تحويل "ثروة النفايات الوطنية" إلى كهرباء: مجرد كلام

شهد موسى

12 تشرين الثاني 2022

تصف مؤسسات الدولة العراقية النفايات بـ"الثروة الوطنية" لأنها يمكن أن توفّر الكهرباء والأموال والعمل، لكن استثمارها يبقى "مجرد كلام" في المجالس والمؤتمرات الدولية..

لكي يحلّ العراق مشكلة نقص الكهرباء المزمنة، فهو بحاجة إلى أكثر من 30 ألف ميغا واط، بينما لا يتجاوز الإنتاج الحالي، في أفضل حالاته، 22 ألفاً.  

ويتطلب الوصول إلى الميغاواطات المفقودة طرائق عدة، أوّلها إنشاء محطات توليد جديدة وتوفير وقود الغاز الكافي لتشغيلها، وكذلك ربط الشبكة الوطنية العراقية بشبكات جيرانه.

ومنذ سنوات، يقول المسؤولون إنهم يسعون في هذا الاتجاه ويتحدثون عن معوقات يستلزم تجاوزها، بالحد الأدنى، وقتاً.  

في فصول الصيف اللاهبة، يشهد العراق سنوياً احتجاجات شعبية على انقطاع الكهرباء عن المنازل، ويواجه بعضها بالعنف من قوى الأمن، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا من المحتجين.

ويُحرق العراق الغاز المصاحب خلال عمليّة استخراج النفط، ما يؤدي إلى تلويث البيئة، وخسارة أموال كبيرة سنويّاً.

بمقابل ذلك، يستورد العراق الكهرباء والغاز المشغل لمحطاته من إيران المجاورة، والتي تقطع التوريد عندما يتأخر الدفع المالي أو يزيد الطلب المحلي لديها.  

يضطر سكّان، للحصول على الطاقة، إلى شراء الكهرباء من مولدات أهلية باشتراك شهري قد لا يتوفر ثمنه لدى الكل، خاصة مع تفشي البطالة التي يعمّقها غياب الأمن وقلة الاستثمارات.  

ما يعرفه العراقيون ويدعوهم للاحتجاج، هو أن بلدهم ليس فقيراً، لكن الفساد الذي لا تنكره السلطات، وكثرة الاستهداف الغامض بالمتفجرات لشبكات نقل الكهرباء في مدن عدة بأوقات متزامنة، يبقي الحال على ما هو عليه.  

وبين هذا وذاك، يبقى السؤال عن الإمكانيات البديلة التي قد تمكن العراق من تحسين خدمة الكهرباء في العراق اليوم، ومن أكثرها شيوعاً في حديث المسؤولين هو استصدار الكهرباء من النفايات.  

نفايات في كل مكان.. والكهرباء متقطعة

في 12 شباط الماضي، أعلن وزير الكهرباء السابق وكالةً، عادل كريم، عن مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية.  

وقال وقتها إن المشروع يتمّ بموجب عقد مع وزارة الإعمار والإسكان، ويقوم على فرز النفايات والاستفادة منها لتوليد الطاقة.  

جاء ذلك ضمن توجه الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، بالتحول إلى الطاقة النظيفة، بعدما صادق العراق يوم 1 تشرين الثاني 2021، على انضمامه رسمياً كطرف في اتفاقية باريس، الملتزمة بخفض الانبعاثات الضارة الذي يولد احتباساً حرارياً، إضافة للجفاف.   

وينتج العراق، وفقاً للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP)، قرابة 30 ألف طن من النفايات الصلبة يومياً. بيد أنه “يفتقر إلى بنية تحتية مؤهلة للتعامل مع هذا الكم من النفايات والتخلص منها بطريقة مناسبة تضمن عدم وجود آثار سلبية على البيئة، لذلك يتم التخلص من معظم النفايات في مدافن قمامة غير منظمة”.

ما يعني هذا أن هذه النفايات لا تُستغل لإنتاج الطاقة الكهربائية، ويعزو وزير الكهرباء السابق ذلك، إلى كون المستثمرين المحليين لم يتقدموا بطلبات لتولي مشروع تحويل النفايات إلى كهرباء، والذي يتطلب بحسبه أن “يبني مستثمر ما محطة لجمع كميات هائلة من النفايات وحرقها وتوليد الطاقة منها”.

يصف مدير دائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد، محمد العبيدي النفايات بأنها ثروة وطنية “بعد النفط والاتصالات. لكنها لم تستثمر بالصورة الصحيحة”.

تتولى 14 دائرة بلدية جمع النفايات من مناطق بغداد، تبلغ كميتها اليومية 9 آلاف طن. ويقول إن “الرؤية (لمشروع تحويل النفايات لكهرباء) تتضمن عدم رمي النفايات في الشارع والاستفادة منها من خلال تجهيز أمانة بغداد بمحارق ذات سعة وتكنولوجية عالية تعطي غازاً صديقاً للبيئة، وسينتج حرق 4 أطنان من النفايات 40 ميغاوط في الساعة”.  

في الوقت ذاته، يتحدث الربيعي عن مشكلة عدم وجود مواقع صحية لطمر النفايات.

فالمستخدَم حالياً موقعان تنقل إليهما النفايات من بغداد، يقع الأول في منطقة النهروان شرقي بغداد، والثاني في منطقة النباعي على بعد 70 كلم من العاصمة و”وضعه بائس”، كما وصفه.

تقدر وزارة البيئة أن الفرد العراقي يخلف يومياً حوالي 1.2 كيلوغرام من النفايات، فيما توجه انتقاداً لأداء الدوائر البلدية.

“ومع ذلك، لم تهتم الإدارات البلدية السابقة بمشاريع البنى التحتية وإنشاء مشاريع لمعالجة مياه الصرف الصحي أو معامل ومنشآت متكاملة لتدوير النفايات والاستفادة منها”. كما أن “الطرق المتبعة قديمة والنفايات تحدث مشكلة بيئية وتتسبب بالتلوث. أطنان من النفايات تطمر يومياً في أطراف بغداد”.  

يقول مدير دائرة التوعية في الوزارة أمير علي حسون، مشيراً إلى أن “أخطاءً حصلت في الكثير من مشاريع البنى التحتية ولم يصل بعضها للمستوى المطلوب. هناك حاجة لاستراتيجية موحدة ومغادرة الأخطاء السابقة والطرق التقليدية الملوثة للتربة والمياه وهدر الموارد الطبيعية كالنفايات”.  

وتتطلب مثل هذه “الاستراتيجية”، كما يوضح، اشتراك وتعاون مختلف الوزارات الحكومية و”كل قطاعات المجتمع”، إذ لا يمكن أننا “نريد الربح ولن نصرف مالا”.

مشروع تحويل النفايات إلى كهرباء.. كيف وماذا ينتظر؟

توصلت وزارة الكهرباء إلى اتفاق مع أمانة بغداد يقضي ببناء الأخيرة محطات لإنتاج الطاقة من النفايات، حيث “انتخبت غرفة عمليات مشتركة بين وزارة الكهرباء وأمانة بغداد موقعين، واحد في النهروان والآخر في أبو غريب، لإنشاء محطات تكون قريبة من مصادر الشبكة الكهربائية والخطوط الناقلة لتسهيل نقل الطاقة المنتجة”، وفق ما أخبرنا به المتحدث باسم الوزارة، أحمد موسى.

وبحسبه، ستتولى أمانة بغداد إدارة العمل برخصة من هيئة الاستثمار الوطنية، وسيكون الجزء المتعلق بها هو شراء الطاقة فقط، “وأياً كان حجمها”، ولم يحدد موعداً لبناء المحطات أو بدء تشغيلها.

وتحدث عن فوائد جانبية لهذا العمل مثل “تخليص المناطق السكنية من النفايات العضوية (التي يخلفها البشر وتتحلل بسرعة) وغير العضوية (المخلفات الثقيلة)”.

يعد موسى المشروع كواحد من مجموعة حلول لسد النقص في الكهرباء الوطنية، وليس حلاً شاملاً. ومع ذلك، فالمشروع ما زال مجرد “رؤية” تأكدت السلطات من جدواها الاقتصادية لكنها لا تتبناه بسبب تكلفته الباهظة.  

لذا فهي ستطرحه كعرض استثماري “بعد استحصال الموافقات من الهيئة الوطنية للاستثمار”، كما قال مدير دائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد.

ومثل المتحدث باسم وزارة الكهرباء، لا يقدم المسؤول في امانة بغداد محمد الربيعي موعداً محدداً لأي شيء يتعلق بمشروع تحويل النفايات إلى كهرباء.

“الرؤية تبلورت واستكملت وسيرى النور قريباً، والأمانة فتحت باب الترشح للشركات التي تتعاقد مع الهيئة الوطنية للاستثمار”.  

وأضاف “نحن سنخصص الأراضي ولن تصرف أمانة بغداد شيئا، بل العكس. ستربح والاتفاق مع المستثمر سيكون منح الأمانة 20 بالمئة من إيراد بيع الطاقة وبعد 25 سنة ستكون الواردات للأمانة بنسبة 100 بالمئة”.  

بيد أن خالد الدراجي، عضو لجنة الطاقة والكهرباء النيابية، ينفي ذلك، قائلاً أنه “لا يوجد مشروع لتحويل النفايات إلى كهرباء حتى الآن”.  

ويرى الدراجي أن ما تحدثت عنه وزارة الكهرباء وأمانة بغداد، هي مشاريع يمكن عدها رؤى وتوجيهات رسمية. فيشير مثلاً إلى توجيه صادر عن مجلس الوزراء للإدارات المحلية للمحافظات، وكذلك أمانة بغداد يقضي ببناء هذه الجهات مشاريع من هذا النوع، وإلزام وزارة الكهرباء بشراء المنتج.  

كلام مجالس” في نينوى

كان منصور المرعيد، وهو مهندس استشاري وعضو في لجنة الطاقة والكهرباء النيابية حالياً، محافظاً لنينوى لفترة لعدة أشهر (نيسان إلى تشرين الثاني 2019).  

وكانت الكهرباء واحدة من المشكلات التي يعاني منها سكان المدينة بعد استعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في 2017.  

هناك أيضاً طُرحت فكرة توليد الطاقة من النفايات المتكدسة وبلغت، كما قال، ألفا و800 طن.  

“لو استثمرت فإنها تولد قرابة 200 – 400 ميغا واط. المشروع وصل إلى مراحل نهائية، وبقي العقد مع وزارة الكهرباء لضمان شراء الطاقة من المستثمر”.  

ولم يحصل ذلك بعد.  

الكهرباء، يقول المرعيد، “أصبحت من عناوين الخلاف الداخلي والمناكفات بين وزارة النفط والكهرباء. كلما أرادت الأخيرة إنجاز ملف تقف وزارة أخرى بوجهها. وهذا جزء من المشكلة التي تعرقل إنشاء المحطات”.  

المشكلة تتعقد وتتشابك، فالنمو العشوائي المتزايد للوحدات السكنية الاستثمارية والرسمية يخلق بدوره مشاكل في النقل والتوزيع، فضلاً عن انتهاء العمر الافتراضي لبعض المحطات.  

سمع المرعيد بـ”الكثير من الطروحات حول إعادة تدوير النفايات واستخدامها في توليد الكهرباء، لكنها تتوقف عندما تصل إلى مرحلة التنفيذ”.  

وهو ينظر له كـ”مجرد كلام مجالس لا يجد اهتماماً حقيقياً أو دعماً من الحكومات المحلية أو المركزية”.  

يعيد المرعيد أهمية الفكرة وفوائدها التي أحصتها وزارة الصناعة في دراسة منشورة على موقعها الإلكتروني، فضلاً عن بحوث أكاديمية أخرى.

نفايات تستغل في توليد الكهرباء والأسمدة الكيماوية وهي طريقة مثلى لمعالجة تلوّث البيئة وتوفر فرص عمل مناسبة لمختلف الفئات وتقلل الصرف على استيراد الغاز في ظل ارتفاع أسعاره عالمياً.

غير أن هذه الفكرة “لم ترتقِ لمرحلة المشروع”، يقول المرعيد.  

وبرأيه، فإن الابتزاز و”الهجمات” التي يواجهها المستثمرون في العراق والبيروقراطية في الدوائر الحكومية ستجعلهم يحجمون عن الاستثمار في هكذا مشاريع.   

أرسلت وزارة البيئة مسودة قانون جديد لإدارة النفايات إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من أجل ترتيبه وإعادة إرساله للبرلمان كي يناقشه ويشرّعه.  

وتركّز المسودة، بحسب مدير الإعلام في الوزارة علي حسون، “على وضع أسس جديدة لملف النفايات ودعم الاستثمار فيها واستخدامها لإنتاج الكهرباء بما يتوافق مع التزامات العراق الدولية تجاه ملف التغيرات المناخية”.  

غير أن “الوضع والبيئة السياسية الحالية لا تساعد على تبني لجنة الطاقة النيابية لهذه القضايا ومثل هذه المشاريع” الآن، قال منصور المرعيد.  

“نحتاج إلى أن نتفق على أساسيات وتعديل قوانين وتشريع أخرى جديدة تسهّل على المستثمر. في حال استقر الوضع السياسي، يمكن لنا الانطلاق بهذا المشروع”، قال.  

مشكلة سياسية”  

عند الحديث عن حل مشكلات مثل الكهرباء بطرق محلية، يقلل خبراء من إمكانية حدوث ذلك.

في هذا السياق، يضرب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني مثلاً باستيراد الغاز من إيران.  

“العراق يحرق يومياً كميات من الغاز أكبر مما يستورده من إيران بأسعار مرتفعة، ولا يسمح له تنويع المصادر كالاستيراد من قطر أو السعودية. هذا الموضوع سياسي بامتياز”.

بموجب آلية تقاسم السلطة في العراق، تدير قوى سياسية شيعية وزارة النفط، ورئيس الوزراء يرشحه الشيعة لهذا المنصب، وهم مقربون من إيران.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

لكي يحلّ العراق مشكلة نقص الكهرباء المزمنة، فهو بحاجة إلى أكثر من 30 ألف ميغا واط، بينما لا يتجاوز الإنتاج الحالي، في أفضل حالاته، 22 ألفاً.  

ويتطلب الوصول إلى الميغاواطات المفقودة طرائق عدة، أوّلها إنشاء محطات توليد جديدة وتوفير وقود الغاز الكافي لتشغيلها، وكذلك ربط الشبكة الوطنية العراقية بشبكات جيرانه.

ومنذ سنوات، يقول المسؤولون إنهم يسعون في هذا الاتجاه ويتحدثون عن معوقات يستلزم تجاوزها، بالحد الأدنى، وقتاً.  

في فصول الصيف اللاهبة، يشهد العراق سنوياً احتجاجات شعبية على انقطاع الكهرباء عن المنازل، ويواجه بعضها بالعنف من قوى الأمن، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا من المحتجين.

ويُحرق العراق الغاز المصاحب خلال عمليّة استخراج النفط، ما يؤدي إلى تلويث البيئة، وخسارة أموال كبيرة سنويّاً.

بمقابل ذلك، يستورد العراق الكهرباء والغاز المشغل لمحطاته من إيران المجاورة، والتي تقطع التوريد عندما يتأخر الدفع المالي أو يزيد الطلب المحلي لديها.  

يضطر سكّان، للحصول على الطاقة، إلى شراء الكهرباء من مولدات أهلية باشتراك شهري قد لا يتوفر ثمنه لدى الكل، خاصة مع تفشي البطالة التي يعمّقها غياب الأمن وقلة الاستثمارات.  

ما يعرفه العراقيون ويدعوهم للاحتجاج، هو أن بلدهم ليس فقيراً، لكن الفساد الذي لا تنكره السلطات، وكثرة الاستهداف الغامض بالمتفجرات لشبكات نقل الكهرباء في مدن عدة بأوقات متزامنة، يبقي الحال على ما هو عليه.  

وبين هذا وذاك، يبقى السؤال عن الإمكانيات البديلة التي قد تمكن العراق من تحسين خدمة الكهرباء في العراق اليوم، ومن أكثرها شيوعاً في حديث المسؤولين هو استصدار الكهرباء من النفايات.  

نفايات في كل مكان.. والكهرباء متقطعة

في 12 شباط الماضي، أعلن وزير الكهرباء السابق وكالةً، عادل كريم، عن مشروع لتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية.  

وقال وقتها إن المشروع يتمّ بموجب عقد مع وزارة الإعمار والإسكان، ويقوم على فرز النفايات والاستفادة منها لتوليد الطاقة.  

جاء ذلك ضمن توجه الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، بالتحول إلى الطاقة النظيفة، بعدما صادق العراق يوم 1 تشرين الثاني 2021، على انضمامه رسمياً كطرف في اتفاقية باريس، الملتزمة بخفض الانبعاثات الضارة الذي يولد احتباساً حرارياً، إضافة للجفاف.   

وينتج العراق، وفقاً للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP)، قرابة 30 ألف طن من النفايات الصلبة يومياً. بيد أنه “يفتقر إلى بنية تحتية مؤهلة للتعامل مع هذا الكم من النفايات والتخلص منها بطريقة مناسبة تضمن عدم وجود آثار سلبية على البيئة، لذلك يتم التخلص من معظم النفايات في مدافن قمامة غير منظمة”.

ما يعني هذا أن هذه النفايات لا تُستغل لإنتاج الطاقة الكهربائية، ويعزو وزير الكهرباء السابق ذلك، إلى كون المستثمرين المحليين لم يتقدموا بطلبات لتولي مشروع تحويل النفايات إلى كهرباء، والذي يتطلب بحسبه أن “يبني مستثمر ما محطة لجمع كميات هائلة من النفايات وحرقها وتوليد الطاقة منها”.

يصف مدير دائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد، محمد العبيدي النفايات بأنها ثروة وطنية “بعد النفط والاتصالات. لكنها لم تستثمر بالصورة الصحيحة”.

تتولى 14 دائرة بلدية جمع النفايات من مناطق بغداد، تبلغ كميتها اليومية 9 آلاف طن. ويقول إن “الرؤية (لمشروع تحويل النفايات لكهرباء) تتضمن عدم رمي النفايات في الشارع والاستفادة منها من خلال تجهيز أمانة بغداد بمحارق ذات سعة وتكنولوجية عالية تعطي غازاً صديقاً للبيئة، وسينتج حرق 4 أطنان من النفايات 40 ميغاوط في الساعة”.  

في الوقت ذاته، يتحدث الربيعي عن مشكلة عدم وجود مواقع صحية لطمر النفايات.

فالمستخدَم حالياً موقعان تنقل إليهما النفايات من بغداد، يقع الأول في منطقة النهروان شرقي بغداد، والثاني في منطقة النباعي على بعد 70 كلم من العاصمة و”وضعه بائس”، كما وصفه.

تقدر وزارة البيئة أن الفرد العراقي يخلف يومياً حوالي 1.2 كيلوغرام من النفايات، فيما توجه انتقاداً لأداء الدوائر البلدية.

“ومع ذلك، لم تهتم الإدارات البلدية السابقة بمشاريع البنى التحتية وإنشاء مشاريع لمعالجة مياه الصرف الصحي أو معامل ومنشآت متكاملة لتدوير النفايات والاستفادة منها”. كما أن “الطرق المتبعة قديمة والنفايات تحدث مشكلة بيئية وتتسبب بالتلوث. أطنان من النفايات تطمر يومياً في أطراف بغداد”.  

يقول مدير دائرة التوعية في الوزارة أمير علي حسون، مشيراً إلى أن “أخطاءً حصلت في الكثير من مشاريع البنى التحتية ولم يصل بعضها للمستوى المطلوب. هناك حاجة لاستراتيجية موحدة ومغادرة الأخطاء السابقة والطرق التقليدية الملوثة للتربة والمياه وهدر الموارد الطبيعية كالنفايات”.  

وتتطلب مثل هذه “الاستراتيجية”، كما يوضح، اشتراك وتعاون مختلف الوزارات الحكومية و”كل قطاعات المجتمع”، إذ لا يمكن أننا “نريد الربح ولن نصرف مالا”.

مشروع تحويل النفايات إلى كهرباء.. كيف وماذا ينتظر؟

توصلت وزارة الكهرباء إلى اتفاق مع أمانة بغداد يقضي ببناء الأخيرة محطات لإنتاج الطاقة من النفايات، حيث “انتخبت غرفة عمليات مشتركة بين وزارة الكهرباء وأمانة بغداد موقعين، واحد في النهروان والآخر في أبو غريب، لإنشاء محطات تكون قريبة من مصادر الشبكة الكهربائية والخطوط الناقلة لتسهيل نقل الطاقة المنتجة”، وفق ما أخبرنا به المتحدث باسم الوزارة، أحمد موسى.

وبحسبه، ستتولى أمانة بغداد إدارة العمل برخصة من هيئة الاستثمار الوطنية، وسيكون الجزء المتعلق بها هو شراء الطاقة فقط، “وأياً كان حجمها”، ولم يحدد موعداً لبناء المحطات أو بدء تشغيلها.

وتحدث عن فوائد جانبية لهذا العمل مثل “تخليص المناطق السكنية من النفايات العضوية (التي يخلفها البشر وتتحلل بسرعة) وغير العضوية (المخلفات الثقيلة)”.

يعد موسى المشروع كواحد من مجموعة حلول لسد النقص في الكهرباء الوطنية، وليس حلاً شاملاً. ومع ذلك، فالمشروع ما زال مجرد “رؤية” تأكدت السلطات من جدواها الاقتصادية لكنها لا تتبناه بسبب تكلفته الباهظة.  

لذا فهي ستطرحه كعرض استثماري “بعد استحصال الموافقات من الهيئة الوطنية للاستثمار”، كما قال مدير دائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد.

ومثل المتحدث باسم وزارة الكهرباء، لا يقدم المسؤول في امانة بغداد محمد الربيعي موعداً محدداً لأي شيء يتعلق بمشروع تحويل النفايات إلى كهرباء.

“الرؤية تبلورت واستكملت وسيرى النور قريباً، والأمانة فتحت باب الترشح للشركات التي تتعاقد مع الهيئة الوطنية للاستثمار”.  

وأضاف “نحن سنخصص الأراضي ولن تصرف أمانة بغداد شيئا، بل العكس. ستربح والاتفاق مع المستثمر سيكون منح الأمانة 20 بالمئة من إيراد بيع الطاقة وبعد 25 سنة ستكون الواردات للأمانة بنسبة 100 بالمئة”.  

بيد أن خالد الدراجي، عضو لجنة الطاقة والكهرباء النيابية، ينفي ذلك، قائلاً أنه “لا يوجد مشروع لتحويل النفايات إلى كهرباء حتى الآن”.  

ويرى الدراجي أن ما تحدثت عنه وزارة الكهرباء وأمانة بغداد، هي مشاريع يمكن عدها رؤى وتوجيهات رسمية. فيشير مثلاً إلى توجيه صادر عن مجلس الوزراء للإدارات المحلية للمحافظات، وكذلك أمانة بغداد يقضي ببناء هذه الجهات مشاريع من هذا النوع، وإلزام وزارة الكهرباء بشراء المنتج.  

كلام مجالس” في نينوى

كان منصور المرعيد، وهو مهندس استشاري وعضو في لجنة الطاقة والكهرباء النيابية حالياً، محافظاً لنينوى لفترة لعدة أشهر (نيسان إلى تشرين الثاني 2019).  

وكانت الكهرباء واحدة من المشكلات التي يعاني منها سكان المدينة بعد استعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في 2017.  

هناك أيضاً طُرحت فكرة توليد الطاقة من النفايات المتكدسة وبلغت، كما قال، ألفا و800 طن.  

“لو استثمرت فإنها تولد قرابة 200 – 400 ميغا واط. المشروع وصل إلى مراحل نهائية، وبقي العقد مع وزارة الكهرباء لضمان شراء الطاقة من المستثمر”.  

ولم يحصل ذلك بعد.  

الكهرباء، يقول المرعيد، “أصبحت من عناوين الخلاف الداخلي والمناكفات بين وزارة النفط والكهرباء. كلما أرادت الأخيرة إنجاز ملف تقف وزارة أخرى بوجهها. وهذا جزء من المشكلة التي تعرقل إنشاء المحطات”.  

المشكلة تتعقد وتتشابك، فالنمو العشوائي المتزايد للوحدات السكنية الاستثمارية والرسمية يخلق بدوره مشاكل في النقل والتوزيع، فضلاً عن انتهاء العمر الافتراضي لبعض المحطات.  

سمع المرعيد بـ”الكثير من الطروحات حول إعادة تدوير النفايات واستخدامها في توليد الكهرباء، لكنها تتوقف عندما تصل إلى مرحلة التنفيذ”.  

وهو ينظر له كـ”مجرد كلام مجالس لا يجد اهتماماً حقيقياً أو دعماً من الحكومات المحلية أو المركزية”.  

يعيد المرعيد أهمية الفكرة وفوائدها التي أحصتها وزارة الصناعة في دراسة منشورة على موقعها الإلكتروني، فضلاً عن بحوث أكاديمية أخرى.

نفايات تستغل في توليد الكهرباء والأسمدة الكيماوية وهي طريقة مثلى لمعالجة تلوّث البيئة وتوفر فرص عمل مناسبة لمختلف الفئات وتقلل الصرف على استيراد الغاز في ظل ارتفاع أسعاره عالمياً.

غير أن هذه الفكرة “لم ترتقِ لمرحلة المشروع”، يقول المرعيد.  

وبرأيه، فإن الابتزاز و”الهجمات” التي يواجهها المستثمرون في العراق والبيروقراطية في الدوائر الحكومية ستجعلهم يحجمون عن الاستثمار في هكذا مشاريع.   

أرسلت وزارة البيئة مسودة قانون جديد لإدارة النفايات إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من أجل ترتيبه وإعادة إرساله للبرلمان كي يناقشه ويشرّعه.  

وتركّز المسودة، بحسب مدير الإعلام في الوزارة علي حسون، “على وضع أسس جديدة لملف النفايات ودعم الاستثمار فيها واستخدامها لإنتاج الكهرباء بما يتوافق مع التزامات العراق الدولية تجاه ملف التغيرات المناخية”.  

غير أن “الوضع والبيئة السياسية الحالية لا تساعد على تبني لجنة الطاقة النيابية لهذه القضايا ومثل هذه المشاريع” الآن، قال منصور المرعيد.  

“نحتاج إلى أن نتفق على أساسيات وتعديل قوانين وتشريع أخرى جديدة تسهّل على المستثمر. في حال استقر الوضع السياسي، يمكن لنا الانطلاق بهذا المشروع”، قال.  

مشكلة سياسية”  

عند الحديث عن حل مشكلات مثل الكهرباء بطرق محلية، يقلل خبراء من إمكانية حدوث ذلك.

في هذا السياق، يضرب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني مثلاً باستيراد الغاز من إيران.  

“العراق يحرق يومياً كميات من الغاز أكبر مما يستورده من إيران بأسعار مرتفعة، ولا يسمح له تنويع المصادر كالاستيراد من قطر أو السعودية. هذا الموضوع سياسي بامتياز”.

بموجب آلية تقاسم السلطة في العراق، تدير قوى سياسية شيعية وزارة النفط، ورئيس الوزراء يرشحه الشيعة لهذا المنصب، وهم مقربون من إيران.