مارك سافايا.. من تجارة "الماريجوانا" إلى مبعوث ترامب الخاص للعراق   

حسين فاضل

20 تشرين الأول 2025

من لوحات "الماريجوانا" المثيرة للجدل في شوارع ديترويت، إلى منصب "مبعوث خاص" إلى بغداد… قصة مارك سافايا الذي قد يفتح فصلاً جديداً في أسلوب ترامب تجاه العراق في توقيتٍ سياسي لا يبدو عابراً..  

في توقيت سياسي عراقي شديد الحساسية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيين مارك سافايا، رجل الأعمال عراقي الأصل من ميشيغان، مبعوثاً خاصاً إلى العراق، في خطوة أثارت اهتماماً في الأوساط السياسية والإعلامية داخل الولايات المتحدة وخارجها.  

يأتي تعيين سافايا قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني المقبل، والتي يُنظر إليها على أنها واحدة من أكثر الاستحقاقات الانتخابية أهمية منذ عام 2003، في ظل تصاعد التوترات السياسية والنقاشات حول العلاقة مع الولايات المتحدة وإيران ومستقبل موازين القوى في بغداد.  

كما يأتي هذا التعيين بعد أيام فقط من مؤتمر شرم الشيخ، الذي وصفه ترامب بـ”مؤتمر السلام”، واعتبرته تحليلاتٌ أمريكية خطوة ضمن تحرك أوسع في المنطقة. وكتبت صحيفة The Times of Israel أن القمة “قد تمهّد لحركة أوسع نحو التطبيع مع إسرائيل في المنطقة، وهو هدف مشترك لإسرائيل والإدارة الأمريكية”. الأمر الذي يرجّح أن تعيين سافايا يعكس رغبة أمريكية في إعادة تموضع العراق في المنطقة.  

مارك سافايا يتوسط نباتات “القنب” في  Leaf and Bud التي يملكها. المصدر: img.particlenews.com.  

من تجارة القنّب إلى العمل الدبلوماسي  

لا يُعد مارك سافايا دبلوماسياً تقليدياً، إذ إنه رجل أعمال من أصول كلدانية عراقية، لمع اسمه خلال السنوات الأخيرة في سوق “القنّب – الماريجوانا” في ولاية ميشيغان. فهو مؤسس شركة Leaf & Bud، إحدى أبرز سلاسل بيع القنّب في الولاية، والتي نشأت وازدهرت خلال ما يعرف في الولايات المتحدة بـ”الاندفاعة الذهبية”، التي شهدتها ميشيغان بعد التقنين في زراعة القنّب الترفيهي وبيعه.  

اقرأ أيضاً

كواليس المخاوف السياسية: ما الذي سيفعله ترامب بالعراق؟ 

في 10 أيار 2024، أثارت شركة سافايا جدلاً كبيراً عندما اعترض أعضاء في مجلس مدينة ديترويت على لوحات دعائية يُقال إنها حملت عبارة Come get it- Free weed، معتبرين أن هذه اللغة قد تنتهك قوانين الإعلانات. وقد دفع هذا الاعتراض المجلس إلى تقديم مقترح تشريعي رسمي لتقييد إعلانات القنّب على اللوحات الطرقية.  

وقد ساهم الجدل في ديترويت بشأن إعلانات بيع الماريجوانا في تسليط الضوء على النفوذ المالي والإعلاني المتنامي لسافايا داخل القطاع.  

لوحة إعلانية كبيرة مثبتة على جدار مبنى وسط مدينة ديترويت، تخص شركة القنّب Leaf and Bud ويتوسط الإعلان مالك الشركة رجل الأعمال مارك سافايا. المصدر: فوكس نيوز. 

سافايا مبعوث خاص 

في النظام الدبلوماسي الأمريكي، يُستخدم لقب “المبعوث الخاص Special Envoy” للإشارة إلى شخص يُعيَّن من قبل الرئيس أو وزير الخارجية للتعامل مع ملف محدد، وغالباً خارج الأطر البيروقراطية التقليدية للسفارات.   

ولا يحمل المبعوث بالضرورة صفة “سفير”، ولا يخضع لتصويت مجلس الشيوخ، وغالباً ما يُمنح تفويضاً سياسياً مرناً يتناسب مع طبيعة المهمة.  

اللافت في حالة سافايا أن تعيينه صدر من ترامب نفسه عبر منصته “تروث سوشال”، على غرار تعيينات سابقة لشخصيات مقرّبة منه سياسياً أو مالياً. لكن ما يجعل هذه الخطوة أكثر إثارة للانتباه هو أن الولايات المتحدة لا تملك سفيراً في بغداد منذ نحو عام، ما يفتح الباب أمام احتمال أن يؤدي سافايا -حتى لو لم يُمنح رسمياً صفة السفير- دوراً سياسياً شبيهاً بالسفير الأمريكي في العراق. 

ويعني ذلك عملياً أن البيت الأبيض اختار، في توقيت بالغ الحساسية، شخصية غير دبلوماسية لتكون بمثابة قناة سياسية مباشرة مع بغداد، خارج المسارات التقليدية لوزارة الخارجية الأمريكية، وهذه الطريقة ليست جديدة على ترامب، لكنها في الحالة العراقية تحمل دلالات أوسع، خصوصاً في ظل الفراغ الدبلوماسي الرسمي وحساسية المشهد الانتخابي والسياسي في العراق والمنطقة. 

ويُذكِّر تعيين سافايا بالأسلوب الأمريكي في إدارة الملفات الإقليمية الحسّاسة، مثل الملف اللبناني، إذ يؤدي “المبعوثون الرئاسيون” أدواراً تقترب عملياً من سلطة “المندوب السامي” بأسلوب جديد. مثال على ذلك ستيفن تشارلز ويتكوف، رجل الأعمال الأمريكي المقرّب من ترامب، الذي عيّنه الأخير في تشرين الثاني 2024 مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط، حيث شارك في مفاوضات مع أطراف دولية حول ملفات معقدة من بينها لبنان وغزة وإيران. 

ويمثّل ويتكوف نموذجاً واضحاً للاتجاه الجديد في إدارة ترامب للسياسة الخارجية، المتمثل بتفكيك الملفات الإقليمية الحسّاسة وتوزيعها على مبعوثين خاصين من خارج السلك الدبلوماسي، غالباً من رجال الأعمال أو المقرّبين منه، بهدف توسيع نفوذ واشنطن بطرق أكثر مرونة وأقل انضباطاً بالقنوات الرسمية التقليدية. وفي السياق العراقي، قد يؤدي سافايا دوراً مشابهاً في تفكيك شبكة الفصائل المسلحة أو التأثير فيها، على غرار ما يفعله ويتكوف اليوم في لبنان ضمن قنوات خلفية غير رسمية مع حزب الله. 

وتزداد هذه الاحتمالات ترجيحاً مع تسليط الضوء على ظهور سافايا في صور إلى جانب الباحثة الروسية الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، التي أُطلق سراحها في أيلول الماضي بعد احتجاز دام أكثر من 900 يوم لدى كتائب حزب الله. وبعد إعلان تعيينه مبعوثاً خاصاً، كتبت تسوركوف في منشور على منصة X إن “مارك أدى دوراً محورياً في إطلاق سراحي دون تقديم أي مقابل”، ووصفت الخطوة بأنها “خبر سيئ لأي جهة تخدم المصالح الإيرانية في العراق”. 

ورغم غياب التصريح الرسمي عن طبيعة الدور الذي أداه سافايا في عملية الإفراج، فإن الإشارة العلنية من تسوركوف تسلّط الضوء على صلاته المحتملة بملف الفصائل المسلحة المقربة من إيران، ما يعزز التوقعات بأن يكون تعيينه مرتبطاً بملفات حساسة تتجاوز العمل الدبلوماسي التقليدي. 

في هذه الحال، لم يكن المبعوثون الأمريكيون إلى العراق منذ عام 2003 شخصيات رمزية، إذ مارس هؤلاء أدواراً سياسية مباشرة في تشكيل السلطة العراقية. 

بول بريمر وإياد علاوي وغازي عجيل الياور بعد مراسم الاحتفال بنقل السلطة الحكومية إلى الحكومة العراقية المؤقتة في 28 حزيران 2004. المصدر: ويكيبيديا.  

ففي عام 2004، ساهم بول بريمر، المبعوث الرئاسي ورئيس سلطة الائتلاف المؤقتة، في اختيار إياد علاوي رئيساً للحكومة المؤقتة، وكان أحد مهندسي ترتيب النظام السياسي الجديد وتوزيع السلطة على أسس مكوّناتية.  

ونسبت صحيفة نيويورك تايمز للأخضر الإبراهيمي، الذي كان يشغل آنذاك منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق، قوله عام 2004: “إن بريمر هو دكتاتور العراق، لديه المال، ولديه التوقيع، لا شيء يحدث من دونه”، في إشارة إلى السيطرة شبه الكاملة التي مارستها سلطة الاحتلال الأمريكي على العملية السياسية آنذاك.  

اقرأ أيضاً

الانسحاب الأمريكي والدولي من العراق: نهاية مهمة قتالية أم بداية صراع جديد؟ 

بعد أكثر من عقد، وفي عام 2018، أدّى بريت ماكغورك، مبعوث التحالف الدولي ضد “داعش”، دوراً نشطاً في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية والتنسيق مع الكتل السياسية لاختيار الرئاسات الثلاث، وكان حينها أشبه بـ”منسق فوقي” يدير خيوط اللعبة السياسية من خلف الستار.  

تجعل هذه السوابق أي تعيين أمريكي جديد -حتى لو كان رمزياً- محاطاً بالشكوك حول إمكانية تحوله إلى أداة نفوذ سياسي داخل العراق.  

  

لقاء بريت ماكغورك، المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، وبرهم صالح بعد انتخاب الأخير رئيساً لجمهورية العراق في الثاني من تشرين الأول 2018. المصدر: منصة X . 

التوقيت والرسائل  

في مؤتمر شرم الشيخ الأخير، لم يكن حديث ترامب مقتصراً على ما سمّاه “السلام” في الشرق الأوسط، بل ألقى بعبارة أثارت الكثير من علامات الاستفهام، حين قال: “لدينا العراق، بلد مليء بالنفط، لديهم الكثير من النفط لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون به”. 

بالنسبة لكثير من المراقبين في بغداد وواشنطن، لم يتضح إذا ما كان الرئيس الأمريكي يلمّح إلى نية اقتصادية جديدة تجاه العراق، أو أنه يلوّح بتحويل ملفه إلى هدف مالي واستثماري مفتوح ضمن سياق أوسع لإعادة التموضع الأمريكي في المنطقة، وهذا الغموض في خطاب ترامب ليس جديداً، إذ غالباً ما يمزج بين لغة المال والنفط والخطاب السياسي، ما يثير قلقاً في العراق من أن تتحول البلاد مجدداً إلى ساحة تجاذب.  

وبينما لا تملك بغداد حتى الآن معلومات رسمية عن صلاحيات المبعوث الجديد، فإن رمزية التوقيت وهوية الشخصية كافيتان لإثارة تساؤلات حول طبيعة التحرك الأمريكي: هل هو جزء من محاولة لاستعادة النفوذ السياسي في العراق، أم أنه رد جميل لسافايا على دعمه لترامب وتبرعه لحملته الانتخابية ومساعدته في حصد أصوات له في ميشيغان؟  

سواء كان مارك سافايا يحمل صلاحيات حقيقية أم لا، فإن تعيينه في هذا التوقيت لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع، المتمثل بانتخابات عراقية تخللها حتّى الآن عنف، وتحركات أمريكية موازية في المنطقة، واستخدام متجدد لأدوات النفوذ غير التقليدية، مثل “المبعوثين الخاصين”، الذين لطالما مارسوا تأثيراً يتجاوز التمثيل الدبلوماسي.   

ومنكم/ن نستفيد ونتعلم

هل لديكم/ن ملاحظة أو تعليق على محتوى جُمّار؟ هل وجدتم/ن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تحتاج تصويباً؟ هل تجدون/ن اللغة المستعملة في المقالة مهينة أو مسيئة أو مميزة ضد مجموعة ما على أساس ديني/ طائفي/ جندري/ طبقي/ جغرافي أو غيره؟ الرجاء التواصل معنا عبر - editor@jummar.media

اقرأ ايضاً

في توقيت سياسي عراقي شديد الحساسية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيين مارك سافايا، رجل الأعمال عراقي الأصل من ميشيغان، مبعوثاً خاصاً إلى العراق، في خطوة أثارت اهتماماً في الأوساط السياسية والإعلامية داخل الولايات المتحدة وخارجها.  

يأتي تعيين سافايا قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني المقبل، والتي يُنظر إليها على أنها واحدة من أكثر الاستحقاقات الانتخابية أهمية منذ عام 2003، في ظل تصاعد التوترات السياسية والنقاشات حول العلاقة مع الولايات المتحدة وإيران ومستقبل موازين القوى في بغداد.  

كما يأتي هذا التعيين بعد أيام فقط من مؤتمر شرم الشيخ، الذي وصفه ترامب بـ”مؤتمر السلام”، واعتبرته تحليلاتٌ أمريكية خطوة ضمن تحرك أوسع في المنطقة. وكتبت صحيفة The Times of Israel أن القمة “قد تمهّد لحركة أوسع نحو التطبيع مع إسرائيل في المنطقة، وهو هدف مشترك لإسرائيل والإدارة الأمريكية”. الأمر الذي يرجّح أن تعيين سافايا يعكس رغبة أمريكية في إعادة تموضع العراق في المنطقة.  

مارك سافايا يتوسط نباتات “القنب” في  Leaf and Bud التي يملكها. المصدر: img.particlenews.com.  

من تجارة القنّب إلى العمل الدبلوماسي  

لا يُعد مارك سافايا دبلوماسياً تقليدياً، إذ إنه رجل أعمال من أصول كلدانية عراقية، لمع اسمه خلال السنوات الأخيرة في سوق “القنّب – الماريجوانا” في ولاية ميشيغان. فهو مؤسس شركة Leaf & Bud، إحدى أبرز سلاسل بيع القنّب في الولاية، والتي نشأت وازدهرت خلال ما يعرف في الولايات المتحدة بـ”الاندفاعة الذهبية”، التي شهدتها ميشيغان بعد التقنين في زراعة القنّب الترفيهي وبيعه.  

اقرأ أيضاً

كواليس المخاوف السياسية: ما الذي سيفعله ترامب بالعراق؟ 

في 10 أيار 2024، أثارت شركة سافايا جدلاً كبيراً عندما اعترض أعضاء في مجلس مدينة ديترويت على لوحات دعائية يُقال إنها حملت عبارة Come get it- Free weed، معتبرين أن هذه اللغة قد تنتهك قوانين الإعلانات. وقد دفع هذا الاعتراض المجلس إلى تقديم مقترح تشريعي رسمي لتقييد إعلانات القنّب على اللوحات الطرقية.  

وقد ساهم الجدل في ديترويت بشأن إعلانات بيع الماريجوانا في تسليط الضوء على النفوذ المالي والإعلاني المتنامي لسافايا داخل القطاع.  

لوحة إعلانية كبيرة مثبتة على جدار مبنى وسط مدينة ديترويت، تخص شركة القنّب Leaf and Bud ويتوسط الإعلان مالك الشركة رجل الأعمال مارك سافايا. المصدر: فوكس نيوز. 

سافايا مبعوث خاص 

في النظام الدبلوماسي الأمريكي، يُستخدم لقب “المبعوث الخاص Special Envoy” للإشارة إلى شخص يُعيَّن من قبل الرئيس أو وزير الخارجية للتعامل مع ملف محدد، وغالباً خارج الأطر البيروقراطية التقليدية للسفارات.   

ولا يحمل المبعوث بالضرورة صفة “سفير”، ولا يخضع لتصويت مجلس الشيوخ، وغالباً ما يُمنح تفويضاً سياسياً مرناً يتناسب مع طبيعة المهمة.  

اللافت في حالة سافايا أن تعيينه صدر من ترامب نفسه عبر منصته “تروث سوشال”، على غرار تعيينات سابقة لشخصيات مقرّبة منه سياسياً أو مالياً. لكن ما يجعل هذه الخطوة أكثر إثارة للانتباه هو أن الولايات المتحدة لا تملك سفيراً في بغداد منذ نحو عام، ما يفتح الباب أمام احتمال أن يؤدي سافايا -حتى لو لم يُمنح رسمياً صفة السفير- دوراً سياسياً شبيهاً بالسفير الأمريكي في العراق. 

ويعني ذلك عملياً أن البيت الأبيض اختار، في توقيت بالغ الحساسية، شخصية غير دبلوماسية لتكون بمثابة قناة سياسية مباشرة مع بغداد، خارج المسارات التقليدية لوزارة الخارجية الأمريكية، وهذه الطريقة ليست جديدة على ترامب، لكنها في الحالة العراقية تحمل دلالات أوسع، خصوصاً في ظل الفراغ الدبلوماسي الرسمي وحساسية المشهد الانتخابي والسياسي في العراق والمنطقة. 

ويُذكِّر تعيين سافايا بالأسلوب الأمريكي في إدارة الملفات الإقليمية الحسّاسة، مثل الملف اللبناني، إذ يؤدي “المبعوثون الرئاسيون” أدواراً تقترب عملياً من سلطة “المندوب السامي” بأسلوب جديد. مثال على ذلك ستيفن تشارلز ويتكوف، رجل الأعمال الأمريكي المقرّب من ترامب، الذي عيّنه الأخير في تشرين الثاني 2024 مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط، حيث شارك في مفاوضات مع أطراف دولية حول ملفات معقدة من بينها لبنان وغزة وإيران. 

ويمثّل ويتكوف نموذجاً واضحاً للاتجاه الجديد في إدارة ترامب للسياسة الخارجية، المتمثل بتفكيك الملفات الإقليمية الحسّاسة وتوزيعها على مبعوثين خاصين من خارج السلك الدبلوماسي، غالباً من رجال الأعمال أو المقرّبين منه، بهدف توسيع نفوذ واشنطن بطرق أكثر مرونة وأقل انضباطاً بالقنوات الرسمية التقليدية. وفي السياق العراقي، قد يؤدي سافايا دوراً مشابهاً في تفكيك شبكة الفصائل المسلحة أو التأثير فيها، على غرار ما يفعله ويتكوف اليوم في لبنان ضمن قنوات خلفية غير رسمية مع حزب الله. 

وتزداد هذه الاحتمالات ترجيحاً مع تسليط الضوء على ظهور سافايا في صور إلى جانب الباحثة الروسية الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، التي أُطلق سراحها في أيلول الماضي بعد احتجاز دام أكثر من 900 يوم لدى كتائب حزب الله. وبعد إعلان تعيينه مبعوثاً خاصاً، كتبت تسوركوف في منشور على منصة X إن “مارك أدى دوراً محورياً في إطلاق سراحي دون تقديم أي مقابل”، ووصفت الخطوة بأنها “خبر سيئ لأي جهة تخدم المصالح الإيرانية في العراق”. 

ورغم غياب التصريح الرسمي عن طبيعة الدور الذي أداه سافايا في عملية الإفراج، فإن الإشارة العلنية من تسوركوف تسلّط الضوء على صلاته المحتملة بملف الفصائل المسلحة المقربة من إيران، ما يعزز التوقعات بأن يكون تعيينه مرتبطاً بملفات حساسة تتجاوز العمل الدبلوماسي التقليدي. 

في هذه الحال، لم يكن المبعوثون الأمريكيون إلى العراق منذ عام 2003 شخصيات رمزية، إذ مارس هؤلاء أدواراً سياسية مباشرة في تشكيل السلطة العراقية. 

بول بريمر وإياد علاوي وغازي عجيل الياور بعد مراسم الاحتفال بنقل السلطة الحكومية إلى الحكومة العراقية المؤقتة في 28 حزيران 2004. المصدر: ويكيبيديا.  

ففي عام 2004، ساهم بول بريمر، المبعوث الرئاسي ورئيس سلطة الائتلاف المؤقتة، في اختيار إياد علاوي رئيساً للحكومة المؤقتة، وكان أحد مهندسي ترتيب النظام السياسي الجديد وتوزيع السلطة على أسس مكوّناتية.  

ونسبت صحيفة نيويورك تايمز للأخضر الإبراهيمي، الذي كان يشغل آنذاك منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق، قوله عام 2004: “إن بريمر هو دكتاتور العراق، لديه المال، ولديه التوقيع، لا شيء يحدث من دونه”، في إشارة إلى السيطرة شبه الكاملة التي مارستها سلطة الاحتلال الأمريكي على العملية السياسية آنذاك.  

اقرأ أيضاً

الانسحاب الأمريكي والدولي من العراق: نهاية مهمة قتالية أم بداية صراع جديد؟ 

بعد أكثر من عقد، وفي عام 2018، أدّى بريت ماكغورك، مبعوث التحالف الدولي ضد “داعش”، دوراً نشطاً في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية والتنسيق مع الكتل السياسية لاختيار الرئاسات الثلاث، وكان حينها أشبه بـ”منسق فوقي” يدير خيوط اللعبة السياسية من خلف الستار.  

تجعل هذه السوابق أي تعيين أمريكي جديد -حتى لو كان رمزياً- محاطاً بالشكوك حول إمكانية تحوله إلى أداة نفوذ سياسي داخل العراق.  

  

لقاء بريت ماكغورك، المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، وبرهم صالح بعد انتخاب الأخير رئيساً لجمهورية العراق في الثاني من تشرين الأول 2018. المصدر: منصة X . 

التوقيت والرسائل  

في مؤتمر شرم الشيخ الأخير، لم يكن حديث ترامب مقتصراً على ما سمّاه “السلام” في الشرق الأوسط، بل ألقى بعبارة أثارت الكثير من علامات الاستفهام، حين قال: “لدينا العراق، بلد مليء بالنفط، لديهم الكثير من النفط لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون به”. 

بالنسبة لكثير من المراقبين في بغداد وواشنطن، لم يتضح إذا ما كان الرئيس الأمريكي يلمّح إلى نية اقتصادية جديدة تجاه العراق، أو أنه يلوّح بتحويل ملفه إلى هدف مالي واستثماري مفتوح ضمن سياق أوسع لإعادة التموضع الأمريكي في المنطقة، وهذا الغموض في خطاب ترامب ليس جديداً، إذ غالباً ما يمزج بين لغة المال والنفط والخطاب السياسي، ما يثير قلقاً في العراق من أن تتحول البلاد مجدداً إلى ساحة تجاذب.  

وبينما لا تملك بغداد حتى الآن معلومات رسمية عن صلاحيات المبعوث الجديد، فإن رمزية التوقيت وهوية الشخصية كافيتان لإثارة تساؤلات حول طبيعة التحرك الأمريكي: هل هو جزء من محاولة لاستعادة النفوذ السياسي في العراق، أم أنه رد جميل لسافايا على دعمه لترامب وتبرعه لحملته الانتخابية ومساعدته في حصد أصوات له في ميشيغان؟  

سواء كان مارك سافايا يحمل صلاحيات حقيقية أم لا، فإن تعيينه في هذا التوقيت لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع، المتمثل بانتخابات عراقية تخللها حتّى الآن عنف، وتحركات أمريكية موازية في المنطقة، واستخدام متجدد لأدوات النفوذ غير التقليدية، مثل “المبعوثين الخاصين”، الذين لطالما مارسوا تأثيراً يتجاوز التمثيل الدبلوماسي.