الموصليون، ولاحقاً أصبحت قبوراً للكثيرين منهم.
امتلأت جميع منازل الجانب الأيمن بالمياه، وبسبب وجود البالوعات في السراديب سهل دخول المياه إلى داخلها، وأدت المشاكل العديدة التي تعرضوا لها مع امتلاء السرداب بالمياه إلى تركهم المنزل وانتقالهم إلى منزل جديد، في الجانب الأيسر، بعد انتهائهم من بنائه إبان سنوات الحصار، أما المنزل الآخر فبقي متروكاً، وبسبب حبهم للسراديب وأهميتها قرروا بناء سرداب آخر في البيت الجديد، لكن دون بالوعة، تقول يمامة إنّ السرداب ضم عدة غرف وأصبح مخزناً، ومكاناً لتخزين المؤونة، ومكاناً للراحة والقيلولة أيام الصيف الحارة.
عادة تخزين الطعام لدى أهالي الموصل قديمة، تعود لمئات السنين حيث ابتدعوا وسائل بسيطة تحفظ لهم أغذيتهم لفترات طويلة يستعينون بها على مقاومة تلك الظروف القاسية، وسبب ذلك يعود إلى أن السراديب أَعطت فائدة للناس في حفظ المواد الغذائية، دون أن يصيبها التلف.
ومن تلك الوسائل قيامهم بحفظ اللحوم (لحم مكدوس) والقلية (القاورمة) والباسطرمة في براني كبيرة تُحفظ في سرداب بارد، بعيداً عن أشعة الشمس، كما كانوا يحفظون داخل الأَواني الفخارية المسماة بالخوابي (الكويغ) مواد غذائية متنوعة مثل (الشعير والقمح والبرغل والأَرز) فضلاً عن استعمال البرنية (البغنيّ) لحفظ السوائل، كالسمن الحيواني والزيوت النباتية والعسل والدبس الَّتين والزبيب والبصل، كلها داخل السرداب.
الرهرة والسراديب والتكيّف مع الحرارة
حمل التصميم المعماري لفكرة السراديب أشكالاً ومستويات عدة، حيث يفرق المعماريون بين الرهرة والسرداب، الرهرة هي فضاء أوطأ من مستوى الفناء الوسطي بعدة درجات، ولكنه يتميز بإطلالة على الفناء، ويعتبر صلة الوصل بين الفناء والسرداب الأعمق، ويستخدم عادة لجلوس أفراد العائلة، ويستخدم للقيلولة وخصوصاً في فترات الصيف.
في حين أن السرداب يأتي في مستوى أدنى من الرهرة، ويحتل الفضاء الواقع تحت الفناء وفيه فتحات تهوية من أرضية الفناء ويستخدم عادة للخزن.
بالنسبة لأركان النعيمي، الباحث الآثاري، فإن الرهرة والسرداب تتشابه في مدلولها المعماري، وتختلف في مضمونها الوظيفي، فمنها ما كان للقيلولة أو لحفظ المؤونة، أو للحياكة وصبغ المنسوجات القطنية والصوفية، أو لخزن الأقمشة، أو لصنع الطرشي والمُخللات، أو لتربية الجاموس والأبقار، أو لطحن الشعير والحنطة وقشور الرمان والبهارات، أو كنفق سري، أو لخزن الشعلة (كالفحم والحطب).
كما تعد السراديب المعروفة بــ(الرهرة) من أَبرز العناصر التخطيطية في مبنى الدار؛ إِذ كان الغرض منها هي الوقاية من حر الصيف أثناء النهار والليل أحياناً، فهي محل لنوم أهل الدار لقضاء مُدَّة القيلولة صيفاً، لبرودتها، وتستخدم أحياناً في الشتاء كغرفة جلوس، بعد أَن توضع فيها الزوالي ومناضد الفحم التي تستخدم لتدفئة الرهرة وعمل الشاي والقهوة، وقد تميزت بقلة عمقها مقارنةً مع السراديب الأُخرى.
السراديب وعمارة المساكن قديماً
ابتكر العرب تقنيات ومساحات خاصة بالمباني القديمة، متكيفة مع تغيّرات المناخ ودرجات الحرارة العالية والمنخفضة، لتخلق الظلال وتحرك الرياح في الصيف ولعكس أشعة الشمس في الشتاء، ويقع السرداب ضمن هذه الأهمية المعمارية المتكيفة مع الطقس.
سحر خاروفة، المهندسة المعمارية، ترى أن السراديب عنصر معماري مهم في المناطق ذات المناخ الحار والجاف بشكل عام، وبشكل خاص في بيوت الموصل، حيث تنظّم الحرارة، “تعمل السراديب كموزع للحرارة. تحفظ البرودة في فصل الصيف والدفء في فصل الشتاء”، كما تساعد في تقليل انقلاب درجات الحرارة بين الليل والنهار، وتخزين المؤن.
بحسب خاروفة فإنّ بعض السراديب استخدمت إسطبلاً للخيول أو الإبل، المستوى الأدنى للسرداب في بعض الدور الكبيرة، وفي تلك الحالة يكون له مدخل متصل مع الخارج بشكل مباشر إضافة إلى إمكانية الوصول إليه من داخل المنزل.
المواد المستخدمة في بناء السراديب ليست عشوائية، بحسب أركان النعيمي، فقد أوجد المهندس المعماري أَساليب تساعد على استدامة البناء أطول مدة ممكنة، منها استخدامهُ الحجارة في بناء السراديب، لما تتمتع به من مقاومة لشتى الظروف المناخية، وإمكانية بقائها أَطول مدة ممكنة (كونها صلبة) فضلاً عن إمكانية تدويرها، فهي لا تتمتع بالتوصيل الحراري، مع قابليتها في الاحتفاظ بهِ من جهة أُخرى، وهي على أَنواع عديدة فمنها الحجر الكلسي والحجر الجيري.
اندثار السراديب
يذكر خالد محمد (60 عاماً) الذي يسكن منطقة الدواسة في أيمن الموصل، أنهم استخدموا سرداب منزلهم لفترة وجيزة خلال حرب إيران، وبعد بناء سد الموصل في الثمانينات بات من الصعب دخوله، “بسبب أن منطقة الدواسي منطقة منخفضة كان يفيض بالشتي وبالصيف يجف وبالنص بينو بالوعة وينزل الماي منا”.
لاحقاً، أصبحت السراديب هناك تفيض طوال السنة بسبب المجرى “الصندوقي” الذي بنته بلدية المدينة، للصرف الصحي، وعلى إثرها ارتفعت المياه بشكل كبير، ووصلت إلى ارتفاعات تجاوز المتر داخل السراديب، وهذا يسبب مشاكل في البناء، وانتشار الرطوبة والعفن.
يؤكد خالد أن العديد من المنازل في أيمن المدينة اضطرت بعد بناء سد الموصل إلى طمر سراديبها، بسبب انخفاض هذه المناطق، ما سهل دخول المياه إليها، وفيضان الكثير من مناطقها، كالدواسة والطيران، فيما لا تزال الكثير من المناطق تحتوي على سراديب مثل مناطق الجوسق والدندان.
وبسبب رغبة العديد في وجود سراديب في منازلهم؛ ولتجنب ما حدث من فيضانات للسراديب، عمد الكثيرون إلى بناء المنازل على ارتفاعات أعلى من مجاري الصرف الصحي، لضمان حماية السراديب من الفيضان.
سرداب نجا من الحروب التي مرت بها الموصل. المصدر: الكاتبة.
تبيّن سحر خاروفة، المهندسة المعمارية، أن سبب هدم بعض السراديب يعود الى قدم مدينة الموصل، كونها في الحقيقة عدة مدن متراكمة فوق بعضها، ومن الطبيعي أن يحصل هدم في بعض المواقع، لتظهر تحت الهدم أعمدة وأروقة وفضاءات جديدة، كانت قد رُدمت، لذا بعض الأماكن غير المستقرة والتي من المحتمل أن تعاني من هذا الهدم؛ تتسرب المياه الجوفية الى داخل سراديبها، خصوصاً في المناطق القريبة من النهر، كذلك في حال وجود خطر الهدم يقوم أهل المنازل القديمة بردم السراديب، للحفاظ على سلامة المنزل وافراده من أي حوادث محتملة.
ما يجعل السراديب أكثر عرضة للغرق هي أرضيات السراديب بحسب خاروفة، “المادة التي تستخدم في أرضيات السراديب وجدرانه هي مادة الفغش أو ما يعرف بالمرمر الموصلي وهي مادة تتفاعل مع الماء والتعرض له لفترة طويلة يسبب في تآكلها”، كذلك صيانة السراديب تمثّل عاملاً مهماً في الحفاظ على السراديب أو ردمها.
ترى خاروفة أن بناء السراديب اليوم مع البيوت يعتمد على كثير من العوامل، أولها القدرة المالية، ثم طبيعة الأرض، وأخيراً مساحة البناء، والسبب الذي جعل وجود السرداب غير ملزم هو توفر تقنيات التحكم بمناخ المنزل الداخلي، على الرغم من التبعات المادية والكلفة المرافقة طوال مدة الاستخدام، لذا يمكن القول إن وجود السراديب يوفر جدوى اقتصادية ومناخية واجتماعية، ويعتمد قرار اختيارها على ترتيب الأولويات بالنسبة لمالك الدار.
فيما يعتقد أركان النعيمي أن تضرر بعض السراديب يعود لعدم العناية بها، “عدم الصيانة الدورية لبعض السراديب فقد نتج عنها كثرة الرطوبة مما أدى إلى تضرر الجدران وتصدعها، وتخسفات في سقوفها المتمثلة بأرضية حوش الدار، فاستدعى ذلك ردمها كي لا تؤثر بشكل مباشر على البناء الذي يعلوها”.
كما أثر الدمار الذي تعرضت لهُ المدينة القديمة، نتيجة القصف الذي حدث خلال تحريرها من تنظيم داعش، أثّر كثيراً على وجود السراديب في المدينة، كما أن التكاليف الباهظة لإعادة إعمارها سبب جعل أهلها يقومون بردمها، والاكتفاء بإعمار البيت دون السراديب.
المنازل التي بقيت سراديبها دون دمار أو ردم بفعل الحرب، تسمّي الآن “المحظوظة”، مثل سرداب منزل عائلة أيوب ذنون، الذي عاد إلى سابق عهده، حيث بقي “السرداب الأسود”، مكاناً لحفظ المونة، فيما أصبح السرداب الأبيض، مخزناً مخصصاً لحفظ الأغراض الأخرى.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مدارس مُهجَّرة: لماذا لن ينتهي "الدوام المزدوج" و"الاكتظاظ" في العراق؟
10 ديسمبر 2024
الهيدروجين الأزرق والشمس.. عن بدائل النفط "الممكنة" في العراق
07 ديسمبر 2024
الأشجار والدولار على المحكّ في سنجار
03 ديسمبر 2024
الصيادون يبيعون "الآرو".. الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار
28 نوفمبر 2024
“كنا في كثير من الأحيان نعدُّ قذائف الهاون خاصةً في الليل، أتذكّر في أحد الأيام أحصينا سقوط 142 قذيفة هاون، في ساعات الليل فقط”. عاش أيوب ذنون (32) عاماً وعائلته المكونة من 11 فرداً، ثلاثة أشهر في سرداب تحت الأرض والقصف، أثناء معركة تحرير الموصل من تنظيم “داعش”، منذ آذار عام 2017 حتى حزيران من ذلك العام.
بعد تحرير منطقتهم في الموصل القديمة؛ استطاعوا الخروج، وأطلق أيوب على هذه الفترة “100 يوم في السرداب تحت نيران الموصل القديمة”، ويصف شعوره في تلك الأثناء بأنه شعور مؤذٍ ومخيف، “كنا نموت باليوم مئة مرة، أكو صواريخ كنا نسمع صوت الانطلاقة وصوت (..)، وكنا كل شوية نسمع انو البيت الفلاني انقصف”.
في تلك الفترة أثناء تواجد أيوب وعائلته داخل سرداب، سقطت العديد من الهاونات على المنزل الذي يعلوه، وأصابت أجزاء عدة منه بأضرار مختلفة، “بيتنا واللي هو مساحتو 200 متر تقريباً، ثماني قذائف هاونات سقطت بينو في أوقات متفرقة لكن لم يصب أحد منا، وقعت الهاونات بالسطح بالبيتونة وعلى السقيفة، والشظايا نزلت علينا الى السرداب لكن الله سلم”.
يسكن أيوب في منطقة المشاهدة، في الموصل القديمة، التي شهدت معارك دامية أثناء التحرير، في منزل موصلي شرقي مفتوح، ومثل الكثير من بيوت الموصل، في منزل أيوب سردابان، يبلغ مساحة كل واحد منهما 15 متراً مربعاً، تستخدم مخزناً لحفظ الأطعمة.
يحمل أيوب ذكريات جميلة عن سراديب بيت العائلة، “السرداب اللي نزلنا بينو الأبيض، والأسود نحنا نسميهم، السرداب الأبيض كنا قبل ننزل بينو وننام من كنا صغاغ، كان عدنا دراسة، وبينما السرداب الأسود كان للمونة فقط، وما تخيلتو فد يوم انو أحد ينام بينو”.
لم يكن السرداب مهيئاً لتعيش فيه عائلة أيوب، لكنّ الحرب تجبر الإنسان على العيش في أيّ مكان قد ينقذ حياته، السرداب كان مكاناً للرطوبة والروائح الكريهة، فهو منذ 30 سنةً يُستخدم لخزن المونة فقط، ولكن وقع الاختيار عليه كونه أكثر أمناً وحمايةً، ومن أجل توفير مساحة أكبر قررت العائلة عمل فتحة بين السردابين، لتسهيل التنقل في تلك الفترة.
قضت العائلة أكثر وقتها في السرداب، ولم تكن تخرج منه إلا من أجل قضاء الحاجة وتحضير الطعام، ولكن عندما اشتدت المعارك لاحقاًً، لازموا السرداب ولم يعد يرون الشمس ولا يشمون الهواء إلا من خلال شباك يبلغ عرضه 60 سم وارتفاعه 90 سم.
لأن عمله مُسعِف، كان أيوب يضطر إلى الخروج من السرداب.
“من اشتدت بالأيام الأخيرة كنا قليل نخرج والخروج فقط لإنقاذ الناس واسعافهم أنا كنتو اطلع بس وحتى كان قضاء الحاجة للكبار وللأطفال الصغار كان بنفس المكان في السرداب وكانت من أصعب الأشياء الصراحة، والسرداب اللي كنا بينو ما كان مؤهل للعيش كان عبارة عن مخزن”.
ولأن السرداب الآخر استخدم للمونة، فقد كان لديهم طعام وفير. إلا أنه سرعان ما بدأ بالنفاد بسبب طول الأيام وتوزيع جزء منه على الناس، ما اضطر أيوب للخروج من أجل شراء مونة لهم تكفيهم للأيام القادمة.
“يعني وصلت مرحلة انو اشتغيتو شكر 140 ألف الكيلو، واشتغيتو فاصوليا وعدس بـ35 ألف الكيلو”.
كان أيوب قبل بدء المعارك يعمل صيدلياً في إحدى صيدليات المنطقة، ولكن وصول المواجهات إلى منطقتهم وسماع الهاونات والقصف بوضوح اضطره لإغلاق الصيدلية، وأخذ أصناف من الأدوية معه إلى السرداب.
عندما علم أهالي المنطقة بأن أيوب يمتلك أدوية، توافد أناس إلى منزله، وأصبح ليس فقط صيدلانياً، بل مسعفاً كذلك.
كانت الشهور الثلاثة عزلة عن العالم الخارجي. لم يكن أيوب وعائلته يعرفون ما يجري لأنّ داعش حظر الاتصالات “كنا نتصل خلسة اللي يشوفونو قيخبر وصلت لمراحل إلى القتل مباشرة”. كانوا يلتقطون الأخبار من خلال الاستماع إلى المذياع الذي كان بمثابة حياة بالنسبة لهم في ظل شحة الأخبار، ومن خلال تواصلهم المتقطع مع الأهل والجيران “كنا نعغف اش قيصيغ حولنا وين وصل الجيش وكنا نسمع من الراديو نعغف وين وصلوا كان مثل منقذ لنا وكنا ننتظر نشرة الثالثة على راديو الغد”.
بسبب انقطاع الأخبار عنهم، اضطر أيوب وأخوه إلى تعلّم بعض الخدع الصغيرة، قبل وصول المعارك إلى جانبهم، من خلال تشغيل الأجهزة واستخدامها للاتصال من داخل السرداب، من أجل العزل الجيد، ولكي لا يراهم أحد، “قبل ما تصل المعارك يمنا أول شي اشتغينا بطاريات واشتغينا أضوية اللد اللي هو عبارة عن لايت، كنا نستخدمم وأيضا نزلتو واير مال دش من السطح إلى السرداب، وكنا نشكلو بالموبايل ويلتقط الإشارة، وكنتو اتصل بين يوم ويومين، ونستخدم الموبايل خلسة ونتصل على المحيطين بنا والناس اللي نعرف انو تحرروا”.
بعد تحرير منطقتهم فُجِع أيوب بمقتل جاره وصديقه المقرب علاء، هو وسبعة من عائلته قُتلوا بعد قصف استهدف منزلهم في المنطقة. فرحة التحرير تحوّلت ذلك اليوم إلى حزن بالنسبة لأيوب “لحظة كلش قاسية ومؤلمة انو نحنا فرحانين بتحريرنا لكن هذا الخبر كان مؤلم وبنفس اليوم هم سقطت بينو منارة الحدباء وكان يوم مؤلم جدا يموت بينو اعز اصدقائي وتسقط (المنارة)”.
السراديب في البيوت الموصلية
شاع استخدام السراديب في بيوت مدينة الموصل بعد القرن الثالث الهجري، وتشير المصادر إلى أن قلعة باشطابيا وجِدَ في تخطيطها سرداب يعرف بـ”الزندان”، ومعناه مُعتقل أو سجن أو محبس.
ويُرجّح أَنَّ العقيليين هم أَوَّل من أَسس السراديب عام 988 م. ويذهب أركان النعيمي، الباحث الآثاري إلى أن السراديب استخدمت بكثرة في المدينة إبان حكم الملك بدر الدين لؤلؤ، آخر أُمراء الزنكيين، الذين حكموا مدينة الموصل في الفترة 1233 – 1258 م، وأَوَّل ذكر لها جاء ضمن حوادث عام 1085 م، في تاريخ الكامل لابن الأثير، عند كلامه عن النزاع بين إِبراهيم بن ينال والبساسيري.
احتوت أغلب أحياء مدينة الموصل القديمة على سراديب، في أبنيتها وبيوتها ومحلاتها، ومن هذه المحلات محلة حوش الخان، رأس الكور، الميدان، باب النبي، باب السراي، ويذكر النعيمي أن السراديب التي استخدمت في المباني التجارية، المتمثلة بالأسواق والخانات لخزن مختلف أَنواع البضائع كان يُستحصل رسوم على البضائع التي تُحفظ في “سردابالخان”، ويبدو أَنَّها كانت رمزية.
ذكر ياسين بن خير الله الخطيب، صاحب كتاب “مُنية الأُدباء” وجود 1600 سرداب في الموصل، بينما ذهب محمد أحمد بن عميد الدين الحسينى النجفى، في كتابه “بحر الأنساب” إلى أن عدد السراديب في الموصل بلغ 1800 سرداب إبان حكم الملك بدر الدين لؤلؤ، آخر أُمراء الأتابكة 606-660هــ / 1209-1261م.
ووفق النعيمي، فأن هُناك دراسة أجراها مجموعة من أساتذة كلية الهندسة بجامعة الموصل، توضح نسبة الرهارة والسراديب في الدور، فبلغت نسبة الرهارة 66 بالمئة، ونسبة السراديب 45 بالمئة، فكانت الرهارة أَكثر شيوعاً من السراديب، فقلما يخلو دار من وجود رهرة أَو سرداب، وبلغت نسبة الدور التي خلت من كليهما حوالي 11 بالمئة، وتوجد دراسة أُخرى تُبين نسبة الوحدات البنائية في كل دار والنسب المئوية لجميع الدور، وكانت نسبة العينات الخاصة بالدور التي احتوت على طوابق تحت أرضية “سراديب” قد بلغت 74 بالمئة، بينما خلت بنحو 26 بالمئة من الدور من تلك السراديب.
يوضح النعيمي أن الرهرة عبارة عن غرفة منخفضة قليلاً عن سطح حوش الدار، ولا سيما في الدور الموصلية القديمة، فيسكنونها صيفاً لبرودتها، كما يطلق عليها بعضهم تسمية “الدبكي”، فضلاً عن تسميتها بـ”نيم سرداب” (تعني بالفارسية نصف السرداب)، إذ تميزت بقلة عمقها عن الأَنواع الأُخرى من السراديب، وغالباً ما كانت تُستحدث أَجنحة المساكن، وهي تطلّ على فناء الدار بنوافذ تعلوها في العادة أقواس نصف دائرية، وتشكل فضاءً انتقالياً بين غرف الدار المُطلة على الغرف والسرداب الواقع بأجمعه تحت المنشآت الأَرضيَّة للدار، وعليه فميزة الرهرة في تخطيطها عن السرداب كونها قليلة العمق، وأَغلب أرضيتها وجدرانها مغلفة بالمرمر -الفرش الموصلي.
استخدم أهالي مدينة الموصل السراديب منذ نشأتها استخدامات متعددة، للمونة، وللاحتماء، ومكاناً للراحة في أيام الصيف الحارة، ومدارس تعليمية للأطفال، حيث يؤكد النعيمي أن المباني الدينية استخدمتها كمدافن، ومدرسة دينية لتعليم الأَوَّلاد القراءة والكتابة وتحفيظهم القرآن الكريم، فضلاً عن اتخاذ بعضهم تكايا يأوي إِليها المنقطعون والفقراء من الصوفية والدراويش وأَصحاب الطرق، ومكاناً لممارسة الشعائر الدينية، وإقامة الأذكار والمواليد النبوية.
واستخدمت في بعض الأزمان للاحتماء إبان العهد العثماني، يقول النعيمي حدث ذلك عندما حاصر (نادر شاه) مدينة الموصل سنة 1743م، وهاجمها بإطلاقه القذائف التي بلغت ما يقارب الخمسين ألف قذيفة، ومعظمها كانت تسقط على الدور فتهدمت بعضها فوق ساكنيها، فأمر الوالي حسين باشا الجليلي بجمعهم في سراديب معينة للاحتماء من القصف، ومنها سرداب كبير في بيت (يحيى أَفندي الفخري) مفتي الموصل، كما قام أَهل الموصل من رجالاتها بإخفاء الفتيات الصغيرات في سراديب متداخلة لا يهتدي إِليها غريب، ووضعنُ بأمرة المرأة ما سميت بالعاقلة ذات الدين والحياء والخدر زوجة الوالي حسين باشا الجليلي ورعايتها. كان دور السراديب مميَّزاً في الحفاظ على أَرواح العائلات داخل دورهم.
حروب أخرى
سراديب الموصل استخدمت أيضاً خلال الحرب العراقية الإيرانية، وما تلاها من حروب وقصف، خاصةً في معركة تحرير المدينة من داعش، وبحسب النعيمي، “السراديب كان لها دور كبير عند تحرير المدينة في الاحتماء من النيران والقذائف والاختباء عندما حاولوا إخراج الأهالي من دورهم كون بعض السراديب لها مداخل سرية لا يهتدي إليها إلا أصحاب الدار”.
لعب السرداب دوراً مهما في حياة نوزت شمدين آغا، الصحفي والروائي الموصلي، إذ كان في طفولته دائم التواجد في السرداب، “كنت في الخامسة من عمري عندما قطع باب السرداب إبهامي الأيمن، فأصبح بعدها ولسنوات يغلق بالمفتاح الكبير لمنعي من ارتكاب حماقة طفولية أخرى”.
نشأ آغا وجيله على قصص كانوا يحدثونهم عنها القدماء، عن وجود الجن في السراديب من أجل إخافتهم وعدم دخولهم السراديب والعبث في الأغراض، وهي معتقدات كان يحملها البعض ويرون بأن كل مكان خالٍ يمكن أن يسكنه الجن، يقول آغا “في كل سرداب بالموصل، كان يمكن العثور على حقيبة قماشية باللون الأخضر معلقة بمسمار إلى الجدار، فيها مصحف، قرآن كريم، والسبب هو الجن، أي لطرد الجن”.
سكن شمدين آغا في الموصل القديمة بمنطقة الفيصلية وكان في منزل عائلته سرداب واسع بباب خشبي كبير، كانت فيه غرف متداخلة، أحدها للمؤونة، وأخرى للحقائب والثياب وغير ذلك، وغرفة يشغلها الضيوف، كان مجهزاً بتلفزيون أسود وأبيض، ومفروشاً بسجاد أحمر، وكان هنالك جدار سميك من المفروشات والأغطية والوسائد، السراديب تكون مجهزة لذلك في العادة باستثناء دورة المياه تكون في مكان آخر.
أمضى آغا لاحقاً هو وعائلته السنتين الأولى للحرب العراقية الإيرانية، في السراديب، “كانت الطائرات الإيرانية تصل الموصل، وكنا نهبط إلى السرداب، مع الغارة نهبط، ونخرج بانتهاء الغارة”، يقول آغا إن أهالي المدينة في أوقات الحروب كانوا يستخدمون مصابيح ملونة كالأزرق، ويرجح بأن سبب ذلك يعود إلى أن المصابيح الزرقاء لم تكن مرئية من قبل الطائرات، ولا يخرج منها شعاع قوي كما هو بالنسبة للأصفر والأبيض.
في فترة التسعينات تعرضت العديد من البيوت إلى امتلاء السراديب بالمياه، وباتت السراديب عديمة الاستخدام.
على الرغم من ذلك، كان الناس عام 1991 في فترات القصف يلجؤون إليها، وخصوصاً في السراديب التي لا يوجد فيها مياه، يقول آغا في هذه الفترة الأسلحة كانت قد تطورت، ولم تكن السراديب ملاجئ آمنة، لكن مع ذلك لم يكن أمام الناس خيار غير النزول إليها.
أدّى تعلق آغا بالسراديب وتواجده فيها فترات طويلة إلى إصدار روايته “سقوط سرداب” والتي تسرد الأحداث التي مر بها العراق من حرب إيران وحتى سقوط صدام، من خلال بطل الرواية، ثائر، الفتى الذي أخفته والدته في السرداب خوفاً عليه من التجنيد الإجباري، والتحاقه بالجيش في مدينة الموصل.
الدمار الذي حل بالموصل بعد عمليات تحريرها من تنظيم “داعش”. المصدر: اليونسكو.
السراديب نعمة ونقمة!
يمامة ثابت (85 عاماً) كانت تسكن في منطقة الطيران في الموصل القديمة، تتحدث عن أهمية السراديب بالنسبة للموصلي، “ما نطيق بلاياها نخلي بيها الموني لان ابغد وعادة اهل الموصل ما يشتغون كيلو وكيلوين يشتغون كواني، كوني تمن وكوني برغل وكلا نخليها بالسراديب وكلما ما نغيد نطلع على قدر ما دنستعمله”، وفي أول شهر من الحرب العراقية الإيرانية، استخدموا السراديب للاحتماء من الطيران، وبسبب امتلاء السرداب بالمياه كانوا يجلسون على الدرج حتى ذهاب الطائرات، “الطيارات كانت تنزل من فوق بيتنا لان المطار بجنبنا”.
السردايب كانت ملاذَ الموصليين في الصيف، وبسبب مادة بنائها الجبسية مع المرمر، تنخفض فيها درجات الحرارة مقارنة بالأجزاء الأخرى من المنزل، كما أن السرداب كان مخزناً للمؤونة، والأدوات المنزلية والمفروشات، وحين اندلعت الحروب المتلاحقة، أصبحت السراديب ملاجئ يختبئ فيها الموصليون، ولاحقاً أصبحت قبوراً للكثيرين منهم.
امتلأت جميع منازل الجانب الأيمن بالمياه، وبسبب وجود البالوعات في السراديب سهل دخول المياه إلى داخلها، وأدت المشاكل العديدة التي تعرضوا لها مع امتلاء السرداب بالمياه إلى تركهم المنزل وانتقالهم إلى منزل جديد، في الجانب الأيسر، بعد انتهائهم من بنائه إبان سنوات الحصار، أما المنزل الآخر فبقي متروكاً، وبسبب حبهم للسراديب وأهميتها قرروا بناء سرداب آخر في البيت الجديد، لكن دون بالوعة، تقول يمامة إنّ السرداب ضم عدة غرف وأصبح مخزناً، ومكاناً لتخزين المؤونة، ومكاناً للراحة والقيلولة أيام الصيف الحارة.
عادة تخزين الطعام لدى أهالي الموصل قديمة، تعود لمئات السنين حيث ابتدعوا وسائل بسيطة تحفظ لهم أغذيتهم لفترات طويلة يستعينون بها على مقاومة تلك الظروف القاسية، وسبب ذلك يعود إلى أن السراديب أَعطت فائدة للناس في حفظ المواد الغذائية، دون أن يصيبها التلف.
ومن تلك الوسائل قيامهم بحفظ اللحوم (لحم مكدوس) والقلية (القاورمة) والباسطرمة في براني كبيرة تُحفظ في سرداب بارد، بعيداً عن أشعة الشمس، كما كانوا يحفظون داخل الأَواني الفخارية المسماة بالخوابي (الكويغ) مواد غذائية متنوعة مثل (الشعير والقمح والبرغل والأَرز) فضلاً عن استعمال البرنية (البغنيّ) لحفظ السوائل، كالسمن الحيواني والزيوت النباتية والعسل والدبس الَّتين والزبيب والبصل، كلها داخل السرداب.
الرهرة والسراديب والتكيّف مع الحرارة
حمل التصميم المعماري لفكرة السراديب أشكالاً ومستويات عدة، حيث يفرق المعماريون بين الرهرة والسرداب، الرهرة هي فضاء أوطأ من مستوى الفناء الوسطي بعدة درجات، ولكنه يتميز بإطلالة على الفناء، ويعتبر صلة الوصل بين الفناء والسرداب الأعمق، ويستخدم عادة لجلوس أفراد العائلة، ويستخدم للقيلولة وخصوصاً في فترات الصيف.
في حين أن السرداب يأتي في مستوى أدنى من الرهرة، ويحتل الفضاء الواقع تحت الفناء وفيه فتحات تهوية من أرضية الفناء ويستخدم عادة للخزن.
بالنسبة لأركان النعيمي، الباحث الآثاري، فإن الرهرة والسرداب تتشابه في مدلولها المعماري، وتختلف في مضمونها الوظيفي، فمنها ما كان للقيلولة أو لحفظ المؤونة، أو للحياكة وصبغ المنسوجات القطنية والصوفية، أو لخزن الأقمشة، أو لصنع الطرشي والمُخللات، أو لتربية الجاموس والأبقار، أو لطحن الشعير والحنطة وقشور الرمان والبهارات، أو كنفق سري، أو لخزن الشعلة (كالفحم والحطب).
كما تعد السراديب المعروفة بــ(الرهرة) من أَبرز العناصر التخطيطية في مبنى الدار؛ إِذ كان الغرض منها هي الوقاية من حر الصيف أثناء النهار والليل أحياناً، فهي محل لنوم أهل الدار لقضاء مُدَّة القيلولة صيفاً، لبرودتها، وتستخدم أحياناً في الشتاء كغرفة جلوس، بعد أَن توضع فيها الزوالي ومناضد الفحم التي تستخدم لتدفئة الرهرة وعمل الشاي والقهوة، وقد تميزت بقلة عمقها مقارنةً مع السراديب الأُخرى.
السراديب وعمارة المساكن قديماً
ابتكر العرب تقنيات ومساحات خاصة بالمباني القديمة، متكيفة مع تغيّرات المناخ ودرجات الحرارة العالية والمنخفضة، لتخلق الظلال وتحرك الرياح في الصيف ولعكس أشعة الشمس في الشتاء، ويقع السرداب ضمن هذه الأهمية المعمارية المتكيفة مع الطقس.
سحر خاروفة، المهندسة المعمارية، ترى أن السراديب عنصر معماري مهم في المناطق ذات المناخ الحار والجاف بشكل عام، وبشكل خاص في بيوت الموصل، حيث تنظّم الحرارة، “تعمل السراديب كموزع للحرارة. تحفظ البرودة في فصل الصيف والدفء في فصل الشتاء”، كما تساعد في تقليل انقلاب درجات الحرارة بين الليل والنهار، وتخزين المؤن.
بحسب خاروفة فإنّ بعض السراديب استخدمت إسطبلاً للخيول أو الإبل، المستوى الأدنى للسرداب في بعض الدور الكبيرة، وفي تلك الحالة يكون له مدخل متصل مع الخارج بشكل مباشر إضافة إلى إمكانية الوصول إليه من داخل المنزل.
المواد المستخدمة في بناء السراديب ليست عشوائية، بحسب أركان النعيمي، فقد أوجد المهندس المعماري أَساليب تساعد على استدامة البناء أطول مدة ممكنة، منها استخدامهُ الحجارة في بناء السراديب، لما تتمتع به من مقاومة لشتى الظروف المناخية، وإمكانية بقائها أَطول مدة ممكنة (كونها صلبة) فضلاً عن إمكانية تدويرها، فهي لا تتمتع بالتوصيل الحراري، مع قابليتها في الاحتفاظ بهِ من جهة أُخرى، وهي على أَنواع عديدة فمنها الحجر الكلسي والحجر الجيري.
اندثار السراديب
يذكر خالد محمد (60 عاماً) الذي يسكن منطقة الدواسة في أيمن الموصل، أنهم استخدموا سرداب منزلهم لفترة وجيزة خلال حرب إيران، وبعد بناء سد الموصل في الثمانينات بات من الصعب دخوله، “بسبب أن منطقة الدواسي منطقة منخفضة كان يفيض بالشتي وبالصيف يجف وبالنص بينو بالوعة وينزل الماي منا”.
لاحقاً، أصبحت السراديب هناك تفيض طوال السنة بسبب المجرى “الصندوقي” الذي بنته بلدية المدينة، للصرف الصحي، وعلى إثرها ارتفعت المياه بشكل كبير، ووصلت إلى ارتفاعات تجاوز المتر داخل السراديب، وهذا يسبب مشاكل في البناء، وانتشار الرطوبة والعفن.
يؤكد خالد أن العديد من المنازل في أيمن المدينة اضطرت بعد بناء سد الموصل إلى طمر سراديبها، بسبب انخفاض هذه المناطق، ما سهل دخول المياه إليها، وفيضان الكثير من مناطقها، كالدواسة والطيران، فيما لا تزال الكثير من المناطق تحتوي على سراديب مثل مناطق الجوسق والدندان.
وبسبب رغبة العديد في وجود سراديب في منازلهم؛ ولتجنب ما حدث من فيضانات للسراديب، عمد الكثيرون إلى بناء المنازل على ارتفاعات أعلى من مجاري الصرف الصحي، لضمان حماية السراديب من الفيضان.
سرداب نجا من الحروب التي مرت بها الموصل. المصدر: الكاتبة.
تبيّن سحر خاروفة، المهندسة المعمارية، أن سبب هدم بعض السراديب يعود الى قدم مدينة الموصل، كونها في الحقيقة عدة مدن متراكمة فوق بعضها، ومن الطبيعي أن يحصل هدم في بعض المواقع، لتظهر تحت الهدم أعمدة وأروقة وفضاءات جديدة، كانت قد رُدمت، لذا بعض الأماكن غير المستقرة والتي من المحتمل أن تعاني من هذا الهدم؛ تتسرب المياه الجوفية الى داخل سراديبها، خصوصاً في المناطق القريبة من النهر، كذلك في حال وجود خطر الهدم يقوم أهل المنازل القديمة بردم السراديب، للحفاظ على سلامة المنزل وافراده من أي حوادث محتملة.
ما يجعل السراديب أكثر عرضة للغرق هي أرضيات السراديب بحسب خاروفة، “المادة التي تستخدم في أرضيات السراديب وجدرانه هي مادة الفغش أو ما يعرف بالمرمر الموصلي وهي مادة تتفاعل مع الماء والتعرض له لفترة طويلة يسبب في تآكلها”، كذلك صيانة السراديب تمثّل عاملاً مهماً في الحفاظ على السراديب أو ردمها.
ترى خاروفة أن بناء السراديب اليوم مع البيوت يعتمد على كثير من العوامل، أولها القدرة المالية، ثم طبيعة الأرض، وأخيراً مساحة البناء، والسبب الذي جعل وجود السرداب غير ملزم هو توفر تقنيات التحكم بمناخ المنزل الداخلي، على الرغم من التبعات المادية والكلفة المرافقة طوال مدة الاستخدام، لذا يمكن القول إن وجود السراديب يوفر جدوى اقتصادية ومناخية واجتماعية، ويعتمد قرار اختيارها على ترتيب الأولويات بالنسبة لمالك الدار.
فيما يعتقد أركان النعيمي أن تضرر بعض السراديب يعود لعدم العناية بها، “عدم الصيانة الدورية لبعض السراديب فقد نتج عنها كثرة الرطوبة مما أدى إلى تضرر الجدران وتصدعها، وتخسفات في سقوفها المتمثلة بأرضية حوش الدار، فاستدعى ذلك ردمها كي لا تؤثر بشكل مباشر على البناء الذي يعلوها”.
كما أثر الدمار الذي تعرضت لهُ المدينة القديمة، نتيجة القصف الذي حدث خلال تحريرها من تنظيم داعش، أثّر كثيراً على وجود السراديب في المدينة، كما أن التكاليف الباهظة لإعادة إعمارها سبب جعل أهلها يقومون بردمها، والاكتفاء بإعمار البيت دون السراديب.
المنازل التي بقيت سراديبها دون دمار أو ردم بفعل الحرب، تسمّي الآن “المحظوظة”، مثل سرداب منزل عائلة أيوب ذنون، الذي عاد إلى سابق عهده، حيث بقي “السرداب الأسود”، مكاناً لحفظ المونة، فيما أصبح السرداب الأبيض، مخزناً مخصصاً لحفظ الأغراض الأخرى.