"الشرعيّة للطلاب وليس للحكومة".. اتحاد الطلبة بمواجهة الإلغاء
08 حزيران 2024
إعمامٌ لم يستطع حتى رجال قانون فهمَ ماهيّته ومحتواه، أصدرته وزارة التعليم العالي بخصوص مراقبة ومنع اتحاد الطلبة العام في العراق.. لكن هل كانت هذه محاولة السلطة الأولى لمنع الطلاب من التنظيم؟ عن اتحاد الطلبة بمواجهة الإلغاء..
ارتسمت ابتسامة تنمّ عن سخرية ممزوجة بالاستغراب على وجه حافظ إبراهيم عندما اطلع على إعمام لوزارة التعليم العالي يخص اتحاد الطلبة العام في العراق.
ويشغل إبراهيم موقع سكرتير الاتحاد في البصرة.
يكشف الإعمام الذي صدر في 30 أيار 2023، خوفاً لدى السلطة من هذا الاتحاد، وهو خوف يمكن فهمه عند تتبع دور اتحاد الطلبة -في أكثر من حدث منذ عام 2003- في إقلاق راحة الممسكين بزمام النظام السياسي القائم والمتهمين بالفساد والفشل.
الطلاب يقيلون وزيراً!
في 25 شباط 2016، خرج طلبة جامعة المثنى بتظاهرة ضد زيارة حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي آنذاك، رافضين زيارته في ظل تردي الوضع التعليمي وتهالك البنى التحتية للجامعات، وعدم مهنية الأمن الجامعي وأهليته للتعامل مع الطلبة.
منع الطلبة، في النهاية، الشهرستاني من دخول الجامعة.
كانت تلك التظاهرة الأكثر تأثيراً بعد سلسلة من الاحتجاجات الطلابية في كليات بجامعات متعددة بين عامي 2015 و2016، والتي لم تستجب السلطات لمطالبها، واعتقل في إثرها د. باسم السماوي، التدريسي، بسبب مشاركته الطلبة احتجاجاتهم.
تصاعد بعد ذلك سقف الهتافات ليشمل إقالة الشهرستاني، الذي ادعى حينها تعرضه لمحاولة اغتيال.
امتدّت “ثورة القمصان البيض”، كما سُميّت آنذاك، لتشمل جامعات البصرة والناصرية وجامعتي المستنصرية وبغداد.
أطلقت حينها مطالب أهمها زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم والبحث العلمي، وتدريب كوادر الأمن الجامعي على التعامل المهني مع الطلبة، وكف يد المتنفذين والفاسدين عن مستحقات التعليم ومناصب الهيئة التدريسية، وتوزير شخص أكاديمي لا يمثل نظام المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب في العراق.
حصلت التظاهرات الطلابية، التي تزامنت مع تظاهرات شعبية كان مركزها محافظة البصرة، على تفاعل كبير داعم من الأوساط الاجتماعية، ولاسيما الأكاديميين.
ظهرت احتجاجات الطلبة منظمة بشكل لافت يختلف عن باقي الاحتجاجات، في كيفية التجمع بمواعيد منضبطة ووجود لجان تنظيمية داخل الصفوف، تقوم بتوفير الأمور اللوجستية وإعداد الإعلانات والبيانات، بالإضافة للجان تضبط عمليات المسير والمحافظة على سلمية التظاهرات، وحتى التنظيم المتقن إلى حد ضبط الهتافات وتبادلها بين المجموعات المتظاهرة، بحيث حملت هذه الهتافات ألحاناً ومحتوى يلامس شرائح شبابية كبيرة في المجتمع.
مع ظهور هذا الزخم والتنظيم والوضوح بالمطالب وكتابة البيانات ونشرها، تجلّى اسم اتحاد الطلبة العام، إذ أدى دوراً قيادياً في بعض هذه التظاهرات، أو قدّم مساعدة في بعض المناطق للناشطين القائمين على الحراك الاحتجاجي الشعبي.
في 12 حزيران 2016، قبل حيدر العبادي، رئيس الوزراء في ذلك الحين، استقالة الشهرستاني، ضمن ما سماه العملية الإصلاحية استجابةً للاحتجاجات الشعبية من جهة والطلابية من جهة أخرى.
بعد ذلك، تركز عمل الاتحاد في الجامعات على تنظيم الورش العلمية والأكاديمية والاهتمام بالقضايا الجزئية مثل فصل أحد الطلبة تعسفياً، أو التعرض لأحد الطلبة بالمضايقة، أو التضييق على الحريات العامة داخل حرم جامعة معينة.
هكذا أنشطة اعتيادية يضطلع اتحاد الطلبة بدور حقوقي فيها ويتابعها ويعمل على حلها بالتواصل مع الأساتذة والإدارات والزملاء بشكل شخصي، وفقاً لإبراهيم.
اتحاد الطلبة مع تشرين
عندما بدأت احتجاجات تشرين الأول عام 2019، ظهر اتحاد الطلبة فيها مجدداً بشكل أكبر وأكثر زخماً من 2016.
وكان له الحضور الأبرز ضمن مكوّنات شعبيّة كثيرة وتنظيمات سياسية وحزبية، تميز من بينها بالقدرة التنظيمية العالية والدور المميز في رفد الميادين بالإعدادات الطبية والكوادر التنظيمية التي تحول دون التحوّل عن السلمية، والقدرة على الحشد وتسيير التظاهرات بأعداد كبيرة جداً غطت في امتدادها شوارع كاملة في بغداد والناصرية والبصرة والنجف، واستطاعت أن تربط الساحات ببعضها وتقوم بتحويلها إلى ساحات مركزية، والأهم من كل ذلك درجة الوعي السياسي والاجتماعي التي ظهرت في بيانات وتصريحات ومطالبات الاتحاد.
ومن أهم منجزات هذا الاتحاد أنه كان جهة تنظيمية طلابية لا يمكن مجابهتها عبر تخوينها أو شيطنتها أو تسقيطها، فهي مجموعة قادرة على الردّ على الاتهامات وتوثيق الانتهاكات.
“هذا تنظيم نتيجة خبرة أكثر من 70 سنة، مرّ الاتحاد خلالها بكل الظروف وحافظ على وجوده وعمله” يقول إبراهيم لـ”جمّار”.
محط أنظار
بعد تشرين 2019، أصبح اسم الاتحاد معروفاً بشكل أكبر في أوساط عدّة، وصارت نشاطاته، ولو الجزئية منها، محط أنظار كثيرين من المهتمين بالشأن العام بمستوييهم الشعبي والسياسي، المعارض والمؤيد، الأمر الذي جعل عمله يحظى بمتابعة أكثر، وبالتالي أثر أكبر.
نجحت أنشطة الاتحاد في مرات كثيرة بنيل المطالب ولو جزئياً.
على سبيل المثال، في بداية الاحتجاجات، خلال أشهر تشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الأول 2023، عمل الاتحاد على المطالبة بتفعيل قانون المنحة الطلابية بعد أن وصلت نسبة التسرّب من التعليم الجامعي إلى 40 بالمئة.
وهذه المنحة البالغة 100 ألف دينار للمرحلة الجامعية الأولى، و150 ألف دينار للدراسات العليا، تساعد الطلبة في استمرار الدوام في الجامعات لتلقي التعليم.
أطلق الاتحاد حملة جمع تواقيع تطالب بتفعيل قانون المنحة الطلابية وحصل على عدد كبير من التواقيع، وأطلق حملة مساندة إلكترونية حظيت بتفاعل كبير، ليتم في النهاية إقرار تقديم المنحة ضمن الموازنة الحالية لبعض الفئات من الطلبة، الأمر الذي تراه اللجنة التنفيذية في الاتحاد “نصراً جزئياً مقبولاً” مع نية استمرار المطالبة بها لتشمل جميع الطلبة المستحقين.
في إثر هذه الحملة، مُنع بعض طلبة الاتحاد من قبل العمادات ورؤساء الأقسام في جامعة البصرة من طلب تواقيع زملائهم.
وبعض الطلبة من أعضاء الاتحاد تم إيقافهم خارج الجامعة بتهمة “إثارة البلبلة”، ثم تم الإفراج عنهم بعد تواصل اللجنة التنفيذية في الاتحاد مع الجهات المعنية وتبليغها بأن هؤلاء الطلبة أعضاء فيه.
وحتّى الآن، يضع الاتحاد استمارة للمطالبة بتوزيع هذه المنحة بشكل سنوي ثابت وكحق للطلبة.
وخلال عام 2023 أيضاً، شارك الاتحاد في وقفات احتجاجية مع طلبة آخرين ضد مجموعة قرارات، منها قرار صادر في جامعة الديوانية يمس الحريات الشخصية للطالبات في قسم الشريعة، ووقفة أخرى طالب فيها طلبة طب الأسنان في جامعة البصرة بإقامة مبان خاصة لتخصصهم، فضلاً عن مطالبات الاتحاد الدائمة في مناسبات عدة بتحسين المناهج الدراسية ومناهضة التعليم الأهلي القائم على حساب التعليم الحكومي والحق في التعليم المجاني، والمطالبة بتحسين البنى التحتية للمدارس والجامعات، والنظر في واقع الأقسام الداخلية وتحسينها.
بسبب هذه الأنشطة والحراكات على ما يبدو، بعثت وزارة التعليم إعماماً إلى المؤسسات المرتبطة بها توعز فيه بالتبليغ، ابتداء من أيار 2023 عن “التنظيمات والتشكيلات غير الرسمية التي تخص شريحة الطلاب، بعد ورود معلومات من جهاز الأمن الوطني حول وجود تنظيم بعنوان اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق”.
وفي 21 حزيران 2023 سُرِّب هذا الإعمام.
“إذا كانوا حقاً لا يعلمون بوجود الاتحاد وتلقوا معلومات عنه من الأمن الوطني فهذه مصيبة. من غير المعقول أن القائمين على رأس العملية التعليمية يجهلون اتحاد الطلبة” يقول إبراهيم.
لكنه في الوقت ذاته يعرب عن ظنه بأن الكتاب ليس اعتباطياً وإنما يحمل في طياته قرارات لاستهداف دور الطلبة.
ومع ذلك، لم يستطع إبراهيم وزملاؤه بعد التمعن في الإعمام وفهم المطلوب منه، فهو لم ينص صراحة على إلغاء الاتحاد مثلاً أو ملاحقة أعضائه أو أي إجراء آخر.
وبعد مناقشات واتصالات، قرّرت قيادات الاتحاد التعامل بجدية مع الإعمام والاستعداد لأيّ خطوة مقبلة قد تهدّد وجوده.
ويرى إبراهيم أن أنشطة الاتحاد تمثل سبباً مباشراً لصدور الإعمام، وأن السلطة تنظر إليه على أنه عقبة في طريق سياسات حكومية تمس التعليم، من قبيل التوجه لخصخصته، وتكميم الأفواه والتعدي على الحريات العامة.
في اليومين التاليين لتسريب الكتاب، تركزت ردود الفعل على رفض أي مساس بوجود اتحاد الطلبة، وحملت بيانات كثيرة صادرة عن اتحادات طلابية ومنظمات مجتمع مدني ومنظمات حقوقية في داخل العراق وخارجه، شجباً ومناهضة له.
وطُرحت أسئلة عن سبب تدخّل جهاز الأمن الوطني في شؤون تخص الطلبة والجامعات، والغاية وراء التبليغ عن أي تنظيم تحت مسمى “الاتحاد”، والمساس بأنشطة قانونية مكفولة دستورياً للطلبة وغيرهم.
كما جرى التساؤل بين المعنيين عن سبب منع أنشطة معظمها عبارة عن ندوات ومؤتمرات ومهرجانات، وعن الجهة التي ستمنعها وكيفية منعها.
يقول حسين النجّار، سكرتير سابق وعضو في الاتحاد، إن هذا الإعمام لا يمكن فهمه إدارياً أو قانونياً، بل يجب النظر إليه من زاوية سياسية.
ويبني النجّار وجهة نظره هذه على اعتبار أن جهاز الأمن الوطني غير معني بمتابعة الطلبة إن لم تكن هذه المتابعة لأسباب جنائية أو أمنية، وفي هذه الحالات تتم متابعتهم باعتبارهم مواطنين كغيرهم، أما متابعتهم بصفتهم الطلابية التي تخولهم القيام بأنشطة طلابية “فذلك خرق دستوري”.
يستعين النجّار، لإثبات وجهة نظره بأن غايات سياسية وراء الإعمام، بتصريح لنوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق أدلى به عام 2011 قائلاً إن “الحكومة لن تسمح بتسييس الجامعات وتحويلها إلى مجالات للتنافس السياسي على حساب مصلحة الطلبة، أو تحويلها إلى عملية استرجاع لأيام النظام السابق وآلياته واتحاداته ومنظماته”.
بحسب النجار، فإن التضييق على الطلبة هدفه منعهم من ممارسة حقهم في المشاركة بالشؤون السياسية.
عدد من الطلبة الناشطين بالعمل الطلابي والسياسي العام في جامعات عدة، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، قالوا إن جامعاتهم تفرض على الطلبة توقيع تعهدات بعدم ممارسة أي نشاط سياسي أو طلابي أو اجتماعي داخل الجامعة عند القبول.
لكنهم لم يروا أثراً لهذه التعهّدات، ويرجحون أنها مجرد أوراق ليس لها وجود قانوني حقيقي في قوانين وزارة التعليم العالي، والهدف منها فقط التخويف واستغلال عدم وعي بعض الطلبة بحقوقهم.
يتفق علي السلامي، رئيس جمعية حقوق المواطنة، مع رأي النجّار، ويقول إن الإعمام عصي على تحديد ماهيته وما إذا كان أمراً إدارياً أم قانونياً.
ويشير إلى عدم وجود مسوّغ لملاحقة الطلبة داخل الجامعة أو خارجها لتنظيمهم ندوات أو مهرجانات أو أنشطة أخرى.
ويعتقد السلامي أن المنبع لهكذا إعمام سياسي، بالإضافة للتخوف من ثقل اتحاد الطلبة الذي يمثل شريحة واسعة ومتنوعة من قبل نظام لا يرحب بحرية الرأي.
“الاتحاد يتساءل مثلاً عن صحة شهادات بعض مسؤولي قطاع التعليم، وهذا أمر يزعجهم بالتأكيد” يقول السلامي لـ”جمّار”.
ويرى السلامي أن القرار سياسي لأن وزير التعليم الحالي نفسه ليس شخصية علمية محايدة، بل إنه منخرط في العملية السياسية ضمن نظام المحاصصة، وينتسب لـ”عصائب أهل الحق” ولا يقبل وجود “طرف آخر” في الجامعات.
ووفقاً للسلامي، فإن “العصائب” جهة مسلحة تعتمد في سلطتها على الفصيل المسلح الخاص بها، وهو ما يبعث على القلق، فقد يتعرض الطلبة لملاحقات ميليشياوية خارج مظلة القانون إذا ما نظموا نشاطاً لا يعجب الوزير والجهة التي ينتسب لها.
عقدة الاسم
حاول الاتحاد جعل وجوده رسمياً بعد عام 2003، وذلك بصفته جمعية أو منظمة مدنية، وتحرّك أكثر من مرة لهذا الغرض، ولكن في كل مرة يتم تجاهل هذا الطلب أو رفضه بحجة رفض وجود كلمة اتحاد في اسمه.
نتيجة لذلك، عقد الاتحاد مؤتمراً لمناقشة تغيير الاسم وتم الإجماع فيه على رفض إزالة كلمة “اتحاد” منه، كونه وجد منذ تأسيسه بهذا الاسم في مراحل عمله العلني أو السري وفي جميع الظروف التي مر بها.
حسين السعدون، المحامي المتخصص بالقانون المدني، يشير إلى أن الإعمام لا يتضمن توجيهاً إدارياً أو قانونياً يمكن بناء عليه أن يتم أمر التبليغ عن شيء.
ويركز على أن هذه أمور قانونية لها مسبباتها وأركانها، والتبليغ هو أمر يتم بناء على وجود مخالفة للقانون، حيث يتم النظر في البلاغ المقدم ومن ثم تتم الملاحقة بناء على أمر قضائي مكتمل الأركان القانونية من وجود مسوغ ودليل.
ويوجز السعدون رأيه في الإعمام بالقول إن “صيغته ركيكة جداً قانونياً، وبعيدة كل البعد عن الواقع التشريعي، ويبدو أن من كتبه ومن وقع عليه ومن أصدره لا علم له بالصياغات القانونية”.
وبحسبه، لا يوجد داخل الإعمام أي توضيح عن مقاصده أو شيء يمكن أن يُفهم على أنه تجميد للاتحاد، وهو لا يتعدى كونه كتاب إجراءات منع، من دون توضيح ما الذي تم منعه بصيغة يمكن النظر لها قانونياً.
ويقول إبراهيم إنهم في اللجنة التنفيذية للاتحاد لا يقفون عند معنى الإعمام، خاصة في ظل صمت الوزارة التام عن التعليق عليه، على الرغم من حملة التضامن الواسعة التي تلقاها الاتحاد من داخل العراق وخارجه.
يرى إبراهيم أنه برغم ضبابية هذا الإعمام، إلا أنه يعبّر عن توجه سلطوي، خاصة وأنه موجه ضد فئة دون غيرها.
ويرى أنه يمكن أن يكون مسوغاً للتضييق على طلبة آخرين ليسوا أعضاء في الاتحاد إذا ما أرادوا ممارسة نشاطهم الطلابي، ويتم منعهم بحجة أنهم منتمون للاتحاد أو على علاقة مع أعضائه.
وينوّه إلى أن القلق الحقيقي لدى الاتحاد ليس من الملاحقة القانونية أو الإدارية داخل الجامعة، بل من التضييق عبر أساليب غير رسمية يمكن أن تصل لأعمال عنف وإيذاء للطلبة، وليس فقط طلبة الاتحاد بل أي طلبة يعارضون توجهات حزبية بعينها ولا يسكتون عن أنشطتها داخل الجامعة.
ويعدّ إبراهيم إصدار هكذا إعمام استغلالاً وظيفياً لمنصب الوزير، على اعتبار أن وزير التعليم يجب أن يرعى حقوق الجميع ولا يمثل توجهات جهة حزبية.
يقول ممثلو الاتحاد إن هذا الإعمام لا يشكل عقبة في طريق الاتحاد واستمراره، فالاتحاد -كما يقول- يستمد شرعيته من الطلبة وليس من جهة حكومية أو نظام، كما وجد أول مرة واستمر إلى الآن وخلال سنوات عمله السرّي والعلني في الـ76 سنة الماضية.
وفقاً لإبراهيم، يعمل أعضاء الاتحاد داخل الجامعات بصفتهم طلبة لهم توجهاتهم السياسية وقناعاتهم، لكنهم يلتزمون بصفتهم الطلابية؛ فالاتحاد يضم طلبة من التوجهات السياسية كافة، شريطة أن لا يكون الطالب مشتركاً في سفك دم عراقي أو منتمياً لجهة مسلحة شاركت في أحداث طائفية تسببت في القتل.
واستناداً إلى ذلك، يُقبل الطالب في عضوية الاتحاد بعد ملئه استمارة طلب عضوية، ترفع إلى اللجنة التنفيذية القائمة في مكان دراسته، ثم تمريرها إلى رئاسة الاتحاد للنظر فيها، ومن ثم القبول.
بعد سنوات طويلة واجه الاتحاد فيها شتى أنواع المضايقات والاضطهاد واضطر للعمل السري طويلاً، يعيش الآن مرحلة جديدة لا تخلو من القمع والتهديدات، ولكن هذه المرة باسم الديمقراطية والمحاصصة.
الاتحاد في العهد الملكي
عملت الحكومة العراقية برئاسة صالح جبر عام 1947 على إبرام معاهدة جديدة مع بريطانيا العظمى سراً.
قضت المعاهدة بـ”سحب بريطانيا العظمى جميع قواتها من العراق، وتسليم القاعدتين الجويتين اللتين يستخدمهما سلاح الجو البريطاني إلى إشراف عراقي، غير أن مجلس الدفاع المشترك المؤلف من مسؤولين بريطانيين وعراقيين سيشرف على التخطيط العسكري في العراق، وستظل بريطانيا العظمى المورد الرئيسي لإمدادات العراق العسكرية، ويسمح لها باستعادة القاعدتين الجويتين في حالة الحرب، وعلاوة على ذلك تستمر المعاهدة حتى سنة 1973، أي بعد خمسة عشر عاما من انتهاء الاتفاقية التي سبقتها.
البند الخاص بامتداد فترة البقاء الإنجليزي في العراق أكثر بخمسة عشر عاماً مما تنص عليه الاتفاقية السابقة، هو الذي أجج الشارع العراقي الذي كان يتوق للاستقلال.
كان رد فعل الشارع العراقي غاضبا وتفجر في احتجاجات شملت شوارع العاصمة بغداد وامتدت للمحافظات بعد تصعيد من الشرطة تجاه المتظاهرين، انتشرت الشرطة في مداخل بغداد ونصبت القناصة فوق البنايات العالية، ومآذن المساجد، واستخدمت الذخيرة الحية، ووجهت خطابا تحريضيا مبنيا على أسس طائفية.
كانت أعداد المتظاهرين في ازدياد خاصة من الطلبة والعمال، الذين شكلوا ائتلافات وخرجوا بمسيرات منظمة من الكليات الطبية والهندسية والمصانع والمنشآت العراقية والأجنبية، ومن بينهم كان العدد الأكبر من ضحايا القناصة والعنف.
صرح المكتب الملكي بأنه لن يصادق على الاتفاقية، وعمل على إقالة حكومة صالح جبر، وتكليف السيد محمد الصدر بتشكيل حكومة جديدة.
الحراك الشعبي بصفته نواة للعمل العام المنظم
هدأت انتفاضة كانون الثاني في السابع والعشرين من الشهر نفسه عام 1947، لكن أثرها، كان امتداد ما نتج عنها، من تحالفات وائتلافات، وإعادة فتح للنقابات العمالية، وفتح باب العمل العام للعمال والطلبة.
كانت الائتلافات الطلابية والعمالية أكثر قدرة على التنظيم والعمل بعد أن التقت في الميادين ومقرات النقابات وتجمعات الطلبة.
القيادي البارز في الحزب الشيوعي يوسف سلمان فهد تم اعتقاله في الأحداث السابقة، لكنه لم ينقطع عن التواصل مع بقية المؤثرين في الحراك، وكان يدفع باتجاه تشكيل اتحاد عام للطلبة، وتبعا لتوجيهاته وبالتنسيق مع أعضاء من الحزب الوطني الديموقراطي، تم تأسيس اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، يوم 14 نيسان عام 1948.
عقد الطلبة عزيمتهم على إقامة مؤتمر تأسيسي للاتحاد، واتفق على أن يكون في شارع الرشيد داخل سينما روكسي. لكن قوات الشرطة حينها استهدفت الطلبة الديموقراطيين وحالت دون وصولهم إلى مقر المؤتمر المعلن.
كان الطلبة يتوقعون هذا الالتفاف من الشرطة الملكية على إذن إقامة المؤتمر الذي حصلوا عليه، وأعدوا مكانا بديلا اختاروه ليكون مكاناً فيه وجود عمالي كبير حيث قام العمال بمهمة حماية مؤتمر الطلبة.
أقيم المؤتمر التأسيسي الأول في ساحة السباع، شارع الشيخ عمر، وقد شمل تمثيل 56 من أصل 71 مؤسسة تعليمية ضمت مدراس وكليات ومعاهد. بحضور 200 طالب وطالبة.
بعد تشكيل الاتحاد والنقابات وتشكيل الطلبة والعمال حلقات تواصل امتدت في معظم محافظات العراق، استخدمت السلطة العراقية الملكية القوانين العرفية بحجة حرب فلسطين ودعم الجيش العراقي الذي توجه للحرب فيها بالفعل، للسيطرة على العمل النقابي، في الوقت الذي كانت تبث أخباراً داخلية مغايرة لما كان يحصل في فلسطين فعلا، واستخدمت ذلك لمكاسب سياسية داخلية، والترويج لأن المعاهدة البريطانية العراقية كانت تعمل على إحلال الجيش العراقي بدلاً عن البريطاني في فلسطين بعد انسحاب بريطانيا.
اتهم قادة الاحتجاجات الشعبية بتعطيل هذا الأمر بالاتفاق مع مندسين صهاينة، وتم اتهام كل من يعمل على تأجيج الاحتجاجات أو التنظيم لها بأنه خائن وبالتالي شرعنة القبض عليه أو تصفيته. وفي ظل هذا الوضع القلق أقامت السلطة الانتخابات العامة الموعودة لاستبدال رئيس الحكومة محمد الصدر الذي لم ينخرط بهذه الاتهامات وتعاون مع تلبية مطالب العمال، بآخر ينتمي للتيار المحافظ اليميني وهو مزاحم الباججي الذي كان يعتبر ضعيفاً سياسياً وتسهل السيطرة عليه من السلطة الملكية.
لكنه لم يصمد طويلاً في ظل الصراعات القائمة رغم دعم السلطة لوجوده، وقدم استقالته في العام نفسه، ليتسلم نوري السعيد الرجل السياسي المفضل لدى النظام الملكي والإنجليز حينها.
أقامت وزارة الداخلية حملة بقيادة نوري السعيد، بالعمل على تفتيت النقابات واختراق تنظيمات العمل العام بمساعدة الأحزاب اليمنية التي اشتركت بالوثبة وكان لديها معرفة في آلية التنظيم وعلم بالقائمين عليه، مما أدى لتنحي الأحزاب القومية والوطنية بشقيها اليساري والديني، بإعلان تجميد عملها الحزبي.
جعل ذلك الحزب الشيوعي العراقي والنقابات واتحاد الطلبة في مواجهة منفردة مع السلطة، التي اعتقلت أعدادا كبيرة منهم واخترقت تنظيماتهم وسيطرت على مراكز التقائهم ومنعت نشر وتبادل الأخبار، ليكون هذا الحدث أول قمع سياسي عسكري لاتحاد الطلبة منذ تأسيسه بصفته اتحاداً عاماً.
تم تلفيق تهم لقيادات هذه الحراكات بدعم الصهيونية بحجة دعم الاتحاد السوفييتي وقتها لتقسيم فلسطين. ومن بين هؤلاء فهد الذي كان مازال معتقلاً، وأصدرت بحقهم أحكام إعدام نفذت خلال أيام، أعدم فيها فهد، الموِّجه لتأسيس الاتحاد.
برغم هذا البطش والعنف انضم اتحاد الطلبة لعضوية اتحاد الطلبة العالمي، وأصدر جريدة كفاح الطلبة. وفي عام 1952 قاد إضراباً في كلية الصيدلة والكيمياء، كان نواة لحراك شعبي في السنة نفسها.
الطلبة والحكم الجمهوري (القوميون/ البعث)
امتدت فترة الأحكام العرفية وبالتالي فترة عمل اتحاد الطلبة العام بشكل سرّي حتى عام 1958 بعد زوال الحكم الملكي وبدء العهد الجمهوري في 14 تموز بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف.
عاد الاتحاد لترتيب صفوفه مرة أخرى بصفته اتحادا علنيا متاحا له التواصل وتنظيم الفعاليات الطلابية، من ضمنها الندوات والزيارات والمهرجانات، وفي قاعة الشعب في العاصمة بغداد أقام مؤتمره الثاني، وصار اسمه اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، ودعا لحضوره ممثلاً عن اتحاد الطلبة العالمي، وحاز مركز سكرتير الاتحاد العالمي للطلبة مدة عشر سنوات بدءاً من عام 1961.
في 1963 اشتد الخلاف بين الحزب الشيوعي وحزب البعث وأنصاره من القوميين العرب إثر المطالبات بالانضمام للجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، كان أنصار البعث يؤيدون عبد السلام عارف، والشيوعيون يؤيدون عبد الكريم قاسم، خلاف نتج عنده صعود البعث للسلطة وإعدام قاسم، واعتقال وإعدام عدد كبير من الطلبة الشيوعيين، الأمر الذي قوّض عمل الاتحاد الطلابي نتيجة اشتداد الأزمة السياسية وفقد الكثير من كوادره.
ومع هدوء الأزمة السياسية، اتجهت الحكومة لمحاولة إعادة التهدئة بين التيارات السياسية، فأقرت قانون اتحاد الطلبة رقم 96 لسنة 1965 تبعا للدستور المؤقت حينها بإيعاز من رئاسة الجمهورية بقيادة عبد السلام عارف.
عاد الاتحاد لتنظيم صفوفه، وعين مجلساً اتحادياً عام 1965، وعمل على التحضير لخوض الانتخابات الطلابية بأغلبية أعضاء الحزب الشيوعي والمتدينين التابعين لمرجعية محمد الصدر غير المنظمين حزبياً، ضد ائتلافات طلابية تضم طلبة من حزب البعث والأحزاب القومية العربية. وقد حصد اتحاد الطلبة أغلبية أصوات بنسبة عالية وصلت إلى 75 بالمئة. ما جعل السلطة حينها تلغي الانتخابات.
لم يعبأ الاتحاد بهذا الإلغاء وعقد مؤتمره الثالث بعد عامين سنة 1967.
عام 1968 عمل اتحاد الطلبة على الإعلان عن إضراب شامل في جامعة بغداد، بدأ من كلية الزراعة ثم امتد بانضمام معظم الكليات. اقتحمت الأجهزة الأمنية الجامعة وأطلقت الرصاص الحي على الطلبة، بتوجيه من رئيس الوزراء حينها طاهر يحيى.
نتيجة سقوط عدد من الجرحى تصاعد الاحتجاج وشكّل الطلبة مسيرات خارج أسوار الجامعة توجهوا بها إلى مبنى رئاسة جامعة بغداد وسلموا وثيقة تحمل مطالبهم بتحسين مستوى التعليم وتطوير العملية التعليمية لتهيئتهم لمسيرتهم العملية بعد التخرج، وحملت وثيقتهم رفضاً وشجباً لانتهاك حرم الجامعة من قبل الأجهزة الأمنية.
كان أثر هذا الإضراب عودة الكثير من الطلبة الذين أثرت عليهم الأزمات السياسية سابقاً لمظلة الاتحاد العام، الأمر الذي جعله أكثر تنوعاً وشمولية والأهم ممثلا لشريحة أوسع من الطلبة.
لكن في هذه الأوقات كان حزب البعث يجهّز لتصدير جهة طلابية أخرى سماها اتحاد الطلبة الوطني. وقبيل انتخابات مجالس الطلبة عام 1969 قام باعتقال الطلبة المؤثرين في الاتحاد العام، والمنسقين والناشطين. وألغى قانون اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، بموجب قانون جديد سمي قانون الاتحاد الوطني لطلبة وشباب العراق رقم 40 لسنة 1969، الذي صار يعرف في ما بعد اصطلاحيا بالاتحاد الوطني أو اتحاد البعثيين.
تم التلاعب في الانتخابات وحصد الاتحاد الوطني المستجد أغلبية ساحقة من الأصوات، وقام بمطالبة اتحاد الطلبة العالمي ضمه بصفته ممثلاً لطلبة العراق بدل اتحاد الطلبة العام، وقد كان.
بعد طعن الاتحاد العام بهذه الانتخابات انتقلت ساحة الخلافات لتصل إلى الساحات الخارجية التي فيها جمعيات يديرها طلبة الاتحاد. وتحولت الساحة الداخلية لساحة محظورة عليهم، ليعود من جديد للعمل السري حتى عام 2003 وقت سقوط النظام السابق نتيجة الغزو الأمريكي للعراق.
الطلاب بعد الغزو
بعد الغزو حلّت قوات الاحتلال جميع النقابات والاتحادات. وبرغم ذلك عاد طلبة الاتحاد للعمل العلني الذي بدأ يتصاعد مع السنوات ويعود لمكانته الأولى في التأثير ليخوض حرباً جديدة مع سلطة جديدة، تميزت بتعدد حكوماتها وثبات نهجها.
يقول السلامي: “هاي السلطة تعودت تكون لا مبالية برأي الشعب، ماكو أي تعليق لأن أكو لامبالاة عدهم، أو يمكن لاقوا نفسهم متورطين بهذا القرار بعد ما شافوا حجم التضامن، ويدورون شلون يخلصون هسا”.
في 14 نيسان 2024، احتفل اتحاد الطلبة العامة بالذكرى الـ76 لتأسيسه، ويلخّص أيوب عبد الحسين، سكرتير اتحاد الطلبة العام، ما يواجهه الاتحاد، “المنظومة السياسية تخشى وترفض وجود اتحاد يمثل صوت الطلبة ويطالب بحقوقهم، كما أن المنظومة ترفض تشريع قانون ينظم عمل الاتحادات الطلابية في العراق”.
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
ارتسمت ابتسامة تنمّ عن سخرية ممزوجة بالاستغراب على وجه حافظ إبراهيم عندما اطلع على إعمام لوزارة التعليم العالي يخص اتحاد الطلبة العام في العراق.
ويشغل إبراهيم موقع سكرتير الاتحاد في البصرة.
يكشف الإعمام الذي صدر في 30 أيار 2023، خوفاً لدى السلطة من هذا الاتحاد، وهو خوف يمكن فهمه عند تتبع دور اتحاد الطلبة -في أكثر من حدث منذ عام 2003- في إقلاق راحة الممسكين بزمام النظام السياسي القائم والمتهمين بالفساد والفشل.
الطلاب يقيلون وزيراً!
في 25 شباط 2016، خرج طلبة جامعة المثنى بتظاهرة ضد زيارة حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي آنذاك، رافضين زيارته في ظل تردي الوضع التعليمي وتهالك البنى التحتية للجامعات، وعدم مهنية الأمن الجامعي وأهليته للتعامل مع الطلبة.
منع الطلبة، في النهاية، الشهرستاني من دخول الجامعة.
كانت تلك التظاهرة الأكثر تأثيراً بعد سلسلة من الاحتجاجات الطلابية في كليات بجامعات متعددة بين عامي 2015 و2016، والتي لم تستجب السلطات لمطالبها، واعتقل في إثرها د. باسم السماوي، التدريسي، بسبب مشاركته الطلبة احتجاجاتهم.
تصاعد بعد ذلك سقف الهتافات ليشمل إقالة الشهرستاني، الذي ادعى حينها تعرضه لمحاولة اغتيال.
امتدّت “ثورة القمصان البيض”، كما سُميّت آنذاك، لتشمل جامعات البصرة والناصرية وجامعتي المستنصرية وبغداد.
أطلقت حينها مطالب أهمها زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم والبحث العلمي، وتدريب كوادر الأمن الجامعي على التعامل المهني مع الطلبة، وكف يد المتنفذين والفاسدين عن مستحقات التعليم ومناصب الهيئة التدريسية، وتوزير شخص أكاديمي لا يمثل نظام المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب في العراق.
حصلت التظاهرات الطلابية، التي تزامنت مع تظاهرات شعبية كان مركزها محافظة البصرة، على تفاعل كبير داعم من الأوساط الاجتماعية، ولاسيما الأكاديميين.
ظهرت احتجاجات الطلبة منظمة بشكل لافت يختلف عن باقي الاحتجاجات، في كيفية التجمع بمواعيد منضبطة ووجود لجان تنظيمية داخل الصفوف، تقوم بتوفير الأمور اللوجستية وإعداد الإعلانات والبيانات، بالإضافة للجان تضبط عمليات المسير والمحافظة على سلمية التظاهرات، وحتى التنظيم المتقن إلى حد ضبط الهتافات وتبادلها بين المجموعات المتظاهرة، بحيث حملت هذه الهتافات ألحاناً ومحتوى يلامس شرائح شبابية كبيرة في المجتمع.
مع ظهور هذا الزخم والتنظيم والوضوح بالمطالب وكتابة البيانات ونشرها، تجلّى اسم اتحاد الطلبة العام، إذ أدى دوراً قيادياً في بعض هذه التظاهرات، أو قدّم مساعدة في بعض المناطق للناشطين القائمين على الحراك الاحتجاجي الشعبي.
في 12 حزيران 2016، قبل حيدر العبادي، رئيس الوزراء في ذلك الحين، استقالة الشهرستاني، ضمن ما سماه العملية الإصلاحية استجابةً للاحتجاجات الشعبية من جهة والطلابية من جهة أخرى.
بعد ذلك، تركز عمل الاتحاد في الجامعات على تنظيم الورش العلمية والأكاديمية والاهتمام بالقضايا الجزئية مثل فصل أحد الطلبة تعسفياً، أو التعرض لأحد الطلبة بالمضايقة، أو التضييق على الحريات العامة داخل حرم جامعة معينة.
هكذا أنشطة اعتيادية يضطلع اتحاد الطلبة بدور حقوقي فيها ويتابعها ويعمل على حلها بالتواصل مع الأساتذة والإدارات والزملاء بشكل شخصي، وفقاً لإبراهيم.
اتحاد الطلبة مع تشرين
عندما بدأت احتجاجات تشرين الأول عام 2019، ظهر اتحاد الطلبة فيها مجدداً بشكل أكبر وأكثر زخماً من 2016.
وكان له الحضور الأبرز ضمن مكوّنات شعبيّة كثيرة وتنظيمات سياسية وحزبية، تميز من بينها بالقدرة التنظيمية العالية والدور المميز في رفد الميادين بالإعدادات الطبية والكوادر التنظيمية التي تحول دون التحوّل عن السلمية، والقدرة على الحشد وتسيير التظاهرات بأعداد كبيرة جداً غطت في امتدادها شوارع كاملة في بغداد والناصرية والبصرة والنجف، واستطاعت أن تربط الساحات ببعضها وتقوم بتحويلها إلى ساحات مركزية، والأهم من كل ذلك درجة الوعي السياسي والاجتماعي التي ظهرت في بيانات وتصريحات ومطالبات الاتحاد.
ومن أهم منجزات هذا الاتحاد أنه كان جهة تنظيمية طلابية لا يمكن مجابهتها عبر تخوينها أو شيطنتها أو تسقيطها، فهي مجموعة قادرة على الردّ على الاتهامات وتوثيق الانتهاكات.
“هذا تنظيم نتيجة خبرة أكثر من 70 سنة، مرّ الاتحاد خلالها بكل الظروف وحافظ على وجوده وعمله” يقول إبراهيم لـ”جمّار”.
محط أنظار
بعد تشرين 2019، أصبح اسم الاتحاد معروفاً بشكل أكبر في أوساط عدّة، وصارت نشاطاته، ولو الجزئية منها، محط أنظار كثيرين من المهتمين بالشأن العام بمستوييهم الشعبي والسياسي، المعارض والمؤيد، الأمر الذي جعل عمله يحظى بمتابعة أكثر، وبالتالي أثر أكبر.
نجحت أنشطة الاتحاد في مرات كثيرة بنيل المطالب ولو جزئياً.
على سبيل المثال، في بداية الاحتجاجات، خلال أشهر تشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الأول 2023، عمل الاتحاد على المطالبة بتفعيل قانون المنحة الطلابية بعد أن وصلت نسبة التسرّب من التعليم الجامعي إلى 40 بالمئة.
وهذه المنحة البالغة 100 ألف دينار للمرحلة الجامعية الأولى، و150 ألف دينار للدراسات العليا، تساعد الطلبة في استمرار الدوام في الجامعات لتلقي التعليم.
أطلق الاتحاد حملة جمع تواقيع تطالب بتفعيل قانون المنحة الطلابية وحصل على عدد كبير من التواقيع، وأطلق حملة مساندة إلكترونية حظيت بتفاعل كبير، ليتم في النهاية إقرار تقديم المنحة ضمن الموازنة الحالية لبعض الفئات من الطلبة، الأمر الذي تراه اللجنة التنفيذية في الاتحاد “نصراً جزئياً مقبولاً” مع نية استمرار المطالبة بها لتشمل جميع الطلبة المستحقين.
في إثر هذه الحملة، مُنع بعض طلبة الاتحاد من قبل العمادات ورؤساء الأقسام في جامعة البصرة من طلب تواقيع زملائهم.
وبعض الطلبة من أعضاء الاتحاد تم إيقافهم خارج الجامعة بتهمة “إثارة البلبلة”، ثم تم الإفراج عنهم بعد تواصل اللجنة التنفيذية في الاتحاد مع الجهات المعنية وتبليغها بأن هؤلاء الطلبة أعضاء فيه.
وحتّى الآن، يضع الاتحاد استمارة للمطالبة بتوزيع هذه المنحة بشكل سنوي ثابت وكحق للطلبة.
وخلال عام 2023 أيضاً، شارك الاتحاد في وقفات احتجاجية مع طلبة آخرين ضد مجموعة قرارات، منها قرار صادر في جامعة الديوانية يمس الحريات الشخصية للطالبات في قسم الشريعة، ووقفة أخرى طالب فيها طلبة طب الأسنان في جامعة البصرة بإقامة مبان خاصة لتخصصهم، فضلاً عن مطالبات الاتحاد الدائمة في مناسبات عدة بتحسين المناهج الدراسية ومناهضة التعليم الأهلي القائم على حساب التعليم الحكومي والحق في التعليم المجاني، والمطالبة بتحسين البنى التحتية للمدارس والجامعات، والنظر في واقع الأقسام الداخلية وتحسينها.
بسبب هذه الأنشطة والحراكات على ما يبدو، بعثت وزارة التعليم إعماماً إلى المؤسسات المرتبطة بها توعز فيه بالتبليغ، ابتداء من أيار 2023 عن “التنظيمات والتشكيلات غير الرسمية التي تخص شريحة الطلاب، بعد ورود معلومات من جهاز الأمن الوطني حول وجود تنظيم بعنوان اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق”.
وفي 21 حزيران 2023 سُرِّب هذا الإعمام.
“إذا كانوا حقاً لا يعلمون بوجود الاتحاد وتلقوا معلومات عنه من الأمن الوطني فهذه مصيبة. من غير المعقول أن القائمين على رأس العملية التعليمية يجهلون اتحاد الطلبة” يقول إبراهيم.
لكنه في الوقت ذاته يعرب عن ظنه بأن الكتاب ليس اعتباطياً وإنما يحمل في طياته قرارات لاستهداف دور الطلبة.
ومع ذلك، لم يستطع إبراهيم وزملاؤه بعد التمعن في الإعمام وفهم المطلوب منه، فهو لم ينص صراحة على إلغاء الاتحاد مثلاً أو ملاحقة أعضائه أو أي إجراء آخر.
وبعد مناقشات واتصالات، قرّرت قيادات الاتحاد التعامل بجدية مع الإعمام والاستعداد لأيّ خطوة مقبلة قد تهدّد وجوده.
ويرى إبراهيم أن أنشطة الاتحاد تمثل سبباً مباشراً لصدور الإعمام، وأن السلطة تنظر إليه على أنه عقبة في طريق سياسات حكومية تمس التعليم، من قبيل التوجه لخصخصته، وتكميم الأفواه والتعدي على الحريات العامة.
في اليومين التاليين لتسريب الكتاب، تركزت ردود الفعل على رفض أي مساس بوجود اتحاد الطلبة، وحملت بيانات كثيرة صادرة عن اتحادات طلابية ومنظمات مجتمع مدني ومنظمات حقوقية في داخل العراق وخارجه، شجباً ومناهضة له.
وطُرحت أسئلة عن سبب تدخّل جهاز الأمن الوطني في شؤون تخص الطلبة والجامعات، والغاية وراء التبليغ عن أي تنظيم تحت مسمى “الاتحاد”، والمساس بأنشطة قانونية مكفولة دستورياً للطلبة وغيرهم.
كما جرى التساؤل بين المعنيين عن سبب منع أنشطة معظمها عبارة عن ندوات ومؤتمرات ومهرجانات، وعن الجهة التي ستمنعها وكيفية منعها.
يقول حسين النجّار، سكرتير سابق وعضو في الاتحاد، إن هذا الإعمام لا يمكن فهمه إدارياً أو قانونياً، بل يجب النظر إليه من زاوية سياسية.
ويبني النجّار وجهة نظره هذه على اعتبار أن جهاز الأمن الوطني غير معني بمتابعة الطلبة إن لم تكن هذه المتابعة لأسباب جنائية أو أمنية، وفي هذه الحالات تتم متابعتهم باعتبارهم مواطنين كغيرهم، أما متابعتهم بصفتهم الطلابية التي تخولهم القيام بأنشطة طلابية “فذلك خرق دستوري”.
يستعين النجّار، لإثبات وجهة نظره بأن غايات سياسية وراء الإعمام، بتصريح لنوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق أدلى به عام 2011 قائلاً إن “الحكومة لن تسمح بتسييس الجامعات وتحويلها إلى مجالات للتنافس السياسي على حساب مصلحة الطلبة، أو تحويلها إلى عملية استرجاع لأيام النظام السابق وآلياته واتحاداته ومنظماته”.
بحسب النجار، فإن التضييق على الطلبة هدفه منعهم من ممارسة حقهم في المشاركة بالشؤون السياسية.
عدد من الطلبة الناشطين بالعمل الطلابي والسياسي العام في جامعات عدة، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، قالوا إن جامعاتهم تفرض على الطلبة توقيع تعهدات بعدم ممارسة أي نشاط سياسي أو طلابي أو اجتماعي داخل الجامعة عند القبول.
لكنهم لم يروا أثراً لهذه التعهّدات، ويرجحون أنها مجرد أوراق ليس لها وجود قانوني حقيقي في قوانين وزارة التعليم العالي، والهدف منها فقط التخويف واستغلال عدم وعي بعض الطلبة بحقوقهم.
يتفق علي السلامي، رئيس جمعية حقوق المواطنة، مع رأي النجّار، ويقول إن الإعمام عصي على تحديد ماهيته وما إذا كان أمراً إدارياً أم قانونياً.
ويشير إلى عدم وجود مسوّغ لملاحقة الطلبة داخل الجامعة أو خارجها لتنظيمهم ندوات أو مهرجانات أو أنشطة أخرى.
ويعتقد السلامي أن المنبع لهكذا إعمام سياسي، بالإضافة للتخوف من ثقل اتحاد الطلبة الذي يمثل شريحة واسعة ومتنوعة من قبل نظام لا يرحب بحرية الرأي.
“الاتحاد يتساءل مثلاً عن صحة شهادات بعض مسؤولي قطاع التعليم، وهذا أمر يزعجهم بالتأكيد” يقول السلامي لـ”جمّار”.
ويرى السلامي أن القرار سياسي لأن وزير التعليم الحالي نفسه ليس شخصية علمية محايدة، بل إنه منخرط في العملية السياسية ضمن نظام المحاصصة، وينتسب لـ”عصائب أهل الحق” ولا يقبل وجود “طرف آخر” في الجامعات.
ووفقاً للسلامي، فإن “العصائب” جهة مسلحة تعتمد في سلطتها على الفصيل المسلح الخاص بها، وهو ما يبعث على القلق، فقد يتعرض الطلبة لملاحقات ميليشياوية خارج مظلة القانون إذا ما نظموا نشاطاً لا يعجب الوزير والجهة التي ينتسب لها.
عقدة الاسم
حاول الاتحاد جعل وجوده رسمياً بعد عام 2003، وذلك بصفته جمعية أو منظمة مدنية، وتحرّك أكثر من مرة لهذا الغرض، ولكن في كل مرة يتم تجاهل هذا الطلب أو رفضه بحجة رفض وجود كلمة اتحاد في اسمه.
نتيجة لذلك، عقد الاتحاد مؤتمراً لمناقشة تغيير الاسم وتم الإجماع فيه على رفض إزالة كلمة “اتحاد” منه، كونه وجد منذ تأسيسه بهذا الاسم في مراحل عمله العلني أو السري وفي جميع الظروف التي مر بها.
حسين السعدون، المحامي المتخصص بالقانون المدني، يشير إلى أن الإعمام لا يتضمن توجيهاً إدارياً أو قانونياً يمكن بناء عليه أن يتم أمر التبليغ عن شيء.
ويركز على أن هذه أمور قانونية لها مسبباتها وأركانها، والتبليغ هو أمر يتم بناء على وجود مخالفة للقانون، حيث يتم النظر في البلاغ المقدم ومن ثم تتم الملاحقة بناء على أمر قضائي مكتمل الأركان القانونية من وجود مسوغ ودليل.
ويوجز السعدون رأيه في الإعمام بالقول إن “صيغته ركيكة جداً قانونياً، وبعيدة كل البعد عن الواقع التشريعي، ويبدو أن من كتبه ومن وقع عليه ومن أصدره لا علم له بالصياغات القانونية”.
وبحسبه، لا يوجد داخل الإعمام أي توضيح عن مقاصده أو شيء يمكن أن يُفهم على أنه تجميد للاتحاد، وهو لا يتعدى كونه كتاب إجراءات منع، من دون توضيح ما الذي تم منعه بصيغة يمكن النظر لها قانونياً.
ويقول إبراهيم إنهم في اللجنة التنفيذية للاتحاد لا يقفون عند معنى الإعمام، خاصة في ظل صمت الوزارة التام عن التعليق عليه، على الرغم من حملة التضامن الواسعة التي تلقاها الاتحاد من داخل العراق وخارجه.
يرى إبراهيم أنه برغم ضبابية هذا الإعمام، إلا أنه يعبّر عن توجه سلطوي، خاصة وأنه موجه ضد فئة دون غيرها.
ويرى أنه يمكن أن يكون مسوغاً للتضييق على طلبة آخرين ليسوا أعضاء في الاتحاد إذا ما أرادوا ممارسة نشاطهم الطلابي، ويتم منعهم بحجة أنهم منتمون للاتحاد أو على علاقة مع أعضائه.
وينوّه إلى أن القلق الحقيقي لدى الاتحاد ليس من الملاحقة القانونية أو الإدارية داخل الجامعة، بل من التضييق عبر أساليب غير رسمية يمكن أن تصل لأعمال عنف وإيذاء للطلبة، وليس فقط طلبة الاتحاد بل أي طلبة يعارضون توجهات حزبية بعينها ولا يسكتون عن أنشطتها داخل الجامعة.
ويعدّ إبراهيم إصدار هكذا إعمام استغلالاً وظيفياً لمنصب الوزير، على اعتبار أن وزير التعليم يجب أن يرعى حقوق الجميع ولا يمثل توجهات جهة حزبية.
يقول ممثلو الاتحاد إن هذا الإعمام لا يشكل عقبة في طريق الاتحاد واستمراره، فالاتحاد -كما يقول- يستمد شرعيته من الطلبة وليس من جهة حكومية أو نظام، كما وجد أول مرة واستمر إلى الآن وخلال سنوات عمله السرّي والعلني في الـ76 سنة الماضية.
وفقاً لإبراهيم، يعمل أعضاء الاتحاد داخل الجامعات بصفتهم طلبة لهم توجهاتهم السياسية وقناعاتهم، لكنهم يلتزمون بصفتهم الطلابية؛ فالاتحاد يضم طلبة من التوجهات السياسية كافة، شريطة أن لا يكون الطالب مشتركاً في سفك دم عراقي أو منتمياً لجهة مسلحة شاركت في أحداث طائفية تسببت في القتل.
واستناداً إلى ذلك، يُقبل الطالب في عضوية الاتحاد بعد ملئه استمارة طلب عضوية، ترفع إلى اللجنة التنفيذية القائمة في مكان دراسته، ثم تمريرها إلى رئاسة الاتحاد للنظر فيها، ومن ثم القبول.
بعد سنوات طويلة واجه الاتحاد فيها شتى أنواع المضايقات والاضطهاد واضطر للعمل السري طويلاً، يعيش الآن مرحلة جديدة لا تخلو من القمع والتهديدات، ولكن هذه المرة باسم الديمقراطية والمحاصصة.
الاتحاد في العهد الملكي
عملت الحكومة العراقية برئاسة صالح جبر عام 1947 على إبرام معاهدة جديدة مع بريطانيا العظمى سراً.
قضت المعاهدة بـ”سحب بريطانيا العظمى جميع قواتها من العراق، وتسليم القاعدتين الجويتين اللتين يستخدمهما سلاح الجو البريطاني إلى إشراف عراقي، غير أن مجلس الدفاع المشترك المؤلف من مسؤولين بريطانيين وعراقيين سيشرف على التخطيط العسكري في العراق، وستظل بريطانيا العظمى المورد الرئيسي لإمدادات العراق العسكرية، ويسمح لها باستعادة القاعدتين الجويتين في حالة الحرب، وعلاوة على ذلك تستمر المعاهدة حتى سنة 1973، أي بعد خمسة عشر عاما من انتهاء الاتفاقية التي سبقتها.
البند الخاص بامتداد فترة البقاء الإنجليزي في العراق أكثر بخمسة عشر عاماً مما تنص عليه الاتفاقية السابقة، هو الذي أجج الشارع العراقي الذي كان يتوق للاستقلال.
كان رد فعل الشارع العراقي غاضبا وتفجر في احتجاجات شملت شوارع العاصمة بغداد وامتدت للمحافظات بعد تصعيد من الشرطة تجاه المتظاهرين، انتشرت الشرطة في مداخل بغداد ونصبت القناصة فوق البنايات العالية، ومآذن المساجد، واستخدمت الذخيرة الحية، ووجهت خطابا تحريضيا مبنيا على أسس طائفية.
كانت أعداد المتظاهرين في ازدياد خاصة من الطلبة والعمال، الذين شكلوا ائتلافات وخرجوا بمسيرات منظمة من الكليات الطبية والهندسية والمصانع والمنشآت العراقية والأجنبية، ومن بينهم كان العدد الأكبر من ضحايا القناصة والعنف.
صرح المكتب الملكي بأنه لن يصادق على الاتفاقية، وعمل على إقالة حكومة صالح جبر، وتكليف السيد محمد الصدر بتشكيل حكومة جديدة.
الحراك الشعبي بصفته نواة للعمل العام المنظم
هدأت انتفاضة كانون الثاني في السابع والعشرين من الشهر نفسه عام 1947، لكن أثرها، كان امتداد ما نتج عنها، من تحالفات وائتلافات، وإعادة فتح للنقابات العمالية، وفتح باب العمل العام للعمال والطلبة.
كانت الائتلافات الطلابية والعمالية أكثر قدرة على التنظيم والعمل بعد أن التقت في الميادين ومقرات النقابات وتجمعات الطلبة.
القيادي البارز في الحزب الشيوعي يوسف سلمان فهد تم اعتقاله في الأحداث السابقة، لكنه لم ينقطع عن التواصل مع بقية المؤثرين في الحراك، وكان يدفع باتجاه تشكيل اتحاد عام للطلبة، وتبعا لتوجيهاته وبالتنسيق مع أعضاء من الحزب الوطني الديموقراطي، تم تأسيس اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، يوم 14 نيسان عام 1948.
عقد الطلبة عزيمتهم على إقامة مؤتمر تأسيسي للاتحاد، واتفق على أن يكون في شارع الرشيد داخل سينما روكسي. لكن قوات الشرطة حينها استهدفت الطلبة الديموقراطيين وحالت دون وصولهم إلى مقر المؤتمر المعلن.
كان الطلبة يتوقعون هذا الالتفاف من الشرطة الملكية على إذن إقامة المؤتمر الذي حصلوا عليه، وأعدوا مكانا بديلا اختاروه ليكون مكاناً فيه وجود عمالي كبير حيث قام العمال بمهمة حماية مؤتمر الطلبة.
أقيم المؤتمر التأسيسي الأول في ساحة السباع، شارع الشيخ عمر، وقد شمل تمثيل 56 من أصل 71 مؤسسة تعليمية ضمت مدراس وكليات ومعاهد. بحضور 200 طالب وطالبة.
بعد تشكيل الاتحاد والنقابات وتشكيل الطلبة والعمال حلقات تواصل امتدت في معظم محافظات العراق، استخدمت السلطة العراقية الملكية القوانين العرفية بحجة حرب فلسطين ودعم الجيش العراقي الذي توجه للحرب فيها بالفعل، للسيطرة على العمل النقابي، في الوقت الذي كانت تبث أخباراً داخلية مغايرة لما كان يحصل في فلسطين فعلا، واستخدمت ذلك لمكاسب سياسية داخلية، والترويج لأن المعاهدة البريطانية العراقية كانت تعمل على إحلال الجيش العراقي بدلاً عن البريطاني في فلسطين بعد انسحاب بريطانيا.
اتهم قادة الاحتجاجات الشعبية بتعطيل هذا الأمر بالاتفاق مع مندسين صهاينة، وتم اتهام كل من يعمل على تأجيج الاحتجاجات أو التنظيم لها بأنه خائن وبالتالي شرعنة القبض عليه أو تصفيته. وفي ظل هذا الوضع القلق أقامت السلطة الانتخابات العامة الموعودة لاستبدال رئيس الحكومة محمد الصدر الذي لم ينخرط بهذه الاتهامات وتعاون مع تلبية مطالب العمال، بآخر ينتمي للتيار المحافظ اليميني وهو مزاحم الباججي الذي كان يعتبر ضعيفاً سياسياً وتسهل السيطرة عليه من السلطة الملكية.
لكنه لم يصمد طويلاً في ظل الصراعات القائمة رغم دعم السلطة لوجوده، وقدم استقالته في العام نفسه، ليتسلم نوري السعيد الرجل السياسي المفضل لدى النظام الملكي والإنجليز حينها.
أقامت وزارة الداخلية حملة بقيادة نوري السعيد، بالعمل على تفتيت النقابات واختراق تنظيمات العمل العام بمساعدة الأحزاب اليمنية التي اشتركت بالوثبة وكان لديها معرفة في آلية التنظيم وعلم بالقائمين عليه، مما أدى لتنحي الأحزاب القومية والوطنية بشقيها اليساري والديني، بإعلان تجميد عملها الحزبي.
جعل ذلك الحزب الشيوعي العراقي والنقابات واتحاد الطلبة في مواجهة منفردة مع السلطة، التي اعتقلت أعدادا كبيرة منهم واخترقت تنظيماتهم وسيطرت على مراكز التقائهم ومنعت نشر وتبادل الأخبار، ليكون هذا الحدث أول قمع سياسي عسكري لاتحاد الطلبة منذ تأسيسه بصفته اتحاداً عاماً.
تم تلفيق تهم لقيادات هذه الحراكات بدعم الصهيونية بحجة دعم الاتحاد السوفييتي وقتها لتقسيم فلسطين. ومن بين هؤلاء فهد الذي كان مازال معتقلاً، وأصدرت بحقهم أحكام إعدام نفذت خلال أيام، أعدم فيها فهد، الموِّجه لتأسيس الاتحاد.
برغم هذا البطش والعنف انضم اتحاد الطلبة لعضوية اتحاد الطلبة العالمي، وأصدر جريدة كفاح الطلبة. وفي عام 1952 قاد إضراباً في كلية الصيدلة والكيمياء، كان نواة لحراك شعبي في السنة نفسها.
الطلبة والحكم الجمهوري (القوميون/ البعث)
امتدت فترة الأحكام العرفية وبالتالي فترة عمل اتحاد الطلبة العام بشكل سرّي حتى عام 1958 بعد زوال الحكم الملكي وبدء العهد الجمهوري في 14 تموز بقيادة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف.
عاد الاتحاد لترتيب صفوفه مرة أخرى بصفته اتحادا علنيا متاحا له التواصل وتنظيم الفعاليات الطلابية، من ضمنها الندوات والزيارات والمهرجانات، وفي قاعة الشعب في العاصمة بغداد أقام مؤتمره الثاني، وصار اسمه اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، ودعا لحضوره ممثلاً عن اتحاد الطلبة العالمي، وحاز مركز سكرتير الاتحاد العالمي للطلبة مدة عشر سنوات بدءاً من عام 1961.
في 1963 اشتد الخلاف بين الحزب الشيوعي وحزب البعث وأنصاره من القوميين العرب إثر المطالبات بالانضمام للجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، كان أنصار البعث يؤيدون عبد السلام عارف، والشيوعيون يؤيدون عبد الكريم قاسم، خلاف نتج عنده صعود البعث للسلطة وإعدام قاسم، واعتقال وإعدام عدد كبير من الطلبة الشيوعيين، الأمر الذي قوّض عمل الاتحاد الطلابي نتيجة اشتداد الأزمة السياسية وفقد الكثير من كوادره.
ومع هدوء الأزمة السياسية، اتجهت الحكومة لمحاولة إعادة التهدئة بين التيارات السياسية، فأقرت قانون اتحاد الطلبة رقم 96 لسنة 1965 تبعا للدستور المؤقت حينها بإيعاز من رئاسة الجمهورية بقيادة عبد السلام عارف.
عاد الاتحاد لتنظيم صفوفه، وعين مجلساً اتحادياً عام 1965، وعمل على التحضير لخوض الانتخابات الطلابية بأغلبية أعضاء الحزب الشيوعي والمتدينين التابعين لمرجعية محمد الصدر غير المنظمين حزبياً، ضد ائتلافات طلابية تضم طلبة من حزب البعث والأحزاب القومية العربية. وقد حصد اتحاد الطلبة أغلبية أصوات بنسبة عالية وصلت إلى 75 بالمئة. ما جعل السلطة حينها تلغي الانتخابات.
لم يعبأ الاتحاد بهذا الإلغاء وعقد مؤتمره الثالث بعد عامين سنة 1967.
عام 1968 عمل اتحاد الطلبة على الإعلان عن إضراب شامل في جامعة بغداد، بدأ من كلية الزراعة ثم امتد بانضمام معظم الكليات. اقتحمت الأجهزة الأمنية الجامعة وأطلقت الرصاص الحي على الطلبة، بتوجيه من رئيس الوزراء حينها طاهر يحيى.
نتيجة سقوط عدد من الجرحى تصاعد الاحتجاج وشكّل الطلبة مسيرات خارج أسوار الجامعة توجهوا بها إلى مبنى رئاسة جامعة بغداد وسلموا وثيقة تحمل مطالبهم بتحسين مستوى التعليم وتطوير العملية التعليمية لتهيئتهم لمسيرتهم العملية بعد التخرج، وحملت وثيقتهم رفضاً وشجباً لانتهاك حرم الجامعة من قبل الأجهزة الأمنية.
كان أثر هذا الإضراب عودة الكثير من الطلبة الذين أثرت عليهم الأزمات السياسية سابقاً لمظلة الاتحاد العام، الأمر الذي جعله أكثر تنوعاً وشمولية والأهم ممثلا لشريحة أوسع من الطلبة.
لكن في هذه الأوقات كان حزب البعث يجهّز لتصدير جهة طلابية أخرى سماها اتحاد الطلبة الوطني. وقبيل انتخابات مجالس الطلبة عام 1969 قام باعتقال الطلبة المؤثرين في الاتحاد العام، والمنسقين والناشطين. وألغى قانون اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، بموجب قانون جديد سمي قانون الاتحاد الوطني لطلبة وشباب العراق رقم 40 لسنة 1969، الذي صار يعرف في ما بعد اصطلاحيا بالاتحاد الوطني أو اتحاد البعثيين.
تم التلاعب في الانتخابات وحصد الاتحاد الوطني المستجد أغلبية ساحقة من الأصوات، وقام بمطالبة اتحاد الطلبة العالمي ضمه بصفته ممثلاً لطلبة العراق بدل اتحاد الطلبة العام، وقد كان.
بعد طعن الاتحاد العام بهذه الانتخابات انتقلت ساحة الخلافات لتصل إلى الساحات الخارجية التي فيها جمعيات يديرها طلبة الاتحاد. وتحولت الساحة الداخلية لساحة محظورة عليهم، ليعود من جديد للعمل السري حتى عام 2003 وقت سقوط النظام السابق نتيجة الغزو الأمريكي للعراق.
الطلاب بعد الغزو
بعد الغزو حلّت قوات الاحتلال جميع النقابات والاتحادات. وبرغم ذلك عاد طلبة الاتحاد للعمل العلني الذي بدأ يتصاعد مع السنوات ويعود لمكانته الأولى في التأثير ليخوض حرباً جديدة مع سلطة جديدة، تميزت بتعدد حكوماتها وثبات نهجها.
يقول السلامي: “هاي السلطة تعودت تكون لا مبالية برأي الشعب، ماكو أي تعليق لأن أكو لامبالاة عدهم، أو يمكن لاقوا نفسهم متورطين بهذا القرار بعد ما شافوا حجم التضامن، ويدورون شلون يخلصون هسا”.
في 14 نيسان 2024، احتفل اتحاد الطلبة العامة بالذكرى الـ76 لتأسيسه، ويلخّص أيوب عبد الحسين، سكرتير اتحاد الطلبة العام، ما يواجهه الاتحاد، “المنظومة السياسية تخشى وترفض وجود اتحاد يمثل صوت الطلبة ويطالب بحقوقهم، كما أن المنظومة ترفض تشريع قانون ينظم عمل الاتحادات الطلابية في العراق”.