"الهوايات عابرة للجندر": مشجّعات كرة قدم حتى النفس الأخير 

أماني الحسن

14 أيلول 2023

يُوغل بعض الرجال بمركزة الكون حول أنفسهم، يعتقدون أن كلّ ما تفعله المرأة هو للفت نظرهم، ولسرقتهم من لحظاتهم، أو للتقرّب منهم أكثر، لكن "الهوايات عابرة للجندر".. عن مشجّعات كرة قدم حتّى النفس الأخير.

انتهت المباراة لصالح الخصم! 

ريـال مدريد، الفريق الذي رافقته منذ طفولتي وقادني في أشدّ أيامي حلكة إلى مزاج أفضل، خسر ليلة 17 أيار أمام مانشستر سيتي. رأيت فريقي يودّع أبطال أوروبا بهزيمة سيئة. ومع علمي بأن لاعبين كثراً رافقونا على مدى أعوام سيُغادرون هذا العام نتيجة تقدّمهم في السن، تصبح الأحزان مضاعفة. 

أتذكر المرة الأولى التي بدأت بالاهتمام بكرة القدم، والوقوع في هوى صخبها وتوترها. كنت مع والدي الذي كان الفريق الإسباني بالنسبة له كمكّون من مكونات حياته. 

ورغم أن مدريد لم يكن بشكله الأفضل في الأعوام التي تلت غزو العراق، إلا أن والدي دائماً ما أخبرني “لا يخيب ظنّ من يشجع الريال”. 

تلك المشاعر المختلطة بشأن ناديَّ الرياضي، قطعتها أصوات رجال مارّة، وجهوا كلمات بشعة ونابية إلى الفريق الذي كنت ارتدي قميصه الأبيض المصمم حديثاً، وعلى ظهري اسم فينيسيوس جونيور، اللاعب البرازيلي الذي عومل بعنصرية. 

اعتقدتُ أن المنافسة بين الفريقين هي من شدّت الرجال إلى رفع صوتهم بتلك الشتائم، إلا أنني سرعان ما وجدت أضعافها على مواقع التواصل الاجتماعي: هجوم على النساء اللواتي يدافعن عن فريقهن بجمل مثل “هي خربت الطوبة من كامن يشجعن النسوان”، “تريد تسوي روحها تفتهم بالطوبة”، “يابه شجابجن على الطوبة مو حتى خربتنها”، “ها هم لحكتنا عليها؟!”. 

كان مناصرو ريال مدريد من الرجال يصبّون جزءاً من غضبهم على كل النساء اللواتي يُدلين بآرائهن بسير المباراة وخططها وتشكيلة فريقها. 

إلى المطبخ! 

“لا توجد نساء تفهم كرة القدم، يلا للمطبخ”، سمعت فرقان سلام هذه الجملة من رجالٍ بصياغات مختلفة، بعضهم أضاف عليها لتكون أقسى، وبعضهم من خفّفها. 

تعمل فرقان مصورة فوتوغرافية في مدينة الناصرية، وتقضي أغلب أوقاتها في تصوير الناس وحياتهم، الشوارع وتغيّراتها، والعمل وظروفه. 

والفتاة التي تبلغ من العمر 20 عاماً، تُحبّ كرة القدم، وترتدي قمصاناً لفرق أوروبية وخاصة فريقها المفضل “برشلونة” وأحياناً قميص الأرجنتين، المنتخب الذي تحبّه وتحرص على مشاهدة مبارياته. 

“مرّة كنت ذاهبة لتصوير معمل طابوق في الناصرية، ارتديت يومها قميص الأرجنتين وهو فريقي المفضل”، تروي فرقان. “لم يكف الذكور عن التحرّش الذي يتمحور حول الأرجنتين والقميص الذي أرتديه”. 

يشيع بين الرجال في مجتمعنا أن مشاهدة المرأة لكرة القدم وتفاعلها معها تسلب من انتمائهم للرياضة، كما يعدّون النساء مزاحمات ودخيلات على ما هو “رجولي خالص”، ويستخلص البعض السلطة من هذا التصوّر لمهاجمة مشجعات كرة القدم. 

فرقان كغيرها من النساء، لا تواجه العنف اللفظي في الشارع فحسب، وإنما يلاحقها على مواقع التواصل حين تتحدّث في مجالات مختلفة، يعتقد الرجال أنها حكرٌ عليهم.  

“في بعض الأحيان لا يكتفون بالتنميط، ولكن يذهبون إلى الحديث الجنسي ويستعرضون رغبتهم في التعارف فأضطر إلى حذف آرائي”، تقول فرقان.  

  

طقوس التحوّل إلى مشجعة 

بعض الرجال يخوضون حوارات مع النساء بشأن كرة القدم، بيد أن الحوار يتحوّل إلى مُساءلة وتحقيق بمرور وقت الحديث، ومن ثم تصبح المحادثة كلّها محاولة لإثبات المرأة أنها على دراية كاملة بكرة القدم. 

خاضت بنين أسعد، وهي طالبة من بغداد تبلغ من العمر (22) عاما، حواراتٍ مُشابهة، لكنها خرجت مُنتصرة في بعضها. 

“عندما أدخل في نقاش مع رجال يعتقدون أنهم يفهمونها أكثر مني، لكن مع استمرار الحديث يكتشفون انني أحلل كرة القدم أفضل منهم لذا يتقبلونني”. 

تشجع نور جمال ريال مدريد أيضاً، ولا تدخر جهداً في التعليق على المباراة على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء سير المُباريات، وأحياناً تجري تحليلاً بعد انتهائها. 

“عندما أتحدث عن كرة القدم يسألوني هل تعرفين التسلل؟ هل تعرفين ماذا تعني البطاقة الصفراء؟ هل يمكنك تعداد جميع أسماء اللاعبين؟ أنهم يستهزئون بي”، تقول جمال. 

سلسلة الأسئلة، بطبيعة الحال، لا تبحث عن إجابات، فهناك صنف من الرجال يسألونها ليقبلوا المرأة “هاويةً” لكرة القدم، وليس “مشجعة متخصصة” تعرف بتاريخ اللعبة الأشهر في العالم وحاضرها. 

تعتقد جمال أن غياب المرأة في مؤسسات لعبة كرة القدم، وعدم وجودها في المدرجات، يقلل اعتقاد الرجال باهتمام وفاعلية المرأة في اللعبة التي يتنافس فيها فريقان من 22 لاعباً للفوز. 

“حتى في كأس العالم بنسخته القطرية كان وجود النساء خجولاً، نحتاج إلى تواجد مكثف أكثر لنفرض على الرجال حضور النساء”. 

يُشجّعنَ من أجلنا 

يوغل بعض الرجال بمركزة الكون حول أنفسهم، يعتقدون أن كل ما تفعله المرأة هو للفت نظرهم، ولسرقتهم من لحظاتهم، أو للتقرّب منهم أكثر.  

فعندما ترتدي نساء ملابسَ رياضية فهي لإثارتهم، وعندما تضع المكياج تحاول نيل إعجابهم؛ أما من تشجع كرة القدم فهي لإثارة انتباههم. بالنسبة لهؤلاء الرجال، فإنه لا يوجد فعل تقوم به النساء هو فعل خالص لهن. 

تشجّع إسراء علي، وهي خريجة جامعة المثنى في البايولوجيا، فريق برشلونة الإسباني، وكرة القدم من هواياتها الأساسية التي تحرص عليها. 

وعندما التقت إسراء للمرة الأولى بخطيبها السابق وأخبرته بهوايتها، لم تحصل إلا على السخرية. “جلست أمامه وأنا أشعر بأنه يستهزئ بي بسبب ضحكاته التي تعالت بعد إخباري له بأنني أشجع برشلونة”. 

“بنبرة ساخرة وبضحك مستمر قال عددي لي أسماء اللاعبين، ثم استمر بالضحك”. 

لم ينتهِ الأمر في ذلك اللقاء، واستمر الاستهزاء بها لأسابيع عدّة لأنه كان يعتقد أنها تريد إثارة الانتباه لها، وبدا واثقاً أن إسراء لا تفقه شيئاً في كرة القدم. 

لا تنبع هذه الثقة من معرفة، بل من افتراض أن النساء يُبارين الرجال في تشجيع كرة القدم، ومعرفة قوانين اللعبة ومدربيها ولاعبيها. 

والشعور بالمنافسة، هو نفسه الذي كان سائداً عندما قرّرت النساء الانخراط في العمل والسياسة، وهو أيضاً الشعور نفسه الذي تواجهه النساء في الشوارع والمساحات العامة، عندما يُضيّق عليها الرجال لفظاً، أو ينظرون إليها ريبة، لتشعر المرأة في نهاية الأمر بعدم الراحة وتترك المكان لهم. 

وفي عالم كرة القدم، فإن الرجال يسمحون لأنفسهم بمشاركة صور مشجعات جميلات على صفحاتهم ويتغزلون بهن، إلا أن وظيفتهن المُحتفى بها بالنسبة لهم، هي أن النساء يمكنهن التقليل من حدة المباريات في تواجدهن داخل الملاعب. وفي المنزل، فوظيفة المرأة هي “نشر الجمال” أو إحضار الطعام أثناء مشاهدة المباراة. 

لكن لا، لن يصل الأمر إلى إعطاء آرائهن في كرة القدم. 

  

حتى لا ينزعج الرجل 

شاهد أحمد فلاح، وهو مدوّن رياضي من البصرة، نقاشات كثيرة بين الرجال والنساء بشأن كرة القدم، وكان أيضاً منخرطاً في بعضها. 

“الرجال يفضلون إقصاء النساء على أن يناقشوهن، ربما يكتشفون أنها محللة بصورة أفضل بكثير منهم لذا يتم إقصاؤها حتى لا يكتشفوا ضعفهم”. 

يرى فلاح، بحكم مراقبته المستمرة لكرة القدم والمشجعين، أن النساء يتطوّرن في مجال كرة القدم، وبتن يقدمن آراء سديدة بما يخصّ خطط المدرب وإسناد الأدوار للاعبين. 

نساء يخترن الأجمل 

“تشجعه لأن حلو” هذا التعليق يتكرر بين حين وآخر عندما تظهر بعض الفتيات المراهقات ميلهن للتشجيع، فيُعتقد ان اختيارها للاعب خضع لمقاييس الجمال فقط. تشجع رونالدو لأنه “حلو”، ويتناسون في غمرة نقدهم المديات التي يذهبون باتجاهها وهم يتشاركون صور هذا “الحلو” مع حبيبته وهي ترتدي المايوه ويتغزلون في جسدها وإثارتها. أو يجعلون المنافسة بين حبيبة رونالدو جورجينا رودريغيز، وحبيبة ميسي انتونيلا، عمّن هي أجمل أو أفضل كزوجة، أو متابعة وتشجيع رياضات نسائية بناء على أشكال اللاعبات، كما حدث في مباراة نهائي كأس العالم للسيدات بين إسبانيا وانكلترا. لكن عندما يتعلق الأمر بمراهقة تشجع رياضياً لأنه وسيم، فهي بفعلتها تهين الكرة الساحرة، وتزلزل مفهوم حب كرة القدم، ويجب معاقبتها لفظياً حتى لا تتقرّب من العالم الذي يُراد له أن يكون أدريناليا فحسب. 

مشاهد لا بد من تكرارها 

كانت تجربة ارتداء قميص فريقي المفضل ومشاهدة المباراة خارج المنزل تجربة مريرة. لكن رغم ذلك، أرى أنها ضرورية، وعليّ تكرارها كلما استطعت. ذاك أن كسر الذكورية في الأحياز العامة، ووجود النساء في جميع مجالات الحياة، أمرٌ ضروري. فسلطة الرجال على الحقوق والحريات والهوايات يمكن تفتيتها ورفضها في فرض ممارستها.  

والحال، يمكنهم القول إننا “مسترجلات” أو “متملقات” أو “عديمات الفهم” للساحرة المستديرة، لكنهم لن يستطيعوا إلغاء حقيقة أن الهوايات لا تعترف بالجندر، وأننا، أنى استطعنا، سنكون هناك في الأماكن التي يرفضون أن نكون فيها. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

انتهت المباراة لصالح الخصم! 

ريـال مدريد، الفريق الذي رافقته منذ طفولتي وقادني في أشدّ أيامي حلكة إلى مزاج أفضل، خسر ليلة 17 أيار أمام مانشستر سيتي. رأيت فريقي يودّع أبطال أوروبا بهزيمة سيئة. ومع علمي بأن لاعبين كثراً رافقونا على مدى أعوام سيُغادرون هذا العام نتيجة تقدّمهم في السن، تصبح الأحزان مضاعفة. 

أتذكر المرة الأولى التي بدأت بالاهتمام بكرة القدم، والوقوع في هوى صخبها وتوترها. كنت مع والدي الذي كان الفريق الإسباني بالنسبة له كمكّون من مكونات حياته. 

ورغم أن مدريد لم يكن بشكله الأفضل في الأعوام التي تلت غزو العراق، إلا أن والدي دائماً ما أخبرني “لا يخيب ظنّ من يشجع الريال”. 

تلك المشاعر المختلطة بشأن ناديَّ الرياضي، قطعتها أصوات رجال مارّة، وجهوا كلمات بشعة ونابية إلى الفريق الذي كنت ارتدي قميصه الأبيض المصمم حديثاً، وعلى ظهري اسم فينيسيوس جونيور، اللاعب البرازيلي الذي عومل بعنصرية. 

اعتقدتُ أن المنافسة بين الفريقين هي من شدّت الرجال إلى رفع صوتهم بتلك الشتائم، إلا أنني سرعان ما وجدت أضعافها على مواقع التواصل الاجتماعي: هجوم على النساء اللواتي يدافعن عن فريقهن بجمل مثل “هي خربت الطوبة من كامن يشجعن النسوان”، “تريد تسوي روحها تفتهم بالطوبة”، “يابه شجابجن على الطوبة مو حتى خربتنها”، “ها هم لحكتنا عليها؟!”. 

كان مناصرو ريال مدريد من الرجال يصبّون جزءاً من غضبهم على كل النساء اللواتي يُدلين بآرائهن بسير المباراة وخططها وتشكيلة فريقها. 

إلى المطبخ! 

“لا توجد نساء تفهم كرة القدم، يلا للمطبخ”، سمعت فرقان سلام هذه الجملة من رجالٍ بصياغات مختلفة، بعضهم أضاف عليها لتكون أقسى، وبعضهم من خفّفها. 

تعمل فرقان مصورة فوتوغرافية في مدينة الناصرية، وتقضي أغلب أوقاتها في تصوير الناس وحياتهم، الشوارع وتغيّراتها، والعمل وظروفه. 

والفتاة التي تبلغ من العمر 20 عاماً، تُحبّ كرة القدم، وترتدي قمصاناً لفرق أوروبية وخاصة فريقها المفضل “برشلونة” وأحياناً قميص الأرجنتين، المنتخب الذي تحبّه وتحرص على مشاهدة مبارياته. 

“مرّة كنت ذاهبة لتصوير معمل طابوق في الناصرية، ارتديت يومها قميص الأرجنتين وهو فريقي المفضل”، تروي فرقان. “لم يكف الذكور عن التحرّش الذي يتمحور حول الأرجنتين والقميص الذي أرتديه”. 

يشيع بين الرجال في مجتمعنا أن مشاهدة المرأة لكرة القدم وتفاعلها معها تسلب من انتمائهم للرياضة، كما يعدّون النساء مزاحمات ودخيلات على ما هو “رجولي خالص”، ويستخلص البعض السلطة من هذا التصوّر لمهاجمة مشجعات كرة القدم. 

فرقان كغيرها من النساء، لا تواجه العنف اللفظي في الشارع فحسب، وإنما يلاحقها على مواقع التواصل حين تتحدّث في مجالات مختلفة، يعتقد الرجال أنها حكرٌ عليهم.  

“في بعض الأحيان لا يكتفون بالتنميط، ولكن يذهبون إلى الحديث الجنسي ويستعرضون رغبتهم في التعارف فأضطر إلى حذف آرائي”، تقول فرقان.  

  

طقوس التحوّل إلى مشجعة 

بعض الرجال يخوضون حوارات مع النساء بشأن كرة القدم، بيد أن الحوار يتحوّل إلى مُساءلة وتحقيق بمرور وقت الحديث، ومن ثم تصبح المحادثة كلّها محاولة لإثبات المرأة أنها على دراية كاملة بكرة القدم. 

خاضت بنين أسعد، وهي طالبة من بغداد تبلغ من العمر (22) عاما، حواراتٍ مُشابهة، لكنها خرجت مُنتصرة في بعضها. 

“عندما أدخل في نقاش مع رجال يعتقدون أنهم يفهمونها أكثر مني، لكن مع استمرار الحديث يكتشفون انني أحلل كرة القدم أفضل منهم لذا يتقبلونني”. 

تشجع نور جمال ريال مدريد أيضاً، ولا تدخر جهداً في التعليق على المباراة على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء سير المُباريات، وأحياناً تجري تحليلاً بعد انتهائها. 

“عندما أتحدث عن كرة القدم يسألوني هل تعرفين التسلل؟ هل تعرفين ماذا تعني البطاقة الصفراء؟ هل يمكنك تعداد جميع أسماء اللاعبين؟ أنهم يستهزئون بي”، تقول جمال. 

سلسلة الأسئلة، بطبيعة الحال، لا تبحث عن إجابات، فهناك صنف من الرجال يسألونها ليقبلوا المرأة “هاويةً” لكرة القدم، وليس “مشجعة متخصصة” تعرف بتاريخ اللعبة الأشهر في العالم وحاضرها. 

تعتقد جمال أن غياب المرأة في مؤسسات لعبة كرة القدم، وعدم وجودها في المدرجات، يقلل اعتقاد الرجال باهتمام وفاعلية المرأة في اللعبة التي يتنافس فيها فريقان من 22 لاعباً للفوز. 

“حتى في كأس العالم بنسخته القطرية كان وجود النساء خجولاً، نحتاج إلى تواجد مكثف أكثر لنفرض على الرجال حضور النساء”. 

يُشجّعنَ من أجلنا 

يوغل بعض الرجال بمركزة الكون حول أنفسهم، يعتقدون أن كل ما تفعله المرأة هو للفت نظرهم، ولسرقتهم من لحظاتهم، أو للتقرّب منهم أكثر.  

فعندما ترتدي نساء ملابسَ رياضية فهي لإثارتهم، وعندما تضع المكياج تحاول نيل إعجابهم؛ أما من تشجع كرة القدم فهي لإثارة انتباههم. بالنسبة لهؤلاء الرجال، فإنه لا يوجد فعل تقوم به النساء هو فعل خالص لهن. 

تشجّع إسراء علي، وهي خريجة جامعة المثنى في البايولوجيا، فريق برشلونة الإسباني، وكرة القدم من هواياتها الأساسية التي تحرص عليها. 

وعندما التقت إسراء للمرة الأولى بخطيبها السابق وأخبرته بهوايتها، لم تحصل إلا على السخرية. “جلست أمامه وأنا أشعر بأنه يستهزئ بي بسبب ضحكاته التي تعالت بعد إخباري له بأنني أشجع برشلونة”. 

“بنبرة ساخرة وبضحك مستمر قال عددي لي أسماء اللاعبين، ثم استمر بالضحك”. 

لم ينتهِ الأمر في ذلك اللقاء، واستمر الاستهزاء بها لأسابيع عدّة لأنه كان يعتقد أنها تريد إثارة الانتباه لها، وبدا واثقاً أن إسراء لا تفقه شيئاً في كرة القدم. 

لا تنبع هذه الثقة من معرفة، بل من افتراض أن النساء يُبارين الرجال في تشجيع كرة القدم، ومعرفة قوانين اللعبة ومدربيها ولاعبيها. 

والشعور بالمنافسة، هو نفسه الذي كان سائداً عندما قرّرت النساء الانخراط في العمل والسياسة، وهو أيضاً الشعور نفسه الذي تواجهه النساء في الشوارع والمساحات العامة، عندما يُضيّق عليها الرجال لفظاً، أو ينظرون إليها ريبة، لتشعر المرأة في نهاية الأمر بعدم الراحة وتترك المكان لهم. 

وفي عالم كرة القدم، فإن الرجال يسمحون لأنفسهم بمشاركة صور مشجعات جميلات على صفحاتهم ويتغزلون بهن، إلا أن وظيفتهن المُحتفى بها بالنسبة لهم، هي أن النساء يمكنهن التقليل من حدة المباريات في تواجدهن داخل الملاعب. وفي المنزل، فوظيفة المرأة هي “نشر الجمال” أو إحضار الطعام أثناء مشاهدة المباراة. 

لكن لا، لن يصل الأمر إلى إعطاء آرائهن في كرة القدم. 

  

حتى لا ينزعج الرجل 

شاهد أحمد فلاح، وهو مدوّن رياضي من البصرة، نقاشات كثيرة بين الرجال والنساء بشأن كرة القدم، وكان أيضاً منخرطاً في بعضها. 

“الرجال يفضلون إقصاء النساء على أن يناقشوهن، ربما يكتشفون أنها محللة بصورة أفضل بكثير منهم لذا يتم إقصاؤها حتى لا يكتشفوا ضعفهم”. 

يرى فلاح، بحكم مراقبته المستمرة لكرة القدم والمشجعين، أن النساء يتطوّرن في مجال كرة القدم، وبتن يقدمن آراء سديدة بما يخصّ خطط المدرب وإسناد الأدوار للاعبين. 

نساء يخترن الأجمل 

“تشجعه لأن حلو” هذا التعليق يتكرر بين حين وآخر عندما تظهر بعض الفتيات المراهقات ميلهن للتشجيع، فيُعتقد ان اختيارها للاعب خضع لمقاييس الجمال فقط. تشجع رونالدو لأنه “حلو”، ويتناسون في غمرة نقدهم المديات التي يذهبون باتجاهها وهم يتشاركون صور هذا “الحلو” مع حبيبته وهي ترتدي المايوه ويتغزلون في جسدها وإثارتها. أو يجعلون المنافسة بين حبيبة رونالدو جورجينا رودريغيز، وحبيبة ميسي انتونيلا، عمّن هي أجمل أو أفضل كزوجة، أو متابعة وتشجيع رياضات نسائية بناء على أشكال اللاعبات، كما حدث في مباراة نهائي كأس العالم للسيدات بين إسبانيا وانكلترا. لكن عندما يتعلق الأمر بمراهقة تشجع رياضياً لأنه وسيم، فهي بفعلتها تهين الكرة الساحرة، وتزلزل مفهوم حب كرة القدم، ويجب معاقبتها لفظياً حتى لا تتقرّب من العالم الذي يُراد له أن يكون أدريناليا فحسب. 

مشاهد لا بد من تكرارها 

كانت تجربة ارتداء قميص فريقي المفضل ومشاهدة المباراة خارج المنزل تجربة مريرة. لكن رغم ذلك، أرى أنها ضرورية، وعليّ تكرارها كلما استطعت. ذاك أن كسر الذكورية في الأحياز العامة، ووجود النساء في جميع مجالات الحياة، أمرٌ ضروري. فسلطة الرجال على الحقوق والحريات والهوايات يمكن تفتيتها ورفضها في فرض ممارستها.  

والحال، يمكنهم القول إننا “مسترجلات” أو “متملقات” أو “عديمات الفهم” للساحرة المستديرة، لكنهم لن يستطيعوا إلغاء حقيقة أن الهوايات لا تعترف بالجندر، وأننا، أنى استطعنا، سنكون هناك في الأماكن التي يرفضون أن نكون فيها.