بساتين حوض الوقف.. السيارات تحمل النازحين بدل الفواكه 

علي فاضل

22 تشرين الأول 2022

قبل نحو 20 عاماً، كانت تخرج من بساتين حوض الوقف في ديالى سيارات محمّلة بالبرتقال الحلو المليء بالمياه والليمون وأعذاق النخيل والخشب لتنقلها إلى مُدن العراق الأخرى، لكن الحال تغيرت اليوم تماماً..

أقحلت أراضي منطقة حوض الوقف في محافظة ديالى، شرق بغداد، من الناس والزرع. فلقد تعاضدت التنظيمات المسلحة والطبيعة على هذه المنطقة وأدت إلى تهجير نحو 7800 عائلة خلال عشرين عاماً، ولم تبق سوى 200 عائلة تسكنها الآن وتصارع للبقاء فيها. 

وبعد أن كانت منطقة خضراء تسوّرها أشجار النخيل والحمضيات وحقول القمح، أخذت اليوم تتحوّل إلى منطقة صحراوية، تهب فيها عواصف الغبار، وتستغل أراضيها مجاميع مسلحّة مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وخلال الأعوام الماضيّة، لم تنفك أسماء قرى حوض الوقف تردد سيرتها في الإعلام، لكن كمناطق عسكرية خطرة، تهدد خاصرة بغداد الشرقيّة بـ”الغزو” أو “التفجيرات”. ونادراً ما تم التطرّق إلى حوض الوقف على أنّها واحدة من أهم المناطق الزراعية في العراق، كما لم يجرِ الحديث عن خوض أهاليها صراعاً وجودياً للحفاظ على أراضيهم والاستمرار بزراعتها.

هجرات متعاقبة

تبلغ مساحة بساتين حوض الوقف نحو 30 ألف دونم. وقبل نحو 20 عاماً، كانت تخرج من هذه البساتين سيارات محمّلة بالبرتقال الحلو المليء بالعصير، والليمون وأعذاق النخيل والخشب، لتُنقل إلى مُدن العراق الأخرى. لكن بعد الغزو الأمريكي لبغداد في نيسان 2003، أخذت مساحات الزراعة تتقلّص.

السيارات الكبيرة التي كانت تحمل المحاصيل الزراعية، صارت بدلاً من ذلك تنقل الأهالي وأغراضهم إلى مدينة بعقوبة، مركز ديالى، أو مناطق شمال أو جنوب العراق.

تناوبت على منطقة حوض الوقف وبساتينها مجموعات جهادية مختلفة، لكن التنظيمين الأكثر نشاطاً فيها كانا تنظيم “القاعدة” وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

كلّفت هذه التنظيمات السكّان الكثير، إذ فرضت عليهم الإتاوات، وحولت بساتينهم مركزاً لاختباء المسلّحين، وهدفاً للطائرات الحربيّة الأمريكية، وللقذائف غير الدقيقة، ولعمليات تمشيط الجيش والشرطة العراقيين.

لكنّ أقسى موجة نزوح شهدتها مناطق حوض الوقف كانت بين أعوام 2006 و2009، إذ صار السكّان يغادرون مناطقهم وبساتينهم جماعات، حينما أمعنت التنظيمات الجهادية بالقسوة عليهم.

كان جمعة قاسم الربيعي أبو مهمين، مختار قرية أبو كرمة، قد شهد أوّل تهديد عام 2004، “بدأت أوراق تظهر في القرية ولافتات وعبارات على الجدران تدعونا إلى الرحيل مصدرها تنظيم القاعدة واحدة منها كُتب فيها (اخرجوا من القرية أو تُقتلوا)”.

عام 2005 خرج سكّان القريّة، ومن بينهم الربيعي وعائلته، زرافات تاركين خلفهم بساتينهم ومنازلهم وحتّى أغراضهم الشخصية، “بعد عامين (أي عام 2007)، لم يبق أي أحد في القرية”.

“فرضت التنظيمات ما يعرف بالاتاوات على المزارعين لتمويل عملياتها وشراء الاسلحة وتوفير مورد مالي لعناصرها”، يخبرنا جواد كريم، عضو لجنة أمن ابي صيدا السابق. 

إضافة إلى ذلك، لجأت التنظيمات الجهادية إلى خطف أبناء هذه المناطق ومطالبة أهاليهم بدفع الفدى بعشرات الآلاف من الدولارات. 

قتلى بالآلاف

عاصر العميد المتقاعد علي التميمي الحرب على التنظيمات الجهادية في ديالى، وقاتلها لمدّة خمسة أعوام عندما كان مسؤول فوج في الجيش. في البداية كان تنظيم القاعدة هو التحدّي الأكبر، لكن ما لبث أن قضي عليه حتى برز تنظيم “داعش”.

“كانت التنظيمات المتطرفة ذات قدرات كبيرة” يروي التميمي، وهو يتذكر تفاصيل معارك مختلفة. القاعدة و”داعش”، كلاهما، استغلا البساتين المتشعبة والواسعة وحولاها إلى أوكار. “ربما تصل إلى 10 أوكار رئيسية تتركز في محيط بساتين المخيسة وشيخي وزور نهر ديالى”.

استمرت معركة القوات الأمريكية والعراقية مع تنظيم القاعدة حتّى عام 2013. تنفس سكّان حوض الوقف الصعداء لوقت قصير. لكن لم تمض سوى أشهر معدودة ليظهر تنظيم “داعش” في حزيران عام 2014 ويسيطر على نحو ثلث مساحة العراق.

أدى بطش التنظيمات الجهادية واتساع العمليات العسكرية في المنطقة إلى قتل المئات من سكانها. 

قال أبو مهيمن، مختار قرية ابو كرمة وهي أكبر قرى الوقف، إن قريته لوحدها قتل فيها نحو 500 شخص، أما المصابون فإن عددهم يتجاوز الألف شخص، مضيفاً إن “هذه الأرقام تظهر حجم المأساة”.

لكن قرى حوض الوقف ليست مقبرة لأهلها فحسب، وإنما هي أيضاً تكاد تكون ثقباً يبتلع كل من يطأ أرضها.

عمل العقيد صبري التميمي لأعوام في هذه المنطقة ضمن صفوف الشرطة التابعة لوزارة الداخلية، وما يزال يحتفظ بإحصائيات القتلى من الشرطة العراقيين الذين قاتل إلى جانبهم، والجهاديين الذين قاتلهم، يقول “قتل في القرى أكثر من 500 إرهابي مقابل 300 شرطي وأكثر من 400 مصاب”، يستدرك متأسفاً “لكن عدد القتلى من المدنيين أضعاف”.

في الواقع، فشلت مئات الخطط للسيطرة على قرى حوض الوقف ومنع الجهاديين من استغلال بساتينها. لم يَعُدْ شاكر التميمي، مدير ناحية العبارة ورئيس اللجنة الامنية فيها، يُحصي العمليات، قال “إنها بالمئات..”. 

تجريف وجفاف

بعد أن كانت كثافة النخيل وأشجار الحمضيات منظراً مهيباً، ورافعاً اقتصادياً لسكّان قرى حوض الوقف، تحوّلت إلى وبال عليهم!

غيّرت القوات الأمنية العراقيّة من الشرطة والجيش استراتيجيتها لتطهير البساتين من الجهاديين بالاعتماد على تجريفها، بدلاً من قصفها وهم داخلها أو نزالهم وهم يختبؤون فيها.

قال حسن العبيدي، الذي عمل عضواً في مجلس ناحية ابي صيدا وعضو اللجنة الزراعية فيها، “حصلت 3 مراحل تجريف لقطع الطريق أمام تسلل القاعدة وبعدها داعش وآخرها عام 2017”.

فتحت القوات الأمنية طُرقاً جديدة بين البساتين ونصبت نقاط مرابطة عليها، ما عنى أن “الأوضاع هدأت لفترة وجيزة.. لكن الخروقات مستمرة لأننا أمام تعقيدات كبيرة في ملف الامن ومنها وجود أسر داعمة للجهاديين”، وفقاً للعبيدي

ردّ تنظيم “داعش” على استراتيجية القوات الأمنية بتفخيخ البساتين، إذ نصب عبوات فيها، وصارت الأراضي بمجرد سقيها تتفجّر وتحوِّل المزارعين وأشجارهم إلى أشلاء.

طبيعة غاضبة!

تعاضدت الطبيعة مع الأمن على قرى حوض الوقف، وزادت على أساها أسى. 

قال حسن العبيدي إن “الحرائق ربما التهمت أكثر من ألف دونم، لكن الذي دمر البساتين هو الجفاف وكثرة العبوات التي تمنع المزارعين من الوصول لسقيها”.

أدّت هذه الأحداث إلى أن تكون أراضي نحو 75 بالمئة من البساتين مُعرّضة للهلاك وغير صالحة للزراعة، بحيث ما تزال فقط 7 إلى 9 آلاف دونم من أصل 30 ألفاً تنتج الحمضيات.

غير أن هذا الواقع قابل للتغير للأسوأ، فـ”بعض القرى حالياً شبه خالية”، يخبرنا محمد الربيعي، عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية في ديالى، قبل أن يعدد القرى “الكبة، وجلبي، وابو كرمة، والمخيسة، (..) فيها اعداد قليلة جداً من الأسر ربما لا تصل في مجملها إلى 200 أُسرة بينما كانت قبل 2003 تصل الى 8 آلاف أُسرة”.

يرى مختار قرية أبو كرمة أن “العيش صار مستحيلاً في الحوض”، على الرغم من أنه عاد ليعيش فيها منذ عام 2008. “في قريتي أبو كرمة كانت تعيش 1200 عائلة قبل 2003، أما الآن فلم يبق سوى 70 عائلة مصدر رزقها إما راتب تقاعدي أو مساعدات من الأقارب”.

على الرغم من إعلان النصر على تنظيمي القاعدة و”داعش”، بيد أن قرى حوض الوقف ما تزال تواجه تهديدات حقيقية من الجماعات الجهادية، والقوات الأمنية تقف عاجزة أمامها.

“الآن داعش يتحرك بسهولة ويستخدم أسلحة الصيد العادية لضرب القوات الأمنية من مسافة قريبة”. قال مهيمن جمعة قاسم، الذي كان شرطياً وفقد نظره في تفجير مزدوج في الحوض.

بعد إصابته، تحوّل قاسم إلى مؤذن في أحد جوامع قرى الوقف، وكان آخر ما بقي في ذاكرته من قريته عندما هُجِّر منها عام 2019 هو العويل، “كنت يومها أؤذن للصلاة لآخر مرة قبل الرحيل وإغلاق المسجد نهائياً فسمعت بكاء امرأتين على باب المسجد فتحولت فوراً إلى قراءة أبيات من النعي والرثاء فصار البكاء جماعياً وكان مشهداً مؤثراً جداً ولا ينسى”.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

أقحلت أراضي منطقة حوض الوقف في محافظة ديالى، شرق بغداد، من الناس والزرع. فلقد تعاضدت التنظيمات المسلحة والطبيعة على هذه المنطقة وأدت إلى تهجير نحو 7800 عائلة خلال عشرين عاماً، ولم تبق سوى 200 عائلة تسكنها الآن وتصارع للبقاء فيها. 

وبعد أن كانت منطقة خضراء تسوّرها أشجار النخيل والحمضيات وحقول القمح، أخذت اليوم تتحوّل إلى منطقة صحراوية، تهب فيها عواصف الغبار، وتستغل أراضيها مجاميع مسلحّة مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وخلال الأعوام الماضيّة، لم تنفك أسماء قرى حوض الوقف تردد سيرتها في الإعلام، لكن كمناطق عسكرية خطرة، تهدد خاصرة بغداد الشرقيّة بـ”الغزو” أو “التفجيرات”. ونادراً ما تم التطرّق إلى حوض الوقف على أنّها واحدة من أهم المناطق الزراعية في العراق، كما لم يجرِ الحديث عن خوض أهاليها صراعاً وجودياً للحفاظ على أراضيهم والاستمرار بزراعتها.

هجرات متعاقبة

تبلغ مساحة بساتين حوض الوقف نحو 30 ألف دونم. وقبل نحو 20 عاماً، كانت تخرج من هذه البساتين سيارات محمّلة بالبرتقال الحلو المليء بالعصير، والليمون وأعذاق النخيل والخشب، لتُنقل إلى مُدن العراق الأخرى. لكن بعد الغزو الأمريكي لبغداد في نيسان 2003، أخذت مساحات الزراعة تتقلّص.

السيارات الكبيرة التي كانت تحمل المحاصيل الزراعية، صارت بدلاً من ذلك تنقل الأهالي وأغراضهم إلى مدينة بعقوبة، مركز ديالى، أو مناطق شمال أو جنوب العراق.

تناوبت على منطقة حوض الوقف وبساتينها مجموعات جهادية مختلفة، لكن التنظيمين الأكثر نشاطاً فيها كانا تنظيم “القاعدة” وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

كلّفت هذه التنظيمات السكّان الكثير، إذ فرضت عليهم الإتاوات، وحولت بساتينهم مركزاً لاختباء المسلّحين، وهدفاً للطائرات الحربيّة الأمريكية، وللقذائف غير الدقيقة، ولعمليات تمشيط الجيش والشرطة العراقيين.

لكنّ أقسى موجة نزوح شهدتها مناطق حوض الوقف كانت بين أعوام 2006 و2009، إذ صار السكّان يغادرون مناطقهم وبساتينهم جماعات، حينما أمعنت التنظيمات الجهادية بالقسوة عليهم.

كان جمعة قاسم الربيعي أبو مهمين، مختار قرية أبو كرمة، قد شهد أوّل تهديد عام 2004، “بدأت أوراق تظهر في القرية ولافتات وعبارات على الجدران تدعونا إلى الرحيل مصدرها تنظيم القاعدة واحدة منها كُتب فيها (اخرجوا من القرية أو تُقتلوا)”.

عام 2005 خرج سكّان القريّة، ومن بينهم الربيعي وعائلته، زرافات تاركين خلفهم بساتينهم ومنازلهم وحتّى أغراضهم الشخصية، “بعد عامين (أي عام 2007)، لم يبق أي أحد في القرية”.

“فرضت التنظيمات ما يعرف بالاتاوات على المزارعين لتمويل عملياتها وشراء الاسلحة وتوفير مورد مالي لعناصرها”، يخبرنا جواد كريم، عضو لجنة أمن ابي صيدا السابق. 

إضافة إلى ذلك، لجأت التنظيمات الجهادية إلى خطف أبناء هذه المناطق ومطالبة أهاليهم بدفع الفدى بعشرات الآلاف من الدولارات. 

قتلى بالآلاف

عاصر العميد المتقاعد علي التميمي الحرب على التنظيمات الجهادية في ديالى، وقاتلها لمدّة خمسة أعوام عندما كان مسؤول فوج في الجيش. في البداية كان تنظيم القاعدة هو التحدّي الأكبر، لكن ما لبث أن قضي عليه حتى برز تنظيم “داعش”.

“كانت التنظيمات المتطرفة ذات قدرات كبيرة” يروي التميمي، وهو يتذكر تفاصيل معارك مختلفة. القاعدة و”داعش”، كلاهما، استغلا البساتين المتشعبة والواسعة وحولاها إلى أوكار. “ربما تصل إلى 10 أوكار رئيسية تتركز في محيط بساتين المخيسة وشيخي وزور نهر ديالى”.

استمرت معركة القوات الأمريكية والعراقية مع تنظيم القاعدة حتّى عام 2013. تنفس سكّان حوض الوقف الصعداء لوقت قصير. لكن لم تمض سوى أشهر معدودة ليظهر تنظيم “داعش” في حزيران عام 2014 ويسيطر على نحو ثلث مساحة العراق.

أدى بطش التنظيمات الجهادية واتساع العمليات العسكرية في المنطقة إلى قتل المئات من سكانها. 

قال أبو مهيمن، مختار قرية ابو كرمة وهي أكبر قرى الوقف، إن قريته لوحدها قتل فيها نحو 500 شخص، أما المصابون فإن عددهم يتجاوز الألف شخص، مضيفاً إن “هذه الأرقام تظهر حجم المأساة”.

لكن قرى حوض الوقف ليست مقبرة لأهلها فحسب، وإنما هي أيضاً تكاد تكون ثقباً يبتلع كل من يطأ أرضها.

عمل العقيد صبري التميمي لأعوام في هذه المنطقة ضمن صفوف الشرطة التابعة لوزارة الداخلية، وما يزال يحتفظ بإحصائيات القتلى من الشرطة العراقيين الذين قاتل إلى جانبهم، والجهاديين الذين قاتلهم، يقول “قتل في القرى أكثر من 500 إرهابي مقابل 300 شرطي وأكثر من 400 مصاب”، يستدرك متأسفاً “لكن عدد القتلى من المدنيين أضعاف”.

في الواقع، فشلت مئات الخطط للسيطرة على قرى حوض الوقف ومنع الجهاديين من استغلال بساتينها. لم يَعُدْ شاكر التميمي، مدير ناحية العبارة ورئيس اللجنة الامنية فيها، يُحصي العمليات، قال “إنها بالمئات..”. 

تجريف وجفاف

بعد أن كانت كثافة النخيل وأشجار الحمضيات منظراً مهيباً، ورافعاً اقتصادياً لسكّان قرى حوض الوقف، تحوّلت إلى وبال عليهم!

غيّرت القوات الأمنية العراقيّة من الشرطة والجيش استراتيجيتها لتطهير البساتين من الجهاديين بالاعتماد على تجريفها، بدلاً من قصفها وهم داخلها أو نزالهم وهم يختبؤون فيها.

قال حسن العبيدي، الذي عمل عضواً في مجلس ناحية ابي صيدا وعضو اللجنة الزراعية فيها، “حصلت 3 مراحل تجريف لقطع الطريق أمام تسلل القاعدة وبعدها داعش وآخرها عام 2017”.

فتحت القوات الأمنية طُرقاً جديدة بين البساتين ونصبت نقاط مرابطة عليها، ما عنى أن “الأوضاع هدأت لفترة وجيزة.. لكن الخروقات مستمرة لأننا أمام تعقيدات كبيرة في ملف الامن ومنها وجود أسر داعمة للجهاديين”، وفقاً للعبيدي

ردّ تنظيم “داعش” على استراتيجية القوات الأمنية بتفخيخ البساتين، إذ نصب عبوات فيها، وصارت الأراضي بمجرد سقيها تتفجّر وتحوِّل المزارعين وأشجارهم إلى أشلاء.

طبيعة غاضبة!

تعاضدت الطبيعة مع الأمن على قرى حوض الوقف، وزادت على أساها أسى. 

قال حسن العبيدي إن “الحرائق ربما التهمت أكثر من ألف دونم، لكن الذي دمر البساتين هو الجفاف وكثرة العبوات التي تمنع المزارعين من الوصول لسقيها”.

أدّت هذه الأحداث إلى أن تكون أراضي نحو 75 بالمئة من البساتين مُعرّضة للهلاك وغير صالحة للزراعة، بحيث ما تزال فقط 7 إلى 9 آلاف دونم من أصل 30 ألفاً تنتج الحمضيات.

غير أن هذا الواقع قابل للتغير للأسوأ، فـ”بعض القرى حالياً شبه خالية”، يخبرنا محمد الربيعي، عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية في ديالى، قبل أن يعدد القرى “الكبة، وجلبي، وابو كرمة، والمخيسة، (..) فيها اعداد قليلة جداً من الأسر ربما لا تصل في مجملها إلى 200 أُسرة بينما كانت قبل 2003 تصل الى 8 آلاف أُسرة”.

يرى مختار قرية أبو كرمة أن “العيش صار مستحيلاً في الحوض”، على الرغم من أنه عاد ليعيش فيها منذ عام 2008. “في قريتي أبو كرمة كانت تعيش 1200 عائلة قبل 2003، أما الآن فلم يبق سوى 70 عائلة مصدر رزقها إما راتب تقاعدي أو مساعدات من الأقارب”.

على الرغم من إعلان النصر على تنظيمي القاعدة و”داعش”، بيد أن قرى حوض الوقف ما تزال تواجه تهديدات حقيقية من الجماعات الجهادية، والقوات الأمنية تقف عاجزة أمامها.

“الآن داعش يتحرك بسهولة ويستخدم أسلحة الصيد العادية لضرب القوات الأمنية من مسافة قريبة”. قال مهيمن جمعة قاسم، الذي كان شرطياً وفقد نظره في تفجير مزدوج في الحوض.

بعد إصابته، تحوّل قاسم إلى مؤذن في أحد جوامع قرى الوقف، وكان آخر ما بقي في ذاكرته من قريته عندما هُجِّر منها عام 2019 هو العويل، “كنت يومها أؤذن للصلاة لآخر مرة قبل الرحيل وإغلاق المسجد نهائياً فسمعت بكاء امرأتين على باب المسجد فتحولت فوراً إلى قراءة أبيات من النعي والرثاء فصار البكاء جماعياً وكان مشهداً مؤثراً جداً ولا ينسى”.