"91 عائلة أمام الشرطة".. حكاية "ركن السيدات" وشبيهاتها 

خليل بركات

09 كانون الثاني 2024

قصة عمارة ركن السيدات واحدة من عشرات القصص في المثنى التي تُستغل فيها مسألة البنايات والدور الآيلة للسقوط في قضايا فساد.. قصة 91 عائلة تواجه التهجير.

احتار جفات عباس ومعه 91 أسرة وأصحاب محال تجارية بأمر بلدية السماوة، فهم يخوضون صراعاً معها لم يجدوا سبيلاً إلى إنهائه من دون خسائر وتشرد على الرغم من جميع محاولاتهم ومبادراتهم. 

ويدور الصراع حول عمارة شهيرة في مدينة السماوة مركز محافظة المثنى تدعى عمارة “ركن السيدات”، وهي تقع في شارع الجسر، أحد أبرز الشوارع التجارية وسط المدينة. 

العمارة مملوكة للبلدية، وهي تتألف من شقق سكنية ومحال تجارية، وقد استأجرها شاغلوها من البلدية قبل سنوات، لكنها تطالبهم حالياً بإخلائها بداعي أنها آيلة للسقوط. 

ومع أن إحدى شرفاتها انهارت ذات يوم وسقطت أنقاضها فوق سيارة “بيك آب” كانت مركونة تحتها، ما دفع صاحب السيارة إلى رفع دعوى قضائية ضد البلدية لم تُحسم حتى الآن، غير أن شاغلي العمارة يؤكدون أنها بحاجة إلى ترميمات فقط وليست آيلة للسقوط. 

وقضية “الآيلة للسقوط” هي محور الصراع بين الأهالي والبلدية. 

كانت البلدية قد وجهت تبليغاً إلى المستأجرين بإخلاء العمارة من أجل هدمها وإعادة بنائها، مستندة إلى تقارير من مديرية الدفاع المدني وكلية الهندسة في جامعة المثنى تفيد بأنها آيلة للسقوط، لكن الأهالي أصروا على أن تلك التقارير غير صحيحة. 

“البناية قوية جداً ويمكنها الصمود حتى 50 سنة أخرى. إنها بحاجة إلى بعض الترميمات، ونحن الساكنين فيها على استعداد لتحمل تكاليف إعادة تأهيلها”، تقول أم مراد، ربة أسرة تتألف من سبعة أفراد ساكنة في إحدى شقق العمارة. 

وأكثر ما يثير قلق أم مراد الخروج من العمارة وتعذر العثور على سكن بديل بإيجار يلائم حالتها الاقتصادية. وهذا القلق يساور بقية الأسر. 

أما مستأجرو المحال التجارية فإنهم يخشون التعرض لخسائر مالية فادحة، إذا أغلقوا محالهم وراحوا يبحثون عن مواقع بديلة. 

ويقول الحاج منصور مجيد، صاحب محل حلويات في العمارة، لـ”جمّار” إنه دخل مزاداً من أجل استئجار المحل ودفع رسوم الضريبة والإعلان والتنظيف والوساطة العقارية، وبالتالي فإن من غير المعقول إخلاء المحل وخسارة كل هذه الأموال هباء. 

ولما رأت البلدية إصرار الأهالي على عدم إخلاء العمارة، شرعت بإحاطتها بكتل خرسانية بداعي حماية المارّة منها في حال انهارت، لكن الأهالي رفضوا هذا الإجراء وخرجوا في اعتصام لمنع وضع بقية الكتل. 

وفي محاولة لإقناعهم بالمغادرة، طلبت البلدية من الأهالي استئجار لجنة متخصصة تقيّم وضع العمارة ومدى خطورتها، متذرعة بأنها لا تملك مهندسين استشاريين للقيام بهذه المهمة. 

وافق الأهالي على مقترح البلدية، وجمعوا خمسة ملايين دينار دفعوها إلى لجنة من المختبر الإنشائي في كلية الهندسة بجامعة المثنى لتقييم العمارة. 

وبعد إجرائها الكشف والفحوصات اللازمة، شخصّت اللجنة 18 خللاً في العمارة بحاجة إلى معالجة، لكنها ذكرت في تقريرها أن أساساتها قوية وغير آيلة للسقوط، وأنها لا تعاني من أي انزلاق أو ميلان، وإنما تحتاج إلى معالجة الشرفات الأمامية فقط. 

ظن المستأجرون أنهم انتصروا في معركتهم. 

الحلول التي اقترحتها جامعة المثنى لمعالجة المبنى 
المشكلات التي تعاني منها البناية، وفق جامعة المثنى. 

بعثوا تقرير اللجنة إلى أحمد منفي محافظ المثنى وأوضحوا له حيثيات القضية، فقام المحافظ بمخاطبة البلدية من أجل إجراء الترميمات اللازمة. 

“إلا أن البلدية امتنعت عن تنفيذ أمر المحافظ” يقول عامر أبو خشة، أحد أصحاب المحال التجارية في العمارة، لـ”جمّار”. 

وبهدف زيادة الضغط على المستأجرين، لجأت البلدية إلى إجراء يقولون إنهم فوجئوا به. 

أقامت البلدية دعوى قضائية ضد شاغلي العمارة وجهت بموجبها اتهاماً إليهم بالاعتداء ضرباً على موظفين تابعين لها أثناء زيارتهم العمارة لإجراء كشف عليها. 

ووردهم تبليغ من مركز شرطة الشرقي بالحضور للإدلاء بإفادات إزاء هذا الاتهام. 

“نحن 91 أسرة استدعونا إلى مركز الشرطة وتم تحويلنا إلى قاضي التحقيق الذي كان عادلاً في قضيتنا” يقول جفات عباس لـ”جمّار”. 

وشرح الأهالي تفاصيل القضية للقاضي، فأخرجهم بكفالة مالية من دون توقيفهم بعد أن اطلع على التقارير الهندسية الصادرة عن لجنة جامعة المثنى والتي تثبت أن البناية غير آيلة للسقوط. 

وبعد هذا التطور، اقترح المحافظ التبرع بمبلغ عشرة ملايين دينار لشاغلي العمارة على أن يكملوا بقية المبلغ المطلوب لترميمها، فوافقوا على ذلك. 

ولما جمعوا المبلغ واجهتهم عقبة جديدة. 

لم يقبل أي مقاول في السماوة التعاقد معهم لتنفيذ أعمال الترميم، لأن جميع المقاولين يعلمون بوجود نزاع حول العمارة، ويخشون التعرض لمشكلات هم في غنى عنها إذا قبلوا الصفقة. 

وكانت آخر محاولة للشاغلين، التوجه إلى البلدية وطلب كتاب رسمي منها يسمح لهم بإجراء الترميمات على نفقتهم الخاصة، لكن البلدية رفضت الطلب بذريعة أن هذا الإجراء غير قانوني ومن شأنه تعريضها للمساءلة من قبل هيئة النزاهة. 

وإزاء كل هذه التجاذبات، يبرز سؤال عن سرّ تمسك البلدية بأن البناية آيلة للسقوط ويجب إخلاؤها وهدمها وبناؤها من جديد، ويملك الشاغلون الإجابة. 

هناك مستثمر يحوم حول العمارة. 

رصد بعض سكان العمارة تعليقاً لأحد المستثمرين المحليين المتنفذين على منشور للبلدية في فيسبوك بشأنها يقول فيه إنها آيلة للسقوط ويجب إخلاؤها فوراً وهدمها وإعادة بنائها. 

فَهِمَ راصدو التعليق أنه يسعى إلى الحصول على العمارة كفرصة استثمارية، وفهموا أيضاً -من دون امتلاك أدلة ولكن استناداً إلى الطريقة المعروفة لإتمام هكذا تعاملات في العراق- أن أصحاب القرار في البلدية تلقوا عرضاً مغرياً من المستثمر مقابل منحه إياها. 

غير أن المستثمر، واسمه صادق مطشر، ينفي وجود نية لديه لاستثمار العمارة في الوقت الحاضر، ويصرّ في الوقت ذاته على أنها آيلة للسقوط ويجب إخلاؤها حفاظاً على حياة السكان. 

“إذا أعلنتها الدولة فرصة استثمارية سأقدم عليها، ومستعد أن أتكفل بإيجارهم لمدة ستة أشهر وفق عقد حتى اكتمال بنائها من جديد وإعادتهم إليها” يقول مطشر لـ”جمّار”. 

إلا أن وعوده لا تزرع الطمأنينة في نفوس شاغلي العمارة، فهم يخشون من رفع الإيجارات إلى الضعف أو أكثر إذا استُثمرت وأعيد بناؤها وسُمح لهم بالعودة إليها. 

ويفيد حيدر العوادي، خبير قانوني، بأن حل النزاع بين البلدية وشاغلي العمارة يكمن في بنود العقد المبرم بين الطرفين، فإن كانت البنود تلزم البلدية بتوفير سكن بديل للأسر عندما تطلب منها إخلاء البناية فإن الأسر ستكسب الدعوى في المحاكم. 

وبشأن تحديد ما إذا كانت العمارة آيلة للسقوط أم لا، يوضح العوادي أن ذلك من مهام المكاتب الهندسية الاستشارية المتخصصة والمعتمدة لدى المحاكم. 

“وحتى إذا كانت آيلة للسقوط، فإن المادة 30 أولاً وثانياً والمادة 33 من الدستور تلزم الدولة بتوفير سكن ملائم للمواطنين، ولاسيما إذا أخرجوا قسراً من ديارهم لأي سبب وكانوا من أصحاب الدخل المحدود”، يقول العوادي لـ”جمّار”. 

قصة عمارة ركن السيدات واحدة من عشرات، وربما مئات القصص في المثنى التي تُستغل فيها مسألة البنايات والدور الآيلة للسقوط في قضايا فساد مالي إداري من أجل استملاكها. 

واحدة من تلك القصص، قصة بناية مصرف الرشيد القديمة الواقعة في شارع الرشيد الرابط بين تقاطع السينما وتقاطع الزقورة في السماوة. 

قبل أربعة أعوام انهار جزء من هذه البناية على حارسين في بوابتها، ما أدى إلى وفاتهما. 

وحدث ذلك بعد أن كانت البناية مسجلة رسميا لدى مديرية الدفاع المدني على أنها آيلة للسقوط، لكنها كانت وقت وقوع الحادث مليئة بالموظفين. 

وبعد انهيار جزء منها ووفاة حارسين، أحيلت البناية إلى الاستثمار قبل عام وتحولت من مصرف حكومي إلى بناية تجارية استثمارية، بينما نُقل مقر مصرف الرشيد إلى مكان آخر وسط سوق الخضار. 

توجيه من الدفاع المدني يخص الأبنية الآيلة للسقوط 

وتقدر إحصائيات رسمية لمديرية الدفاع المدني في المثنى، وجود أكثر من 350 بناية آيلة للسقوط في المحافظة يتركز أغلبها في مركز مدينة السماوة، وتتوزع بين مبان حكومية وأخرى أهلية، يعود عمر أغلبها إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي. 

وتبقى المخاوف قائمة لدى سكان المثنى من استغلال ملف المباني الآيلة للسقوط في التربح والتكسب ووضع سلامة الناس في ذيل الأولويات. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

احتار جفات عباس ومعه 91 أسرة وأصحاب محال تجارية بأمر بلدية السماوة، فهم يخوضون صراعاً معها لم يجدوا سبيلاً إلى إنهائه من دون خسائر وتشرد على الرغم من جميع محاولاتهم ومبادراتهم. 

ويدور الصراع حول عمارة شهيرة في مدينة السماوة مركز محافظة المثنى تدعى عمارة “ركن السيدات”، وهي تقع في شارع الجسر، أحد أبرز الشوارع التجارية وسط المدينة. 

العمارة مملوكة للبلدية، وهي تتألف من شقق سكنية ومحال تجارية، وقد استأجرها شاغلوها من البلدية قبل سنوات، لكنها تطالبهم حالياً بإخلائها بداعي أنها آيلة للسقوط. 

ومع أن إحدى شرفاتها انهارت ذات يوم وسقطت أنقاضها فوق سيارة “بيك آب” كانت مركونة تحتها، ما دفع صاحب السيارة إلى رفع دعوى قضائية ضد البلدية لم تُحسم حتى الآن، غير أن شاغلي العمارة يؤكدون أنها بحاجة إلى ترميمات فقط وليست آيلة للسقوط. 

وقضية “الآيلة للسقوط” هي محور الصراع بين الأهالي والبلدية. 

كانت البلدية قد وجهت تبليغاً إلى المستأجرين بإخلاء العمارة من أجل هدمها وإعادة بنائها، مستندة إلى تقارير من مديرية الدفاع المدني وكلية الهندسة في جامعة المثنى تفيد بأنها آيلة للسقوط، لكن الأهالي أصروا على أن تلك التقارير غير صحيحة. 

“البناية قوية جداً ويمكنها الصمود حتى 50 سنة أخرى. إنها بحاجة إلى بعض الترميمات، ونحن الساكنين فيها على استعداد لتحمل تكاليف إعادة تأهيلها”، تقول أم مراد، ربة أسرة تتألف من سبعة أفراد ساكنة في إحدى شقق العمارة. 

وأكثر ما يثير قلق أم مراد الخروج من العمارة وتعذر العثور على سكن بديل بإيجار يلائم حالتها الاقتصادية. وهذا القلق يساور بقية الأسر. 

أما مستأجرو المحال التجارية فإنهم يخشون التعرض لخسائر مالية فادحة، إذا أغلقوا محالهم وراحوا يبحثون عن مواقع بديلة. 

ويقول الحاج منصور مجيد، صاحب محل حلويات في العمارة، لـ”جمّار” إنه دخل مزاداً من أجل استئجار المحل ودفع رسوم الضريبة والإعلان والتنظيف والوساطة العقارية، وبالتالي فإن من غير المعقول إخلاء المحل وخسارة كل هذه الأموال هباء. 

ولما رأت البلدية إصرار الأهالي على عدم إخلاء العمارة، شرعت بإحاطتها بكتل خرسانية بداعي حماية المارّة منها في حال انهارت، لكن الأهالي رفضوا هذا الإجراء وخرجوا في اعتصام لمنع وضع بقية الكتل. 

وفي محاولة لإقناعهم بالمغادرة، طلبت البلدية من الأهالي استئجار لجنة متخصصة تقيّم وضع العمارة ومدى خطورتها، متذرعة بأنها لا تملك مهندسين استشاريين للقيام بهذه المهمة. 

وافق الأهالي على مقترح البلدية، وجمعوا خمسة ملايين دينار دفعوها إلى لجنة من المختبر الإنشائي في كلية الهندسة بجامعة المثنى لتقييم العمارة. 

وبعد إجرائها الكشف والفحوصات اللازمة، شخصّت اللجنة 18 خللاً في العمارة بحاجة إلى معالجة، لكنها ذكرت في تقريرها أن أساساتها قوية وغير آيلة للسقوط، وأنها لا تعاني من أي انزلاق أو ميلان، وإنما تحتاج إلى معالجة الشرفات الأمامية فقط. 

ظن المستأجرون أنهم انتصروا في معركتهم. 

الحلول التي اقترحتها جامعة المثنى لمعالجة المبنى 
المشكلات التي تعاني منها البناية، وفق جامعة المثنى. 

بعثوا تقرير اللجنة إلى أحمد منفي محافظ المثنى وأوضحوا له حيثيات القضية، فقام المحافظ بمخاطبة البلدية من أجل إجراء الترميمات اللازمة. 

“إلا أن البلدية امتنعت عن تنفيذ أمر المحافظ” يقول عامر أبو خشة، أحد أصحاب المحال التجارية في العمارة، لـ”جمّار”. 

وبهدف زيادة الضغط على المستأجرين، لجأت البلدية إلى إجراء يقولون إنهم فوجئوا به. 

أقامت البلدية دعوى قضائية ضد شاغلي العمارة وجهت بموجبها اتهاماً إليهم بالاعتداء ضرباً على موظفين تابعين لها أثناء زيارتهم العمارة لإجراء كشف عليها. 

ووردهم تبليغ من مركز شرطة الشرقي بالحضور للإدلاء بإفادات إزاء هذا الاتهام. 

“نحن 91 أسرة استدعونا إلى مركز الشرطة وتم تحويلنا إلى قاضي التحقيق الذي كان عادلاً في قضيتنا” يقول جفات عباس لـ”جمّار”. 

وشرح الأهالي تفاصيل القضية للقاضي، فأخرجهم بكفالة مالية من دون توقيفهم بعد أن اطلع على التقارير الهندسية الصادرة عن لجنة جامعة المثنى والتي تثبت أن البناية غير آيلة للسقوط. 

وبعد هذا التطور، اقترح المحافظ التبرع بمبلغ عشرة ملايين دينار لشاغلي العمارة على أن يكملوا بقية المبلغ المطلوب لترميمها، فوافقوا على ذلك. 

ولما جمعوا المبلغ واجهتهم عقبة جديدة. 

لم يقبل أي مقاول في السماوة التعاقد معهم لتنفيذ أعمال الترميم، لأن جميع المقاولين يعلمون بوجود نزاع حول العمارة، ويخشون التعرض لمشكلات هم في غنى عنها إذا قبلوا الصفقة. 

وكانت آخر محاولة للشاغلين، التوجه إلى البلدية وطلب كتاب رسمي منها يسمح لهم بإجراء الترميمات على نفقتهم الخاصة، لكن البلدية رفضت الطلب بذريعة أن هذا الإجراء غير قانوني ومن شأنه تعريضها للمساءلة من قبل هيئة النزاهة. 

وإزاء كل هذه التجاذبات، يبرز سؤال عن سرّ تمسك البلدية بأن البناية آيلة للسقوط ويجب إخلاؤها وهدمها وبناؤها من جديد، ويملك الشاغلون الإجابة. 

هناك مستثمر يحوم حول العمارة. 

رصد بعض سكان العمارة تعليقاً لأحد المستثمرين المحليين المتنفذين على منشور للبلدية في فيسبوك بشأنها يقول فيه إنها آيلة للسقوط ويجب إخلاؤها فوراً وهدمها وإعادة بنائها. 

فَهِمَ راصدو التعليق أنه يسعى إلى الحصول على العمارة كفرصة استثمارية، وفهموا أيضاً -من دون امتلاك أدلة ولكن استناداً إلى الطريقة المعروفة لإتمام هكذا تعاملات في العراق- أن أصحاب القرار في البلدية تلقوا عرضاً مغرياً من المستثمر مقابل منحه إياها. 

غير أن المستثمر، واسمه صادق مطشر، ينفي وجود نية لديه لاستثمار العمارة في الوقت الحاضر، ويصرّ في الوقت ذاته على أنها آيلة للسقوط ويجب إخلاؤها حفاظاً على حياة السكان. 

“إذا أعلنتها الدولة فرصة استثمارية سأقدم عليها، ومستعد أن أتكفل بإيجارهم لمدة ستة أشهر وفق عقد حتى اكتمال بنائها من جديد وإعادتهم إليها” يقول مطشر لـ”جمّار”. 

إلا أن وعوده لا تزرع الطمأنينة في نفوس شاغلي العمارة، فهم يخشون من رفع الإيجارات إلى الضعف أو أكثر إذا استُثمرت وأعيد بناؤها وسُمح لهم بالعودة إليها. 

ويفيد حيدر العوادي، خبير قانوني، بأن حل النزاع بين البلدية وشاغلي العمارة يكمن في بنود العقد المبرم بين الطرفين، فإن كانت البنود تلزم البلدية بتوفير سكن بديل للأسر عندما تطلب منها إخلاء البناية فإن الأسر ستكسب الدعوى في المحاكم. 

وبشأن تحديد ما إذا كانت العمارة آيلة للسقوط أم لا، يوضح العوادي أن ذلك من مهام المكاتب الهندسية الاستشارية المتخصصة والمعتمدة لدى المحاكم. 

“وحتى إذا كانت آيلة للسقوط، فإن المادة 30 أولاً وثانياً والمادة 33 من الدستور تلزم الدولة بتوفير سكن ملائم للمواطنين، ولاسيما إذا أخرجوا قسراً من ديارهم لأي سبب وكانوا من أصحاب الدخل المحدود”، يقول العوادي لـ”جمّار”. 

قصة عمارة ركن السيدات واحدة من عشرات، وربما مئات القصص في المثنى التي تُستغل فيها مسألة البنايات والدور الآيلة للسقوط في قضايا فساد مالي إداري من أجل استملاكها. 

واحدة من تلك القصص، قصة بناية مصرف الرشيد القديمة الواقعة في شارع الرشيد الرابط بين تقاطع السينما وتقاطع الزقورة في السماوة. 

قبل أربعة أعوام انهار جزء من هذه البناية على حارسين في بوابتها، ما أدى إلى وفاتهما. 

وحدث ذلك بعد أن كانت البناية مسجلة رسميا لدى مديرية الدفاع المدني على أنها آيلة للسقوط، لكنها كانت وقت وقوع الحادث مليئة بالموظفين. 

وبعد انهيار جزء منها ووفاة حارسين، أحيلت البناية إلى الاستثمار قبل عام وتحولت من مصرف حكومي إلى بناية تجارية استثمارية، بينما نُقل مقر مصرف الرشيد إلى مكان آخر وسط سوق الخضار. 

توجيه من الدفاع المدني يخص الأبنية الآيلة للسقوط 

وتقدر إحصائيات رسمية لمديرية الدفاع المدني في المثنى، وجود أكثر من 350 بناية آيلة للسقوط في المحافظة يتركز أغلبها في مركز مدينة السماوة، وتتوزع بين مبان حكومية وأخرى أهلية، يعود عمر أغلبها إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي. 

وتبقى المخاوف قائمة لدى سكان المثنى من استغلال ملف المباني الآيلة للسقوط في التربح والتكسب ووضع سلامة الناس في ذيل الأولويات.