عراقيات يستعدن حياتهن بالتعليم الخارجي: هل انتهت "سنوات المنع"؟ 

زينب المشاط

08 آذار 2023

بعد أن كافحن لإنهاء سنوات "المنع" والتي أدت ببعضهن إلى الزواج، عادت سهى وزهراء وهبة إلى مقاعد الدراسة الخارجية في أمل الوصول إلى الدراسة الجامعية.. رحلة طويلة لنساء يُقبلن على العلم وأمامهن مصاعب لا تحصى..

مثل كثيرات من نساء العراق، تنتمي سهى فاضل من محافظة بابل إلى عائلة تُفضل تزويج بناتها على تعليمهن، لذلك وجدت نفسها متزوجة في سن الـ16 عاماً من رجل يكبرها بسبع سنوات، بعدما أجبرها والدها على ترك الدراسة ولم تكمل بعد الثالث المتوسط.

انتهى زواج سهى، وهي ابنة 30 عاماً اليوم، بالانفصال عام 2017.

قررت سهى العودة الى الدراسة ووجدت أن خير وسيلة هي التقديم الخارجي، وها قد تجاوزت بنجاح المرحلة المتوسطة “وأنا أدرس حاليا مواد السادس الإعدادي للتقديم الى الامتحان”.

لاقت تشجيعاً حاراً من أمها وأخواتها ومن بناتها الثلاث التي تبلغ كبراهن  13 عاماً، وتصفهن بإنهن “قريبات جداً مني.. الجميع يتوقعهن أخواتي لأني تزوجت بسن مبكرة.. بنتي الكبيرة تقوم بواجبات البيت وتقدم لي الماء وتوجه أخواتها إلى توفير الهدوء لي لأكمل دراستي”، “في الواقع كل متطلبات الراحة توفّرها لي بناتي”.

سهى التي ركنت حُلم الطفولة بأن تكون صحفية واحتضنت مكانه إكليل الزفاف، صارت تطمح اليوم بحلم آخر هو أن تكون محامية تطالب بحقوق النساء أمثالها، لأنها وحتى اللحظة تخوض صراعاً مع طليقها في أروقة المحاكم لتحصيل حقوقها.

“قرّرت أصير قانونية حتى آخذ حق النساء الأخريات بعد كل شيء واجهته بزواجي”. 

هبة هي واحدة من عدد متنامٍ من النساء العراقيات اللواتي عدن إلى مقاعد الدراسة من خلال نظام التعليم الخارجي. في الأعوام 2022 و2023 تقدمت 95415 امرأة للامتحان الخارجي للمراحل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، وفق كريم السيد، الناطق باسم وزارة التربية، الذي أكد “أن اقبال النساء على مقاعد الدراسة في حالة تزايد واضح”.

مُكرهات على ترك المدارس 

“الأسرة العراقية تخطط لابنتها منذ ولادتها.. تكبر وتتزوج..” تقول ميسم عبد الله، رئيسة منظمة نساء نينوى. 

يُعدّ الفقر والزواج المبكر من الأسباب العديدة التي أدت إلى ارتفاع معدلات التسرب من الدراسة، وبنسب عالية بلغت لدى الفتيات 20.1 بالمئة مقابل 16.5 بالمئة لدى الأولاد عام 2021. ولذلك فليس من الغريب أن نسبة الأمية بلغت في العامين 2020 و2021 الـ16 بالمئة من عموم النساء، و8 بالمئة من عموم الرجال، وفقاً لعبد الزهرة الهنداوي، المتحدّث باسم وزارة التخطيط.

لا ترى عبدالله وكثر مثلها أن واقع النساء في العراق بعد 2003 قد تحسّن، فقد تأثرت النساء بشكل كبير بالعنف والواقع الأمني المتراجع، إذ أجبرت الانفجارات والترهيب والخطف كثيرات على ترك مقاعد الدراسة.

كانت هبة هاشم (29 عاماً) من محافظة الموصل واحدة منهن، تقول “أجبرني والدي على ترك الدراسة حين بلغت الـ13 من عمري.. كنت وقتها في مرحلة الخامس الابتدائي، وكان الواقع الأمني في الموصل مترديا جداً”. اختطفت رفيقة شقيقة هبة من مدرستها عام 2007، وكان هذا كفيلاً بمنع والدها لها ولأخواتها من إكمال الدراسة. ولم تمض خمس سنوات وتزوجت هبة. 

ويعدّ العنف المدرسي الذي يواجهه الكثير من الطلاب في المدارس العراقية سبباً أساسياً لاضطرار الفتيات على ترك المدارس. وعلى الرغم من أن وزارة التربية سبق وأن فرضت عقوبة الإيقاف عن العمل لأي معلم أو مدرس يقوم بفعل تعنيف واضح للطالب، إلا أن حالات العنف المدرسي ما فتئت تتزايد كما تظهرها المقاطع المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ومع ذلك فليس لدى وزارة التربية إحصائيات عن حالات العنف المدرسي في العراق.

الامتحان الخارجي.. سبيل محفوف بالصعاب

“كلما قدمت إلى عمل معين يطلبون أن اكون حاملة للشهادة، اليوم انا أعمل منظفة في أحد المكاتب في الموصل، ولم أجد عملاً بمردود مادي جيد فقط لأني لا أحمل شهادة”، تقول هبة.

شجعت معلمات ابنة هبة البالغة من العمر عشر سنوات على إكمال الدراسة لتجد وظيفة مناسبة لها، لهذا تسعى لإنهاء دراستها والدخول الى معهد المعلمات. 

قررت هبة أن تكمل دراسة الثالث المتوسط من خلال التعليم والامتحان الخارجي.

يعتبر هذا النظام لكثيرات مثل هبة وسهى حلاً لتعويض ما حرمن منه من التعليم وطريقة لتحسين حياتهن.  

يتيح نظام الامتحان الخارجي لفئات عدة، من بينهم الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم السقف الزمني المحدد للدراسة، بإجراء أداء الامتحان الخارجي للمراحل المنتهية لتمكينهم من الانتقال بعدها إلى الدراسة في الجامعة أو المعاهد.

يفتح باب التقديم للامتحان الخارجي في تشرين الثاني من كل عام لأسابيع عدة. وإذا ما قُبل الطالب لأداء الامتحان الخارجي، يتوجّب عليه أداء امتحان السنة المنتهية من كل مرحلة، أي مرحلة السادس الابتدائي من المرحلة الابتدائية، ومرحلة الثالث المتوسط من المرحلة المتوسطة، ومرحلة السادس الاعدادي من المرحلة الإعدادية.

يعني هذا أن على المتقدمين للامتحان دراسة مواد سنوات دراسية عدة وبعد قطيعة لسنوات مع التعليم والدراسة، وأحياناً في أعمار متقدمة. 

دفع الإقبال على الامتحان الخارجي من كلا الجنسين بوزارة التربية لتوفير منصات ومناهج الكترونية وعلى يوتيوب وعلى القنوات الخاصة بالوزارة لتعليم الطلاب في كافة المراحل، وفقاً لكريم السيد، الناطق باسم وزارة التربية، مثل محطة العراقية التربوية

يلجأ الكثيرون إلى هذه المحطة وغيرها لإكمال الدراسة، ولكن تواجههم مصاعب عديدة. تقول سهى “اكو صعوبة كبيرة بإكمال الدراسة الخارجية لأنه نعتمد على انفسنا الأمر يختلف من يكون المدرس كدامج ويعلمج”.

تنتظر سهى وغيرها ممن تحدثن إلى “جمار” مبادرة وزارة التربية بتوفير دورات تقوية تساعد طلاب الامتحان الخارجي على أداء الاختبار. ترى هؤلاء أنهن مجموعة ذات ظروف خاصة إذ اضطررن على ترك الدراسة، ولهذا، تقول سهى “نحن بحاجة إلى تشجيع.. وبحاجة الى دورات مجانية تساعدنا.. خاصة أن الكثير من المتقدمين على الدراسة الخارجية من كبار السن، والبعض أعمارهم فوق 35 عاماً”.

علاوة على كل هذا، فإن الكثيرات يواجهن مصاعب مادية تحول بينهن وبين التوجه للامتحان الخارجي، إذ تبلغ تكلفة التقديم للامتحان 50 ألف دينار عراقي، أي قرابة 40.5 دولار. إلى ذلك تُضاف تكلفة الكتب المطلوبة للدراسة، إذ لا توفر المدارس هذه المستلزمات. وكلها مصاريف قد تفوق طاقة النساء تحديداً، ممن يعشن أصلاً على نفقة غيرهن لعدم قدرتهن على العمل لظروف اجتماعية كثيرة. 

يدرسن رغم الاستهزاء

تصف سهى شعور القادمين لإكمال الدراسة الخارجية وتقول “نحن شغوفون ومحبون للتعلم وإكمال الدراسة.. وقد لا نشبه بذلك طالب المدرسة الذي ندفع به حتى يكمل دراسته.. نحن قدمنا من ذاتنا وبإرادتنا، لقد جئنا بهدف”.

ومع ذلك فتواجه نساء كثيرات استهزاء ممن يحيط بهن من عائلة ومجتمع وحتى مؤسسة تعليمية.

حين قررت هبة إكمال دراستها من خلال التقديم الخارجي واجهت حملة من الاستهزاء “قالوا لي انتِ كبيرة شوكت تلحكين تدرسين.. والدتي الوحيدة هي اللي شجعتني”.

وتتحدث سهى عن الطريقة التي يعامل بها المدرسون والمراقبون لطلاب الدراسة الخارجية وتقول “ما عندهم اي تشجيع ولا كلمة طيبة ينظرون الينا على أننا زيادة عليهم جميعهم المدرسين والمراقبين لا يوجد اي احترام او تعامل حلو بحقنا او تشجيع وكأننا اعداد زائدة”. 

أما زهراء علاء التي اضطرت لترك دراستها حين كانت طالبة في الرابع الابتدائي، اذ تربت في كنف أسرة فقيرة جداً، ولم تستطع أن تعاود دراستها لظروف اجتماعية واقتصادية لسنوات. وحينما قررت التقديم للدراسة الخارجية بتشجيع من خالاتها، رفض والدها قائلاً أني “لو درست راح انزل راسه ورح اكون بنت عاقة وسيئة”.

بيد أن زهراء اقنعته بعد صراع طويل لأنها تريده أن يفخر بها.

تقول زهراء بضحكة منتصرة أن أباها يعتمد عليها بشكل كبير الآن، “أنا امضي اليوم لإكمال امتحان السادس الاعدادي واطمح إما أن أكون محللة بيولوجية او ان أكون طبيبة أسنان”.

ومثلها في ذلك، هبة وسهى وكثيرات يسعين رغم كل شيء لتحقيق أحلامهن بالدراسة. 

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

مثل كثيرات من نساء العراق، تنتمي سهى فاضل من محافظة بابل إلى عائلة تُفضل تزويج بناتها على تعليمهن، لذلك وجدت نفسها متزوجة في سن الـ16 عاماً من رجل يكبرها بسبع سنوات، بعدما أجبرها والدها على ترك الدراسة ولم تكمل بعد الثالث المتوسط.

انتهى زواج سهى، وهي ابنة 30 عاماً اليوم، بالانفصال عام 2017.

قررت سهى العودة الى الدراسة ووجدت أن خير وسيلة هي التقديم الخارجي، وها قد تجاوزت بنجاح المرحلة المتوسطة “وأنا أدرس حاليا مواد السادس الإعدادي للتقديم الى الامتحان”.

لاقت تشجيعاً حاراً من أمها وأخواتها ومن بناتها الثلاث التي تبلغ كبراهن  13 عاماً، وتصفهن بإنهن “قريبات جداً مني.. الجميع يتوقعهن أخواتي لأني تزوجت بسن مبكرة.. بنتي الكبيرة تقوم بواجبات البيت وتقدم لي الماء وتوجه أخواتها إلى توفير الهدوء لي لأكمل دراستي”، “في الواقع كل متطلبات الراحة توفّرها لي بناتي”.

سهى التي ركنت حُلم الطفولة بأن تكون صحفية واحتضنت مكانه إكليل الزفاف، صارت تطمح اليوم بحلم آخر هو أن تكون محامية تطالب بحقوق النساء أمثالها، لأنها وحتى اللحظة تخوض صراعاً مع طليقها في أروقة المحاكم لتحصيل حقوقها.

“قرّرت أصير قانونية حتى آخذ حق النساء الأخريات بعد كل شيء واجهته بزواجي”. 

هبة هي واحدة من عدد متنامٍ من النساء العراقيات اللواتي عدن إلى مقاعد الدراسة من خلال نظام التعليم الخارجي. في الأعوام 2022 و2023 تقدمت 95415 امرأة للامتحان الخارجي للمراحل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، وفق كريم السيد، الناطق باسم وزارة التربية، الذي أكد “أن اقبال النساء على مقاعد الدراسة في حالة تزايد واضح”.

مُكرهات على ترك المدارس 

“الأسرة العراقية تخطط لابنتها منذ ولادتها.. تكبر وتتزوج..” تقول ميسم عبد الله، رئيسة منظمة نساء نينوى. 

يُعدّ الفقر والزواج المبكر من الأسباب العديدة التي أدت إلى ارتفاع معدلات التسرب من الدراسة، وبنسب عالية بلغت لدى الفتيات 20.1 بالمئة مقابل 16.5 بالمئة لدى الأولاد عام 2021. ولذلك فليس من الغريب أن نسبة الأمية بلغت في العامين 2020 و2021 الـ16 بالمئة من عموم النساء، و8 بالمئة من عموم الرجال، وفقاً لعبد الزهرة الهنداوي، المتحدّث باسم وزارة التخطيط.

لا ترى عبدالله وكثر مثلها أن واقع النساء في العراق بعد 2003 قد تحسّن، فقد تأثرت النساء بشكل كبير بالعنف والواقع الأمني المتراجع، إذ أجبرت الانفجارات والترهيب والخطف كثيرات على ترك مقاعد الدراسة.

كانت هبة هاشم (29 عاماً) من محافظة الموصل واحدة منهن، تقول “أجبرني والدي على ترك الدراسة حين بلغت الـ13 من عمري.. كنت وقتها في مرحلة الخامس الابتدائي، وكان الواقع الأمني في الموصل مترديا جداً”. اختطفت رفيقة شقيقة هبة من مدرستها عام 2007، وكان هذا كفيلاً بمنع والدها لها ولأخواتها من إكمال الدراسة. ولم تمض خمس سنوات وتزوجت هبة. 

ويعدّ العنف المدرسي الذي يواجهه الكثير من الطلاب في المدارس العراقية سبباً أساسياً لاضطرار الفتيات على ترك المدارس. وعلى الرغم من أن وزارة التربية سبق وأن فرضت عقوبة الإيقاف عن العمل لأي معلم أو مدرس يقوم بفعل تعنيف واضح للطالب، إلا أن حالات العنف المدرسي ما فتئت تتزايد كما تظهرها المقاطع المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ومع ذلك فليس لدى وزارة التربية إحصائيات عن حالات العنف المدرسي في العراق.

الامتحان الخارجي.. سبيل محفوف بالصعاب

“كلما قدمت إلى عمل معين يطلبون أن اكون حاملة للشهادة، اليوم انا أعمل منظفة في أحد المكاتب في الموصل، ولم أجد عملاً بمردود مادي جيد فقط لأني لا أحمل شهادة”، تقول هبة.

شجعت معلمات ابنة هبة البالغة من العمر عشر سنوات على إكمال الدراسة لتجد وظيفة مناسبة لها، لهذا تسعى لإنهاء دراستها والدخول الى معهد المعلمات. 

قررت هبة أن تكمل دراسة الثالث المتوسط من خلال التعليم والامتحان الخارجي.

يعتبر هذا النظام لكثيرات مثل هبة وسهى حلاً لتعويض ما حرمن منه من التعليم وطريقة لتحسين حياتهن.  

يتيح نظام الامتحان الخارجي لفئات عدة، من بينهم الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم السقف الزمني المحدد للدراسة، بإجراء أداء الامتحان الخارجي للمراحل المنتهية لتمكينهم من الانتقال بعدها إلى الدراسة في الجامعة أو المعاهد.

يفتح باب التقديم للامتحان الخارجي في تشرين الثاني من كل عام لأسابيع عدة. وإذا ما قُبل الطالب لأداء الامتحان الخارجي، يتوجّب عليه أداء امتحان السنة المنتهية من كل مرحلة، أي مرحلة السادس الابتدائي من المرحلة الابتدائية، ومرحلة الثالث المتوسط من المرحلة المتوسطة، ومرحلة السادس الاعدادي من المرحلة الإعدادية.

يعني هذا أن على المتقدمين للامتحان دراسة مواد سنوات دراسية عدة وبعد قطيعة لسنوات مع التعليم والدراسة، وأحياناً في أعمار متقدمة. 

دفع الإقبال على الامتحان الخارجي من كلا الجنسين بوزارة التربية لتوفير منصات ومناهج الكترونية وعلى يوتيوب وعلى القنوات الخاصة بالوزارة لتعليم الطلاب في كافة المراحل، وفقاً لكريم السيد، الناطق باسم وزارة التربية، مثل محطة العراقية التربوية

يلجأ الكثيرون إلى هذه المحطة وغيرها لإكمال الدراسة، ولكن تواجههم مصاعب عديدة. تقول سهى “اكو صعوبة كبيرة بإكمال الدراسة الخارجية لأنه نعتمد على انفسنا الأمر يختلف من يكون المدرس كدامج ويعلمج”.

تنتظر سهى وغيرها ممن تحدثن إلى “جمار” مبادرة وزارة التربية بتوفير دورات تقوية تساعد طلاب الامتحان الخارجي على أداء الاختبار. ترى هؤلاء أنهن مجموعة ذات ظروف خاصة إذ اضطررن على ترك الدراسة، ولهذا، تقول سهى “نحن بحاجة إلى تشجيع.. وبحاجة الى دورات مجانية تساعدنا.. خاصة أن الكثير من المتقدمين على الدراسة الخارجية من كبار السن، والبعض أعمارهم فوق 35 عاماً”.

علاوة على كل هذا، فإن الكثيرات يواجهن مصاعب مادية تحول بينهن وبين التوجه للامتحان الخارجي، إذ تبلغ تكلفة التقديم للامتحان 50 ألف دينار عراقي، أي قرابة 40.5 دولار. إلى ذلك تُضاف تكلفة الكتب المطلوبة للدراسة، إذ لا توفر المدارس هذه المستلزمات. وكلها مصاريف قد تفوق طاقة النساء تحديداً، ممن يعشن أصلاً على نفقة غيرهن لعدم قدرتهن على العمل لظروف اجتماعية كثيرة. 

يدرسن رغم الاستهزاء

تصف سهى شعور القادمين لإكمال الدراسة الخارجية وتقول “نحن شغوفون ومحبون للتعلم وإكمال الدراسة.. وقد لا نشبه بذلك طالب المدرسة الذي ندفع به حتى يكمل دراسته.. نحن قدمنا من ذاتنا وبإرادتنا، لقد جئنا بهدف”.

ومع ذلك فتواجه نساء كثيرات استهزاء ممن يحيط بهن من عائلة ومجتمع وحتى مؤسسة تعليمية.

حين قررت هبة إكمال دراستها من خلال التقديم الخارجي واجهت حملة من الاستهزاء “قالوا لي انتِ كبيرة شوكت تلحكين تدرسين.. والدتي الوحيدة هي اللي شجعتني”.

وتتحدث سهى عن الطريقة التي يعامل بها المدرسون والمراقبون لطلاب الدراسة الخارجية وتقول “ما عندهم اي تشجيع ولا كلمة طيبة ينظرون الينا على أننا زيادة عليهم جميعهم المدرسين والمراقبين لا يوجد اي احترام او تعامل حلو بحقنا او تشجيع وكأننا اعداد زائدة”. 

أما زهراء علاء التي اضطرت لترك دراستها حين كانت طالبة في الرابع الابتدائي، اذ تربت في كنف أسرة فقيرة جداً، ولم تستطع أن تعاود دراستها لظروف اجتماعية واقتصادية لسنوات. وحينما قررت التقديم للدراسة الخارجية بتشجيع من خالاتها، رفض والدها قائلاً أني “لو درست راح انزل راسه ورح اكون بنت عاقة وسيئة”.

بيد أن زهراء اقنعته بعد صراع طويل لأنها تريده أن يفخر بها.

تقول زهراء بضحكة منتصرة أن أباها يعتمد عليها بشكل كبير الآن، “أنا امضي اليوم لإكمال امتحان السادس الاعدادي واطمح إما أن أكون محللة بيولوجية او ان أكون طبيبة أسنان”.

ومثلها في ذلك، هبة وسهى وكثيرات يسعين رغم كل شيء لتحقيق أحلامهن بالدراسة.