حقل غاز "بإمكانه إنارة العراق" مهمل منذ عقود: مأوى للمسلحين والثعالب

علي فاضل

08 تشرين الأول 2022

لم تلتفت الحكومات العراقيّة المتعاقبة لحقل المنصورية الغازي في محافظة ديالى، على الرغم من أنه يمكن أن يشارك بحلّ أزمة الكهرباء المتفاقمة في العراق، وهكذا ترك الحقل ليكون مأوى للمسلحين والحيوانات البرية.. والأسباب؟

على مسافة كيلومتر واحد من أسوار محطة أنشأتها شركة فرنسية قبل 10 أعوام بكلفة 500 مليون دولار وتنتج نحو 700 ميغا واط كهرباء يومياً، تقع بئر غاز تجاوره ثلاث آبار أخرى تكوّن حقل المنصورية العائم فوق 4500 تريليون قدم مكعب من الغاز، لكنه حبيس الأرض منذ أكثر من 50 عاماً ولم يستخرج منه مقمق واحد (مليون قدم مكعب قياسي).

اكتُشف حقل المنصورية (50 كم شرق بعقوبة مركز ديالى) في سبعينيات القرن الماضي، لكن اهتمام الحكومات كان مُنصبّاً وقتها على النفط بعصره الذهبي والذي كان يعود عليها بأموال هائلة.

اقرأ أيضاً

“طعام وعدو”.. الرصاص والأغاني الصاخبة لخنازير كردستان 

عاصر المهندس المتقاعد صبري حسنين تلك السنوات.

وقال إن استخراج الغاز من حقل جديد يتطلب بنى تحتية وأجهزة فنية متعددة، والتي تسببت أيضاً في استبعاد حقل المنصورية الممتد على مساحة تزيد عن 140 كيلومترا من الخطط الحكومية حينها. 

لم يكن إنتاج الكهرباء مشكلة في ذلك الوقت، وكانت المحطات تعمل بالوقود وهو متوفر بكثرة، لكن الوضع ساء منذ 1991 عندما قصف التحالف الدولي بعض المحطات الرئيسة لإجبار العراق على سحب قواته من الكويت التي غزاها نظام صدام حسين قبل أن يطاح به عام 2003. 

ومنذ ذلك العام، باتت الكهرباء واحدة من أكبر المشكلات في العراق وكثيراً ما خرج السكان، خاصة في الجنوب الحار صيفاً، في احتجاجات تطالب بتوفيرها فقُتل وأصيب العشرات أثناء التظاهرات. 

وأبرمت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 عقوداً مع إيران لتوريد الكهرباء والغاز لإنتاجها، بيد أنها بأسعار يقول خبراء في النفط أنها تزيد كثيراً عن الأسعار العالمية. 

وتضخ إيران يومياً بين 35 و38 مليون متر مكعب من الغاز في الأنابيب الواصلة إلى العراق، والمارة بالقرب من حقل المنصورية، بكلفة تتجاوز 7 ملايين دولار. 

يحصي الخبير والمهندس الكهربائي المتقاعد هادي حسن قرابة 30 محطة لإنتاج الكهرباء تعمل بالغاز في العراق حالياً، وعملها مرهون بتوريد الغاز من إيران لذلك فهي تتوقف حالما ينقطع التوريد عندما تتأخر بغداد في سداد الثمن لطهران. 

ولحل هذه الانقطاعات في تزويد الكهرباء اتجه العراق في السنوات القليلة الماضية ولا يزال إلى البحث عن موردين جدد للغاز أبرزهم قطر، كما سعى لربط شبكته الكهربائية بدول مجاورة. 

“الحل في المنصورية.. لكن بعد طرد الثعالب” 

“يمكن حل مشكلة الكهرباء في العراق عبر حقل المنصورية الغازي”، حسب مسؤولين محليين وخبراء وأعضاء في لجنة الطاقة النيابية، فالحقل كما أفادوا “بإمكانه تزويد محطات إنتاج الكهرباء في العراق بما يكفي لتعمل 100 سنة دون انقطاع”. 

التجول في هذا الحقل، والصعود على التلال المحيطة به والتي ترتفع عن أرضه بنحو 30 متراً، تجعل المرء يتخيل أن هذه الأرض الغازية لا حدود لها. 

تلال حمرين -التي اتخذها عناصر التنظيمات المتشددة بعد 2003 مأوى استراتيجيا وآخرها الدولة الإسلامية “داعش”- تقع ضمن مساحة الحقل المحددة في خرائط الطاقة. 

إضافة لهؤلاء، فإن الثعالب والحيوانات البرية بما فيها أفاعٍ نادرة تعُرف بـ”الجبلية” تأوي إلى أراضي الحقل وتسرح فيها بحرية غير عابئة بالروائح الكريهة المنبعثة من باطن الأرض بفعل الغاز. 

في عام 2010، فكّرت بغداد باستثمار الحقل وعرضته ضمن جولة التراخيص الثالثة (نظام تُقسم فيه الأرباح بين الشركة المستثمرة وبين وزارة النفط العراقية)، وفاز ائتلاف من شركات “تباو” التركية و”كويت إنرجي” و”كوكاز” الكورية بالعرض. 

لكن العمل لم يبدأ بسبب تردي الظروف الأمنية، وتعذر على الشركات الثلاثة مباشرة عمليات التطوير بعد وصول مقاتلي “داعش” إلى تخوم الحقل وسيطرتهم على المناطق المحيطة به وأجزاء منه في صيف 2014، فانتهى المشروع، وفق المهندس النفطي وصفي العزاوي. 

بعد 2015 استعادت القوات العراقية المشتركة المناطق التي سيطر عليها “داعش” في ديالى، وذلك بعد معارك وقعت بعضها على أرض حقل المنصورية ذاته في أجزائه الغربية والشمالية والشرقية، واحترقت بفعلها كابينات من الصفيح المقوى عائدة له. 

غيّرت نتيجة تلك المعارك “الأوضاع الأمنية وباتت أفضل بكثير من الفترات الصعبة بين 2006 و2014″، وباتت الظروف مناسبة لبدء العمل في الحقل، بحسب خبير النفط المحلي يعقوب الربيعي. 

عقد أولي مع “سينوبك” 

في كانون الثاني 2022، عادت وزارة النفط العراقية لتنظيم جولة تراخيص جديدة، عرضت خلالها حقل المنصورية للتطوير، على أن تدخل “شركة نفط الوسط” العراقية في العمل بنسبة 51 بالمئة مع الشركة الأجنبية الفائزة بالعرض.

ومن بين 16 شركة اختارتها الوزارة لحضور العرض، أبدت 9 شركات عالمية أبرزها “بتروفاك – سينوبك – غازبروم – توتال – سينوبك – بي بي إل آسيا – جيرا إنرجي غروب” رغبتها بالعمل، فوقع الاختيار على شركة “سينوبك” الصينية ووقعت معها عقداً.

اطلّع النائب عن محافظة ديالى (57 كلم شمال شرقي بغداد) مضر الكروي على تفاصيل العقد الجديد، الذي ينص على إنتاج الغاز من حقل المنصورية بطاقة 300 مليون قدم مكعب لتزويد المحافظة ذاتها ومناطق شرق بغداد بالكهرباء. ويرى الكروي أن العقد جيد “ولو ارتفعت وتيرة الإنتاج فلن تنطفئ الإنارة في العراق خلال الـ100 سنة القادمة”.

بيد أن راغب العنبكي، رئيس مجلس ناحية المنصورية السابق، لا يبدو متفائلاً حتى اللحظة بتحقق ما يصفه بـ”حلم لم يتحقق منذ أكثر من نصف قرن”. 

لم يشاهد العنبكي، المتابع للأمر عن كثب كما يقول، أي تحرك جدي في حقل المنصورية كما “لم تبن منشآت تدلل على نية فعلية بالإنتاج”.

 ما يعده المسؤول المحلي السابق “حلماً طال انتظاره” سيوفر لو تحقق -كما أشار- آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، فالبطالة في المناطق المحيطة بحقل المنصورية عالية والظروف الاقتصادية للسكان “صعبة جداً”. 

ضغط أعضاء في البرلمان عن محافظة ديالى “لأكثر من خمس سنوات متتالية” على بغداد من أجل الإسراع بتشغيل حقل المنصورية الغازي وعرضه للاستثمار. عبد الخالق مدحت كان أحدهم، وهو يجزم أن تشغيل الحقل “سينهي” أزمة الكهرباء في العراق خاصة في ظل وجود شبكة أنابيب ضخمة تصل إلى محطات عملاقة في بغداد.

يكلّف الغاز الإيراني المستورد لتشغيل محطة المنصورية الكهربائية ملايين الدولارات من خزينة الدولة المالية يومياً.

يؤكد الخبراء ويؤيدهم في ذلك النائب السابق عبد الخالق مدحت، بأن استثمار الحقل سيلغي الحاجة للغاز الإيراني ولو لتشغيل محطة المنصورية على الأقل.

ويقول الخبير والمهندس المتقاعد هادي حسنين، أن المحطة تستلم أربعة إلى خمسة ملايين متر مكعب من الغاز لإنتاج 600 – 700 ميغا واط يومياً، بينما تكفي 300 مقمق (المقمق الواحد يعادل 28 ألف م مكعب)، المشار إليها في عقد “سينوبك” الخاص بحقل المنصورية لإنتاج 1200 ميغا واط. 

ولا يبدو الخبير الاقتصادي أحمد العبيدي مستغرباً من تأخر بدء إنتاج الغاز من الحقل رغم كونه مشروعا “لا يشك أحد بجدواه الاقتصادية”. إنه يعتقد، مثل كثيرين غيره، بوجود “قرار غير معلن يعرقل هذا الأمر خدمة لمصالح سياسية”.

لو استثمر حقل المنصورية وبدأ الإنتاج فيه “ستختفي البطالة والفقر وينتعش الاقتصاد في المناطق المترامية التي يقع فيها، وسيفقد الإرهاب اثنين من أهم أسباب استمراره: الفقر والجهل”، يقول العبيدي. 

اتصلنا بالمتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد للحصول على تعليق، وأرسلنا إليه الأسئلة على تطبيق “واتسآب” فأحالنا إلى “غوغل”. 

قال جهاد إن المعلومات عن الحقل منشورة هناك وعلى المواقع التابعة للوزارة، وإن العقد المبرم مع شركة “سينوبك” الصينية هو عقد أولي “يتطلب استحصال موافقة مجلس الوزراء وبعدها يتم التوقيع النهائي من أجل تفعيله والشروع في عمليات التطوير”. 

“ليس سوى برية للحيوانات” 

وهو يجلس على أرض منبسطة داخل حقل المنصورية يراقب أغنامه التي ترعى أمامه، يبتسم مصعب العزاوي (40 عاماً) للمفارقة. 

“أنا أملك شهادة دراسية وأعاني شظف العيش، وها أنا أجلس فوق أكبر خزين للغاز الطبيعي في العراق يمكن أن يحول منطقتنا إلى جنة ويؤمن مستقبلي ومستقبل آلاف الشباب.. لكنه الآن ليس سوى برية للحيوانات المختلفة”.

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

على مسافة كيلومتر واحد من أسوار محطة أنشأتها شركة فرنسية قبل 10 أعوام بكلفة 500 مليون دولار وتنتج نحو 700 ميغا واط كهرباء يومياً، تقع بئر غاز تجاوره ثلاث آبار أخرى تكوّن حقل المنصورية العائم فوق 4500 تريليون قدم مكعب من الغاز، لكنه حبيس الأرض منذ أكثر من 50 عاماً ولم يستخرج منه مقمق واحد (مليون قدم مكعب قياسي).

اكتُشف حقل المنصورية (50 كم شرق بعقوبة مركز ديالى) في سبعينيات القرن الماضي، لكن اهتمام الحكومات كان مُنصبّاً وقتها على النفط بعصره الذهبي والذي كان يعود عليها بأموال هائلة.

اقرأ أيضاً

“طعام وعدو”.. الرصاص والأغاني الصاخبة لخنازير كردستان 

عاصر المهندس المتقاعد صبري حسنين تلك السنوات.

وقال إن استخراج الغاز من حقل جديد يتطلب بنى تحتية وأجهزة فنية متعددة، والتي تسببت أيضاً في استبعاد حقل المنصورية الممتد على مساحة تزيد عن 140 كيلومترا من الخطط الحكومية حينها. 

لم يكن إنتاج الكهرباء مشكلة في ذلك الوقت، وكانت المحطات تعمل بالوقود وهو متوفر بكثرة، لكن الوضع ساء منذ 1991 عندما قصف التحالف الدولي بعض المحطات الرئيسة لإجبار العراق على سحب قواته من الكويت التي غزاها نظام صدام حسين قبل أن يطاح به عام 2003. 

ومنذ ذلك العام، باتت الكهرباء واحدة من أكبر المشكلات في العراق وكثيراً ما خرج السكان، خاصة في الجنوب الحار صيفاً، في احتجاجات تطالب بتوفيرها فقُتل وأصيب العشرات أثناء التظاهرات. 

وأبرمت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 عقوداً مع إيران لتوريد الكهرباء والغاز لإنتاجها، بيد أنها بأسعار يقول خبراء في النفط أنها تزيد كثيراً عن الأسعار العالمية. 

وتضخ إيران يومياً بين 35 و38 مليون متر مكعب من الغاز في الأنابيب الواصلة إلى العراق، والمارة بالقرب من حقل المنصورية، بكلفة تتجاوز 7 ملايين دولار. 

يحصي الخبير والمهندس الكهربائي المتقاعد هادي حسن قرابة 30 محطة لإنتاج الكهرباء تعمل بالغاز في العراق حالياً، وعملها مرهون بتوريد الغاز من إيران لذلك فهي تتوقف حالما ينقطع التوريد عندما تتأخر بغداد في سداد الثمن لطهران. 

ولحل هذه الانقطاعات في تزويد الكهرباء اتجه العراق في السنوات القليلة الماضية ولا يزال إلى البحث عن موردين جدد للغاز أبرزهم قطر، كما سعى لربط شبكته الكهربائية بدول مجاورة. 

“الحل في المنصورية.. لكن بعد طرد الثعالب” 

“يمكن حل مشكلة الكهرباء في العراق عبر حقل المنصورية الغازي”، حسب مسؤولين محليين وخبراء وأعضاء في لجنة الطاقة النيابية، فالحقل كما أفادوا “بإمكانه تزويد محطات إنتاج الكهرباء في العراق بما يكفي لتعمل 100 سنة دون انقطاع”. 

التجول في هذا الحقل، والصعود على التلال المحيطة به والتي ترتفع عن أرضه بنحو 30 متراً، تجعل المرء يتخيل أن هذه الأرض الغازية لا حدود لها. 

تلال حمرين -التي اتخذها عناصر التنظيمات المتشددة بعد 2003 مأوى استراتيجيا وآخرها الدولة الإسلامية “داعش”- تقع ضمن مساحة الحقل المحددة في خرائط الطاقة. 

إضافة لهؤلاء، فإن الثعالب والحيوانات البرية بما فيها أفاعٍ نادرة تعُرف بـ”الجبلية” تأوي إلى أراضي الحقل وتسرح فيها بحرية غير عابئة بالروائح الكريهة المنبعثة من باطن الأرض بفعل الغاز. 

في عام 2010، فكّرت بغداد باستثمار الحقل وعرضته ضمن جولة التراخيص الثالثة (نظام تُقسم فيه الأرباح بين الشركة المستثمرة وبين وزارة النفط العراقية)، وفاز ائتلاف من شركات “تباو” التركية و”كويت إنرجي” و”كوكاز” الكورية بالعرض. 

لكن العمل لم يبدأ بسبب تردي الظروف الأمنية، وتعذر على الشركات الثلاثة مباشرة عمليات التطوير بعد وصول مقاتلي “داعش” إلى تخوم الحقل وسيطرتهم على المناطق المحيطة به وأجزاء منه في صيف 2014، فانتهى المشروع، وفق المهندس النفطي وصفي العزاوي. 

بعد 2015 استعادت القوات العراقية المشتركة المناطق التي سيطر عليها “داعش” في ديالى، وذلك بعد معارك وقعت بعضها على أرض حقل المنصورية ذاته في أجزائه الغربية والشمالية والشرقية، واحترقت بفعلها كابينات من الصفيح المقوى عائدة له. 

غيّرت نتيجة تلك المعارك “الأوضاع الأمنية وباتت أفضل بكثير من الفترات الصعبة بين 2006 و2014″، وباتت الظروف مناسبة لبدء العمل في الحقل، بحسب خبير النفط المحلي يعقوب الربيعي. 

عقد أولي مع “سينوبك” 

في كانون الثاني 2022، عادت وزارة النفط العراقية لتنظيم جولة تراخيص جديدة، عرضت خلالها حقل المنصورية للتطوير، على أن تدخل “شركة نفط الوسط” العراقية في العمل بنسبة 51 بالمئة مع الشركة الأجنبية الفائزة بالعرض.

ومن بين 16 شركة اختارتها الوزارة لحضور العرض، أبدت 9 شركات عالمية أبرزها “بتروفاك – سينوبك – غازبروم – توتال – سينوبك – بي بي إل آسيا – جيرا إنرجي غروب” رغبتها بالعمل، فوقع الاختيار على شركة “سينوبك” الصينية ووقعت معها عقداً.

اطلّع النائب عن محافظة ديالى (57 كلم شمال شرقي بغداد) مضر الكروي على تفاصيل العقد الجديد، الذي ينص على إنتاج الغاز من حقل المنصورية بطاقة 300 مليون قدم مكعب لتزويد المحافظة ذاتها ومناطق شرق بغداد بالكهرباء. ويرى الكروي أن العقد جيد “ولو ارتفعت وتيرة الإنتاج فلن تنطفئ الإنارة في العراق خلال الـ100 سنة القادمة”.

بيد أن راغب العنبكي، رئيس مجلس ناحية المنصورية السابق، لا يبدو متفائلاً حتى اللحظة بتحقق ما يصفه بـ”حلم لم يتحقق منذ أكثر من نصف قرن”. 

لم يشاهد العنبكي، المتابع للأمر عن كثب كما يقول، أي تحرك جدي في حقل المنصورية كما “لم تبن منشآت تدلل على نية فعلية بالإنتاج”.

 ما يعده المسؤول المحلي السابق “حلماً طال انتظاره” سيوفر لو تحقق -كما أشار- آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، فالبطالة في المناطق المحيطة بحقل المنصورية عالية والظروف الاقتصادية للسكان “صعبة جداً”. 

ضغط أعضاء في البرلمان عن محافظة ديالى “لأكثر من خمس سنوات متتالية” على بغداد من أجل الإسراع بتشغيل حقل المنصورية الغازي وعرضه للاستثمار. عبد الخالق مدحت كان أحدهم، وهو يجزم أن تشغيل الحقل “سينهي” أزمة الكهرباء في العراق خاصة في ظل وجود شبكة أنابيب ضخمة تصل إلى محطات عملاقة في بغداد.

يكلّف الغاز الإيراني المستورد لتشغيل محطة المنصورية الكهربائية ملايين الدولارات من خزينة الدولة المالية يومياً.

يؤكد الخبراء ويؤيدهم في ذلك النائب السابق عبد الخالق مدحت، بأن استثمار الحقل سيلغي الحاجة للغاز الإيراني ولو لتشغيل محطة المنصورية على الأقل.

ويقول الخبير والمهندس المتقاعد هادي حسنين، أن المحطة تستلم أربعة إلى خمسة ملايين متر مكعب من الغاز لإنتاج 600 – 700 ميغا واط يومياً، بينما تكفي 300 مقمق (المقمق الواحد يعادل 28 ألف م مكعب)، المشار إليها في عقد “سينوبك” الخاص بحقل المنصورية لإنتاج 1200 ميغا واط. 

ولا يبدو الخبير الاقتصادي أحمد العبيدي مستغرباً من تأخر بدء إنتاج الغاز من الحقل رغم كونه مشروعا “لا يشك أحد بجدواه الاقتصادية”. إنه يعتقد، مثل كثيرين غيره، بوجود “قرار غير معلن يعرقل هذا الأمر خدمة لمصالح سياسية”.

لو استثمر حقل المنصورية وبدأ الإنتاج فيه “ستختفي البطالة والفقر وينتعش الاقتصاد في المناطق المترامية التي يقع فيها، وسيفقد الإرهاب اثنين من أهم أسباب استمراره: الفقر والجهل”، يقول العبيدي. 

اتصلنا بالمتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد للحصول على تعليق، وأرسلنا إليه الأسئلة على تطبيق “واتسآب” فأحالنا إلى “غوغل”. 

قال جهاد إن المعلومات عن الحقل منشورة هناك وعلى المواقع التابعة للوزارة، وإن العقد المبرم مع شركة “سينوبك” الصينية هو عقد أولي “يتطلب استحصال موافقة مجلس الوزراء وبعدها يتم التوقيع النهائي من أجل تفعيله والشروع في عمليات التطوير”. 

“ليس سوى برية للحيوانات” 

وهو يجلس على أرض منبسطة داخل حقل المنصورية يراقب أغنامه التي ترعى أمامه، يبتسم مصعب العزاوي (40 عاماً) للمفارقة. 

“أنا أملك شهادة دراسية وأعاني شظف العيش، وها أنا أجلس فوق أكبر خزين للغاز الطبيعي في العراق يمكن أن يحول منطقتنا إلى جنة ويؤمن مستقبلي ومستقبل آلاف الشباب.. لكنه الآن ليس سوى برية للحيوانات المختلفة”.