"الضمانان".. كيف تؤمِّن الحكومة للعراقيين صحتهم؟ 

سجاد حسين

25 كانون الأول 2023

قانونان طموحان قدمهما العراق للضمان الصحي والاجتماعي، ووعود برّاقة قدمها المسؤولون في حكومة السوداني لتطبيقها.. لكن هل وضعت في الحسبان، حقاً، العراقيل؟ وهل يعامل العراقيون هذين القانونين بتفاؤل أم بتشاؤم.. عن "الضمانين" وكيف تؤمّن الحكومة للعراقيين صحتهم؟

ركّز النظام السياسي الحاكم في العراق على تسويق الحكومة كحكومة خدمات أكثر منها سياسية، فجاء محمد شياع السوداني ببرنامج حكومي مليء بالوعود والمشاريع والدرجات الوظيفية على ملاك الدولة والضمانات، لمنع انفجار الشارع مرّة أخرى بعد تشرين الأول 2019. 

ولعل أبرز مشاريع حكومة السوداني -والتي من شأنها لو تحققت فعلاً إحداث نقلة ملموسة بحياة العراقيين- هما مشروعا الضمانين الصحي والاجتماعي، واللذين شرعت الحكومة بالعمل عليهما مطلع عام 2023 الجاري. 

تاريخ ضمانات الدولة 

  • الصحي 

بالعودة إلى التاريخ، يمكن وضع القطاع الصحي في العراق منذ تأسيس دولته عام 1921 حتى اليوم في 5 مراحل، جرى التطرق لعدة أشكال من الضمان الصحي في 3 مراحل منها. 

المرحلة الأولى: من عام 1921 إلى 1951، وفيها تأسست وزارة الصحة وألغيت فوراً وأُدمجت كمديرية ضمن وزارة الداخلية ثم ضمن وزارة الشؤون الاجتماعية، واقتصر دورها في تلك الفترة على تقديم رعاية صحية محدودة، في وقت تفاقم انتشار أمراض خطرة كالملاريا والبلهارزيا والسل والجدري وغيرها، دون وجود أيّ إجراءات أو علاجات تقدمها المؤسسة الصحية باستثناء عزل المرضى بانتظار الموت الحتمي. 

المرحلة الثانية: من عام 1952 إلى 1963، وهي الفترة التي تأسست فيها وزارة الصحة وشهدت الانقلاب على الملكية وتأسيس الجمهورية، وشهد القطاع الصحي تطوراً ملحوظاً فوصل عدد المستشفيات العامة إلى نحو 131 مستشفى في عام 1963، وهو العام الذي شهد تشريع قانون “التأمين الصحي في الأرياف” رقم 131 لتحسين الواقع الصحي وتشجيع الأطباء على الانتقال للأرياف والعمل فيها. 

المرحلة الثالثة: من عام 1964 إلى 1990، وشهدت تلك الفترة -وفقاً لتقارير اليونيسف- ذروة التطور التصاعدي في القطاع الصحي، حيث وصلت نسبة تقديم الخدمات الصحية المجانية لـ97 بالمئة من سكان المدن و71 بالمئة من سكان الريف وكانت 2 بالمئة فقط من أسرّة المستشفيات العامة تدار بشكل خاص، وذلك في العام الذي سبق غزو العراق للكويت وتعرضه لعقوبات اقتصادية. 

وشهدت هذه المرحلة تشريع قانونين خاصين بالضمان الصحي، الأول قانون رقم 211 لعام 1975، وهو “قانون المؤسسة العامة للتأمين الصحي والصحة الريفية” الذي هدف إلى تأسيس مؤسسة باسم (المؤسسة العامة للتأمين الصحي والصحة الريفية)، ويكون مركزها ببغداد، وترتبط بوزارة الصحة، لتأمين تقديم الخدمات الصحية للمواطنين كافة دون الحاجة للاشتراك. 

أما الثاني فقد كان قانون “صناديق الضمان الصحي لموظفي دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي” رقم (101) لسنة 1985، وكان هذا أول قانون يمنح خدماته للموظفين والمواطنين المشتركين فقط، لكنه منح حرية اختيار الاشتراك من عدمه للجميع دون استثناء. 

المرحلة الرابعة: من عام 1991 إلى 2002، مع العقوبات الخانقة على العراق، بعد اجتياحه الكويت، انهار القطاع الصحي بشكل كبير، فانخفض تمويله الحكومي بنسبة 90 بالمئة حتى وصل إلى 50 مليون دولار فقط في عام 2002 (أقل من دولارين اثنين للفرد الواحد) بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.  

المرحلة الخامسة: الفترة من عام 2003 حتى الآن، شهدت ارتفاعاً كبيراً بتخصيصات وزارة الصحة حيث بلغت عام 2004 -وفقاً للصحة العالمية- نحو مليار دولار (نحو 39 دولارا للفرد الواحد)، لكنها عاصرت في الوقت ذاته أعتى مستويات الفساد المالي والإداري في تاريخ الدولة. 

كذلك شهدت إعادة العمل بنظام الضمان الصحي المبني على الاشتراك مع إضافة العديد من التعديلات، حيث صوّت مجلس النواب على قانون الضمان الصحي الذي يضم 12 فصلاً و44 مادةً في عام 2020، وأطلقت وزارة الصحة استمارة الانضمام للمواطنين في مطلع عام 2023 معلنةً دخوله حيّز التنفيذ. 

  • الاجتماعي 

أما قانون الضمان الاجتماعي فشرع أول مرة في العراق عام 1935 لكنه ألغي وحلّت محلّه قوانين مشابهة في مناسبات كثيرة. 

في عام 1971 شُرِّعت النسخة قبل الأخيرة من قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، وكانت تشتمل على 13 فصلاً و118 مادة، وواجه القانون عشرات التعديلات خلال حقبة النظام السابق وكذلك بعد سقوطه، ففي عام 2007 أجرى مجلس النواب أول تعديل على القانون (خلال فترة النظام البرلماني) لكنه لم يدخل حيّز التنفيذ وبقي في أدراج المكاتب التشريعية والتنفيذية حتى قامت حكومة السوداني بإلغائه وإصدار بديل عنه نشرته جريدة الوقائع العراقية في آب الماضي. 

ضمان صحيّ جديد 

في شهر تشرين الثاني 2023، كشف صالح الحسناوي وزير الصحة عن المباشرة بتطبيق قانون الضمان الصحي في الأجنحة الخاصة بمستشفيات بغداد والتمريض الخاص، بدعم مباشر من رئيس الوزراء ومساندة لجنة الصحة والبيئة النيابية والأمانة العامة لمجلس الوزراء. 

وفق الحسناوي، فقد شُمِل بقانون الضمان الصحي وزارات الكهرباء، والتعليم العالي والبحث العلمي، والاتصالات، ومكتب رئيس الوزراء، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، ومجلس الخدمة الاتحادي. 

“موظفو الوزارات المشمولة بالقانون في حال حاجتهم إلى الخدمات الصحية يتوجهون مع عائلاتهم إلى المستشفيات المخصصة لهم، وسيتلقون خدمات طبية بأسعار مدعومة بشكل كبير تصل أحياناً إلى 90 بالمئة من قيمة الخدمات المقدمة في الأجنحة الخاصة”، وفق وزير الصحة. 

أما المشمولون في برنامج الرعاية الاجتماعية فستقوم الدولة بتغطية 99 بالمئة من الخدمات المقدمة لهم، وفقاً للحسناوي الذي بيّن أن “الهدف من قانون الضمان الصحي هو الحد من مستوى الفقر وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين المشمولين بالرعاية الاجتماعية، إضافة إلى حماية الموظفين المشمولين بالقانون من أعباء مالية متراكمة من الخدمات الصحية”. 

وأطلق الحسناوي ما يشبه حلماً، “المشمولين بالضمان الصحي عند مراجعتهم للمستشفيات المخصصة لهم سيجدون أجنحة وغرفاً خاصة بالضمان الصحي لخدمتهم”. 

وفق مخطط الوزارة، فإنه من المقرر أن تشمل المرحلة الأولى من القانون 300 ألف موظف مع عائلاتهم إضافة إلى 100 ألف شخص من المشمولين بالرعاية الاجتماعية، وتنطلق، تباعاً، مراحل جديدة لتطبيق قانون الضمان الصحي وشمول وزارات ومؤسسات جديدة. 

بالتفصيل 

قانون الضمان الصحي رقم (22) لسنة 2020 بنسخته النهائية المصادق عليها من قبل رئاسة الجمهورية والمنشور بجريدة الوقائع بتاريخ 23/12/2020، أقر بتشكيل هيأة للضمان الصحي وصندوق مالي تابع لها، وكشف عن 8 مصادر لتمويله وهي: تخصيصات في الموازنة العامة للدولة، مساهمات أرباب العمل وأصحاب الشركات، المنح والهبات والتبرعات والمساعدات من داخل وخارج العراق، إيرادات استثمار الهيأة، بدلات الاشتراكات الشهرية والسنوية، نسبة 35 بالمئة من ضرائب المواد الضارة كالسجائر والمشروبات الكحولية، فوائد الأموال المودعة في المصارف، وأخيراً مبالغ الغرامات وفوائد الديون للاشتراكات المتأخرة. 

وتشمل الخدمات الطبية المقدمة ضمن نظام التأمين الصحي: الخدمات الوقائية، الخدمات العلاجية، الأدوية والمستلزمات الطبية، خدمات الأشعة والتصوير الطبي، خدمات العلاج الطبيعي، خدمات الفحوصات المخبرية. 

ولهيأة الضمان الصحي العديد من الامتيازات بحسب القانون، فهي معفيّة من الضرائب والرسوم، ولا يجوز حجز أموالها أو بيع ممتلكاتها بسبب الديون المتراكمة، فضلاً عن استثنائها من أحكام قانون توزيع أرباح المنشآت الاقتصادية العامة رقم (56) لعام 1982 أو أي قانون يحلّ محله. 

يُلزم قانون الضمان الاجتماعي جميعَ موظفي الدولة بالاشتراك، لكنّه يمنح خيار الاشتراك من عدمه لكل من: المتقاعدين، النقابات، الجمعيات، الشركات وأرباب العمل، والمواطنين وعائلاتهم بشكل منفرد. 

ويُمنح المشتركون بطاقة الضمان الصحي وتقدم لهم خدمات الاشتراك بعد 6 أشهر من تاريخ التسجيل، وعلى مجلس إدارة هيأة الضمان الصحي إعلان تسعيرة الخدمات الصحية للمشتركين وإصدار قائمة بأدوية الضمان الصحي وقائمة بالخدمات الصحية والعمليات الجراحية المضمونة بالتعاون مع وزارة الصحة والتنسيق مع النقابات المعنية، وكذلك تحدد الهيأة الحدَّ الأعلى المسموح من زيارات المشتركين للأطباء سنوياً بحسب العمر والحالة الصحية. 

تستوفي هيأة الضمان الصحي الاشتراك من المضمونين لمرة واحد فقط، وتتراوح قيمته من 10 آلاف دينار بالنسبة لموظفي الدرجة السابعة فما دون وغير الموظفين، إلى 100 ألف دينار بالنسبة للمدراء العامين وموظفي الدرجات العليا والخاصة، ويستثنى من دفع الاشتراك كل من: المشمولين بالرعاية الاجتماعية، والأطفال دون سن الخامسة، والذكور من غير الموظفين أو المتقاعدين ممن تجاوزت أعمارهم 60 عاماً والإناث بعمر 55 عاماً فما فوق. 

أما القسط الشهري، فقد أقر القانون استقطاع نسبة 1 بالمئة من رواتب كافة موظفي الدولة والمتقاعدين وما يقابلهم في القطاع الخاص، ونسبة 2.5 بالمئة من رواتب الدرجات العليا والخاصة وما يقابلهم في القطاع الخاص. 

الاشتراك المدفوع من قبل المضمون يعفي كل من: الزوج أو الزوجة، الأبناء لغاية سن 21 سنة أو 24 سنة من المستمرين بالدراسة، الوالدين والأخوات العازبات من غير الموظفين أو المتقاعدين. 

يدفع جميع المشمولين بالقانون نسبة 10 بالمئة من قيمة الخدمات الصحية عند المراجعة، ونسبة 25 بالمئة من قيمة الدواء وكلفة المختبر والأشعة والأسنان بالنسبة للموظفين العاديين وما يقابلهم في القطاع الخاص، و50 بالمئة من القيمة بالنسبة لأصحاب الدرجات العليا وما يقابلهم. 

كذلك يدفع المشمولون نسبة 10 بالمئة من كلفة العمليات الجراحية عند إجرائها في الأجنحة الخاصة بالمستشفيات الحكومية، و25 بالمئة من كلفتها عند إجرائها في مستشفيات القطاع الخاص، وتستثنى عمليات التجميل ما عدا الحالات الناشئة عن الحروق والحوادث والتشوهات الخلقية الولادية. 

أما أرباب العمل وأصحاب الشركات الخاصة والقطاع المختلط فيدفعون نسبة 1 بالمئة من دخل العمال والموظفين لتمويل صندوق الهيأة. 

وأعفى القانون كلّاً من المصابين بالسرطان والأمراض النفسية والعقلية والعجز الكلوي المعالج بالديلزة وأمراض الدم الوراثية والعَوَق الجسدي والأمراض الذهنية، بضمنه داء التوَحّد، وكذلك أعفى المعاقين من منتسبي القوات المسلحة بكافة أصنافها، من دفع الاشتراك والقسط الشهري وجميع النسب الواردة في بنود القانون، ومنحهم جميع تلك الخدمات مجاناً. 

وفي مادته الثامنة والثلاثين، ألغى القانون ارتباط دوائر الصحة بالمحافظات وفكّها عن مجالس المحافظات وأعادها، بصورة مركزية، الى وزارة الصحة. 

كما ألغى القانون العمل بقوانين أعوام (1963 / 1975 / 1985) ومنع العمل بأي نصٍّ يتعارض مع أحكامه، ومنح مجلس الوزراء صلاحية فكّ ارتباط هيأة الضمان الصحي عن وزارة الصحة بعد مرور 5 سنوات على تأسيسها. 

عن الواقع الصحي  

قبل اتّساع رقعة شمول الضمان الصحي ليستوعب جميع المواطنين، وفقاً لطموح وزارة الصحة، تجدر الإشارة إلى حقيقة ما يمر به القطاع الصحي في البلاد وحجم ترديه وتهالك بنيته التحتية وهياكله الإدارية والسياسية. 

في السابع من أيار الماضي، علّق ماجد شنكالي رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان على تردي الواقع الصحي في البلاد، كاشفاً عن تراكمات وإخفاقات وفساد على مدار عقود. 

“هناك مشاكل تزيد الوضع تعقيداً”، وقال شنكالي إن “أولها قلة مخصصات القطاع الصحي قياساً بالمطلوب، (..). إضافة إلى قلة عدد المستشفيات قياساً بأعداد السكان، حتى أن المستشفيات القائمة لا ترقى إلى مستوى الطموح”. 

وفق شنكالي، طلبت وزارة الصحة 19 ترليون دينار (15 مليار دولار) من الموازنة لعام 2023، بينما خصصت الحكومة نحو 10 ترليونات دينار (7.5 مليارات دولار)، ورغم أن هذا الرقم هو أعلى تخصيص مالي لقطاع الصحة في تاريخ العراق، لكنه ليس كافياً، وإن القطاع بحاجة إلى 15 مليار دولار سنوياً لتطوير النظام الصحي، وعدد السنوات المطلوبة لتحقيق ذلك يعتمد على حجم ما يخصص للمشاريع. 

وحول قانون الضمان الصحي، صرّح شنكالي بأن البداية ستكون بـ10 بالمئة من المشمولين من الموظفين وعوائلهم في بغداد، ثم يتوسع تباعاً، وسيبدأ بالأجنحة الخاصة في المستشفيات الحكومية ودائرة التمريض الخاص، والمؤسسات التي تقدم الضمان الصحي ستتسلم مبالغ تساعدها على تأهيل مرافقها وتطوير إمكانياتها، لافتاً إلى تحفّظات لجنة الصحة النيابية على بعض بنود القانون. 

وفي الثاني عشر من شهر تشرين الثاني الماضي، هاجم رئيس لجنة الصحة النيابية مواطن الضعف والفساد بوزارة الصحة، وذكر في تصريحات صحفية إن النظام الصحي في العراق نظام اشتراكي، لا يوجد فيه أي قطاع خاص يقدم خدمة حقيقية، وكشف عن ترهل وظيفي وبطالة مقنعة “كبيرة جداً”، فمثلا، يضم مستشفى اليرموك ببغداد 1150 موظفاً يعملون في المختبرات فقط، وهذا يرهق كاهل التمويل المالي للوزارة الذي يُصرف 60 بالمئة منه كرواتب، و20 بالمئة كنفقات تشغيلية، وعند تقسيم المبلغ الباقي -وهو تريليون و651 مليارا- على أبناء الشعب العراقي، فإن حصة الفرد هي مئتي دولار في السنة، أي 17 دولارا شهرياً، وهذا مبلغ قليل جداً، فهناك دول تصل فيها قيمة الضمان الصحي إلى 6000 دولار سنوياً، وأغلب الدول المجاورة وحتى الفقيرة مثل الأردن وإيران، هم أفضل من العراق بكثير في هذا المجال، وفقاً لشنكالي. 

ولم يفت شنكالي أن يتحدث عن ضرورة الفصل بين القطاع الخاص والعام، فمعظم العاملين في القطاع الخاص هم موظفون في القطاع العام، ما يخلق تضارباً. 

البنى التحتية والموارد البشرية لقطاع الصحة 

حسب تقرير الإحصاء السنوي لعام 2020 الذي أصدرته وزارة الصحة، يمتلك العراق 2.805 مراكز صحية للرعاية الأولية منها 1.298 مركزاً رئيسياً و1.516 مركزاً فرعياً، ما يعني أن هناك مركزا صحيا واحدا لكل 14.314 نسمة، فيما يمتلك 295 مستشفى حكوميا ومركزاً تخصصياً يحتوي أسرّة و155 مستشفى أهليا، ويبلغ عدد الأسرّة الكلية الحكومية 49.825 سريراً منها 9.000 سرير طوارئ، أي بمعدل 1.2 سرير لكل ألف نسمة، وذلك وفقاً لإحصائيات عام 2022. 

وتبلغ أعداد الملاكات الصحية 346.920 (شاملاً العاملين في كردستان والمنسّبين على وزارة التعليم العالي)، منهم 295.269 عاملاً في وزارة الصحة الاتحادية. 

ويبلغ عدد الأطباء الكلي 38.865 طبيباً، وأطباء الاختصاص 14.266 طبيباً، وأطباء الأسنان 14.003 أطباء، والصيادلة 16.512 صيدلياً، و89.990 هو عدد الملاكات التمريضية، و90.327 عدد ذوي المهن الصحية. 

ضمان جديد آخر 

  • الاجتماعي 

بالتوازي، روّجت حكومة السوداني، منذ مطلع 2023  لقانون ضمان آخر: الضمان الاجتماعي، بوصفه خطوة كبيرة ونقلة مهمة لضمان حقوق العاملين بالقطاع الخاص، مع تفاؤل كبير بأن تشريع هذا القانون سيُغيّر من ثقافة التعيين الحكومي السائدة، وينشط القطاعات الخاصة؛ بالنظر لما يوفره من امتيازات للعمّال مُشابهة لتلك المُخصَّصة لموظفي القطاع الحكومي. في بلد اتسعت فيه قاعدة المستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية إلى أكثر من 7 ملايين مستفيد، وفق آخر تصريح لأحمد الأسدي وزير العمل. 

في السابع عشر من شهر 2023، حين صوّت مجلس النواب على النسخة الأخيرة من مسودة “قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم (18) لعام 2023” المرسل من قبل الحكومة والمكون من 13 فصلاً و109 مواد فألغى ما سبقه، وصادق عليه رئيس الجمهورية ونشر في جريدة الوقائع بتاريخ 28/8/2023. قبل ذلك وفي عام 2007 أجري تعديل على قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لعام 1971، أقر توسيع دائرة المضمونين ليشمل العاملين بالقطاع الخاص، لكنه افتقر للتفصيل فلم يدخل حيّز التنفيذ. 

مستحدثات الضمان الاجتماعي 

بعد تشريع قانون الضمان الجديد، يمكن ملاحظة وجود جدية أكبر بشمول شريحة العاملين بالقطاع الخاص والمختلط والتعاوني وحتى المواطنين غير العاملين، فذكرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن القانون يشمل معظم أبناء الشعب إضافة للعمال العاملين في القطاعات الخاص والتعاوني والمختلط، وذلك عن طريق (فرع الضمان الاختياري) حيث يتيح هذا الفرع الجديد لفئات جديدة كالعاملين لحسابهم الخاص وأصحاب العمل والقطاع غير المنظم الشمول بأحكام هذا القانون ويوفر لهم ضمان التقاعد والشيخوخة والعجز والوفاة وذلك باستقطاع نسبة معينة من الاشتراك حسب نوع العمل ويتم تحديد الحد الأدنى لأجور العمال العاملين في القطاع غير المنظم استنادا إلى تقارير الخبراء الخاصة بسوق العمل في العراق. 

كما نشرت دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تلخيصاً كشفت فيه الفروع الجديدة لقانون الضمان الاجتماعي والمشمولين الجدد. 

فروع جديدة 

هنالك 4 فروع في قانون الضمان الاجتماعي الجديد، وهي:  

  1. فرع مكافأة نهاية الخدمة  
  1. فرع إعانة التعطيل عن العمل  
  1. فرع الضمان الاختياري وضمان العاملين في القطاع غير المنظم  
  1. فرع ضمان الحمل والأمومة. 

أمّا أول الفروع، فإن أحكامه موجودة ضمن المادة 78 من القانون النافذ ونظرا لأهمية هذا الاستحقاق أدرج كفرع من فروع الضمان يمكن للعامل المضمون من خلاله سحب رصيده من نسبة الاشتراكات التي دفعها والبالغة 6 بالمئة إذا لم تؤهله خدمته لاستحقاق الراتب التقاعدي. 

وإعانة التعطيل عن العمل، فرع جديد آخر، يمثل تعويضاً للعامل عند انتهاء خدمته لسبب خارج عن إرادته مع قدرته على العمل ورغبته فيه وتم تحديد مبلغ التعويض عن العمل حسب اشتراكات العامل، تصرف له على شكل دفعات لمدة تتراوح بين 3 – 6 أشهر لحين التحاقه بعمل جديد. 

وكسابقه، فرع الضمان الاختياري، جديد ضمن القانون الجديد يمكن من خلاله شمول الراغبين من أصحاب العمل أو من يعمل لحسابه الخاص أو شريك مع الغير أو يعمل خارج العراق بأحكام ضمان التقاعد والشيخوخة والعجز والوفاة حصراً. 

أما فرع الحمل والأمومة ضمن مشروع القانون الجديد، فإن فترة الإجازة للعاملة المضمونة الحامل في القانون النافذ حالياً شهر قبل الولادة وستة أسابيع بعد الولادة وفي الحالات الصعبة تستمر لغاية 9 أشهر، أما في القانون الجديد أصبحت مدة الإجازة شهرا قبل الولادة و12 أسبوعاً بعدها وبقيت مدة 9 أشهر في حالات الولادة الصعبة والمضاعفات كذلك تمنح 50 بالمئة من أجرها الشهري لثلاثة أشهر لاحقة في حالة عدم شفائها بعد مرور فترة الـ9 اشهر، أما الامتيازات الأخرى التي ضمنها القانون فهي منح العاملة المجازة بسب الحمل والولادة تعويضاً يعادل 75 بالمئة من أجرها المدفوع عنه الاشتراكات. 

المشمولون الجدد 

بالإضافة الى العاملين في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني فبالإمكان، وضمن القانون الجديد، شمول فئات لم تشملها التشريعات السابقة وذلك من خلال الضمان الاختياري وضمن أحكام ضمان التقاعد والشيخوخة والعجز والوفاة فقط، وهذه الفئات هي: 

1- العاملون لحسابهم الخاص: كل شخص يعمل لحسابه الخاص ولا يعمل لدى الغير ولا ينطبق عليه تعريف العامل المنصوص عليه في قانون العمل النافذ ويتم شمولهم ضمن فرع الضمان الاختياري لأغراض التقاعد والشيخوخة وتكون نسبة تسديدهم للاشتراك 13 بالمئة من فئة دخل الاشتراك المنصوص عليها قانونا. 

2- القطاع غير المنظم: وهو يمثل مجموعة الأفراد والمشاريع الصغيرة التي تنتج سلعا أو تقدم خدمات أو تقوم بتوزيعها وتعمل لحسابها الخاص بدون ترخيص، حيث يتم استقطاع 6 بالمئة من راتب الحد الأدنى للأجر المقرر في سوق العمل، فيتم تحديد راتب الحد الأدنى للأجر المقرر للفئات المذكورة في سوق العمل لاحتساب الاشتراك بهذا الضمان. 

تفاصيل  

يهدف قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم (18) لعام 2023، وبحسب نسخة الوقائع، إلى تحقيق العيش الكريم للمشمولين بأحكامه وزيادة أعدادهم، وتعزيز التكافل الاجتماعي والعدالة بتوزيع الدخل بين المواطنين، وتوفير استقرار نفسي ومادي وحماية الدخل للمضمونين وأسرهم وخلفهم عند العجز والإعاقة والشيخوخة والوفاة، كذلك يهدف لتسهيل الانتقال بين القطاعات العام والخاص والتعاوني والمختلط، وتوحيد أحكام القانون الخاصة بالحقوق التقاعدية ومساواتها بين جميع المضمونين. 

 يؤسس القانون دائرة تابعة لوزارة العمل باسم “دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال”، ويكون لها صندوق خاص يُدار بواسطة مجلس إدارة مكون من 13 شخصاً يتولى جميع المهام الخاصة بالصندوق ويمتلك جميع صلاحياته. 

يُمول الصندوق من 4 مصادر، وهي: مبالغ الاشتراكات والغرامات والرسوم المدفوعة للدائرة، وريع أموال الصندوق المنقولة وغير المنقولة، وعوائد استثمار أموال الصندوق، والهبات والتبرعات والوصايا والقروض وغيرها، كما تُعفى أموال الدائرة والصندوق المنقولة وغير المنقولة وعوائدها من الضرائب والرسوم. 

وألغى القانون الجديد قانون “التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم (39) لعام 1971″، لكنه أبقى الأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه نافذة لحين صدور ما يحل محلها أو يلغيها، كما أوجب تنفيذه بعد مرور 90 يوماً على تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، أي إنه دخل حيّز التنفيذ قانونيا بتاريخ 28/11/2023. 

في صباح الثالث من كانون الأول 2023، زار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليعلن دخول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال حيّز التنفيذ، الإعلان الذي سبقه تصريح لوزير العمل أحمد الأسدي “زف خلاله البشرى” لجميع المتقاعدين، وفق تعبيره، بأن حد رواتبهم الأدنى سيكون 500 ألف دينار. 

لا ضمان للضمانات 

ورغم التفاؤل الكبير الذي تتحدث به الحكومة عن القانون إلا إنه ليس مثالياً، ويتطلب تنفيذه تعليمات وتنظيما وجهوداً كبيرة، تضمن فاعليته وتحفظه من الفساد، كما تحيطه، وقانون الضمان الآخر، مخاوف الشارع العراقي من تكرار تجارب حكومات سابقة، تبنت مشاريع عملاقة وانتهت بلا شيء، لكن هنالك شبه إجماع على أن تشريع هذا القانون خطوة، بحاجة إلى أخريات. 

شمل القانون فئات مجتمعية كان القانون السابق رقم 39 لعام 1971 يستبعدها، مثل القطاعات العمالية غير المنظمة كأصحاب سيارات الأجرة والنساء اللاتي يعملن بالخياطة وأصحاب التجارة المتنقلة وغيرهم، بشرط دفع الاستحقاقات التقاعدية التي حددت بنسبة 7 بالمئة مما يتقاضاه العامل بالقطاع الخاص، على أن يدفع صاحب العمل 8 بالمئة. 

ومن بين مزاياه، تحديد تقاعد العمال المسجلين بعد 15 عاماً من الخدمة، مع إمكانية شراء 5 سنوات خدمة من الدولة في حال كان عدد سنوات خدمة العامل 10 سنوات، شريطة دفع العامل المستحقات التقاعدية لصندوق تقاعد العمال لهذه السنوات الخمس. 

أما ثغرات القانون، فعلى الرغم من إلزامه مسؤولي القطاع الخاص والمصانع بتسجيل العمال، إلا أن المشكلة الكبرى تكمن برفض أو تجاهل أو مراوغة الكثير منهم الالتزام بالقانون، ما يتطلب جهداً تثقيفياً وتنظيمياً ورقابياً للحكومة على القطاع الخاص وإلزام مسؤوليه بضمان حقوق العاملين لديهم، لا سيما أن حجم السوق غير النظامية واسع جداً. 

كذلك تعد نسبة الاستقطاع من العمال المضمونين سنوياً ضعف ما يتم استقطاعه من الموظفين الحكوميين، وهو ما قد يشجع العديد من العاملين على قبول تهرّب مسؤوليهم من القانون ومساعدتهم على ذلك في بعض الأحيان. 

في العراق، لا يمكن تنزيه مشاريع الحكومة وقوانينها وتعييناتها، من أبعاد سياسية وانتخابية، فإن حققت هذه المشاريع شيئا من النجاح، يلمس المواطن إيجابياتها على المدى القريب، ويدفع ثمن سلبياتها بمرور الوقت، والفشل بانتظار كلّ ما هو ارتجالي وفوضوي، ولعل العراق هو المثال الأبرز في المنطقة بفشل المشاريع وفوضوية وقصور التخطيط، الأمر الذي دائماً ما يستدعي تشاؤم العراقيين الذين يعيشون معاناة يومية متعددة الأوجه، أحد أسبابها تراخي تطبيق القوانين وفوضويتها. 

* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”    

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

ركّز النظام السياسي الحاكم في العراق على تسويق الحكومة كحكومة خدمات أكثر منها سياسية، فجاء محمد شياع السوداني ببرنامج حكومي مليء بالوعود والمشاريع والدرجات الوظيفية على ملاك الدولة والضمانات، لمنع انفجار الشارع مرّة أخرى بعد تشرين الأول 2019. 

ولعل أبرز مشاريع حكومة السوداني -والتي من شأنها لو تحققت فعلاً إحداث نقلة ملموسة بحياة العراقيين- هما مشروعا الضمانين الصحي والاجتماعي، واللذين شرعت الحكومة بالعمل عليهما مطلع عام 2023 الجاري. 

تاريخ ضمانات الدولة 

  • الصحي 

بالعودة إلى التاريخ، يمكن وضع القطاع الصحي في العراق منذ تأسيس دولته عام 1921 حتى اليوم في 5 مراحل، جرى التطرق لعدة أشكال من الضمان الصحي في 3 مراحل منها. 

المرحلة الأولى: من عام 1921 إلى 1951، وفيها تأسست وزارة الصحة وألغيت فوراً وأُدمجت كمديرية ضمن وزارة الداخلية ثم ضمن وزارة الشؤون الاجتماعية، واقتصر دورها في تلك الفترة على تقديم رعاية صحية محدودة، في وقت تفاقم انتشار أمراض خطرة كالملاريا والبلهارزيا والسل والجدري وغيرها، دون وجود أيّ إجراءات أو علاجات تقدمها المؤسسة الصحية باستثناء عزل المرضى بانتظار الموت الحتمي. 

المرحلة الثانية: من عام 1952 إلى 1963، وهي الفترة التي تأسست فيها وزارة الصحة وشهدت الانقلاب على الملكية وتأسيس الجمهورية، وشهد القطاع الصحي تطوراً ملحوظاً فوصل عدد المستشفيات العامة إلى نحو 131 مستشفى في عام 1963، وهو العام الذي شهد تشريع قانون “التأمين الصحي في الأرياف” رقم 131 لتحسين الواقع الصحي وتشجيع الأطباء على الانتقال للأرياف والعمل فيها. 

المرحلة الثالثة: من عام 1964 إلى 1990، وشهدت تلك الفترة -وفقاً لتقارير اليونيسف- ذروة التطور التصاعدي في القطاع الصحي، حيث وصلت نسبة تقديم الخدمات الصحية المجانية لـ97 بالمئة من سكان المدن و71 بالمئة من سكان الريف وكانت 2 بالمئة فقط من أسرّة المستشفيات العامة تدار بشكل خاص، وذلك في العام الذي سبق غزو العراق للكويت وتعرضه لعقوبات اقتصادية. 

وشهدت هذه المرحلة تشريع قانونين خاصين بالضمان الصحي، الأول قانون رقم 211 لعام 1975، وهو “قانون المؤسسة العامة للتأمين الصحي والصحة الريفية” الذي هدف إلى تأسيس مؤسسة باسم (المؤسسة العامة للتأمين الصحي والصحة الريفية)، ويكون مركزها ببغداد، وترتبط بوزارة الصحة، لتأمين تقديم الخدمات الصحية للمواطنين كافة دون الحاجة للاشتراك. 

أما الثاني فقد كان قانون “صناديق الضمان الصحي لموظفي دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي” رقم (101) لسنة 1985، وكان هذا أول قانون يمنح خدماته للموظفين والمواطنين المشتركين فقط، لكنه منح حرية اختيار الاشتراك من عدمه للجميع دون استثناء. 

المرحلة الرابعة: من عام 1991 إلى 2002، مع العقوبات الخانقة على العراق، بعد اجتياحه الكويت، انهار القطاع الصحي بشكل كبير، فانخفض تمويله الحكومي بنسبة 90 بالمئة حتى وصل إلى 50 مليون دولار فقط في عام 2002 (أقل من دولارين اثنين للفرد الواحد) بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.  

المرحلة الخامسة: الفترة من عام 2003 حتى الآن، شهدت ارتفاعاً كبيراً بتخصيصات وزارة الصحة حيث بلغت عام 2004 -وفقاً للصحة العالمية- نحو مليار دولار (نحو 39 دولارا للفرد الواحد)، لكنها عاصرت في الوقت ذاته أعتى مستويات الفساد المالي والإداري في تاريخ الدولة. 

كذلك شهدت إعادة العمل بنظام الضمان الصحي المبني على الاشتراك مع إضافة العديد من التعديلات، حيث صوّت مجلس النواب على قانون الضمان الصحي الذي يضم 12 فصلاً و44 مادةً في عام 2020، وأطلقت وزارة الصحة استمارة الانضمام للمواطنين في مطلع عام 2023 معلنةً دخوله حيّز التنفيذ. 

  • الاجتماعي 

أما قانون الضمان الاجتماعي فشرع أول مرة في العراق عام 1935 لكنه ألغي وحلّت محلّه قوانين مشابهة في مناسبات كثيرة. 

في عام 1971 شُرِّعت النسخة قبل الأخيرة من قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، وكانت تشتمل على 13 فصلاً و118 مادة، وواجه القانون عشرات التعديلات خلال حقبة النظام السابق وكذلك بعد سقوطه، ففي عام 2007 أجرى مجلس النواب أول تعديل على القانون (خلال فترة النظام البرلماني) لكنه لم يدخل حيّز التنفيذ وبقي في أدراج المكاتب التشريعية والتنفيذية حتى قامت حكومة السوداني بإلغائه وإصدار بديل عنه نشرته جريدة الوقائع العراقية في آب الماضي. 

ضمان صحيّ جديد 

في شهر تشرين الثاني 2023، كشف صالح الحسناوي وزير الصحة عن المباشرة بتطبيق قانون الضمان الصحي في الأجنحة الخاصة بمستشفيات بغداد والتمريض الخاص، بدعم مباشر من رئيس الوزراء ومساندة لجنة الصحة والبيئة النيابية والأمانة العامة لمجلس الوزراء. 

وفق الحسناوي، فقد شُمِل بقانون الضمان الصحي وزارات الكهرباء، والتعليم العالي والبحث العلمي، والاتصالات، ومكتب رئيس الوزراء، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، ومجلس الخدمة الاتحادي. 

“موظفو الوزارات المشمولة بالقانون في حال حاجتهم إلى الخدمات الصحية يتوجهون مع عائلاتهم إلى المستشفيات المخصصة لهم، وسيتلقون خدمات طبية بأسعار مدعومة بشكل كبير تصل أحياناً إلى 90 بالمئة من قيمة الخدمات المقدمة في الأجنحة الخاصة”، وفق وزير الصحة. 

أما المشمولون في برنامج الرعاية الاجتماعية فستقوم الدولة بتغطية 99 بالمئة من الخدمات المقدمة لهم، وفقاً للحسناوي الذي بيّن أن “الهدف من قانون الضمان الصحي هو الحد من مستوى الفقر وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين المشمولين بالرعاية الاجتماعية، إضافة إلى حماية الموظفين المشمولين بالقانون من أعباء مالية متراكمة من الخدمات الصحية”. 

وأطلق الحسناوي ما يشبه حلماً، “المشمولين بالضمان الصحي عند مراجعتهم للمستشفيات المخصصة لهم سيجدون أجنحة وغرفاً خاصة بالضمان الصحي لخدمتهم”. 

وفق مخطط الوزارة، فإنه من المقرر أن تشمل المرحلة الأولى من القانون 300 ألف موظف مع عائلاتهم إضافة إلى 100 ألف شخص من المشمولين بالرعاية الاجتماعية، وتنطلق، تباعاً، مراحل جديدة لتطبيق قانون الضمان الصحي وشمول وزارات ومؤسسات جديدة. 

بالتفصيل 

قانون الضمان الصحي رقم (22) لسنة 2020 بنسخته النهائية المصادق عليها من قبل رئاسة الجمهورية والمنشور بجريدة الوقائع بتاريخ 23/12/2020، أقر بتشكيل هيأة للضمان الصحي وصندوق مالي تابع لها، وكشف عن 8 مصادر لتمويله وهي: تخصيصات في الموازنة العامة للدولة، مساهمات أرباب العمل وأصحاب الشركات، المنح والهبات والتبرعات والمساعدات من داخل وخارج العراق، إيرادات استثمار الهيأة، بدلات الاشتراكات الشهرية والسنوية، نسبة 35 بالمئة من ضرائب المواد الضارة كالسجائر والمشروبات الكحولية، فوائد الأموال المودعة في المصارف، وأخيراً مبالغ الغرامات وفوائد الديون للاشتراكات المتأخرة. 

وتشمل الخدمات الطبية المقدمة ضمن نظام التأمين الصحي: الخدمات الوقائية، الخدمات العلاجية، الأدوية والمستلزمات الطبية، خدمات الأشعة والتصوير الطبي، خدمات العلاج الطبيعي، خدمات الفحوصات المخبرية. 

ولهيأة الضمان الصحي العديد من الامتيازات بحسب القانون، فهي معفيّة من الضرائب والرسوم، ولا يجوز حجز أموالها أو بيع ممتلكاتها بسبب الديون المتراكمة، فضلاً عن استثنائها من أحكام قانون توزيع أرباح المنشآت الاقتصادية العامة رقم (56) لعام 1982 أو أي قانون يحلّ محله. 

يُلزم قانون الضمان الاجتماعي جميعَ موظفي الدولة بالاشتراك، لكنّه يمنح خيار الاشتراك من عدمه لكل من: المتقاعدين، النقابات، الجمعيات، الشركات وأرباب العمل، والمواطنين وعائلاتهم بشكل منفرد. 

ويُمنح المشتركون بطاقة الضمان الصحي وتقدم لهم خدمات الاشتراك بعد 6 أشهر من تاريخ التسجيل، وعلى مجلس إدارة هيأة الضمان الصحي إعلان تسعيرة الخدمات الصحية للمشتركين وإصدار قائمة بأدوية الضمان الصحي وقائمة بالخدمات الصحية والعمليات الجراحية المضمونة بالتعاون مع وزارة الصحة والتنسيق مع النقابات المعنية، وكذلك تحدد الهيأة الحدَّ الأعلى المسموح من زيارات المشتركين للأطباء سنوياً بحسب العمر والحالة الصحية. 

تستوفي هيأة الضمان الصحي الاشتراك من المضمونين لمرة واحد فقط، وتتراوح قيمته من 10 آلاف دينار بالنسبة لموظفي الدرجة السابعة فما دون وغير الموظفين، إلى 100 ألف دينار بالنسبة للمدراء العامين وموظفي الدرجات العليا والخاصة، ويستثنى من دفع الاشتراك كل من: المشمولين بالرعاية الاجتماعية، والأطفال دون سن الخامسة، والذكور من غير الموظفين أو المتقاعدين ممن تجاوزت أعمارهم 60 عاماً والإناث بعمر 55 عاماً فما فوق. 

أما القسط الشهري، فقد أقر القانون استقطاع نسبة 1 بالمئة من رواتب كافة موظفي الدولة والمتقاعدين وما يقابلهم في القطاع الخاص، ونسبة 2.5 بالمئة من رواتب الدرجات العليا والخاصة وما يقابلهم في القطاع الخاص. 

الاشتراك المدفوع من قبل المضمون يعفي كل من: الزوج أو الزوجة، الأبناء لغاية سن 21 سنة أو 24 سنة من المستمرين بالدراسة، الوالدين والأخوات العازبات من غير الموظفين أو المتقاعدين. 

يدفع جميع المشمولين بالقانون نسبة 10 بالمئة من قيمة الخدمات الصحية عند المراجعة، ونسبة 25 بالمئة من قيمة الدواء وكلفة المختبر والأشعة والأسنان بالنسبة للموظفين العاديين وما يقابلهم في القطاع الخاص، و50 بالمئة من القيمة بالنسبة لأصحاب الدرجات العليا وما يقابلهم. 

كذلك يدفع المشمولون نسبة 10 بالمئة من كلفة العمليات الجراحية عند إجرائها في الأجنحة الخاصة بالمستشفيات الحكومية، و25 بالمئة من كلفتها عند إجرائها في مستشفيات القطاع الخاص، وتستثنى عمليات التجميل ما عدا الحالات الناشئة عن الحروق والحوادث والتشوهات الخلقية الولادية. 

أما أرباب العمل وأصحاب الشركات الخاصة والقطاع المختلط فيدفعون نسبة 1 بالمئة من دخل العمال والموظفين لتمويل صندوق الهيأة. 

وأعفى القانون كلّاً من المصابين بالسرطان والأمراض النفسية والعقلية والعجز الكلوي المعالج بالديلزة وأمراض الدم الوراثية والعَوَق الجسدي والأمراض الذهنية، بضمنه داء التوَحّد، وكذلك أعفى المعاقين من منتسبي القوات المسلحة بكافة أصنافها، من دفع الاشتراك والقسط الشهري وجميع النسب الواردة في بنود القانون، ومنحهم جميع تلك الخدمات مجاناً. 

وفي مادته الثامنة والثلاثين، ألغى القانون ارتباط دوائر الصحة بالمحافظات وفكّها عن مجالس المحافظات وأعادها، بصورة مركزية، الى وزارة الصحة. 

كما ألغى القانون العمل بقوانين أعوام (1963 / 1975 / 1985) ومنع العمل بأي نصٍّ يتعارض مع أحكامه، ومنح مجلس الوزراء صلاحية فكّ ارتباط هيأة الضمان الصحي عن وزارة الصحة بعد مرور 5 سنوات على تأسيسها. 

عن الواقع الصحي  

قبل اتّساع رقعة شمول الضمان الصحي ليستوعب جميع المواطنين، وفقاً لطموح وزارة الصحة، تجدر الإشارة إلى حقيقة ما يمر به القطاع الصحي في البلاد وحجم ترديه وتهالك بنيته التحتية وهياكله الإدارية والسياسية. 

في السابع من أيار الماضي، علّق ماجد شنكالي رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان على تردي الواقع الصحي في البلاد، كاشفاً عن تراكمات وإخفاقات وفساد على مدار عقود. 

“هناك مشاكل تزيد الوضع تعقيداً”، وقال شنكالي إن “أولها قلة مخصصات القطاع الصحي قياساً بالمطلوب، (..). إضافة إلى قلة عدد المستشفيات قياساً بأعداد السكان، حتى أن المستشفيات القائمة لا ترقى إلى مستوى الطموح”. 

وفق شنكالي، طلبت وزارة الصحة 19 ترليون دينار (15 مليار دولار) من الموازنة لعام 2023، بينما خصصت الحكومة نحو 10 ترليونات دينار (7.5 مليارات دولار)، ورغم أن هذا الرقم هو أعلى تخصيص مالي لقطاع الصحة في تاريخ العراق، لكنه ليس كافياً، وإن القطاع بحاجة إلى 15 مليار دولار سنوياً لتطوير النظام الصحي، وعدد السنوات المطلوبة لتحقيق ذلك يعتمد على حجم ما يخصص للمشاريع. 

وحول قانون الضمان الصحي، صرّح شنكالي بأن البداية ستكون بـ10 بالمئة من المشمولين من الموظفين وعوائلهم في بغداد، ثم يتوسع تباعاً، وسيبدأ بالأجنحة الخاصة في المستشفيات الحكومية ودائرة التمريض الخاص، والمؤسسات التي تقدم الضمان الصحي ستتسلم مبالغ تساعدها على تأهيل مرافقها وتطوير إمكانياتها، لافتاً إلى تحفّظات لجنة الصحة النيابية على بعض بنود القانون. 

وفي الثاني عشر من شهر تشرين الثاني الماضي، هاجم رئيس لجنة الصحة النيابية مواطن الضعف والفساد بوزارة الصحة، وذكر في تصريحات صحفية إن النظام الصحي في العراق نظام اشتراكي، لا يوجد فيه أي قطاع خاص يقدم خدمة حقيقية، وكشف عن ترهل وظيفي وبطالة مقنعة “كبيرة جداً”، فمثلا، يضم مستشفى اليرموك ببغداد 1150 موظفاً يعملون في المختبرات فقط، وهذا يرهق كاهل التمويل المالي للوزارة الذي يُصرف 60 بالمئة منه كرواتب، و20 بالمئة كنفقات تشغيلية، وعند تقسيم المبلغ الباقي -وهو تريليون و651 مليارا- على أبناء الشعب العراقي، فإن حصة الفرد هي مئتي دولار في السنة، أي 17 دولارا شهرياً، وهذا مبلغ قليل جداً، فهناك دول تصل فيها قيمة الضمان الصحي إلى 6000 دولار سنوياً، وأغلب الدول المجاورة وحتى الفقيرة مثل الأردن وإيران، هم أفضل من العراق بكثير في هذا المجال، وفقاً لشنكالي. 

ولم يفت شنكالي أن يتحدث عن ضرورة الفصل بين القطاع الخاص والعام، فمعظم العاملين في القطاع الخاص هم موظفون في القطاع العام، ما يخلق تضارباً. 

البنى التحتية والموارد البشرية لقطاع الصحة 

حسب تقرير الإحصاء السنوي لعام 2020 الذي أصدرته وزارة الصحة، يمتلك العراق 2.805 مراكز صحية للرعاية الأولية منها 1.298 مركزاً رئيسياً و1.516 مركزاً فرعياً، ما يعني أن هناك مركزا صحيا واحدا لكل 14.314 نسمة، فيما يمتلك 295 مستشفى حكوميا ومركزاً تخصصياً يحتوي أسرّة و155 مستشفى أهليا، ويبلغ عدد الأسرّة الكلية الحكومية 49.825 سريراً منها 9.000 سرير طوارئ، أي بمعدل 1.2 سرير لكل ألف نسمة، وذلك وفقاً لإحصائيات عام 2022. 

وتبلغ أعداد الملاكات الصحية 346.920 (شاملاً العاملين في كردستان والمنسّبين على وزارة التعليم العالي)، منهم 295.269 عاملاً في وزارة الصحة الاتحادية. 

ويبلغ عدد الأطباء الكلي 38.865 طبيباً، وأطباء الاختصاص 14.266 طبيباً، وأطباء الأسنان 14.003 أطباء، والصيادلة 16.512 صيدلياً، و89.990 هو عدد الملاكات التمريضية، و90.327 عدد ذوي المهن الصحية. 

ضمان جديد آخر 

  • الاجتماعي 

بالتوازي، روّجت حكومة السوداني، منذ مطلع 2023  لقانون ضمان آخر: الضمان الاجتماعي، بوصفه خطوة كبيرة ونقلة مهمة لضمان حقوق العاملين بالقطاع الخاص، مع تفاؤل كبير بأن تشريع هذا القانون سيُغيّر من ثقافة التعيين الحكومي السائدة، وينشط القطاعات الخاصة؛ بالنظر لما يوفره من امتيازات للعمّال مُشابهة لتلك المُخصَّصة لموظفي القطاع الحكومي. في بلد اتسعت فيه قاعدة المستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية إلى أكثر من 7 ملايين مستفيد، وفق آخر تصريح لأحمد الأسدي وزير العمل. 

في السابع عشر من شهر 2023، حين صوّت مجلس النواب على النسخة الأخيرة من مسودة “قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم (18) لعام 2023” المرسل من قبل الحكومة والمكون من 13 فصلاً و109 مواد فألغى ما سبقه، وصادق عليه رئيس الجمهورية ونشر في جريدة الوقائع بتاريخ 28/8/2023. قبل ذلك وفي عام 2007 أجري تعديل على قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لعام 1971، أقر توسيع دائرة المضمونين ليشمل العاملين بالقطاع الخاص، لكنه افتقر للتفصيل فلم يدخل حيّز التنفيذ. 

مستحدثات الضمان الاجتماعي 

بعد تشريع قانون الضمان الجديد، يمكن ملاحظة وجود جدية أكبر بشمول شريحة العاملين بالقطاع الخاص والمختلط والتعاوني وحتى المواطنين غير العاملين، فذكرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن القانون يشمل معظم أبناء الشعب إضافة للعمال العاملين في القطاعات الخاص والتعاوني والمختلط، وذلك عن طريق (فرع الضمان الاختياري) حيث يتيح هذا الفرع الجديد لفئات جديدة كالعاملين لحسابهم الخاص وأصحاب العمل والقطاع غير المنظم الشمول بأحكام هذا القانون ويوفر لهم ضمان التقاعد والشيخوخة والعجز والوفاة وذلك باستقطاع نسبة معينة من الاشتراك حسب نوع العمل ويتم تحديد الحد الأدنى لأجور العمال العاملين في القطاع غير المنظم استنادا إلى تقارير الخبراء الخاصة بسوق العمل في العراق. 

كما نشرت دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تلخيصاً كشفت فيه الفروع الجديدة لقانون الضمان الاجتماعي والمشمولين الجدد. 

فروع جديدة 

هنالك 4 فروع في قانون الضمان الاجتماعي الجديد، وهي:  

  1. فرع مكافأة نهاية الخدمة  
  1. فرع إعانة التعطيل عن العمل  
  1. فرع الضمان الاختياري وضمان العاملين في القطاع غير المنظم  
  1. فرع ضمان الحمل والأمومة. 

أمّا أول الفروع، فإن أحكامه موجودة ضمن المادة 78 من القانون النافذ ونظرا لأهمية هذا الاستحقاق أدرج كفرع من فروع الضمان يمكن للعامل المضمون من خلاله سحب رصيده من نسبة الاشتراكات التي دفعها والبالغة 6 بالمئة إذا لم تؤهله خدمته لاستحقاق الراتب التقاعدي. 

وإعانة التعطيل عن العمل، فرع جديد آخر، يمثل تعويضاً للعامل عند انتهاء خدمته لسبب خارج عن إرادته مع قدرته على العمل ورغبته فيه وتم تحديد مبلغ التعويض عن العمل حسب اشتراكات العامل، تصرف له على شكل دفعات لمدة تتراوح بين 3 – 6 أشهر لحين التحاقه بعمل جديد. 

وكسابقه، فرع الضمان الاختياري، جديد ضمن القانون الجديد يمكن من خلاله شمول الراغبين من أصحاب العمل أو من يعمل لحسابه الخاص أو شريك مع الغير أو يعمل خارج العراق بأحكام ضمان التقاعد والشيخوخة والعجز والوفاة حصراً. 

أما فرع الحمل والأمومة ضمن مشروع القانون الجديد، فإن فترة الإجازة للعاملة المضمونة الحامل في القانون النافذ حالياً شهر قبل الولادة وستة أسابيع بعد الولادة وفي الحالات الصعبة تستمر لغاية 9 أشهر، أما في القانون الجديد أصبحت مدة الإجازة شهرا قبل الولادة و12 أسبوعاً بعدها وبقيت مدة 9 أشهر في حالات الولادة الصعبة والمضاعفات كذلك تمنح 50 بالمئة من أجرها الشهري لثلاثة أشهر لاحقة في حالة عدم شفائها بعد مرور فترة الـ9 اشهر، أما الامتيازات الأخرى التي ضمنها القانون فهي منح العاملة المجازة بسب الحمل والولادة تعويضاً يعادل 75 بالمئة من أجرها المدفوع عنه الاشتراكات. 

المشمولون الجدد 

بالإضافة الى العاملين في القطاع الخاص والمختلط والتعاوني فبالإمكان، وضمن القانون الجديد، شمول فئات لم تشملها التشريعات السابقة وذلك من خلال الضمان الاختياري وضمن أحكام ضمان التقاعد والشيخوخة والعجز والوفاة فقط، وهذه الفئات هي: 

1- العاملون لحسابهم الخاص: كل شخص يعمل لحسابه الخاص ولا يعمل لدى الغير ولا ينطبق عليه تعريف العامل المنصوص عليه في قانون العمل النافذ ويتم شمولهم ضمن فرع الضمان الاختياري لأغراض التقاعد والشيخوخة وتكون نسبة تسديدهم للاشتراك 13 بالمئة من فئة دخل الاشتراك المنصوص عليها قانونا. 

2- القطاع غير المنظم: وهو يمثل مجموعة الأفراد والمشاريع الصغيرة التي تنتج سلعا أو تقدم خدمات أو تقوم بتوزيعها وتعمل لحسابها الخاص بدون ترخيص، حيث يتم استقطاع 6 بالمئة من راتب الحد الأدنى للأجر المقرر في سوق العمل، فيتم تحديد راتب الحد الأدنى للأجر المقرر للفئات المذكورة في سوق العمل لاحتساب الاشتراك بهذا الضمان. 

تفاصيل  

يهدف قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم (18) لعام 2023، وبحسب نسخة الوقائع، إلى تحقيق العيش الكريم للمشمولين بأحكامه وزيادة أعدادهم، وتعزيز التكافل الاجتماعي والعدالة بتوزيع الدخل بين المواطنين، وتوفير استقرار نفسي ومادي وحماية الدخل للمضمونين وأسرهم وخلفهم عند العجز والإعاقة والشيخوخة والوفاة، كذلك يهدف لتسهيل الانتقال بين القطاعات العام والخاص والتعاوني والمختلط، وتوحيد أحكام القانون الخاصة بالحقوق التقاعدية ومساواتها بين جميع المضمونين. 

 يؤسس القانون دائرة تابعة لوزارة العمل باسم “دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال”، ويكون لها صندوق خاص يُدار بواسطة مجلس إدارة مكون من 13 شخصاً يتولى جميع المهام الخاصة بالصندوق ويمتلك جميع صلاحياته. 

يُمول الصندوق من 4 مصادر، وهي: مبالغ الاشتراكات والغرامات والرسوم المدفوعة للدائرة، وريع أموال الصندوق المنقولة وغير المنقولة، وعوائد استثمار أموال الصندوق، والهبات والتبرعات والوصايا والقروض وغيرها، كما تُعفى أموال الدائرة والصندوق المنقولة وغير المنقولة وعوائدها من الضرائب والرسوم. 

وألغى القانون الجديد قانون “التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم (39) لعام 1971″، لكنه أبقى الأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه نافذة لحين صدور ما يحل محلها أو يلغيها، كما أوجب تنفيذه بعد مرور 90 يوماً على تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، أي إنه دخل حيّز التنفيذ قانونيا بتاريخ 28/11/2023. 

في صباح الثالث من كانون الأول 2023، زار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليعلن دخول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال حيّز التنفيذ، الإعلان الذي سبقه تصريح لوزير العمل أحمد الأسدي “زف خلاله البشرى” لجميع المتقاعدين، وفق تعبيره، بأن حد رواتبهم الأدنى سيكون 500 ألف دينار. 

لا ضمان للضمانات 

ورغم التفاؤل الكبير الذي تتحدث به الحكومة عن القانون إلا إنه ليس مثالياً، ويتطلب تنفيذه تعليمات وتنظيما وجهوداً كبيرة، تضمن فاعليته وتحفظه من الفساد، كما تحيطه، وقانون الضمان الآخر، مخاوف الشارع العراقي من تكرار تجارب حكومات سابقة، تبنت مشاريع عملاقة وانتهت بلا شيء، لكن هنالك شبه إجماع على أن تشريع هذا القانون خطوة، بحاجة إلى أخريات. 

شمل القانون فئات مجتمعية كان القانون السابق رقم 39 لعام 1971 يستبعدها، مثل القطاعات العمالية غير المنظمة كأصحاب سيارات الأجرة والنساء اللاتي يعملن بالخياطة وأصحاب التجارة المتنقلة وغيرهم، بشرط دفع الاستحقاقات التقاعدية التي حددت بنسبة 7 بالمئة مما يتقاضاه العامل بالقطاع الخاص، على أن يدفع صاحب العمل 8 بالمئة. 

ومن بين مزاياه، تحديد تقاعد العمال المسجلين بعد 15 عاماً من الخدمة، مع إمكانية شراء 5 سنوات خدمة من الدولة في حال كان عدد سنوات خدمة العامل 10 سنوات، شريطة دفع العامل المستحقات التقاعدية لصندوق تقاعد العمال لهذه السنوات الخمس. 

أما ثغرات القانون، فعلى الرغم من إلزامه مسؤولي القطاع الخاص والمصانع بتسجيل العمال، إلا أن المشكلة الكبرى تكمن برفض أو تجاهل أو مراوغة الكثير منهم الالتزام بالقانون، ما يتطلب جهداً تثقيفياً وتنظيمياً ورقابياً للحكومة على القطاع الخاص وإلزام مسؤوليه بضمان حقوق العاملين لديهم، لا سيما أن حجم السوق غير النظامية واسع جداً. 

كذلك تعد نسبة الاستقطاع من العمال المضمونين سنوياً ضعف ما يتم استقطاعه من الموظفين الحكوميين، وهو ما قد يشجع العديد من العاملين على قبول تهرّب مسؤوليهم من القانون ومساعدتهم على ذلك في بعض الأحيان. 

في العراق، لا يمكن تنزيه مشاريع الحكومة وقوانينها وتعييناتها، من أبعاد سياسية وانتخابية، فإن حققت هذه المشاريع شيئا من النجاح، يلمس المواطن إيجابياتها على المدى القريب، ويدفع ثمن سلبياتها بمرور الوقت، والفشل بانتظار كلّ ما هو ارتجالي وفوضوي، ولعل العراق هو المثال الأبرز في المنطقة بفشل المشاريع وفوضوية وقصور التخطيط، الأمر الذي دائماً ما يستدعي تشاؤم العراقيين الذين يعيشون معاناة يومية متعددة الأوجه، أحد أسبابها تراخي تطبيق القوانين وفوضويتها. 

* تنشر هذه المادة بالشراكة مع الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية ”نيريج”