"شل وشبك": التاريخ الاجتماعي لزيّ يُحاك ببطء 

رشيد صوفي

21 أيار 2023

"شل وشبك" زيٌّ يعود تاريخ صناعته إلى زمن الآشوريين، ويرتديه إلى جانب الكرد، الأرمن والیهود والإیزیدیون.. لكنّه اليوم يواجه أزماتٍ عديدة، والأجيال الجديدة لا ترتديه.. التاريخ الاجتماعي لزيٍّ يُحاك ببطء.

عندما شاهدتْ سائحة أجنبية ريشاً ملوناً فوق رأس إبراهيم سليفاني وحزاماً عريضاً يحيط ببطنه وقطعة عريضة من القماش منسدلة من فوق كتفيه مزينة بأشكال هندسية زاهية الألوان و”دناديش” على أطرافها، ظنت أنه يقدم عرضاً ما في أحد شوارع محافظة دهوك، فاقتربت منه طالبة التقاط صورة تذكارية معه، من دون أن تعلم أنه كان يرتدي زيّه التقليدي اليومي فحسب. 

ويتباهى سليفاني بملابسه الكردية التقليدية المعروفة بـ”شل وشبك” التراثية وهو يتجوّل في مدن إقليم كردستان متبختراً بمشيتهِ في الأماكن العامة والشعبية، خصوصاً عندما يطلب المواطنون والسياح التقاط الصور معه. 

یرتدي سلیفاني (70 سنة) لباس الـ”شل وشبك” منذ أكثر من 40 عاماً بشكل شبه يومي، حتى بات مشهوراً بارتداء هذا الزي ذي الهيأة الفولكلورية. 

وبينما تراجع ارتداء هذا النوع من الألبسة في الحياة اليومية، يمتلك سليفاني أكثر من 12 بذلة من لباس “شل وشبك” ليخرج كل يوم بإطلالة جديدة ويبدأ التجوال وسط الأماكن العامة والمشاركة في المناسبات الاجتماعية والشعبية في دهوك. 

ابراهيم سليفاني، يرتدي “شل شبك” في دهوك / تصوير الكاتب. 

ويعود تاريخ صناعة هذا الزيّ إلى زمن الآشوريين، ويرتديه إلى جانب الكرد، الآشوریون والأرمن والیهود والإیزیدیون. 

“كان الشل وشبك هو الزي الرئيس الذي يرتديه الرجال في منطقتنا، ونادراً ما تجد شخصاً يرتدي بنطالاً غربياً، ولكن الآن تراجع ارتداء هذا اللباس بشكل كبير” قال سليفاني لـ”جمّار”. 

وما زال الرجل المتقاعد يحتفظ برداء من هذا النوع يعود تاريخ شرائه إلى العام 1983 وينوي إهداءه إلى أحد المتاحف التراثية. 

كان الـ”شل وشبك” لباس أغلب مقاتلي ثورة أيلول الكردية عام 1961، وكان الجميع يفتخر بارتدائه، إلا أن السياسيين لم يعودوا يرتدونه حتى في المناسبات الوطنية في الوقت الراهن. 

ولا يرى علي أورماري، السياسيّ الكرديّ المستقل، وجود صلة بين ارتداء هذا الزي وبين مستوى الأداء السياسي. 

“العمل الجاد وخدمة المجتمع هو الأهم” يقول أورماري لـ”جمّار”. 

ويشير إلى أن كثيراً من السياسيين يحرصون على الظهور بالزي الكردي التقليدي، غير أنهم لا يعملون سوى لخدمة مصالحهم الشخصية ومصالح أحزابهم من دون مراعاة المصلحة الوطنية، ما يجعل الظهور بهذا الزي غير ذي أهمية. 

ايرفن هيكس جونيو، القنصل الأمريكي في أربيل، وهو يرتدي زي شل وشبك 

لكنه يشجّع الشباب على ارتداء هذا الزي باعتباره جزءاً مهماً من الهوية الوطنية والتراث الشعبي والاجتماعي. 

شهر لصناعة بذلة 

مع بدء فصل الربيع، يشهد سوق الألبسة الكردية حركة ملحوظة، إذ يخرج أغلب أهالي كردستان بالزي التقليدي إلى الطبيعة والاحتفال بقدوم الربيع وأعياد نوروز. 

وللنساء الكرديات زيهن الخاص أيضاً، وهو يتألف من قطعة توضع فوق الرأس تسمى “هريتين” وثوب طويل يسمى “فقيانة” ويخاط غالباً من قماش شفاف، ويُلبس تحته قميص حريري رقيق، وفوق القميص والثوب ترتدى سترة من دون أكمام تكون داكنة اللون، مع ارتداء حزام رفيع من الصوف أو الذهب، فضلاً عن سروال عريض. 

وأكثر ما يميز الزي الكردي، ولاسيما النسائي، ألوانه الزاهية المستوحاة من الطبيعة الخلابة في كردستان، وبريقه ولمعانه. 

امرأة تغزل خيوط لصنع لباس شل وشبك / تصوير الكاتب. 

وقرّرت حكومة كردستان في عام 2012 جعل يوم 10 آذار من كل عام يوماً خاصاً بالزي التقليدي الكردي في الإقليم. 

ويكثر ارتداء الأزياء الكردية الخاصة في مختلف مناسبات وأعياد المجتمع. 

ولكل منطقة خصوصية في التصميم والموضة. 

ويتألف الزي الكردي الرجالي من قطع عدة، تسمى القطعة الأولى “كورتك” أو “بركيز” وهي مشابهة للسترة، أما الثانية التي تشبه البنطال فتسمى “شروال”، وتُلف في منطقة الوسط بمحلّ الحزام قطعة من القماش تدعى “شوتك”، كما يوضع غطاء فوق الرأس يسمى “جمداني”. 

وتعد قرية بيرسفي شمالي دهوك مركزاً رئيساً لصناعة ألبسة “شلّ وشبك”، إذ تعمل نحو 70 أسرة آشورية في مهنة حياكة ونسج هذه الألبسة الموروثة عن الأجداد. 

يعمل دانيال يوخنا (60 سنة) في مهنة حياكة الـ”شل وشبك” منذ أكثر من 44 عاماً، ويتلقّى حالياً مساعدة من زوجته وأولاده لإنجاز أعماله. 

تمرُّ عملية الحياكة، وفقاً ليوخنا، بسلسلة من الخطوات تبدأ بتنظيف وفرز الشعر الطبيعي، ويسمى باللغة الكردية (جير)، وهو نوع من شعر الماعز الأبيض الذي يعيش في المناطق السهلية ویتميّز بكثافة وطول شعره، ثم تأتي عملية غزل الشعر لتحويله إلى خيوط متنوعة بأنامل نساء وفتيات يقضين أياماً ولياليَ لإنجاز هذه الأعمال. 

يأتي دور الرجال عند الانتهاء من إعداد الخيوط، فيبدؤون النسج والحياكة ليصنعوا من تلك الخيوط الناعمة والرقيقة قطعاً من ملابس الـ”شل وشبك”، وخلال عملية الحياكة تضاف مادة الـ”سورياز” لتقوية وتماسك النسيج. 

رجل آشوري يرتدي لباس شل وشبك / تصوير الكاتب. 

والسورياز هي نبتة يتم جلبها من الجبال ومن ثم تجفيفها وطحنها وعجنها لتصبح مادة صمغية تسهم في تماسك النسيج. 

يشترى شعر الماعز الأبيض من الأسوق المحلية، كما تتوافر خيوط جاهزة من الشعر المغزول. 

“سعر الكيلوغرام الواحد من الشعر المغزول يبدأ من 200 دولار ويرتفع بحسب الجودة” قال يوخنا لـ”جمّار”. 

وتكفي حياكة قطعة قماش طولها 12-15 متراً لصناعة بذلة واحدة. 

وتستغرق صناعة البذلة نحو شهر كون العمل يتطلب دقة متناهية. 

إخفاق الدنمارك 

وما زالت صناعة هذه الألبسة تعتمد على الآلات والأدوات الیدویة التقليدية ذاتها المستخدمة منذ مئات السنين بواسطة الآباء والأجداد. 

ولما جلبت الحكومة العراقية في سبعينيات القرن الماضي شركة دنماركية لإنشاء معمل لصناعة هذا النوع من الألبسة في دهوك مُني المشروع بالفشل. 

أخفق المعمل في إنتاج ألبسة بجودة الـ”شل وشبك” المصنوعة يدوياً. 

ويتفاخر صناع هذا الزي بأن ما ينتجونه قابل للاستخدام عشرات السنوات من دون أن يبلى، كما أنه ملائم للأجواء الباردة والحارّة. 

ويتراوح سعر القطعة الواحدة من القماش الخاص بصناعة الزي الكردي بين 200 و1500 دولار بحسب نوعية وجودة الشعر المستخدم. 

“لدینا زبائن تجار من داخل إقليم كردستان ومن تركيا وإيران يأتون بين مدة وأخرى لشراء قطع من الشل وشبك” تابع يوخنا. 

عملية غزل خيوط لصنع لباس شل وشبك / تصوير الكاتب. 

كانت صناعة النسيج اليدوي رائجة ومتنوعة منذ القدم، وتشير دراسات وتنقيبات إلى أن هذه الصناعة تعود إلى زمن القرى الزراعية الأولى في شمال العراق وحتى العهود السومرية (3000-2000 ق.م) والأكدية (2350-2218 ق.م) والبابلية (1894-1595 ق.م) والآشورية (1380-612 ق.م). 

ومنذ أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد، كانت الملابس الزاهية المطعمة بالأحجار الكريمة وقطع من الذهب تقدم هدايا للملكات والملوك. 

ويبدو أن اللباس الكردي التقليدي الفاخر ما زال حكراً على طبقة معينة من الناس. 

يقول حاجي محمد خوشناو، أحد التجار المعروفين لألبسة الـ”شل وشبك” إن أغلب من يشترون هذا الزي من الميسورين والوجهاء وبعض المسؤولين السياسيين. 

“معظمهم يرتدونه في المناسبات والحفلات الرسمية. والفقراء ومحدودو الدخل نادراً ما يشترون هذا اللباس” يضيف خوشناو لـ”جمّار”. 

يعمل خوشناو في تجارة هذا النوع من الألبسة والأقمشة منذ 25 سنة، وقد شهد تصاعد أسعارها حتى بلغت خمسة آلاف دولار لبعض أنواع القطع في الوقت الحالي. 

عملية صناعة خيوط شل وشبك / تصوير الكاتب. 

ويتعامل الرجل مع زبائن “من طراز خاص” يشترون هذه الأقمشة الثمينة ويقدمونها هدايا لأصدقائهم الأجانب، كما يبيع بعضاً منها لإيران وتركيا. 

غير عملي وباهظ 

تسعى الجهات المعنية في إقليم كردستان إلى تسويق هذا الزي من خلال مشاركة شركات الإقليم في المعارض التجارية خارج العراق. 

ويقول كاروان سورجي، المتحدث باسم غرفة تجارة وصناعة إقليم كردستان، لـ”جمّار” إن الغرفة مهتمة بالترويج لصناعة الـ”شل وشبك” والتعريف به كجزء مهم من الصناعة المحلية. 

غير أن الجيل الشاب يقلل من جدوى اقتناء هذه الثياب. 

يقول سيروان سامي، وهو شاب عمره 21 سنة ويسكن دهوك، إن ألبسة “شل وشبك” التقليدية ليست عملية ولا تتلاءم مع الحياة اليومية كونها تتألف من قطع عدة. 

“من الصعب جداً ممارسة أي عمل بهذه الألبسة” يوضح لـ”جمّار”. 

كما يشتكي الشباب من أسعارها الباهظة التي لا تقارن مع أسعار الألبسة العصرية. 

ويظن بعضهم أن هذا الزي خاص بالاحتفالات والدبكات فقط، لذا لا يرتدونه في الأماكن العامة أو أماكن العمل. 

“سبب ذلك أن القنوات التلفزيونية تعرض مرتدي هذا الزي خلال مشاركتهم في الحفلات والدبكات” يقول سليفاني الذي يجدّد دعوته إلى الجهات المعنية بتشجيع الكرد على ارتداء زيهم التقليدي للحفاظ على الهوية الثقافية. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

عندما شاهدتْ سائحة أجنبية ريشاً ملوناً فوق رأس إبراهيم سليفاني وحزاماً عريضاً يحيط ببطنه وقطعة عريضة من القماش منسدلة من فوق كتفيه مزينة بأشكال هندسية زاهية الألوان و”دناديش” على أطرافها، ظنت أنه يقدم عرضاً ما في أحد شوارع محافظة دهوك، فاقتربت منه طالبة التقاط صورة تذكارية معه، من دون أن تعلم أنه كان يرتدي زيّه التقليدي اليومي فحسب. 

ويتباهى سليفاني بملابسه الكردية التقليدية المعروفة بـ”شل وشبك” التراثية وهو يتجوّل في مدن إقليم كردستان متبختراً بمشيتهِ في الأماكن العامة والشعبية، خصوصاً عندما يطلب المواطنون والسياح التقاط الصور معه. 

یرتدي سلیفاني (70 سنة) لباس الـ”شل وشبك” منذ أكثر من 40 عاماً بشكل شبه يومي، حتى بات مشهوراً بارتداء هذا الزي ذي الهيأة الفولكلورية. 

وبينما تراجع ارتداء هذا النوع من الألبسة في الحياة اليومية، يمتلك سليفاني أكثر من 12 بذلة من لباس “شل وشبك” ليخرج كل يوم بإطلالة جديدة ويبدأ التجوال وسط الأماكن العامة والمشاركة في المناسبات الاجتماعية والشعبية في دهوك. 

ابراهيم سليفاني، يرتدي “شل شبك” في دهوك / تصوير الكاتب. 

ويعود تاريخ صناعة هذا الزيّ إلى زمن الآشوريين، ويرتديه إلى جانب الكرد، الآشوریون والأرمن والیهود والإیزیدیون. 

“كان الشل وشبك هو الزي الرئيس الذي يرتديه الرجال في منطقتنا، ونادراً ما تجد شخصاً يرتدي بنطالاً غربياً، ولكن الآن تراجع ارتداء هذا اللباس بشكل كبير” قال سليفاني لـ”جمّار”. 

وما زال الرجل المتقاعد يحتفظ برداء من هذا النوع يعود تاريخ شرائه إلى العام 1983 وينوي إهداءه إلى أحد المتاحف التراثية. 

كان الـ”شل وشبك” لباس أغلب مقاتلي ثورة أيلول الكردية عام 1961، وكان الجميع يفتخر بارتدائه، إلا أن السياسيين لم يعودوا يرتدونه حتى في المناسبات الوطنية في الوقت الراهن. 

ولا يرى علي أورماري، السياسيّ الكرديّ المستقل، وجود صلة بين ارتداء هذا الزي وبين مستوى الأداء السياسي. 

“العمل الجاد وخدمة المجتمع هو الأهم” يقول أورماري لـ”جمّار”. 

ويشير إلى أن كثيراً من السياسيين يحرصون على الظهور بالزي الكردي التقليدي، غير أنهم لا يعملون سوى لخدمة مصالحهم الشخصية ومصالح أحزابهم من دون مراعاة المصلحة الوطنية، ما يجعل الظهور بهذا الزي غير ذي أهمية. 

ايرفن هيكس جونيو، القنصل الأمريكي في أربيل، وهو يرتدي زي شل وشبك 

لكنه يشجّع الشباب على ارتداء هذا الزي باعتباره جزءاً مهماً من الهوية الوطنية والتراث الشعبي والاجتماعي. 

شهر لصناعة بذلة 

مع بدء فصل الربيع، يشهد سوق الألبسة الكردية حركة ملحوظة، إذ يخرج أغلب أهالي كردستان بالزي التقليدي إلى الطبيعة والاحتفال بقدوم الربيع وأعياد نوروز. 

وللنساء الكرديات زيهن الخاص أيضاً، وهو يتألف من قطعة توضع فوق الرأس تسمى “هريتين” وثوب طويل يسمى “فقيانة” ويخاط غالباً من قماش شفاف، ويُلبس تحته قميص حريري رقيق، وفوق القميص والثوب ترتدى سترة من دون أكمام تكون داكنة اللون، مع ارتداء حزام رفيع من الصوف أو الذهب، فضلاً عن سروال عريض. 

وأكثر ما يميز الزي الكردي، ولاسيما النسائي، ألوانه الزاهية المستوحاة من الطبيعة الخلابة في كردستان، وبريقه ولمعانه. 

امرأة تغزل خيوط لصنع لباس شل وشبك / تصوير الكاتب. 

وقرّرت حكومة كردستان في عام 2012 جعل يوم 10 آذار من كل عام يوماً خاصاً بالزي التقليدي الكردي في الإقليم. 

ويكثر ارتداء الأزياء الكردية الخاصة في مختلف مناسبات وأعياد المجتمع. 

ولكل منطقة خصوصية في التصميم والموضة. 

ويتألف الزي الكردي الرجالي من قطع عدة، تسمى القطعة الأولى “كورتك” أو “بركيز” وهي مشابهة للسترة، أما الثانية التي تشبه البنطال فتسمى “شروال”، وتُلف في منطقة الوسط بمحلّ الحزام قطعة من القماش تدعى “شوتك”، كما يوضع غطاء فوق الرأس يسمى “جمداني”. 

وتعد قرية بيرسفي شمالي دهوك مركزاً رئيساً لصناعة ألبسة “شلّ وشبك”، إذ تعمل نحو 70 أسرة آشورية في مهنة حياكة ونسج هذه الألبسة الموروثة عن الأجداد. 

يعمل دانيال يوخنا (60 سنة) في مهنة حياكة الـ”شل وشبك” منذ أكثر من 44 عاماً، ويتلقّى حالياً مساعدة من زوجته وأولاده لإنجاز أعماله. 

تمرُّ عملية الحياكة، وفقاً ليوخنا، بسلسلة من الخطوات تبدأ بتنظيف وفرز الشعر الطبيعي، ويسمى باللغة الكردية (جير)، وهو نوع من شعر الماعز الأبيض الذي يعيش في المناطق السهلية ویتميّز بكثافة وطول شعره، ثم تأتي عملية غزل الشعر لتحويله إلى خيوط متنوعة بأنامل نساء وفتيات يقضين أياماً ولياليَ لإنجاز هذه الأعمال. 

يأتي دور الرجال عند الانتهاء من إعداد الخيوط، فيبدؤون النسج والحياكة ليصنعوا من تلك الخيوط الناعمة والرقيقة قطعاً من ملابس الـ”شل وشبك”، وخلال عملية الحياكة تضاف مادة الـ”سورياز” لتقوية وتماسك النسيج. 

رجل آشوري يرتدي لباس شل وشبك / تصوير الكاتب. 

والسورياز هي نبتة يتم جلبها من الجبال ومن ثم تجفيفها وطحنها وعجنها لتصبح مادة صمغية تسهم في تماسك النسيج. 

يشترى شعر الماعز الأبيض من الأسوق المحلية، كما تتوافر خيوط جاهزة من الشعر المغزول. 

“سعر الكيلوغرام الواحد من الشعر المغزول يبدأ من 200 دولار ويرتفع بحسب الجودة” قال يوخنا لـ”جمّار”. 

وتكفي حياكة قطعة قماش طولها 12-15 متراً لصناعة بذلة واحدة. 

وتستغرق صناعة البذلة نحو شهر كون العمل يتطلب دقة متناهية. 

إخفاق الدنمارك 

وما زالت صناعة هذه الألبسة تعتمد على الآلات والأدوات الیدویة التقليدية ذاتها المستخدمة منذ مئات السنين بواسطة الآباء والأجداد. 

ولما جلبت الحكومة العراقية في سبعينيات القرن الماضي شركة دنماركية لإنشاء معمل لصناعة هذا النوع من الألبسة في دهوك مُني المشروع بالفشل. 

أخفق المعمل في إنتاج ألبسة بجودة الـ”شل وشبك” المصنوعة يدوياً. 

ويتفاخر صناع هذا الزي بأن ما ينتجونه قابل للاستخدام عشرات السنوات من دون أن يبلى، كما أنه ملائم للأجواء الباردة والحارّة. 

ويتراوح سعر القطعة الواحدة من القماش الخاص بصناعة الزي الكردي بين 200 و1500 دولار بحسب نوعية وجودة الشعر المستخدم. 

“لدینا زبائن تجار من داخل إقليم كردستان ومن تركيا وإيران يأتون بين مدة وأخرى لشراء قطع من الشل وشبك” تابع يوخنا. 

عملية غزل خيوط لصنع لباس شل وشبك / تصوير الكاتب. 

كانت صناعة النسيج اليدوي رائجة ومتنوعة منذ القدم، وتشير دراسات وتنقيبات إلى أن هذه الصناعة تعود إلى زمن القرى الزراعية الأولى في شمال العراق وحتى العهود السومرية (3000-2000 ق.م) والأكدية (2350-2218 ق.م) والبابلية (1894-1595 ق.م) والآشورية (1380-612 ق.م). 

ومنذ أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد، كانت الملابس الزاهية المطعمة بالأحجار الكريمة وقطع من الذهب تقدم هدايا للملكات والملوك. 

ويبدو أن اللباس الكردي التقليدي الفاخر ما زال حكراً على طبقة معينة من الناس. 

يقول حاجي محمد خوشناو، أحد التجار المعروفين لألبسة الـ”شل وشبك” إن أغلب من يشترون هذا الزي من الميسورين والوجهاء وبعض المسؤولين السياسيين. 

“معظمهم يرتدونه في المناسبات والحفلات الرسمية. والفقراء ومحدودو الدخل نادراً ما يشترون هذا اللباس” يضيف خوشناو لـ”جمّار”. 

يعمل خوشناو في تجارة هذا النوع من الألبسة والأقمشة منذ 25 سنة، وقد شهد تصاعد أسعارها حتى بلغت خمسة آلاف دولار لبعض أنواع القطع في الوقت الحالي. 

عملية صناعة خيوط شل وشبك / تصوير الكاتب. 

ويتعامل الرجل مع زبائن “من طراز خاص” يشترون هذه الأقمشة الثمينة ويقدمونها هدايا لأصدقائهم الأجانب، كما يبيع بعضاً منها لإيران وتركيا. 

غير عملي وباهظ 

تسعى الجهات المعنية في إقليم كردستان إلى تسويق هذا الزي من خلال مشاركة شركات الإقليم في المعارض التجارية خارج العراق. 

ويقول كاروان سورجي، المتحدث باسم غرفة تجارة وصناعة إقليم كردستان، لـ”جمّار” إن الغرفة مهتمة بالترويج لصناعة الـ”شل وشبك” والتعريف به كجزء مهم من الصناعة المحلية. 

غير أن الجيل الشاب يقلل من جدوى اقتناء هذه الثياب. 

يقول سيروان سامي، وهو شاب عمره 21 سنة ويسكن دهوك، إن ألبسة “شل وشبك” التقليدية ليست عملية ولا تتلاءم مع الحياة اليومية كونها تتألف من قطع عدة. 

“من الصعب جداً ممارسة أي عمل بهذه الألبسة” يوضح لـ”جمّار”. 

كما يشتكي الشباب من أسعارها الباهظة التي لا تقارن مع أسعار الألبسة العصرية. 

ويظن بعضهم أن هذا الزي خاص بالاحتفالات والدبكات فقط، لذا لا يرتدونه في الأماكن العامة أو أماكن العمل. 

“سبب ذلك أن القنوات التلفزيونية تعرض مرتدي هذا الزي خلال مشاركتهم في الحفلات والدبكات” يقول سليفاني الذي يجدّد دعوته إلى الجهات المعنية بتشجيع الكرد على ارتداء زيهم التقليدي للحفاظ على الهوية الثقافية.