ثالوث "مُزدوج" يعصف بـ"كودات" مجلس الخدمة: "أخطاء" تطيح بـ"32" ألف وظيفة

ميادة داود

15 شباط 2023

يخوض العراق تجربة التوظيف الكترونياً للمرة الأولى، فيما سوابقه بإنشاء منصات رقمية حكومية كانت تنهار بعد النقرة الأولى.. فماذا حصل مع المتقدمين على وظائف مجلس الخدمة الاتحادي؟ ولماذا صاروا يتحققون من "أصلهم وفصلهم" وتهجئة أسمائهم لما بعد الجدّ الرابع؟..

“اسم الأم” و”الهمزة” و”التقاطع الوظيفي”، ثلاثيةٌ عصفت بمتقدمي وظائف مجلس الخدمة الاتحادي. باتت كابوساً يُطارد أوائل الخريجين وحملة الشهادات العليا حتّى باتوا يتحققون من “أصلهم وفصلهم”، وتهجئة أسمائهم لما بعد الجد الرابع، وأسماء أمهاتهم خِشية “همزة” تطفر، فتسلب وظيفة منتظرة لا تعوّض.

آية الحسيني، واحدة من عشرات تحدثّ إليهم “جُمار”.

بسبب فقدان “اسم الام” حُرمت الحسيني من فرصة التوظيف؛ فتطبيق “نظام تأكيد البيانات” الذي يستلزم “كوداً”، بات مقفلاً مع محاولاتها النفاذ الى حسابها لمعرفة نتيجة “التقاطع الوظيفي”. 

“الكود”، اسم مُستخدم مُرَمّز ورقم سري، يُمنح للمتقدم من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أو دائرة البعثات فيها. أما نافذة “تأكيد البيانات” تعرض للمتقدم معلوماته المُحدَّثة إلى “التقاطع الوظيفي” لدى ديوان الرقابة المالية.

البيانات النهائية الصحيحة تُرسل من مجلس الخدمة إلى وزارة المالية لاستحداث الدرجات الوظيفية.

اعتبر نظام التقديم الالكتروني، الكود الخاص بالحسيني “غير فعال” لجهة “نقص البيانات وتحديداً اسم الام، حيث لا تعرض أسماء المتقدمين على مصفوفة التحقق من التقاطع الوظيفي (…) وبالتالي تم حرماني من التقديم على الوظيفة”.

“التقاطع الوظيفي” يُطيح بالأحلام

غالباً، وبعد إدخال بيانات الدخول الى التطبيق، يتسلّم حامل الكود غير الفعال إشعاراً بأن “الاسم” أو “كلمة السر” غير صحيحين، أو أن نقصاً بالبيانات أدى إلى عدم مقاطعة المتقدم وظيفياً.

مئات، وربما آلاف من حاملي “الكودات” واجهوا مصير الحسيني ذاته، وظلوا عاجزين أمام شاشات لا تستجيب.

قال مهند منذر، إنهم كحملة شهادات عليا سلموا وثائقهم ومعلوماتهم من دون نقص لوزارة التعليم العالي، لكن آلية التقاطع الوظيفي تعترض طريقهم.

 “يجب أن تتم بعد التقديم لا قبله”، أكد معترضاً.

مجلس الخدمة السياسي!

احتجاجات الطلبة الأوائل وحملة الشهادات العليا كانت الشرارة غير المتوقعة التي اشعلت “ثورة تشرين“. وكخطة لتسريع احتواء سخط عام مُرتقب، أطلقت الحكومة تمويلاً للدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية في 2022، لتوظيف فئتين؛ سواءً كانوا مبتعثين أم من خريجي الداخل، وفقاً لقانوني 59 و67 لسنة 2017.

مجلس الخدمة الاتحادي، المُشكل حديثاً بصفقة سياسية، أعلن عن توافر 74 ألف درجة وظيفية للفئتين، أواخر العام المُنقضي.

نصّ الدستور الدائم 2005، في المادة (107) على “تأسيس مجلس الخدمة العامة الاتحادي ليتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية بما فيها التعيين والترقية”، فيما نظمت أعماله بقانون في 2009. ولم يُشكل المجلس طيلة سنوات. وفي 2015 وافق مجلس الوزراء على تشكيله. في تشرين الأول 2019، صوّت مجلس النواب على البدء بإجراءات التأسيس الذي اكتمل مع مقتبل 2022. 

“كودات” غير فعالة.. وأخرى لا تصل!

لكونها تحمل شهادة الماجستير من خارج العراق، لجأت ميلاد الجبوري الى دائرة بعثات وزارة التعليم العالي، لفضّ عقدة “نقص البيانات”. هناك، وجدت الجبوري نفسها محشورة في مبنى مع مئات آخرين من المتضررين.

الوزارة نصحتهم جميعاً بمراجعة مجلس الخدمة.

“الموضوع لا يمكن حلّه، فالدرجات الوظيفية خُصصت لمن يحملون الكود الفعال فقط (…) عليكِ الانتظار لحين توافر وظائف مستقبلاً”، مجلس الخدمة مجيباً الجبوري.

لا أحد من حاملي “الكودات” الفعالة أو غير الفعالة، كان يتوقع أن يرتكب الجهاز الإداري الحكومي إهمالاً يطيح بمصائر بشر.  

ثمة ثلاثية مُضافة، من أخطاء بيروقراطية وبشرية وتقنية تعامدت على رؤوس المتقدمين.

آية محمد، تَحَصَّلت على شهادة في هندسة الكهرباء من خارج العراق، وفور عودتها عبأت بياناتها على منصة وزارة التعليم العالي الالكترونية، وأُبلغت أنَّ “الكود” سيصلها عبر البريد الإلكتروني.

آية انتظرت “الكود” ولم يصل.

مُراجعات آية العديدة إلى دائرة البعثات ببغداد، أثمرت عن تسلمها “الكود” المُنتظر.

لكن باب التعديل على البيانات كان مُغلقاً، فضاعت عليها فرصة التقديم.

يعتقد عددٌ ممن تحدّث إليهم “جُمار”، أن أغلب ممن ضاعت عليهم فرصة التقديم هم طلبة دراسات الخارج. فوزارة التعليم أبلغتهم بأن مجلس الخدمة طلب أسماء حملة الشهادات العليا أولاً، وبسبب تشابه الأسماء، طلب أسماء أمهات الأوائل، ما أحدث إرباكاً في البيانات وتداخلاً فيها، ومحوا لمعلومات متقدم من آخر، فتسببت فوضى التعامل مع قوائم المتقدمين بنقص في البيانات وخلل في مقاطعتهم وظيفياً.

حاول “جُمار” منح وزارة التعليم العالي حق الردّ عبر التواصل مع مسؤولين فيها، ولم يتلق إجابة.

علي حسين، المحاضر المتطوع، فوجئ بإدراج اسمه ضمن التقاطع الوظيفي، “رغم أني لست موظفاً، وانتظرت لسنوات ولم اظفر بوظيفة (…) وبسبب خطأ إداري لا ذنب لي فيه طارت مني الوظيفة”.

مجلس الخدمة أكد أن من تمت مقاطعتهم وظيفياً من الخريجين إجمالاً بلغ 101,519.

تجربة العراق الرقمية

يخوض العراق تجربة التوظيف الكترونياً للمرة الأولى، فيما سوابقه بإنشاء منصات رقمية حكومية كانت استعراضاً على مواقع الترويج الاجتماعي، بينما الموقع الالكتروني ينهار بعد النقرة الأولى!

 منتصف 2016، أطلقت حكومة حيدر العبادي “Citizen E-Government” لتسهيل الإجراءات البيروقراطية. انهارت المنصة بعد ساعات، فيما موقعها الالكتروني ظل عائماً على الشبكة السحابية يستخدمه هواة للعب البوكر. العبادي نفسه، كرر فشل التجربة، حين أعلن – أوائل 2018 – بحثه عن مرشحين للائحته الانتخابية عبر نافذة الكترونية. بينما في تشرين الأول من العام نفسه، أطلق رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، موقعاً الكترونياً بحثاً عن وزراء لحكومته.

يمتلك العراق، منصة رقمية عليلة لتقديم الخدمات الحكومية تعرف بـ”أور“، أطلقها في أيلول 2021.

ورغم إن للكثيرين “كودا” غير فعال، ثمة آخرون تزاحمت عليهم “الكودات”، وجميعها فعالة. مصطفى نجم، ممثل اعتصامات حملة الشهادات العليا، شاهدٌ على قسمة غير “ضيزى”، فبعض “الخريجين حصلوا على كودين وثلاثة اكواد فعالة مرة واحدة”.

“هناك طالب تخرّج من كليتين أو من محافظتين مختلفتين، مثلاً تخرّج من بابل وحصل على الماجستير من بغداد، يمنح كودين”، يقول نجم، الذي يشير ايضاً إلى “أشخاص حصلوا على ثلاثة كودات لكونهم درسوا البكالوريوس، ثم الماستر، ثم الدكتوراه تباعاً، ولكل شهادة كود، والمُصيبة شغال!”.

حتى المتوفون لهم “كودات”. أغرب ما صادفه نجم في رحلة البحث عن “كوده الفعال”.

ضياع 32 ألف وظيفة

خصصت الحكومة 74 ألف وظيفة لتعيين الأوائل وحملة الشهادات العليا، فيما لم يصادق مجلس الخدمة إلّا على 42,768 ألف متقدم.

تبدو الأرقام المُعلنة عن مجلس الخدمة مُتضاربة.

قال المجلس إن عدد الخريجين من حملة شهادات الدبلوم العالي، الماجستير، الدكتوراه المسموح لهم بالتقديم نحو 33,861 ألفاً، فيما المستبعدون من الفئات ذاتها بلغوا 45,690 ألفاً. أما عديد الثلاثة الأوائل من خريجي الدبلوم والبكالوريوس بلغ 39,051 الفاً، مُستبعداً 24,421 الفاً منهم.

استبعدت كل تلك الآلاف بسبب “نقص البيانات”، وما يُشير الى أخطاء بالجملة خلال عملية التقديم.

أواخر كانون الثاني الفائت اعتبر مجلس الخدمة، التقديمات غير مكتملة التعديلات مهملة، والمتقدم غير مقبول، مُحملاً المتقدمين الذين لا يبادرون الى تحديث بياناتهم، المسؤولية.

سيف حاتم، متقدم غير مقبول، أنشأ تجمعاً على “فيسبوك” لغير المقبولين بسبب “نقص البيانات”، غداة إعلان مجلس الخدمة غلق التقديم، “فيما ظلت ما يقرب من 32 ألف درجة وظيفية فائضة”، وفقاً لحاتم الذي بلغ عدد مشتركي مجموعته 650 خريجاً.

“من المؤسف أن يخسر الكثير من الراغبين بالحصول على درجة وظيفية فرصتهم، مع وجود هذا الفائض الكبير من الوظائف”، يقول حاتم، الذي طالب مجلس الخدمة بـ”الحفاظ على تلك الدرجات الوظيفية التي ينتظرها البعض منذ 2003”.

تستوجب إعادة فتح الاستمارة الخاصة بتحديث البيانات وفقاً لمصطفى نجم “موافقة مباشرة من مجلس الوزراء، الذي من صلاحياته توجيه وزارة المالية بعدم حذف الدرجات الفائضة”، فالمستفيدون سيكونون “أكثر من خمسة آلاف من الأوائل وحملة الشهادات العليا ممن تم استثناؤهم لأسباب عديدة”.

المتحدثة باسم مجلس الخدمة الاتحادي أطياف عيسى، بيّنت أن “مصير فائض الدرجات الوظيفية يعتمد على إجابة رئيس الوزراء”.

فائض الدرجات الوظيفية الكبير سببه “التقاطع الوظيفي”، الذي من أخطائه انه صنف موظفين على انهم غير موظفين، فيما ظل العاطلون بلا وظائف، حتى لو بسبب “همزة”، يقول نجم.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

“اسم الأم” و”الهمزة” و”التقاطع الوظيفي”، ثلاثيةٌ عصفت بمتقدمي وظائف مجلس الخدمة الاتحادي. باتت كابوساً يُطارد أوائل الخريجين وحملة الشهادات العليا حتّى باتوا يتحققون من “أصلهم وفصلهم”، وتهجئة أسمائهم لما بعد الجد الرابع، وأسماء أمهاتهم خِشية “همزة” تطفر، فتسلب وظيفة منتظرة لا تعوّض.

آية الحسيني، واحدة من عشرات تحدثّ إليهم “جُمار”.

بسبب فقدان “اسم الام” حُرمت الحسيني من فرصة التوظيف؛ فتطبيق “نظام تأكيد البيانات” الذي يستلزم “كوداً”، بات مقفلاً مع محاولاتها النفاذ الى حسابها لمعرفة نتيجة “التقاطع الوظيفي”. 

“الكود”، اسم مُستخدم مُرَمّز ورقم سري، يُمنح للمتقدم من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أو دائرة البعثات فيها. أما نافذة “تأكيد البيانات” تعرض للمتقدم معلوماته المُحدَّثة إلى “التقاطع الوظيفي” لدى ديوان الرقابة المالية.

البيانات النهائية الصحيحة تُرسل من مجلس الخدمة إلى وزارة المالية لاستحداث الدرجات الوظيفية.

اعتبر نظام التقديم الالكتروني، الكود الخاص بالحسيني “غير فعال” لجهة “نقص البيانات وتحديداً اسم الام، حيث لا تعرض أسماء المتقدمين على مصفوفة التحقق من التقاطع الوظيفي (…) وبالتالي تم حرماني من التقديم على الوظيفة”.

“التقاطع الوظيفي” يُطيح بالأحلام

غالباً، وبعد إدخال بيانات الدخول الى التطبيق، يتسلّم حامل الكود غير الفعال إشعاراً بأن “الاسم” أو “كلمة السر” غير صحيحين، أو أن نقصاً بالبيانات أدى إلى عدم مقاطعة المتقدم وظيفياً.

مئات، وربما آلاف من حاملي “الكودات” واجهوا مصير الحسيني ذاته، وظلوا عاجزين أمام شاشات لا تستجيب.

قال مهند منذر، إنهم كحملة شهادات عليا سلموا وثائقهم ومعلوماتهم من دون نقص لوزارة التعليم العالي، لكن آلية التقاطع الوظيفي تعترض طريقهم.

 “يجب أن تتم بعد التقديم لا قبله”، أكد معترضاً.

مجلس الخدمة السياسي!

احتجاجات الطلبة الأوائل وحملة الشهادات العليا كانت الشرارة غير المتوقعة التي اشعلت “ثورة تشرين“. وكخطة لتسريع احتواء سخط عام مُرتقب، أطلقت الحكومة تمويلاً للدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية في 2022، لتوظيف فئتين؛ سواءً كانوا مبتعثين أم من خريجي الداخل، وفقاً لقانوني 59 و67 لسنة 2017.

مجلس الخدمة الاتحادي، المُشكل حديثاً بصفقة سياسية، أعلن عن توافر 74 ألف درجة وظيفية للفئتين، أواخر العام المُنقضي.

نصّ الدستور الدائم 2005، في المادة (107) على “تأسيس مجلس الخدمة العامة الاتحادي ليتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية بما فيها التعيين والترقية”، فيما نظمت أعماله بقانون في 2009. ولم يُشكل المجلس طيلة سنوات. وفي 2015 وافق مجلس الوزراء على تشكيله. في تشرين الأول 2019، صوّت مجلس النواب على البدء بإجراءات التأسيس الذي اكتمل مع مقتبل 2022. 

“كودات” غير فعالة.. وأخرى لا تصل!

لكونها تحمل شهادة الماجستير من خارج العراق، لجأت ميلاد الجبوري الى دائرة بعثات وزارة التعليم العالي، لفضّ عقدة “نقص البيانات”. هناك، وجدت الجبوري نفسها محشورة في مبنى مع مئات آخرين من المتضررين.

الوزارة نصحتهم جميعاً بمراجعة مجلس الخدمة.

“الموضوع لا يمكن حلّه، فالدرجات الوظيفية خُصصت لمن يحملون الكود الفعال فقط (…) عليكِ الانتظار لحين توافر وظائف مستقبلاً”، مجلس الخدمة مجيباً الجبوري.

لا أحد من حاملي “الكودات” الفعالة أو غير الفعالة، كان يتوقع أن يرتكب الجهاز الإداري الحكومي إهمالاً يطيح بمصائر بشر.  

ثمة ثلاثية مُضافة، من أخطاء بيروقراطية وبشرية وتقنية تعامدت على رؤوس المتقدمين.

آية محمد، تَحَصَّلت على شهادة في هندسة الكهرباء من خارج العراق، وفور عودتها عبأت بياناتها على منصة وزارة التعليم العالي الالكترونية، وأُبلغت أنَّ “الكود” سيصلها عبر البريد الإلكتروني.

آية انتظرت “الكود” ولم يصل.

مُراجعات آية العديدة إلى دائرة البعثات ببغداد، أثمرت عن تسلمها “الكود” المُنتظر.

لكن باب التعديل على البيانات كان مُغلقاً، فضاعت عليها فرصة التقديم.

يعتقد عددٌ ممن تحدّث إليهم “جُمار”، أن أغلب ممن ضاعت عليهم فرصة التقديم هم طلبة دراسات الخارج. فوزارة التعليم أبلغتهم بأن مجلس الخدمة طلب أسماء حملة الشهادات العليا أولاً، وبسبب تشابه الأسماء، طلب أسماء أمهات الأوائل، ما أحدث إرباكاً في البيانات وتداخلاً فيها، ومحوا لمعلومات متقدم من آخر، فتسببت فوضى التعامل مع قوائم المتقدمين بنقص في البيانات وخلل في مقاطعتهم وظيفياً.

حاول “جُمار” منح وزارة التعليم العالي حق الردّ عبر التواصل مع مسؤولين فيها، ولم يتلق إجابة.

علي حسين، المحاضر المتطوع، فوجئ بإدراج اسمه ضمن التقاطع الوظيفي، “رغم أني لست موظفاً، وانتظرت لسنوات ولم اظفر بوظيفة (…) وبسبب خطأ إداري لا ذنب لي فيه طارت مني الوظيفة”.

مجلس الخدمة أكد أن من تمت مقاطعتهم وظيفياً من الخريجين إجمالاً بلغ 101,519.

تجربة العراق الرقمية

يخوض العراق تجربة التوظيف الكترونياً للمرة الأولى، فيما سوابقه بإنشاء منصات رقمية حكومية كانت استعراضاً على مواقع الترويج الاجتماعي، بينما الموقع الالكتروني ينهار بعد النقرة الأولى!

 منتصف 2016، أطلقت حكومة حيدر العبادي “Citizen E-Government” لتسهيل الإجراءات البيروقراطية. انهارت المنصة بعد ساعات، فيما موقعها الالكتروني ظل عائماً على الشبكة السحابية يستخدمه هواة للعب البوكر. العبادي نفسه، كرر فشل التجربة، حين أعلن – أوائل 2018 – بحثه عن مرشحين للائحته الانتخابية عبر نافذة الكترونية. بينما في تشرين الأول من العام نفسه، أطلق رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، موقعاً الكترونياً بحثاً عن وزراء لحكومته.

يمتلك العراق، منصة رقمية عليلة لتقديم الخدمات الحكومية تعرف بـ”أور“، أطلقها في أيلول 2021.

ورغم إن للكثيرين “كودا” غير فعال، ثمة آخرون تزاحمت عليهم “الكودات”، وجميعها فعالة. مصطفى نجم، ممثل اعتصامات حملة الشهادات العليا، شاهدٌ على قسمة غير “ضيزى”، فبعض “الخريجين حصلوا على كودين وثلاثة اكواد فعالة مرة واحدة”.

“هناك طالب تخرّج من كليتين أو من محافظتين مختلفتين، مثلاً تخرّج من بابل وحصل على الماجستير من بغداد، يمنح كودين”، يقول نجم، الذي يشير ايضاً إلى “أشخاص حصلوا على ثلاثة كودات لكونهم درسوا البكالوريوس، ثم الماستر، ثم الدكتوراه تباعاً، ولكل شهادة كود، والمُصيبة شغال!”.

حتى المتوفون لهم “كودات”. أغرب ما صادفه نجم في رحلة البحث عن “كوده الفعال”.

ضياع 32 ألف وظيفة

خصصت الحكومة 74 ألف وظيفة لتعيين الأوائل وحملة الشهادات العليا، فيما لم يصادق مجلس الخدمة إلّا على 42,768 ألف متقدم.

تبدو الأرقام المُعلنة عن مجلس الخدمة مُتضاربة.

قال المجلس إن عدد الخريجين من حملة شهادات الدبلوم العالي، الماجستير، الدكتوراه المسموح لهم بالتقديم نحو 33,861 ألفاً، فيما المستبعدون من الفئات ذاتها بلغوا 45,690 ألفاً. أما عديد الثلاثة الأوائل من خريجي الدبلوم والبكالوريوس بلغ 39,051 الفاً، مُستبعداً 24,421 الفاً منهم.

استبعدت كل تلك الآلاف بسبب “نقص البيانات”، وما يُشير الى أخطاء بالجملة خلال عملية التقديم.

أواخر كانون الثاني الفائت اعتبر مجلس الخدمة، التقديمات غير مكتملة التعديلات مهملة، والمتقدم غير مقبول، مُحملاً المتقدمين الذين لا يبادرون الى تحديث بياناتهم، المسؤولية.

سيف حاتم، متقدم غير مقبول، أنشأ تجمعاً على “فيسبوك” لغير المقبولين بسبب “نقص البيانات”، غداة إعلان مجلس الخدمة غلق التقديم، “فيما ظلت ما يقرب من 32 ألف درجة وظيفية فائضة”، وفقاً لحاتم الذي بلغ عدد مشتركي مجموعته 650 خريجاً.

“من المؤسف أن يخسر الكثير من الراغبين بالحصول على درجة وظيفية فرصتهم، مع وجود هذا الفائض الكبير من الوظائف”، يقول حاتم، الذي طالب مجلس الخدمة بـ”الحفاظ على تلك الدرجات الوظيفية التي ينتظرها البعض منذ 2003”.

تستوجب إعادة فتح الاستمارة الخاصة بتحديث البيانات وفقاً لمصطفى نجم “موافقة مباشرة من مجلس الوزراء، الذي من صلاحياته توجيه وزارة المالية بعدم حذف الدرجات الفائضة”، فالمستفيدون سيكونون “أكثر من خمسة آلاف من الأوائل وحملة الشهادات العليا ممن تم استثناؤهم لأسباب عديدة”.

المتحدثة باسم مجلس الخدمة الاتحادي أطياف عيسى، بيّنت أن “مصير فائض الدرجات الوظيفية يعتمد على إجابة رئيس الوزراء”.

فائض الدرجات الوظيفية الكبير سببه “التقاطع الوظيفي”، الذي من أخطائه انه صنف موظفين على انهم غير موظفين، فيما ظل العاطلون بلا وظائف، حتى لو بسبب “همزة”، يقول نجم.