"الترقية مقابل الوزن".. "الكروش" تجهد ضباط الجيش العراقي
02 شباط 2023
لا توجد إحصائية دقيقة بعدد الضباط السمان الخاضعين للفحص والترشيق، ذلك أن بعض الوحدات تتكتم على هكذا بيانات ضماناً للسرية العسكرية، لكن الأعداد تقدر بـ"الآلاف"... عن ضباط العراق في رحلة خسارة الوزن أو البقاء من دون ترقية..
صورة الضابط ذي الجسم الرياضي مفتول العضلات ليست مألوفة في صفوف الجيش العراقي، وإن وجدت فهي نادرة، إذ أن الأجسام البدينة والكروش الكبيرة تمثل النمط السائد في هذا الجيش.
كانت هذه الظاهرة أقل حدّة قبل عام 2003، لكنها تفاقمت بشكل كبير منذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003 وإعادة تأسيس الجيش وزج ضباط فيه باتوا يعرفون بـ”ضباط الدمج”، وهم مقاتلون ليسوا من خريجي الأكاديمية العسكرية كانوا يعملون ضمن صفوف الأحزاب المعارضة لنظام صدام حسين خارج العراق، وتم دمجهم في الجيش وبقية الصنوف الأمنية والعسكرية بعد إمساك أحزابهم بزمام السلطة.
وغابت ضوابط اللياقة البدنية في الجيش العراقي طيلة أعوام بعد 2003، حتى جاء قرار من رئاسة أركان الجيش في 10 تشرين الثاني 2022 يتضمن فرض تعليمات صارمة بشأن رشاقة الضباط وإخضاعهم لإجراءات قد تصل إلى إحالتهم للتقاعد إذا ما أهملوا الالتزام بالتعليمات.
قال اللواء يحيى رسول، المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، إن التوجيه الأخير من رئاسة الأركان كان معمولاً به قديماً، وهو شرط للترقية.
بيد أن الجنرالات الذين يظهرون على شاشات التلفزيون يؤكدون العكس، إذ غالباً ما تبدو البدانة على أجسادهم، أو تظهر لديهم كروش متهدِّلة.
ونفى عقيد في الجيش، رفض الكشف عن اسمه لكونه غير مخوّل بالحديث إلى الإعلام، ربط الترقيات بالرشاقة في المؤسسة العسكرية منذ نحو 20 عاماً.
إجراءات صارمة
في 22 تشرين الثاني انتشرت وثيقة مُصنفة على أنها “سرية” تابعة لرئاسة أركان الجيش العراقي على نطاق واسع، وتضمنت 18 نقطة وتوجيهاً تخصّ وزن الضبّاط في مفاصل المؤسسة العسكرية العراقية، التي يصنّفها موقع “غلوبال باور” الأمريكي في المرتبة 45 في قائمة أقوى جيوش العالم.
ووجّهت الوثيقة قائد القوات البرية بتنفيذ 12 إجراء صارماً لإجبار أفراد الجيش برتبة ملازم – نقيب من أصحاب الأوزان الثقيلة على ترشيق أوزانهم والالتزام بدورات رياضية، وإلا سيتم إحالتهم للتقاعد.
وأشارت الوثيقة إلى أن عملية فحص الضباط ستتم بشكل سنوي وفقاً لتوقيتات محددة، في ما سيتم فحص الذين لديهم ترقية مرتين (الفحص العام وفحص الترقية).
ووجه رئيس أركان الجيش، حسب الوثيقة، قائد القوات البرية، أن يقوم باستدعاء قسم من الضباط الذين تم إخضاعهم للفحص من قبل آمريات الطبابة، وإجراء فحص وزن لهم للتأكد من أوزانهم ومقارنتها مع الفحص الذي أجري لهم من قبل الآمريات.
الوثيقة المُسربة عن رئاسة أركان الجيش العراقي
كان صدام حسين قد اتخذ قرارات بحق وزراء وقادة عسكريين في تسعينيات القرن الماضي لمعالجة السمنة من خلال إدخالهم في دورات تدريب بدني، إلى جانب حجب مخصصات المنصب عن الضابط الذي لا يستجيب لضوابط الرشاقة والوزن المسموح به، على أن يعاد فحصه مرة ثانية بعد مرور ستة أشهر، وفي حال لم ينقص وزنه يعفى من منصبه، ومن ثم يحال إلى الإمرة أو التقاعد.
وتُعرف الإمرة في وزارة الدفاع بأنها مكان للضباط الفائضين عن الحاجة.
“فحص الضباط سيتم بشكل سنوي وفقاً لتوقيتات محددة بموجب القرار الجديد. سيتم فحص الحاصلين على ترقية مرتين: الفحص العام وفحص الترقية” قال اللواء الطبيب رعد محسن مدير الشؤون الطبية العسكرية في وزارة الدفاع.
وتضمنت الإجراءات الجديدة فحص الأفراد ممن يعانون من ضعف في القلب قبل إشراكهم في دورات رياضية، وذلك لتجنب تعريض حياتهم للخطر.
“هذه الفحوصات الطبية ضرورية لحياة العسكري، حتى يحافظ على قوامه ولياقته البدنية، وليتمكن من تنفيذ واجباته بكفاءة” قال أعياد الطوفان، عميد ركن وخبير أمني.
ثلاث فئات
يجري فحص الضباط داخل الوحدات الطبية المنتشرة في 24 قيادة فرقة وعمليات في عموم العراق، فضلاً عن 24 مكاناً آخر للفحص ضمن مقار القوة البرية.
“كل الطبابات في أي وحدة عسكرية مخولة منا بإجراء هذه الفحوصات” قال محسن.
ويُخشى من أن الضباط ذوي الرتب الكبيرة سيحصلون على مجاملات أو يضغطون على آمري الطبابة في وحداتهم لتسجيل أوزانهم بما لا يعرضهم للمساءلة، لذا خصص مستشفى للضباط الكبار من المفترض أن لا تخضع كوادره للضغوط أو تتورط بالمجاملات.
إنه مستشفى الحسين العسكري في منطقة الكرادة وسط بغداد.
يخضع الضباط من رتبة عميد فما فوق إلى الفحص في هذا المستشفى، وهم ملزمون بالحضور إليه حتى لو كانت مقارهم في مناطق بعيدة عن بغداد.
وتتبع المؤسسة العسكرية العراقية معادلة “الطول ناقصاً 100” لقياس الوزن المثالي للضباط والجنود، وهذه المعادلة لا يراعى فيها العمر، على خلاف معادلة “وزن الكتلة” التي استعملت سابقاً لفترة محدودة في تسعينيات القرن الماضي.
وتقسم البدانة إلى ثلاث فئات في مفاهيم الطبابة العسكرية: الزيادة والسمنة والترهل.
إذا كان طول الضابط -على سبيل المثال- 170 سم ووزنه من 71 إلى 80 كغم فهو يدرج تحت لائحة الزيادة والسمنة، ويقتصر التعامل معه على الضغط والمتابعة لإنقاص وزنه.
أما إذا كان وزنه أكثر من 80 كغم فيعد جسمه مترهلاً، وبالتالي يحال ملفه إلى مديرية الشؤون الطبية العسكرية في وزارة الدفاع ويخضع لضوابط أشد صرامة وفحص طبي شامل لئلا يكون مصاباً بمرض سبب له الزيادة المفرطة في الوزن.
“الضابط المترهل يخضع لفحص الدم والسكر والضغط، وتجرى له أشعة صدر وتخطيط قلب وغير ذلك من الفحوصات للتأكد من سلامته من الأمراض” أوضح محسن.
بعد الفحوصات يخضع الضابط للتدريب لمدة 21 يوماً، وفي حال لم ينقص وزنه يُمنح منهاجاً آخر للرياضة والتغذية، وتكرر هذه العملية حتى يصل إلى الوزن الطبيعي.
عندئذ يصرح له بقبول وزنه.
ليس على المريض حرج
يستثنى من ضوابط التدريب والترشيق من كانت سمنته ناتجة عن حالة مرضية أو علاج لها، كالغدة الدرقية والربو، إذ يتم وضعهم في قائمة اسمها “خارج الضوابط” بعد التثبت من حالتهم الصحية بواسطة أطباء متخصصين ومحايدين.
يستطيع هؤلاء البقاء في الخدمة لكن المناصب القيادية تحجب عنهم.
أما من يتم استبعادهم من الجيش فهم “المتعندون”، ويشير هذا المصطلح إلى من لديهم خدمة تقل عن 15 عاماً ولا يرغبون في الاشتراك بدورات التدريب البدني للترشيق.
ولا توجد إحصائية دقيقة بعدد الضباط السمان الخاضعين للفحص والترشيق، ذلك أن بعض الوحدات تتكتم على هكذا بيانات ضماناً للسرية العسكرية، لكن محسن يقدر الأعداد بـ”الآلاف”.
يقول محسن إن مطابخ الوحدات العسكرية تعد طعام الضباط والجنود وفقاً لقياسات محددة، وبالتالي فإنه مقبول في الوقت الحالي من ناحية عدم تسببه بالسمنة.
قال جنديان لـ”جمّار” إنهما يحصلان على ثلاث وجبات يومياً، تتضمن وجبة الفطور حساءً (شوربة) وأجباناً وقشطة ومربيات وبيضاً مسلوقاً وشاياً وصموناً، بينما تتضمن وجبة الغداء دجاجاً أو سمكاً مشوياً موزعة بين أيام الأسبوع، وأحياناً يكون الغداء رزاً ومرق فاصوليا، أما العشاء يتكون من المقليات غالباً.
لكن العقيد في الجيش العراقي أشار إلى أن الطعام المُقدم في المؤسسة العسكرية غير صحي.
وأشار الجنديات إلى أن وحدتيهما تضمان صالة لممارسة الرياضة، فضلاً عن وجود رياضة صباحية يومية وفق المنهج التدريبي.
وفيما يذكر أحدهما أن جميع زملائه يمارسون الرياضة، يشير الآخر إلى أنه يمارس مع زملائه في الوحدة العسكرية لعب كرة القدم عصر أو مساء كل يوم، لافتاً إلى وجود لجان متخصصة باللياقة البدنية تشرف عليهم.
العقيد في الجيش، الذي سبق وأن عانى من سُمنة نتيجة لإصابته في معارك ضد تنظيم “داعش”، شخّص مُشكلة أساسية في المؤسسة العسكرية وهي “امتناع بعض الضباط عن ممارسة الرياضة”.
قال العقيد أن رقوده لمدّة شهرين نتيجته إصابته زادت وزنه نحو 40 كليوغراماً، لكنه اضطر لوضع برنامج غذائي ورياضي لنفسه حتّى استطاع العودة إلى الجسم الصحي.
وإذا كانت الرشاقة واللياقة البدنية رمزاً لحسن المظهر عند الناس، فإنها قد تشكل عامل حسم في أرض المعركة بالنسبة للعسكريين.
ساعات من الركض
يجمع متخصصون في الشأن العسكري على أن زيادة الوزن تقلص مهارات الكفاءة القتالية المتعلقة بالانتشار والتحرك السريع في ميدان القتال عبر الجري والعدو السريع وتغيير الاتجاه والحفر والتسلق والجر والدفع والرفع والتنزيل والتحرك بالأحمال وحمل وسرعة تعبئة الذخائر وإخلاء الميدان من الجرحى والالتحام والاشتباك القريب مع العدو، فضلاً عن المهارات الحركية أوقات الطوارئ من الوثب والدحرجة والالتفاف والانبطاح والرمي.
“العسكري يحتاج دائماً إلى طاقة وحركة سريعة، خاصة ضباط ومراتب صنف المشاة” قال مخلد حازم الباحث في الشأن الأمني والاستراتيجي.
يتم إشراك الضباط والمراتب المترهلين في دورات تدريبية لمدة 3 ساعات يومياً تتضمن تمارين الكارديو والركض لحرق الشحوم، بالإضافة إلى اعتماد نظام غذائي خاص.
ولا يوجد قانون ينص صراحة على إحالة العسكري البدين إلى التقاعد، وفقا للخبراء القانونيين واثق الزبار وأحمد العبادي وفيصل ريكان، لكن الضوابط الخاصة بهذا الشأن تستند إلى أن واجبات المؤسسة العسكرية تحتاج إلى رشاقة وقدرة على التحمل، وهذه لا تتوفر في الشخص الذي يعاني بدانة.
وينص قانون الخدمة والتقاعد العسكري لعام 2010 على أن من ينال رتبة ملازم يجب أن يكون “مستوفياً لشروط اللياقة البدنية والسلامة الصحية”، وينطبق الأمر ذاته على المتطوعين.
ويقتصر تطبيق إجراءات الترشيق حالياً على الضباط، وبعد الانتهاء منهم حتى رتبة فريق يتم الانتقال مباشرة إلى المراتب، وفق جداول شهرية.
ملايين السمان
ترتبط السمنة بشكل مباشر بالعديد من الأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول والسكري والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، والتي تؤدي إلى انخفاض معدل الإنتاجية في العمل.
وتعرّف السمنة علمياً بأنها تراكم كميات كبيرة من الدهون في الجسم؛ ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في الوزن لا تتوافق مع طول وعمر الشخص.
ويصبح الشخص سميناً إذا زاد وزنه بنسبة 20 بالمئة عن المعدل الطبيعي.
بحسب تقرير لوزارة الصحة العراقية صدر عام 2019، بلغ عدد الذين يعانون من البدانة وزيادة في الوزن ما يقارب 29 مليوناً، 60 بالمئة منهم مصابون بمرض السكري، و9 بالمئة يعانون من ارتفاع نسب الكوليسترول والدهون في الدم، وجميعها تؤدي إلى خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
وتضم المؤسسة العسكرية العراقية نحو 538 ألف منتسب حالياً.
ويشدد محسن على أن العمل متواصل إلى حين التخلص من آخر كرش في الجيش، بما يمنح الضباط والجنود مظاهر تشبه التي تتمتع بها الجيوش العظمى.
أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج بتنظيم من الجامعة الأميركية في بيروت ودعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support
تُنشر بالتزامن مع “أوان“
ومنكم/ن نستفيد ونتعلم
هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media
اقرأ ايضاً
مدارس مُهجَّرة: لماذا لن ينتهي "الدوام المزدوج" و"الاكتظاظ" في العراق؟
10 ديسمبر 2024
الهيدروجين الأزرق والشمس.. عن بدائل النفط "الممكنة" في العراق
07 ديسمبر 2024
الأشجار والدولار على المحكّ في سنجار
03 ديسمبر 2024
الصيادون يبيعون "الآرو".. الوجه القاسي للتغيُّر المناخي على سكان الأهوار
28 نوفمبر 2024
صورة الضابط ذي الجسم الرياضي مفتول العضلات ليست مألوفة في صفوف الجيش العراقي، وإن وجدت فهي نادرة، إذ أن الأجسام البدينة والكروش الكبيرة تمثل النمط السائد في هذا الجيش.
كانت هذه الظاهرة أقل حدّة قبل عام 2003، لكنها تفاقمت بشكل كبير منذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003 وإعادة تأسيس الجيش وزج ضباط فيه باتوا يعرفون بـ”ضباط الدمج”، وهم مقاتلون ليسوا من خريجي الأكاديمية العسكرية كانوا يعملون ضمن صفوف الأحزاب المعارضة لنظام صدام حسين خارج العراق، وتم دمجهم في الجيش وبقية الصنوف الأمنية والعسكرية بعد إمساك أحزابهم بزمام السلطة.
وغابت ضوابط اللياقة البدنية في الجيش العراقي طيلة أعوام بعد 2003، حتى جاء قرار من رئاسة أركان الجيش في 10 تشرين الثاني 2022 يتضمن فرض تعليمات صارمة بشأن رشاقة الضباط وإخضاعهم لإجراءات قد تصل إلى إحالتهم للتقاعد إذا ما أهملوا الالتزام بالتعليمات.
قال اللواء يحيى رسول، المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، إن التوجيه الأخير من رئاسة الأركان كان معمولاً به قديماً، وهو شرط للترقية.
بيد أن الجنرالات الذين يظهرون على شاشات التلفزيون يؤكدون العكس، إذ غالباً ما تبدو البدانة على أجسادهم، أو تظهر لديهم كروش متهدِّلة.
ونفى عقيد في الجيش، رفض الكشف عن اسمه لكونه غير مخوّل بالحديث إلى الإعلام، ربط الترقيات بالرشاقة في المؤسسة العسكرية منذ نحو 20 عاماً.
إجراءات صارمة
في 22 تشرين الثاني انتشرت وثيقة مُصنفة على أنها “سرية” تابعة لرئاسة أركان الجيش العراقي على نطاق واسع، وتضمنت 18 نقطة وتوجيهاً تخصّ وزن الضبّاط في مفاصل المؤسسة العسكرية العراقية، التي يصنّفها موقع “غلوبال باور” الأمريكي في المرتبة 45 في قائمة أقوى جيوش العالم.
ووجّهت الوثيقة قائد القوات البرية بتنفيذ 12 إجراء صارماً لإجبار أفراد الجيش برتبة ملازم – نقيب من أصحاب الأوزان الثقيلة على ترشيق أوزانهم والالتزام بدورات رياضية، وإلا سيتم إحالتهم للتقاعد.
وأشارت الوثيقة إلى أن عملية فحص الضباط ستتم بشكل سنوي وفقاً لتوقيتات محددة، في ما سيتم فحص الذين لديهم ترقية مرتين (الفحص العام وفحص الترقية).
ووجه رئيس أركان الجيش، حسب الوثيقة، قائد القوات البرية، أن يقوم باستدعاء قسم من الضباط الذين تم إخضاعهم للفحص من قبل آمريات الطبابة، وإجراء فحص وزن لهم للتأكد من أوزانهم ومقارنتها مع الفحص الذي أجري لهم من قبل الآمريات.
الوثيقة المُسربة عن رئاسة أركان الجيش العراقي
كان صدام حسين قد اتخذ قرارات بحق وزراء وقادة عسكريين في تسعينيات القرن الماضي لمعالجة السمنة من خلال إدخالهم في دورات تدريب بدني، إلى جانب حجب مخصصات المنصب عن الضابط الذي لا يستجيب لضوابط الرشاقة والوزن المسموح به، على أن يعاد فحصه مرة ثانية بعد مرور ستة أشهر، وفي حال لم ينقص وزنه يعفى من منصبه، ومن ثم يحال إلى الإمرة أو التقاعد.
وتُعرف الإمرة في وزارة الدفاع بأنها مكان للضباط الفائضين عن الحاجة.
“فحص الضباط سيتم بشكل سنوي وفقاً لتوقيتات محددة بموجب القرار الجديد. سيتم فحص الحاصلين على ترقية مرتين: الفحص العام وفحص الترقية” قال اللواء الطبيب رعد محسن مدير الشؤون الطبية العسكرية في وزارة الدفاع.
وتضمنت الإجراءات الجديدة فحص الأفراد ممن يعانون من ضعف في القلب قبل إشراكهم في دورات رياضية، وذلك لتجنب تعريض حياتهم للخطر.
“هذه الفحوصات الطبية ضرورية لحياة العسكري، حتى يحافظ على قوامه ولياقته البدنية، وليتمكن من تنفيذ واجباته بكفاءة” قال أعياد الطوفان، عميد ركن وخبير أمني.
ثلاث فئات
يجري فحص الضباط داخل الوحدات الطبية المنتشرة في 24 قيادة فرقة وعمليات في عموم العراق، فضلاً عن 24 مكاناً آخر للفحص ضمن مقار القوة البرية.
“كل الطبابات في أي وحدة عسكرية مخولة منا بإجراء هذه الفحوصات” قال محسن.
ويُخشى من أن الضباط ذوي الرتب الكبيرة سيحصلون على مجاملات أو يضغطون على آمري الطبابة في وحداتهم لتسجيل أوزانهم بما لا يعرضهم للمساءلة، لذا خصص مستشفى للضباط الكبار من المفترض أن لا تخضع كوادره للضغوط أو تتورط بالمجاملات.
إنه مستشفى الحسين العسكري في منطقة الكرادة وسط بغداد.
يخضع الضباط من رتبة عميد فما فوق إلى الفحص في هذا المستشفى، وهم ملزمون بالحضور إليه حتى لو كانت مقارهم في مناطق بعيدة عن بغداد.
وتتبع المؤسسة العسكرية العراقية معادلة “الطول ناقصاً 100” لقياس الوزن المثالي للضباط والجنود، وهذه المعادلة لا يراعى فيها العمر، على خلاف معادلة “وزن الكتلة” التي استعملت سابقاً لفترة محدودة في تسعينيات القرن الماضي.
وتقسم البدانة إلى ثلاث فئات في مفاهيم الطبابة العسكرية: الزيادة والسمنة والترهل.
إذا كان طول الضابط -على سبيل المثال- 170 سم ووزنه من 71 إلى 80 كغم فهو يدرج تحت لائحة الزيادة والسمنة، ويقتصر التعامل معه على الضغط والمتابعة لإنقاص وزنه.
أما إذا كان وزنه أكثر من 80 كغم فيعد جسمه مترهلاً، وبالتالي يحال ملفه إلى مديرية الشؤون الطبية العسكرية في وزارة الدفاع ويخضع لضوابط أشد صرامة وفحص طبي شامل لئلا يكون مصاباً بمرض سبب له الزيادة المفرطة في الوزن.
“الضابط المترهل يخضع لفحص الدم والسكر والضغط، وتجرى له أشعة صدر وتخطيط قلب وغير ذلك من الفحوصات للتأكد من سلامته من الأمراض” أوضح محسن.
بعد الفحوصات يخضع الضابط للتدريب لمدة 21 يوماً، وفي حال لم ينقص وزنه يُمنح منهاجاً آخر للرياضة والتغذية، وتكرر هذه العملية حتى يصل إلى الوزن الطبيعي.
عندئذ يصرح له بقبول وزنه.
ليس على المريض حرج
يستثنى من ضوابط التدريب والترشيق من كانت سمنته ناتجة عن حالة مرضية أو علاج لها، كالغدة الدرقية والربو، إذ يتم وضعهم في قائمة اسمها “خارج الضوابط” بعد التثبت من حالتهم الصحية بواسطة أطباء متخصصين ومحايدين.
يستطيع هؤلاء البقاء في الخدمة لكن المناصب القيادية تحجب عنهم.
أما من يتم استبعادهم من الجيش فهم “المتعندون”، ويشير هذا المصطلح إلى من لديهم خدمة تقل عن 15 عاماً ولا يرغبون في الاشتراك بدورات التدريب البدني للترشيق.
ولا توجد إحصائية دقيقة بعدد الضباط السمان الخاضعين للفحص والترشيق، ذلك أن بعض الوحدات تتكتم على هكذا بيانات ضماناً للسرية العسكرية، لكن محسن يقدر الأعداد بـ”الآلاف”.
يقول محسن إن مطابخ الوحدات العسكرية تعد طعام الضباط والجنود وفقاً لقياسات محددة، وبالتالي فإنه مقبول في الوقت الحالي من ناحية عدم تسببه بالسمنة.
قال جنديان لـ”جمّار” إنهما يحصلان على ثلاث وجبات يومياً، تتضمن وجبة الفطور حساءً (شوربة) وأجباناً وقشطة ومربيات وبيضاً مسلوقاً وشاياً وصموناً، بينما تتضمن وجبة الغداء دجاجاً أو سمكاً مشوياً موزعة بين أيام الأسبوع، وأحياناً يكون الغداء رزاً ومرق فاصوليا، أما العشاء يتكون من المقليات غالباً.
لكن العقيد في الجيش العراقي أشار إلى أن الطعام المُقدم في المؤسسة العسكرية غير صحي.
وأشار الجنديات إلى أن وحدتيهما تضمان صالة لممارسة الرياضة، فضلاً عن وجود رياضة صباحية يومية وفق المنهج التدريبي.
وفيما يذكر أحدهما أن جميع زملائه يمارسون الرياضة، يشير الآخر إلى أنه يمارس مع زملائه في الوحدة العسكرية لعب كرة القدم عصر أو مساء كل يوم، لافتاً إلى وجود لجان متخصصة باللياقة البدنية تشرف عليهم.
العقيد في الجيش، الذي سبق وأن عانى من سُمنة نتيجة لإصابته في معارك ضد تنظيم “داعش”، شخّص مُشكلة أساسية في المؤسسة العسكرية وهي “امتناع بعض الضباط عن ممارسة الرياضة”.
قال العقيد أن رقوده لمدّة شهرين نتيجته إصابته زادت وزنه نحو 40 كليوغراماً، لكنه اضطر لوضع برنامج غذائي ورياضي لنفسه حتّى استطاع العودة إلى الجسم الصحي.
وإذا كانت الرشاقة واللياقة البدنية رمزاً لحسن المظهر عند الناس، فإنها قد تشكل عامل حسم في أرض المعركة بالنسبة للعسكريين.
ساعات من الركض
يجمع متخصصون في الشأن العسكري على أن زيادة الوزن تقلص مهارات الكفاءة القتالية المتعلقة بالانتشار والتحرك السريع في ميدان القتال عبر الجري والعدو السريع وتغيير الاتجاه والحفر والتسلق والجر والدفع والرفع والتنزيل والتحرك بالأحمال وحمل وسرعة تعبئة الذخائر وإخلاء الميدان من الجرحى والالتحام والاشتباك القريب مع العدو، فضلاً عن المهارات الحركية أوقات الطوارئ من الوثب والدحرجة والالتفاف والانبطاح والرمي.
“العسكري يحتاج دائماً إلى طاقة وحركة سريعة، خاصة ضباط ومراتب صنف المشاة” قال مخلد حازم الباحث في الشأن الأمني والاستراتيجي.
يتم إشراك الضباط والمراتب المترهلين في دورات تدريبية لمدة 3 ساعات يومياً تتضمن تمارين الكارديو والركض لحرق الشحوم، بالإضافة إلى اعتماد نظام غذائي خاص.
ولا يوجد قانون ينص صراحة على إحالة العسكري البدين إلى التقاعد، وفقا للخبراء القانونيين واثق الزبار وأحمد العبادي وفيصل ريكان، لكن الضوابط الخاصة بهذا الشأن تستند إلى أن واجبات المؤسسة العسكرية تحتاج إلى رشاقة وقدرة على التحمل، وهذه لا تتوفر في الشخص الذي يعاني بدانة.
وينص قانون الخدمة والتقاعد العسكري لعام 2010 على أن من ينال رتبة ملازم يجب أن يكون “مستوفياً لشروط اللياقة البدنية والسلامة الصحية”، وينطبق الأمر ذاته على المتطوعين.
ويقتصر تطبيق إجراءات الترشيق حالياً على الضباط، وبعد الانتهاء منهم حتى رتبة فريق يتم الانتقال مباشرة إلى المراتب، وفق جداول شهرية.
ملايين السمان
ترتبط السمنة بشكل مباشر بالعديد من الأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول والسكري والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، والتي تؤدي إلى انخفاض معدل الإنتاجية في العمل.
وتعرّف السمنة علمياً بأنها تراكم كميات كبيرة من الدهون في الجسم؛ ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في الوزن لا تتوافق مع طول وعمر الشخص.
ويصبح الشخص سميناً إذا زاد وزنه بنسبة 20 بالمئة عن المعدل الطبيعي.
بحسب تقرير لوزارة الصحة العراقية صدر عام 2019، بلغ عدد الذين يعانون من البدانة وزيادة في الوزن ما يقارب 29 مليوناً، 60 بالمئة منهم مصابون بمرض السكري، و9 بالمئة يعانون من ارتفاع نسب الكوليسترول والدهون في الدم، وجميعها تؤدي إلى خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
وتضم المؤسسة العسكرية العراقية نحو 538 ألف منتسب حالياً.
ويشدد محسن على أن العمل متواصل إلى حين التخلص من آخر كرش في الجيش، بما يمنح الضباط والجنود مظاهر تشبه التي تتمتع بها الجيوش العظمى.
أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج بتنظيم من الجامعة الأميركية في بيروت ودعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي” International Media Support
تُنشر بالتزامن مع “أوان“